الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 11 مارس 2015

عدم دستورية تقييد رأفة القاضي في السلاح (الفقرة الثانية)

باسم الشعب
المحكمة الدستوريةالعليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من فبراير سنة 2015م، الموافق الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1436 هـ.
برئاسة السيدالمستشار / عدلي محمود منصور          رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور حنفي على جبالي والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم
والدكتور حمدان حسن فهمى                     نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدالمستشار / محمود محمد غنيم      رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمدناجى عبد السميع          أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
          فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 78 لسنة 36 قضائية " دستورية
المقامة من
السيد / عبدالصادق أبو السعود عبد الصادق
ضــــــــد
1-      السيد رئـيس الجمهوريــة
2-      السيد رئيس مجلس الـوزراء
3-      السيد وزير العـــــــدل
4-      السيد النائب العــــــام
الإجراءات
          بتاريخ 14/5/2014، أودع المدعى صحيفةهذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبًا الحكم بعدم دستورية الفقرة الرابعة وصحتها ( السابعة)من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر مستبدلةبالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 .
          وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبتفيها الحكم برفض الدعـوى .
          وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضينتقريرًا برأيها .
          ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضرالجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
          بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
وحيث إن الوقائع، على ما يتبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق، تتحصل فى أن النيابةالعامة قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية بالقضية رقم 14990 لسنة 2012 جنايات الوراقوالمقيدة برقم 3569 لسنة 2012 كلى شمال الجيزة بوصف أنه فى يوم 27/9/2012، بدائرةقسم شرطة الوراق، محافظة الجيزة، أحرز بغير ترخيص سلاحًا ناريًّا مششخنًا ( مسدسًافردى الإطلاق)، وأحرز ذخيرة ( طلقة واحدة ) مما تستعمل على هذا السلاح دون أن يكونمرخصًا له بحيازتها أو إحرازها . وطلبت النيابة العامة معاقبة المدعى وفقًا للمواد(1/1) و(6) و(26/2، 4) و(30/1) من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونينرقمى 26 لسنة 1978 و165 لسنة 1981 والمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، والبند ( أ ) منالقسم الأول من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون الأول والمستبدل بقرار وزيرالداخلية رقم 13354 لسنة 1995 . وتدوولت الدعوى الجنائية أمام محكمة جنايات الجيزة، وبجلسة 18/3/2014، دفع المدعى أمام تلك المحكمة بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 17/5/2014، لاتخاذ إجراءات الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا، فأقام الدعوى الماثلة .
          وحيث إن المادة (26) من القانون رقم 394لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر مستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 تنصعلى أن :
الفقرةالأولى : " يعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أو يحرزبالذات أو بالواسطة بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالجدول رقم (2) المرافق" .
الفقرة الثانية : " ويعاقب بالسجن المشدد وغرامة لا تجاوز خمسة عشر ألف جنيه كل منيحوز أو يحرز بالذات أو بالواسطة بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليهابالقسم الأول من الجدول رقم (3) المرافق " .
الفقرة الثالثة : " وتكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه إذاكان الجانى حائزًا أو محرزًا بالذات أو بالواسطة سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليهابالقسم الثانى من الجدول رقم (3) " .
الفقرة الرابعة : " ويعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أويحرز بالذات أو بالواسطة ذخائر مما تستعمل فى الأسلحة المنصوص عليها بالجدولين رقم(2 و3) " .
الفقرة الخامسة : " وتكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه إذاكان الجانى من الأشخاص المذكورين بالبنود من (ب) إلى (و) من المادة (7) من هذاالقانون " .
الفقرة السادسة : " ومع عدم الإخلال بأحكام الباب الثانى مكررًا من قانون العقوباتتكون العقوبة السجن المشدد أو المؤبد ......... " .
الفقرة السابعة : " واستثناءً من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات لا يجوزالنزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فى هذه المادة " .
وحيثإن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكونثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكمفى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمةالموضوع، متى كان ذلك، وكان المدعى قد أحيل إلى المحكمة الجنائية بوصف أنه أحرزبغير ترخيص سلاحًا ناريًّا مششخنًا، وأحرز ذخيرة مما تستعمل على هذا السلاح دون أنيكون مرخصًا له بإحرازها وطلبت النيابة العامة عقابه بالمواد ( 1/1 و6 و26/2، 4 و30/1) من القانون رقم 394 لسنة 1954 معدلاً بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 والبند ( أ) من القسم الأول من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون رقم 394 لسنة 1954 والمستبدلبقرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995، وكان الدفع بعدم دستورية المرسوم بقانونرقم 6 لسنة 2012 برمته، والفقرة الرابعة وصحتها ( السابعة ) من المادة (26) منالقانون رقم 394 لسنة 1954 الذى أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع يهدف فى حقيقتهإلى إبطال الحكم الوارد بنص الفقرة السابعة من المادة (26) من قانون الأسلحةوالذخائر سالف الذكر والذى يقرر عدم جواز النزول بالعقوبة المحددة للجرائم فى هذهالمادة استثناءً من حكم المادة (17) من قانون العقوبات، أملاً منه فى أن تستعيدمحكمة الموضوع سلطتها التقديرية فى اختيار العقوبة التى تراها مناسبة للجرائمالمنسوب إلى المدعى ارتكابها، ومن ثم فإن مصلحة المدعى الشخصية المباشرة فى الدعوىالدستورية الماثلة تنحصر فى الطعن على الفقرة السابعة من المادة (26) من القانونرقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر معدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012،فيما نصت عليه من ( واستثناء من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات لا يجوزالنزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فى هذه المادة ) .
وحيثإن الجريمتين المنسوب إلى المدعى ارتكابهما وهما إحراز سلاح نارى مششخن بدون ترخيصوإحراز ذخيرة مما تستعمل على هذا السلاح دون أن يكون مرخصًا له بإحرازهما واردتانبالفقرتين الثانية والرابعة من المادة (26) من قانون الأسلحة والذخائر، ومن ثم فإننطاق الدعوى الماثلة يتحدد بنص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من قانون الأسلحةوالذخائر فى مجال إعماله بالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما فى الفقرتين الثانيةوالرابعة من المادة ذاتها .
وحيثإن المحكمة الدستورية العليا سبق أن حسمت المسألة الدستورية المثارة بالنسبةللجريمة الواردة بنص الفقرة الرابعة من المادة (26) من قانون الأسلحة والذخائرالمشار إليه، وذلك بقضائها الصادر بجلسة 8/11/2014 فى القضية رقم 196 لسنة 35قضائية " دستورية " والذى قضى ( بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة منالمادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر المستبدلةبالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيقأحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما بالفقرتينالثالثة والرابعة من المادة ذاتها )، وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بالعددرقم 45 مكرر (ب) بتاريخ 12/11/2014، ومن ثم وعملاً بحكم المادتين ( 48 و49 ) منقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فإن الخصومة فىهذا الشق من الدعوى تغدو منتهية .
وحيثإن المدعى ينعى على المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 أنه صدر فى فترة حل مجلسالشعب، ولم يتم عرضه على مجلس الشورى إعمالاً لأحكام الدستور الصادر سنة 2012 .
ومنحيث إن استيثاق المحكمة الدستورية العليا من استيفاء النصوص التشريعية المطعونفيها للأوضاع الشكلية المقررة دستوريًّا فى شأن إصدارها، يعد أمرًا سابقًابالضرورة على خوضها فى عيوبها الموضوعية . لما كان ذلك، وكانت هذه المحكمة قد سبقأن عُرض عليها أمر دستورية بعض نصوص المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 المشار إليهبحكمها الصادر بجلسة 8/11/2014 فى القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية " دستورية "والذى قضى " بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر مستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوباتبالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما بالفقرتين الثالثة والرابعة من المادة ذاتها ." وذلك لمخالفته للأحكام الموضوعية الواردة فى الدستور الصادر عام 2014 التىتضمنتها المواد (94) و(96) و(99) و(184) و(186) منه مما مؤداه استيفاء هذا المرسومبقانون للأوضاع الإجرائية المقررة فى شأن إصداره، بما يحول دون بحثها من جديد ومنثم فإن المناعى الشكلية التى نسبها المدعى إلى المرسوم بقانون الطعين تكون غيرمقبولة .
          وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين،من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستورالقائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - وعلى ما جرى عليه قضاءهذه المحكمة- صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه وأن نصوص هذاالدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقامالصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار مايخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة . ومن ثم فإن هذه المحكمةتباشر رقابتها على النص المطعون عليه - محددًا نطاقًا على النحو المتقدم بيانه - منخلال أحكام الوثيقة الدستورية الصادرة فى 18 يناير سنة 2014 .
          وحيث إن المدعى ينعى على نص الفقرةالسابعة من المادة (26) من قانون الأسلحة والذخائر المشار إليه أنها أهدرت السلطةالتقديرية للقاضى فى تقرير العقوبة بالمخالفة لنصوص الدستور التى أكدت استقلالالسلطة القضائية وكفلت حق التقاضى .
          وحيث إن هذا النعى سديد فى جوهره ذلك أنالدستور كفل فى مادته السادسة والتسعين، الحق فى المحاكمة المنصفة بما تنص عليه منأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة، تُكفل له فيها ضماناتالدفاع عن نفسه . وهو حق نص عليه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرةوالحادية عشرة التى تقرر أولاهما : أن لكل شخص حقًّا مكتملاً ومتكافئًا مع غيره فىمحاكمة علنية، ومنصفة، تقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة، تتولى الفصل فى حقوقهوالتزاماته المدنية، أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه . وتُرَدَّدُ ثانيتهما : فىفقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية، فى أن تُفترض براءته إلى أن تثبتإدانته فى محاكمة علنية تُوفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه وهذه الفقرة تؤكدقاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية، وتقع فى إطارها مجموعة منالضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهومًا للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييسالمعاصرة المعمول بها فى الدول المتحضرة وهى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة، وقواعدتنظيمها، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحيةالعملية، كما أنها تعتبر فى نطاق الاتهام الجنائى، وثيقة الصلة بالحرية الشخصيةالتى كفلها الدستور، ولا يجوز بالتالى تفسير هذه القاعدة تفسيرًا ضيقًا، إذ هىضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهى التى تكفل تمتعهبها فى إطار من الفرص المتكافئة، ولأن نطاقها - وإن كان لا يقتصر على الاتهامالجنائى - إنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية،إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزومًا فى الدعوى الجنائية وذلك أيًّا كانتطبيعة الجريمة، وبغض النظر عن درجة خطورتها .
          وحيث إنه على ضوء ما تقدم، تتمثل ضوابطالمحاكمة المنصفة فى مجموعة من القواعد المبدئية التى تعكس مضامينها نطاقًا متكاملالملامح، يتوخى بالأسس التى يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحولبضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقًا منإيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التى تنال من الحريةالشخصية، ولضمان أن تتقيد الدولة عند مباشرتها لسلطاتها فى مجال فرض العقوبة صونًاللنظام الاجتماعى، بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التى ينافيها أن تكونإدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته علىضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة بل يتعين أنتلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى منالحماية، التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها .
          وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمةأن الأصل فى العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل فيها إلا بقدر، نأيًا بها عنأن تكون إيلامًا غير مبرر، يؤكد قسوتها فى غير ضرورة، ذلك أن القانون الجنائى، وإناتفق مع غيره من القوانين فى تنظيم بعض العلائق التى يرتبط بها الأفراد فيما بينبعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فىاتخاذ العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها . وهو بذلكيتغيا أن يحدد - ومن منظور اجتماعى - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأنيسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيًّا ممكنًا، بما مؤداه أن الجزاء علىأفعالهم لا يكون مبررًا إلا إذا كان مفيدًا من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزًا تلكالحدود التى لا يكون معها ضروريًّا، غدا مخالفًا للدستور .
          وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى علىأن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطًا ثابتًا، أو النظر إليهم باعتبار أنصورة واحدة تجمعهم لتصبهم فى قالبها، بما مؤداه أن الأصل فى العقوبة هو تفريدها لاتعميمها، وتقرير استثناء تشريعى من هذا الأصل - أيًّا كانت الأغراض التى يتوخاها -مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغايرفيها، وهو ما يعنى إيقاع جزاء فى غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزنالجريمة وملابساتها والظروف الشخصية لمرتكبها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض .ذلك أن مشروعية العقوبة - من زاوية دستورية - مناطها أن يباشر كل قاض سلطته فىمجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرًا لها، فى الحدود المقررة قانونًا، فذلك وحدهالطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرًا لآثار الجريمة من منظور عادل يتعلق بهاوبمرتكبها .
          وحيث إنه من المقرر أن شخصية العقوبةوتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يكون قانونًا مسئولاً عن ارتكابها على ضوءدوره فيها، ونواياه التى قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقًالخياراته بشأنها . متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً فى إطارالخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهمفى مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التى أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها فىكل حالة بذاتها؛ مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلاتنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملاً مجردًا يعزلها عن بيئتها دالاًّ علىقسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامدًا، فجًّا، منافيًا لقيم الحق والعدل .
وحيثإن الدستور الصادر عام 2014 إذ نص فى المادة (94) منه على خضوع الدولة للقانون وأناستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، كما أكدعلى هذه المبادئ فى المادتين (184) و(186) من الدستور ذاته، فقد دلَّ على أنالدولة القانونية هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها- وأيًّا كانت طبيعة سلطاتها -بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالهاالمختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازًا شخصيًّا لأحد ولكنها تباشر نيابةعن الجماعة ولصالحها، ولأن الدولة القانونية هى التى يتوافر لكل مواطن فى كنفهاالضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها فى إطار منالمشروعية، وهى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدةالقانونية محورًا لكل تنظيم، وحدًّا لكل سلطة، ورادعًا ضد كل عدوان .
          وحيث إنه من المقرر قانونًا أن العقوبةالتخييرية، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازى بعقوبة أصلية أشد – عند توافرعذر قانونى جوازى مخفف للعقوبة – أو إجازة استعمال الرأفة فى مواد الجناياتبالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك عملاً بنصالمادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقاف تنفيذ عقوبة الغرامة أو الحبس الذى لاتزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروفالعينية التى لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانونعلى ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هى أدوات تشريعية يتساندإليها القاضى – بحسب ظروف كل دعوى – لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة ومن ثم ففى الأحوالالتى يمتنع عليه إعمال إحدى هذه الأدوات، فإن الاختصاص المنوط به فى تفريد العقوبةيكون قد انتُقص منه، بما يفتئت على استقلاله وحريته فى تقدير العقوبة وينطوى علىتدخل محظور فى شئون العدالة والقضايا .
وحيثإن العقوبة المقررة لجريمة حيازة سلاح نارى من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الأولمن الجدول رقم (3) المرفق بالقانون رقم 394 لسنة 1954 معدلاً بالمرسوم بقانون رقم 6لسنة 2012، والمسندة للمتهم فى الدعوى الموضوعية هى السجن المشدد وغرامة لا تجاوزخمسة عشر ألف جنيه، ومن ثم فإن هذه العقوبة تعد من العقوبات غير التخييرية، والتىلم يُنص على أعذار قانونية جوازية مخفضة لها، ويمتنع بالنص المطعون فيه النزولعنها فيما لو اتضح لقاضى الموضوع قسوتها فى ضوء أحوال الجريمة التى تقتضى رأفته،بما يحول بينه وبين إعمال سلطته فى تفريد العقوبة .
وحيثإنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون قد أهدر من خلال الانتقاص من سلطةالقاضى فى تفريد العقوبة جانبًا جوهريًا من الوظيفة القضائية، وجاء منطويًا كذلكعلى تدخل فى شئون العدالة، مقيدًا الحرية الشخصية فى غير ضرورة، ونائيًا عن ضوابطالمحاكمة المنصفة، ومخلاً بمبدأ خضوع الدولة للقانون، وواقعًا بالتالى فى حمأةمخالفة أحكام المواد (94)، (96)، (99)، (184)، (186) من الدستور .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954فى شأن الأسلحة والذخائر المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجريمة المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة ذاتها، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغمائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق