الصفحات

البحث الذكي داخل المدونة

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الأربعاء، 31 ديسمبر 2025

الدعوى رقم 176 لسنة 37 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 6 / 12 / 2025

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من ديسمبر سنة 2025م، الموافق الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة 1447ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 176 لسنة 37 قضائية "دستورية"

المقامة من

الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي

ضد

1- رئيس الجمهورية

2- رئيس مجلس الوزراء

3- وزير العدل

4- رئيس مجلس النواب

5- وزير المالية

6- رئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب

-------------

الإجراءات

بتاريخ السابع عشر من ديسمبر سنة 2015، أودعت الهيئة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية المادة (56) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983، وبسقوط المواد من (57 إلى 69) من القانون ذاته للارتباط.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

-----------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق– في أن الشركة المدعى عليها السادسة، تقدمت بطلب تحكيم إلى مكتب التحكيم بوزارة العدل، قُيد برقم 55 لسنة 2013، مختصمة الهيئة المدعية، بطلب الحكم بإلزامها برد مبلغ 438624,54 جنيهًا، السابق خصمه من مستحقات الشركة لدى الهيئة المدعية عن الأعمال المبينة بطلب التحكيم، تحت حساب دمغة نقابة التطبيقيين، مع الفوائد بواقع 5% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد. وبجلسة 1/4/2014، قضت هيئة التحكيم للشركة المدعى عليها السادسة بطلباتها؛ فأقامت الهيئة المدعية أمام محكمة استئناف القاهرة "مأمورية الجيزة"، الدعوى رقم 39 لسنة 131 قضائية، طالبة الحكم ببطلان حكم هيئة التحكيم الإجباري المشار إليه، واعتباره كأن لم يكن. وقد ضمنت الهيئة المدعية صحيفة دعواها دفعًا بعدم دستورية نص المادة (56) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983، لفرضها التحكيم جبرًا على أطراف الخصومة. وبجلسة 5/7/2015، قضت المحكمة بعدم اختصاصها نوعيًّا بنظر الدعوى، وإحالتها إلى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية. ونفاذًا لحكم الإحالة، قيدت الدعوى برقم 138 لسنة 2015 تجاري كلي جنوب القاهرة. وبجلسة 24/11/2015 -واستنادًا إلى سابقة دفعها بعدم الدستورية- طلبت الهيئة المدعية وقف الدعوى لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية. وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للهيئة المدعية بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقامت الدعوى المعروضة.

وحيث إن نص المادة (56) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 -قبل إلغائه بالقانون رقم 4 لسنة 2020- يجري على أن "يفصل في المنازعات التي تقع بين شركات القطاع العام بعضها وبعض أو بين شركة قطاع عام من ناحية وبين جهة حكومية مركزية أو محلية أو هيئة عامة أو هيئة قطاع عام أو مؤسسة عامة من ناحية أخرى عن طريق التحكيم دون غيره على الوجه المبين في هذا القانون".

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية -وهى شرط لقبولها- أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع، وأن الدعوى الدستورية وإن كانت تستقل بموضوعها عن الدعوى الموضوعية، باعتبار أن أولاهما تتوخى الفصل في التعارض المدعى به بين نص تشريعي وقاعدة في الدستور، في حين تطرح ثانيتهما -في صورها الأغلب وقوعًا- الحقوق المدعى بها في نزاع موضوعي يدور حولها إثباتًا أو نفيًا، فإن هاتين الدعويين لا تنفكان عن بعضهما من زاويتين، أولاهما: أن المصلحة في الدعوى الدستورية مناطها ارتباطها بالمصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلب الموضوعي المرتبط بها، وثانيتهما: أن يصبح الفصل في الدعوى الموضوعية متوقفًا على الفصل في الدعوى الدستورية، بما مقتضاه أن يكون النزاع الموضوعي ما زال قائمًا عند الفصل في الدعوى الدستورية، وإلا أصبح قضاء المحكمة الدستورية العليا دائرًا في فلك الحقوق النظرية البحتة بزوال المحل الموضوعي الذي يمكن إنزاله عليه.

وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن القاعدة العامة في قانون المرافعات المدنية والتجارية -باعتباره القانون الإجرائي العام- أنه ليس من شأن أي نص يحظر أو يقيد حق الطعن في الأحكام الحيلولة دون الطعن عليها بدعوى البطلان الأصلية، إذا لحق بها عيب شكلي أو موضوعي يصمها بالبطلان، باعتبار أن دعوى البطلان الأصلية لا تعتبر طريقًا من طرق الطعن في الأحكام، وإنما هي أداة لرد الأحكام التي أصابها عوار في مقوماتها عن إنفاذ آثارها القضائية، سواء تمثل ذلك العوار في عدم صحة انعقاد الخصومة في الدعوى التي صدر فيها الحكم المطلوب إبطاله، أو عدم اشتمال هذا الحكم على الأركان الأساسية المتطلبة لاكتساب وصف الأحكام القضائية. ولا يستطيل البحث في دعوى بطلان الأحكام إلى ما قد يكون قد اعتور الحكم المطلوب إبطاله من مخالفة للقانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله.

متى كان ذلك، وكان النزاع المردد في الدعوى الموضوعية يدور حول بطلان الحكم الصادر عن هيئة التحكيم في طلب التحكيم رقم 55 لسنة 2013، وكان الفصل في هذا النزاع يستلزم استجلاء دستورية نص المادة (56) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته المار ذكره، التي فرضت التحكيم الإجباري بين الهيئة المدعية والشركة المدعى عليها السادسة، فإن الفصل في دستورية هذا النص وما يترتب عليه من انعقاد الاختصاص لهيئة التحكيم بنظر المنازعة الموضوعية أو انحسار هذا الاختصاص، يكون من شأنه أن يرتب انعكاسًا أكيدًا وأثرًا مباشرًا على الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع؛ لتتوافر بذلك المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى المعروضة.

ولا ينال من ذلك صدور القانون رقم 4 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته المشار إليه، بعد رفع الدعوى الدستورية، ناصًّا في مادته الأولى على أن "يُلغى الباب السابع من الكتاب الثاني من قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983"، الذي تضمن بين نصوصه المادة المطعون بعدم دستوريتها؛ ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في القواعد القانونية الإجرائية التي يسنها المشرع محددًا بها وسائل اقتضاء الحقوق المتنازع عليها، أنها تتصل في عمومها بمراكز قانونية تقبل بطبيعتها التعديل والتغيير دون أن يُرمى عمل المشرع بشأنها برجعية الأثر؛ ومن ثم كان سريانها بأثر مباشر في المسائل التي تناولتها، وهذه هي القاعدة التي رددتها المادة (1) من قانون المرافعات المدنية والتجارية بنصها على سريان أحكام هذا القانون على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من إجراءاتها قبل العمل به. ولا استثناء من هذه القاعدة إلا في أحوال حددتها هذه المادة حصرًا، هي تلك التي يكون فيها القانون الجديد معدلًا لميعاد كان قد بدأ قبل العمل به، أو كان مُلغيًا أو منشئًا لطريق طعن في شأن حكم صدر قبل نفاذه، أو كان معدلًا لاختصاص قائم، وبدأ العمل به بعد استواء الخصومة للفصل في موضوعها بإقفال باب المرافعة في الدعوى.

متى كان ما تقدم، وكانت دعوى البطلان المدفوع فيها بعدم دستورية النص المطعون فيه تستقل بأسبابها وموضوعها عن الدعوى التحكيمية، مما مؤداه أن تبقى المصلحة الشخصية المباشرة للهيئة المدعية في الدعوى المعروضة قائمة، ويتحدد نطاقها في نص المادة (56) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته سالف الذكر.

وحيث إن الهيئة المدعية تنعى على النص المطعون فيه الإخلال بالحق في التقاضي؛ وذلك بإقراره التحكيم الإجباري في المنازعات التي تقع بين فئات المتقاضين المنصوص عليها فيه، دون اعتداد بإرادتهم، وعلى خلاف الأصل في التحكيم، بما أدى إلى حرمان الجهات المبينة بالنص المطعون فيه من اللجوء إلى قاضيها الطبيعي، ودون مراعاة أن ملكية الدولة لأموال هيئات وشركات القطاع العام لا تحول دون تعارض المصالح بينها، كما أن النص المطعون فيه أقام تمييزًا بين هيئات وشركات القطاع العام، وبين شركات قطاع الأعمال العام الصادر في شأنها القانون رقم 203 لسنة 1991، إذ أتاح للشركات الخاضعة لأحكامه اللجوء إلى التحكيم الاختياري فيما ينشأ بينها من منازعات.

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في كل تنظيم تشريعي أن يكون منطويًا على تقسيم، أو تصنيف، أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض، أو عن طريق المزايا، أو الحقوق التي يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخاها بالوسائل المؤدية إليها منطقيًّا، وليس واهيًا، بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.

وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعنى -وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة- أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي -من ثم- على مخالفة لنص المادتين (4 و53) من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبهما هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم.

وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي –وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة– أنها سلطه تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها، وفي إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلًا للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.

وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنه إذا كان الأصل العام في التحكيم أن يكون وليدًا لاتفاق الخصوم على اللجوء إليه، باعتباره طريقًا بديلًا عن اللجوء إلى القضاء لفض ما يثور بينهم من منازعات، وفي الحدود والأوضاع التي تتراضى إرادتهم عليها، فإنه ليس هناك ما يحول والخروج على هذا الأصل العام إذا قامت أوضاع خاصة بخصوم محددين وفي شأن منازعات معينة لها طبيعتها المغايرة لطبيعة المنازعات العادية. وعلى ذلك، فإنه إذ وقع في حقبة الستينيات أن انتهجت الدولة سياسة تأميم وحدات الإنتاج وصيرورتها مالكة لها، بما ترتب عليه إنشاء مؤسسات وشركات قطاع عام لإدارة الأنشطة التي تضطلع بها هذه الوحدات، فقد اتجه المشرع إلى إيجاد آلية لفض المنازعات التي تثور بين هذه الشركات من ناحية وبين غيرها من الهيئات والمؤسسات العامة أو الجهات الحكومية، تتفق مع الطبيعة الخاصة لهذه الكيانات، كما تتفق مع حقيقة أن النتيجة النهائية لفض أية منازعة سترتد إلى الذمة المالية لمالكة هذه الكيانات وهى الدولة، أيًّا كان الأمر في ارتدادها إليها، سلبًا أو إيجابًا، وعلى ذلك فقد رسم المشرع بقواعد آمرة وجوب أن تلجأ الهيئات والمؤسسات العامة وشركات القطاع العام والجهات الحكومية إلى التحكيم وسيلةً لفض المنازعات التي تثور فيما بينها، أما عن قواعد هذا التحكيم وإجراءاته فقد انتظمتها أحكام قوانين المؤسسات العامة وشركات القطاع العام المتعاقبة، بدءًا من القانون رقم 32 لسنة 1966، ثم القانون رقم 60 لسنة 1971، وأخيرًا قانون هيئات القطاع العام وشركاته سالف الذكر.

متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه لا يعدو أن يكون مبلورًا لقاعدة آمرة لا يجوز تجاهلها أو إسقاطها وبها فرض المشرع، وفي الحدود التي بينها، التحكيم جبرًا على علائق بذاتها ليكون هذا النوع من التحكيم ملزمًا، ومستندًا في مصدره المباشر إلى نص القانون، مرتكنًا إلى السياسة الاقتصادية التي كانت تنتهجها جمهورية مصر العربية في أعقاب عمليات التأميم، وما ترتب على ذلك من نقل ملكية الأموال المؤممة إلى ذمة الدولة، فأصبحت هي المالكة لها، وأوكلت إدارتها في الأنشطة المختلفة إلى شركات القطاع العام. فإن حدث نزاع بين شركات ذلك القطاع حول تبعية أي من تلك الأموال كان مرجع الأمر للدولة باعتبارها صاحبة المال، فلها أن تحل النزاع بالطريقة التي ترتئيها دون حاجة لطرحه على جهات القضاء، وما يترتب على ذلك من إضاعة للوقت والمال، بما ينعكس أثره على إدارة أنشطتها الاقتصادية، ويعرقل خطوات الإصلاح الاقتصادي التي تحددت في الخطة الاقتصادية للدولة. وعلى ذلك، فإن ما كان يثور من منازعات بين شركات القطاع العام أو بينها وبين أي من الجهات الحكومية أو الهيئات العامة -في مجال إدارتها لأموال الدولة في نطاق الخطة الاقتصادية- لا تعتبر خصومات حقيقية تتعارض فيها المصالح الأصلية للأطراف المتنازعة كما هو الشأن في مجال القطاع الخاص، كما أن هذه المنازعات لا تدور حول أي من الخصمين يختص بالحق لنفسه، وإنما حول من منهما يقوم بإيصال الحق لصاحبه الوحيد، وهو الدولة. ومن ذلك المنطلق فرض المشرع التحكيم الإجباري في منازعات القطاع العام اعتبارًا من القانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٦، ومرورًا بالقانون رقم ٦٠ لسنة ١٩٧١، وانتهاءً بقانون هيئات القطاع العام وشركاته سالف الذكر، فكان الخروج على قاعدة رضائية التحكيم، لأسباب مبررة، لا مجال للبحث فيها عن إرادة الأشخاص المعنوية؛ إذ إنها تعمل جميعها لصالح جهة واحدة مالكة للمال، هي الدولة؛ بما يكون معه النعي على هذا النص بمجاوزته حدود الدستور على غير أساس، متعينًا رفضه.

وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور؛ ومن ثم فإن المحكمة تقضي برفض الدعوى.

وحيث إنه عن طلب الحكم بسقوط المواد من (57 إلى 69) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته المار ذكره، فإن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن طلب السقوط لا يعتبر طلبًا جديدًا مستقلًّا بعدم الدستورية، وإنما هو من قبيل التقديرات القانونية التي تملكها المحكمة الدستورية العليا فيما لو قضت بعدم دستورية نص معين ورتبت السقوط للمواد الأخرى المرتبطة به ارتباطًا لا يقبل التجزئة، وهو أمر تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، ولو لم يطلبه الخصوم. متى كان ذلك، وكانت المحكمة قد انتهت فيما تقدم إلى القضاء برفض الدعوى، فإن طلب سقوط تلك المواد لا يكون له محل، متعينًا الالتفات عنه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الهيئة المدعية المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق