الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 23 أبريل 2020

الطعن 489 لسنة 34 ق جلسة 29 / 6 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 104 ص 528


جلسة 29 من يونيه سنة 1964
برياسة السيد المستشار/ عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.
--------------
(104)
الطعن رقم 489 لسنة 34 القضائية

(أ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مسئولية مدنية. "مسئولية تقصيرية". "خطأ. ضرر. علاقة سببية". تعويض.
بيان الحكم أركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر ورابطة سببية. إحاطته بعناصر المسئولية المدنية إحاطة كافية. لا تثريب عليه بعد ذلك إذا لم يبين عناصر الضرر الذي قدر على أساسه مبلغ التعويض المحكوم به.
(ب) تعويض. محكمة الموضوع.
تقدير التعويض من إطلاقات محكمة الموضوع. مثال.

------------
1 - متى كان الحكم قد بين أركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية فإنه يكون قد أحاط بعناصر المسئولية المدنية إحاطة كافية، ولا تثريب عليه بعد ذلك إذا هو لم يبين عناصر الضرر الذي قدر على أساسه مبلغ التعويض المحكوم به.
2 - تقدير التعويض من إطلاقات محكمة الموضوع تقدره حسبما يتبين لها من ظروف الدعوى. فإذا كان يبين من الأسباب التي أسس عليها الحكم المطعون فيه قضاءه بتعديل قيمة التعويض ومن إشارته إلى التقدير الذي قدرته محكمة أول درجة أن المحكمة قدرت التعويض ووزنته بعد أن أحاطت بظروف الدعوى ووجدته مناسباً للضرر الذي وقع نتيجة لخطأ المتهم فلا يقبل من الطاعن مجادلة المحكمة في هذا التقدير.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة "عبد الحكيم محمد أحمد عبد الله" بأنه في يوم 2/ 4/ 1962 بدائرة قسم روض الفرج: تسبب بغير قصد ولا تعمد في قتل فتحي عاطف محمد فتح الله وكان ذلك ناشئاً عن رعونته وإهماله وعدم احتياطه بأن تحرك فجأة بالسيارة قيادته المبينة بالمحضر أثناء نزول المجني عليه منها مما أدى إلى اصطدامها به وسقوطه على الأرض فمرت عليه عجلتها الأمامية اليمنى فحدثت إصابته الموصوفة بالتقرير الطبي والتي أودت بحياته. وطلبت عقابه بالمادة 238 من قانون العقوبات. وقد ادعى عاطف محمد فتح الله بركات والسيدة نعمات حسن عطوه بحق مدني قبل المتهم وطلبا القضاء لهما قبله ومؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية متضامنين بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض ومحكمة روض الفرج الجزئية قضت حضورياً بتاريخ 24 يونيه سنة 1963 عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لايقاف التنفيد وإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدني متضامناً مع مؤسسة النقل العام بمدينة القاهرة والتي يمثلها المدعى عليه الثاني مبلغ خمسمائة جنيه والمصاريف ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنف كل من المتهم والمسئولة عن الحقوق المدنية والمدعيين بالحقوق المدنية هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 22 ديسمبر سنة 1963 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المستأنف بالنسبة إلى الدعوى الجنائية وتعديله بالنسبة إلى الدعوى المدنية إلى إلزام المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية بالتضامن بأن يدفعا للمدعيين بالحق المدني مبلغ ألفي جنيه مناصفة بينهما وألزمت المتهم والمسئول بالمصاريف المدنية الاستئنافية وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة. فطعنت الطاعنة والمسئولة عن الحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.

المحكمة
حيث إن الطاعن بوصفه مسئولاً عن الحقوق المدنية، ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان تابعه بجريمة القتل الخطأ قد انطوى على خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال ومخالفة للقانون فضلاً عن بطلانه ذلك بأنه قضى بإدانة التابع على أساس أنه لم يقف بالمحطة الوقت الكافي لنزول الركاب، وركن في ذلك الاستخلاص إلى أقوال الشاهدين وليم فؤاد غالي وعيسى حسن عيسى مع أن الثابت من المعاينة وأقوال الشاهد وليم فؤاد غالي أن الحادث وقع قبل وصول السيارة قيادة التابع لمحطة وقوفها - كما ذهب الحكم إلى القول بأن المتهم المذكور أخطأ بعدم وقوفه بالمحطة الوقت الكافي لنزول الركاب في حين أن الحادث وقع نتيجة خطأ المجني عليه الذي ألقى بنفسه من السيارة قبل وصولها إلى محطة الوصول، هذا إلى أن الحكم لم يبين الأسس التي استند إليها في تعديله لمقدار التعويض المدني المقضي به ولم يورد أسباباً يعتمد عليها فيما قضى به واكتفى بالقول بأن الحكم المستأنف قد أدركه الصواب بالنسبة إلى الدعوى الجنائية، وأنه قد خانه التوفيق بالنسبة إلى الدعوى المدنية مما مفاده أنه لم يأخذ بأسباب حكم محكمة أول درجة في خصوص الدعوى المدنية وفي الوقت ذاته لم ينشئ لنفسه أسباباً جديدة. مما ترتب عليه خلو الحكم من الأسباب وبطلانه تبعاً لذلك وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه. وانتهى الطاعن إلى طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه مؤقتاً خشية وقوع ضرر يتعذر تداركه.
وحيث إن الحكم الإبتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "إن المجني عليه كان يركب في سيارة الأتوبيس خط 129 قيادة المتهم عبد الحكيم محمد أحمد تابع الطاعن وشرع في النزول منها أثناء وقوفها في شارع شبرا بعد وصولها إليه من شارع خلاط لوجود سيارة أخرى أمامها إلا أنها تحركت فجأة فاصطدم جانبها به مما أدى إلى سقوطه على الأرض ومرور عجلة السيارة الأمامية اليمنى فحدثت به عدة إصابات أودت بحياته" وأورد على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال الشاهدين وليم فؤاد غالي وعيسى حسن عيسى ومما تبين من التقرير الطبي الخاص بالمجني عليه ثم خلص الحكم إلى إدانة المتهم ومسئوليته هو والطاعن عن التعويض الذي قدره بمبلغ خمسمائة جنيه. وقد أخذ الحكم المطعون فيه بأسباب حكم محكمة أول درجة بالنسبة إلى الدعوى الجنائية ومبدأ التعويض، إلا أنه عدل مبلغه إلى ألفي جنيه. لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات حكم محكمة أول درجة التي اعتنقها الحكم المطعون فيه أنه لم يؤسس إدانة المتهم وهو تابع الطاعن على أنه لم يقف بالمحطة الوقت الكافي لنزول الركاب وإنما أفصح عن الخطأ الذي أسنده إلى المتهم في قوله: "إن وفاة المجني عليه حدثت نتيجة خطأ وقع من المتهم إذ تحرك بالسيارة قيادته فجأة بعد أن كان المجني عليه قد شرع في النزول منها من بابها الأمامي المجاور له أثناء وقوفها وبعد أن كان الشاهد الأول قد نبهه إلى نزوله هو المجني عليه مما أدى إلى سقوط المجني عليه وحدثت إصابته في حين أنه كان يجب عليه أن ينتظر نزول المجني عليه من السيارة ما دام قد بدأ فعلاً في النزول منها أثناء وقوفها وكان نزوله من الباب الأمامي المجاور له وما دام قد نبهه إلى ذلك الشاهد". لما كان ذلك، وكان ما قاله الحكم فيما تقدم قد استخلصه من الأدلة المطروحة على المحكمة والتي لها أصل ثابت في الأوراق. وكان استخلاصه سائغاً في منطق العقل وكافياً للتدليل على توافر ركن الخطأ في حق المتهم. فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين أركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية فإنه يكون قد أحاط بعناصر المسئولية المدنية إحاطة كافية ولا تثريب عليه بعد ذلك إذا هو لم يبين عناصر الضرر الذي قدر على أساسه مبلغ التعويض المحكوم به - لما كان ذلك، وكان يبين من الأسباب التي أسس عليها الحكم قضاءه بتعديل قيمة التعويض ومن إشارته إلى التقدير الذي قدرته محكمة أول درجة أن المحكمة قدرت التعويض ووزنته بعد أن أحاطت بظروف الدعوى ووجدته مناسباً للضرر الذي وقع نتيجة لخطأ المتهم. وكان تقدير التعويض من إطلاقات محكمة الموضوع تقدره حسبما يتبين لها من تلك الظروف ومن حقها أن تحيل في أسبابها على أسباب حكم محكمة أول درجة فلا يقبل من الطاعن مجادلة المحكمة في هذا التقدير. لما كان ذلك، وكان طلب الطاعن وقف تنفيذ الحكم فضلاً عن عدم جدواه بعد الفصل في موضوع الطعن فإنه لا أساس له في القانون. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه.

الطعن 486 لسنة 34 ق جلسة 29 / 6 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 103 ص 516


جلسة 29 من يونيه سنة 1964
برياسة السيد المستشار/ عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.
-------------
(103)
الطعن رقم 486 لسنة 34 القضائية

(أ، ب) مسئولية جنائية. موانع العقاب. "الجنون والعاهة في العقل". محكمة الموضوع. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(أ) المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة في العقل وتنعدم به المسئولية الجنائية قانوناً: هو الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك. سائر الأمراض والأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه لا تعد سبباً لانعدام المسئولية.
(ب) تقدير حالة المتهم العقلية. من الأمور الموضوعية. استقلال محكمة الموضوع بالفصل فيها. ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة.
(ج، د) إثبات. "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
(ج) متى تلتزم المحكمة بالالتجاء إلى أهل الخبرة؟ في المسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها.
(د) عدم التزام المحكمة بندب خبير آخر في الدعوى تحديداً لمدى تأثير مرض المتهم على مسئوليته الجنائية. طالما أن الدعوى قد وضحت لها.
(هـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التناقض الذي يبطل الحكم: هو الذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح معه الاعتماد عليها والأخذ بها.
(و) حكم. "تسبيبه. ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل".
تزيد الحكم فيما استطرد إليه. لا يعيبه. طالما أنه لا أثر له في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها.

------------
1 - من المقرر أن الحالات النفسية ليست في الأصل من حالات موانع العقاب كالجنون والعاهة في العقل اللذين يجعلان الجاني فاقد الشعور والاختيار في عمله وقت ارتكاب الجريمة وفقاً لنص المادة 62 من قانون العقوبات. وقد جرى قضاء محكمة النقض على أن المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة في العقل وتنعدم به المسئولية الجنائية قانوناً هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأمراض والأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية.
2 - الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة.
3 - لا تلتزم المحكمة بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها.
4 - لا تلتزم المحكمة بندب خبير فني آخر في الدعوى تحديداً لمدى تأثير مرض المتهم على مسئوليته الجنائية طالما أن الدعوى قد وضحت لها.
5 - التناقض الذي يبطل الحكم هو الذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح معه الاعتماد عليها والأخذ بها.
6 - تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه طالما أنه لا أثر له في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في 3 ديسمبر سنة 1961 بندر المحلة الكبرى محافظة الغربية: قتل منير تادرس فام عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنه في المكان والزمان سالفي الذكر: أولاً - قتل بولين نقولا زيتوس عمداً بأن أطلق عليها عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. ثانياً - شرع في قتل نادية تادرس فام عمداً بأن أطلق عليها عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو تدارك المجني عليها بالعلاج. ثالثاً - شرع في قتل مجدي تادرس فام عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو تدارك المجني عليه بالعلاج. رابعاً - شرع في قتل مجدي إبراهيم إسحاق عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو تدارك المجني عليه بالعلاج الأمر المنطبق على المواد 45/ 1 و46 و234/ 1 من قانون العقوبات. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 234/ 2 من قانون العقوبات. فقررت الغرفة ذلك. وقد ادعى زاهر إبراهيم تادرس بصفته وصياً على جيزيل منير تادرس وفخري منير تادرس قاصري القتيلين بحق مدني قبل المتهم وطلب القضاء له قبله بمبلغ سبعة آلاف جنيه إلى الأولى ومبلغ خمسة آلاف جنيه إلى الثاني على سبيل التعويض. كما ادعت آمال منير تادرس ابنة القتيلين (الرشيدة) قبل المتهم أيضاً بمبلغ أربعة آلاف جنيه. وادعى أيضاً متياس فارة نيان ابن المجني عليها بولين نقولا بحق مدني قبل المتهم بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه وذلك على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً بتاريخ 6 من فبراير سنة 1964 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات: أولاً - بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة. ثانياً - إلزامه بأن يدفع لزاهر تادرس بصفته وصياً على القاصرة جيزيل منير تادرس الشهيرة بلوليتا مبلغ خمسة آلاف جنيه. وله أيضاً بصفته وصياً على القاصر مجدي منير تادرس مبلغ ألفين من الجنيهات وأن يدفع لآمال منير تادرس الشهيرة بنينيت مبلغ خمسمائة جنيه وأن يدفع ليناس ميتياس فارتانيان الشهير بهاجوب أوبوبول مبلغ مائتين من الجنيهات وذلك كله على سبيل التعويض المدني لكل منهم مع إلزام المتهم المصروفات المدنية المناسبة لكل مبلغ من المبالغ المذكورة ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.

المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد المقترن بجنايات القتل والشروع فيها قد خالف القانون وانطوى على إخلال بحق الدفاع كما شابه قصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال ذلك بأن ما ذهب إليه الحكم من أن الأمراض النفسية لا تؤدي إلى فقدان الشعور أو الإدراك بمقولة إنها لا تعد من أمراض العقل التي يترتب عليها انعدام المسئولية الجنائية يتنافى مع ما هو ثابت علمياً وما أجمع عليه الشراح في بيان مدلول عبارة "عاهة في العقل" التي أشار إليها نص المادة 62 من قانون العقوبات من أنها عبارة عامة تتسع لكل ما يستجد في عالم الطب العقلي أو النفسي من أحوال الاختلال العقلي أو الأمراض النفسية التي تعدم الشعور أو الاختيار، هذا فضلاً عن أن المحكمة بعد أن استجابت في أول الأمر إلى ما طلبه الدفاع من فحص حالة الطاعن النفسية والعقلية وأصدرت قراراً بتحقيقه عادت واكتفت بما جاء خلواً بتقرير الأطباء الثلاثة الذي انتهى إلى عدم إصابة الطاعن بحالة عقلية مرضية أو بنوبات صرعية وأنه يعتبر مسئولاً عما صدر منه في حين أن هذا التقرير جاء خلواً من فحص حالة الطاعن من الناحية النفسية التي أصر الدفاع على وجوب فحصها بواسطة المختصين الفنيين في الأمراض النفسية والتفت الحكم عن هذا الدفاع بحجة أنه سبق فحص حالة الطاعن العقلية وأن هذا الطلب غير منتج قولاً منه بأن الأمراض النفسية لا تؤدي إلى انعدام الشعور أو الاختيار وهو قول يكشف عن فساد استخلاص الحكم لمرامي الدفاع وما أثاره في هذا الخصوص من أن الطاعن مصاب بحالة نفسية شاذة كامنة من شأنها أن تفقده الوعي والسيطرة على إرادته في لحظة ارتكابه الجريمة ولا يتأتى كشف هذه الحالة إلا بواسطة أخصائي في الأمراض النفسية وخصوصاً أن تقرير الأطباء الشرعيين الثلاثة أشار إلى ظواهر نفسية تنم عن إصابته بهذه الحالة فضلاً عن أن ما رد به الحكم على ذلك الدفاع لا يستقيم مع ما هو من أنه لا يجوز للمحكمة أن تحل نفسها محل الخبير الفني في شأن مسألة فنية. هذا إلى أن تقرير الأطباء المذكورين شابه التناقض وجاء مبنياً على الظن والاحتمال في صدد ما انتهى إليه من قول بسلامة إدراك الطاعن وهو ما حدا بالدفاع إلى التمسك بطلب ندب أخصائي في أبحاث علم النفس والتحليل النفسي لفحص حالة الطاعن وقت ارتكاب الحادث لاحتمال إصابته بحالة عقلية غير عادية لم يتسن للأطباء الشرعيين الثلاثة كشفها، كما أن ما استند إليه الحكم علاوة على ما جاء في هذا التقرير من الوقائع التي سردها في تبين حالة الطاعن العقلية هو استدلال غير سليم، ذلك لأن تلك الوقائع وإن كانت تنم عن سلامة تصرفات الطاعن عقب الحادث إلا أنها لا تدل على سلامة حالته العقلية وقت ارتكابه مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن الخلاف الذي كان قد نشب بين أسرتي الطاعن وزوجته وتعددت مظاهره قد تطور حتى أفضى إلى تبادل والديهما الضرب وتقديم الشكاوى كل في حق الآخر وأدى إلى إساءة الطاعن معاملة زوجته حتى أنه استولى على مصاغها لكي يمنعها من السفر إلى القاهرة لزيارة ذويها وما أن سمع والداها بذلك حتى قصدا في صباح يوم الحادث إلى المحلة الكبرى ومعهما ابنهما مجدي وابنتهما الصغيرة جيزيل لاصطحاب زوجة الطاعن - ابنتهما - معهم إلى القاهرة. وما أن دخلوا إلى مسكن الطاعن حتى القوه جالساً مرتدياً ملابسه المنزلية بعد أن عاد من عمله الرسمي فقابلهم بجفاء. وما أن أفضت الزوجة بشكواها منه إلى والديها حتى أمرها والدها بارتداء ملابسها لاصطحابها معهم إلى القاهرة فاعترض الطاعن على ذلك وحدثت مناقشة بينه وبين والدها تطورت إلى أن أخرج الطاعن مسدسه الحكومي وشهره في وجه حميه وصوبه نحوه منتوياً أن يتخذ منه ومن باقي أفراد أسرته غرضاً لرصاصه وما كاد صهره يتحداه بأن يطلق النار حتى أمطره وأفراد أسرته بوابل من رصاص مسدسه وبدأ بصهره فأطلق عليه عياراً قاصداً قتله فأصابه في بطنه ونفذ المقذوف من وحشية إليته اليمنى فخر على أرض الصالة مضرجاً بدمائه. ثم عاجل حماته بطلق آخر قاصداً به قتلها فأصابها في بطنها ونفذ من ظهرها وأصاب في الوقت نفسه الطفل مجدي ابنه الذي كانت تحمله وقت إصابتها وما أن وثب نحوه مجدي نجل القتيلين ليمنعه من متابعة إطلاق النار حتى أصابه بطلق ثالث قاصداً قتله، دخل من وحشية فخذه اليسرى ونفذ من أنسية تلك الفخذ ثم دخل بأنسية فخذه اليمنى وخرج من وحشيتهما وقد هرعت زوجته عندما سمعت صوت العيارات من حجرة النوم لترى ما حل بأهلها فتلقاها الطاعن بطلق رابع بنية قتلها نفذ من بطنها وقتل جنيناً في أحشائها في شهره السابع الرحمي فسقطت تتلوى إلى جانب أهلها على أرض الصالة وقد تحاملت والدتها رغم جراحها مسرعة إلى شقة مجاورة في طلب سيارة الإسعاف التي وصلت بعد دقائق وقامت بنقلها هي وباقي المصابين إلى المستشفى الأميري بالمحلة الكبرى، وقد أسرع الطاعن قبل وصول سيارة الإسعاف إلى مقر الشرطة ومعه مسدسه الحكومي المستعمل في الحادث وقدمه لمأمور القسم ومعه بضع عشرة طلقة حية علاوة على طلقة أخرى وأبلغه بأن أفراد أسرة الزوجة أصيبوا بيده من هذا المسدس وكان ذلك بإهمال منه أثناء قيامه بتنظيف المسدس في حضورهم عقب وصولهم إلى مسكنه فطير المأمور نبأ الحادث إلى الجهات المختصة. وفي اليوم التالي توفى والدا الزوجة متأثرين بإصاباتهما بعد أن أدلى كل منهما بأقواله إلى وكيل النيابة المحقق وشفي باقي المصابين من إصاباتهم بعد تداركهم بالعلاج. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة مستمدة مما حصله من أقوال المجني عليهم والدي زوجته وشقيقيها وزوجته ومما دلت عليه المعاينة. ومن الكشوف الطبية وتقارير الصفة التشريحية، وبعد أن أورد الحكم ما استخلصه من اطلاعه على محضر الجنحة رقم 6527/ 1961 قسم أول طنطا لإثبات النزاع المستمر السابق على الحادث بين والد الطاعن ووالد زوجته وما حصله من أقوال الطاعن في التحقيق في شأن إنكاره تعمد إطلاقه النار على المجني عليهم وأن إصاباتهم وقعت منه نتيجة لإهماله وعدم احتياطه في أثناء محاولته إخراج المشط من المسدس عقب وصولهم إلى مسكنه وما رواه في هذا الشأن من تعليلات مختلفة سبباً لانطلاق المقذوفات من مسدسه وإنكاره في البداية الخلاف بينه وبين أهل زوجته ثم اعترافه به عرض لما أثاره الدفاع من انعدام شعور الطاعن وتمييزه وقت وقوع الحادث لخلل في قواه العقلية وللاضطراب النفسي "القلق العصبي" الذي أصيب به قبل الحادث فاستعرض أسس انعدام المسئولية الجنائية بسبب الخلل في القوى العقلية وحكم القانون فيها طبقاً لنص المادة 62 من قانون العقوبات وما كان عليه هذا النص قبل تعديله ومقارنته بما هو منصوص عليه في هذا الخصوص في التشريع المقارن وما قاله الشراح في هذا الصدد من أنواع الأمراض العقلية التي تعدم الشعور والاختيار والفرق بينها وبين الأمراض النفسية التي لا تنتج الأثر نفسه الذي للأمراض العقلية في انعدام المسئولية الجنائية واستطرد إلى ما استخلصه من التقريرات العلمية في هذا الصدد من تفرقة بين الاضطراب العقلي وغيره من الاضطرابات النفسية التي مردها اختلال الغرائز والعواطف مما لا صلة له بالتمييز والإدراك، وبعد أن استعرض مراحل العمليات النفسية وأثارها أثبت مؤدى ما قاله الأطباء الشرعيين الثلاثة في تقريرهم الذين ندبتهم المحكمة لفحص حالة الطاعن العقلية بناء على طلب الدفاع المؤسس على ما أجروه من تحقيقات وفحص طبي وملاحظاتهم في هذا الخصوص والنتيجة التي انتهوا إليها من أن الطاعن يتمتع بصحة عادية عامة وبسلامة جهازه العصبي وأنه لم تسبق إصابته بمرض عقلي أو نوبات صرعية أو نوبات إيهام في حالة الوعي في الماضي والحاضر ولا توجد عنده أفكار اضطهادية أو هلوسة أو معتقدات هذيانية وأنه يعتبر مسئولاً جنائياً عما صدر منه من أفعال مشيراً إلى الأسانيد والحقائق التي ركن إليها تقرير أولئك الأطباء تدعيماً لما وصلوا إليه من نتيجة عول عليها الحكم وتبناها بالإضافة إلى ما لاحظته المحكمة بنفسها عملاً بحقها الموضوعي من توافر ملكات الوعي لديه أخذاً من أقواله وأفعاله كما تضمنتها الأوراق وأنهى من ذلك إلى أن مسلك الطاعن وأقواله وأفعاله عقب الحادث تفصح عن توافر الملكات الواعية لديه وقت وقوع الحادث وتكشف عن توافر التمييز لديه وعلى قدرته على حسن التفكير وسلامة التدبير العقلي مما يجعله واقعا تحت طائلة المسئولية الجنائية، ثم خلص الحكم من كل أولئك إلى رفض الدفع بانعدام المسئولية الجنائية تأسيساً على ما أثاره الدفاع من إصابة الطاعن بخلل في قواه العقلية، وعرج الحكم بعد ذلك إلى ما تمسك به الدفاع من أن الطاعن مصاب بمرض نفسي وأن تقرير الأطباء الثلاثة قد خلا من بحث حالته النفسية وما أصر عليه من استدعاء خبير نفسي لفحص حالة الطاعن النفسية، ورد عليه بما محصله أن ما يطلبه الدفاع في هذا الخصوص متعين الرفض لعدم توافر شروطه الهامة ومنها أن يكون هذا الطلب منتجاً في الدعوى ثم مضى الحكم إلى استعراض الشواهد المؤيدة لسلامة استخلاصه في هذا الصدد بما مؤداه أنه وإن كان الدفاع قد ذهب إلى أن انعدام المسئولية الجنائية لا يقتصر في خصوص تطبيق المادة 62 من قانون العقوبات على مجرد إصابة المتهم بمرض عقلي بل تشمل إصابته بمرض نفسي أيضاً إذا كان من شأن هذا المرض الأخير أن يفقده الشعور والإدراك وأن بحث هذا المرض النفسي لم يجر ولم يكن من شأنه أن يجرى بمعرفة الأطباء الثلاثة الذين حرروا التقرير الخاص بفحص الحالة العقلية وإنما يتعين أن يكون فحصه على يد خبير نفساني وطلب استدعاء خبير كالأستاذ محمد فتحي، إلا أن المحكمة ترى أن الطلب لا محل لإجابته ولا جدوى من ورائه لمخالفته للمقررات العلمية المجمع عليها في الوقت الحاضر والتي تحصر انعدام المسئولية الجنائية في المرض العقلي وحده دون النفسي وكل ما لهذا المرض النفسي من أثر هو التخفيف من المسئولية الجنائية إلى حد ما وهو عين ما ينادي به الخبير الذي طلب الدفاع استشارته. ثم استطرد الحكم وهو بسبيل رفضه لهذا الطلب إلى مجابهة الحقائق الطبية والواقعية فقال إن المحكمة ترى من مؤدى أقوال الدكتور عادل زكي الأخصائي النفساني بمستشفى طنطا والدكاترة أعضاء القومسيون الطبي في التحقيقات وتقاريرهم في تحديد نوع مرض الطاعن بأنه مرض خارج عن دائرة الأمراض العقلية وتحديد أثره بأنه لا يعدم المسئولية الجنائية ثم أشار الحكم إلى التقرير القانوني في شأن الأمراض النفسية التي لا تفقد الشعور والإدراك كالسيكوباتية والتي لا تعد سبباً لانعدام المسئولية الجنائية في نظر القضاء واختتم الحكم وهو بمعرض رده على الدفاع المتقدم قوله، ولذا لا يكون ثمة محل لما ذهب إليه الدفاع من أن انتفاء المرض العقلي المعدم للشعور لدى المتهم الحالي طبقاً للتقرير الطبي الخاص بفحص حالته العقلية لا يترتب عليه حتماً سلامته من المرض النفسي المعدم للشعور أو الإدراك لا محل ذلك لأنه متى بلغ المرض المبلغ الذي ينعدم به الشعور والإدراك فإنه يخرج من قائمة الأمراض النفسية ويدرج في عداد الأمراض العقلية ومن ثم لا تعول المحكمة على ما نعى به الدفاع على التقرير الطبي سالف الذكر من خلوه من بحث الحالة النفسية المعدمة للشعور لدى المتهم لأن إغفال التقرير لبحث الحالة النفسية ليس إغفالاً لعامل يعتد به القانون في القول بانعدام المسئولية الجنائية. ثم عرض الحكم وهو في معرض تبريره لرفض طلب الدفاع الخاص بالفحص النفساني إلى الناحية الموضوعية للدعوى فأشار إلى أن الطاعن قد استوفى حقوق دفاعه كاملة وأنه حين طلب تأجيل القضية مع التصريح له بتقديم تقرير استشاري أجيب إلى طلبه ثم عاد وأكد هذا الطلب بجلسة أخرى ثم طلب بجلسة تالية الاطلاع على التقرير الطبي العقلي مع التصريح له بتقديم تقرير استشاري فصرح له بذلك مع تأجيل القضية إلى جلسة أخرى وفي هذه الجلسة الأخيرة لم يتقدم الدفاع من جانبه بالتقرير الاستشاري الذي وعد به مراراً وتكراراً على توالي الجلسات ومن ثم يكون عدم تقديم هذا التقرير أمراً لا دخل للمحكمة به وإذا كان الدفاع قد استبدل في جلسة المرافعة الأخيرة بهذا الطلب طلباً آخر هو تأجيل القضية ثانية لفحص الأمراض النفسية للطاعن وإحالته إلى خبير نفساني لإجراء هذا الفحص وكذا مناقشة الطبيب النفساني الدكتور عادل زكي الذي أوقع الكشف النفساني على الطاعن في أوائل سنة 1961 فإن المحكمة لا ترى إجابة هذا الطلب لانعدام الجدوى من ورائه وعدم إنتاجه في الدعوى أو تنوير وجه الحق فيها لأن المرض النفساني الذي يدعيه على فرض ثبوته لا يؤثر في سلامة عقله وإدراكه وبالتالي لا يعدم المسئولية الجنائية عما ارتكبه من أفعال. وخلص الحكم من ذلك إلى القول بثبوت سلامة القوى العقلية للطاعن وإلى توافر مسئوليته الجنائية وقت الحادث عن الأفعال التي ارتكبها. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد المقترنة بجرائم القتل والشروع فيها التي دين بها الطاعن وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها وكان الحكم قد انتهى إلى توافر مسئولية الطاعن الجنائية مستنداً في ذلك إلى الأخذ بما جاء بالتقرير الطبي عن فحص حالة الطاعن من الناحية العقلية وعن مسئوليته عما صدر منه من أفعال وكان ذلك على أساس أن فيصل التفرقة بين المرض العقلي والمرض النفسي إنما هو انعدام الشعور والإدراك الذي هو من خصائص المرض الأول دون الأخير ومن ثم فإن أثر المرض الأول في المسئولية يعدمها بنص القانون في حين أن المرض الثاني لا يؤثر فيها قانوناً وإن كان يجوز اعتباره مسوغاً لتخفيف العقاب. هذا إلى أن المرض النفسي إذا بلغ المرحلة التي بمقتضاها ينعدم به الشعور والإدراك فإنه يخرج من عداد الأمراض النفسية ويندرج في قائمة الأمراض العقلية وهو تقرير سائغ وصحيح في القانون ذلك بأنه من المقرر أن الحالات النفسية ليست في الأصل من حالات موانع العقاب كالجنون والعاهة في العقل اللذين يجعلان الجاني فاقد الشعور والاختيار في عمله وقت ارتكاب الجريمة وفقاً للقانون، ومن ثم فلا محل لمسايرة الطاعن فيما ذهب إليه من أنه إلى جانب الأمراض العقلية التي تعدم الإدراك والتمييز توجد الأمراض التي قد تصيب النفس فتأخذ حكم الاختلال العقلي. ذلك لأن التشريع الجنائي المصري الحالي لا يعرف هذه التفرقة ولم ينص عليها وكل ما في الأمر أن قانون العقوبات قد نص في المادة 62 منه على أنه لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل إما لجنون أو عاهة في العقل وبالتالي فإن هاتين الحالتين اللتين أشارت إليهما هذه المادة دون غيرهما ورتبت عليهما الإعفاء من العقاب هما اللتان يجعلان المصاب بهما وقت ارتكاب الجريمة فاقداً للشعور أو الإدراك في عمله. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة في العقل وتنعدم به المسئولية الجنائية قانوناً هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأمراض والأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية ولما كانت المحكمة قد مكنت الطاعن من استيفاء حقوق دفاعه كاملة فصرحت له بتقديم تقرير استشاري ولكنه لم يقدمه وأحالته إلى خبراء شئون الأمراض العقلية والعصبية وتم فحصه فعلاً، وكان الحكم قد أثبت أن الطاعن خال من أي مرض عقلي وأنه مسئول عما وقع فيه أخذاً بالتقرير الطبي العقلي الذي اطمئن إليه في حدود سلطته التقديرية، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن ما طلبه الدفاع من إجراء فحص نفساني للطاعن كان مبناه القول بإصابته بقلق عصبي من شأنه أن يعدم مسئوليته الجنائية، وكانت المحكمة قد رفضت هذا الطلب للأسباب السائغة التي أوردتها والتي من شأنها أن تبرر رفضه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة غير ملزمة بندب خبير فني آخر في الدعوى تحديداً لمدى تأثير مرض الطاعن. بفرض وجوده. على مسئوليته الجنائية بعد أن وضحت لها الدعوى والأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة كما هي واقع الحال في الدعوى المطروحة. هي لا تلتزم المحكمة بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها، وما دام أن المحكمة قد انتهت في منطق سليم لا مخالفة فيه للقانون إلى أن المرض النفسي الذي يدعيه الطاعن لا أثر له على سلامة عقله وصحة إدراكه، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من دعوى مخالفة القانون والإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة التناقض بين فقرات التقرير الطبي العقلي الذي عول عليه الحكم تأسيساً على أنه بعد أن أثبت أنه لا يوجد ما يشير إلى إصابة الطاعن بحالة عقلية مرضية أو بنوبات صرعية يتأثر فيها وعيه سواء في الوقت الحاضر أو في الماضي عاد وذكر بأن تصرفاته وكيفية ارتكابه الجريمة وتسليمه نفسه للشرطة بعد ذلك وإن كانت تدعو إلى الشك في أنه لم يكن في حالة عقلية عادية وقت الحادث إلا أنه باستعراض تاريخ الطاعن المرضي ونتيجة فحصه الطبي العقلي لا يسفر عن التوصل إلى ما يشير إلى إصابته بحالة عقلية مرضية أو بنوبات صرعية... إلخ. ما أورده التقرير فيما تقدم لا تناقض فيه. واستناد الحكم إلى الدليل المستمد منه لا يقدح في سلامته ذلك لأن التناقض الذي يبطل الحكم هو الذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح معه الاعتماد عليها والأخذ بها. ولما كان التقرير قد خلا من شبهة التناقض الذي يسقطه وكان الحكم قد عول عليه فيما انتهى إليه من الجزم بتوافر المسئولية الجنائية لدى الطاعن وبأنه مسئول عما وقع منه وبين أسانيده التي أقيم عليها والتي أخذ بها وذكر مؤداه بطريقة وافية لا تناقض فيها يبين منها مدى تأييده للقول بتوافر المسئولية الجنائية في حق الطاعن كما اقتنعت بها المحكمة وكانت العبارة التي يستند إليها الطاعن في طعنه من رمى التقرير الطبي بعدم الجزم بحالة الطاعن العقلية وقت ارتكابه الجريمة واستطراده بعد ذلك في نتيجة إلى القطع بمسئوليته عن الحادث لا تفيد المعنى الذي حصله الطاعن منها، ذلك لأن كل ما تفيده تلك العبارة هو أن بادرة الشك التي قد تتبادر إلى الذهن في سلامة قوى الطاعن العقلية نتيجة لوجه الغرابة في الحادث قد أضحت منتفية بعد أن أثبت الفحص الطبي سلامة قواه العقلية وقت الحادث وهو ما قطع به التقرير في صلبه ورتب عليه ما خلص إليه من نتيجة من مسئولية الطاعن جنائياً عما وقع منه ومن ثم يكون استناد الحكم إلى التقرير الطبي كدليل في الدعوى يشهد على توافر مسئولية الطاعن الجنائية لا يعيبه، لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من دعوى خطأ الحكم في الاستدلال بأقوال الطاعن وتصرفاته التي صدرت منه بعد الحادث على سلامة قواه العقلية وقت وقوعه ما يثيره من ذلك مردود بأنه استدلال سليم لا غبار عليه ما دام يبين من الحكم أنه اتخذ من هذه التصرفات وتلك الأقوال بعد الحادث قرينة يعزز بها النتيجة التي انتهى إليها التقرير الطبي عن حالة الطاعن العقلية وكان هذا التقرير كافياً وحده لحمل قضاء الحكم في تقرير توافر مسئولية الطاعن الجنائية عن الحادث وبفرض تزيد الحكم فيما استطرد إليه من ذلك فإنه لا يعيبه طالما أنه لا أثر له في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها، لما كان ما تقدم كله، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

الطعن 322 لسنة 34 ق جلسة 23 / 6 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 102 ص 511


جلسة 23 من يونيه سنة 1964
برياسة السيد المستشار/ عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، وصبري فرحات.
--------------
(102)
الطعن رقم 322 لسنة 34 القضائية

(أ) تحقيق. "إجراءاته". شهود. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تعرف الشهود على المتهم. ليس من إجراءات التحقيق التي يوجب القانون لها شكلاً خاصاً. اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل المستمد من عملية الاستعراف. عدم جواز مصادرتها في اعتقادها.
(ب، ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ب) لمحكمة الموضوع التعويل على ما تقتنع به من أقوال الشهود في أي مرحلة من مراحل التحقيق المختلفة. لها تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
(ج) عدم التزام المحكمة بالإشارة إلى أقوال شهود النفي. ما دامت لم تستند إليها في قضائها. وطالما أن قضاءها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها يتضمن أنها لم تطمئن إلى أقوالهم فأطرحتها.

------------
1 - تعرف الشهود على المتهم ليس من إجراءات التحقيق التي يوجب القانون لها شكلاً خاصاً، فإذا كانت المحكمة قد اطمأنت إلى سلامة الدليل المستمد من عملية الاستعراف فإنه لا يجوز مصادرتها في اعتقادها.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول على ما تقتنع به من أقوال الشهود في أي مرحلة من مراحل التحقيق المختلفة وأن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
3 - المحكمة غير ملزمة بالإشارة إلى أقوال شهود النفي ما دامت لم تستند إليها في قضائها، وطالما أن قضاءها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها يتضمن أنها لم تطمئن إلى أقوالهم فأطرحتها.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم في ليلة 28/ 10/ 1961 بالطريق العمومي الموصل ما بين طوخ وميت كنانة مركز طوخ محافظة القليوبية: سرقوا الموتوسيكل والأشياء الأخرى المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمملوكة لمحمد محمد نصار غنيم الشهير بالحاج علي بطريق الإكراه الواقع عليه بأن استأجروا الموتوسيكل المملوك له واصطحبوه معهم لتوصيلهم إلى عزبة الخواجات وأثناء سيرهم بالطريق أوقفوه وضربوه بأيديهم واستولى المتهمان الأول والثاني على ساعة يده وبطاقته الشخصية ورخصة القيادة والتسيير ومبلغ ستين قرشاً كما اقتادوه بعد ذلك إلى حقل غير مزروع حيث قام المتهم الثالث بإيثاق يديه بحبل من التيل وظل معه حتى فر المتهمان الأول والثاني بالموتوسيكل والأشياء الأخرى وتمكنوا بهذه الوسيلة من السرقة. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمادة 315/ 1 من قانون العقوبات - فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة جنايات بنها قضت بتاريخ 11/ 11/ 1962 حضورياً بالنسبة إلى المتهمين الثاني والثالث وغيابياً بالنسبة إلى المتهم الأول عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة كل منهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنين. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.

المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانهما بجريمة السرقة بإكراه جاء قاصراً في تسبيبه ومشوباً بالبطلان وذلك بأنه حصل واقعة الدعوى، وأورد مضمون ما شهد به المجني عليه وشقيقاه بالجلسة بما مؤداه أن الطاعنين وآخر حكم عليه غيابياً - استأجروا دراجة المجني عليه البخارية لينقلهم بها إلى بلدة معينة، حتى إذا ما بلغوا محل الحادث سرقوا الدراجة وأشياء أخرى كانت معه، دون أن يعني بالرد على ما قال به هؤلاء الشهود في الجلسة ذاتها من أن الجناة اعترضوا المجني عليه في أثناء سيره بالدراجة - بعد أن أنزل واحداً ممن كانوا يصاحبونه - وأنهم كانوا ملثمين - وليس يغني عن هذا الرد تعويل الحكم على قول آخر للمجني عليه بالجلسة مفاده أن الطاعنين وزميلهما هم مرتكبوا الحادث. كما أن الحكم لم يعرض لشهادة شهود النفي المؤيدة لدفاع الطاعنين، ولم يرد على ما أثاره المدافع عنهما من عدم توافر ظرف الإكراه في واقعة الدعوى، أما استخلاصه هذا الظرف تأسيساً على أن المجني عليه قرر في جميع مراحل الدعوى بأن الجناة أوثقوه، فيهدره أنه قرر في تحقيقات النيابة أنهم لم يعتدوا عليه ولم يكونوا يحملون سلاحاً. هذا إلى أن الحكم عول في إدانة الطاعنين على عملية استعراف باطلة لسبق مشاهدة المجني عليه هو وأخواه لهما بمركز الشرطة قبل إجراء عملية العرض، وعلى الرغم من تمسك المدافع عنهما بهذا الدفاع فإن الحكم لم يعرض له بقول، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله: "وحيث إن واقعة الدعوى كما استخلصتها المحكمة من أوراقها ومن الشهود الذين سمعتهم ومما دار بالجلسة توجز في أن المجني عليه محمد محمد نصار غنيم الشهير بالحاج علي كان بمتجره مع أخويه محمد الشهير بحسن ومحمد محمد نصار غنيم حين حضر إليه المتهمون الثلاثة "والطاعنان من بينهم" حوالي الساعة 8 من مساء يوم 17/ 10/ 1961 وطلبوا منه نقلهم إلى عزبة الخواجات بدراجته الميكانيكية (موتوسيكل) فقبل ونقده المتهم الأخير - الطاعن الثاني - المبلغ الذي اتفقوا عليه وهو خمسة وعشرين قرشاً وركب في القفص بينما ركب المتهمان الأول والثاني - الطاعن الأول - خلفه وسار بهم جميعاً في الطريق العام الموصل بين ناحيتي الدير وميت كنانة. وبعد أن جاوز نقطة المرور التي تقع على هذا الطريق بنحو كيلو مترين مقابل عزبة الخواجات استوقفه المتهمون ثم نزلوا وأطفأوا أنوار الدراجة وأوقف المتهم الثالث المحرك ثم ضربه الثلاثة بأيديهم وسرقوا منه كرهاً مبلغ ستين قرشاً وساعة يد وبطاقته الشخصية ورخصتي القيادة الخاصتين به وبالدراجة ثم قاده المتهم الثالث إلى حقل مجاور وأوثق يديه وطلب منه البقاء معه فترة تمكن في خلالها المتهم الأول من قيادة (الموتوسيكل) وفر هارباً به مع المتهم الثاني ثم حل المتهم الثالث وثاق المجني عليه واتفق معه على رد (الموتوسيكل) إن هو نقده مبلغ خمسة جنيهات في مقهى عينه له ببندر شبين القناطر ثم تركه وانصرف وسار المجني عليه على قدميه حتى بلغ نقطة مرور الدير وأبلغ الشرطي إبراهيم الدسوقي عبده بما حدث له فكلفه بإبلاغ الشرطة وأركبه سيارة نقل أقلته إلى طوخ وهناك تقدم ببلاغ للمركز أثبت فيه واقعة السرقة وأنه يستطيع التعرف على مرتكبيها وقد حررت محضراً بالحادث وأبلغت النيابة فتولت التحقيق وفي خلال عرض المتهمين على المجني عليه وأخويه تعرفوا عليهم جميعاً وأنكر المتهمون ما نسب إليهم" ثم أورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة استمدها مما حصله من أقوال المجني عليه وأخوته وشرطي نقطة المرور بالجلسة وبالتحقيقات وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وتتوافر بها كافة العناصر القانونية لجريمة السرقة بإكراه التي دين الطاعنان بها - ثم تناول الحكم دفاع الطاعنين - القائم على أن حالة الضوء بمكان الحادث لم تكن تسمح بالتعرف على الجناة وأن الشهود رأوا الطاعنين في مركز الشرطة قبل عملية العرض، وأن المجني عليه نفى وجود سلاح مع الطاعنين أو أن إكراهاً وقع منهما - فرد عليه - وهو بصدد استخلاص ثبوت الواقعة - بقوله "وحيث إنه لما سلف بيانه تكون الواقعة المسندة للمتهمين قد تكاملت أركانها المادية والمعنوية وتوافرت الأدلة على صحتها بما لا مجال للشك فيه من أقوال شهود الإثبات التي تطمئن إليها المحكمة وقد أصر فيها المجني عليه وفي كافة مراحل الدعوى على أن المتهمين أوثقوه وشلوا مقاومته ولم يفرط لهم فيما سرقوه إلا تحت تأثير الإكراه والتهديد أما تعرف المجني عليه وأخويه على المتهمين فمرده في عقيدة المحكمة هو تواجدهم بحانوت المجني عليه فترة تكفي للتعرف على ملامحهم وشخصياتهم" لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن ما حصله الحكم عن واقعة الدعوى وما استخلصه من أقوال شهود الإثبات - بكل ما حواه من تفصيل سواء فيما يختص بأن مرتكبي الحادث هم الأشخاص ذاتهم الذين صاحبوا المجني عليه بعد استئجارهم الدراجة منه، أو فيما يتعلق بالإكراه الذي وقع عليه - والذي يكفي ما أورده الحكم بشأنه في إثبات توافره على النحو المعرف به قانوناً - له أصل ثابت في تحقيقات النيابة، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول على ما تقتنع به من أقوال الشهود في أي مرحلة من مراحل التحقيق المختلفة، وأن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم من قصوره في الرد على دفاعهم الموضوعي أو عدم استظهاره توافر ظرف الإكراه يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان من أن الحكم لم يعرض لأقوال شهود النفي أو لبطلان عملية الاستعراف، مردوداً بالنسبة إلى الأمر الأول بأن المحكمة غير ملزمة بالإشارة إلى أقوال شهود النفي ما دامت لم تستند إليها في قضائها، ولأن قضاءها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها يتضمن أنها لم تطمئن إلى أقوالهم فأطرحتها، وهو مردود كذلك بالنسبة إلى الأمر الثاني، بأنه لما كان تعرف الشهود على المتهم ليس من إجراءات التحقيق التي يوجب القانون لها شكلاً خاصاً وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى سلامة الدليل المستمد من عملية الاستعراف فإنه لا يجوز مصادرتها في اعتقادها.
وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم، فإن الطعن برمته لا يعدو أن يكون جدلاً حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل مما يخرج عن رقابة محكمة النقض فيتعين لذلك رفضه موضوعاً.

الطعن 1211 لسنة 34 ق جلسة 1 / 12 / 1964 مكتب فني 15 ج 3 ق 153 ص 774


جلسة أول ديسمبر سنة 1964
برياسة السيد المستشار/ أديب نصر، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمود عزيز الدين سالم.
--------------
(153)

الطعن رقم 1211 لسنة 34 القضائية

قانون. "سريانه من حيث الزمان". "قانون أصلح". طعن. استئناف. "ما يجوز استئنافه من الأحكام". حكم.

قانون المرافعات يعتبر قانوناً عاماً بالنسبة لقانون الإجراءات الجنائية. وجوب الرجوع إليه لسد ما يوجد في القانون الأخير من نقص أو للإعانة على تنفيذ القواعد المنصوص عليها فيه. خلو قانون الإجراءات من إيراد قاعدة تحدد القانون الذي يخضع له الحكم من حيث جواز الطعن فيه. خضوع الحكم من حيث جواز الطعن فيه وعدمه إلى القانون الساري وقت صدوره فيما عدا الاستثناءات التي بينتها المادة الأولى من قانون المرافعات.
طرق الطعن في الأحكام الجنائية ينظمها القانون القائم وقت صدور الحكم محل الطعن.

المادة 402 إجراءات قبل تعديلها بالقانون 107 لسنة 1962 كانت تقيد حق الاستئناف بقيود أوردتها. صدور الحكم المستأنف في ظلها. هي التي تنظم طريق الطعن بالاستئناف في ذلك الحكم. التحدي بقاعدة سريان القانون الأصلح (أي القانون 107 لسنة 1962). لا محل له. علة ذلك: مجال إعمال تلك القاعدة يمس في الأصل القواعد الموضوعية. سريان القواعد الإجرائية من يوم نفاذها بأثر فوري على القضايا التي لم تكن قد تم الفصل فيها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

إجازة المادة 402 إجراءات المعدلة بالمرسوم بقانون 353 لسنة 1952 الاستئناف بسبب الخطأ في تطبيق نصوص القانون أو تأويلها. شمول هذا الخطأ الحالات الثلاثة المنصوص عليها في المادة 420 إجراءات (المادة 30 من القانون 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض).
استيفاء الحكم البيانات التي أوجبتها المادة 310 إجراءات. لا يعصمه مما قد يعيبه من قولة البطلان والقصور والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد وغيرها مما يخل بضمانات تسبيب الأحكام.

--------------

من المقرر أن قانون المرافعات يعتبر قانوناً عاماً بالنسبة لقانون الإجراءات الجنائية ويتعين الرجوع إليه لسد ما يوجد في القانون الأخير من نقص أو للإعانة على تنفيذ القواعد المنصوص عليها فيه. ولما كان قانون الإجراءات الجنائية قد خلا من إيراد قاعدة تحدد القانون الذي يخضع له الحكم من حيث جواز الطعن فيه، وكان الأصل في القانون أن الحكم يخضع من حيث جواز الطعن فيه وعدمه إلى القانون الساري وقت صدوره وذلك أخذاً بقاعدة عدم جريان أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ نفاذها فقد كان الشارع حريصاً على تقرير هذه القاعدة فيما سنه من قوانين؛ ونص في المادة الأولى من قانون المرافعات على أنه "تسري قوانين المرافعات على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها ويستثنى من ذلك: 1 - القوانين المعدلة للاختصاص متى كان تاريخ العمل بها بعد إقفال باب المرافعة في الدعوى 2 - القوانين المعدلة للمواعيد متى كان الميعاد قد بدأ قبل تاريخ العمل بها 3 - القوانين المنظمة لطرق الطعن بالنسبة لما صدر من الأحكام قبل تاريخ العمل بها متى كانت ملغية أو منشئة لطريق من تلك الطرق". وقد جرى قضاء محكمة النقض تأكيداً لهذه القواعد على أن طرق الطعن في الأحكام الجنائية ينظمها القانون القائم وقت صدور الحكم محل الطعن. ولما كان الحكم المستأنف قد صدر في ظل المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية وقبل تاريخ نشر القانون 107 لسنة 1962، وكانت قد قيدت حق الاستئناف بالقيود الواردة بها فإنها هي التي تنظم طريق الطعن بالاستئناف في ذلك الحكم. ولا وجه لما يتحدى به الطاعن من تمسكه بقاعدة سريان القانون الأصلح (أي القانون 107 لسنة 1962) المقررة بالمادة الخامسة من قانون العقوبات ذلك أن مجال إعمال تلك القاعدة يمس في الأصل القواعد الموضوعية، أما القواعد الإجرائية فإنها تسرى من يوم نفاذها بأثر فوري على القضايا التي لم يكن قد تم الفصل فيها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. ولما كان الطاعن قد بني استئنافه على جميع الأوجه التي ضمنها تقرير الأسباب المقدم منه بالطعن على الحكم المطعون فيه على النحو المتقدم وغيرها ومن بينها ما نعاه على هذا الحكم من بطلان لحصول تغيير فيه بعد النطق به. وكانت المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالمرسوم بقانون 353 لسنة 1952 - وهي التي كانت قائمة وقت صدور الحكم المستأنف - تجيز الاستئناف بسبب خطأ تطبيق نصوص القانون أو تأويلها وكان هذا الخطأ على ما أولته هذه المحكمة يؤخذ بمعناه الواسع بحيث يشمل الحالات الثلاث المنصوص عليها في المادة 420 من ذلك القانون (المادة 30 من القانون 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض) وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل الرد على الدفع ببطلان الحكم المستأنف لحصول تغيير فيه بعد النطق به وعلى أوجه الدفاع الأخرى التي أثارها الطاعن في مذكرته المقدمة إلى محكمة الاستئناف والتي أشار في أسباب الطعن إلى بعضها؛ وهي بذاتها إن صحت تجعل استئناف المحكوم عليه جائزاً، وكانت المحكمة بقضائها بعدم جواز الاستئناف قد حجبت نفسها عن تناول ما تمسك به الطاعن أمامها ولم تقل كلمتها فيه ولا يقدح في ذلك ما أشارت إليه من أن الحكم المستأنف استوفى البيانات التي أوجبتها المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ذلك أن اشتمال الحكم عليها على فرض صحته لا يعصمه مما قد يعيبه من قولة البطلان والقصور والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد وغيرها مما يخل بضمانات تسبيب الأحكام.



الوقائع
اتهمت النيابة العامة بأنه في يوم 3 سبتمبر سنة 1961 بدائرة قسم مصر القديمة: امتنع عن أداء الأجر المستحق ليوسف حمدان ابتداء من أول فبراير سنة 1960. وطلبت عقابه بالمادتين 47 ( أ ) و221 من القانون رقم 91 لسنة 1959. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة مصر القديمة الجزئية ادعى المجني عليه مدنياً وطلب الحكم له قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. كما ادعى مدنياً الحاضر مع المتهم وطلب الحكم له قبل المجني عليه بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً لما أصاب المتهم من ضرر ونتيجة اتهامه، كما دفع بعدم قبول الدعوى المدنية لأنها تعطل الفصل في الدعوى الجنائية وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وطعنه في محضر جلسة 19 فبراير سنة 1962 بالتزوير. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في 14 يونيه سنة 1962 عملاً بمادتي الاتهام سالفتى الذكر: أولاً - بتغريم المتهم 500 قرش عن التهمة المنسوبة إليه. وثانياً - برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة والدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها والدفع بعدم قبول الدعوى المدنية لأنها تعطل الفصل في الدعوى العمومية. وثالثاً - برفض طلب وقف الدعوى لحين الفصل في الطعن بالتزوير ورابعاً - بعدم قبول الدعوى المدنية من المتهم وإلزامه بالمصروفات المدنية. وخامساً - بإلزام المتهم بأن يدفع للمدعي بالحق المدني قرشاً صاغاً على سبيل التعويض المؤقت مع إلزامه بالمصروفات المدنية وثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة والنفاذ. فاستأنف المحكوم عليه، ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً في 6 مارس سنة 1963 بعدم جواز الاستئناف وألزمت المستأنف بالمصروفات المدنية الاستئنافية ومائتي قرش أتعاباً للمحاماة. فطعن المحكوم عليه في الحكم الأخير بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز الاستئناف وإلزام الطاعن المصروفات المدنية الاستئنافية قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وفي ذلك يقول الطاعن إن الحكم المستأنف قضى بتغريمه خمسة جنيهات وإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض، وقد بنت محكمة الاستئناف قضاءها بعدم جواز الاستئناف المرفوع منه عن هذا الحكم على أساس أن الغرامة المحكوم بها عليه لا تزيد على خمسة جنيهات وذلك عملاً بحكم المادة 402 من قانون الإجراءات. ولما كان القانون رقم 107 لسنة 1962 الذي صدر في 11/ 6/ 1962 ونشر في الجريدة الرسمية بالعدد 136 في 17/ 6/ 1962 قد أطلق حق الاستئناف في الجنح تحقيقاً للعدالة وكان الحكم الابتدائي قد صدر بتاريخ 14/ 6/ 1962 وقرر الطاعن باستئنافه بتاريخ 20/ 6/ 1962 أي بعد نشر القانون رقم 107 لسنة 1962 وقبل انقضاء ميعاد الاستئناف فقد كان يتعين على محكمة الموضوع إعمال النص المعدل وهو أصلح للطاعن وذلك تطبيقاً للمادة 5 من قانون العقوبات الذي يقرر قاعدة عامة يجب إتباعها كلما كان للمتهم مصلحة في تطبيقها حتى على القواعد الإجرائية وإن لم ينص على ذلك في قانون الإجراءات الجنائية لما فيه من تحقيق للعدالة. كذلك فإن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تفسير المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية قبل تعديلها ذلك أن الطاعن أسس استئنافه على ما يبين من المذكرة المقدمة منه لمحكمة الاستئناف على الخطأ في تطبيق القانون وقال إنه يشمل على ما جرى عليه قضاء محكمة النقض كافة الحالات التي يجوز فيها الطعن بطريق النقض. وكان مما نعاه فيها على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع والقصور والتناقض في التسبيب وأرجع ذلك إلى أن الحكم المستأنف رفض طلب وقف الدعوى الجنائية لحين الفصل في الطعن بالتزوير على محضر جلسة 19/ 2/ 1962 قولاً بأن العبارة الواردة فيه والمطعون عليها بالتزوير لا يترتب عليها الفصل في الدعوى ولا أثر لها في تكوين عقيدة المحكمة في حين أن الطعن بالتزوير امتد إلى عدة مواضع من المحضر على ما يبين من تقرير الطعن بالتزوير وأنه على الرغم من هذا التسبيب الذي يشوبه القصور فقد استند الحكم إلى هذا المحضر ذاته عندما قال إن الطاعن قدم مذكرة شرح فيها الدفوع التي أبداها بجلسة 19/ 2/ 1962 مع أن هذا المحضر لم يكن بين أوراق الدعوى حين إصدار الحكم فيها إذ كان محرزاً للطعن عليه بالتزوير. كما قال إن الحكم المستأنف أغفل الرد على ما جاء بالمذكرة من أن حافظة مستنداته المقدمة بجلسة 5 مارس سنة 1962 غير مرفقة بملف الدعوى مع أنها تحتوى على مستندات رسمية وثابتة التاريخ تقطع ببراءته وأن هذا الحكم قد شابه القصور في التسبيب إذ استند في إدانته إلى الدليل المستمد من محضر ضبط الواقعة دون أن يورد مؤداه كما أخطأ إذ أسند إلى الطاعن أنه أصدر عقد الاتفاق المؤرخ 16/ 10/ 1943 المقدم من المجني عليه والذي اعتمدت عليه المحكمة في إدانته لأن واقع الحال أنه أنكر توقيعه عليه أصلاً وقد قرر المجني عليه أن هذا العقد موقع عليه من صالح عيد ممثل الشركة كما أن أسباب الحكم المستأنف لم تحط بالبيانات الجوهرية للدعوى المدنية وجاء الحكم باطلاً إذ أدخلت عليه محكمة أول درجة تغييراً بعد النطق به بإضافة بعض العبارات التي لم تكن موجودة في صيغة المنطوق وأيد ذلك بأوراق رسمية أشار إليها في مذكرته. وقد دفع الطاعن في تلك المذكرة بعدم توافر أركان الجريمة وثبوت أن المطعون ضده أدى للطاعن أو للشركة عملاً في شهر فبراير سنة 1961 الذي يطالب بأجره عنه ولكن الحكم المطعون فيه عندما عرض لما أبداه الطاعن من أوجه الدفاع القانونية لم يتناول إلا وجهين فقط أحدهما خاص بعدم ذكر المواد التي طبقتها المحكمة والثاني بعدم انطباق التعديل الذي طرأ على المادة 402 من قانون الإجراءات وقال في عبارة مجملة أنه لا أساس لما أثاره الطاعن عن اشتمال الحكم على خطأ وبطلان لأنه احتوى على البيانات التي أوجبتها المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية في حين أن الطاعن لم يعترض على صياغة الحكم أو على البيانات التي تضمنها مما أوجبته تلك المادة ولأنه من الجائز مع اشتمال الحكم على تلك البيانات أن يكون مشوباً بالقصور أو بالخطأ في الإسناد أو الفساد في الاستدلال أو بالتخاذل أو ببطلان الإجراءات. والحكم المطعون فيه فضلاً عن ذلك لم يتناول في عبارته المجملة كل الأسباب التي بني عليها الاستئناف ومن أهمها بطلان الحكم لحصول تغيير في منطوقه بعد إصداره مع أن هذا السبب وحده كان كافياً بذاته لجواز الاستئناف. وكل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.

وحيث إنه يبين من الأوراق أن الحكم المستأنف قد صدر في 14/ 6/ 1962 قبل تاريخ نشر القانون رقم 107 لسنة 1962 بالجريدة الرسمية في 17/ 6/ 1962 بتعديل المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية بما يطلق حق الاستئناف في الجنح. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قانون المرافعات يعتبر قانوناً عاماً بالنسبة لقانون الإجراءات الجنائية ويتعين الرجوع إليه لسد ما يوجد في القانون الأخير من نقص أو للإعانة على تنفيذ القواعد المنصوص عليها فيه وكان قانون الإجراءات الجنائية قد خلا من إيراد قاعدة تحدد القانون الذي يخضع له الحكم من حيث جواز الطعن فيه. وكان الأصل في القانون أن الحكم يخضع من حيث جواز الطعن فيه وعدمه إلى القانون الساري وقت صدوره وذلك أخذاً بقاعدة عدم جريان أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ نفاذها فقد كان الشارع حريصاً على تقريره هذه القاعدة فيما سنه من قوانين ونص في المادة الأولى من قانون المرافعات على أنه "تسري قوانين المرافعات على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها ويستثنى من ذلك (1) القوانين المعدلة للاختصاص متى كان تاريخ العمل بها بعد إقفال باب المرافعة في الدعوى. (2) القوانين المعدلة للمواعيد متى كان الميعاد قد بدأ قبل تاريخ العمل بها. (3) القوانين المنظمة لطرق الطعن بالنسبة لما صدر من الأحكام قبل تاريخ العمل بها متى كانت ملغية أو منشئة لطريق من تلك الطرق". وقد جرى قضاء هذه المحكمة تأكيداً لهذه القواعد على أن طرق الطعن في الأحكام الجنائية ينظمها القانون القائم وقت صدور الحكم محل الطعن. ولما كان الحكم المستأنف قد صدر في ظل المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية وقبل تاريخ نشر القانون 107 لسنة 1962، وكانت قد قيدت حق الاستئناف بالقيود الواردة بها فإنها هي التي تنظم طريق الطعن بالاستئناف في ذلك الحكم. ولا وجه لما يتحدى به الطاعن من تمسكه بقاعدة سريان القانون الأصلح (أي القانون 107 لسنة 1962) المقررة بالمادة الخامسة من قانون العقوبات. ذلك بأن مجال إعمال تلك القاعدة يمس في الأصل القواعد الموضوعية، أما القواعد الإجرائية فإنها تسري من يوم نفاذها بأثر فوري على القضايا التي لم تكن قد تم الفصل فيها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك كما هو بالنسبة إلى الاستثناء السابق الإشارة إليه من أن طرق الطعن في الأحكام ينظمها القانون القائم وقت صدور الحكم. لما كان ذلك، وكان يبين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن ومن مذكرة الطاعن المقدمة إلى محكمة الاستئناف بجلسة 14/ 11/ 1962 أنه بني استئنافه على جميع الأوجه التي ضمنها تقرير الأسباب المقدم منه بالطعن على الحكم المطعون فيه على النحو المتقدم وغيرها ومن بينها ما نعاه على هذا الحكم من بطلان لحصول تغيير فيه بعد النطق به. ولما كانت المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالمرسوم بقانون 353 لسنة 1952 وهي التي كانت قائمة وقت صدور الحكم المستأنف تجيز الاستئناف بسبب خطأ تطبيق نصوص القانون أو تأويلها وكان هذا الخطأ على ما أولته هذه المحكمة يؤخذ بمعناه الواسع بحيث يشمل الحالات الثلاث المنصوص عليها في المادة 420 من ذلك القانون (المادة 30 من القانون 57 سنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض) لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل الرد على الدفع ببطلان الحكم المستأنف لحصول تغيير فيه بعد النطق به وعلى أوجه الدفاع الأخرى التي أثارها الطاعن في مذكرته المقدمة إلى محكمة الاستئناف والتي أشار في أسباب الطعن إلى بعضها. وهي بذاتها إن صحت تجعل استئناف المحكوم عليه جائزاً، وكانت المحكمة بقضائها بعدم جواز الاستئناف قد حجبت نفسها عن تناول ما تمسك به الطاعن أمامها ولم تقل كلمتها فيه؛ ولا يقدح في ذلك ما أشارت إليه من أن الحكم المستأنف استوفى البيانات التي أوجبتها المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ذلك أن اشتمال الحكم عليها على فرض صحته لا يعصمه مما قد يعيبه من قولة البطلان والقصور والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد وغيرها مما يخل بضمانات تسبب الأحكام. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون فوق ما يشوبه من الخطأ في تفسير القانون معيباً بالقصور مما يستوجب نقضه والإحالة.

الطعن 1628 لسنة 34 ق جلسة 30 / 11 / 1964 مكتب فني 15 ج 3 ق 152 ص 770


جلسة 30 من نوفمبر سنة 1964
برياسة السيد المستشار/ عادل يونس نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومختار رضوان، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود عزيز الدين سالم.
-------------
(152)
الطعن رقم 1628 لسنة 34 القضائية

بناء. تقسيم. نقض. "حالات الطعن بالنقض". "الخطأ في تطبيق القانون".
جريمة إقامة بناء على أرض معدة للتقسيم ولم تقسم. معاقب عليها طبقاً للمادتين 10/ 2 و20 من القانون 52 لسنة 1940 بالغرامة من مائة قرش إلى ألف قرش. مخالفة أحكام المواد 2، 3، 4، 6، 12، 13 من القانون المذكور توجب الحكم بإصلاح الأعمال موضوع المخالفة أو هدمها عملاً بالمادة 20/ 2 من ذات القانون.
القضاء ببراءة المتهمة من تهمة إقامة بناء على أرض معدة للتقسيم ولم تقسم استناداً إلى أنه لم يثبت في حقها أنها هي التي أنشأت التقسيم أو أنها لم تقم بالأعمال والالتزامات التي فرضها القانون. خطأ في تطبيق القانون. إنشاء التقسيم أو عدم القيام بالأعمال والالتزامات التي فرضها القانون. شرط لصحة الحكم بالإزالة في تلك التهمة.

---------------
نصت الفقرة الثانية من المادة العاشرة من القانون رقم 52 لسنة 1940 في شأن تقسيم الأراضي المعدة للبناء على أنه يحظر إقامة مبان أو تنفيذ أعمال على الأراضي المقسمة قبل صدور المرسوم المشار إليه في الفقرة الأولى. ونصت المادة العشرين على عقاب من يخالف أحكام هذا القانون بغرامة من مائة قرش إلى ألف قرش، وأوجبت في فقرتها الثانية الحكم بإصلاح الأعمال موضوع المخالفة أو هدمها في حالة مخالفة أحكام المواد 2، 3، 4، 6، 12، 13. وقد استقر قضاء محكمة النقض على أنه يشترط لصحة الحكم بالإزالة في تهمة إقامة بناء على أرض معدة للتقسيم ولم تقسم طبقاً لأحكام هذا القانون أن يثبت في حق المتهم أحد أمرين: الأول - أن يكون هو الذي أنشأ التقسيم دون الحصول على موافقة سابقة من السلطة المختصة وطبقاً للشروط المنصوص عليها في القانون. و(الثاني) عدم قيامه بالأعمال والالتزامات التي يلتزم بها المقسم والمشتري والمستأجر والمنتفع بالحكر. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المطعون ضدها مع ثبوت إقامتها بناء على أرض معدة للتقسيم ولم تقسم طبقاً لأحكام القانون قولاً منه بأنه لم يثبت في حقها أنها هي التي أنشأت التقسيم أو أنها لم تقم بالأعمال والالتزامات التي فرضها القانون يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يتعين معه نقضه وتصحيحه وتأييد الحكم الاستئنافي المعارض فيه فيما قضى به من عقوبة الغرامة وإلغاؤه بالنسبة إلى الإزالة.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما بأنهما في يوم 1/ 7/ 1961 بدائرة مركز طنطا: الأول - (1) أنشأ تقسيماً دون أن يكون حاصلاً على موافقة سابقة من السلطة القائمة على أعمال التنظيم. (2) أنشأ تقسيماً معداً لإقامة بناء للسكنى دون أن يحد كل مقطع فيه طريق بدون جانب واحد. الثانية - أقامت بناء على أرض مقسمة قبل صدور مرسوم الموافقة على تقسيمه. وطلبت عقابهما بالمواد 1، 2، 3، 10، 20، 22 من القانون رقم 52 لسنة 1940 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1952. ومحكمة طنطا الجزئية قضت غيابياً بتاريخ 3/ 12/ 1961 عملاً بمواد الاتهام بتغريم كل من المتهمين 100 قرش والإزالة على نفقتهما بلا مصاريف جنائية. فعارض المتهمان في هذا الحكم وقضى في معارضتهما بتاريخ 25/ 2/ 1962 باعتبارها كأن لم تكن بلا مصاريف جنائية. استأنفت المتهمة الثانية هذا الحكم. ومحكمة طنطا الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً اعتبارياً بتاريخ 17/ 10/ 1962 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف جنائية. فعارضت المتهمة في هذا الحكم وقضى في معارضتهما بتاريخ 24/ 4/ 1963 بقبولها شكلاً وإلغاء الحكم المعارض فيه وبراءة المتهمة مما نسب إليها بلا مصاريف جنائية. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.

المحكمة
حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون حين قضى ببراءة المطعون ضدها من تهمة إقامة بناء على أرض معدة للتقسيم ولم تقسم طبقاً لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 استناداً إلى أنه لم يثبت في حقها أنها هي التي أنشأت التقسيم أو أنها لم تقم بالأعمال والالتزامات المنصوص عيها في القانون، ذلك بأن ما وقع من المطعون ضدها ينطوي على مخالفة حكم المادة العاشرة فقرة ثانية من ذلك القانون ويعاقب عليه وفقاً للفقرة الثانية من المادة عشرين. أما توافر أحد الأمرين اللذين أشار إليهما الحكم فهو شرط لصحة القضاء بالإزالة طبقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة المذكورة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن مهندس التنظيم أثبت في محضره أن المتهمة "المطعون ضدها" أقامت مبان على أرض لم يصدر بتقسيمها قرار وزاري ولا تطل على طريق قائم انتهى إلى القضاء ببراءتها تأسيساً على أنه لم يثبت في حقها أنها هي التي أنشأت التقسيم دون الحصول على موافقة سابقة من السلطة المختصة أو أنها لم تقم بالأعمال الالتزامات المنصوص عليها في القانون. وما انتهى إليه الحكم من ذلك غير صحيح في القانون ذلك بأن الفقرة الثانية من المادة العاشرة من القانون رقم 52 لسنة 1940 في شأن تقسيم الأراضي المعدة للبناء قد نصت على أنه يحظر إقامة مبان أو تنفيذ أعمال على الأراضي المقسمة قبل صدور "المرسوم" المشار إليه في الفقرة الأولى. ونصت المادة العشرين على عقاب من يخالف أحكام هذا القانون بغرامة من مائة قرش إلى ألف قرش، وأوجبت في فقرتها الثانية الحكم بإصلاح الأعمال موضوع المخالفة أو هدمها في حالة مخالفة أحكام المواد 2 و3 و4 و6 و12 و13. وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أنه يشترط لصحة الحكم بالإزالة في تهمة إقامة بناء على أرض معدة للتقسيم ولم تقسم طبقاً لأحكام هذا القانون أن يثبت في حق المتهم أحد أمرين: الأول - أن يكون هو الذي أنشأ التقسيم دون الحصول على موافقة سابقة من السلطة المختصة وطبقاً للشروط المنصوص عليها في القانون. والثاني - عدم قيامه بالأعمال والالتزامات التي يلتزم بها المقسم والمشتري والمستأجر والمنتفع بالحكر. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المطعون ضدها مع ثبوت إقامتها بناء على أرض معدة للتقسيم ولم تقسم طبقاً لأحكام القانون قولاً منه بأنه لم يثبت في حقها أنها هي التي أنشأت التقسيم أو أنها لم تقم بالأعمال والالتزامات التي فرضها القانون يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، مما يتعين معه نقضه وتصحيحه وتأييد الحكم الاستئنافي المعارض فيه فيما قضى به من عقوبة الغرامة وإلغاؤه بالنسبة إلى الإزالة.

الطعن 1626 لسنة 34 ق جلسة 30 / 11 / 1964 مكتب فني 15 ج 3 ق 151 ص 765

جلسة 30 من نوفمبر سنة 1964
برياسة السيد المستشار/ عادل يونس نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومختار رضوان، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود عزيز الدين سالم.
-------------
(151)
الطعن رقم 1626 لسنة 34 القضائية
(أ) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما يوفره". حكم. "تسبيبه" "تسبيب معيب".
الدفاع المكتوب في مذكرة مصرح بها تتمة للدفاع الشفوي المبدى بجلسة المرافعة. للمتهم أن يضمن هذه المذكرة ما يشاء من أوجه الدفاع. له إذا لم يسبقها استيفاء دفاعه الشفهي إثارة ما يعن له من طلبات التحقيق المنتجة في الدعوى والمتعلقة بها. مثال.
(ب) محكمة استئنافية. إجراءات المحاكمة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما يوفره".
الأصل أن المحكمة الاستئنافية لا تجري تحقيقاً في الجلسة. حقها في هذا النطاق مقيد بوجوب مراعاتها مقتضيات حق الدفاع. وجوب سماعها الشهود الذين كان يجب سماعهم أمام محكمة أول درجة، واستيفاء كل نقص آخر في إجراءات التحقيق. المادة 413/ 1 إجراءات.
--------------
1 - من المقرر أن الدفاع المكتوب في مذكرة مصرح بها هو تتمة للدفاع الشفوي المبدى بجلسة المرافعة ومن ثم يكون للمتهم أن يضمنها ما شاء من أوجه الدفاع بل إن له - إذا لم يسبقها استيفاء دفاعه الشفهي - أن يثير ما يعن له من طلبات التحقيق المنتجة في الدعوى والمتعلقة بها ولا يعترض عليه عندئذ بأن المحكمة متى حجزت الدعوى للحكم لا تكون ملزمة بإعادتها للمرافعة إذ محل هذا أن يكون المتهم قد سبق له أن أبدى دفاعاً شفهياً. وإذ كانت منازعة الطاعن في صحة التوقيع المسند إليه بعقد الاشتراك الخاص بتركيب عداد المياه - محل جريمة خيانة الأمانة - الذي اتخذ منه الحكم ركازاً للقضاء بإدانته، وإصراره على انقطاع صلته به يعد دفاعاً جوهرياً لمساسه بالمسئولية الجنائية، مما كان من المتعين على محكمة الموضوع أن تمحص عناصر ذلك الدفاع وأن تستظهر مدى صدقه وأن ترد عليه بما يدفعه إن ارتأت الالتفات عنه. أما وقد أمسكت عن ذلك، فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور في التسبيب فضلاً عن الإخلال بحق الدفاع وهو ما يعيب الحكم.
2 - الأصل أن المحكمة الاستئنافية لا تجري تحقيقاً في الجلسة وإنما تبني قضاءها على ما تسمعه من الخصوم وما تستخلصه من الأوراق المعروضة عليها إلا أن حقها في هذا النطاق مقيد بوجوب مراعاتها مقتضيات حق الدفاع، بل إن القانون يوجب عليها طبقاً لنص المادة 413/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية أن تسمع بنفسها أو بواسطة أحد القضاة تندبه لذلك الشهود الذين كان يجب سماعهم أمام محكمة أول درجة وتستوفي كل نقص آخر في إجراءات التحقيق.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 21/ 3/ 1962 بدائرة قسم المنتزه بدد عداد المياه المبين الوصف والقيمة بالمحضر والمملوك لشركة المياه وكان قد سلم إليه على سبيل عارية الاستعمال فاختلسه لنفسه إضراراً بالشركة المجني عليها وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات ومحكمة المنتزه الجزئية قضت غيابياً بتاريخ 27 نوفمبر سنة 1962 عملاً بمادة الاتهام مع تطبيق المادتين 55 و56 من قانون العقوبات بحبس المتهم أسبوعاً واحداً مع الشغل وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الحكم نهائياً فعارض المتهم في هذا الحكم وقضى في معارضته بتاريخ 4 فبراير سنة 1963 باعتبار المعارضة كأن لم تكن فاستأنف المتهم هذا الحكم ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 22 من أبريل سنة 1963 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.

المحكمة
حيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ أيد الحكم الصادر من محكمة أول درجة القاضي بإدانته في جريمة تبديد عداد مياه قد انطوى على قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه اقتصر على اعتناق أسباب الحكم الابتدائي دون أن يرد على ما تمسك به الطاعن في مذكرة دفاعه المقدمة بمحكمة الدرجة الثانية من إنكاره - التوقيع المنسوب إليه في عقد الاشتراك الذي قدمته شركة مياه الإسكندرية بمحكمة الدرجة الأولى واستوى على أساسه قضاءها بإدانته مؤيداً دفاعه بما تضمنته بطاقته العائلية من توقيع صحيح له يغاير التوقيع المطعون عليه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنها تجمل فيما أبلغ به وقرره عمر داود طه كردي رئيس قسم الهندسة بشركة مياه الإسكندرية من أن المتهم "الطاعن" قد قام بتبديد عداد المياه المملوك للشركة والذي كان قد سلم إليه على سبيل عارية الاستعمال فاختلسه لنفسه إضراراً بها وقدم بالجلسة عقد اشتراك بعداد موقعاً عليه من المتهم يفيد تسليمه عداداً من عدادات الشركة واتهمه بالتبديد وأورد على ثبوت الواقعة لديه على هذا النحو أدلة مستمدة من أقوال الشاهد المبلغ ومن الاطلاع على عقد الاشتراك. لما كان ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة الاستئنافية وعلى المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن الطاعن مثل بجلسة 8 أبريل سنة 1963 وهي أولى جلسات المحاكمة وأعلن أن صحة اسمه "محمد رشاد سلام" وطلب المدافع عنه التأجيل للاطلاع فقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم أسبوعين دون أن يسبق هذا الحجز استيفاء دفاع الطاعن شفهياً وصرحت له بتقديم مذكرة بدفاعه في الأسبوع الأول وفي الأجل المحدد قدم المدافع عن الطاعن مذكرة بدفاعه ضمنها إنكار الطاعن التوقيع المنسوب إليه في عقد الاشتراك الوارد باسم "محمد راشد سلام" وتمسك بأنه مزور عليه تزويراً يكفي لاكتشافه مجرد مقارنته بإمضائه الصحيح الممهورة به بطاقته العائلية التي حوتها حافظة مستنداته المرفقة بتلك المذكرة. ولما كان الحكم المطعون فيه انتهى إلى تأييد الحكم المستأنف أخذاً بأسبابه دون أن يعرض لما أبداه الطاعن من أوجه الدفاع التي فصلتها مذكرته سالفة الذكر. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفاع المكتوب في مذكرته مصرح بها هو تتمة للدفاع الشفوي المبدى بجلسة المرافعة ومن ثم يكون للمتهم أن يضمنها ما شاء من أوجه الدفاع بل إن له - إذا لم يسبقها - استيفاء دفاعه الشفهي أن يثير ما يعن له من طلبات التحقيق المنتجة في الدعوى والمتعلقة بها ولا يعترض عليه عندئذ بأن المحكمة متى حجزت الدعوى للحكم لا تكون ملزمة بإعادتها للمرافعة إذ محل هذا أن يكون المتهم قد سبق له أن أبدى دفاعا شفهياً. وإذ ما كانت منازعة الطاعن في صحة التوقيع المسند إليه بعقد الاشتراك الخاص بتركيب عداد المياه - محل جريمة خيانة الأمانة - الذي اتخذ منه الحكم ركازاً للقضاء بإدانته وإصراره على انقطاع صلته به يعد في خصوص الدعوى المطروحة دفاعاً جوهرياً لمساسه بالمسئولية الجنائية مما كان من المتعين معه على محكمة الموضوع أن تمحص عناصر ذلك الدفاع وأن تستظهر مدى صدقه وأن ترد عليه بما يدفعه إن ارتأت الالتفات عنه. أما وقد أمسكت عن ذلك، فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور في التسبيب فضلاً عن الإخلال بحق الدفاع وهو ما يعيب الحكم ولا يعترض على هذا بأن المحكمة الاستئنافية لا تجرى تحقيقاً في الجلسة وإنما تبني قضاءها على ما تسمعه من الخصوم وما تستخلصه من الأوراق المعروضة عليها ذلك بأن حقها في هذا النطاق مقيد بوجوب مراعاتها مقتضيات حق الدفاع بل إن القانون يوجب عليها طبقاً لنص المادة 413/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية أن تسمع بنفسها أو بواسطة أحد القضاة تندبه لذلك الشهود الذين كان يجب سماعهم أمام محكمة أول درجة وتستوفي كل نقص آخر في إجراءات التحقيق.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بغير حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعن في أوجه طعنه.