الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 27 فبراير 2019

عدم دستورية شروط الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية لنقابة المهندسين ، وفى انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة


الدعوى رقم 132 لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 2 / 2 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من فبراير سنة 2019م، الموافق السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيـم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى     رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع      أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 132 لسنة 37 قضائية "دستورية" بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية (الدائرة الأولى) البحيرة (الثالثة والثلاثون) بحكمها الصادر بجلسة 24/11/2014، ملف الدعوى رقم 4390 لسنة 12 قضائية.
المقامة من
أحمد رفيق رزق الشافعى
ضــد
1-    رئيس اللجنة الانتخابية لنقابة المهندسين الفرعية بالبحيرة
2-    رئيس لجنة الإشراف على انتخابات نقابة المهندسين العامة بالقاهرة
3-    المشرف العام على انتخابات نقابة المهندسين بالبحيرة
4-    رئيس اللجنة العليا لانتخابات نقابة المهندسين بالقاهرة
5-    عبد المولى أحمد على المزين

الإجـراءات
بتاريخ السابع عشر من أغسطس سنة 2015، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 4390 لسنة 12 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية - الدائرة الأولى - البحيرة (الثالثة والثلاثون) في 24/11/2014، بوقف الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية المادتين رقمى (20، 43) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين، فيما تضمنتاه من اشتراط أن يكون الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية، أو قراراتها، أو في انتخاب النقيب، وأعضاء مجلس النقابة المكملين، من مائة عضو على الأقل بالنسبة للنقابة العامة، وخمسين عضوًا على الأقل بالنسبة للنقابة الفرعية، واشتراط أن يكون الطعن في الحالين، بتقرير مصدق على الإمضاءات الموقع بها عليه من الجهة المختصة.


      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونظرت الدعوى، على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح بمذكرات خلال أسبوع، وبتاريخ 9/1/2019، قدمت نقابة المهندسين مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.

المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 4390 لسنة 12 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، بطلب الحكم بوقف تنفيذ، ثم إلغاء قرار إعلان نتيجة انتخابات الإعادة، على مقعد رئيس نقابة المهندسين الفرعية بالبحيرة، واعتبار المدعى عليه الخامس فائزًا بمقعد النقيب، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها اعتبار المدعى فائزًا بذلك المقعد. على سند من القول بأن النقابة العامة للمهندسين، أعلنت عن فتح باب الترشح لانتخابات النقابات الفرعية على مستوى الجمهورية، فتقدم هو، والمدعى عليه الخامس بأوراق ترشحهما، وأُجريت الانتخابات، وأُعلنت النتيجة بالإعادة على مقعد الرئيس بينهما، وتمت انتخابات الإعادة بتاريخ 30/12/2011، والتى انتهت بفوز المدعى عليه الخامس بمنصب رئيس النقابة الفرعية بالبحيرة، على الرغم من عدم توافر أحد الشروط المقررة قانونًا في شأنه، وهى أن يكون مقيمًا بعاصمة المحافظة، الكائن بها مقر النقابة الفرعية، إذ يقيم المدعى عليه الخامس في نكلا العنب بمركز إيتاى البارود، على الرغم من أن مقر النقابة الفرعية كائن بمدينة دمنهور. فتقدم المدعى بطلبه إلى المدعى عليهم الأربعة الأوّل، لوقف انتخابات النقابة الفرعية، واستبعاد المذكور من الترشح، دون جدوى، مما حدا به إلى إقامة الدعوى المشار إليها، وبجلسة 24/11/2014، قضت محكمة القضاء الإدارى بوقف الدعوى الموضوعية، وإحالة أوراقها، إلى هذه المحكمة، للفصل في دستورية المادتين (20، 43) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين على النحو السالف ذكره.

وحيث إن نقابة المهندسين دفعت بعدم قبول الدعوى المعروضة، من وجهين: الأول: أنه لا صفة لرئيس لجنة الانتخابات العامة، أو الفرعية في الدعوى "الموضوعية"، إذ إن نقيب المهندسين، هو الذى يمثل النقابة، لدى الجهات القضائية، إعمالاً لنص المادة (24) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين، والثاني أنه لا صفة، ولا مصلحة للمدعى، إذ إن طلباته في الدعوى الموضوعية تتعلق بوقف تنفيذ، ثم إلغاء قرار إعلان نتيجة انتخابات الإعادة على مقعد رئيس نقابة المهندسين الفرعية بالبحيرة، واعتباره فائزًا بمقعد النقيب، وإذ انتهت عملية الانتخاب لهذه الدورة فإنه، بفرض الحكم بعدم دستورية النص المطعون عليه، لن يستفيد المدعى منه في هذه الدورة.

وحيث إن هذا الدفع مردود، من وجهه الأول، بأن لكل من الدعوى الموضوعية، والدعوى الدستورية؛ ذاتيتها، ومقوماتها، فلا تختلطان ببعضهما؛ ولا تتحدان في شرائط قبولهما؛ بل تستقل كل منهما عن الأخرى، سواء في موضوعها، أو مضمون الشروط المتطلبة قانونًا لقبولها، فبينما تطرح أولاهما الحقوق المدعى بها- إثباتًا ونفيًا - وتفصل محكمة الموضوع، التى أحالت الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا، في توافر شروطها، وتعرض لموضوعها، على ضوء ما تنتهى إليه هذه المحكمة، في دستورية النص المحال، فإن الدعوى الدستورية، تتوخى الفصل في التعارض المدعى به بين نص تشريعي وقاعدة دستورية، وعلى ذلك فإن محكمة الموضوع هى التي تقضى دون غيرها في توافر قبول الخصومة المرددة أمامها، وفقًا للأوضاع المقررة أمامها.



ومردود من الوجه الثاني، بأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قوام المصلحة في الدعوى الدستورية أن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها. متى كان ذلك، وكانت المادتان (20، 43) من القانون رقم 66 لسنة 1974 المشار إليه قد اشترطتا لقبول الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية للنقابة، وفى انتخاب النقيب، وأعضاء مجلس النقابة المكملين، أن يقدم من مائة عضو على الأقل ممن حضروا الجمعية بالنسبة للنقابة العامة، ومن خمسين عضوًا على الأقل بالنسبة للنقابة الفرعية، مصدق على الإمضاءات الموقع بها على التقرير بالطعن في الحالين من الجهة المختصة، وهى الأحكام التى انصبت عليها الإحالة الصادرة من محكمة الموضوع، والتى تتناول بالتحديد الشروط الحاكمة لقبول الطعن أمامها، سواء بالنسبة للنصاب العددي المشترط لذلك، أو التصديق على التوقيعات على تقرير الطعن من الجهة المختصة، وتخضع لها الحالات التى عددتها جميعًا، والتى استهدفت محكمة الموضوع طرحها على هذه المحكمة، لما قام لديها من شبهة مخالفتها أحكام الدستور، ومن ثم يكون للقضاء في دستوريتها أثر وانعكاس على شروط قبول الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع في هذا الشق منها، بما يجعلها مطروحة حكمًا على هذه المحكمة، لتقول كلمتها في مدى اتفاقها مع أحكام الدستور، دون النظر إلى انتهاء عملية الانتخاب والدورة الانتخابية، لتضحى المصلحة في الدعوى المعروضة متحققة في حدود نطاقها المتقدم، الأمر الذى يغدو معه الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من النقابة في غير محله حقيقًا بالرفض.

وحيث إن المادة (20) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين تنص على أنه: "لوزير الرى أن يطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية، أو قراراتها، أو في انتخاب النقيب، وأعضاء مجلس النقابة المكملين، وذلك بتقرير، يودع قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ إبلاغه بقرارات الجمعية العمومية، أو بنتيجة الانتخاب.

كما يجوز لمائة عضو، على الأقل، ممن حضروا الجمعية العمومية، الطعن أمام المحكمة المذكورة، في تلك القرارات في صحة انعقاد الجمعية، وفى انتخاب النقيب، وأعضاء مجلس النقابة المكملين، خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انعقاد الجمعية العمومية، وذلك بتقرير مسبب ومصدق على الإمضاءات الموقع بها عليه من الجهة المختصة، وإلا كان الطعن غير مقبول شكلاً.
وتفصل محكمة القضاء الإدارى في الطعن، على وجه الاستعجال، في جلسة غير علنية، وذلك بعد سماع أقوال نائب عن إدارة قضايا الحكومة، وأقوال النقيب أو من ينوب عنه، وأحد الأعضاء مقدمي الطعن، أو من يمثله.
ويصدر الحكم في الطعن في جلسة علنية".

كما تنص المادة (43) من هذا القانون على أن: "تسرى على النقابة الفرعية، وعلى شعب النقابة، أحكام المواد (16، 17، 18)، على أن يكون العدد (50) عضوًا على الأقل، والفقرة الثانية من المادة (19)، والمادة (20) على أن يكون العدد (50) عضوًا على الأقل، والمادتين (21، 27) من هذا القانون بالنسبة للرئيس، وأعضاء مجلس كل من النقابة الفرعية، أو الشعب".
      وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النصين التشريعيين المحالين، - في حدود نطاقهما المتقدم - تعويقهما حق التقاضى، فيما اشترطاه من نصاب للطعن على القرارات المشار إليها، وتصديق على الإمضاءات، الموقع بها على التقرير به.



      وحيث إن من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية، التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم، دون غيره، إذ إن هذه الرقابة، إنما تستهدف، أصلاً، صون الدستور، المعمول به، وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور، تمثل دائمًا القواعد والأصول، التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التى يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وعلى ذلك فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المحالة، والتى ما زال معمولاً بها، وذلك من خلال أحكام الدستور الصادر بتاريخ 18/1/2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
      وحيث إن الدستور الحالى قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التى يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التى كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالى فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التى تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
      وحيث إن الدستور الحالى قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأى العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، وفى الحقوق والحريات والواجبـات العامة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المحال - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
      وحيث إن الدستور- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قد أفرد بابه الرابع للقواعد التى صاغها في مجال سيادة القانون، وهى قواعد تتكامل فيما بينها، ويندرج تحتها نص المادة (97)، التى كفل بها حق التقاضى للناس كافة، دالاًّ بذلك على أن التزام الدولة بضمان هذا الحق، هو فرع من واجبها في الخضوع للقانون، ومؤكدًا، بمضمونه، جانبًا من أبعاد سيادة القانون، التى جعلها أساسًا للحكم في الدولة، على ما تنص عليه المادة (94) منه. وإذ كان الدستور قد أقام، من استقلال القضاء، وحصانته، ضمانين أساسين، لحماية الحقوق والحريات، فقد أضحى لازمًا- وحق التقاضى هو المدخل إلى هذه الحماية - أن يكون هذا الحق مكفولاً، بنص صريح في الدستور، كى لا تكون الحقوق والحريات، التى نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها، بل معززة بها، لضمان فعاليتها.

      وحيث إنه إذ كان ذلك، وكان الالتزام الملقى على عاتق الدولة، وفقًا لنص المادة (97) من الدستور، يقتضيها تمكين كل متقاض من النفاذ إلى القضاء، نفاذًا ميسرًا، لا تثقله أعباء مالية، ولا تحول دونه عوائـق إجرائية، وكان هذا النفاذ- بما يعنيه من حق كل فرد في اللجوء إلى القضاء، وأن أبوابه المختلفة غير موصدة في وجه من يلوذ بها، وأن الطريق إليها معبد قانونًا- لا يعدو أن يكون حلقة في حق التقاضى، تكملها حلقتان أخريان، لا يستقيم بدونهما هذا الحق، ولا يكتمل وجوده في غيبة أحداهما. ذلك أن قيام الحق في النفاذ إلى القضاء، لا يدل بذاته، ولزومًا على أن الفصل في الحقوق، التى تقام الدعوى لطلبها، موكول إلى أيد أمينة عليها، تتوافر لديها- ووفقًا للنظم المعمول بها أمامها - كل ضمانة، تقتضيها إدارة العدالة، إدارة فعالة، بما مؤداه: أن الحلقة الوسطى في حق التقاضى هى تلك التى تعكس حيدة المحكمة، واستقلالها، وحصانة أعضائها، والأسس الموضوعية لضماناتها العملية، وهى بذلك تكفل، بتكاملها، المقاييس المعاصرة، التى توفر لكل شخص حقًّا متكاملاً، ومتكافئًا مع غيره، في محاكمة منصفة، وعلنية، تقوم عليها محكمة مستقلة، محايدة، ينشئها القانون، تتولى الفصل - خلال مدة معقولة - في حقوقه، والتزاماته المدنية، أو في التهمة الجنائية الموجهة إليه، ويتمكن، في كنفها، من عرض دعواه، وتحقيق دفاعه، ومواجهة أدلة خصومه، ردًّا، وتعقيبًا، في إطار من الفرص المتكافئة، وبمراعاة أن تشكيل المحكمة، وأسس تنظيمها، وطبيعة القواعد الموضوعية، والإجرائية، المعمول بها في نطاقها، وكيفية تطبيقها، من الناحية العملية، هى التى تحدد لتلك الحلقة الوسطى، ملامحها الرئيسية. إذ كان ما تقدم، وكان حق التقاضى لا تكتمل مقوماته، أو يبلغ غايته، ما لم توفر الدولة للخصومة، في نهاية مطافها، حلاًّ منصفًا، يمثل التسوية، التى يعمد من يطلبها إلى الحصول عليها، بوصفها الترضية القضائية، التى يسعى إليها، لمواجهة الإخلال بالحقوق، التى يدعيها، فإن هذه الترضية - وبافتراض مشروعيتها، واتساقها مع أحكام الدستور - تندمج في الحق في التقاضى، باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه، ولارتباطها بالغاية النهائية المقصودة منه، برابطة وثيقة. ذلك أن الخصومة القضائية، لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية، لا تتمحض عنها فائدة عملية، وإنما غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون، وتتحدد، على ضوئها، حقيقة المسألة المتنازع عليها بين أطرافها، وحكم القانون بشأنها. واندماج هذه الترضية في الحق في التقاضى، مؤداه: أنها تعتبر من مكوناته، ولا سبيل إلى فصلها عنه، وإلا فقد هذا الحق مغزاه، وآل سرابًا.



      وحيث إن الدستور، بما نص عليه في المادة (97) منه، من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، قد دل على أن هذا الحق في أصـل شرعته، هو حق للناس كافة، لا يتمايزون فيما بينهم، في مجال اللجوء إليه، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية، في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، دفاعًا عن مصالحهم الذاتية. وقد حرص الدستور على ضمان إعمال هذا الحق، في محتواه المقرر دستوريًّا، بما لا يجوز معه قصر مباشرته على فئة دون أخرى، أو إجازته في حالة بذاتها دون سواها، أو إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته؛ لضمان أن يكون النفاذ إليه حقًّا لكل من يلوذ به، غير مقيد، في ذلك، إلا بالقيـود، التى يقتضيها تنظيمه، والتى لا يجوز، بحال، أن تصل، في مداها، إلى حد مصادرته. وبذلك يكون الدستور قد كفل، الحق في الدعوى، لكل مواطن، وعزز هذا الحق، بضماناته، التى تحول دون الانتقاص منه، وأقامه، أصلاً، للدفاع عن مصالحهم الذاتية، وصونها من العدوان عليها، وجعل المواطنين سواء في الارتكان إليه، بما مؤداه: أن غلق أبوابه، دون أحدهم، إنما ينحل إلى إهداره، ويكرس الإخلال بالحقوق التى يدعيها. وهى بعد، حقوق، تحركها مصلحته، ولا تحول، دون طلبها، الطبيعة العينية للدعوى الدستورية، التى تقوم في جوهرها، على مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور، تحريًّا لتطابقها معها، إعلاء للشرعية الدستورية، ذلك أن هذه العينية - وعلى ماجرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا تفيد لزومًا، التحلل في شأنها، من شرط المصلحة، أو أن هذا الشرط، يعتبر منفكًّا عنها، غير مرتبط بها. كذلك فإن حق كل مواطن، في الدفاع عن حقوقه الذاتية، لا ينال منه، ما هو مقرر من أن لكل نقابة منشأة، وفقًا للقانون - وبوصفها شخصًا معنويًّا- الحق في أن تقيم، استقلالاً عن أعضائها، الدعاوى، المتعلقة بالدفاع عن مصالحهم في مجموعها. ذلك أن المصالح الجماعية، التى تحميها النقابة، لا تعتبر منصرفة إلى عضو معين من أعضائها، أو متعلقة بفئة من بينهم دون سواها، وإنما مناطها صون الأغراض، التى تقوم عليها النقابة، وحماية أهدافها. ومن ثم لا تخل هذه المصالح الجماعية، بالمصالح الفردية لكل عضو من أعضائها. ولا يجوز أن تحول دونه والدفاع عن مركزه القانونى الخاص، أو حقوقه الذاتية، والتى أثر فيها النص التشريعي المطعون فيه، تأثيرًا مباشرًا.

      وحيث إن النصين التشريعيين المحالين - في الإطار المتقدم - قد تضمنا قيدين خطيرين، يعصفان بحق عضو النقابة، في الطعن على القرارات المشار إليها، أولهما: إيجابه أن يكون الطعن، في انتخابه، مقدمًا من مائة عضو، على الأقل، من أعضاء النقابة، ممن حضروا جمعيتها العمومية، بالنسبة للنقابة العامة، ومن خمسين عضوًا، على الأقل، بالنسبة للنقابة الفرعية، وثانيهما: أن يكون الطعن بتقرير مصدق على الإمضاءات الموقع بها عليه من الجهة المختصة، وقد قرن المشرع هذين القيدين بجزاء، رتبه على تخلف أحدهما، أو كليهما، هو اعتبار الطعن غير مقبول "بقوة القانون".
      وحيث إنه عن القيد الأول، الذى تضمنه النصان التشريعيان المحالان، فإن حقيقة الأمر فيهما، أنهما لا يعتبران تنظيمًا لحق النقابة، في الدفـاع عن المصالح الجماعية لأعضائها. ولا يتوخيان، من جهة أخرى، تأمين المصالح الذاتية، لكل متقاض من بينهم، ويكون هذان النصان – بتطبيقهما عليه - قد أخلّا بأحد الحقوق، التى كفلها الدستور له، ملحقين به، على هذا النحو، ضررًا مباشرًا. وآية ذلك أن المصالح الجماعية، لا تحميها إلا النقابة ذاتها، بوصفها شخصاً معنويًّا، مستقلاً عن أعضائها. كذلك فإن المصالح الذاتية، لا يكفلها إلا أصحابها، من خلال ضمان حقهم، في اللجوء إلى القضاء، والنفاذ إليه نفاذًا ميسرًا، لا تثقله أعباء مادية، ولا تحول دونه عوائق إجرائية جوهرية. ولا كذلك النصان التشريعيان المحالان، إذ أهدرا المصلحة الذاتية، لكل عضو من أعضاء النقابة، في ضمان أن يكون النقيب وأعضاء النقابة منتخبين، وفقًا للدستور والقانون، وفى إطار قواعدهما، لضمان أن يباشروا مهامهم، مستندين في ذلك إلى أغلبية، تكون قد أولتهم ثقتها، اطمئنانًا إليهم. وهى، في كل حال، أغلبية، تمثل القاعدة الأعرض، التى منحتهم تأييدها، وقوفًا إلى جانبهم، ودفاعًا عن برامجهم، وتوجهاتهم، التي أداروا حملتهم الانتخابية على ضوئها. ومن ثم تكون شرعية انتخابهم، انتصافًا للديموقراطية، وانحيازًا لجوهرها، في دائرة العمل النقابى، وموطئًا لتحقيق المصالح المشروعة، التى تسعى النقابة إلى بلوغها، بما مؤداه: أن لكل عضو، من أعضاء النقابة، مصلحة محققة، في إرساء هذه الشرعية، تثبيتًا لها، وتعميقًا لمجال تطبيقها، سواء في ذلك، من كان منهم مرشحًا لمنصب النقيب أو لعضوية مجلس النقابة، متزاحمًا مع غيره في الفوز بها، أم كان غير منافس لهم، في الظفر بمقعدهم. وهذه المصلحة الشخصية الذاتية، لكل عضو من أعضاء النقابة، هى التى كان يتعين على المشرع أن يدخلهـا في اعتباره، في مجال تنظيمه لحق الطعن في الانتخاب، بما لا يعطلها، ولكنه آثر أن يعمل على نقيضها، وأن يسقطها، كلية، متجاوزًا عنها، ذلك أن إيجابه أن يكون الطعن مقدماً من مائة عضو على الأقل من أعضاء النقابة ممن حضروا جمعيتها العمومية، بالنسبة للنقابة العامة، ومن خمسين عضوًا على الأقل بالنسبة للنقابة الفرعية، يفترض توافق مصالحهم في الطعن، لإبطال الانتخابات، وأن كلمتهم منعقدة على افتقار فوزهم، إلى الشرعية، في كامل أبعادها، وهو افتراض قد لا يظاهره واقع الحال. وحقيقة مرماه، بل وغايته النهائية، هى أن يكون الطعن بالقيود الإجرائية، التى أحاطته أكثر عسراً، وأبهظ مشقة. وليس ذلك إلا إعناتًا، بما لكل مواطن من حق، يتكافأ فيه مع غيره، في اللجوء إلى القضاء، وينحدر بالنفاذ إليه إلى مرتبة الحقوق محدودة الأهمية، التى يجوز الانتقاص منها.

      ولا ينال مما تقدم، قالة أن ما تطلبه النص المحال من أن يكون الطعن مقدمًا من مائة عضو أو خمسين عضوًا من أعضاء النقابة، لا يعدو أن يكون إعمالاً للديموقراطية، وتعميقًا لفحواها تطبيقًا لنصى المادتين (76، 77) من الدستور التى تنص أولاهما على أن إنشاء النقابات على أساس ديموقراطي حق يكفله القانون، وتنص ثانيتهما على أن ينظم القانون النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطى، ذلك أن ما قصد إليه الدستور، من ذلك هو ضمان حق أعضاء النقابة في صياغة أنظمتها، وبرامجها، وتنظيم إدارتها، وأوجه نشاطها، واختيار ممثليها في حرية تامة. وتلك هى الديموقراطية النقابية، التى تكفل حرية النقاش، والحوار، في آفاق مفتوحة، تتكافأ الفرص، من خلالها، وتتعدد معها الآراء، وتتباين داخل النقابة الواحدة، إثراء لحرية الإبداع، والأمل، والخيال- وهى أدوات التقدم- ليعكس القرار فيها الحقيقة، التى بلورتها الآراء المتعددة، من خلال مقابلتها ببعض، وقوفًا على ما يكون منها زائفًا، أو محققًا لمصلحة مبتغاة، وعلى تقدير أن النتائج الصائبة، هى حصيلة الموازنة بين آراء متعددة، جرى التعبير عنها، في حرية كاملة، وأنها، في كل حال، لا تمثل انتقاءً لحلول بذواتها، تستقل الأقلية بتقديرها، وتفرضها عنوة. كذلك فإن الديموقراطية النقابية، في محتواها المقرر دستوريًّا، لازمها أن يكون الفوز داخل النقابة، بمناصبها المختلفة - على تباين مستوياتها، وأيًّا كان موقعها - مرتبطًا بإرادة أعضائها الحرة الواعية، وبمراعاة أن يكون لكل عضو من أعضائها الفرص ذاتها، التي يؤثر بها - متكافئًا في ذلك مع غيره - في تشكيل السياسة العامة لنقابته، وبناء تنظيماتها المتعددة، وفاء بأهدافها، وضمانًا لتقدمها، في مختلف الشئون التى تقوم عليها. وبذلك يتحدد المضمون الحق لنصى المادتين (76، 77) من الدستور اللتين تكفلان الحرية النقابية لجميع أعضاء النقابة، ولا تقرران أفضلية لبعض أعضائها على بعض، في أى شأن، يتعلق بممارستها، ولا تفرضان سيطرة لجماعة من بينهم على غيرها، لضمان أن يظل العمل الوطني قويمًا، وجماعيًّا في آن واحد، من أدق مجالاته، وأكثرها خطرًا.
      وحيث إن النصين التشريعيين المحالين لم يقفا، في مجال تقييدهما، لحق الطعن، عند حد إيجابه، أن يكون الطعن مقدمًا، من عدد لا يقل عن مائة عضو من أعضاء النقابة العامة، ممن حضروا جمعيتها العمومية، أو خمسين عضوًا بالنسبة للنقابة الفرعية، وإنما جاوزا ذلك، إلى فرض شرط آخر، يتعين، بمقتضاه، أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن، مصدقًا عليها، من الجهة المختصة، كاشفاً بذلك عن أن غايته من إيراد هذين القيدين هى إرهاق حق اللجوء إلى القضاء، في هذا النطاق، بما قد يصد عن ممارسته. وليس ذلك تنظيماً لحق التقاضي، بل هو تعطيل لدوره، وحد من فعاليته، وتدخل من المشرع في المهام، التي تقوم عليها السلطة القضائية، ممثلة في محاكمها المختلفة، التى تتولى الفصل في الخصومات المعروضة عليهـا، وتتحقق في إطار وظيفتها، من صفات المتنازعين أمامها، إذا بدا لها ما يريبها.



      وحيث إنه إذ كان ما تقدم، وكان النصان المحالان، بإيرادهما هذين الشرطين، قد مايزا – في مجال ممارسة حق الطعن القضائي - بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند، في هذا التمييز، إلى أسس موضوعية، ذلك أن ما تضمنه كل من النصين المشار إليهما، باعتبارهما الوسيلة التي اختارها المشرع، لتحقيق الغايات التي سعى إلى تحقيقها من وراء ذلك، وهو تنظيم الحق في الطعن، لا تتناسب مع تلك الغايات، والالتزام الدستوري الملقى على عاتق المشرع بكفالة الحق في التقاضي، بل وتناقضه بتقييدها لهذا الحق، إلى حد إهداره ومصادرته، بما تقع معه مصادمة لمبادئ العدل وتكافؤ الفرص والمساواة التي كفلها الدستور في المواد (4، 9، 53) منه، فوق كونهما بما تضمناه من أحكام على النحو المتقدم تجاوز نطاق السلطة التقديرية المقررة للمشرع في مجال تنظيم ممارسة الحقوق والحريات التي ضمن الدستور نص المادة (92) منه قيدًا عامًّا عليها، بمقتضاه لا يجوز تقييدها بما يمس أصلها وجوهرها، الأمر الذى يكون النصان المحالان في حدود النطاق المتقدم قد وقعا بالمخالفة لنصوص المواد (4، 9، 53، 76، 77، 92، 94، 97) من الدستور.

فلهذه الأسباب

      حكمت المحكمة بعدم دستورية المادتين (20) و(43) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهندسين، فيما نصتا عليه من أن يكون الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية للنقابة، وفى انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة المكملين، من مائة عضو على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية، بالنسبة للنقابة العامة، ومن خمسين عضوًا على الأقل، بالنسبة للنقابة الفرعية، ومصدق على الإمضاءات، الموقع بها على التقرير به في الحالين، من الجهة المختصة.

متى لا يحوز حكم المحكمة الدستورية العليا حجيته أمامها عند الطعن على ذات النص


الدعوى رقم 65 لسنة 35 ق "دستورية" جلسة 2 / 2 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من فبراير سنة 2019م، الموافق السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمـد غنيم والدكتور محمـــد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع     أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 65 لسنة 35 قضائية "دستورية".
المقامة من
عبد الحليم إبراهيم عبد المجيد أبوعلم
ضــــــد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- وزير التربية والتعليـم
3- محافظ المنوفيــة
4- مدير مديرية التربية والتعليم بشبين الكوم


الإجراءات
      بتاريخ الثامن والعشرين من أبريل سنة 2013، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما لم تتضمنه من تنظيم الامتداد القانوني لعقد الإيجار إذا كان المستأجر من الأشخاص الاعتبارية العامة، ومنها الجهات الحكومية أو الهيئات أو المؤسسات العامــــة أو إحدى وحدات الإدارة المحلية، والمادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنته في صدرها من عبارة ( ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد).

وقدَّمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
     حيث إن الوقائع– على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعى، كان قـد أقام الدعوى رقم 6095 لسنة 9 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بشبين الكوم، ضد المدعى عليهما الثالث والرابع، طالبًا الحكم أولاً: بصفة عاجلة، بوقف تنفيذ قرار جهة الإدارة السلبى بالامتناع عن تسليم العقار المبين بعريضة دعـواه إلى مالكيه. ثانيًا: بإلغاء القرار المذكور مع ما يترتب على ذلك من آثار، وذلك على سند من أنه يمتلك وآخرين العقار المشار إليه بعريضة تلك الدعوى، وقد أجره مورثه إلى مديرية التربية والتعليم بشبين الكوم بموجب عقد إيجار مؤرخ 12/12/1965، بغرض استعماله مدرسة ابتدائية لمدة ثلاث سنوات، وظل العقد ممتدًا لمدة جاوزت خمسين عامًا، وأنه إزاء صدور قرار مجلس الوزراء بجلسته المعقودة بتاريخ 2/4/1997، بإعادة الجهات الحكومية والأجهزة والهيئات التابعة لها الوحدات التى تشغلها إلى مؤجريها، إذا كانت في غير حاجة إليها، فقد طلب بتاريخ 1/1/2008، من المدعى عليهما الثانى والثالث إخلاء العقار المذكور وتسليمه، إلا أن جهة الإدارة امتنعت عن تسليم ذلك العقار، فأقام دعواه أمام جهة القضاء الإداري المار ذكرها، والتى قضت فيها بعدم اختصاصها ولائيًّا بنظر الدعـوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة شبين الكوم الابتدائية للاختصاص. ونفاذًا لهذا القضاء قُيدت الدعوى برقم 36 لسنة 2012 مساكن شبين الكوم، وبجلسة 27/3/2013، المحددة للنطق بالحكم في الدعـــوى، قررت المحكمة إعادتها للمرافعة بجلسة 8/5/2013، بعـــد أن قدرت جدية دفعه بعدم دستورية المادتين (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977، و(18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليهما، وصرحت له في القرار ذاته بإقامة دعواه الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة بطلباته سالفة البيان، ناعيًا على النصين محل الطعن مخالفتهما أحكام المواد (2، 8، 24، 33) من الدستور الصادر سنة 2012، باعتبار أن مقتضى عدم تضمين نصى المادتين محل الطعن، تنظيمًا للامتداد القانونى لعقد الإيجار - إذا كان المستأجر أحد الأشخاص الاعتبارية العامة - أن يكون عقد الإيجار مؤبدًا، بما يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية، ويجافى مبدأ المساواة، وينال من حق الملكية الخاصة.

وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل في نص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 السالف الإشارة إليه، بالحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 3/11/2002، في الدعوى رقم 105 لسنة 19 قضائية "دستورية"، القاضى برفض الدعوى، فمردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – بأن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية، والمانعة من نظر أى طعن دستورى جديد، يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم يكن مثارًا للنزاع أمامها ولم تفصل فيه بالفعل، فلا يمكن أن يكون موضوعًا لحكم يحوز حجية الأمر المقضى، ومـن ثم لا تمتد إليه الحجيـة المطلقة للحكم في الدعوى الدستورية السابقة، إذ كان ذلك، وكانت المحكمة الدستورية العليا قد سبق لها أن باشرت رقابتها على دستورية صدر نص الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه – محل الطعن في الدعوى المعروضة – وذلك في الدعوى رقـــــم 105 لسنة 19 قضائية "دستورية"، وقضت فيهـا بجلسـة 3/11/2002، برفض الدعوى، وكانت رحى النزاع الموضوعى، الذى انبثقت عنه تلك الدعوى الدستورية، تدور حول طلب إنهاء عقد إيجار عين سكنية مؤجرة لشخص طبيعى، وقد تأسس الحكم الصادر برفض تلك الدعوى الدستورية على أن "النص الطعين لم يعمد إلى تأبيد عقد الإيجار وإنما قصد تقرير امتداد لهذا العقد يتجاوز المدة المتفق عليها فيه، وهو امتداد وإن كان غير محدد بمدة معينة، إلا أن مدته تتحدد بوقائع عدة منها.....، ثم يتحقق التأقيت النهائي للعقد بوفاة المستأجر إذا وقعت هذه الوفاة خلال مدة الامتداد القانونى له...... ". وأن "ما أملى على المشرع المصرى تقرير قاعدة الامتداد القانونى لعقد الإيجار، هو ضرورة اجتماعية شديدة الإلحاح، تمثلت في خلل شديد في التوازن بين قدر المعروض من الوحدات السكنية، وبين حجم الطلب عليها، وهو خلل باشرت ضغوطه الاجتماعية آثارها منذ الحرب العالمية الثانية، وكان تجاهلها يعنى تشريد ألوف من الأسر من مأواها، بما يعنيه ذلك من تفتيت في بنية المجتمع، وإثارة الحقد والكراهية بين فئاته ممن لا يملكون المأوى ومن يملكونه، وهو ما يهدر مبدأ التضامن الاجتماعي، مما دعا المشرع المصري إلى تبنى قاعدة الامتداد القانوني لعقد الإيجار، منذ التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن الصادرة أثناء الحرب العالمية الثانية، وحتى النص الطعين، كى يصون للمجتمع أمنه وسلامته محمولين على مبدأ التضامن الاجتماعي... ". متى كان ذلك، وكانت الأسباب التى تأسس عليها ذلك الحكم، وبقدر اتصالها الحتمي بما انتهى إليه منطوقه من رفض الدعوى، مؤداه انصـراف حجيته إلى اتفاق حكم صدر الفقــــــرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه وأحكام الدستور، في مجال انطباق قاعدة الامتداد القانوني لمدة عقد الإيجار المقررة به على الأماكن المؤجرة لغرض السكنى للأشخاص الطبيعيين، باعتبار تلك المسألة كانت هى محل النزاع في الدعوى الموضوعية، التى تولدت عنها الدعــــوى الدستوريـــة، وقد فصلت المحكمة الدستورية العليا في قاعدة هذا الامتداد فصلاً حاسمًا بقضائها، ويتعين بالتالي ألا تبرح حجية ذلك الحكم ذلك النطاق، لتقتصر عليه وحده، دون أن تتجاوزه إلى ما يحمله من إطلاق عبارة النص التشريعي ذاته، ليشمل الامتداد القانوني لمدة عقد إيجار الأماكن المؤجرة لأحد الأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى، إذ لم يكن أمره مطروحًا على المحكمة الدستورية العليا، ولم يكن مثارًا للنزاع أمامها، ولم تشر المحكمة في أسباب حكمها إلى امتداد نطاقه إلى تلك الأماكن، ومن ثم لا تمتد إليه الحجية المطلقة للحكم في الدعوى الدستورية السابقة، ويظل أمره قابلاً للطرح على هذه المحكمة لتقول فيه كلمتها، الأمر الذى يكون معه الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة مفتقدًا لسنده.

وحيث إن صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ينص على أن "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، إلا لأحد الأسباب الأتية......".




وتنص المادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وببعض الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية - المطعون فيها - على أن "يُستبدل بنص الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، النص الآتى:
فإذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجارى أو صناعي أو مهني أو حرفي، فلا ينتهى العقد بموت المستأجر ويستمر لصالح الذين يستعملون العين من ورثته في ذات النشاط الذى كان يمارسه المستأجر الأصلي طبقًا للعقد، أزواجًا وأقارب حتى الدرجة الثانية، ذكورًا وإناثًا من قُصَّر وبُلَّغ، يستوى في ذلك أن يكون الاستعمال بالذات أو بواسطة نائب عنهم.

واعتبارًا من اليوم التالى لتاريخ نشر هذا القانون المعدّل، لا يستمر العقد بموت أحد من أصحاب حق البقاء في العين إلا لصالح المستفيدين من ورثة المستأجر الأصلي دون غيره ولمرة واحدة".


وحيث إن حقيقة طلبات المدعى بالنسبة لنص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، إنما تتحدد في الطعن على ما ورد بصدر الفقرة الأولى من هذا النص من إطلاق وعموم عباراته، التى لم تُجز للمؤجر طلب إخلاء المكان المؤجر، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى، ويتحدد نطاق طعن المدعى على المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه، في نص الفقرة الثانية من المادة المذكورة مُعدَّلة بنص المادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 السالف بيانها.


وحيث إن هذه المحكمة سبق لها أن حسمت المسألة الدستورية المتعلقة بنص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، محددًا نطاقه على النحو المتقدم، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 5/5/2018، في الدعوى رقم 11 لسنة 23 قضائية "دستورية" القاضي أولاً: بعدم دستورية صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنته من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد"، لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى. ثانيًا: بتحديد اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي السنوي لمجلس النواب اللاحق لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال أثره. ونشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بعددها رقم 19 مكرر (ب) بتاريخ 13/5/2018، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48 ، 49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 أن تكون الأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحكمة ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم، باعتبارها قولاً فصلاً في المسألة المقضى فيها، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها، أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعتها، الأمر الذى تغدو معه الخصومة منتهية بالنسبة للطعن على النص المشار إليه.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية المطروحة على هذه المحكمة، لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان القضاء بعدم دستورية صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، في حدود النطاق المتقدم، والذى يحكم وقائع النزاع الموضوعي، تتحقق به مصلحة المدعى، وغايته من دعواه المعروضة، الأمر الذى تنتفى معه مصلحته في الطعن على نص المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه، المعدل بالقانون رقم 6 لسنة 1997 السالف الذكر، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذا النص.

فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة:
أولاً: باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة للطن على ما تضمنه صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد" لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى.
ثانيًا: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على نص المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، المعدَّل بالقانون رقم 6 لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وببعض الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية.

موانع ترقية ضابط الشرطة (المحال إلى المحاكمة التأديبية أو الجنائية أو الموقوف عن العمل)


الدعوى رقم 40 لسنة 32 ق "دستورية" جلسة 2 / 2 / 2019
باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من فبراير سنة 2019م، الموافق السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمـى إسكندر ومحمود محمـد غنيم والدكتور محمـــد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع            أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 40 لسنة 32 قضائية "دستورية"


المقامة من
طـــارق علـى حسن
ضد
1-    رئيس الجمهوريـــة
2-    رئيس مجلس الـــوزراء
3-    وزير العــــدل
4-    وزير الداخليـــة


الإجراءات
بتاريخ الخامس عشر من فبراير سنة 2010، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة (64) من قانون هيئة الشرطة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 109 لسنة 1971، وإلغاء كافة الآثار المترتبة على هذه المادة بالنسبة له.
وقدَّمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة ولائيًّا بنظر الدعوى، واحتياطيًّا: بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة، ومن باب الاحتياط الكلى: برفض الدعوى.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة بجلسة 5/1/2019، إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، وصرحت بمذكرات في أسبوع، وفى الأجل المشار إليه قدَّم المدعى مذكرة صمم فيها على الطلبات.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى، كان قد أقام الدعوى رقم 30952 لسنة 58 قضائية، أمام محكمة القضاء الإدارى، ضد المدعى عليه الرابع، بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 21 لسنة 2004 بتأخير أقدميته، وذلك على سند من أن المذكور كان قد حل دوره في الترقية إلى رتبة "رائد" في 1/8/2003، إلا أنه لم تتم ترقيته لإحالته إلى المحاكمة التأديبية، وفى غضون يناير سنة 2004، أصدر وزير الداخلية القرار المشار إليه بترقيته إلى رتبة رائد اعتبارًا من 18/11/2003، وتضمن هذا القرار تأخير أقدميته من رقم 206 لسنة 1992 - أقدمية التخرج - إلى رقم 1104 لسنة 1992، ليكون تاليًا للرائد / عبد الرحمن إبراهيم عبد المجيد، وذلك دون سند أو مبرر، وبالمخالفة لأحكام القانون. وبتاريخ 17/3/2004، تقدم بتظلم من هذا القرار، ثم لجأ إلى لجنة فض المنازعات بوزارة الداخلية بالطلب رقم 9890 لسنة 2004، وبتاريخ 28/7/2004، انتهت اللجنة إلى رفض طلبه، مما حدا به إلى إقامة دعواه المشار إليها توصلاً للقضاء له بطلباته المتقدمة، وأثناء نظر الدعوى، دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة (64) من قانون هيئة الشرطة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 109 لسنة 1971، لمخالفته لمبدأ المساواة الذى كفلته المادة (40) من الدستور الصادر سنة 1971، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا عليه، أقام دعواه المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيًّا بنظر الدعوى، المُبدى من هيئة قضايا الدولة، على سند من أن مناعى المدعى التى ضمَّنها صحيفة دعواه لا تعدو أن تكون تعقيبًا على تقرير هيئة مفوضي الدولة بمحكمة القضاء الإدارى، ونقدًا للنص المطعون فيه، مما لا يجوز طرحه على المحكمة الدستورية العليا، وذلك مردود: بأن طلبات المدعى الختامية الواردة بصحيفة دعواه المعروضة قد انصبت على طلب الحكم بعدم دستورية نص المادة (64) من قانون هيئة الشرطة المشار إليه، لمخالفته لمبدأ المساواة، وهو ما يدخل الفصل فيه في نطاق الولاية الحصرية التى وسدها الدستور لهذه المحكمة بمقتضى نص المادة (192) منه، والبند (أولاً) من المادة (25) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، في الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، الأمر الذى يضحى معه هذا الدفع في غير محله، وغير قائم على أساس سليم، حقيقًا بالقضاء برفضه.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الخطأ في تأويل أو تطبيق النصوص القانونية لا يوقعها في دائرة المخالفة الدستورية، إذا كانت صحيحة في ذاتها، وأن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور لا يتصل بكيفية تطبيقها عملاً، ولا بالصورة التى فهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد اتفاقها مع الدستور أو خروجها عليه، إلى الضوابط التى فرضها الدستور على الأعمال التشريعية. كما جرى قضاء هذه المحكمة كذلك على أنه متى كان الضرر المدعى به ليس مرده إلى النص المطعون بعدم دستوريته، وإنما إلى الفهم الخاطئ له، والتطبيق غير الصحيح لأحكامه، غدت المصلحة في الدعوى الدستورية منتفية.
وحيث إن المادة (64) من قانون هيئة الشرطة السالف الذكر تنص على أنه "لا تجوز ترقية ضابط محال إلى المحاكمة التأديبية أو المحاكمة الجنائية في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو موقوف عن العمل في مدة الإحالــــــة أو الوقف، وفى هذه الحالة تُحجز للضابط رتبة لمدة سنة فإذا استطالت المحاكمة لأكثر من ذلك وثبت عدم إدانته أو عوقب بالإنذار أو بعقوبة الخصم من المرتب أو الوقف عن العمل مدة لا تجاوز خمسة أيام في الحالتين وجب عند ترقيته حساب أقدميته في الرتبة المرقى إليها ومنحه مرتبها من التاريخ الذى كانت تتم فيه الترقية لو لم يحل إلى المحاكمة التأديبية أو المحاكمة الجنائية.
ويعتبر الضابط مُحالاً إلى المحاكمة التأديبية من تاريخ صدور قرار الإحالة".
والواضح من هذا النص أن المشرع لم يُجز ترقية الضابط المحال إلى المحاكمة التأديبية أو الجنائية في جناية مخلة بالشرف أو الأمانة، أو الموقوف عن العمل، طوال مدة الوقف أو الإحالة، والتى تبدأ في حالة المحاكمة التأديبية من تاريخ صدور قرار الإحالة، وحفاظًا على حق الضابط المحال أو الموقوف عن العمل في الترقية، متى حل دوره فيها أثناء مدة الإحالة أو الوقف عن العمل، أوجب النص حجـز رتبة له لمدة سنة من التاريــــخ الذى كان يستحق فيه الترقية لو لم يُحل للمحاكمة، فإذا استطالت مدة المحاكمة لأكثر من ذلك، فقد اقتصر النص على بيان أثر انتهاء المحاكمة إلى ثبوت عدم إدانته أو بعقابه بعقوبة الإنذار أو الخصم من المرتب أو الوقف عن العمل، وذلك لمدة لا تجاوز في الحالين خمسة أيام، فجعل تحديد الأقدمية في الترقية، واستحقاق المرتب، راجعًا إلى التاريخ الذى كان يستحق فيه الضابط المحال هذه الترقية، حال عدم إحالته إلى المحاكمة، فإذا ما انتهت المحاكمة بالحكم نهائيًّا على الضابط المحال خلال مدة السنة التى تم حجز الرتبة له خلالها، فإن تأثير ذلك على الترقية إلى الرتبة المُحتفظ بها يكون خاضعًا للأصل العام المترتب على انتهاء مدة الإحالة، وزوال المانع من الترقية، وهو استرداد الجهة الإدارية سلطتها في الترقية إلى الرتبة المُحتفظ بها، والتى يتعلق بها حق الضابط في الترقية إليها، وليبقى الأثر المترتب على ذلك خاضعًا للقواعد العامة التى تضمنها قانون هيئة الشرطة، والتى من بينها النصوص الحاكمة لحالات وضوابط التخطى في الترقية وموانع الترقية، والتى حوتها المادة(15) منه، والتى لم تُجز ترقية الضابط لأسباب تتصل بتقدير كفايته، والفقرة الثالثة من المادة (17) من هذا القانون التى أجازت تخطى الضابط في الترقية لأسباب يقتضيها الصالح العام، دون أن تشترط أن يكون قد صدر بشأنه حكم تأديبى، بل تركت الأمر لتقدير السلطة المختصة، والمادة (65) من القانون المذكور التى لم تُجز ترقية الضابط الذى وقعت عليه عقوبة الوقف عن العمل طوال مدة الوقف، واشترطت ألا تقل مدة الحرمان من الترقية عن ثلاثة شهــــور، كما حظرت ترقية الضابط المعاقب بعقوبة تأجيل العلاوة أو الحرمان منها مدة التأجيل أو الحرمان، بما لازمه أنه لا يجوز تخطى الضابط في الترقية أو حرمانه من الترقية أو تأخير أقدميته، بغير نص صريح على ذلك في القانون، أو ترتيب ذلك كأثر تبعى للقرار التأديبى، ولا محل في هذا الشـأن إلى تأويل أحكام نص المادة (64) المشار إليه، متى كان من شأن ذلك إنشاء عقوبة، لما في ذلك من مخالفة لأحكام القانون، وما يترتب عليه من ازدواج في العقوبة، وتقرير جزاء لم يقرره المشرع بنص صريح في القانون، خاصة إذا ما وضع في الاعتبار أن تأخير الأقدمية في الرتبة، كانت من بين الجزاءات التى استبعدها المشرع من نطاق الجزاءات التأديبية التى حددها في نص المادة (48) من قانون هيئة الشرطة، بالنظر لآثارها على الحيـاة الوظيفية للضابط، والتى لا يمكن تداركها - على ما أوضحت المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه - ومن ثم لا يجوز توقيع أى من الجزاءات المتقدمة إلا في الأحوال المحددة التى بينها القانون، وأوردها على سبيل الحصر، دون التوسع في تفسيرها لتشمل جزاءات لم يرد النص عليها صراحة، لما في ذلك من مصادمة لأحكام الدستور والقانون.
متى كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن طلبات المدعى المطروحة في الدعوى الموضوعية قد انصبت على وقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 21 لسنة 2004، الصادر في غضون يناير سنة 2004، بترقيته إلى رتبة "رائد" اعتبارًا من 18/11/2003، مع تحديد أقدميته ليكون تاليًا للرائد / عبدالرحمن إبراهيم عبدالمجيد محمد، والذى صدر قبل مضى مدة السنة المقررة بنص المادة (64) المشار إليها، والتي يُحتفظ فيها للضابط بالرتبة، والتي تبدأ بالنسبة للمدعى من 1/8/2003، تاريخ استحقاقه للترقية طبقًا لترتيب أقدمية التخرج، وبعد صدور قرار مجلس التأديب الاستئنافي لضباط الشرطة بجلسة 18/11/2003، بتأييد قرار مجلس التأديب الابتدائي، بمجازاته بخصم شهر من راتبه، وزوال المانع من الترقية، وقد استند هذا القرار صراحة في تأخير أقدمية الضابط المذكور، من رقم (206/92) إلى (1104/92) لنص المادة (64) المار ذكره، ومن ثم فإن الضرر الذى لحق بالمدعى لا يكون راجعًا إلى النص المطعون فيه، وإنما إلى الفهم الخاطئ لهذا النص، والتطبيق غير الصحيح لأحكامه، من قبل السلطة المختصة، والذى لا يشكل عيبًا دستوريًّا، يستنهض ولاية هذه المحكمة، الأمر الذى تنتفى معه مصلحة المدعى في الطعن على هذا النص، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى


فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.