الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 28 فبراير 2019

عدم سداد الخصوم طالبو التدخل مصاريف تدخلهم يوجب الحكم بعدم قبول تدخلهم


القضية رقم 28 لسنة 39 ق "منازعة تنفيذ" جلسة 2 / 2 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من فبراير سنة 2019م، الموافق السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور حمدان حسن فهمى ومحمود محمـد غنيم والدكتور محمـــد عماد النجار    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 28 لسنة 39 قضائية "منازعة تنفيذ".
المقامة من
عبد الكريم أبو الحسن محمود عبد المجيد
ضــــــد
1 - رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس القضاء الأعلى
4 - وزير العدل
5 - النائب العــام

الإجراءات
      بتاريخ العاشر من سبتمبر سنة 2017، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم أولاً: بالاعتداد بأحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة في الدعاوى أرقام 10 لسنة 1 قضائية "دستورية"، 5 لسنة 15 قضائية "تنازع"، 39 لسنة 15 قضائية "دستورية"، 6 لسنة 15 قضائية "دستورية"، ثانيًا: وبصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ، وعدم الاعتداد بالقرار الصــــادر من محكمة النقض "دائرة طلبات رجال القضاء" في غرفة مشورة في الطعن رقم 992 لسنة 86 قضائية "رجال قضاء"، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إلغاء القرار الجمهورى رقم 649 لسنة 2013 فيما تضمنه من تخطيه وعدم استكمال إجراءات تعيينه.



      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة بجلسة 5/1/2019، إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، وصرحت بمذكرات في أسبوع، وفى الأجل المشار إليه قدم كل من كيرلس عوض جرجس عوض وطه سلامة محمد على ومحمد عبد الدايم السيد محمـد ريحان وحسن عبد الحميد على عبدالرحمن وإبراهيم حسن أنور على ومحمـد عبد المنعم محمـد محمـد الخشاب وإسلام محمـد على السيد وهيثم محمد عبد الباسط عباس إبراهيم ومنير رمضان زيدان محمد ومحمد محمد مصطفى محيى الدين مصطفى والبرنس محمود محمد إبراهيم وأحمد محمد السيد عطية خليل الشامى ومحمد عبد المنعم محمد، مذكرة، طلبوا فيها الاعتداد بالحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 5 لسنة 15 قضائية "تنازع"، وعدم الاعتداد بالأحكام الصادرة من محكمة النقض "دائرة رجال القضاء" في الطعون أرقام 763 و811 و992 لسنة 86 قضائية، 92 و95 و99 و222 و289 و372 لسنة 87 قضائية "رجال قضاء"، والأحكام الصادرة من محكمة استئناف القاهرة "دائرة طلبات رجال القضاء" في الطلبات أرقام 4113 و4195 لسنة 130 قضائية "رجال قضاء"، 3580 لسنة 132 قضائية "رجال قضاء"، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلغاء القرار الجمهورى رقم 649 لسنة 2013، فيما تضمنه من تخطيهم في التعيين، واستكمال إجراءات تعيينهم.

المحكمـــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 1439 لسنة 130 قضائية "دعاوى رجال القضاء"، أمام محكمة استئناف القاهرة "الدائرة 120" دعاوى رجال قضاء، ضد المدعى عليهم الأول والثالث والرابع والخامس، بطلب الحكم بإلغاء القرار الجمهوري رقم 649 لسنة 2013 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة معاون نيابة بالنيابة العامة وبأحقيته في التعيين، وما يترتب على ذلك من آثار، على سند من أنه حاصل على الليسانس من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بتقدير عام تراكمي جيد جدًا بنسبة 74ر81%، كما حصل على دبلومي الدراسات العليا من كلية الحقوق جامعة أسيوط، وتقدم للتعيين في وظيفة معاون نيابة بالنيابة العامة، إلا أنه رغم توافر شروط التعيين فيه، وموافقة مجلس القضاء الأعلى على ترشيحه لشغل هذه الوظيفة صدر القرار المطعون فيه خاليًا من اسمه، رغم تضمنه أسماء أشخاص حصلوا على تقديرات أقل منه، وبجلسة 21/1/2015 قضت المحكمة برفض الدعوى، وإذ لم يرتض المدعى هذا القضاء فقد طعن عليه أمام محكمة النقض بالطعن رقم 105 لسنة 85 قضائية "رجال قضاء"، وبجلسة 23/2/2016، قضت المحكمة بنقض الحكم، وإحالة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل فيه مجددًا بهيئة مغايرة، ونفاذًا لذلك أُحيلت الدعوى إلى محكمة استئناف القاهرة، ونُظرت أمام الدائرة "120" دعاوى رجال قضاء، وبجلسة 26/7/2016 قضت المحكمة برفض الدعـوى، على سند من أن التعيين في الوظائف القضائية لا يخضع بصورة تحكمية لترتيب مجموع درجات الحصول على المؤهل، وإنما تحكمه اعتبارات عملية وموضوعية يزنها مُصدر القرار الإدارى بميزان الحق والعدل مستهدفًا الصالح العام، ومقتضيات الوظيفة القضائية ومسئولياتها، وفق ضوابط يمليها التبصر والاعتدال، ولا يقيم تمييزًا غير مبرر بين المتزاحمين على التعيين، بل يردهم جميعًا إلى قواعد موحدة، تقضى بأن يكون شغلها حقًا للأجدر بتوليها، والذى تتوافر فيه الخصائص والقدرات العملية والفنية والاجتماعية التى تتواءم مع العمل القضائى، وتتناسب مع مسئولياته، وأن القرار المطعون فيه قد التزم ذلك، وجاء خلوًا من عيب إساءة استعمال السلطة، وقائمًا على أسس موضوعية تبرره، وقد طعن المدعى على هذا الحكم أمام محكمة النقض "دائرة رجال القضاء" بالطعن رقم 992 لسنة 86 قضائية "رجال قضاء"، وبجلسة 11/4/2017، قضت المحكمة - في غرفة مشورة - بعدم قبول الطعن، تأسيسًا على أن جهة الإدارة في إصدارها للقرار المطعون فيه قد استعملت سلطتها التقديرية التى خولها لها القانون، وتخيرت أصلح العناصر اللازمة لشغل الوظيفة القضائية، على ضوء الضوابط والمعايير التى وضعتها، سواء من حيث التقدير العام للمتقدمين أو شخصيتهم ومظهرهم وقدرتهم على التعبير السليم، والبيئة التى ينتمون إليها، وتحريات الجهات الأمنية والرقابية، وجاء قرارها سليمًا في مضمونه، ومحمولاً على أسبابه، كما خلت الأوراق مما يثبت أن الجهة الإدارية قد انحرفت عن سلطتها أو أساءت استعمالها، وإذ ارتأى المدعى أن ما تضمنه قرار محكمة النقض الصادر في غرفة مشورة سالف الذكر، قد ارتكن إلى أسس غير موضوعية، ولا تتفق مع أحكام الدستور، ومبدأ المساواة، كما منح مجلس القضاء الأعلى سلطة مطلقة في الاختيار، ووضع المعايير التى يراها للتعيين في تلك الوظائف، فضلاً عن تعارضه مع أحكام المحكمة الدستورية العليا المشار إليها، ليمثل بذلك مع القرار الجمهوري رقم 649 لسنة 2013 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة معاون نيابة بالنيابة العامة، عقبة في تنفيذ أحكام هذه المحكمة السالف ذكرها، أقام دعواه المعروضة بطلباته المتقدمة.
   وأثناء نظر الدعوى تدخل كل من كيرلس عوض جرجس عوض وطه سلامة محمد على ومحمد عبد الدايم السيد محمـد ريحان وحسن عبد الحميد على عبدالرحمن وإبراهيم حسن أنور على ومحمـد عبد المنعم محمـد محمـد الخشاب وإسلام محمـد على السيد وهيثم محمد عبد الباسط عباس إبراهيم ومنير رمضان زيدان محمد ومحمد محمد مصطفى محيى الدين مصطفى والبرنس محمود محمد إبراهيم وأحمد محمد السيد عطية خليل الشامى ومحمد عبد المنعم محمد، منضمين للمدعى في طلباته، وطالبين لأنفسهم الطلبات المتقدم بيانها، والواردة بمذكرتهم المقدمة بتاريخ 12/1/2019، وإذ لم يسدد الخصوم طالبو التدخل مصاريف تدخلهم، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول تدخلهم، إعمالاً لنصى المادتين (10، 13) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، والمادة (55) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
وحيث إن منازعة التنفيذ - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قوامها أن التنفيذ قد اعترضته عوائق تحول قانونًا- بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم، تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتهــا موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، تلك المنازعة التى تتوخى في ختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صدر عن المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية نص تشريعي، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التى يضمها، والآثار المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التى تقوم بينها، هى التى تحدد جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمان فعاليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا - وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - لهدم عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين جميعهم، دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق- سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- ولو كانت تشريعًا أو حكمًا قضائيًّا أو قرارًا إداريًّا أو عملاً ماديًّا، حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعـة التنفيـذ لا تعـد طريقًا للطعن في الأحكـام القضائيـة، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.
   وحيث إن الخصومة في الدعوى الدستورية، وهى بطبيعتها من الدعاوى العينية، قوامها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور، تحريًا لتطابقها معها إعلاءً للشرعية الدستورية، ومن ثم تكون هذه النصوص ذاتها هي موضوع الدعوى الدستورية أو هي بالأحرى محلها، وإهـدارها بقدر تهاترها مع أحكام الدستور هي الغاية التي تبتغيها هذه الخصومة، وأن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في تلك الدعوى يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، ولا تمتد إلى غير تلك النصوص، حتى لو تطابقت في مضمونها، كما أن قوة الأمر المقضي لا تلحق سوى منطوق الحكم وما يتصل به من الأسباب اتصالاً حتميًّا بحيث لا تقوم له قائمة إلا بها.
      وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت بحكمها الصادر بجلسة 16/5/1983، في الدعوى رقم 10 لسنة 1 قضائية "دستورية" (7 لسنة 8 ق - ع):-
"أولاً: برفض الدعوى بالنسبة للطعن بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (119) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.
ثانيًا: بعدم دستورية نص كل من الفقرة الأولى من المادة (83) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 والمعدل بالقانون رقم 49 لسنة 1973، والفقرة الأولى من المادة (104) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 والمعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1973 فيما تضمناه من عدم إجازة الطعن في قرارات نقل وندب رجال القضاء والنيابة العامة ومجلس الدولة أمام الدوائر المختصة طبقًا لهاتين المادتين بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائيـة المتعلقة بأى شأن من شئونهم". كما قضت هذه المحكمة بحكمها الصادر بجلسة 4/2/1995 في الدعوى رقم 39 لسنة 15 قضائية "دستورية" "بعدم دستورية المادة السابعة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931، وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز الطعن إلا بطريق المعارضة في الأحكام الابتدائية الصادرة من المحاكم الشرعية الجزئية في سيوة والعريش والقصير والواحات الثلاث"، وقضت المحكمة بحكمها الصادر بجلسة 15/4/1995، في الدعوى رقم 6 لسنة 15 قضائية "دستورية" "بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (38) من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976 فيما تضمنه من عدم جواز الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية والعضوية العاملة في نقابة مهنية بما يزيد على 20% من مجموع عدد أعضاء هذا المجلس، وبسقوط باقي نصوص هذه الفقرة".



      وحيث إن القرار الصادر من محكمة النقض "دائرة رجال القضاء" بجلسة 11/4/2017 في الطعن رقم 992 لسنة 86 قضائية "رجال قضاء"، القاضي في - غرفة مشورة - بعدم قبول الطعن، المقام من المدعى طعنًا على الحكم الصادر بجلسة 26/7/2016، من محكمة استئناف القاهرة الدائرة (120) "دعاوى رجال القضاء" في الدعوى رقم 4139 لسنة 130 قضائية "دعاوى رجال القضاء"، القاضي برفض الدعوى، المقامة من المدعى طعنًا على قرار رئيس الجمهورية رقم 649 لسنة 2013، بطلب إلغاء هذا القرار فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة معاون نيابة بالنيابة العامة، وبأحقيته في التعيين، وما يترتب على ذلك من آثار، وكذا القرار الجمهوري المشار إليه المتضمن التعيين في وظائف معاون نيابة بالنيابة العامة، لا صلة لهما بالأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا المشار إليها، ومن ثم لا يعد هذا الحكم أو القرار الجمهوري السالف ذكرهما عقبة في تنفيذ هذه الأحكام، الأمر الذى تضحى معه الدعوى المعروضة غير مقبولة بالنسبة لهما.



      وحيث إنه في خصوص الحكم الصادر من هذه المحكمة بجلسة 17/12/1994 في الدعوى رقم 5 لسنة 15 قضائية "تنازع"، وموضوعها الفصل في التنازع السلبى على الاختصاص بين جهتي القضاء العادي والإداري، بشأن الفصل في طلب وقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 412 لسنة 1991، فيما تضمنه من استبعاد أسماء المدعين - في تلك الدعوى - من قائمة المعينين في وظيفة معاون نيابة، وبأحقيتهم في التعيين فيها، وقد قضت المحكمة فيها بتعيين جهة القضاء العادي "دائرة طلبات رجال القضاء" بمحكمة النقض جهة مختصة بنظر النزاع، وشيدت المحكمة القضاء المتقدم على اختصاص جهة القضاء العادي دون غيرها بالفصل في الطلبات التي يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بشأن من شئونهم، وأن انعقاد الاختصاص لتلك الجهة بالفصل في هذه المنازعات، لا يقتضى بالضرورة أن يكون طلب إلغاء القرار المطعون فيه مقدمًا من أحد رجال القضاء والنيابة العامة، بل يكفى لقيام هذا الاختصاص أن يؤول طلب الإلغاء إلى التأثير في المركز القانوني لأحدهم، ولو كان مقدمًا من غيرهم، إذ يُعدُّ الطلب في هاتين الحالتين متصلاً بشأن من شئونهم. متى كان ذلك، وكانت الحجية المطلقة الثابتة للأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا بمقتضى نص المادة (195) من الدستور، يقتصر نطاقها على ما كان محلاً لهذا القضاء، وفصلت فيه المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، ولا تمتد إلى غير ذلك، كما أن قوة الأمر المقضي - كما سلف البيان - لا تلحق سوى منطوق الحكم، وما يتصل به من الأسباب اتصالاً حتميًا، بحيث لا يقوم له قائمة إلا بها، وكان الحكم الصادر من هذه المحكمة المشار إليه، قد انصب على تعيين جهة الاختصاص بنظر النزاع الموضوعي والفصل فيه، طبقًا لقواعد توزيع الاختصاص الولائي بين جهات القضاء المختلفة، وكان الثابت أن جهة القضاء العادي في الحالة المعروضة لم تتسلب من اختصاصها بنظر دعوى المدعى طعنًا على القرار الجمهوري رقم 649 لسنة 2013 المشار إليه، وأصدرت فيها الأحكام المتقدمة، والتي تستقل الخصومة فيها بموضوعها وأطرافها عن الدعوى الصادر فيها حكم المحكمة الدستورية العليا المتقدم، ومن ثم لا يعد القرار الصادر من محكمة النقض والقرار الجمهوري المار ذكرهما عقبة في تنفيذ هذا الحكم، الأمر الذى يتعين معه لما تقدم جميعه، القضاء بعدم قبول الدعوى برمتها.

      وحيث إنه عن الطلب العاجل بوقف تنفيذ قرار محكمة النقض المشار إليه، فإنه يعد فرعًا من أصل النزاع المعروض، والذى انتهت فيه المحكمة فيما تقدم إلى عدم قبول الدعـوى، بما مؤداه: أن قيام هــــذه المحكمة - طبقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - بمباشرة اختصاص البت في هذا الطلب، يكون قد بات غير ذي موضوع.

فلهــــذه الأسباب
      حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

التزام محاكم الجنح بإعمال أثر حكم المحكمة الدستورية بشأن ضريبة المبيعات

الدعوى رقم 7 لسنة 39 ق "منازعة تنفيذ" جلسة 2 / 2 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من فبراير سنة 2019م، الموافق السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمـــد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر
------------------
أصدرت الحكم الآتى
  في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 7 لسنة 39 قضائية "منازعة تنفيذ".
المقامة من
فوزى عبد العال محمد العمروسى
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- وزير العــــــدل
3- وزير الماليــــــة
4- النائب العـــــام
الإجراءات
بتاريخ الثامن والعشرين من يناير سنة 2017، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة جنح أبو حمص بجلسة 23/10/2005، في الجنحة رقم 8865 لسنة 2005 جنح أبو حمص، والحكم الصادر بجلسة 14/1/2017، في الاستئناف رقم 39306 لسنة 2005 جنح مستأنف دمنهور، وفى الموضوع: بعدم الاعتداد بهذين الحكمين، باعتبارهما يشكلان عقبة في تنفيذ مقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 9 لسنة 28 قضائية "دستورية"، وما يترتب على ذلك من آثار.
    وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
 وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
 ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمـــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
    حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة كانت قد قدَّمت المدعى للمحاكمة الجنائية، أمام محكمة جنح أبو حمص، في الجنحة رقم 8865 لسنة 2005، بوصف أنه في يوم 8/10/2003، بدائرة مركز أبو حمص، تهرب من سداد ضريبة المبيعات على النحو المبين بالأوراق، وطلبت عقابه بأحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 1996، وحال نظر الدعوى، مثل عضو هيئة قضايا الدولة عن وزير المالية، وادعى مدنيًّا في مواجهة المدعى، بإلزامه بأن يؤدى له تعويضًا مدنيًّا قدره مبلغ 347377 جنيهًا، فقضت المحكمة بجلسة 23/10/2005، بتغريم المدعى مبلغ ألف جنيه، وإلزامه بأداء الضريبة المستحقة والضريبة الإضافية، وأن يؤدى للمدعى بالحق المدنى مبلغ 347377 جنيهًا، على سبيل التعويض المدنى المؤقت. لم يصادف هذا القضاء قبول المدعى، فطعن عليه بالاستئناف رقم 39306 لسنة 2005 جنح مستأنف دمنهور، وقضت فيه المحكمة بجلسة 14/1/2017، بتأييد الحكم المستأنف لأسبابه. وإذ ارتأى المدعى أن الحكم الصادر بإدانته فيما قضى به من تعويض، يمثل عقبة تحول دون تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 4/11/2007، في الدعوى رقم 9 لسنة 28 قضائية "دستورية"، بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (43) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 1996، فيما تضمنته من وجوب الحكم على الفاعلين متضامنين بتعويض لا يجاوز مثل الضريبة، أقام دعواه المعروضة.
وحيث إن منازعة التنفيذ - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قوامها أن التنفيذ قد اعترضته عوائق تحول قانونًا- بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان. ومن ثم، تكون عوائق التنفيذ القانونية هى ذاتها موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، تلك المنازعة التى تتوخى في ختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صدر عن المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية نص تشريعى، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التى يضمها، والآثار المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التى تقوم بينها، هى التى تحدد جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمان فعاليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا - وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - لهدم عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين جميعهم، دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق- سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعة التنفيذ لا تعد طريقًا للطعن في الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.

 وحيث إن المادة (43) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 1996، كانت تنص فقرتها الأولى على أنه "مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد يقضى بها قانون آخر، يُعاقب على التهرب من الضريبة بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويُحكم على الفاعلين متضامنين بالضريبة والضريبة الإضافية وتعويض لا يجاوز مثل الضريبة".

    وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 4/11/2007، في الدعوى رقم 9 لسنة 28 قضائية "دستورية" بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (43) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 1996، فيما تضمنته من وجوب الحكم على الفاعلين متضامنين بتعويض لا يجاوز مثل الضريبة". وقد نُشر هذا الحكم بالعدد رقم 45 (مكرر) من الجريدة الرسمية بتاريخ 13/11/2007. وقد تأسس هذا الحكم – في شأن الإلزام بالتعويض – على "أن المشرع أوجب بالنص المطعون فيه الحكم على الممول المتهرب بتعويض لا يجاوز مثل الضريبة"، إذ ورد النص بعبارة "ويُحكم على الفاعلين متضامنين"، ولا يملك القاضى إزاء هذا الوجوب إلا أن يقضى بهذا التعويض في جميع الحالات، بالإضافة إلى الجزاءات الجنائية المحددة بالنص المطعون عليه، والتى تتمثل في الحبس أو الغرامة أو هما معًا، لتتعامد هذه الجزاءات على فعل واحد، هو مخالفة أى بند من البنود الواردة بنص المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات رقم 11 لسنة 1991. متى كان ذلك، وكان التعويض المقرر بالنص المطعون فيه على سبيل الوجوب، إضافة إلى تعامده مع الجزاءات الجنائية التى تضمنها النص ذاته على فعل واحد وهو التهرب من أداء الضريبة العامة على المبيعات، سواء كان هذا التهرب ناتجًا عن سلوك إيجابى أم سلبى، ناشئًا عن عمد أم إهمال، متصلاً بغش أم تحايل، أم مجردًا منهما، فإنه يُعد منافيًا لضوابط العدالة الاجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبى في الدولة، ومنتقصًا بالتالى – دون مقتض – من العناصر الإيجابية للذمة المالية للممول الخاضع لأحكام القانون المشار إليه مما يُعد مخالفة لحكم المادتين (34 و 38) من الدستور" – دستور سنة 1971 -. والبادى من مطالعة هذه الأسباب، المرتبطة بمنطوق الحكم ارتباطًا وثيقًا، أن الحكم تناول في إفصاح جهير، وبما لا لبس فيه أو غموض، عدم دستورية مبدأ الإلزام بالتعويض الوارد بالنص. ومن ثم، ينهار ما تأسس عليه طلب هيئة قضايا الدولة الحكم بعدم قبول الدعوى المعروضة، لكون الحكم المشار إليه لم يتناول مبدأ التعويض في ذاته، ولم يتطرق إليه، واقتصر على عدم دستورية تضامن الفاعلين في سداد التعويض عند تعددهم.
     وحيث إنه لا يغير مما تقدم، ما تساندت إليه هيئة قضايا الدولة للحكم بعدم قبول الدعـوى المعروضة، بأن حكم محكمة الجنح، المؤيـد استئنافيًّا، قضى بإلـزام المتهم - المدعى في الدعوى المعروضة - بأن يؤدى للمدعى بالحق المدني مبلغ 347377 جنيهًا على سبيل التعويض المدني المؤقـت، بما يشى بكون ما قضت به في هذا الشأن هو تعويض قضائي وفقًا لنص المادة (221/1) من القانون المدني، ولا شأن له بالتعويض المقرر بنص الفقرة الأولى من المادة (43) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، المقضي بعدم دستوريته، فذلك مردود: بأن الحكم الجنائي المشار إليه جاء خلوًا من أية أسباب في شأن التعويض المقضي به، بما في ذلك بيان عناصر التعويض القضائي التي تطلبها نص المادة (221/1) من القانون المدني، وتحرى مدى تحققها في شأن الحالة المعروضة عليها، بل اقتصر على القضاء بالمبلغ ذاته الذى طالب به الحاضر عن وزير المالية، انصياعًا للوجوب الوارد بنص الفقرة الأولى من المادة (43) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، قبل القضاء بعدم دستوريته، الأمر الذى يتعين معه لما تقدم جميعه رفض الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من الهيئة.
   وحيث إنه عن موضوع المنازعة المعروضة، فإن حكم محكمة جنح أبو حمص الصادر بجلسة 23/10/2005، في الجنحة رقم 8865 لسنة 2005، كان سابقًا لصدور حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 9 لسنة 28 قضائية "دستورية" بجلسة 4/11/2007، حال أنه أثناء نظر الاستئناف رقم 39306 لسنة 2005 جنح مستأنف دمنهور، المقام من المدعى، صدر حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، ومن ثم كان يتعين أن تلتزم المحكمة الاستئنافية بإعمال أثر ذلك الحكم فيما قضى به من عدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (43) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 1996، فيما تضمنته من وجوب الحكم على الفاعلين متضامنين بتعويض لا يجاوز مثل الضريبة.
            وحيث إنه وفقًا لنص المادة (195) من الدستور، ونص الفقرة الأولى من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، فإن أحكام هذه المحكمة والقرارات الصادرة منها تكون ملزمة لجميع سلطات الدولة، وللكافة، بما في ذلك المحاكم بجميع أنواعها ودرجاتها، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم، الأمر الذى كان يتعين معه على محكمة جنح مستأنف دمنهور أن تُعمل أثر الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 9 لسنة 28 قضائية "دستورية"، على الاستئناف رقم 39306 لسنة 2005، المعروض عليها، وهو ما لم تلتزم به، مما يضحى معه الحكم الصادر في هذا الشأن من محكمة جنح أبو حمص في الجنحة رقم 8865 لسنة 2005 جنح أبو حمص، والمؤيد بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 39306 لسنة 2005 جنح مستأنف دمنهور، يشكلان عقبة عطلت تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى الدستورية المشار إليها، متعينًا القضاء بإزالتها.

     وحيث إن طلب المدعى وقف تنفيذ حكم محكمة جنح أبو حمص وحكم محكمة جنح مستأنف دمنهور المشار إليهما، يُعد فرعًا من أصل النزاع المعروض، وإذ قضت هذه المحكمة في موضوع النزاع على النحو السالف البيان، فإن قيامها بمباشرة اختصاص البت في طلب وقف التنفيذ يكون قد بات غير ذى موضوع.

فلهــذه الأسبــاب
  حكمت المحكمة بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 4/11/2007، في الدعوى رقم 9 لسنة 28 قضائية "دستورية"، وعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة جنح أبو حمص بجلسة 23/10/2005، في الجنحة رقم 8865 لسنة 2005، فيما قضى به من إلزام المدعى بأداء مبلغ 347377 جنيهًا على سبيل التعويض، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة جنح مستأنف دمنهور بجلسة 14/1/2017، في الاستئناف رقم 39306 لسنة 2005، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الإهمال الطبي في المستشفيات العسكرية خطأ مرفقي طلب التعويض عنه منازعة إدارية يختص بها مجلس الدولة

الدعوى رقم 29 لسنة 39 ق "تنازع" جلسة 2 / 2 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من فبراير سنة 2019م، الموافق السابع والعشرين من جمادى أول سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا                         نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع     أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 29 لسنة 39 قضائية "تنازع".
المقامة من
وزير الدفـــــــاع
ضد
أيمن محمد عيد أحمد
الإجراءات
بتاريخ الثانى عشر من ديسمبر سنة 2017، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم أولاً: وبصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى، في الدعوى رقـــــم 7705 لسنة 56 قضائية، بجلسة 21/12/2014، لحين الفصـل في موضوع النزاع. ثانيًا: وفى الموضوع: بالاعتداد بالحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية بجلسة 30/4/2003، في الدعوى رقم 898 لسنة 2000 مدنى كلى، والمؤيد استئنافيًا بالحكم الصادر بجلسة 16/7/2007، في الاستئناف رقم 4301 لسنة 7 قضائية. س شمال القاهرة، دون الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى السالف الذكر.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى، على النحـو المبين بمحضر الجلسة، وقـررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
       بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
     حيث إن الوقائع تتحصـل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليه، كان قد أقام الدعوى رقم 898 لسنة 2000 مدنى كلى شمال القاهرة، بطلب الحكم بإلزام المدعى بصفته، بأن يؤدى له مبلغ ثلاثمائة ألف جنيه، تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية، التى لحقت به، أثناء وبسبب الخدمة العسكرية، على سند من القول بأنه، وحال تأدية خدمته العسكرية بالقوات المسلحة، أصيب بانزلاق غضروفى قطعي، مع توتر بعرق النسا، وكان ذلك نتيجة لحمله بطارية سيارة جيش، وأُجريت له عملية استئصال غضروفي، بمستشفى الحلمية العسكرى، ونتج عن هذه العملية، سقوط بالقدمين، وضمور لعضلات الساقين، مع ضغط على النخاع الشوكى، وضمور بعضلات الفخذين، الأمر الذى حدا به إلى إجراء عملية جراحية ثانية، ولم تتحسن بسببها حالته، وعُرض على القومسيون الطبي العسكري في 23/5/1996، فقرر إنهاء خدمته، لعدم اللياقة الطبية، فتقدم بشكوى إلى النيابة العسكرية في 29/9/1998؛ للتضرر من خطأ الطبيب، الذى أجرى العملية الجراحية، وما ترتب عليها من آثار، وقيد المحضر برقم 473 لسنة 1998 إداري عسكري شمال القاهرة، وانتهت النيابة العسكرية لحفظ المحضر إداريًا، باعتبار أن ما لحق بالمصاب من عجز، هو من الآثار الجانبية المتوقعة لمثل الجراحة التى أجريت له. وبجلسة 15/8/2001، قضت محكمة شمال القاهرة الابتدائية، بعدم اختصاصها ولائيًّا بنظر هذه الدعوى وإحالتها إلى محاكم مجلس الدولة، وإذ لم يرتض المدعى عليه هذا الحكم، فطعــن عليه بالاستئناف رقم 4453 لسنة 5 قضائية س شمال القاهرة، فقضت محكمة استئناف القاهرة بإلغاء الحكم المستأنف، واختصاص جهة القضاء العادى ولائيًّا بنظر الدعوى، وإعادتها لمحكمة أول درجة للفصل في موضوعها. فأعيد نظر الدعوى أمام محكمة شمال القاهـــرة الابتدائية، والتى قضت بجلسة 30/4/2003، برفض الدعوى، على سند من تقاعس رافعها عن سداد أمانة الخبير، وعجزه عن إثبات دعواه، وإذ لم يرتض المدعى عليه في الدعوى المعروضة هذا الحكم، فطعن عليه بالاستئناف رقم 4301 لسنة 7 قضائية س شمال القاهرة، وبجلسة 16/7/2007، قضت محكمة استئناف القاهرة برفض الاستئناف، وتأييد الحكم المستأنف، وإذ أُحيلت الدعوى رقم 898 لسنة 2000 مدنى كلى شمال القاهرة، إلى محكمة القضاء الإداري، نفاذًا للحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية بجلسة 15/8/2001، القاضي بعدم الاختصاص، والإحالة لهذه المحكمة، فقد قيدت أمامها برقم 7705 لسنة 56 قضائية، فقضت بجلسة 21/12/2014، بإلزام الجهة الإدارية، المدعى عليها، بأن تؤدى للمجند المذكور تعويضًا، مقداره مائة ألف جنيه والمصروفات، وإذ ارتأى المدعى أن ثمة تناقضًا بين الحكم الصادر بجلسة 30/4/2003، من محكمة شمال القاهرة الابتدائية، في الدعوى رقم 898 لسنة 2000 تعويضات كلى شمال القاهرة، والمؤيد بالحكم الصادر بجلسة 16/7/2007 من محكمة استئناف القاهرة في الاستئناف رقم 4301 لسنة 7 قضائية، والحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بجلسة 21/12/2004، في الدعوى رقم 7705 لسنة 56 قضائية، إذ ذهب أولهما إلى القضاء برفض الدعوى استنادًا إلى أنه لا يوجد خطأ في جانب الطبيب المعالج، تابع المستأنف ضده بصفته - المدعى في الدعوى المعروضة -، وأن ما يعانى منه المستأنف - المدعى عليه في الدعوى المعروضة - هو من ضمن المضاعفات، الوارد حدوثها، عقب إجراء مثل هذه العملية الجراحية، مما يكون الطبيب المعالج غير مسئول، عما لحقه من أضرار، لانتفاء الخطأ الطبي في جانبه، باعتباره غير ملتزم بتحقيق شفاء المستأنف، وإنما يلتزم ببذل العناية الصادقة، في سبيل شفائه، التي تتفق مع الأصول المستقرة في علم الطب، بما مفاده أن الطبيب المعالج، قد أجرى العملية الجراحية له وفق الأصول الطبية، والعملية المتفق عليها، وإن كان قد حدث له مضاعفات، عقب العملية، أدت إلى عدم القدرة على السير، فإن هذه المضاعفات، غالبًا، ما تحدث من جراء هذه العملية الجراحية، وتخرج عن مسئولية الطبيب المعالج، وانتهت المحكمة من ذلك، إلى انتفاء الخطأ المهني الطبي، الموجب للمسئولية التقصيرية، قبل الطبيب، وأن دعوى المستأنف تكون قد أقيمت على غير سند صحيح من الواقع والقانون. بينما استند الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري، في الدعوى رقم 7705 لسنة 56 قضائية، القاضي بإلزام الجهة الإدارية، المدعى عليها، بأن تؤدى للمدعى - المدعى عليه في الدعوى المعروضة - تعويضًا، مقدراه مائة ألف جنيه، على أساس أن الثابت بتقرير الطب الشرعى أن هناك أخطاء طبية، وقعت من الأطباء، الذين قاموا بإجراء العملية الجراحية له، ترتب عليها إصابته بشلل بالنصف السفلى من جسده، وسقوط بالقدمين، وضمور بعضلات الساقين والفخذين، وبالبناء على ذلك، فإن ركن الخطأ، أحد أركان المسئولية، يكون متحققًا، في جانب الإدارة، نتيجة خطأ تابعيها، في التعامل مع حالته، وعدم مراعاة القواعد الطبية المقررة، بخصوص ما ألم به من إصابة، وهى أمانة في أعناقهم، كان يجب عليهم مراعاتها، خاصة أنه كان يؤدى أشرف، وأقدس واجب وطنى، وقد ترتب على خطأ الجهة الإدارية، على هذا النحو، إصابته بأضرار مادية وأدبية، تمثلت في أنه سيقضى حياته، معتلاً بذلك العجز، وهو في مقتبل شبابه وفتوته، وشعوره بالحسرة، لما آلت إليه حالته الصحية، وإحساسه بالعجز والقهر، ومعاناته في إمكانية أدائه لعمل مناسب لحالته الصحية، يتكسب منه، وقد توافرت رابطة السببية، بين تلك الأضرار وخطأ الجهة الإداريـــة، على هذا النحــو، تتوافر معه المسئولية في حق الجهة الإدارية، بأركانها الثلاثة، وخلصت المحكمة من ذلـك إلى القضاء بإلزام الجهة الإدارية، بأن تؤدى للمدعى - المدعى عليه في الدعوى المعروضة - تعويضًا، عما أصابه من أضرار مادية وأدبية، وهو ما قدرته المحكمة، بمبلغ مائة ألف جنيه. ومن ثم فقد أقام وزير الدفاع بصفته الدعوى المعروضة، لإزالة هذا التناقض، بالطلبات السالف بيانها.
      وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التناقض بين حكمين نهائيين، صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين – في تطبيق أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – يفترض وحدة موضوعهما محددًا على ضوء نطاق الحقوق التى فُصل فيها. بيد أن وحدة الموضوع، لا تفيد، بالضرورة، تناقضهما، فيما فصلا فيه، كذلك فإن تناقضهما – إذا قام الدليل عليه – لا يدل، لزومًا، على تعذر تنفيذهما معًا، بما مؤداه أن مباشرة المحكمة الدستورية العليا لولايتها في مجال فض التناقض بين حكمين نهائيين تعذر تنفيذهما معًا، يقتضيها أن تتحقق أولاً من وحدة موضوعهما، ثم من تناقض قضائيهما، وبتهادمهما معًا فيما فصلا فيه، من جوانب ذلك الموضوع، فإذا قام الدليل لديها على وقوع هذا التناقض، كان عليها، عندئذ، أن تفصل فيما إذا كان تنفيذهما، معًا، متعذرًا، وهو ما يعنى أن بحثها في تعذر تنفيــذ هذين الحكمين، يفترض تناقضهما، ولا يقــوم هذا التناقض – بداهة – إذا كان موضوعهما مختلفًا.
      وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الحكمان، اللذان يشكلان حدى التناقض المعروض، يتصلان، فيما فصلا فيه، بطلب التعويض، الذى طرحه المدعى عليه، أمام جهتى القضاء المدني، والإداري، جبرًا للأضرار، التى لحقته، جراء إجراء عملية جراحية له. نتج عنها سقوط بالقدمين، وضمور لعضلات الساقين، مع ضغط على النخاع الشوكى، وضمـور بعضلات الفخذيـن، مما ترتب عليه إنهاء خدمته، لعدم اللياقة الطبية، فإن تحديد أولى هاتين الجهتين، بالفصل في تلك الخصومة – ويفترض ذلك بالضرورة وحدة موضوعهما – ويتطلب، بداءة، تحديد ما، إذا كانت تلك المنازعة، تعد منازعة إدارية، أم منازعة مدنية .

      وحيث إن دعوى التعويض، التي كان المدعى عليه قد أقامها، أمام القضاء المدني، قد استهدفت تعويضه عن الضرر، الذى لحق به نتيجة لخطأ الطبيب، الذى أجرى العملية المشار إليها، وهو ما قضت برفضه محكمة شمال القاهرة الابتدائية، بحكمها الصادر بجلسة 30/4/2003 في الدعوى رقم 898 لسنة 2000 مدنى كلى، وأيدتها محكمة استئناف القاهرة، بحكمها، الصادر بجلسة 16/7/2007، في الاستئناف رقم 4301 لسنة 7 قضائية س شمال القاهرة؛ كما استهدفت الدعوى رقم 7705 لسنة 56 قضاء إدارى، التى أقامها، أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، أيضًا، تعويضه عن الأضرار ذاتها، وانتهت فيها المحكمة، إلى إجابة طلب التعويض، لثبوت خطأ المدعى، وتوافر علاقة السببية المباشرة، بين الخطأ والضرر، مما يقتضى إلزام المدعى بتعويض الضرر. إذ كان ذلك، وكان اختصاص القضاء العادي بالتعويض، إنما ينحصر في دعوى المسئولية، التى تقوم على عمل مادى، وكانت حقيقة النزاع، موضوع الحكمين المعروضين بالدعوى المعروضة، تتعلق بتعويض المدعى عليه عن الأضرار، التى أصابته، جراء العملية الجراحية المشار إليها، التى أجراها له الأطباء تابعو المدعى، في أحد المؤسسات الطبية العسكرية التي تتبعه، وهى مستشفى الحلمية العسكري، والتي لا يملك المدعى عليه خيارًا، في اختيار سواها للعلاج. وهو ما يدخل في نطاق المنازعات الإدارية، التي ينعقد الاختصاص بنظرها، والفصل فيها، لمحاكم مجلس الدولة، دون غيرها، طبقًا لنص الفقرة (14) من المادة (10) من قانون مجلس الدولة، الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972، والمادة (190) من الدستور الحالي، لتعلقها بإدارة مرفق الدفاع، وصلاحيات وزارة الدفاع، وما تتمتع به، وتابعوها، من مظاهر السلطة العامة، في هذا الخصوص، وما يرتبط بذلك، بحكم اللزوم العقلي والقانونى، من تحديد الطبيعة القانونية للخطأ محل الدعوى الموضوعية، الواقع في دائرة المرفق، وتقرير اعتباره خطأً مرفقيًّا، مما يستلزم التعويض، عنها، ومن ثم فإنه يتعين القضاء بالاعتداد بالحكم الصادر من جهة القضاء الإداري، دون الحكم الصادر من جهة القضاء العادي.
      وحيث إنه عن الطلب العاجل بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري المشار إليه، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء في موضوع الدعوى المعروضة، فإن مباشرة رئيس المحكمة الدستورية العليا الاختصاص المقرر له في هذا الشأن بمقتضى نص المادة (32) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، يكون قد بات غير ذي موضوع.

فلهـذه الأسباب

      حكمت المحكمة بالاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 21/12/2014، في الدعوى رقم 7705 لسنة 56 قضائية، دون الحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية بجلسة 30/4/2003، في الدعوى رقم 898 لسنة 2000، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة بجلسة 16/7/2007 في الاستئناف رقم 4301 لسنة 7 قضائية.


عدم دستورية تخويل وزير الشئون الاجتماعية سلطة حل الجمعيات الأهلية


الدعوى رقم 84 لسنة 39 ق "دستورية" جلسة 2 / 2 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من فبراير سنة 2019م، الموافق السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمـرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع      أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
  في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 84 لسنة 39 قضائية "دستورية" بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة بحكمها الصادر بجلسة 30/7/2016، ملف الدعوى رقم 19726 لسنة 70 قضائية.
المقامة من
نقابة مصممي الفنون التطبيقية
ضــــد
1- وزير التضامن الاجتماعى
2- محافظ القاهـرة

الإجـراءات
بتاريخ الرابع من يوليو سنة 2017، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 19726 لسنة 70 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 30/7/2016، بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المـادة (42) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002.


وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
   حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن الممثل القانونى لنقابة مصممى الفنون التطبيقية كان قد أقام الدعوى رقم 19726 لسنة 70 قضائية، أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة، ضد وزير التضامن الاجتماعى ومحافظ القاهرة، طالبًا الحكم بوقف تنفيذ قرار محافظ القاهرة رقم 9031 لسنة 2015 بحل جمعية خريجى كليات الفنون التطبيقية المقيدة برقم 748 لسنة 1967 بإدارة غرب القاهرة الاجتماعية، وتعيين مصف لها، وفى الموضوع: بإلغاء ذلك القرار. وذلك على سند من مخالفة القرار المذكور للقانون، لارتكانه إلى أسباب غير صحيحة لا تصلح سندًا لحل الجمعية. وإذ تراءى لتلك المحكمة عدم دستورية نص المادة (42) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 فيما تضمنه من منح الجهة الإدارية المختصة سلطة حل الجمعيات المنشأة طبقًا لأحكام ذلك القانون، لمخالفتها حكم المادة (75) من الدستور، قضت بجلسة 30/7/2016، بوقف الدعوى تعليقًا وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية ذلك النص.



      وحيث إن المادة (42) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 تنص على أن "يكون حل الجمعية بقرار مسبب من وزير الشئون الاجتماعية، بعد أخذ رأى الاتحاد العام وبعد دعوة الجمعية لسماع أقوالها، في الأحوال الآتية :
1 - التصرف في أموالها أو تخصيصها في غير الأغراض التى أنشئت من أجلها.
2 - الحصول على أموال من جهة خارجية أو إرسال أموال إلى جهة خارجية بالمخالفة لحكم الفقرة الثانية من المادة (17) من هذا القانون.
3 - ارتكاب مخالفة جسيمة للقانون أو النظام العام أو الآداب.
4 - الانضمام أو الاشتراك أو الانتساب إلى نادٍ أو جمعية أو هيئة أو منظمة مقرها خارج جمهورية مصر العربية بالمخالفة لحكم المادة (16) من هذا القانون.
5 - ثبوت أن حقيقة أغراضها استهداف أو ممارسة نشاط من الأنشطة المحظورة في المادة (11) من هذا القانون.
6 - القيام بجمع تبرعات بالمخالفة لحكم الفقرة الأولى من المادة (17) من هذا القانون.
      ويتعين أن يتضمن قرار الحل تعيين مصفٍ أو أكثر لمدة وبمقابل يحددهما.
            ولوزير الشئون الاجتماعية أن يصدر قرارًا بإلغاء التصرف المخالف أو بإزالة سبب المخالفة أو بعزل مجلس الإدارة أو بوقف نشاط الجمعية، وذلك في أىٍ من الحالتين الآتيتين :
1 - عدم انعقاد الجمعية العمومية عامين متتاليين أو عدم انعقادها بناء على الدعوة لانعقادها تنفيذًا لحكم الفقرة الثانية من المادة (40) من هذا القانون.
2 - عدم تعديل الجمعية نظامها وتوفيق أوضاعها وفقًا لأحكام هذا القانون.
      كما يجوز لوزير الشئون الاجتماعية الاكتفاء بإصدار أى من القرارات المذكورة في الفقرة السابقة في الحالات المنصوص عليها في الفقرة الأولى، وذلك بدلاً من حل الجمعية.
      ولكل ذى شأن الطعن على القرار الذى يصدره وزير الشئون الاجتماعية أمام محكمة القضاء الإدارى وفقًا للإجراءات والمواعيد المحددة لذلك، ودون التقيد بأحكام المادة (7) من هذا القانون، وعلى المحكمة أن تفصل في الطعن على وجه الاستعجال وبدون مصروفات.
      ويعتبر من ذوى الشأن في خصوص الطعن أى من أعضاء الجمعية التى صدر في شأنها القرار".

      وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه: أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التى ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعى؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعى في الدعوى الموضوعية وقف تنفيذ وإلغاء قرار محافظ القاهرة رقم 9031 لسنة 2015 فيما نص عليه من حل جمعية خريجى كلية الفنون التطبيقية، لما نسب إليها من ارتكاب مخالفات، وهى السلطة المخولة للجهة الإدارية بمقتضى النص المحال، سواء باشرها وزير الشئون الاجتماعية - وزير التضامن الاجتماعي حاليًا -باعتباره الأصيل أو المحافظ المختص الذى خوله وزير التضامن الاجتماعي بموجب قراره رقم 83 لسنة 2006 بالتفويض في بعض الاختصاصات، في ممارسة اختصاصاته، فضلاً عن أن نص المادة (27) من قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 والقانون رقم 145 لسنة 1988 منح المحافظ جميع السلطات والاختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين واللوائح بالنسبة إلى جميع المرافق التى تدخل في اختصاص وحدات الإدارة المحلية، وجعل المحافظ في دائرة اختصاصه رئيسًا لجميع الأجهزة والمرافق المحلية . لما كان ذلك، وكان الفصل في دستورية النص المحال فيما تضمنه من تخويل وزير الشئون الاجتماعية - أو المحافظ المختص - سلطة حل الجمعيات، سوف يكون له انعكاس على قضاء محكمة الموضوع في الطلبات المطروحة أمامها، فمن ثم تكون المصلحة في الدعوى المعروضة متوافرة في الطعن على هذا النص في حدود نطاقه المتقدم.

      وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التى تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المحال قد استمر العمل بأحكامه بعد صـدور الدستور الحالي حتى يوم الرابع والعشرين من شهر مايو سنة 2017 تاريخ نشر قانون تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي الصادر بالقانون رقم 70 لسنة 2017 بالجريدة الرسمية، والذى ألغى بموجب نص المادة السابعة منه قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002، ومن ثم فإن حسم أمر دستورية النص المحال سوف يتم في ضوء أحكام الدستور القائم.

      وحيث إن الدستور قد عُنى في المادة (75) منه بكفالة حرية المواطنين في تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي، ومنح الجمعية أو المؤسسة الأهلية الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، وحظر على الجهات الإدارية التدخــــل في شئونها، أو حلها أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها، إلا بحكم قضائي، وحظر إنشاء أو استمرار الجمعيات أو المؤسسات التي يكون نشاطها سريًّا أو ذات طابع عسكري أو شبه عسكري.

      وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفى عليه السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحريات الدستورية وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوى على القمة من البناء القانوني للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعاتها وفى قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، دون أية تفرقة أو تمييز في مجال الالتزام بها، بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. وإذ كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقررًا وحكمًا لازمًا لكل نظام ديمقراطي سليم، فإنه يتعين على كل سلطة عامة، أيًّا كان شأنها وأيًّا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، أن تنزل على قواعد الدستور ومبادئه وأن تلتزم حدوده وقيوده، فإن هى خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضعت - متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة - للرقابة القضائية التى عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها الجهة القضائية العليا التى اختصها دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح بغية الحفاظ على أحكام الدستور، وصونها وحمايتها من الخروج عليها.

      وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها - منذ دستور سنة 1923 - على تقرير الحريات والحقوق العامة في صلبها قصدًا من المشرع الدستوري أن يكون النص عليها في الدستور قيدًا على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها، فإذا خرج المشرع فيما يقرره من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، وعن الإطار الذى عينه الدستور له، بأن قيد حرية أو حقًّا أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريًّا، وبالمخالفة للضوابط الحاكمة له، وقع عمله التشريعي في حومة مخالفة أحكام الدستور.



وحيث إن المواثيق الدولية قد حفلت بالنص على حق المواطنين في تكوين الجمعيات، ومن ذلك المادة (20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذى تمت الموافقة عليه وإعلانه بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذى حظر - بنص الفقرة الثانية من المادة (22) - فرض قيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلام العام أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرماتهم. كما عُنيت الدساتير المقارنة بالنص على هذا الحق في وثائقها، فهو مستفاد مما تضمنه التعديل الأول الذى أُدخل على دستور الولايات المتحدة الأمريكية في 15/12/1791، والذى قرر الحق في الاجتماع، ونص عليه صراحة الدستور القائم في كل من: ألمانيا والأردن وتركيا ولبنان وتونس والمغرب والكويت واليمن وسوريا والبحرين والجزائر، وجرت كذلك الدساتير المصرية المتعاقبة - ابتداء من دستور سنة 1923، وانتهاء بالدستور الحالي - علي كفالة الحق في تأليف الجمعيات؛ وهو ما نصت عليه المادة (75) من الدستور القائم من أن "للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي، وتكـون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخـــل في شئونها أو حلها أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي، ......وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون".

وحيث إن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلا بصون الحقوق والحريات العامة - ومن بينها حرية تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية - كي لا تقتحم إحداهما المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة، وكان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنماؤها من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة، مطلبًا أساسيًّا توكيدًا لقيمتها الاجتماعية، وتقديرًا لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها، وقد واكب هذا السعي وعززه بروز دور المجتمع المدني ومنظماته - من أحزاب وجمعيات أهلية ونقابات مهنية وعمالية - في مجال العمل المجتمعي.

وحيث إن منظمات المجتمع المدني - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - هى واسطة العقد بين الفرد والدولة، إذ هى الكفيلة بالارتقاء بشخصية الفرد بحسبانه القاعدة الأساسية في بناء المجتمع، عن طريق بث الوعى ونشر المعرفة والثقافة العامة، ومن ثم تربية المواطنين على ثقافة الديمقراطية والتوافق في إطار من حوار حر بناء، وتعبئة الجهود الفردية والجماعية لإحداث مزيد من التنمية الاجتماعية والاقتصادية معًا، والعمل بكل الوسائل المشروعة على ضمان الشفافية، وترسيخ قيمة حرمة المال العام، والتأثير في السياسات العامة، وتعميق مفهوم التضامن الاجتماعى، ومساعدة الحكومة عن طريق الخبرات المبذولة، والمشروعات الطوعية على أداء أفضل للخدمات العامة، والحث على حسن توزيع الموارد وتوجيهها، وعلى ترشيد الإنفاق العام، وإبراز دور القدوة، وبكل أولئك، تذيع المصداقية، وتتحدد المسئولية بكل صورها فلا تشيع ولا تنماع، ويتحقق العدل والنصفة وتتناغم قوى المجتمع الفاعلة، فتتلاحم على رفعة شأنه والنهوض به إلى ذرى التقدم.



وحيث إن من المقرر أن حق المواطنين في تكوين الجمعيات الأهلية هو فرع من حرية الاجتماع، وأن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفًا إراديًّا حرًّا لا تتدخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، ومن ثم تنحل هذه الحرية إلى قاعدة أولية تمنحها بعض الدول - ومن بينها جمهورية مصر العربية - قيمة دستورية في ذاتها، لتكفل لكل ذى شأن حق الانضمام إلى الجمعية التى يرى أنها أقدر على التعبير عن مصالحه وأهدافه، وفى انتقاء واحدة أو أكثر من هذه الجمعيات - حال تعددها - ليكون عضوًا فيها، وما هذا الحق إلا جزء لا يتجزأ من حريته الشخصية، التى أعلى الدستور قدرها، فاعتبرها - بنص المادة (54) - من الحقوق الطبيعية، وكفل - أسوة بالدساتير المتقدمة - صونها وعدم المساس بها، ولم يجز الإخلال بها من خلال تنظيمها.



      وحيث إن ضمان الدستور - بنص المادة (65) التى رددت ما اجتمعت عليه الدساتير المقارنة - لحرية التعبير عن الآراء، والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التى لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها، وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها، ولا تكون لها مـن فائدة، وبها يكون الأفراد أحرارًا لا يتهيبون موقفـًا، ولا يترددون وجلاً، ولا ينتصفون لغير الحق طريقًا، ذلك أن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير - وعلى ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها إليه غير مقيد بالحدود الإقليمية على اختلافها ولا منحصرًا في مصادر بذواتها تعد من قنواتها، بل قصد أن تترامى آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، سعيًا لتعدد الآراء، وابتغاء إرسائها على قاعدة من حيدة المعلومات ليكون ضوء الحقيقة منارًا لكل عمل، ومحورًا لكل اتجاه بل إن حرية التعبير أبلغ ما تكون أثرًا في مجال اتصالها بالشئون العامة، وعرض أوضاعها تبيانًا لنواحى التقصير فيها، فقد أراد الدستور بضمانها أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة في أعماق منابتها، بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العـــــام ، وألا تكون معاييرها مرجعًا لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه ولا عائقًا دون تدفقها. ومن المقرر كذلك أن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التى تتولد عنها، لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التى تتوخى قمعها، إذ يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها - وعلانية - تلك الأفكار التى تجول في عقولهم ويطرحونها عزمًا - ولو عارضتها السلطة العامة - إحداثًا من جانبهم - وبالوسائل السلمية - لتغيير قد يكون مطلوبًا، ومن ثم وجب القول بأن حرية التعبير التى كفلها الدستور هى القاعــــدة في كل تنظيم ديمقراطي، فلا يقوم إلا بها، ولا ينهض مستويًا إلا عليها.

وحيث إن حق الاجتماع - سواء كان حقًّا أصيلاً أم بافتراض أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلا أهم قنواتها، محققًا من خلاله أهدافها - أكثر ما يكون اتصالاً بحرية عرض الآراء وتداولها كلما كوّن أشخاص يؤيدون موقفـا أو اتجاهًا معينًا جمعية تحتويهم، يوظفون من خلالها خبراتهم ويطرحون آمالهم ويعرضون فيها كذلك مصاعبهم، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع المنظم نافذة يطلون منها على ما يعتمل في نفوسهم، وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي. وكان الحق في إنشاء الجمعيات - وسواء كان الغرض منها اقتصاديًّا أم ثقافيًّا أم اجتماعيًّا أم غير ذلك – لا يعدو أن يكون عملا اختياريًّا، يرمى بالوسائل السلمية إلى تكوين إطار يعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم، ومن ثم فإن حق الاجتماع يتداخل مع حرية التعبير، مكونًا لأحد عناصر الحرية الشخصية التى لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التى يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون، لازمًا اقتضاء حتى لو لم يرد بشأنه نص في الدستور، كافلاً للحقوق التى أحصاها ضماناتها، محققًا فعاليتها، سابقًا على وجود الدساتير ذاتها، مرتبطًا بالمدنية في مختلف مراحل تطورها، كامنًا في النفس البشرية تدعو إليه فطرتها، وهو فوق هذا من الحقوق التى لا يجوز تهميشها أو إجهاضها، بل إن حرية التعبير ذاتها تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم، وحجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أعرض بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها بعضًا، ويعطل تدفق الآراء التى تتصل باتخاذ القرار، ويعوق انسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التى لا يمكن تنميتها إلا في شكل من أشكال الاجتماع، كذلك فإن هدم حرية الاجتماع إنما يقوّض الأسس التى لا يقوم بدونها نظام للحكم يكون مستندًا إلى الإرادة الشعبية، ومن ثم فقد صار لازمًا - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق أحكام الدستور والقانون، وفى الحدود التى تتسامح فيها النظم الديمقراطية، وترتضيها القيم التي تدعو إليها، ولا يجوز - بالتالى- أن تفرض السلطة التشريعية على حرية الاجتماع قيودًا من أجل تنظيمهًا، إلا إذا حملتها عليها خطورة المصالح التي وجهتها لتقريرها، وكان لها كذلك سند من ثقلها وضرورتها، وكان تدخلها - من خلال هذه القيود - بقدر حدة هذه المصالح ومداها، ولذلك حرص الدستور الحالي في المادة (92) منه على تحديد الإطار العام الحاكم لسلطة المشرع التقديرية في مجال تنظيم الحقوق والحريـات، بحيث لا يمس ما يسنه من تشريعات في هذا النطاق تلك الحقوق والحريات في أصلها وجوهرها، وإلا وقع في حومة مخالفة أحكام الدستور.




وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان حق المواطنين في تكوين الجمعيات الأهلية، وما يرتبط به - لزوما - على ما سلف بيانه من حقوقهم وحرياتهم العامة الأخرى، وهى جميعًا أصول دستورية ثابتة، يباشرها الفرد متآلفة فيما بينها، ومتداخلة مع بعضها البعض، تتساند معًا، ويعضد كل منها الآخر في نسيج متكامل يحتل من الوثائق الدستورية مكانا سامقًا، ومن أجل ذلك حرص الدستور في المادة (75) منه على كفالة الاستقلال للجمعيات الأهلية وأجهزتها القائمة على شئونها، تمكينًا لها من أداء دورها وممارسة نشاطها بحرية، تحقيقًا لأهدافها، فحظر على الجهات الإدارية التدخل في شئون الجمعيات أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي يقى تلك الجمعيات تدخل جهة الإدارة في شئونها بأدواتها المختلفة، أيًّا كان مسماها، سواء بحل مجالس إدارتها أو عزلها، بغية تنحيتها عن أداء دورها في خدمة أعضاء هذه الجمعيات، والمجتمع ككل، فمن ثم يغدو ما قرره النص المحال من تخويــل وزير الشئون الاجتماعية - وزير التضامن الاجتماعي حاليًا - أو من يقوم مقامه سلطة حل الجمعيات مخالفًا لأحكام الدستور.
وحيث إن المواد من (92 حتى 96) من اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية المشار إليه الصادرة بقرار وزير التأمينات والشئون الاجتماعية رقم 178 لسنة 2002، والتى ترتبط بالنص المحال ارتباط الفرع بالأصل، قد سبق القضاء بسقوطها برمتها بحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 2/6/2018، في الدعوى رقم 160 لسنة 37 قضائية "دستورية"، ونُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم (22 مكررًا ط) بتاريخ 6/6/2018، وهو قضاء يحوز الحجية المطلقة المقررة للأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحكمة، بمقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48، 49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وذلك في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، بما فيها السلطة القضائية، وتكون ملزمة لهم، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو إعادة طرح هذه المسألة على المحكمة من جديد لمراجعتها.

فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (42) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 فيما تضمنه من تخويل وزير الشئون الاجتماعية سلطة حل الجمعيات الأهلية.