الصفحات

الجمعة، 29 أبريل 2022

الطعن رقم 42 لسنة 29 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 2 / 4 / 2022

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من أبريل سنة 2022م، الموافق الأول من رمضان سنة 1443 ه.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمى إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار / عوض عبدالحميد عبدالله رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 42 لسنة 29 قضائية "دستورية".

المقامة من محمد أحمد محمود عبود
ضد
1 - رئيس مجلس الوزراء
2 - وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب على المبيعات
3 - وزير العدل

--------------

" الإجراءات "

بتاريخ الخامس عشر من فبراير سنة 2007، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة (5) والبندين (2، 3) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها. ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

--------------

" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة قدمت المدعي للمحاكمة الجنائية في الدعوى رقم 37632 لسنة 2002 جنح زفتى، طالبة عقابه بالمواد (2/1 و3/1و 6 و43/1، 3، 4 و44/2، 3، 4 و47/8) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، بوصف أنه في غضون الفترة من ديسمبر 1994 حتى أبريل 1999، بدائرة مركز زفتى: 1 - تهرب من ضريبة المبيعات على النحو المبين بالأوراق. 2 - باع سلعة دون الإقرار عنها وسداد الضريبة المستحقة. وذلك على سند من تقديم المدعى فواتير نسب صدورها إلى مصنع (63) الحربى، تبين عدم صحتها. وقد ادعى المدعى عليه الثاني مدنيًّا ضد المدعى بمبلغ يُعادل الضريبة المستحقة، وتعويض يماثل مقدارها. وبجلسة 10/6/2003، قضت المحكمة بحبس المتهم ستة أشهر، وإلزامه بأن يؤدى للمدعى بالحق المدني تعويضًا مؤقتًا بالمبلغ المبين بالمنطوق، بالإضافة لما يستحق من ضريبة، وضريبة إضافية بواقع ½% عن كل أسبوع أو جزء منه حتى تاريخ السداد. استأنف المدعى هذا الحكم بالاستئناف رقم 20222 لسنة 2003 جنح مستأنف زفتى "شرق طنطا الكلية" "مأمورية المحلة الكبرى"، وبجلسة 20/11/2006، دفع المدعى بعدم دستورية نصى المادتين (5 و44/2، 3) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة. وحيث إن نص المادة (5) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 يجرى على أن " يلتزم المكلفون بتحصيل الضريبة وبالإقرار عنها وتوريدها للمصلحة في المواعيد المنصوص عليها في هذا القانون ". وتنص المادة (23) من هذا القانون على أن " للمسجل عند حساب الضريبة أن يخصم من الضريبة المستحقة على قيمة مبيعاته من السلع ما سبق سداده أو حسابه من ضريبة على المردودات من مبيعاته وما سبق تحميله من هذه الضريبة على مدخلاته ، وكذلك الضريبة السابق تحميلها على السلع المبيعة بمعرفة المسجل في كل مرحلة من مراحل توزيعها طبقًا للحدود وبالشروط والأوضاع التي تحددها اللائحة التنفيذية. ولا يسرى الخصم المشار إليه في الفقرة السابقة على السلع الواردة بالجدول رقم 1 المرافق. وفي حالات التصدير، إذا كانت الضريبة الواجبة الخصم أكبر من الضريبة المستحقة على مبيعات المسجل، على المصلحة رد الفرق وفقًا للاشتراطات والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية، في موعد لا يجاوز ثلاثة شهور من تاريخ الطلب". وتنص المادة (43) من القانون ذاته على أن " مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضى بها قانون آخر، يعاقب على التهرب من الضريبة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويحكم على الفاعلين والشركاء متضامنين بالضريبة والضريبة الإضافية وتعويض لا يجاوز ثلاثة أمثال الضريبة، وإذا تعذر تقدير الضريبة قدرت المحكمة التعويض بما لا يجاوز خمسين ألف جنيه. وفي حالة العود يجوز مضاعفة العقوبة والتعويض. وتنظر قضايا التهرب عند إحالتها إلى المحاكم على وجه الاستعجال ". وقد صدر القانون رقم 91 لسنة 1996 بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، واستبدل بنص الفقرة الأولى من المادة (43) من ذلك القانون، النص الآتى: " مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يقضى بها قانون آخر، يعاقب على التهرب من الضريبة بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويحكم على الفاعلين متضامنين بالضريبة والضريبة الإضافية وتعويض لا يجاوز مثل الضريبة ". وتنص المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 على أنه " يعد تهربا من الضريبة يعاقب عليه بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة ما يأتى : 1- ......... 2 - بيع السلعة أو استيرادها أو تقديم الخدمة دون الإقرار عنها وسداد الضريبة المستحقة. 3 - خصم الضريبة كليًا أو جزئيًا دون وجه حق بالمخالفة لأحكام وحدود الخصم. 4- ......".
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق أن حسمت أمر دستورية نص المادة (5) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، فيما قررته من التزام المكلفين بتحصيل الضريبة وبالإقرار عنها وتوريدها للمصلحة في المواعيد المنصوص عليها في هذا القانون، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 11/10/2009، برفض الدعوى رقم 50 لسنة 30 قضائية "دستورية"، المقامة طعنًا على دستوريته، وقد نشر الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم (43 مكرر) بتاريخ 26 أكتوبر سنة 2009. كما حسمت أمر دستورية البند (2) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة1991، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 5/5/2018، برفض الدعوى رقم 24 لسنة 29 قضائية "دستورية"، المقامة طعنًا على دستوريته، وقد نشر الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد (19 مكرر "ب") بتاريخ 13 مايو سنة 2018. وحيث إن مقتضى نص المادة (195) من دستور سنة 2014، ونصى المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون أحكام المحكمة وقراراتها ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة في مواجهة الكافة، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضى فيها، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه، أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة لنص المادة (5) والبند (2) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، وهو كذلك يقيد تدخلها في هذه الخصومة، فلا تفصل في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى، ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعى - في حدود الصفة التي اختصم بها النص المطعون فيه - الدليل على أن ضررًا واقعيًّا قد لحق به، سواء كان مهددًا بهذا الضرر، أم كان قد وقع فعلاً. ثانيهما: أن يكون هذا الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه، وليس متوهمًا أو منتحلاً أو مجهلاً، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دلّ ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعى في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أى فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها. متى كان ذلك، وكان المدعى يبتغى من دعواه الموضوعية تبرئته من الاتهام المنسوب إليه بخصم الضريبة دون وجه حق، بالمخالفة لأحكام وحدود الخصم، المؤثم بنص البند (3) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، ومن ثم فإن الفصل في دستورية ذلك النص يرتب انعكاسًا أكيدًا وأثرًا مباشرًا على موقف المدعى من الاتهام المسند إليه في الدعوى الموضوعية، الأمر الذي يتوافر معه للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستوريته. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة - وفقًا لطلبات المدعى وما دفع به أمام محكمة الموضوع وصرحت به - في نص البند (3) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه. ولا ينال من ذلك ما نصت عليه المادة الثانية من القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة من أنه "يلغى قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، كما يلغى كل نص يتعارض مع أحكام هذا القانون ........."، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعى الجنائى المطعون فيه، متى كان أصلح للمتهم، لا يحول دون النظر والفصل في الطعن على دستوريته من قبَل من طُبّقَ عليهم ذلك النص خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وبالتالى توافرت لهم مصلحة شخصية في الطعن عليه.
متى كان ذلك، وكان قانون الضريبة على القيمة المضافة الصادر بالقانون رقم 67 لسنة 2016، قد شدد عقوبة الجريمة ذاتها المقدم بها المدعى للمحاكمة الجنائية، برصده عقوبة السجن بديلاً عن عقوبة الحبس، ورفع مقدار الغرامة في حديها الأدنى والأقصى، ومن ثم، لا يجوز إعمال أحكام ذلك القانون في حق المدعى، كونه لا يعد قانونًا أصلح.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، وفقًا لنطاقه المحدد، الإخلال بقواعد الشرعية الدستورية، ومبادئ العدالة، بأن ساوى في عقوبة جرائم التهرب من الضريبة، رغم ما بينها من تفاوت في خطورتها، وافترض المسئولية الجنائية، وأهدر أصل البراءة، وذلك بالمخالفة لنصوص المواد (34، 38، 65، 66، 67، 68، 69) من دستور سنة 1971، وتقابلها المواد (35، 38، 94، 95، 96، 97، 98) من الدستور الصادر سنة 2014.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي ينبغى أن تقوم عليها الجماعة، تقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها - أيًّا كان تاريخ العمل بها - لأحكام الدستور القائم، لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية.
إذ كان ذلك، وكانت المناعى التي وجهها المدعى إلى النص المطعون فيه تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعى لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعى، وكان النص المطعون فيه قد عُمل به حتى تم إلغاؤه بنص المادة الثانية من القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة - على ما سبق بيانه - فإن هذه المحكمة تفصل في دستورية النص المطعون فيه في ضوء أحكام الدستور الصادر سنة 2014.
وحيث إن الدستور الحالى قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ العدل باعتباره إلى جانب مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك حرص الدستور في المادة (96) منه، على جعله ضابطًا للمحاكمة القانونية العادلة والمنصفة، التي يكفل للمتهم فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، فالعدالة الجنائية في جوهر ملامحها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هى التي يتعين ضمانها من خلال قواعد محددة تحديدًا دقيقًا، ومنصفًا، يتقرر على ضوئها ما إذا كان المتهم مدانًا أو بريئًا، ويفترض ذلك توازنًا بين مصلحة الجماعة في استقرار أمنها، ومصلحة المتهم في ألا تفرض عليه عقوبة ليس لها من صلة بفعل أتاه، أو تفتقر هذه الصلة إلى الدليل عليها، ولا يجوز بالتالى أن تنفصل العدالة الجنائية عن مقوماتها التي تكفل لكل متهم حدًا أدنى من الحقوق التي لا يجوز النزول عنها أو التفريط فيها، ولا أن تخل بضرورة أن يظل التجريم مرتبطًا بالأغراض النهائية للقوانين العقابية.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائى على أوجه السلوك التي تضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، ذلك أن القانون الجنائى، وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم وبعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، فإن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائى أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلى عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعى ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية. وحيث إن النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات، يأتى على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها. وحيث إن افتراض أصل البراءة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يُعد أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية، وينسحب إلى الدعوى الجنائية في جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها، وقد غدا حتمًا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة، وتتكون من مجموعها عقيدتها حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفروض في الإنسان، على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، التي تثبت كل ركن من أركان الجريمة، وكل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة.
وحيث كان ذلك، وكان المشرع في إطار حرصه على التوازن بين صون الملكية الخاصة وبين تنمية موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية، قد استن النص المطعون فيه، وارتأى بسلطته التقديرية أن قيام المسجل بخصم الضريبة كليًّا أو جزئيًّا دون وجه حق، بالمخالفة لأحكام وحدود الخصم المبينة بالمادة (23) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، إنما يُعد تهربًا من سداد تلك الضريبة، ويمثل عين التهرب الضريبى الذي عنى الدستور القائم بتجريمه في المادة (38) منه. وإذ صيغ النص المطعون فيه بصورة جلية ومحددة، لا لبس فيها ولا غموض، وجاءت عبارة هذا النص متضمنة الركن المادى للجريمة، وقوامه قيام المسجل بخصم الضريبة كلها أو بعضها دون وجه حق، بالمخالفة للأحكام والحدود المشار إليها في المادة (23) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه، والمادة (18) من لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير المالية رقم 161 لسنة 1991، وبمراعاة أن جوهر الحق في الخصم الذي أجازه المشرع بمقتضى نص المادة (23) من ذلك القانون، قوامه إعمال المقاصة القانونية التي أقرها القانون بموجب النص المطعون فيه، والتى لا يثبت الحق فيها طبقًا لنصى المادتين (362، 365) من القانون المدنى، وترتب أثرها في انقضاء الدين، في حدود نموذج التجريم الذي تطرحه الدعوى المعروضة، إلا إذا كانت الضريبة العامة على المبيعات سبق تحميلها على أحد المُدخلات، التي عرفتها المادة (1) من قانون الضريبة العامة على المبيعات بأنها السلع الوسيطة الداخلة في إنتاج سلع خاضعة للضريبة، وأن يكون سداد المسجل لقيمة هذه الضريبة ثابتًا بفواتير ضريبية صحيحة بحوزة المسجل، طبقًا لنص المادة (18) من اللائحة التنفيذية لقانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه، ليغدو النكول عن ذلك أو تقديم فواتير غير صحيحة، نافيًا لأصل الحق في الخصم، ومقيمًا للركن المادى لإحدى صور التهرب الضريبى الذي أثمه القانون، وقُدم المدعى للمحاكمة الجنائية متهمًا بها، كما يتحقق الركن المعنوى لهذه الجريمة، وقوامه: قصد عمدى يقارن الركن المادى، جوهره: العلم بعناصر الركن الأول، وإرادة تحقيق النتيجة المترتبة عليه ممثلة في الإفلات من سداد الضريبة المستحقة على النشاط الخاضع لها، وذلك كله دون أن يتخذ النص المطعون فيه من وقوع أفعال الركن المادى للجريمة قرينة قانونية غير قابلة لإثبات عكسها، تقوم بها - وحدها - مسئولية جنائية مفترضة لمن يخالف الالتزام الذي فرضه ذلك النص، أو يهدر أصل براءة المخالف، بحسبان ذلك النص لم يحل بين محكمة الموضوع - في ضوء التزامها المنصوص عليه في المادة (304) من قانون الإجراءات الجنائية - وبين التحقق بصورة يقينية من وقوع ركنى جريمة التهرب الضريبى، التي يتعين على سلطة الاتهام إثباتهما كاملة، ولم يصادر حق المتهم بالجرم المذكور في أن يدفع نسبته إليه بكافة أوجه الدفاع التي تواجه أدلة الاتهام التي ساقتها ضده سلطة الاتهام، سواء ما يتعلق منها بعناصر الركن المادى للجريمة، أو ما يتصل منها بالقصد الجنائى، الأمر الذي يكون معه النص المطعون فيه قد التزم حدود الشرعية الدستورية للنص الجنائى، وانضبط بقواعدها المقررة في شأن عدم افتراض المسئولية الجنائية بقرينة تحكمية تزحزح أصل البراءة، أو مساس بقيم العدل الضابطة لسن نصوص التجريم والعقاب، وقواعد المحاكمة القانونية العادلة والمنصفة، وبما لا مخالفة فيه لأى من نصوص المواد (4، 35، 38، 94، 95، 96، 97، 98) من الدستور القائم، أو أى من أحكامه الأخرى، مما يتعين معه القضاء، في شأن النص المار ذكره، برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق