الصفحات

الجمعة، 29 أبريل 2022

الطعن رقم 298 لسنة 30 ق دستورية عليا "دستورية"جلسة 2 / 4 / 2022

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من أبريل سنة 2022م، الموافق الأول من رمضان سنة 1443 ه.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمى إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي وعلاء الدين أحمد السيد والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة .

وحضور السيد المستشار / عوض عبدالحميد عبدالله رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 298 لسنة 30 قضائية "دستورية".

المقامة من
محمد على عبد العزيز محمد
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- وزير العدل
3- وزير القوى العاملة والهجرة
4- رئيس مجلس إدارة شركة أسمنت بورتلاند طره المصرية
5- العضو المنتدب لشركة أسمنت بورتلاند طره المصرية
6- رئيس اللجنة النقابية للعاملين بشركة أسمنت بورتلاند طره المصرية
7- نائب رئيس اللجنة النقابية للعاملين بشركة بورتلاند طره المصرية
8- سيد طه حسن، بصفته رئيس النقابة العامة للعاملين في صناعات البناء والأخشاب
9- حسين مجاور، بصفته أمين عام صندوق الاتحاد العام لنقابات عمال مصر

----------------

" الإجراءات "
بتاريخ الحادي والعشرين من ديسمبر سنة 2008، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصوص المواد (168، 169، 170، 180) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
----------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى، وآخرين، يعملون لدى شركة أسمنت بورتلاند طره، وبتاريخ 8/ 2/ 2006، أبرمت الشركة مع كل من النقابة العامة للعاملين في صناعة البناء والأخشاب، والاتحاد العام لنقابات عمال مصر، واللجنة النقابية بالشركة، اتفاقية عمل جماعية تضمنت تحديد حصة العاملين في الأرباح، المقررة لهم في سنة 2005، بمبلغ 35000000 (فقط خمسة وثلاثون مليون جنيه)، دون الالتزام بأحكام المادة (41) من قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981. وعلى إثر ذلك أقاموا الدعوى رقم 3906 لسنة 2006 مدنى كلى، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، ضد المدعى عليهم، بغية الحكم ببطلان اتفاقية العمل الجماعية، فيما تضمنته من انتقاص حصتهم في الأرباح عن 10 % للسنة المالية 2005، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها حساب حصة العاملين في الأرباح بمبلغ 107021620(فقط مائة وسبعة ملايين وواحد وعشرون ألفًا وستمائة وعشرون جنيهًا)، وكذا بطلان تفسير تلك الاتفاقية، الحاصل بتاريخ 19/ 2/ 2006. وأثناء نظر الدعوى دفعت الشركة المدعى عليها الرابعة بعدم قبول الدعوى شكلاً، لرفعها بغير الطريق الذي رسمه قانون العمل، باللجوء ابتداء إلى وسائل فض منازعات العمل الجماعية، المنظمة في الكتاب الرابع من الباب الرابع من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، وبجلسة 4/ 11/ 2008، دفع المدعي بعدم دستورية المواد (168، 169، 170 ،180) من قانون العمل المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، قررت التأجيل لجلسة 30/ 12/ 2008، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (168) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣ تنص على أنه "مع عدم الإخلال بحق التقاضي تسري أحكام هذا الباب على كل نزاع يتعلق بشروط العمل أو ظروفه أو أحكام الاستخدام ينشأ بين صاحب عمل أو مجموعة من أصحاب الأعمال وبين جميع العمال أو فريق منهم".
وتنص المادة (169) على أنه "إذا ثار نزاع مما نص عليه في المادة السابقة وجب على طرفيه الدخول في مفاوضة جماعية لتسويته وديًا". وتنص المادة (170) على أنه "إذا لم تتم تسوية النزاع كليًا خلال ثلاثين يومًا من تاريخ بدء المفاوضة جاز للطرفين أو لأحدهما أو لمن يمثلهما التقدم بطلب إلى الجهة الإدارية المختصة لاتخاذ إجراءات الوساطة".
وتنص المادة (180) على أنه "يجب أن يكون طلب التحكيم المقدم من صاحب العمل موقعًا منه أو من وكيله المفوض. فإذا كان الطلب من العمال وجب تقديمه من رئيس اللجنة النقابية - إن وجدت - أو من النقابة العامة المختصة، وذلك كله بعد موافقة مجلس إدارة النقابة العامة. وتتولى الجهة الإدارية المختصة إحالة ملف النزاع إلى هيئة التحكيم، وذلك خلال يومين من تاريخ تقديم الطلب".
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة، شرط لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع. ويتحدد مفهوم هذه المصلحة باجتماع شرطين، أولهما: أن يقيم المدعى - في حدود الصفة التي اختصم بها النص التشريعي المطعون فيه - الدليل على أن ضررًا واقعيًا قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرًا، مستقلاً بعناصره، ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررًا متوهمًا أو نظريًّا أو مجهلاً. ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه. والمصلحة في الدعوى الدستورية كما تتوافر إذا كانت لصاحبها فيها مصلحة قائمة يقرها القانون، فإن مصلحته المحتملة بشأنها تكفى لقبولها. متى كان ذلك، وكان المدعي يهدف من دعواه الدستورية المعروضة، التحلل من شرط وجوب اللجوء ابتداء إلى وسائل فض منازعات العمل الجماعية، المنظمة في المواد (168، 169، 170، 180) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، وذلك حتى تقبل دعواه الموضوعية، التي أقامها مباشرة أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية.
ومن ثم تتوافر للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستورية نصوص المواد المشار إليها، ويتحدد نطاقها، في ضوء الطلبات المطروحة في النزاع الموضوعي، فيما تضمنه نص المادة (168) من قانون العمل من سريان أحكام الباب الرابع من الكتاب الرابع، على منازعات العمل الجماعية، المتعلقة بشروط العمل أو ظروفه، ونصى المادتين (169، 170) منه، اللتين أوجبتا اللجوء ابتداء لفض تلك المنازعات عن طريق المفاوضة الجماعية، فإن لم تتم تسوية المنازعة كليًّا خلال ثلاثين يومًا من تاريخ بدء المفاوضة، جاز للطرفين أو لأحدهما أو لمن يمثلهما التقدم بطلب إلى الجهة الإدارية المختصة لاتخاذ إجراءات الوساطة، وما تضمنه نص الفقرة الثانية من المادة (180) من هذا القانون من وجوب تقديم العمال طلب اتخاذ إجراءات التحكيم من رئيس اللجنة النقابية- إن وجدت- أو من النقابة العامة المختصة، وذلك كله بعد موافقة مجلس إدارة النقابة العامة، مما يتعين معه القضاء بقبول الدعوى بالنسبة لنصوص المواد المشار إليها، في حدود نطاقها المتقدم، وبعدم قبولها فيما جاوز ذلك من الأحكام الأخرى التي تضمنتها هذه المواد.
وحيث إن المدعي ينعى على نصوص المواد (168، 169، 170) المطعون عليها - في النطاق السالف تحديده-، إخلالها بمبدأ المساواة وحق التقاضي اللذين كفلهما الدستور الصادر سنة 1971 في المادتين (40، 68) منه، وتقابلها المواد (4، 40، 97) من الدستور الحالي، بقالة إن إجبار هذه النصوص العمال على ولوج سبل فض منازعات العمل الجماعية، عن طريق المفاوضة والوساطة والتحكيم، وحجبهم عن طرح منازعاتهم ابتداء على القضاء، قبل المرور بتلك المراحل، مما يخل - وفق ما يراه المدعي - بمقتضيات حق التقاضي. ومن جانب آخر، فإن نص الفقرة الثانية من المادة (180) من قانون العمل المشار إليه، يهدر مبدأ المساواة وحق التقاضي، ذلك أن الفقرة الأولى من تلك المادة أجازت لصاحب العمل تقديم طلب إلى الجهة الإدارية المختصة لاتخاذ إجراءات التحكيم، حال منعت الفقرة الثانية من تلك المادة العمال من تقديم هذا الطلب، مشترطة أن يقدم من خلال التنظيم النقابي، معلقة بذلك حقهم في هذا الشأن على إرادة ذلك التنظيم.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، كون نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم فيها، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
لما كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعي إلى النصوص المطعون عليها - في النطاق السالف تحديده - تندرج تحت المناعي الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة النصوص التشريعية لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي. ومن ثم، تباشر هذه المحكمة رقابتها على دستورية النصوص المطعون عليها - التي مازالت سارية ومعمولاً بأحكامها - في ضوء أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014.
وحيث إن المادة الأولى من اتفاقية العمل الدولية رقم 87 لسنة 1948 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، تضمنت حق العمال وأصحاب الأعمال في تكوين منظماتهم، كما عرفت المادة العاشرة منها، مصطلح "منظمة" بأنها أية منظمة للعمال أو لأصحاب العمل تستهدف تعزيز مصالح العمال أو أصحاب العمل والدفاع عنها، وعرفت المادة الثانية من اتفاقية العمل الدولية رقم 154 لسنة 1981 بشأن تشجيع المفاوضة الجماعية، "المفاوضة الجماعية" بأنها جميع المفاوضات التي تجري بين صاحب عمل، أو مجموعة من أصحاب العمل أو واحدة أو أكثر من منظمات أصحاب العمل من جهة، ومنظمة عمال أو أكثر من جهة أخرى، من أجل تحديد شروط العمل وأحكام الاستخدام، وتنظيم العلاقات بين أصحاب العمل والعمال، وتنظيم العلاقات بين أصحاب العمل أو منظماتهم ومنظمة أو منظمات عمال. وناطت المادة الخامسة منها بالدول أن تتخذ كافة التدابير الوطنية من أجل تشجيع المفاوضة الجماعية. وهو ما أكد عليه الدستور الحالي، تمشيًا مع التزام الدولة بالاتفاقيات والعهود الدولية، والمواثيق الدولية، الذي عُد بمقتضى المادة (93) من الدستور، التزامًا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وإيمانًا بأن المعايير والخصائص التي يقوم عليها التنظيم النقابي، هي التي قننها الدستور في مجمل أحكامها بنص المادة (76) منه، التي تحتم إنشاء ذلك التنظيم وفق أسس ديموقراطية يكون القانون كافلاً لها، راعيًا لدوره في تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية والاقتصادية التي استهدفها، مرتقيًا بكفايتها، فلا يتنصل أعضاؤها من واجباتهم أو يعملون على نقيضها، أو ينحرفون عنها، ودون إخلال بحقوقهم المقررة قانونًا. وهو ما يعنى أن إفراد النقابات بنص المادة (76) المشار إليها، لا يعدو أن يكون اعترافًا من الدستور بأهمية وخطورة المصالح التي تمثلها، وعمق اتصالها بالحقوق المقررة قانونًا لأعضائها، وما ينبغي أن يتخذ من التدابير للدفاع عنها في مجموعها، وتمثيلًا لأعضائها.
وحيث إن ضمان الدستور لحق التقاضي، المنصوص عليه في المادة (97) منه، مؤداه: ألا يعزل الناس جميعهم أو فريق منهم أو أحدهم عن النفاذ إلى جهة قضائية تكفل بتشكيلها، وقواعد تنظيمها، ومضمون القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها، حدًّا أدنى من الحقوق التي لا يجوز إنكارها عمن يلجون أبوابها، ضمانًا لمحاكمتهم إنصافًا. كذلك فإن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على حقوق يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تُعَسِّر الحصول عليها أو تحول دونها، كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق، وإنكارًا لحقائق العدل في جوهر ملامحها. وحيث إن الباب الرابع من الكتاب الرابع من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، المعنون "منازعات العمل الجماعية"، رسم طريقًا لفض منازعات العمل الجماعية قبل اللجوء إلى القضاء، عن طريق المفاوضة الجماعية، كأحد الوسائل الودية لحل هذا النزاع، من خلال الحوار والمناقشات التي تجريها المنظمات النقابية مع أصحاب الأعمال، كمرحلة أولية لفض هذا النزاع، فإذا استنفد هذا الإجراء، ولم يتم تسوية النزاع كليًّا خلال ثلاثين يومًا من تاريخ بدء المفاوضة، جاز للطرفين أو لأحدهما أو لمن يمثلهما التقدم بطلب إلى الجهة الإدارية المختصة لاتخاذ إجراءات الوساطة، فإذا لم يقبل الطرفان أو أحدهما التوصيات التي قدمها الوسيط، كان لطرفي النزاع الحق في اللجوء إلى التحكيم طبقًا لنص المادة (179) وما بعدها من قانون العمل المنظمة لذلك، مقروءة في ضوء إنفاذ مقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 8/ 5/ 2021، في الدعوى رقم 33 لسنة 36 قضائية "دستورية"، القاضي أولاً: بعدم دستورية نص المادة (179) من قانون العمل، الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، فيما تضمنه من اعتبار تقدم أحد طرفي منازعة العمل الجماعية إلى الجهة الإدارية المختصة بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم، أمرًا ملزمًا لخصمه بالمضي في هذه الإجراءات، ولو لم يقبلها. ثانيًا: بعدم دستورية نصى البندين ٣ و٤ من المادة (182) من القانون ذاته فيما لم يتضمناه من اشتراط، ألا يكون المحكم المختار عن التنظيم النقابي، وكذلك المحكم المختار عن الوزارة المختصة، في عضوية هيئة التحكيم، المسند إليها الفصل في منازعة العمل الجماعية، قد سبق اشتراكهما، بأية صورة، في بحث المنازعة ذاتها أو محاولة تسويتها. ثالثًا: رفض ما عدا ذلك من طلبات. ونُشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية العدد رقم 19 (تابع) بتاريخ 17/ 5/ 2021، ومن ثم فإنه بعد استنفاد مرحلتي المفاوضة والوساطة ينعقد لأى من طرفي النزاع - بالإضافة إلى سلوك سبيل التحكيم - ولوج طريقه إلى الخصومة القضائية، ليفصل قضاتها في الحقوق المدعى بها، سواء بإثباتها أو بنفيها. بما مؤداه أن يكون مسلك المشرع في المادة (168) من قانون العمل المشار إليه، قد جاء في إطار سلطته التقديرية في تنظيم حق التقاضي، دون مصادرته، أو النيل منه، أو من ولاية القضاء، وبما لا مخالفة فيه لنص المادة (97) من الدستور.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن شروط قبول الدعوى وثيقة الصلة بالحق في رفعها، وغايتها ألا تقبل الخصومة القضائية قبل أوانها، أو بعد انتهاء النزاع في موضوعها، أو قبل استيفائها لعناصر تكفل نضجها وتماسكها. وكان المشرع كثيرًا ما ينظم طريقًا للتظلم من قرارات بذواتها قبل التداعى بشأنها، فلا يكون هذا الطريق إلا شرطًا لجواز اختصامها قضاء. وكان المشرع قد قدر في قانون العمل، أن العمال لا يعنيهم غير الحصول على حقوقهم بأيسر الوسائل وأقلها تكلفة، فنظم من أجل الحصول على حقوقهم طريقًا أوليًّا قد يُغنيهم عن الخصومة القضائية، وإن كان لا يحول دونها، جاعلاً منها، وسيلتهم إلى إنهاء النزاع وديًّا حول الحقوق التي يدعونها، ومتطلبًا طرق أبوابها، واستنفاد الميعاد المحدد لها لفحص هذه الحقوق، كشرط مبدئى لجواز طلبها قضاء. ولا مخالفة في ذلك للدستور، ومن ثم فإن اعتماد المشرع بمقتضى نص المادة (169) من قانون العمل المفاوضة الجماعية سبيلاً لتسوية المنازعات التي عددتها المادة (168) من هذا القانون، ومن بينها تلك المتعلقة بشروط العمل أو ظرفه، ثم اتخاذ إجراءات الوساطة طبقًا لنص المادة (170) من القانون، في حالة عدم تسوية النزاع خلال المهلة التي حددها القانون وذلك وفاءً من الدولة بالتزامها الدستورى المقرر بمقتضى نص المادة (13) من الدستور بكفالة سبل التفاوض الجماعى،لا ينال من حق التقاضى الذي كفله الدستور في المادة (97) منه، سواء في محتواه أو مقاصده. ذلك أنهما يمثلان مرحلة أولية لفض النزاع حول حقوق يتفاوض عليها الطرفان، فإذا استنفداها، ظل طريقهم إلى الخصومة القضائية متاحًا ليفصل قضاتها في الحقوق المدعى بها، سواء بإثباتها أو بنفيها. وحيث إن ضمانة سرعة الفصل في القضايا المنصوص عليها في المادة (97) من الدستور، غايتها أن يتم الفصل في الخصومة القضائية - بعد عرضها على قضاتها- خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهيًا، ذلك أن امتداد زمن الفصل في هذه الخصومة دون ضرورة، يعطل مقاصدها، ويفقد النزاع جدواه. فإذا كان وقتها مبتسرًا، كان الفصل فيها متعجلاً منافيًا حقائق العدل. متى كان ذلك، وكان نص المادة (170) من قانون العمل قد حدد للمفاوضة المنصوص عليها فيها، أجلاً لا يجاوز ثلاثين يومًا، يبدأ سريانها من تاريخ بدء إجراءات المفاوضة؛ وحدد عجز نص المادة (172) من ذلك القانون، للوساطة المنصوص عليها فيه، مدة حدها الأقصى خمسة وأربعون يومًا يتعين خلالها على الوسيط إنهاء مهمته، وهو ما أكد عليه نص الفقرة الثانية من المادة (174) من ذلك القانون. وكان هذا الميعاد معقولاً لا يحمل أطراف منازعة العمل الجماعية ما لا يطيقون، بل يُدنيهم من الحقوق التي يسعون جاهدين للحصول عليها، فإن النعى بمخالفة المواد المطعون فيها لنص المادة (97) من الدستور، يكون فاقدًا لسنده.
وحيث إنه عما ينعاه المدعى على التنظيم الذي أورده المشرع بالفقرة الثانية من المادة (180) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، إخلاله بمبدأ المساواة، والحق في التقاضى، بالمخالفة لنصى المادتين (40، 68) من دستور سنة 1971، المقابلة لنصوص المواد (4، 53، 97) من دستور سنة 2014، بقالة إنه مايز بين صاحب العمل والعمال في تقديم طلب التحكيم، فمنح صاحب العمل الحق في تقديم الطلب مباشرة إلى الجهة الإدارية، بينما اشترط أن يقدم طلب العمال من خلال منظماتهم النقابية، ومن ثم تعليق إرادة العمال الخاضعين لأحكام هذا القانون، في مباشرة حقهم في التقاضى، على إرادة التنظيمات النقابية، على نحو يؤدى إلى إهدار إرادتهم وتقويض حقهم في التقاضى المصان دستوريًّا، فمردود أولاً: أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون- وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها- مؤداه: ألا تقر السلطة التشريعية أو تصدر السلطة التنفيذية - في حدود صلاحياتها التي ناطها الدستور بها - تشريعًا يخل بالحماية القانونية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التي نص عليها الدستور، أو التي كفلها المشرع. ومن ثم كان هذا المبدأ عاصمًا من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزًا غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتوافق عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلاً لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها، إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز أو قاصرة بمداها عن استيعابها. ومردود ثانيًا: أن الدستور الحالى قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه، مبدأ المساواة باعتباره إلى جانب مبدأى العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه، على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنصى المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه - بما ينطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبدأ المساواة أمام القانون لا يعنى معاملة المواطنين جميعًا وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم التشريعى قد ينطوى على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سواء من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل النصوص التي ينظم بها المشرع موضوعًا معينًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها منطقيًّا، وليس واهنًا، أو منتحلاً،، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا. ومردود ثالثًا: بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة، من أن الخصومة القضائية، تؤكد بمضمونها، أن حقوقًا وقع الإخلال بها، وأن الفصل فيها إنصافًا مطلبها، وأن ردها لأصحابها غايتها. وأن هذه الحقوق، إما أن تبلور مصالح جماعية، كتلك التي تؤمنها النقابة وتحميها بوصفها شخصًا معنويًّا يستقل بالدفاع عنها ويحتضنها، وإما أن يتعلق بهذه الحقوق مركز قانونى خاص، يكفل مصالح ذاتية لأحد أعضائها، فلا يكون الدفاع عنها إلا متصلاً بمصلحته الشخصية المباشرة.
متى كان ذلك، وكان نص المادة (180) من قانون العمل المشار إليه وإن تعلق بتحديد صاحب الصفة في تقديم طلب التحكيم بالنسبة لصاحب العمل أو العمال، وما يعنيه ذلك من قبول اللجوء للتحكيم، واختياره سبيلاً لحل المنازعات، وكانت منازعات العمل الجماعية، تتعلق بمصالح مشتركة تخص جموع العاملين بالمنشأة، ولا تتعلق بمنازعات ترتبط بحقوق فردية، ذات صلة بمراكز قانونية ذاتية، فمن ثم كان سائغًا أن يوسد المشرع للتنظيمات النقابية بمقتضى نص المادة (180) المشار إليه، الدور الفاعل في المطالبة القضائية بالحقوق التي تبلور مصالح جماعية لجموع العاملين بالنقابة، ومن بينها منازعات العمل الجماعية التي تتصل بشروط العمل أو ظروفه، التي تطرحها الدعوى المعروضة، وذلك بجعلها، ممثلة في رئيس اللجنة النقابية، أو النقابة العامة المختصة، بعد موافقة مجلس النقابة العامة، صاحبة الصفة في تقديم طلب التحكيم، وذلك تمكينًا للنقابات من أداء دورها، والوفاء بالتزامها الدستورى المقرر بالمادتين (76، 77) من الدستور، في الدفاع عن حقوق العمال وحماية مصالحهم، ومراعاة من المشرع للطبيعة القانونية لمنازعات العمل الجماعية، والحقوق والمصالح محلها، والدور المنوط بالدولة بمقتضى نصى المادتين (13، 27) من الدستور، في الحفاظ على حقوق العمال، وتحقيق التوازن بين أطراف علاقة العمل سواء في ذلك العمال أو أصحاب الأعمال، بما يسهم في بناء علاقات عمل متوازنة بين أطراف العملية الإنتاجية، وكفالة تحقيق ذلك من خلال تفعيل دور المنظمات النقابية في الدفاع عن حقوق ومصالح العمال، ليضحى التنظيم الذي تضمنته الفقرة الثانية من المادة (180) من قانون العمل المطعون فيها، باعتباره الوسيلة التي اختارها المشرع، وقدر مناسبتها لبلوغ الأهداف والأغراض المتقدمة، وكفالة تحقيقها، والتى ترتبط بتلك الغايات بعلاقة منطقية وعقلية، مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّا بين العمال وأصحاب الأعمال في مجال اللجوء إلى التحكيم، يخالف مبدأ المساواة، الذي حرص الدستور على كفالته بالمادتين (4، 53) منه، كما يدخل تقرير هذا النص في نطاق السلطة التقديرية المقررة للمشرع في مجال تنظيم حق التقاضى، الذي كفلته المادة (97) من الدستور، دون مساس بأصله وجوهره. وحيث إن النصوص المطعون عليها لا تتعارض مع أحكام الدستور من أوجه أخرى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق