الصفحات

الأحد، 19 ديسمبر 2021

الطعن 65 لسنة 39 ق دستورية عليا جلسة 4 / 12 / 2021

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من ديسمبر سنة 2021م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1443 ه.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 65 لسنة 39 قضائية "دستورية".

المقامة من
أحمد مصطفى أحمد على
ضد
1- رئيس الجمهورية 2- رئيس مجلس النواب 3- رئيس مجلس الوزراء 4- النائب العام 5- رئيس محكمة الاستئناف العالي بالمنصورة - الدائرة الخامسة

-------------

" الإجراءات "
بتاريخ العشرين من مايو سنة 2017، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة (494) من قانون المرافعات المدنية والتجارية. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها. ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

---------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أنه بتاريخ 12/ 3/ 2017، أقام المدعى، أمام محكمة استئناف المنصورة - الدائرة الخامسة مدنى - دعوى المخاصمة رقم 368 لسنة 69 قضائية المنصورة، ضد المستشار ......، المحامي العام لنيابات جنوب الدقهلية، وذلك بموجب تقرير في قلم كتاب تلك المحكمة، على سند من أن المذكور أصدر بتاريخ 2/ 1/ 2017، قرارًا بإحالة الدعوى رقم 20415 لسنة 2016 جنايات السنبلاوين، المقيدة برقم 4284 لسنة 2016 جنايات كلى جنوب الدقهلية إلى محكمة الجنايات، وأن هذا القرار صدر بطريق الغدر من المُخاصم، لانتهاء تحقيقات نيابة السنبلاوين الجزئية إلى حفظ التحقيقات، كما صدر دون إعادة الأوراق للاستيفاء، وقام بإخفاء حافظة مستندات تكشف عن وجود خلاف بين المدعى ورئيس مباحث السنبلاوين، الذي أجرى التحريات ضده، ولم يستوف الأوراق بإحالتها إلى إدارة البحث الجنائي، وقام بعرض الأوراق على المحامي العام الأول، دون حافظة المستندات. فضلاً عن تناقض إحالته للمحاكمة الجنائية مع سبق إصدار المخاصم أمرًا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في المحضر رقم 4250 لسنة 2016 جنايات كلى جنوب الدقهلية. وأضاف المدعى بمذكرته المقدمة بجلسة 2/ 5/ 2017، أمام محكمة الموضوع، بأن قرار الإحالة المشار إليه صدر بناء على غش وتدليس وخطأ مهنى جسيم، لصدوره عن وجهة نظر شخصية للمُخاصم، وبغرض الإضرار به للخلاف السابق بينهما، كما صدر بالمخالفة لتعليمات النائب العام، وخروجًا عن الحياد بالميل لخصم على حساب الآخر.
وأثناء نظر دعوى المخاصمة، دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة (494) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه المعروضة، بطلب القضاء بعدم دستورية هذا النص، على سند من مخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية، ومبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، التي كفلها الدستور في المواد (2، 9، 53) منه. وحيث إن المادة (494) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 تنص على أنه " تجوز مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة في الأحوال الآتية: 1- إذا وقع من القاضي أو عضو النيابة في عملهما غش أو تدليس أو غدر أو خطأ مهني جسيم. 2- إذا امتنع القاضي من الإجابة على عريضة قدمت له أو من الفصل في قضية صالحة للحكم وذلك بعد إعذاره مرتين على يد محضر يتخللهما ميعاد أربع وعشرين ساعة بالنسبة إلى الأوامر على العرائض، وثلاثة أيام بالنسبة إلى الأحكام في الدعاوى الجزئية والمستعجلة والتجارية، وثمانية أيام في الدعاوى الأخرى. ولا يجوز رفع دعوى المخاصمة في هذه الحالة قبل مضى ثمانية أيام على آخر إعذار. 3- في الأحوال الأخرى التي يقضى فيها القانون بمسئولية القاضي والحكم عليه بالتعويضات".
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لسابقة حسم أمر دستورية نص المادة (494) المشار إليه، بالحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 14/ 2/ 2015، في الدعوى رقم 178 لسنة 32 قضائية "دستورية"، فإن الثابت أن نطاق تلك الدعوى الدستورية والمصلحة فيها قد تحددا بنص الفقرة الثانية من المادة (495) والفقرة الأولى من المادة (496) من قانون المرافعات، وقضت المحكمة برفض الدعوى المقامة طعنًا على هذين النصين، ونشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 8 مكرر(و) بتاريخ 25/ 2/ 2015. ولم يتعرض قضاء المحكمة المتقدم لدستورية نص المادة (494) من قانون المرافعات، ومن ثم لا تمتد إليه الحجية المطلقة الثابتة لهذا الحكم، والمقررة له بمقتضى نص المادة (195) من الدستور، ونصى المادتين (48 و49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، التي يقتصر نطاقها - على ما جرى به قضاؤها - على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، ولا تمتد إلى غير تلك النصوص، الأمر الذي يتعين معه الالتفات عن هذا الدفع.
وحيث إنه عن طلب المدعى - كما ضمنه صحيفة دعواه المعروضة - تعديل المادة (494) من قانون المرافعات، بتضمينها النص على أن تكون المحاكمة بالنسبة لرد ومخاصمة أعضاء النيابة العامة والقضاة أمام محكمة خاصة مكونة من مستشارين عاملين بالتفتيش القضائي، يتم اختيارهم طبقًا للقانون، وأن يكون من بين أحوال ردهم ومخاصمتهم إبداء الرأى في الدعوى قبل الفصل في موضوعها، وأن يتم إثبات الخصومة في هذه الأحوال بكافة طرق الإثبات ومنها شهادة الشهود. فقد جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أنها هي وحدها التي تُهيمن على تكييف الدعوى الدستورية والطلبات بها، وإضفاء الوصف القانوني الصحيح عليها، والعبرة في ذلك بما قصد إليه المدعى حقيقة من دعواه، ولا اعتداد بالعبارات التي أفرغ طلباته فيها، إذا كانت مجافية في مبناها، للمعاني التي أراد حملها عليها.
وحيث إن الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا تثبيتًا للشرعية الدستورية، مناطها تلك النصوص القانونية التي أقرتها السلطة التشريعية، أو التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي بينها الدستور، وبالتالى يخرج عن نطاقها إلزام هاتين السلطتين بإقرار قانون أو إصدار قرار بقانون في موضوع معين، إذ إن ذلك مما تستقل بتقديره تلك السلطتان وفقًا لأحكام الدستور، ولا يجوز بالتالي حملهما على التدخل لإصدار تشريع في زمن معين أو على نحو ما.
وحيث إن من المقرر أن الدستور كفل لكل حق أو حرية نص عليها، الحماية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، وتتمثل هذه الحماية في الضمانة التي يكفلها الدستور لحقوق المواطنين وحرياتهم، التي يعتبر إنفاذها شرطًا للانتفاع بها في الدائرة التي تصورها الدستور نطاقًا فاعلاً لها، وهذه الضمانة ذاتها هى التي يفترض أن يستهدفها المشرع، وأن يعمل على تحقيقها من خلال النصوص القانونية التي ينظم بها هذه الحقوق وتلك الحريات، باعتبارها وسائله لكفالتها، وشرط ذلك - بطبيعة الحال - أن يكون تنظيمها كافلاً تنفسها في مجالاتها الحيوية، وأن يحيط بكل أجزائها التي لها شأن في ضمان قيمتها العملية، فإذا نظمها المشرع تنظيمًا قاصرًا، بأن أغفل أو أهمل جانبًا من النصوص القانونية التي لا يكتمل هذا التنظيم إلا بها، كان ذلك إخلالاً بضمانتها التي هيأها الدستور لها، وفى ذلك مخالفة للدستور.
وحيث إن من المقرر كذلك في قضاء هذه المحكمة، أن الخطأ في تأويل النصوص القانونية لا يوقعها في حمأة المخالفة الدستورية إذا كانت صحيحة في ذاتها، وأن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملاً، ولا بالصورة التي فهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد اتفاقها مع الدستور أو خروجها عليه إلى الضوابط التي فرضها الدستور على الأعمال التشريعية.
وحيث إن دعوى المخاصمة هي دعوى مسئولية ترمى إلى تعويض ضرر أصاب المخاصم، وتستند إلى قيام القاضي أو عضو النيابة العامة بعمل أو إصدار حكم مشوب بعيب يجيز مخاصمته. وكان الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدره من تصرفات في عمله، لأنه يستعمل في ذلك حقًا خوله له القانون، وترك له فيه سلطة تقديرية، إلا أن المشرع رأى أن يقرر مسئوليته على سبيل الاستثناء في حالات أوردها على سبيل الحصر في نص المادة (494) من قانون المرافعات، فلا يجوز القياس عليها، أو رفع دعوى المخاصمة لغيرها من الأسباب.
ولم يتعرض نص هذه المادة للاختصاص القضائي بالفصل في دعوى المخاصمة وإثباتها، وكانت المادتان (146، 148) من قانون المرافعات قد عينت على سبيل الحصر الأحوال التي يكون فيها القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعًا من سماعها، ولو لم يرده أحد الخصوم، وكذا الأحوال التي يجوز فيها رد القاضى، التي تسرى في شأن عضو النيابة العامة إذا كان طرفًا منضمًا في الأحوال الخاصة التي يوجب فيها المشرع على النيابة العامة أن تتدخل أمام المحاكم المدنية في القضايا - على ما أوضحت المذكرة التفسيرية لقانون المرافعات - وذلك بحكم الإحالة عليها بمقتضى نص المادة (163) من ذلك القانون، ومن بينها الحالة الواردة بالبند رقم (5) من المادة (146) من قانون المرافعات، التي بموجبها يكون القاضي أو عضو النيابة العامة على حسب الأحوال، غير صالح لنظر الدعوى وممنوعًا من سماعها، إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى، أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء، أو كان قد سبق له نظرها قاضيًا أو خبيرًا أو محكمًا أو كان قد أدى شهادة فيها. ورتبت المادة (147) من قانون المرافعات على مخالفة ذلك بطلان العمل. وعرضت المادتان (247، 248) من قانون الإجراءات الجنائية لأحوال رد القضاة، وذلك إذا كانت الجريمة قد وقعت على القاضي شخصيًّا، أو إذا كان قد قام في الدعوى بعمل مأمور الضبط القضائي أو بوظيفة النيابة العامة أو المدافع عن أحد الخصوم أو أدى فيها شهادة أو باشر عملاً من أعمال أهل الخبرة، أو إذا قام في الدعوى بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة أو كان الحكم المطعون فيه صادرًا منه، وذلك كله إلى جانب سائر حالات الرد الواردة بقانون المرافعات. ولم تجز الفقرة الثانية من المادة (248) المشار إليها رد أعضاء النيابة العامة، وأوجبت المادة (250) من قانون الإجراءات الجنائية إتباع القواعد المنصوص عليها في قانون المرافعات في نظر طلب الرد والحكم فيه. كما عرضت المادة (153) من قانون المرافعات، للاختصاص القضائي بنظر طلب الرد والفصل فيه، فعقدت الاختصاص بذلك بالنسبة لرد أحد قضاة المحاكم الجزئية أو الابتدائية لإحدى دوائر محكمة الاستئناف التي تقع في دائرة اختصاصها المحكمة الابتدائية التي يتبعها القاضي المطلوب رده، وتختص بنظر طلب رد المستشار بمحكمة الاستئناف أو بمحكمة النقض، دائرة بمحكمة الاستئناف أو بمحكمة النقض حسب الأحوال غير الدائرة التي يكون المطلوب رده عضوًا فيها.
كما حددت المواد من (154 إلى 165) من قانون المرافعات، القواعد والإجراءات التي تُتبع في نظر طلب الرد والفصل فيه وإثباته، فخص المشرع هذا الطلب بالنظر لطبيعته بإجراءات تختلف عن الإجراءات العادية، ضمنها الباب الثامن من الكتاب الأول من قانون المرافعات. وخصص المشرع الباب الثاني من الكتاب الثالث من قانون المرافعات لمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة، وتناولت المواد (495، 496، 497) منه، الإجراءات الخاصة برفع الدعوى وإثباتها، والاختصاص القضائي بنظرها والفصل فيها، فترفع الدعوى بتقرير في قلم كتاب محكمة الاستئناف التابع لها القاضي أو عضو النيابة العامة، على أن تعرض الدعوى على إحدى دوائر محكمة الاستئناف بأمر من رئيسها، بعد تبليغ صورة تقرير المخاصمة إلى القاضي أو عضو النيابة المُخاصم، وتنظر الدعوى في غرفة مشورة، في أول جلسة تعقد بعد ثمانية الأيام التالية للتبليغ، ويقوم قلم الكتاب بإخطار الطالب بالجلسة، وتحكم المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها، وذلك بعد سماع الطالب أو وكيله والقاضي أو عضو النيابة المُخاصم حسب الأحوال، وأقوال النيابة العامة إذا تدخلت في الدعوى، فإذا كان القاضي المُخاصم مستشارًا بمحكمة النقض، تولت الفصل في جواز قبول المخاصمة إحدى دوائر محكمة النقض في غرفة مشورة، فإذا حكم بجواز قبول المخاصمة فإن الاختصاص بالفصل في موضوع المخاصمة بالنسبة لقضاة المحكمة الابتدائية أو أعضاء النيابة العامة لديها، يكون لدائرة أخرى من دوائر محكمة الاستئناف، فإذا كان المُخاصم مستشارًا بمحكمة الاستئناف أو النائب العام أو المحامي العام كان الاختصاص بالفصل في الموضوع لدائرة خاصة مؤلفة من سبعة من المستشارين بحسب ترتيب أقدميتهم، أما إذا كان المُخاصم مستشارًا بمحكمة النقض فيكون الاختصاص إلى دوائر المحكمة مجتمعة. ويحكم في الدعوى بعد سماع الطالب والمُخاصم وأقوال النيابة العامة إذا تدخلت في الدعوى.
متى كان ذلك، وكان من المقرر أن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية، وفى حدود النصوص التي صرحت محكمة الموضوع للمدعى بالطعن عليها، واختصمها المدعى بصحيفة دعواه الدستورية، وكان المشرع قد حدد الاختصاص القضائي بنظر دعوى المخاصمة بمرحلتيها وإثباتهما، والفصل فيهما، على النحو المتقدم بيانه، وقصر نطاق نص المادة (494) من قانون المرافعات على تحديد أحوال مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة، فإن التعرض فيه لتعديل الاختصاص بالفصل في طلب الرد ودعوى المخاصمة للقضاة وأعضاء النيابة العامة، والنص فيه على حالة رد القاضي أو عضو النيابة العامة إذا أبدى رأيًّا مخالفًا في الدعوى، قبل الفصل في موضوعها، وإثبات ذلك بكافة طرق الإثبات، بما فيها شهادة الشهود، كما ذهب المدعى، يكون إقحامًا لهذا النص في غير الدائرة التي قصدها المشرع بالتنظيم الذي ضمنه هذا النص، ويناقض الإطار الذي تناولته المواد (من 146 إلى 165) و(495 و496، 497) من قانون المرافعات، والمواد من (247 إلى 250) من قانون الإجراءات الجنائية، الذي يدخل تقريرها في إطار السياسة التشريعية التي ينتهجها المشرع في تنظيم هذه المسألة.
وحيث كان ذلك، وكان نطاق الدعوى المعروضة يقتصر على نص المادة (494) من قانون المرافعات، دون غيرها من النصوص المتقدمة، إذ اقتصر الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعي أمام محكمة الموضوع على ذلك النص، ولم يشمل أيًّا من هذه النصوص، ومن ثم لم ينصب عليها تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع، وتصريحها للمدعى برفع الدعوى الدستورية، ولم يضمنها المدعى طلباته الختامية الواردة بصحيفة دعواه الدستورية المعروضة. كما سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت المسألة الدستورية التي تتصل بالفقرة الثانية من المادة (495) والفقرة الأولى من المادة (496) من قانون المرافعات - كما تقدم البيان - بحكمها الصادر في الدعوى رقم 178 لسنة 32 قضائية "دستورية" المشار إليه، وقضت بحكمها الصادر بجلسة 2/ 3/ 2019 في الدعوى رقم 179 لسنة 37 قضائية "دستورية" برفض الدعوى المقامة طعنًا على نصى الفقرتين الأولى والثالثة من المادة (495) من قانون المرافعات، ونشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 10 مكرر (ب) بتاريخ 11/ 3/ 2019، وهو قضاء ملزم للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون له حجية مطلقة بالنسبة لهم، طبقًا لنص المادة (195) من الدستور ونصى المادتين (48، 49) من قانون هذه المحكمة المشار إليه، ليغدو ما أثاره المدعى - على النحو السالف ذكره - مرده إلى الخطأ في تأويل نص المادة (494) من قانون المرافعات، وفهمه على غير معناه الحقيقي، والتطبيق غير الصحيح له، وفي غير مجال إعماله. فضلاً عن أن ما طرحه المدعى في الحدود المتقدمة، وطلبه إضافة حالة إبداء القاضي أو عضو النيابة العامة رأيًّا مخالفًا في الدعوى، قبل الفصل في الموضوع، إلى أحوال مخاصمتهما، الواردة حصرًا بنص المادة (494) من قانون المرافعات المشار إليه، إنما ينحل في حقيقته، إلى طلب استحداث لحكم تشريعي، ويتضمن تعديلاً للتنظيم القانوني القائم لهذه المسألة، يجاوز نطاق الولاية المقررة لهذه المحكمة، ويُعد تدخلاً في عمل السلطة التشريعية، بالمخالفة لنص المادة (101) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى في خصوص هذا الشق منها.
وحيث إنه عن طلب المدعى القضاء بعدم دستورية نص المادة (494) من قانون المرافعات المشار إليه برمته، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز قبول الدعوى الدستورية إلا بتوافر الشروط اللازمة لاتصالها بها وفقًا للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، ويندرج تحتها شرط المصلحة التي حددتها المحكمة الدستورية العليا بأنها المصلحة الشخصية المباشرة التي لا يكفى لتحققها أن يكون النص التشريعي المطعون عليه مخالفًا للدستور، بل يجب أن يكون هذا النص - بتطبيقه على المدعى - قد ألحق به ضررًا مباشرًا.
وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - إنما يتحدد على ضوء عنصرين أولين يحددان معًا مضمونها ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه، وإن كان استقلالهما عن بعضهما البعض لا ينفى تكاملهما، وبدونهما مجتمعين لا يجوز لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية القوانين واللوائح، أولهما: أن يقيم المدعى - في حدود الصفة التي اختصم بها النص التشريعي المطعون عليه - الدليل على أن ضررًا واقعيًّا - اقتصاديًّا أو غيره - قد لحق به، ويجب أن يكون هذا الضرر مباشرًا مستقلاًّ بعناصره ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررًا متوهمًا أو نظريًّا أو مجهلًا، بما مؤداه: أن الرقابة على الدستورية يجب أن تكون موطئًا لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية آثارها القانونية، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفعها. ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على المدعى أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها.
وحيث كان ما تقدم، وكان المدعى قد أقام دعوى المخاصمة، على سند من صدور قرار إحالة الجناية المشار إليها إلى محكمة الجنايات بطريق الغدر والغش والتدليس، فضلاً عن وقوع خطأ مهني جسيم من المُخاصم في إصداره، لما نسبه إليه من وقائع وتصرفات على النحو المتقدم ذكره. وكان نص المادة (494) من قانون المرافعات قد أجاز في البند رقم (1) منه مخاصمة أعضاء النيابة العامة، إذا وقع من عضو النيابة غش أو تدليس أو غدر أو خطأ مهني جسيم، وهي مجتمعة، الأسباب التي أقام المدعى دعوى المخاصمة تأسيسًا عليها، ومن ثم يكون المدعى قد أفاد من هذا النص كسند قانوني لدعواه، فضلاً عن عدم انطباق باقي أحكام المادة (494) السالف ذكرها على هذه الدعوى، ومن ثم فإن القضاء في المسألة المتعلقة بدستوريتها، لن يكون ذا أثر أو انعكاس على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، لتنتفي بذلك المصلحة الشخصية المباشرة في الطعن على دستورية هذا النص، الأمر إلى يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذا الشق منها. وتكون الدعوى المعروضة - لما تقدم جميعه - حقيقة بالقضاء بعدم قبولها برمتها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة
بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق