الصفحات

الثلاثاء، 18 أغسطس 2020

الطعن 47 لسنة 3 ق جلسة 9 / 11 / 1933 مج عمر المدنية ج 1 ق 141 ص 255

جلسة 9 نوفمبر سنة 1933

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وزكى برزى بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك المستشارين.

------------

(141)
القضية رقم 47 سنة 3 القضائية

دعوى:
)أ) إنكارها. حق المدّعى عليه في ذلك. إساءة استعمال هذا الحق. جواز الحكم على المنكر بالتعويضات.
)ب) الإنكار الكيدي. معناه.

(المادتان 114 و115 مرافعات)

----------
1 - إن الإجابة على الدعوى بإنكارها هي في الأصل حق مشروع لكل مدعى عليه يقتضى به إلزام خصمه بإثبات مدّعاه. فان سعى بإنكاره في دفع الدعوى وخاب سعيه فحسب الحكم عليه بالمصاريف بالتطبيق لنص المادة 114 من قانون المرافعات. أما إذا أساء استعمال هذا الحق بالتمادي في الإنكار أو بالتغالي فيه أو بالتحيل به ابتغاء مضارة خصمه، فان هذا الحق ينقلب مخبثة تجيز للمحكمة، طبقا للمادة 115 من قانون المرافعات، الحكم عليه بالتعويضات مقابل المصاريف التي تحملها خصمه بسوء فعله هو.
2 - الإنكار الكيدي هو حقيقة قانونية تقوم على أركان ثلاثة: أوّلها خروج المنكر بإنكاره عن حدوده المشروعة بقصد مضارة خصمه، وثانيها كون هذا الإنكار ضارّا فعلا، وثالثها كون الضرر الواقع قد ترتب فعلا على هذا الإنكار وبينهما علاقة السببية. فالحكم الذي يقضي بمسئولية خصم عن الأضرار الناشئة عن إنكاره، إذا اقتصر على التقرير بصدق مزاعم المدّعى في ادّعائه بأن الإنكار كيدي، ولم يوازن بينها وبين دفاع المدّعى عليه، ولم يعن بإيراد العناصر الواقعية والظروف الحاصلة التي يصح استخلاص الكيدية منها بمعناها القانوني، يكون حكما معيبا متعينا نقضه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على أوراق القضية والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن السيدة خدوجة على عبد المحسن عمة الطاعنات طلبت من محكمة مصر الابتدائية الأهلية الحكم بالزام بنات أخيها بأن يدفعن لها 800 جنيه قيمة مصاريف وأتعاب المحاماة التي اضطرّت لصرفها في القضايا الكيدية والإجراءات التعسفية التي اتخذت أمام المحاكم الأهلية والشرعية والمختلطة بسبب إنكارهن وراثتها لمورّثهن، فحكمت بتاريخ 18 يونيه سنة 1932 بإلزامهن بأن يدفعن لها هذا المبلغ من المصاريف والأتعاب. ومحكمة استئناف مصر حكمت بتاريخ 18 مارس سنة 1933 بتعديل الحكم المستأنف وجعل المبلغ المحكوم به 666 جنيها فقط مع المصاريف وأتعاب المحاماة. وتدّعى الطاعنات أن بهذين الحكمين قصورا عن بيان الأسباب التي يجب اشتمال كل منهما عليها، وأن هذا القصور يستوجب قانونا نقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى على المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد.
وحيث إن الإجابة على الدعوى بإنكارها هي في الأصل حق مشروع لكل مدّعى عليه يقتضى بها إلزام خصمه بإثبات مدّعاه، فان سعى بإنكاره في دفع الدعوى وخاب سعيه فحسب الحكم عليه بالمصاريف بالتطبيق لنص المادة 114 من قانون المرافعات. أما إذا أساء المدّعى عليه استعمال هذا الحق بالتمادي في الإنكار أو بالتغالي فيه أو بالتحيل به ابتغاء مضارة خصمه فان هذا الحق ينقلب عندئذ مخبثة تجيز للمحكمة الحكم عليه بالتعويضات في مقابلة المصاريف الناشئة عنه والمترتبة عليه بالتطبيق للمادة 115 من قانون المرافعات.
وحيث إن الإنكار الكيدي هو حقيقة قانونية تقوم على أركان ثلاثة: (أوّلها) خروج المنكر بإنكاره عن حدوده المشروعة بقصد مضارة خصمه. (وثانيها) كون هذا الإنكار ضارّا فعلا. (وثالثها) كون الضرر الواقع قد ترتب فعلا على هذا الإنكار وبينهما علاقة السببية.
وحيث إنه لا سبيل لمحكمة النقض إلى مراقبة تكييف ما حصّله قاضي الموضوع من فهم الواقع في الدعوى بحكم ما جاء بالقانون تعريفا للكيد في إجراءات المرافعة (المادة 115 من قانون المرافعات) إلا إذا كان الحكم المطعون فيه قد عنى بإيراد العناصر الواقعية اللازمة على التفصيل الواجب قانونا بنص المادة 103 من قانون المرافعات.
وحيث إن كلا الحكمين قد اقتصر في الواقع على التقرير بصدق مزاعم المدّعى عليها في الدعوى، فقد جاء بالحكم المستأنف "أن المحكمة ترى أن الضرر الذى وقع حقيقة إنما كان لسبب الإجراءات التعسفية بسبب إنكار صفة المدّعى عليها مما اضطرّها هي وأختيها إلى الالتجاء إلى المحاكم الأهلية والشرعية والمختلطة، كما اضطرّها إلى التعاقد مع الأستاذ فلان لمباشرة هذه الدعاوى على حسابه الخاص مقابل دفعهنّ له ألفى جنيه عند استلام نصيبهنّ في التركة نهائيا. وقد قام هذا الأستاذ بتعهده وباشر جملة قضايا بنفسه وبتوكيل آخرين بالمحاكم المختلطة، وكان المدّعى عليهنّ في مختلف هذه الأدوار يحاولن تعطيل وصول حق المدّعية وأخواتها إليهنّ أو إنقاصه بقدر المستطاع". وجاء بالحكم الاستئنافي "أن المحكمة ترى تأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من مسئولية المستأنفات عن الأضرار التي نشأت عن إنكارهنّ وراثة المستأنف عليها وما تلا ذلك من إجراءات كيدية من جانب المستأنفات لعرقلة سير الدعوى حتى اضطرّت المستأنف عليها وأختها إلى الالتجاء إلى المسيو فلان والاتفاق معه على مبلغ ألفى جنيه ليتخذ ما يلزم لإثبات حقوقهن والمحافظة عليها. وفى سبيل ذلك رفعت قضايا حراسة أمام المحاكم المختلطة والأهلية وقضايا قسمة وتثبيت ملكية الخ".
وحيث إن هذه الأسباب قد شارفت الغاية من القصور والإبهام، وأصبحت هذه المحكمة إزاءها لا تعرف ما هي تلك القضايا المختلفة التي قامت أمام المحاكم الشرعية والأهلية والمختلطة، وما كان موقف كل خصم من خصمه فيها ومن الذي أنكر صفة المدّعى عليها، وما هي ظروف هذا الإنكار، وكيف كان، وهل بلغ أن يصير كيديا، وما هي تلك الإجراءات التعسفية التي مر عليها الحكمان بغير بيان، وما إلى ذلك من جميع العناصر الواقعية التي يصح استخلاص الكيدية منها بمعناها القانوني. وقد كان حقا على محكمة الموضوع أن تبين هذه الظروف المتقدّمة الذكر في صورة الدعوى الحالية التي شرح الطاعنات فيها موضوعات هذه القضايا وموقفهنّ في كل منها وما حكم فيه منها لصالح المدّعى عليها وما حكم فيه لغير صالحها وقدّمن بعض الأحكام الصادرة في هذه القضايا واستدللن بها على أن المدّعى عليها هي التي اشتطت في الادّعاء فرفعت بعضا من الدعاوى حكم برفضها وبالغت في دعاوى أخرى حكم فيها على مقتضى دفاع الطاعنات. ثم قلن أن ما نسب إليهنّ من إنكار صفة المدّعى عليها في الإرث فلا وجه له، لأن عمتهنّ لم تكن هي التي رفعت دعوى الإرث، ولم تكن خصما فيها، وإن من رفعتها هي امرأة أجنبية كانت ادّعت الزوجية من مورّثهن فأنكرن دعواها معتقدات بأن والدهن قد كتب جميع أمواله إيثارا لهن على أخواته، وإن لذلك أوراقا تحت يد هذه المرأة، ثم صالحن هذه المرأة إلى آخر تلك التفصيلات الموضحة في المذكرات. فكان على محكمة الموضوع أن تحقق هذا الدفاع وتوازن بينه وبين ما تكون قد أبدته المدّعى عليها هي الأخرى من وجوه الدفاع، ثم تحصل من هذه الموازنة ما تطمئن إليه، ثم تطابق حاصل فهمها في ذلك على ما جاء بالقانون من أحكام الكيدية في التقاضي ليخرج حكمها مسببا مقنعا.
وحيث إنه لذلك يتعين الحكم بقبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى والخصوم إلى محكمة استئناف مصر للحكم فيها بينهم من جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق