الصفحات

الاثنين، 17 أغسطس 2020

الطعن 14 لسنة 3 ق جلسة 22 / 06 / 1933 مج عمر المدنية ج 1 ق 136 ص 245

جلسة 22 يونيه سنة 1933

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك وأمين أنيس باشا المستشارين.

-------------

(136)
القضية رقم 14 سنة 3 القضائية

موظف.

مأمور قنصلية. حق وزير الخارجية في عزله بقرار منه.
(المرسوم بقانون الصادر في 5 أغسطس سنة 1925 الخاص بالنظام القنصلي(

--------------
لوزير الخارجية - بمقتضى المادتين 2 و4 من المرسوم بقانون الصادر في 5 أغسطس سنة 1925 الخاص بالنظام القنصلي - حق عزل مأمور القنصلية العزل الذى هو بمعنى الفصل المجرّد عن العقوبة دون الالتجاء في ذلك إلى مجلس الوزراء أو إلى مجلس التأديب.


الوقائع

تتلخص وقائع الدعوى حسب الوارد بالحكم المطعون فيه وبالأوراق والمستندات المودعة بملف الطعن في أن الطاعن رفع الدعوى رقم 1663 سنة 1930 إلى محكمة مصر الابتدائية الأهلية ضدّ المدّعى عليها في الطعن قال فيها إنه كان في خدمة وزارة الخارجية بصفته مأمور قنصلية القدس إلى أن أحيل إلى المعاش بقرار وزاري صادر من وزير الخارجية في 18 ديسمبر سنة 1928 خلافا لما تسمح به القوانين واللوائح والأوامر العالية وعلى الأخص القانون الصادر في 5 أغسطس سنة 1925 المتعلق بالنظام القنصلي، وإن هذا الإجراء ألحق به ضررا بليغا يستحق معه تعويضا قدره عشرون ألف جنيه، لأن سنه لا تتجاوز الثلاثين سنة. وفضلا عن ذلك فان الوزارة لم تسلمه إعلان خلوّ طرفه رغم مطالبته مرارا به، الأمر الذى يلزمها بمرتبه من تاريخ الإحالة على المعاش إلى أن يستلم إعلان خلوّ الطرف، وإنه لذلك يطلب الحكم بالزام الوزارة (المدّعى عليها في الطعن) بأن تدفع له الماهية المتأخرة حتى يوم تسليمه إعلان خلوّ الطرف وإلزامها أيضا بدفع مبلغ عشرين ألف جنيه على سبيل التعويض بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة.
ومحكمة مصر الأهلية قضت بتاريخ 29 نوفمبر سنة 1931 برفض دعوى المدعى مع إلزامه بالمصاريف. فاستأنف هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بالاستئناف رقم 496 سنة 49 قضائية طالبا قبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع الحكم له بالطلبات السابق طلبها أمام محكمة أوّل درجة مع إلزام الوزارة بمصاريف الدرجتين والأتعاب. ومحكمة الاستئناف حكمت في 30 مايو سنة 1932 بتأييد الحكم المستأنف.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 2 يناير سنة 1933 فطعن فيه بطريق النقض والإبرام في أوّل فبراير سنة 1933 وأعلن تقرير الطعن للوزارة في 13 منه. وقدّم طرفا الخصومة المذكرات الكتابية في المواعيد وقدّمت النيابة مذكرتها في 15 مايو سنة 1933.
وبجلسة 15 يونيه سنة 1933 المحدّدة لنظر هذا الطعن صمم كل من الحاضرين عن طرفي الخصومة والنيابة على ما تدوّن بالمذكرات ثم أجل الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن محصل الطعن هو: (أوّلا) أن الحكم المطعون فيه قد فسر القانون تفسيرا غير صحيح، وطبقه تطبيقا خاطئا إذ اعتبر قرار وزير الخارجية الصادر بتاريخ 18 ديسمبر سنة 1928 بعزل الطاعن من وظيفة مأمور قنصلية القدس التى كان يشغلها وإحالته إلى المعاش قرارا صحيحا مع أن العزل في القوانين المصرية عقوبة لا يملك الوزير حق توقيعها، ولأن فصل الموظف وإحالته إلى المعاش لا يكون، في غير حالة التأديب، إلا بأمر ملكي أو بقرار من مجلس الوزراء بحسب الأحوال. وقد استند الطاعن في ذلك إلى المادة الرابعة من قانون النظام القنصلي الصادر في 5 أغسطس سنة 1925 قائلا إنه مع تسليمه بأن الحكومة تملك حق إحالة الموظف إلى المعاش بدون أن تلجأ إلى قرار من مجلس التأديب إلا أنه يجب عليها أن تحصل قبل ذلك على قرار من مجلس الوزراء طبقا للقواعد العامة المقرّرة بالقوانين واللوائح ومنها قانون المعاشات الأخير الصادر في سنة 1929 في مادته العشرين أو على أمر ملكي كما هو الحال بالنسبة للقناصل طبقا للمادة الثانية فقرة 2 من قانون النظام القنصلي، وبذا تكون الضمانة الواجبة قانونا قد توفرت في كلتا الحالتين للموظف الدائم الذى حرم من الضمانة التي كان ينتظرها من مجلس التأديب فيما لو قدّم إليه. وقد استدل على صحة رأيه هذا بأمرين: أوّلهما أن قانون المعاشات الجديد الصادر في 28 مايو سنة 1929 راعى في المادة 20 (الخاصة بحق الموظف أو المستخدم الدائم في المعاش عند رفته بسبب إلغاء الوظيفة أو الوفر أو بأمر ملكي أو بقرار خاص من مجلس الوزراء) ما سبقه من تشريع استثنائي فنص على حالة الموظفين الذين يرفتون بأمر ملكي، ولم ينص على حالة الفصل بقرار من وزير الخارجية. ولو كان الشارع قد أراد عند إصدار قانون النظام القنصلي أن يكون لقرار وزير الخارجية ما للأمر الملكي من أثر لنص على ذلك صراحة في قانون المعاشات، وقد صدر هذا القانون بعد قانون النظام القنصلي. الأمر الثاني أن الحكومة لجأت في عزلها أحد أمناء المحفوظات ببعض القنصليات إلى مجلس الوزراء، فاستصدرت قرارا بهذا العزل مع أن هذا الموظف أقل مرتبة من مأمور القنصلية. وقد ذهب الطاعن في تفسير المادة الثانية من قانون النظام القنصلي تفسيرا يتلاءم مع وجهة نظره فقال إن نصها القاضي بأن "يكون تعيين مأموري القنصليات وعزلهم بقرار من وزير الخارجية" ليس له من معنى سوى تنظيم شكل التعيين أو العزل بما يتفق مع القوانين المصرية. ذلك بأن يصدر مجلس الوزراء أو مجلس التأديب قرارا بالعزل ثم ينفذه وزير الخارجية بقرار يصدر منه.
ثانيا - أن الحكم المطعون فيه قد خالف المادة 103 من قانون المرافعات لأن الأسباب التي اشتمل عليها جاءت خالية من الردّ على رفض أحد الطلبات وهو صرف مرتب الطاعن من يوم فصله حتى تسلمه شهادة خلو الطرف، وكذا على ما تمسك به الطاعن من الأدلة والبراهين القاطعة في الدعوى أمام محكمة الاستئناف.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رأى أن قرار وزير الخارجية الصادر بعزل الطاعن صحيح قانونا لصدوره من الوزير في حدود سلطته القانونية. وقد استند في ذلك إلى اعتبارات تتلخص فيما يأتي:
(أوّلا) أنه وإن كان يستفاد حقيقة من التشريع المصري المؤيد بقانون المعاشات رقم 5 الصادر في 15 أبريل سنة 1909 بالمادة 12 وبقانون المعاشات الأخير رقم 37 الصادر في 28 مايو سنة 1929 بالمادة 20 أن عزل الموظف في غير حالة التأديب يكون بقرار من مجلس الوزراء إلا أنه يجب أن تراعى مع ذلك نصوص القوانين الأخرى المتعلقة بذلك، ومنها قانون النظام القنصلي الذى جعل بمقتضى المادة الثانية منه تعيين مأمور القنصلية وعزله بقرار يصدر من وزير الخارجية دون حاجة إلى الالتجاء لمجلس الوزراء واستصدار قرار العزل منه. (ثانيا) أن المادة 2 آنفة الذكر إنما أرادت تقرير قاعدة عامة من حيث تعيين وعزل القناصل ومأموري القنصليات، فجعلت ما يخص الطائفة الأولى بأمر ملكي، وما يخص الثانية بقرار وزاري، وبذلك خرجت الطائفتان بهذا النص من حكم القوانين السابقة التي جعلت أمر العزل بمعرفة مجلس الوزراء عند عدم الإحالة إلى مجلس التأديب. وهذا الاستثناء من القوانين واللوائح هو ما نصت عليه من طريق آخر المادة 4 من قانون النظام القنصلي. (ثالثا) أن العزل بأمر ملكي وبقرار من وزير الخارجية دون الحاجة إلى إجراءات التأديب المنوّه عنها بالمادة 28 وما يليها من القانون المتقدّم ذكره إنما أريد به المصلحة العامة لما يحف بموظفي القنصليات من الاعتبارات الخاصة والملابسات التي قد ترى الحكومة معها من المصلحة عدم الجهر بها من طريق المؤاخذة التأديبية. (رابعا) أن العزل المنصوص عليه في المادة 2 من قانون النظام القنصلي هو الفصل من الوظيفة بأمر ملكي أو بقرار من وزير الخارجية، وهو خلاف العزل التأديبي الآتي من طريق المحاكمة والوارد ذكره في المادة 33 من القانون ذاته. وإذا كانت النسخة العربية قد استعملت لفظا واحدا للفصل في الحالتين فان النسخة الفرنسية استعملت لكل نوع منهما اللفظ المناسب له لغة، فعبرت عن الفصل غير التأديبي بفعل (Liceneier)  ومعناه التسريح، وعن الفصل التأديبي بفعل (revoquer) ومعناه الإبعاد كعقوبة لأمر فيه مؤاخذة. ومتى كان مراد الشارع من استعمال لفظ العزل في المادة 2 هكذا ظاهرا فلا يؤثر فيه أن يكون هذا اللفظ هو ذاته الذى استعمله في المعنى الذى نصت عليه المادة 33، ومن جهة أخرى فانه لا يصح القول بجواز العزل على المعنى المتقدّم، معنى التسريح بأمر ملكي للقنصل، وعدم جوازه على هذا المعنى نفسه بقرار وزاري لمأمور القنصلية. إذ التفسير القويم للمادة 2 هو أن ينصرف حكمها العام - وهو عدم الالتجاء لمجلس الوزراء - إلى الفصل بكلتي الطريقتين. وسياق النص ينبئ بأن لكلتي الطريقتين، عزل القنصل بأمر ملكي وعزل مأمور القنصلية بقرار وزاري، اعتبارا واحدا (خامسا) أن الخروج في أمر عزل القناصل ومأموري القنصليات عن قاعدة الرجوع إلى مجلس الوزراء إنما اقتضته الظروف والملابسات المحيطة بالأنظمة القنصلية والتي رأى الشارع المصري مراعاتها عند وضعه النظام القنصلي للدولة.
وحيث إن هذه المحكمة تقرّ ما رأته محكمة الموضوع في تفسيرها نصوص قانون النظام القنصلي التي عرضت لها، وترى ما رأته في أن لوزير الخارجية بمقتضى المادتين 2 و4 من هذا القانون حق عزل مأمور القنصلية ذلك العزل الذى هو بمعنى الفصل المجرّد عن العقوبة دون الالتجاء في ذلك إلى مجلس الوزراء أو مجلس التأديب لما أوردته من الاعتبارات العديدة التي سبق ذكرها ملخصة من أسباب الحكم المطعون فيه. أما ما يقوله الطاعن من أن قانون المعاشات الجديد لم يشر في مادته العشرين إلى حق وزير الخارجية في العزل، كما أشار إليه الأمر الملكي، فلا تأثير له في نفاذ مفعول أحكام قانون النظام القنصلي باعتباره قانونا مستقلا صادرا بأحكام خاصة لطائفة من الموظفين يجب أن يعاملوا بمقتضاه. أما ما يقوله الطاعن من أن أمين المحفوظات بإحدى القنصليات قد عزل بقرار من مجلس الوزراء، وأنه، وهو أرقى من هذا الأمين مرتبة، يجب أن ينال نفس المعاملة فهو استشهاد في غير محله، لأن الأمر هنا متعلق بمأمور قنصلية لا بأمين محفوظات، والمادة 2 من قانون النظام القنصلي تشمل المأمور بصريح النص.
وحيث إنه بالنسبة لما يزعمه الطاعن من عدم تسبيب الحكم المطعون فيه في خصوص رفض محكمة الموضوع طلب المرتب من يوم الفصل حتى تسليم شهادة خلوّ الطرف فإن الحكم المطعون لم يقتصر على ما أورده هو من أسباب، بل استند أيضا إلى أسباب الحكم الابتدائي المؤيد به، وهذا الحكم لم تقدّم صورته حتى كان يتسنى الوقوف على ما يكون قد ذكره من أسباب عن رفض طلب المرتب إذ هو لم يكن طلبا جديدا أمام محكمة الاستئناف، بل كان من ضمن طلبات الطاعن التي طرحت للبحث لدى محكمة أوّل درجة وقضت برفضها. أما ما يزعمه الطاعن من خلو الحكم المطعون فيه من الردّ على حججه القاطعة، فإن كل ما ورد بمذكرته الشارحة لأوجه الطعن متعلقا بذلك لا يخرج عن الجدل في تفسير النصوص.
وبما أن محكمة الموضوع قد فسرت القانون التفسير الصحيح فقد قامت بما يجب عليها قانونا، وكان لها، والحالة هذه، أن تضرب صفحا عن كل ما أدلى به الطاعن تأييدا لوجهة نظره الخاطئة. وعلى أن الواقع هو أن محكمة الموضوع، بافاضتها في التفسير وإشارتها إلى النصوص المتعلقة بالعزل قديمها وحديثها واستطرادها إلى ذكر العوامل التي حدت بالشارع إلى معاملته بعض موظفي القنصليات في ذلك معاملة خاصة، قد ردّت على كل ما تمسك به الطاعن من حجج وقدّم من اعتراضات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق