الصفحات

الجمعة، 8 مايو 2020

الطعن 16 لسنة 12 ق جلسة 29 / 10 / 1942 مج عمر المدنية ج 3 ق 183 ص 489

جلسة 29 أكتوبر سنة 1942
برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك رئيس المحكمة وبحضور حضرات: حسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.
------------------
(183)
القضية رقم 16 سنة 12 القضائية
دعوى صحة التعاقد. دعوى صحة التوقيع.
الفرق بينهما في صدد التسجيل. تكييف الدعوى هل هي دعوى موضوعية تدخل في دعاوى الاستحقاق مآلا أم هي مجرد إجراء تحفظي؟ العبرة في ذلك بحقيقة جوهر النزاع وتشخيص غرض المدّعي من دعواه. منطوق الحكم. لا تأثير له ما دامت أسبابه مجلية للغرض من الدعوى.
(المواد 251 و253 مرافعات و117 مدني و7 من قانون التسجيل(
------------------------
إن دعوى صحة التعاقد دون دعوى صحة التوقيع هي التي من دعاوى الاستحقاق المنصوص في المادة السابعة من قانون التسجيل على أن تسجيل صحيفتها يحفظ لرافعها حقوقه حتى إذا حكم له فيها بعد ذلك بطلباته وتأشر بهذا الحكم وفقاً للقانون فإن الحكم ينسحب أثره إلى يوم تسجيل الصحيفة، ويكون هذا التسجيل مفضلاً على كل تسجيل لا حق له. أما دعوى صحة التوقع فلا تعدو أن تكون دعوى تحفظية الغرض منها تطمين من يكون بيده سند عرفي إلى أن صاحب التوقيع عليه لا يستطيع بعد الحكم فيها بصحة توقيعه أن ينازع في التوقيع. وهي بهذا الغرض الذي شرعت له وبالإجراءات المرسومة لها ممتنع على القاضي فيها أن يتعرّض للتصرف المدوّن في السند من جهة صحته وعدم صحته. فالحكم الصادر فيها لا ينصب إلا على التوقيع فقط، ولذلك فهي لا تدخل ضمن دعاوى الاستحقاق السابقة الذكر.
والمناط في تكييف الدعوى هل هي تدخل في دعاوى الاستحقاق مآلا أم هي إجراء تحفظي بحت هو بجوهر المنازعة القائمة بين الطرفين بناء على حقيقة تشخيص غرض المدّعي من دعواه. فإذا كانت الدعوى التي رفعها المشتري وسجل صحيفتها قد أثبت رافعها في صلب صحيفتها جوهر النزاع القائم بينه وبين البائع، وأن له حق طلب الحكم بصحة التعاقد والتوقيع، وفي أثناء نظرها قام النزاع على المفاضلة بين تسجيل صحيفتها وتسجيل عقد المشتري الثاني، وفصلت المحكمة في الدعوى بأن فاضلت بين هذين التسجيلين، وانتهت بالحكم لمصلحة المدّعي بما لا يتفق وما كان يرمى إليه المشتري الثاني من تدخله في الدعوى - إذا كان ذلك فإن جريان الحكم في منطوقه بالقضاء بصحة التوقيع لا يتعارض مع اعتبار الدعوى دعوى صحة تعاقد، فإن أسبابه في الظروف والملابسات التي صدر فيها تدل على أن الغرض الحقيقي من الدعوى لم يكن صحة التوقيع بل صحة التعاقد. وما جرى به المنطوق على تلك الصورة لا يمكن أن يكون له تأثير في هذه الحقيقة إذ العبرة هي بما رمى إليه الخصوم في دعواهم وبالطريق الذي سيروها فيه واتجه إليه قضاء المحكمة عند الفصل فيها.

الوقائع
تتلخص وقائع هذا الطعن في أنه بموجب عقد تاريخه 19 من ديسمبر سنة 1933 اشترى الطاعن من الست نفيسة حسن إبراهيم الحاتي قيراطين و16 سهماً شائعة في المنزل رقم 70 بشارع بين الحارات بقسم الأزبكية بمصر بثمن قدره 130 جنيهاً دفع منه 70 جنيهاً وتعهد بدفع الباقي يوم 19 من يناير سنة 1934 عند التوقيع على عقد البيع النهائي في هذا اليوم.
وفي 19 من مارس سنة 1934 رفع الطاعن على البائعة الدعوى رقم 3012 سنة 1934 أمام محكمة الأزبكية وقال في صحيفتها - بعد أن أورد واقعة البيع وذكر مقدار المبيع وحدوده ومقدار الثمن وشروط وفائه - إنه اتضح له أن البائعة مدينة لقلم كتاب محكمة مصر بمبلغ 13 جنيهاً رسوماً عن دعوى ملكية سبق أن أقامتها بخصوص الحصة المبيعة وبمبلغ 25 جنيهاً للمحامي الذي يباشرها، وإنه أرسل إليها إنذاراً كلفها فيه الحضور لقلم كتاب محكمة الأزبكية في يوم السبت 24 من فبراير سنة 1934 لتسلم مبلغ 22 جنيهاً الباقي لها من الثمن بعد خصم ما هي مدينة به لقلم الكتاب وللمحامي وللتوقيع على العقد النهائي وأنه في حالة تخلفها يكون له حق رفع الأمر للقضاء. وبما أنها لم تحضر في الميعاد الذي عينه فيكون له حق طلب الحكم بصحة التعاقد والتوقيع. ولذلك فهو يكلفها الحضور أمام المحكمة لسماعها الحكم بصحة التوقيع الحاصل منها على عقد البيع العرفي. ثم سجل صحيفة الدعوى في 12 من إبريل سنة 1934.
وفي 21 من يونيه سنة 1934 قضت محكمة الأزبكية "غيابياً بصحة توقيع المدعى عليها على عقد البيع العرفي المؤرّخ 19 ديسمبر سنة 1933 وألزمت المدعى عليها بالمصاريف". فسجل الطاعن هذا الحكم مع العقد في 29 من أغسطس سنة 1934.
وكانت البائعة قد باعت العين إلى المطعون ضدّه بموجب عقد سجله في 16 من يونيه سنة 1934. ثم عارضت في الحكم الغيابي الصادر ضدّها. ونظرت المعارضة التي قيدت برقم 652 سنة 1936 أمام محكمة المنشية. وتدخل المطعون ضدّه خصماً ثالثاً فيها منضماً للمعارضة في دفاعها. فقضت المحكمة في 19 من يناير سنة 1937 برفض المعارضة وتأييد الحكم المعارض فيه، وبنت قضاءها على ما يأتي "وحيث إن المعارضة تبنى معارضتها على أنه لا محل للحكم للمعارض ضدّه بصحة توقيعها على عقد البيع الابتدائي الصادر منها لأنها تصرفت في القدر المبيع له لآخر يدعى محمد خير عبد القادر بموجب عقد مسجل بتاريخ 16 من يونيه سنة 1934 ولا فائدة تعود عليه من الحكم بذلك لأن ملكيتها للقدر المبيع انتقلت لآخر ولا يستطيع أن ينتقل له شيء، ولا مصلحة له في السير في دعواه. وحيث إن المعارض ضدّه طلب تأييد الحكم المعارض فيه لأنه سجل عريضة دعوى صحة التعاقد بتاريخ 12 إبريل سنة 1934 وأن هذا التسجيل يجعل عقده مفضلاً على عقد محمد خير عبد القادر، لأن تاريخ تسجيله لاحق لتسجيل عريضة الدعوى، وبالتالي يكون له مصلحة في تأييد الحكم المعارض فيه. وحيث إن محمد خير عبد القادر تدخل في الدعوى وانضم للمعارضة في دفاعها. وحيث إنه ثبت من الاطلاع على الشهادة المستخرجة من قلم رهون محكمة مصر المختلطة أن تسجيل عريضة دعوى صحة التعاقد سابق لتاريخ تسجيل عقد البيع الصادر من المعارضة لمحمد خير عبد القادر، ولذلك وعملاً بالمادة 12 من قانون التسجيل رقم 18 سنة 1923 يكون الحكم الصادر بصحة التعاقد حجة على محمد خير عبد القادر المشتري الجديد وبالتالي يكون للمعارض ضدّه كل المصلحة في القضاء بتأييد الحكم المعارض فيه. وحيث إن المعارضة لم تنازع في صدور العقد الابتدائي المحكوم بصحة توقيعها عليه. ولذلك يكون الحكم المعارض فيه في محله ويتعين تأييده". ولم يستأنف هذا الحكم من المحكوم ضدّهما فيه.
بعد ذلك أقام المطعون ضدّه الدعوى رقم 4865 سنة 1937 أمام محكمة الأزبكية على الطاعن والست نفيسة حسن إبراهيم الحاتي البائعة وآخرين، وطلب فيها الحكم بتثبيت ملكيته للحصة المبيعة في المنزل وكف المنازعة فيها وتسليمها إليه. فدفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها بالحكم الصادر من محكمة المنشية.
وفي 16 من سبتمبر سنة 1940 قضت محكمة الأزبكية برفض الدفع وبجواز نظر الدعوى وتثبيت ملكية المطعون ضدّه للحصة المبيعة وكف المنازعة له فيها وتسليمها إليه.
فاستأنف الطاعن هذا الحكم في 26 من فبراير سنة 1941 أمام محكمة مصر الابتدائية وقيد استئنافه برقم 373 سنة 1941، فقضت المحكمة في 12 من يناير سنة 1942 برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف وبإلزام المستأنف بالمصروفات و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وقبل أن يعلن هذا الحكم للطاعن طعن فيه موكله في 5 من مارس سنة 1942 بطريق النقض بتقرير أعلن للمطعون ضدّه في 9 من ذلك الشهر ثم أودع مذكرته الشارحة ومستنداته في 24 منه. ولم يودع المطعون ضدّه شيئاً، وأودعت النيابة العمومية مذكرة برأيها في 7 من مايو سنة 1942 طالبة قبول الطعن.
وبجلسة 25 من يونيه سنة 1942 المعينة لنظر هذا الطعن أجلت الدعوى لجلسة 22 من أكتوبر سنة 1942 وفيها سمعت المرافعة على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم أجل النطق بالحكم فيها لجلسة اليوم حيث صدر بالآتي:

المحكمة
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ إذ قضى بتثبيت ملكية العقار للمطعون ضدّه، لأنه في قضائه هذا قد خالف حكماً نهائياً سابقاً صدر بين الخصوم أنفسهم في الموضوع ذاته، لأن كلاً من الحكم الغيابي الصادر من محكمة الأزبكية والحكم الصادر في المعارضة من محكمة المنشية في مواجهة المطعون ضدّه كان يقتضي القضاء برفض دعوى المطعون ضدّه على أساس أن العقار أصبح ملكاً للطاعن بتسجيله صحيفة الدعوى قبل أن يسجل المطعون ضدّه عقده.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه المؤيد للحكم الابتدائي قد بنى قضاءه بتثبيت ملكية المطعون ضدّه للعقار المتنازع فيه على أن الدعوى التي أقامها الطاعن وسجل صحيفتها وانتهت بالحكم الصادر لمصلحته في المعارضة التي نظرت أمام محكمة المنشية هي دعوى صحة توقيع فقط، لا دعوى صحة تعاقد، فهي لا تدخل ضمن دعاوى الاستحقاق الواردة في المادة السابعة من قانون التسجيل. وقال إن العبرة في الأحكام بمنطوقها، وهذا الحكم صريح في منطوقه بأنه عن صحة التوقيع. أما ما جاء بأسبابه خاصا بأن الدعوى هي دعوى صحة تعاقد ففيه خروج من المحكمة عن نطاق الدعوى ولذلك فهو تزيد لا يؤثر في المنطوق.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن أوضحت في صدد قانون التسجيل الفرق بين دعوى صحة التعاقد ودعوى صحة التوقيع، وقالت إن الأولى هي من دعاوى الاستحقاق الوارد ذكرها في المادة السابعة من قانون التسجيل، وإن تسجيل صحيفتها يحفظ لرافعها حقوقه حتى إذا حكم له فيها بعد ذلك بطلباته وتأشر بهذا الحكم وفقاً للقانون فإن الحكم ينسحب أثره إلى يوم تسجيل الصحيفة، ويكون هذا التسجيل مفضلاً على كل تسجيل لاحق له. أما الثانية فهي مجرّد دعوى تحفظية شرعت لتطمين من بيده سند عرفي إلى أن الموقع على ذلك السند لا يستطيع أن ينازع في صحة توقيعه، وهي بهذا الغرض الذي شرعت له وبالإجراءات المرسومة لها يمتنع على القاضي فيها أن يتعرض للتصرف المدوّن في السند من جهة صحته. فالحكم الصادر فيها لا ينصب إلا على التوقيع فقط، ولذلك فهي لا تدخل ضمن دعاوى الاستحقاق المذكورة.
وحيث إن الدعوى التي رفعها الطاعن أمام محكمة الأزبكية وسجل صحيفتها في 12 من إبريل سنة 1934 وصدر فيها الحكم الغيابي في 21 من يونيه سنة 1934 لمصلحته ثم تأيد من محكمة المنشية في 19 من يناير سنة 1937 في المعارضة وإن كان منطوق الحكم فيها القضاء بصحة التوقيع فإنها في الحقيقة والواقع دعوى صحة تعاقد. فقد أثبت رافعها في صلب صحيفتها جوهر النزاع القائم بينه هو والبائعة بالصورة المبينة في وقائع هذا الطعن، وذكر في صراحة أن له حق طلب الحكم بصحة التعاقد والتوقيع، ثم إنه عند نظر المعارضة في الحكم الغيابي دخل المطعون ضدّه في الدعوى وترافع الخصوم بما يستفاد منه أن الدعوى دعوى صحة تعاقد لا دعوى صحة توقيع. وقد فصلت المحكمة في الدعوى على هذا الوجه بأن فاضلت بين تسجيل صحيفة دعوى الطاعن وتسجيل عقد المطعون ضدّه، وانتهت بالحكم لمصلحة الطاعن بما لا يتفق والمصلحة التي كان يرمى إليها المطعون ضدّه من تدخله في الدعوى، وقد قبل هذا الأخير الحكم الصادر في غير مصلحته فلم يستأنفه.
ومن حيث إنه وإن كان منطوق الحكم المذكور عن صحة التوقيع فإن أسبابه تعتبر في الظروف والملابسات التي صدر فيها مبينة بياناً جلياً أن الغرض منه لم يكن في الواقع إلا القضاء بصحة التعاقد. ومتى وضح ذلك كان لا تأثير للتعبير الوارد في المنطوق، وكانت العبرة بما رمى إليه الخصوم في الدعوى والطريق الذي سيروها فيه واتجه إليه قضاء المحكمة مجاراة لذلك.
ومن حيث إنه متى تقرّر ذلك، وكان الحكم الصادر في الدعوى الأولى لمصلحة الطاعن من مقتضاه أن يكون هو صاحب الحق في ملكية العقار المبيع، فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وقضى بأن المطعون ضدّه هو صاحب الحق، يكون مخطئاً لقضائه على خلاف ذلك الحكم النهائي الصادر بين الخصوم أنفسهم، وكان يتعين على المحكمة أن تقضي بعدم جواز نظر الدعوى المرفوعة من المطعون ضدّه لسبق الفصل فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق