الصفحات

الخميس، 26 ديسمبر 2019

الطعن 5576 لسنة 55 ق جلسة 13 / 3 / 1986 مكتب فني 37 ق 83 ص 395

جلسة 13 من مارس سنة 1986
برياسة السيد المستشار: الدكتور كمال أنور نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: عوض جادو ومحمد نبيل رياض وصلاح عطية وعبد اللطيف أبو النيل.
---------------
(83)
الطعن رقم 5576 لسنة 55 القضائية
 (1)قانون "تفسيره" "تطبيقه" "التفويض التشريعي". لوائح قرارات وزارية. اختصاص "اختصاص القضاء العسكري". ضرب أفضى إلى الموت.
خضوع ضباط وأفراد هيئة الشرطة. لقانون الأحكام العسكرية. مقصور على الجرائم النظامية البحتة. أساس ذلك؟
صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي. رهينة بعدم وجود تضاد بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه.
تطبيق نص القانون. عند التعارض بينه وبين نص وارد في لائحة أو قرار واجب. مثال.
 (2)قانون "إلغاؤه". اختصاص "الاختصاص الولائي". دفوع "الدفع بعدم الاختصاص". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم إلغاء التشريع. إلا بتشريع لاحق أعلى منه. أو مساو له في مدارج التشريع. الإلغاء الصريح والضمني للقانون؟
اختصاص المحاكم العادية. دون سواها. بجرائم القانون العام. التي يرتكبها أفراد هيئة الشرطة. أساس ذلك؟
(3) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
قرابة الشاهد للمجني عليه. لا تمنع من الأخذ بأقواله.
 (4)إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. حق لمحكمة الموضوع.
(5) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". ضرب أفضى إلى الموت.
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
تناقض رواية الشهود في بعض تفاصيلها. لا يعيب الحكم. ما دام استخلاصه سائغاً. تقدير الأدلة. تستقل به محكمة الموضوع.
 (6)إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ضرب "أفضى إلى الموت".
عدم التزام المحكمة بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها. إسقاطها أقوال بعض الشهود. مفاده إطراحها.
 (7)أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ضرب أفضى إلى الموت.
تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها. موضوعي. حق الدفاع الشرعي. سن لرد العدوان ومنع استمراره.
مثال لعدم تحقق موجب الدفاع الشرعي في حق الطاعن.
---------------------
1 - إن المادة 99 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة تنص على أنه "يخضع الضباط بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون الأحكام العسكرية، كما يخضع للقانون المذكور أمناء ومساعدو الشرطة وضباط الصف والجنود ورجال الخفر النظاميون في كل ما يتعلق بخدمتهم، وتوقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية ويحدد وزير الداخلية بقرار منه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور للجهات المبينة فيه، كما يصدر القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة. فقد دلت بذلك - وعلى ما يبين من وضوح عبارات النص - أنها خاصة بالجرائم النظامية فحسب. وليس أدل على ذلك من النص على أن توقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية، والجزاءات المنصوص عليها في قانون هيئة الشرطة سواء المتعلقة بالضباط أو بغيرهم كلها جزاءات تأديبية بحتة حتى جزاء الحبس أو السجن وفقاً لقانون الأحكام العسكرية المنصوص عليه في الفقرة 11 من المادة 80 التي عددت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على ضابط الصف وجنود الدرجة الأولى وكذلك الفقرة 11 من المادة 96 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على رجال الخفر النظاميين ولا يقدح في ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمادة 99 من القانون بأنه "..... وتوقع المحاكم العسكرية متى انعقد لها الاختصاص الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية فلها اختصاص تأديبي إلى ما لها من اختصاص جنائي....." ذلك أن الإحالة إلى الجزاءات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1968 بما فيها من جزاءات شبه جنائية إنما يشمل فقط تلك الجزاءات المقررة للجرائم النظامية البحتة وليست العقوبات الجنائية بالمعنى الصحيح والمقررة لجرائم القانون العام - وهذا المعنى واضح من صريح عبارات نص المادة 99 المذكور والتي لا لبس فيها ولا غموض بل وهو ما يؤكده نص المادة الأولى من قانون هيئة الشرطة والذي جاء فيه أن الشرطة هيئة مدنية نظامية بوزارة الداخلية، وما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذه المادة والتي جاء بها "احتفظت المادة الأولى من المشروع بتعريف هيئة الشرطة الوارد في المادة 1 من القانون 61 لسنة 1964 من أن الشرطة هيئة مدنية نظامية وبذلك أكدت أن هيئة الشرطة هي هيئة مدنية، فهي جهاز من الأجهزة المدنية بالدولة وليست جهازاً عسكرياً، إلا أنها تفترق عن غيرها من الأجهزة المدنية في أنها ليست مدنية بحتة وإنما هي هيئة نظامية يسود تكوينها علاقات تختلف عن العلاقات المدنية البحتة وخاصة واجب المرؤوس في طاعة رئيسه وواجب الرئيس في قيادة مرؤوسيه والسيطرة على القوة الموضوعة تحت قيادته". وإذن فمتى كان ذلك، وكانت المادة 99 سالفة الذكر قد أتاحت لوزير الداخلية - بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة - تحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور كما أناطت به إصدار القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة - فإن هذا التفويض التشريعي ينحصر فيما نصت عليه هذه المادة ولا يجوز لوزير الداخلية أن يتعدى نطاقه بخلق اختصاصات أخرى غير المنصوص عليها في القانون وإذ كان قد صدر قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنة 1977 بتاريخ 24 من إبريل سنة 1977 في شأن تنظيم القضاء العسكري، متضمناً في المادة الأولى منه النص على اختصاص إدارة القضاء العسكري بتنفيذ قانون الأحكام العسكرية بالنسبة لأفراد هيئة الشرطة ومن ذلك إجراء التحقيق في جرائم القانون العام في الأحوال المنصوص عليها في المادة المذكورة والتصرف في هذه القضايا، كما نص في المادة الثالثة على أن تتولى فروع الادعاء العسكري "النيابة العسكرية" اختصاصات النيابة العسكرية المنصوص عليها بالقانون رقم 25 لسنة 1966 وكذلك على اختصاص المحكمة العسكرية العليا بنظر الجنايات التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري واختصاص المحكمة المركزية بنظر كافة الجنح والمخالفات التي تقع في اختصاصها طبقاً للقانون - فإنه يكون قد خرج بذلك عن حدود التفويض التشريعي في كل ما نص عليه متعلقاً بجرائم القانون العام. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي رهينة بعدم وجود تضاد بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه، وأنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحته التنفيذية فإن النص الأول هو الواجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة - ومن ثم فإن ما ورد في قرار وزير الداخلية سالف الذكر الذي يعد خروجاً عن حدود التفويض المرسوم له في القانون لا يعتد به ولا يكون له أثر على اختصاصات النيابة العامة المنصوص عليها في القانون كاملة. بكما لا يكون له أدنى أثر على اختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة - دون سواها - بالفصل في كافة الجرائم إلا ما استثنى بنص خاص عملاً بالفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972. ويستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص.
2 - وإذ كان من المقرر أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع، وإذ كان الثابت أن قانوناً لاحقاً لم يصدر استثنى أفراد هيئة الشرطة من اختصاص المحاكم العادية فيما يتعلق بجرائم القانون العام - فإن القول بعدم اختصاص القضاء العادي بنظر الدعوى استناداً إلى القرار الوزاري سالف الذكر - اجتهاداً غير جائز بل هو دفع قانوني ظاهر البطلان.
3 - من المقرر أن قرابة الشاهد للمجني عليه لا تمنح من الأخذ بأقواله متى اقتنعت المحكمة بصدقها.
4 - الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً يستند إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
5 - لما كان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها وكان المتهم لا ينازع في صحة ما نقله الحكم من أقوال الشاهدة زوجة المجني عليه، فإن تناقض روايتها في بعض تفاصيلها أو مع أقوال غيرها من الشهود - بفرض قيامه - لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام استخلص الحقيقة من أقوالها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، ومن ثم فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ولا في تعويله بالإدانة على أقوال الشاهدة السابقة بدعوى وجود مصلحة لها وتضارب أقوالها مع أقوال بعض الشهود. ومن ثم يكون منعى المتهم في هذا الصدد غير سديد وينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض.
6 - إن مفاد عدم تعرض الحكم لأقوال بعض الشهود إطراحه لها، إذ أن المحكمة في أصول الاستدلال لا تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها فلا تورد من أقوال الشهود إلا ما تطمئن إليه منها وتقيم عليه قضاءها وتطرح أقوال من لا تثق في شهادتهم من غير أن تكون ملزمة بتبرير ذلك.
7 - لما كان الحكم قد عرض لدفاع المتهم بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه ونفس غيره وأطرحه بقوله: "وعن الدفاع الشرعي فإن المحكمة لا تعتنق قيامه لأن المتهم وإن كان قد قال به بعد أن تمكن من مفاجأة المجني عليه والإمساك به عقب إخفاقه في الدخول إلى سيارة الأتوبيس بطريق الحرية استدار وأطلق النار على زميله..... فأصاب يده اليسرى ثم استدار نحوه ليطلق النار عليه لولا أن عاجله بطلقة من مسدسه الأميري أصابته في كتفه الأيسر فإن الشرطي..... نفسه كذبه في ذلك مدعياً أن المجني عليه ضربه وأصابه أمام الفيلا بشارع الإسماعيلية وأنه لم يشترك مع المتهم في مطاردته وأصر على ذلك رغم مواجهته بأقوال زميله المتهم، فضلاً عن أن الثابت من أقوال شهود الإثبات السالف سرد أقوالهم والتي تطمئن المحكمة إلى صدقها أن ثلاثة من جنود الشرطة - كان المتهم من بينهم - تماسكوا مع المجني عليه بشارع الإسماعيلية وأنه بعد أن تمكن من تخليص نفسه من قبضتهم بمشقة بالغة تركت أثارها على ملابسه ومظهره والفرار بنفسه طارده ثلاثتهم شاهرين مسدساتهم من خلفه بلا مبرر قانوني يعطيهم الحق في تلك المطاردة حتى اختفى منهم خلف سيارة بفرع الجمعية التعاونية للبترول مستعطفاً أن يتركوه لحاله تارة ومهدداً بسلاحه أخرى حتى بدأ أحدهم بإطلاق النار عليه ففر عبر طريق الحرية محاولاً أن يستقل إحدى السيارات العامة العابرة وهم يجرون من خلفه حتى أدركوه قبل أن يتمكن من الفرار منهم على التفصيل السابق بما يقطع في الدلالة على أن المتهم وزميليه من رجال الشرطة كانوا معتدين لا مدافعين، وأن المجني عليه هو الذي كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه لا المتهم" لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي رتبت عليها، وكان حق الدفاع الشرعي لم يشرع إلا لرد الاعتداء عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء وبين الاستمرار فيه فلا يسوغ التعرض بفعل الضرب لمن لم يثبت أنه كان يعتدي أو يحاول فعلاً الاعتداء على المدافع أو غيره، وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم أن المتهم لم يكن في حالة دفاع شرعي عن النفس بل كان معتدياً قاصداً إلحاق الأذى بالمجني عليه لا دفع اعتداء وقع عليه أو على غيره، وكان ما أثبته الحكم من حصول إصابة لزميل المتهم مرجعه مطاردتهما وثالث للمجني عليه بقصد الاعتداء عليه وليس في زمن معاصر لواقعة الاعتداء على الأخير، فإن نعي الطاعنين على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة..... بأنه: قتل..... عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وأحالته إلى محكمة جنايات...... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت الدكتورة...... - أرملة المجني عليه - عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها..... و..... و..... - قصر المجني عليه - مدنياً قبل المتهم ووزير الداخلية بصفته المسئول عن الحقوق المدنية متضامنين بأن يدفعا لها مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات وإلزامه بأن يؤدي هو والمسئول عن الحقوق المدنية للمدعية بالحقوق المدنية عن نفسها وبصفتها مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض المؤقت باعتباره مرتكب لجريمة الضرب المفضي إلى الموت.
فطعن كل من الأستاذ... المحامي عن الأستاذ... المحامي نيابة عن المحكوم عليه وإدارة قضايا الحكومة نيابة عن المسئول عن الحقوق المدنية بصفته في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.

المحكمة
حيث إن مبنى الطعنين هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان المتهم بجريمة الضرب المفضي إلى الموت وبإلزامه والمسئول عن الحقوق المدنية بالتعويض المدني المؤقت، فقد شابه البطلان وأخطأ في تطبيق القانون كما انطوى على قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وأخل بحقهما في الدفاع، ذلك بأن الحكم صدر من محكمة غير مختصة ولائياً بمحاكمة المتهم، إذ أنه باعتباره جندياً من أفراد هيئة الشرطة وقت وقوع الحادث وقد نسب إليه ارتكابه أثناء تأدية وظيفته وبسببها فإن أمر محاكمته يكون موكولاً للقضاء العسكري الذي نظمه قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنة 1977 والذي صدر بموجب التفويض التشريعي المنصوص عليه في المادة 99 من القانون 109 لسنة 71 في شأن هيئة الشرطة ورغم التمسك بهذا الدفاع إلا أن المحكمة أطرحته بما لا يسوغ به إطراحه. كما أن الحكم استند في قضائه إلى أقوال زوجة المجني عليه بالرغم من وجود مصلحة لها في أداء تلك الشهادة وجاءت أقوالها متناقضة مع أقوال باقي الشهود وأغفلت أقوالهم التي أيدت تصوير المتهم للواقعة بأن المجني عليه هو البادئ بالاعتداء بأن أطلق الأعيرة النارية من سلاحه الناري عليه وعلى زميليه من رجال الشرطة أثناء فراره وتعقبهم له لضبطه بسبب تعديه عليهم وإصابته لأحدهم ومواصلته إطلاق النار على المتهم. وأخيراً فإن الحكم رد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن نفس المتهم ونفس غيره بما لا يصلح رداً وأغفل مناقشة إصابة زميل المتهم وصلتها بالاعتداء الذي وقع منه. كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن المادة 99 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة تنص على أنه "يخضع الضباط بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون الأحكام العسكرية، كما يخضع للقانون المذكور أمناء ومساعدو الشرطة وضباط الصف والجنود ورجال الخفر النظاميون في كل ما يتعلق بخدمتهم، وتوقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية ويحدد وزير الداخلية بقرار منه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور للجهات المبينة فيه، كما يصدر القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة". فقد دلت بذلك - وعلى ما يبين من وضوح عبارات النص - أنها خاصة بالجرائم النظامية فحسب. وليس أدل على ذلك من النص على أن توقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية، والجزاءات المنصوص عليها في قانون هيئة الشرطة سواء المتعلقة بالضباط أو بغيرهم كلها جزاءات تأديبية بحتة حتى جزاء الحبس أو السجن وفقاً لقانون الأحكام العسكرية المنصوص عنه في الفقرة 11 من المادة 80 التي عددت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على أمناء الشرطة والفقرة 11 من المادة 92 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على ضابط الصف وجنود الدرجة الأولى وكذلك الفقرة 11 من المادة 96 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على رجال الخفر النظاميين ولا يقدح في ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمادة 99 من القانون بأنه ".... وتوقع المحاكم العسكرية متى انعقد لها الاختصاص الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية فلها اختصاص تأديبي إلى ما لها من اختصاص جنائي..." ذلك أن الإحالة إلى الجزاءات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1968 بما فيها من جزاءات شبه جنائية إنما يشمل فقط تلك الجزاءات المقررة للجرائم النظامية البحتة وليست العقوبات الجنائية بالمعنى الصحيح والمقررة لجرائم القانون العام - وهذا المعنى واضح من صريح عبارات نص المادة 99 المذكور والتي لا لبس فيها ولا غموض بل وهو ما يؤكده نص المادة الأولى من قانون هيئة الشرطة والذي جاء فيه أن الشرطة هيئة مدنية نظامية بوزارة الداخلية، وما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذه المادة والتي جاء بها "احتفظت المادة الأولى من المشروع بتعريف هيئة الشرطة الوارد في المادة 1 من القانون رقم 61 لسنة 1964 من أن الشرطة هيئة مدنية نظامية وبذلك أكدت أن هيئة الشرطة هي هيئة مدنية، فهي جهاز من الأجهزة المدنية بالدولة وليست جهازاً عسكرياً، إلا أنها تفترق عن غيرها من الأجهزة المدنية في أنها ليست مدنية بحتة وإنما هي هيئة نظامية يسود تكوينها علاقات تختلف عن العلاقات المدنية البحتة وخاصة واجب المرؤوس في طاعة رئيسه وواجب الرئيس في قيادة مرؤوسيه والسيطرة على القوة الموضوعة تحت قيادته". وإذن فمتى كان ذلك، وكانت المادة 99 سالفة الذكر قد أتاحت لوزير الداخلية - بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة - تحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور كما أناطت به إصدار القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة - فإن هذا التفويض التشريعي ينحصر فيما نصت عليه هذه المادة ولا يجوز لوزير الداخلية أن يتعدى نطاقه بخلق اختصاصات أخرى غير المنصوص عليها في القانون وإذ كان قد صدر قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنة 1977 بتاريخ 24 من إبريل سنة 1977 في شأن تنظيم القضاء العسكري، متضمناً في المادة الأولى منه النص على اختصاص إدارة القضاء العسكري بتنفيذ قانون الأحكام العسكرية بالنسبة لأفراد هيئة الشرطة ومن ذلك إجراء التحقيق في جرائم القانون العام في الأحوال المنصوص عليها في المادة المذكورة والتصرف في هذه القضايا، كما نص في المادة الثالثة على أن تتولى فروع الادعاء العسكري "النيابة العسكرية" اختصاصات النيابة العسكرية المنصوص عليها بالقانون رقم 25 لسنة 1966 وكذلك على اختصاص المحكمة العسكرية العليا بنظر الجنايات التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري واختصاص المحكمة المركزية بنظر كافة الجنح والمخالفات التي تقع في اختصاصها طبقاً للقانون - فإنه يكون قد خرج بذلك عن حدود التفويض التشريعي في كل ما نص عليه متعلقاً بجرائم القانون العام. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي رهينة بعدم وجود تضاد بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه، وأنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحته التنفيذية فإن النص الأول هو الواجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة - ومن ثم فإن ما ورد في قرار وزير الداخلية سالف الذكر الذي يعد خروجاً عن حدود التفويض المرسوم له في القانون لا يعتد به ولا يكون له أي أثر على اختصاصات النيابة العامة المنصوص عليها في القانون كاملة. كما لا يكون له أدنى أثر على اختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة - دون سواها - بالفصل في كافة الجرائم إلا ما استثنى بنص خاص عملاً بالفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972. ويستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص. وإذ كان من المقرر أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع، وإذ كان الثابت أن قانوناً لاحقاً لم يصدر استثنى أفراد هيئة الشرطة من اختصاص المحاكم العادية فيما يتعلق بجرائم القانون العام - فإن القول بعدم اختصاص القضاء العادي بنظر الدعوى استناداً إلى القرار الوزاري سالف الذكر - اجتهاداً غير جائز بل هو دفع قانوني ظاهر البطلان. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان المتهم بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال..... زوجة المجني عليه و.... مدير الجمعية التعاونية للبترول بطريق الحرية و..... العامل بتلك الجمعية وما أقر به المتهم بالتحقيقات وما ثبت من التقرير الطبي الشرعي وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، لما كان ذلك وكان من المقرر أن قرابة الشاهد للمجني عليه لا تمنع من الأخذ بأقواله متى اقتنعت المحكمة بصدقها. وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً يستند إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها وكان المتهم لا ينازع في صحة ما نقله الحكم من أقوال الشاهدة زوجة المجني عليه، فإن تناقض روايتها في بعض تفاصيلها أو مع أقوال غيرها من الشهود - بغرض قيامه - لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام استخلص الحقيقة من أقوالها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، ومن ثم فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ولا في تعويله بالإدانة على أقوال الشاهدة السابقة بدعوى وجود مصلحة لها وتضارب أقوالها مع أقوال بعض الشهود. ومن ثم يكون منعى متهم في هذا الصدد غير سديد وينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان مفاد عدم تعرض الحكم لأقوال بعض الشهود إطراحه لها، إذ أن المحكمة في أصول الاستدلال لا تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها فلا تورد من أقوال الشهود إلا ما تطمئن إليه منها وتقيم عليه قضاءها وتطرح أقوال من لا تثق في شهادتهم من غير أن تكون ملزمة بتبرير ذلك، ومن ثم فإن النعي على الحكم بإغفاله لأقوال بعض الشهود التي تعارضت أقوالهم مع أقوال زوجة المجني عليه والمؤيدة لدفاع المتهم يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع المتهم بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه ونفس غيره وأطرحه بقوله: "وعن الدفاع الشرعي فإن المحكمة لا تعتنق قيامه لأن المتهم وإن كان قد قال بأنه بعد أن تمكن من مفاجأة المجني عليه والإمساك به عقب قيامه لأن المتهم وإن كان قد قال بأنه بعد أن تمكن من مفاجأة المجني عليه والإمساك به عقب إخفاقه في الدخول إلى سيارة الأتوبيس بطريق الحرية استدار وأطلق النار على زميله..... فأصاب يده اليسرى ثم استدار نحوه ليطلق النار عليه لولا أن عاجله بطلقة من مسدسه الأميري أصابته في كتفه الأيسر فإن الشرطي..... نفسه كذبه في ذلك مدعياً أن المجني عليه ضربه وأصابه أمام الفيلا بشارع الإسماعيلية وأنه لم يشترك مع المتهم في مطاردته وأصر على ذلك رغم مواجهته بأقوال زميله المتهم، فضلاً عن أن الثابت من أقوال شهود الإثبات السالف سرد أقوالهم والتي تطمئن المحكمة إلى صدقها أن ثلاثة من جنود الشرطة - كان المتهم من بينهم - تماسكوا مع المجني عليه بشارع الإسماعيلية وأنه بعد أن تمكن من تخليص نفسه من قبضتهم بمشقة بالغة تركت آثارها على ملابسه ومظهره والفرار بنفسه طارده ثلاثتهم شاهرين مسدساتهم من خلفه بلا مبرر قانوني يعطيهم الحق في تلك المطاردة حتى اختفى منهم خلف سيارة بفرع الجمعية التعاونية للبترول مستعطفاً أن يتركوه لحاله تارة ومهدداً بسلاحه أخرى حتى بدأ أحدهم بإطلاق النار عليه ففر عبر طريق الحرية محاولاً أن يستقل إحدى السيارات العامة العابرة وهم يجرون من خلفه حتى أدركوه قبل أن يتمكن من الفرار منهم على التفصيل السابق بما يقطع في الدلالة على أن المتهم وزميليه من رجال الشرطة كانوا معتدين لا مدافعين، وأن المجني عليه هو الذي كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه لا المتهم. "لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي رتبت عليها، وكان حق الدفاع الشرعي لم يشرع إلا لرد الاعتداء عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء وبين الاستمرار فيه فلا يسوغ التعرض بفعل الضرب لمن لم يثبت أنه كان يعتدي أو يحاول فعلاً الاعتداء على المدافع أو غيره، وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم أن المتهم لم يكن في حالة دفاع شرعي عن النفس بل كان معتدياً قاصداً إلحاق الأذى بالمجني عليه لا دفع اعتداء وقع عليه أو على غيره، وكان ما أثبته الحكم من حصول إصابة لزميل المتهم مرجعه مطاردتهما وثالث للمجني عليه بقصد الاعتداء عليه وليس في زمن معاصر لواقعة الاعتداء على الأخير، فإن نعي الطاعنين على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق