الصفحات

الأحد، 8 يوليو 2018

الطعن 1209 لسنة 34 ق جلسة 25 / 1/ 1965 مكتب فني 16 ج 1 ق 21 ص 87


برياسة السيد المستشار/ أديب نصر, وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري, وقطب فراج, ومحمد عبد المنعم حمزاوي, ونور الدين عويس.
---------------
دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما يوفره".
دليل الإدانة . وجوب أن يكون مشروعا . اشتراط ذلك في دليل البراءة غير لازم . مثال .
من المسلم أنه لا يجوز أن تبنى إدانة صحيحة على دليل باطل في القانون. كما أنه من المبادئ الأساسية في الإجراءات الجنائية أن كل متهم يتمتع بقرينة البراءة إلى أن يحكم بإدانته بحكم نهائي وأنه إلى أن يصدر هذا الحكم له الحرية الكاملة في اختيار وسائل دفاعه بقدر ما يسعفه مركزه في الدعوى وما يحيط نفسه من عوامل الخوف والحرص والحذر وغيرها من العوارض الطبيعية لضعف النفوس البشرية, وقد قام على هدي هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حقاً مقدساً يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معاً إدانة بريء, وليس أدل على ذلك ما نصت عليه المادة 96 من قانون الإجراءات من أنه "لا يجوز لقاضي التحقيق أن يضبط لدى المدافع عن المتهم أو الخبير الاستشاري الأوراق والمستندات التي سلمها المتهم لهما لأداء المهمة التي عهد إليهما بها ولا المراسلات المتبادلة بينهما في القضية". هذا إلى ما هو مقرر من أن القانون - فيما عدا ما استلزمه من وسائل خاصة للإثبات - فتح بابه أمام القاضي الجنائي على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصلاً إلى الكشف عن الحقيقة ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر, مع حرية مطلقة في تقدير ما يعرض عليه ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما يستفاد من وقائع كل دعوى وظروفها بغيته الحقيقة ينشدها أنى وجدها ومن أي سبيل يجده مؤدياً إليها ولا رقيب عليه في ذلك غير ضميره وحده. ومن ثم فإنه لا يقبل تقييد حرية المتهم في الدفاع باشتراط مماثل لما هو مطلوب في دليل الإدانة, ويكون الحكم حين ذهب إلى خلاف هذا الرأي فاستبعد المفكرة التي قدمها المدافع عن الطاعن للتدليل على براءته من الجرائم المسندة إليه بدعوى أنها وصلت إلى أوراق الدعوى عن طريق غير مشروع قد أخل بحق الطاعن في الدفاع مما يعيبه ويستوجب نقضه. ولا يقيد هذا النظر سلطة الاتهام أو كل ذي شأن فيما يرى اتخاذه من إجراءات بصدد تأثيم الوسيلة التي خرجت بها المفكرة من حيازة صاحبها.
---------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في خلال الفترة من 1/4 إلى 10/8/1959 بدائرة مركز فاقوس: أولا- ارتكب تزويرا في محررات عرفية هي فاتورة بنك ..... رقم 956441 بأن أضاف إليها بيانات غير صحيحة واصطنع فواتير أخرى نسب صدورها إلى كل من ....... و....... و........ خلافا للحقيقة ووقع عليها بأسمائهم كي تكون على غرار الأوراق الصحيحة مع علمه بذلك. ثانيا- استعمل المحررات العرفية سالفة الذكر مع علمه بتزويرها بأن قدمها إلى ........... ثالثا- بدد النقود المبينة القيمة بالمحضر والمملوكة لـ......... والتي لم تكن قد سلمت إليه إلا على سبيل الوكالة فاختلسها إضرارا بالمجني عليه. وطلبت عقابه بالمادتين 215 و341 من قانون العقوبات. وادعى ....... بحق مدني قدره 51ج على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم. ومحكمة فاقوس الجزئية قضت حضوريا بتاريخ 28/10/1962 عملا بالمادتين 55/1 و56/1 من قانون العقوبات أولا: بحبس المتهم شهرين مع الشغل عن التهم الثلاث وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم صيرورة هذا الحكم نهائيا. ثانيا: بإلزام المتهم بأن يؤدي للمدعي المدني تعويضا مؤقتا قدره 51ج والمصروفات و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهم هذا الحكم ومحكمة الزقازيق الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بتاريخ 19/3/1963 بقبول الاستئناف شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم المصروفات المدنية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
----------------
المحكمة
حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه - إذ دانه بجرائم التزوير واستعمال الأوراق المزورة والتبديد - قد أخل بحقه في الدفاع ذلك بأن الطاعن لم يرتكب تزويراً لأن التصحيح الوارد بفاتورة بنك التسليف - تم على يد المهندس الزراعي ........ ابن المجني عليه نتيجة احتياج الدائرة التي يشرف عليها إلى الأسمدة التي اشتراها الطاعن لنفسه بمقتضى هذه الفاتورة وإلى أسمدة أخرى تزيد عنها فكان أن تمت تعلية الزيادة على الفاتورة كمية وثمناً وأثبت ذلك في دفاتر الدائرة, كما أن الفواتير الأخرى الخاصة بالمبيدات الحشرية ليست إلا صوراً محررة بخط الطاعن المعلوم لمخدوميه بناء على طلب ......., وعن كميات وردت فعلاً وأثبتت في الدفاتر، وكذلك الشأن بالنسبة للمبلغ المدعى بتبديده فإن بيانه واضح بالدفاتر ويضيف الطاعن أنه فضلاً عما تقدم فقد تحصل على ورقة قاطعة في براءته وقدمها للنيابة وهي المفكرة التي يمسكها ........ ويحررها بخطه وقد اشتملت على المشتروات الواردة بالفواتير وعلى مديونية الدائرة للطاعن وقت فصله في مبلغ 424ج وكسور غير أن الحكم استبعد الدليل المستمد من هذه المفكرة قولاً منه أن الطاعن توصل إليه عن طريق غير مشروع هو السرقة ومن ثم فهو لا يصلح سنداً للإدانة أو البراءة، وهذا الذي ذهب إليه الحكم غير سديد ذلك بأن أخطأ حين سوى في تقدير الدليل ومشروعيته بين حالتي الإدانة والبراءة بالرغم مما هو مقرر من أن الدليل القضائي الذي يجب أن تتوافر له الضمانات القانونية هو دليل الإدانة بعكس الحال بالنسبة للبراءة فهي لا تحتاج إلى دليل ذي اشتراطات أو ضمانات أو شكليات

وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما يجمل في أن ....... - المجني عليه - كان قد وكل الطاعن في إدارة أعماله الزراعية، وكانت هذه الأعمال تقتضي وجود عهدة من النقود تحت يده يصرف منها ويقدم لمخدوميه بياناً بوجوه الصرف مؤيداً بالمستندات وإذ تقدم الطاعن للمجني عليه بكشوف الفترة من 14/5/1959 حتى 10/8/1959 فقد بان من المستندات المرافقة لها وجود فواتير منسوبة إلى بعض التجار عن مشتروات من المبيدات الحشرية وقد أنكر هؤلاء صدورها منهم وقالوا إنها فواتير مصطنعة زورت عليهم فيها توقيعاتهم كما تكشفت المستندات عن فاتورة أخرى بأسمدة صادرة من بنك التسليف جرى بها تعديل في الكمية والثمن الواردين بها وقد توصل الطاعن نتيجة تزوير تلك الأوراق إلى تبديد المبالغ التي انطوت عليها. وبعد أن حصل الحكم مؤدى أقوال شهود الإثبات وأثبت اطلاعه على الفواتير وأشار إلى ما قال به الطاعن من أن المهندس الزراعي ....... ابن المجني عليه كان يقوم بالإشراف على أعماله وأنه طلب منه أن يحرر صوراً من كشوف الحساب والفواتير لحفظ الأصل بالمكتب والصور بالمنزل، وأنه هو الذي أحضر له الفواتير لملئ بياناتها استطرد في إيراد دفاع الطاعن بقوله "ومن حيث إنه أثناء إجراء التحقيق أمام النيابة تقدم السيد محامي المتهم الأستاذ ...... بمفكرة خاصة بـ........ مدون بها أرقام وحسابات وتحمل اسم ......... ابن المجني عليه وذكر أن مجهولاً أرسلها إليه بالبريد وأن المفكرة مدون بها أن كميات الأسمدة الثابتة بالفواتير وكذا كميات المبيدات الحشرية الواردة بالفواتير وردت فعلاً بالزراعات الخاصة بالمجني عليه وهي محررة بخط نجله ومثبتة في النوتة الخاصة به وأضاف أن ...... جئ به ليكون مشرفاً على كل عمل يأتيه المتهم في شئون الزراعة وثبت ذلك في نوتته الخاصة ليكون رقيباً على كل صغيرة وكبيرة واستشهد بالنوتة الخاصة بـ.......... وإذ ووجه المجني عليه بذلك قرر أن ولده ........ غير مسئول عن إدارة أعماله الزراعية وأنه كان يتدرب فقط وليست له سلطة الإشراف وأنه من الجائز أن يكون المتهم قد أملاه البيانات الواردة في النوتة على أساس أنه قام بصرف وتحصيل ما ثبت بالمفكرة على غير الحقيقة ونفى ........ نفسه اشتراكه مع المتهم في إدارة أملاك والده كما نفى أنه كلف المتهم بعمل صور الفواتير وأنه كلف بإحضار أربعة عشر جوال سماد وتكليفه بتغيير فاتورة بنك التسليف" وبعد أن بين الحكم توافر أركان جريمتي التزوير والاستعمال المسندتين إلى الطاعن واستخلص الأدلة على ثبوتهما تناول دفاع الطاعن سالف الذكر ورد عليه بقوله "ومن حيث إنه بالنسبة لما يتمسك به المتهم من أن البيانات المثبتة في مفكرة ........... تؤيد دفاعه واستناده إلى ما ورد بهذه المفكرة وتقديمها بواسطة دفاع المتهم فإن المحكمة تؤيد وجهة نظر محكمة أول درجة فيما ذهبت إليه من أن من واجب المحكمة أن ترفق بعض الأوراق ولو كان متعلقاً بموضوع الدعوى وذلك فيما لو تحصل عليها مقدمها بطريق غير مشروع ........... وإذ كان الثابت من أقوال محامي المتهم أن مجهولا ًأرسل إليه المفكرة الخاصة سالفة الذكر بل وأقام دعوى مباشرة ضد المتهم بسرقة هذه المفكرة ومن ثم يكون مرسل المفكرة قد تحصل عليها عن طريق سرقتها في غفلة من صاحبها - والمحكمة ترفض أي دليل مستمد من هذه المفكرة سواء كان دليل إدانة أو دليل براءة لأنها متحصلة بطريقة غير مشروعة". وما أورده الحكم فيما تقدم صحيح في شقه القائل باشتراط أن يكون دليل الإدانة مشروعاً ذلك بأنه من المسلم أنه لا يجوز أن تبنى إدانة صحيحة على دليل باطل في القانون، وأما تقريره الرأي ذاته في دليل البراءة فهو غير سديد، ذلك بأنه لما كان من المبادئ الأساسية في الإجراءات الجنائية أن كل متهم يتمتع بقرينة البراءة إلى أن يحكم بإدانته بحكم نهائي وأنه إلى أن يصدر هذا الحكم له الحرية الكاملة في اختيار وسائل دفاعه بقدر ما يسعفه مركزه في الدعوى وما يحيط نفسه من عوامل الخوف والحرص والحذر وغيرها من العوارض الطبيعية لضعف النفوس البشرية، فقد قام على هدى هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حقاً مقدساً يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معاً إدانة بريء, وليس أدل على ذلك ما نصت عليه المادة 96 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه "لا يجوز لقاضي التحقيق أن يضبط لدى المدافع عن المتهم أو الخبير الاستشاري الأوراق والمستندات التي سلمها المتهم لهما لأداء المهمة التي عهد إليهما بها ولا المراسلات المتبادلة بينهما في القضية" هذا إلى ما هو مقرر من أن القانون فيما عدا ما استلزمه من وسائل خاصة للإثبات - فتح بابه أمام القاضي الجنائي على مصراعيه يختار من كل طرقة ما يراه موصلاً إلى الكشف عن الحقيقة ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر، مع حرية مطلقة في تقدير ما يعرض عليه ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما يستفاد من وقائع كل دعوى وظروفها بغية الحقيقة ينشدها أنى وجدها ومن أي سبيل يجده مؤدياً إليها ولا رقيب عليه في ذلك غير ضميره وحده. لما كان ما تقدم، فإنه لا يقبل تقييد حرية المتهم في الدفاع باشتراط مماثل لما هو مطلوب في دليل الإدانة, ويكون الحكم حين ذهب إلى خلاف هذا الرأي فاستبعد المفكرة التي قدمها المدافع عن الطاعن للتدليل على براءته من الجرائم المسندة إليه بدعوى أنها وصلت إلى أوراق الدعوى عن طريق غير مشروع قد أخل بحق الطاعن في الدفاع مما يعيبه ويستوجب نقضه. وغني عن البيان أن هذا النظر لا يقيد سلطة الاتهام أو كل ذي شأن فيما يرى اتخاذه من إجراءات بصدد تأثيم الوسيلة التي خرجت بها المفكرة من حيازة صاحبها. لما كان ذلك، وكان خطأ الحكم قد حجب المحكمة عن أن تقول كلمتها في دفاع الطاعن المرتب على ما انطوت عليه تلك المفكرة فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإحالة. ومع إلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق