الصفحات

الخميس، 22 يونيو 2017

حالات اعتبار الاتفاقيات الدولية من " الأعمال السياسية" التي تخرج عن ولاية القضاء

الطعن 10 لسنة 14 ق " دستورية" جلسة 19 / 6 / 1993 مكتب فني 5 ج 2 ق 31 ص 376
برياسة السيد المستشار / محمد ابراهيم ابو العينين وحضور السادة المستشارين /  فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله أعضاء
ومحمد خيرى طه عبد المطلب رئيس هيئة المفوضين
ورأفت محمد عبد الواحد أمين السر .
----------------
- 1  اختصاص المحكمة الدستورية العليا "الأعمال السياسية".
استبعاد الأعمال السياسية من ولاية القضاء الدستوري، يأتي ذلك تحقيقا للاعتبارات السياسية التي تقتضي النأي بها عن نطاق الرقابة القضائية استجابة لدواعي الحفاظ على الدولة والذود عن سيادتها ورعاية مصالحها العليا. 2- الأعمال السياسية "تكييفها - تحديدها". العبرة في التكييف القانوني للأعمال السياسية هي بطبيعة العمل ذاته، لا بالأوصاف التي قد يخلعها المشرع عليه متى كانت طبيعته تتنافى وهذه الأوصاف. المحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تحدد ما إذا كانت النصوص المطروحة عليها تعتبر من الأعمال السياسية أم لا.
1، 2-  جرى القضاء الدستوري - فى الدول الآخذة به على استبعاد " الأعمال السياسية " من نطاق ولايته و خروجها بالتالى من مجال رقابته على دستورية التشريع. و قد اختص الدستور و قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 كلاهما هذه المحكمة دون غيرها بالرقابة القضائية على دستورية القوانين و اللوائح ، و إستهدفا بذلك ضمان الشرعية الدستورية بصون الدستور القائم و حمايته من الخروج على أحكامه ، و ترسيخ مفهوم الديمقراطية التى أرساها سواء ما اتصل منه بتوكيد السيادة الشعبية - و هى جوهر الديمقراطية أو بكفالة الحريات و الحقوق العامة - و هى هدفها أو بالمشاركة فى مارسة السلطة و هى وسيلتها - و ذلك على نحو ما جرت به نصوصه و مبادئه التى تمثل الأصول و القواعد التى يقم عليها نظام الحكم و تستوى على القمة فى مدارج البنيان القانونى، و لها مقام الصدارة بين النظام العام . و من ثم يتعين - باعتبارها أسمى القواعد الآمرة - التزامها ، و اهدار ما يخالفها من تشريعات. و إذ كانت الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح تجد أساسا لها - كأصل عام - فى مبدأ الشرعية و سيادة القانون و خضوع الدولة لأحكامه، إلا أنه يرد على هذا الأصل وفقا لما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا- استبعاد الأعمال السياسية " من مجال هذه الرقابة القضائية تأسيساً على أن طبيعة هذه الأعمال السياسية " هى بطبيعة العمل ذاته لا بالأوصاف التى قد يخلعها المشرع عليه متى كانت طبيعته و هذه الأوصاف . ذلك أن استبعاد " الأعمال السياسية" من ولاية القضاء الدستورى إنما يأتى تحقيقا للاعتبارات السياسية التى تقتضى - بسبب طبيعة هذه الأعمال و اتصالها بنظام الدولة السياسى اتصالا وثيقا أو بسيادتها فى الداخل أو الخارج- النأى بها عن نطاق الرقابة القضائية استجابة لدواعى الحفاظ على الدولة و الذود عن سيادتها و رعاية مصالحها العليا ، مما يقتضى منح الجهة القائمة بهذه الأعمال- سواء كانت هى السلطة التشريعية أو التنفيذية - سلطة تقديرية أوسع مدى و أبعد نطاقا تحقيقا لصالح الوطن و سلامته دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه فى هذا الصدد ، و لأن النظر فيها و التعقيب عليها يستلزم توافر عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علنا فى ساحاته. و من ثم فالمحكمة الدستورية العليا وحدها هي التي تحدد - بالنظر إلى طبيعة المسائل التى تنظمها النصوص المطعون عليها- ما إذا كانت النصوص المطروحة عليها تعتبر من "الأعمال السياسية " فنخرج عن ولايتها بالرقابة على الدستورية ، أو أنها لا تعتبر كذلك ، فتبسط عليها رقابتها.
- 3  الأعمال السياسية "الاتفاقيات الدولية".
ليس صحيحا إطلاق القول بأن جميع الاتفاقيات الدولية أيا كان موضوعها أو الاتفاقيات الدولية التي حددتها الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور من الأعمال السياسية ذلك أن كلا القولين مناقض للأساس الذي تقوم عليه اعتبارات استبعاد هذه الأعمال من الرقابة القضائية على دستوريتها، والتي ترجع إلى طبيعة الأعمال ذاتها وليس إلى طريقة وإجراءات إبرامها والتصديق عليها.
إنه و إن كانت نظرية " الأعمال السياسية " - كقيد على ولاية القضاء الدستوري - تجد فى ميدان العلاقات و الاتفاقيات الدولية معظم تطبيقاتها بأكثر مما يقع فى المجال الداخلي ، نظرا لارتباط ذلك الميدان بالاعتبارات السياسية و سيادة الدولة و مصالحها العليا، إلا أنه ليس صحيحا إطلاق القول بأن جميع الاتفاقات الدولية - أيا كان موضوعها - تعتبر من " الأعمال السياسية" كما أنه ليس صحيحا أيضا القول بأن الاتفاقات الدولية التى حددتها الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور ، و استلزمت عرضها على مجلس الشعب و موافقته عليها، تعتبر جميعا و بصفة تلقائية - من " الأعمال السياسية" التى تخرج عن ولاية القضاء الدستوري ، ذلك أن كلا القوانين السابقين يتناقض و الأساس الذى تقوم عليه اعتبارات استبعاد هذه الأعمال من الرقابة القضائية على دستوريتها، و هي اعتبارات ترجع إلى طبيعة الأعمال ذاتها، و ليس إلى طريقة أو إجراءات إبرامها و الموافقة و التصديق عليها.
- 4  الأعمال السياسية "اتفاقية دولية".
الاتفاقية الدولية بإنشاء المصرف العربي الدولي تتمحض عن إنشاء بنك يقوم بالأعمال التي تقوم بها البنوك التجارية، فلا يسوغ اعتبارها من الأعمال السياسية.
إن البين من اتفاقية تأسيس المصرف العربى الدولى و نظامه الأساسى الذى يعتبر - وفقا لمادتها الأولى - جزءا لا يتجزأ منها - أن حكومات مصر و ليبيا و سلطنة عمان اتفقت على تأسيس هذا المصرف و قد انضم إليهم - حال إبرام الاتفاقية - أحد المواطنين الكويتيين. و قد فتحت الاتفاقية باب الانضمام إليها وفقا لمادته الثانية - للحكومات العربية الأخرى، و كذلك للبنوك و الهيئات و المؤسسات و الشركات العربية ، و أيضا للأفراد العرب. و يقوم هذا المصرف بالأعمال التجارية التى تقوم بها البنوك التجارية عادة من قبول للودائع و تقديم للقروض و تحرير و تظهير للأوراق المالية و التجارية و تمويل لعمليات التجارة الخارجية و تنظيم للمساهمة فى برامج و مشروعات الاستثمار . و هو يزاول أعماله فى مجال التجارة الخارجية وفقا للقواعد و الأسس المصرفية الدولية السائدة . و للمصرف الشخصية القانونية، وله فى سبيل تحقيق أغراضه إبرام اتفاقيات مع الدول الأعضاء أو غير الأعضاء و كذلك مع المؤسسات الدولية الأخرى. و له التملك و التعاقد، و يديره مجلس إدارة من ممثلين للمساهمين يتم اختيارهم لمدة ثلاث سناوت قابلة للتجديد. و مدة المصرف خمسون عاما. و حدد النظام الاساسى للمصرف أحوال حله و كيفية تصفية أمواله ، و مؤدى ذلك ، أن الاتفاقية المشار إليها إنما تتمحض عن إنشاء بنك يقوم بالأعمال التى تقوم بها البنوك التجارية، فلا يسوغ اعتبارها من "الأعمال السياسية" التىتنحسر عنها رقابة القضاء الدستورى ، و لا يغير من ذلك ما تضمنته بعض نصوص الاتفاقية من امتيازات معينة للمصرف أو لموظفيه أو لأموال المساهمين أو المودعين التى دفعت الحكومات العربية الموقعة عليها إلى تأسيس هذا المصرف.
- 5  دعوى دستورية "نطاقها . المقومات الشكلية للنص المطعون عليه".
نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية وفي حدود النصوص التي صرحت محكمة الموضوع بالطعن عليها، الطعن بعدم دستورية نص قانوني يطرح ابتداء أمام المحكمة مدى توافر مقوماته الشكلية، كذلك يطرح الطعن بعدم دستورية نص في اتفاقية دولية وبحكم اللزوم - توافر المتطلبات الشكلية التي استلزمتها المادة 151 من الدستور ليكون للاتفاقية قوة القانون.
إن نطاق الدعوى الدستورية يتحد بنطاق الدفع بعدم الدستورية، و فى حدود النصوص التى صرحت محكمة الموضوع للمدعى بالطعن عليها، و ذلك استنادا إلى أن الاوضاع الإجرائية المنصوص عليها فى المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى أو بميعاد رفعها - تتعلق بالنظام العام باعتبارها أشكالا جوهرية فى التقاضى تغيا بها المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية بالإجراءات التى رسمها، و ى الموعد الذى حدده، إلا أن الدعوى الدستورية التى تتضمن طعنا بعدم دستورية نص قانونى تطرح ابتداء أمام المحكمة مدى توافر مقوماته الشكلية التى لا يستقيم بتخلفها وجوده من الناحية القانونية. كذلك فإن الطعن بعدم دستورية نص فى اتفاقية دولية إنما يطرح بحكم اللزوم توافر المتطلبات الشكلية التى استلزمتها المادة 151 من الدستور ليكون للاتفاقية قوة القانون و ذلك فيما يتعلق بإبرامها و التصديق عليها و نشرها وفقا للأوضاع المقررة .
- 6  دعوى دستورية - "المصلحة فيها. مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع.
إن المصلحة الشخصية المباشرة - و هى شرط لقبول الدعوى الدستورية- مناطها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها و بين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، و ذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشر يعتبر متصلا بالحق فى الدعوى و مرتبطا بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية و ليس بهذه المسألة فى ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة و من ثم يبرز شرط المصلحة الشخصية المباشرة باعتباره مبلورا فكرة الخصومة فى الدعوى الدستورية ، محددا نطاق المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، منفصلا دوما عن موافقة النص التشريعى المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفته لضوابطه، مستلزما أبدا أن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية موطئا للفصل فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة فى الدعوى الموضوعية.
- 7  حق التقاضي - تشريع "اتفاقية دولية - قوانين العمل".
ما تنص عليه المادة 15 من اتفاقية تأسيس المصرف العربي الدولي من عدم سريان القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردي على موظفي المصرف، ليس فيه ما ينتقص من حق التقاضي المكفول دستوريا.
ليس فى نص المادة 15 من الاتفاقية المذكورة ما ينتقص من حق التقاضى المكفول دستوريا، ذلك أن عدم سريان القوانين و القرارات المنظمة لشئون العمل الفردى على العاملين بالمصرف لا يتضمن منعهم من اللجوء إلى القضاء و لا يحجب القضاء عن الفصل - بحيدة و استقلال - فى المنازعات القائمة بينهم و المصرف.
- 8  دستور: مبدأ المساواة "مضمونه".
لا يعني هذا المبدأ معاملة فئات المواطنين على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، عدم قيام هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، التمييز المنهي عنه بموجبه هو ذلك الذي يكون تحكميا. تعكس مشروعية الأغراض التي يستهدفها التنظيم التشريعي إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها. مصادمة النص التشريعي بما انطوى عليه من التمييز لهذه الأغراض يجعله غير قائم على أسس موضوعية ومتبنيا تمييزا تحكميا.
إن مبدأ المساواة الذى كفله الدستور فى المادة 40 منه لا يعنى - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وجوب معاملة الجميع على ما بينهم من تفاوت فى مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة، و لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية فى ينطوى بالتالى على مخالفة النص الدستورى المشار إليه، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه دستوريا هو ذلك الذى يكون تحكميا ، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودا لذاته بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص التشريعى منطويا على تمييز يعتبر مصادما لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها أو اعتباره مدخل إليها، وقع التمييز تحكميا غير مستند إلى أسس موضوعية مجافيا لمبدأ المساواة القانونية الذى كفله الدستور.
- 9  مبدأ المساواة "نص المادة 15 من اتفاقية تأسيس المصرف العربي الدولي".
عدم انطواء النص المشار إليه على إخلال بحق العاملين في المصرف في اللجوء إلى القضاء طلبا للنصفة فيما قد يثور بينهم وبينه من منازعات، النعي عليه بمخالفة مبدأ المساواة غير صحيح.
إنشاء المصرف العربى الدولى تم بمقتضى إتفاقية دولية وقعتها الحكومات الثلاث المؤسسة له، و فتحت باب الانضمام إليها للحكومات و الهيئات و المؤسسات العربية الأخرى، و أجازت إنشاء فروع أو توكيلات له فى البلدان العربية و خارجها، و نصت على أن جميع معاملالته لا تتم إلا بالعملات الحرة القابلة للتحويل التى يحددها مجلس الإدارة، كما نصت على بعض المزايا الممنوحة للمصرف و المساهمين و المودعين فيه و على مزايا تمنح للعاملين به كالحصانة ضد الإجراءات القانونية فيما يقومون به من أعمال بصفتهم الرسمية، و الإعفاء من قيود الهجرة و إجراءات تسجيل الأجانب و تحويل حقوقهم إلى موطنهم الأصلى، و ذلك بالنسبة لموظفى المصرف من غير رعايا دولة المقر، فإن ذلك- و إن لم يسبغ على اتفاقية تأسيس المصرف صفة " الأعمال السياسية" التىتخرجها عن ولاية الرقابة القضائية على الدستورية " يجعل لهذا المصرف - و العاملين به وضعا خاصا و مركزا قانونيا يختلف فيه عن بنوك القطاع العام أو الخاص الأخرى. و مراعاة لهذا الوضع الخاص و استهدافا لتوفير أكبر قدر من المرونة فى إدارة المصرف، و رد النص المطعون عليه ، ليخول مجلس إدارته- وفقا للمادة 34 من نظامه الأساسى - وضع نظام خاص للعاملين به. و إذ كان هذا النص لا يتضمن إخلالاً بحق العاملين فى المصرف فى اللجوء إلى القضاء طلبا للنصفة فيما يثور بينهم و بينه من منازعات، فإن النعى بمخالفته مبدأ المساواة لا يكون له من أساس.
------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى- وهو أحد العاملين بالمصرف العربى الدولى للتجارة الخارجية والتنمية- كان قد أقام الدعوى رقم 31 لسنة 1992 عمال كلى الإسكندرية طالباً الحكم بصفة مستعجلة بإيقاف القرار الذى أصدره المصرف بنقله إلى القاهرة، وإعادته إلى مقر عمله بفرع الإسكندرية، وترقيته إلى الشريحة السابعة، وتقليده رئاسة الحسابات بالفرع المذكور، وإلزام المصرف بتعويضه بمبلع 000ر350 ثلاثمائة وخمسون ألفاً من الجنيهات لقاء ما أصابه من أضرار من جراء قرار نقله. وبجلسة 8 مارس سنة 1992، دفع الحاضر عن المصرف بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى على سند من المادة 15 من اتفاقية تأسيس المصرف التى تستبعد تطبيق قانون عقد العمل الفردى على العاملين بالمصرف، فدفع المدعى –بدوره- بعدم دستورية نصوص المواد 9، 12، 13، 15 من تلك الاتفاقية. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، صرحت له بإتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية هذه النصوص، فأقام الدعوى الماثلة طعناً على المواد سالفة الذكر وعلى قرار رئيس الجمهورية رقم 547 لسنة 1974 بالموافقة على الاتفاقية المشار إليها. وحيث إن المدعى عليهما الأول والثالث دفعا بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى الراهنة تأسيساً علىا أن اتفاقية تأسيس المصرف المشار إليه وقرار رئيس الجمهورية الصادر بالموافقة عليها يعتبران من أعمال السيادة التى تنأى بحسب طبيعتها أن تكون محلاً للرقابة القضائية، بمقولة أن إنشاء هذا المصرف إنما استهدف بناء الاقتصاد العربى على أساس متين تلبية لمتطلبات التنمية العربية والاقتصادية والاجتماعية، وأن قرار رئيس الجمهورية بالموافقة على هذه الاتفاقية صدر بعد موافقة مجلس الشعب عليها لاندراجها ضمن الاتفاقيات التى حددتها حصراً الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور. وحيث إنه وإن كانت أعمال السيادة فى أصلها الفرنسى قضائية المنشأ، إذ ظهرت أول الأمر فى ساحة القضاء الإداري الفرنسي، إلا أنها فى مصر ذات أساس تشريعى يرتد إلى بداية التنظيم القضائى الحديث، فقد أقرها المشرع- بنصوص صريحة- فى صلب التشريعات المتعاقبة المنظمة للسلطة القضائية، وقد جرى القضاء الدستورى- فى الدول الآخذة به- على استبعاد الأعمال السياسية" من نطاق ولايته وخروجها بالتالي من مجال رقابته على دستورية التشريع. وحيث إن الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 قد اختصا هذه المحكمة دون غيرها بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، واستهدفا بذلك ضمان الشرعية الدستورية بصون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وترسيخ مفهوم الديمقراطية التى أرساها سواء ما اتصل منه بتوكيد السيادة الشعبية- وهى جوهر الديمقراطية- أو بكفالة الحريات والحقوق العامة- وهى هدفها- أو بالمشاركة فى ممارسة السلطة- وهى وسيلتها- وذلك على نحو ما جرت به نصوصه ومبادئه التىتمثل الأصول والقواعد التى يقوم عليها نظام الحكم وتستوى على القمة فى مدارج البنيان القانونى ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام. ومن ثم يتعين- باعتبارها أسمى القواعد الأمرة- التزامها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات. وإذ كانت الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح تجد أساسها –كأصل عام- فى مبدأ الشرعية وسيادة القانون وخضوع الدولة له، إلا أنه يرد على هذا الأصل- وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- استبعاد "الأعمال السياسية" من مجال هذه الرقابة القضائية تأسيساً علىأن طبيعة هذه الأعمال تأبى أن تكون محلاً لدعوى قضائية. وحيث إن العبرة فى تحديد التكييف القانونى "للأعمال السياسية" وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- هى بطبيعة العمل ذاته لا بالأوصاف التى قد يخلعها المشرع عليه متى كانت طبيعته تتنافى وهذه الأوصاف، ذلك أن استبعاد "الأعمال السياسية" من ولاية القضاء الدستورى إنما يأتى تحقيقاً للاعتبارات السياسية التى تقتضى- بسبب طبيعة هذه الأعمال واتصالها بنظام الدولة السياسى اتصالاً وثيقا أو بسيادتها فى الداخل أو الخارج- النأى بها عن نطاق الرقابة القضائية استجابة لدواعى الحفاظ على الدولة والذود عن سيادتها ورعاية مصالحها العليا، مما يقتضى منح الجهة القائمة بهذة الأعمال –سواء كانت هى السلطة التشريعية أو التنفيذية- سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقاً تحقيقاً لصالح الوطن وسلامته، دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه فى هذا الصدد، ولأن النظر فيها والتعقيب عليها يستلزم توافر معلومات وضوابط وموازين تقدير لاتتاح للقضاء، فضلاً عن عدم ملاءمة طرح المسائل علنا فى ساحاته. ومن ثم فالمحكمة الدستورية العليا وحدها التى تحدد- بالنظر إلى طبيعة المسائل التى تنظمها النصوص المطعون عليها- ما إذا كانت النصوص المطروحة عليها تعتبر من "الأعمال السياسية" فتخرج عن ولايتها بالرقابة على الدستورية، أم أنها ليست كذلك فتبسط عليها رقابتها. وحيث إنه وإن كانت نظرية "الأعمال السياسية" – كقيد على ولاية القضاء الدستورى- تجد فى ميدان العلاقات والاتفاقيات الدولية معظم تطبيقاتها بأكثر مما يقع فى المجال الداخلى، نظراً لارتباط ذلك الميدان بالاعتبارات السياسية وسيادة الدولة ومصالحها العليا، إلا أنه ليس صحيحاً إطلاق القول بأن جميع الاتفاقيات الدولية- أيا كان موضوعها- تعتبر من "الأعمال السياسية". كما أنه ليس صحيحاً أيضا القول بأن الاتفاقيات الدولية التى حددتها الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور واستلزمت عرضها على مجلس الشعب وموافقته عليها، تضحى جميعها- وتلقائيا- من "الأعمال السياسية" التى تخرج عن ولاية القضاء الدستورى، ذلك أن كلا القولين السابقين يتناقض والأساس الذى تقوم عليه اعتبارات استبعاد هذه الأعمال من الرقابة القضائية على دستوريتها، وهى اعتبارات ترجع إلى طبيعة الأعمال ذاتها وليس إلى طريقة أو إجراءات إبرامها والتصديق عليها. وحيث إن البين من اتفاقية تأسيس المصرف العربى الدولى ونظامه الأساسى الذى يعتبر- وفقاً لمادتها الأولى- جزاء لا يتجزأ منها، أن حكومات مصر وليبيا وسلطنة عمان اتفقت على تأسيس هذا المصرف وقد انضم إليهم- حال إبرام الاتفاقية –أحد المواطنين الكويتيين. وقد فتحت الاتفاقية باب الانضمام إليها- وفقا لمادتها الثانية- للحكومات العربية الأخرى وكذلك للبنوك والهيئات والمؤسسات والشركات العربية وأيضا للأفراد العرب، وأن هذا المصرف يقوم بالأعمال التجارية التىتقوم بها البنوك التجارية عادة من قبول للودائع وتقديم للقروض وتحرير وتظهير للأوراق المالية والتجارية وتمويل لعمليات التجارة الخارجية وتنظيم للمساهمة فى برامج ومشروعات الاستثمار، وأن المصرف يزاول أعماله فى مجال التجارة الخارجية وفقاً للقواعد والأسس المصرفية الدولية السائدة، وأن يكون للمصرف الشخصية القانونية وله فى سبيل تحقيق أغراضه إبرام اتفاقيات مع الدول الأعضاء أو غير الأعضاء وكذلك مع المؤسسات الدولية الأخرى. وله التملك والتعاقد، ويديره مجلس إدارة من ممثلين للمساهمين يتم اختيارهم لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد. وأن مدة المصرف خمسون عاماً، وحدد النظام الأساسى للمصرف أحوال حله وكيفية تصفية أمواله. وحيث إن مؤدى ما تقدم، أن الاتفاقية المشار إليها إنما تتمحض عن إنشاء بنك يقوم بالأعمال التىتقوم بها البنوك التجارية، فلا يسوغ اعتبارها من "الأعمال السياسية" التى تنحسر عنها رقابة القضاء الدستورى، ولا يغير من ذلك ما تضمنته بعض نصوص الاتفاقية من امتيازات معينة للمصرف أو لموظفيه أو لأموال المساهمين أو المودعين فيه. كما لا يغير من ذلك ما ورد بصدر هذه الاتفاقية بشأن البواعث التى دفعت الحكومات العربية الموقعة عليها إلى تأسيس هذا المصرف. ومن ثم يكون الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى الماثلة قائما على غير أساس واجب الاطراح. وحيث إنه وإن كان الثابت من الأوراق أن المدعى قد قصر دفعه بعدم الدستورية الذى أبداه أمام محكمة الموضوع على نصوص المواد 9، 12، 13، 15 من اتفاقية تأسيس المصرف المشار إليه، وفى هذه الحدود فحسب قدرت تلك المحكمة جدية الدفع وصرحت له باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، وكان المقرر- على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية وفى حدود النصوص التى صرحت محكمة الموضوع للمدعى بالطعن عليها، وذلك استنادا إلى أن الأوضاع الإجرائية المنصوص عليها فى المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979- سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى أو بميعاد رفعها- تتعلق بالنظام العام باعتبارها أشكالاً جوهرية فى التقاضى فى المسائل الدستورية تغيا بها المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية بالإجراءات التى رسمها وفى الموعد الذى حدده، إلا أن الدعوى الدستورية التى تتضمن طعناً بعدم دستورية نص قانونى تطرح ابتداء أمام المحكمة مدى توافر مقوماته الشكلية التى لا يستقيم يتخلفها وجوده من الناحية القانونية. كذلك فإن الطعن بعدم دستورية نص فى اتفاقية دولية إنما يطرح بحكم اللزوم توافر المتطلبات الشكلية التى استلزمتها المادة 151 من الدستور ليكون للاتفاقية قوة القانون، وذلك فيما يتعلق بإبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة. ومن ثم فإن الطعن على النصوص سالفة الذكر إنما يتسع كذلك للنظر فى قرار رئيس الجمهورية رقم 547 لسنة 1974 بالموافقة على الاتفاقية المشار إليها، ولو لم ترخص محكمة الموضوع للمدعى بالطعن عليه. وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة- وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية- مناطها- على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- ان يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يعتبر متصلاً بالحق فى الدعوى ومرتبطاً بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية وليس بهذه المسألة فى ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة. ومن ثم يبرز شرط المصلحة الشخصية المباشرة باعتباره مبلوراً فكرة الخصومة فى الدعوى الدستورية، محدداً نطاق المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، منفصلاً دوماً عن موافقة النص التشريعى المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفته لضوابطه، مستلزماً أبدا أن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية موطئا للفصل فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة فى الدعوى الموضوعية. وحيث إن المدعى إنما يستهدف بدعواه الموضوعية إلغاء قرار نقله إلى القاهرة وإعادته إلى العمل بفرع المصرف بالإسكندرية وترقيته إلى الشريحة السابعة وتقليده رئاسة الحسابات بفرع الإسكندرية، وتعويضه عما أصابه من أضرار نتيجة لنقله. وإذ دفع المدعى عليه فى تلك الدعوى بعدم اختصاص محكمة الموضوع بنظرها، أثار المدعى دفعه بعدم دستورية مواد الاتفاقية الأربع السالف الإشارة إليها. وحيث إن المادة 9 من الاتفاقية تحظر تأميم أو مصادرة المصرف أو فرض الحراسة عليه أو على أنصبة الأشخاص- الاعتبارية أو الطبيعية- فى رأس ماله أو على المبالغ المودعة به، وتمنع اتخاذ إجراءات الحجز القضائى أو الإدارى عليها. كما تقرر المادة 12 عدم خضوع المصرف وفروعه وتوكيلاته وسجلاته ووثائقه ومحفوظاته لقوانين وقواعد الرقابة والتفتيش القضائى أو الإدارى أو المحاسبى. وتنص المادة 13 على سرية حسابات المودعين وعدم جواز اتخاذ إجراءات الحجز القضائى والإدارى عليها. إذ كان ذلك، وكانت أحكام هذه النصوص جميعها لا أثر لها على الطلبات والدفوع المطروحة فى الدعوى الموضوعية. ومن ثم فلا تتوافر للمدعى مصلحة فى الطعن بعدم دستورية نصوص المواد الثلاث سالفة الذكر. وحيث إن المادة 15 من اتفاقية تأسيس المصرف تنص على أنه "لا تسرى على رئيس وأعضاء مجلس إدارة المصرف وجميع موظفيه القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردى والتوظيف والأجور والمرتبات والمكافآت والمعاشات والتأمينات الاجتماعية سواء فى الحكومة أو المؤسسات العامة والشركات التابعة لها أو الشركات المساهمة. وكذلك لا تسرى عليهم كافة القواعد المنظمة لسفر الموظفين والعمال. ويتمتع رئيس وأعضاء مجلس إدارة المصرف وجميع موظفيه بحصانة ضد الإجراءات القانونية فيما يتعلق بالأعمال القانونية التى يقومون بها بصفتهم الرسمية، وإذا لم يكونوا من رعايا دولة المقر الرئيسى، فإنهم يمنحون نفس الحصانات ويعفون من قيود الهجرة وإجراءات تسجيل الأجانب"، وكان المدعى قد أبدى- فى الدعوى الموضوعية- دفعه بعدم دستورية نص تلك المادة رداً على الدفع بعدم اختصاص محكمة الموضوع على سند من عدم سريان قانون العمل الفردى على موظفى البنك، فإن مصلحة المدعى فى الدعوى الدستورية الماثلة يقتصر- والحالة هذه- على طلب الحكم بعدم دستورية النص سالف الذكر فيما تضمنه من عدم سريان القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردى على موظفى المصرف، أما الأحكام الأخرى التى تنص عليها تلك المادة فلا علاقة لها بالدعوى الموضوعية أو بالطلبات والدفوع المطروحة فيها، ومن ثم فلا تتوافر للمدعى مصلحة فى الطعن عليها. وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه –بالتحديد السالف بيانه- إخلاله بحق التقاضى الذى كفله الدستور فى المادة 68 للناس كافة، بمقولة أنه إذ يؤدى إلى عدم اختصاص المحكمة العمالية بالفصل فى دعواه الموضوعية، فإنها تصبح بغير قاض يختص بنظرها بما يفضى إلى إنكار العدالة، طالما أن اتفاقية تأسيس المصرف لم تنشئ جهازاً قضائياً خاصا يتولى فض المنازعات بين المصرف والعاملين به. وحيث إن النعى مردود، ذلك أنه ليس فى النص المطعون عليه ما ينتقص من حق التقاضى المكفول دستوريا بحلقاته الثلاث بدءا من النفاذ الميسر إلى القضاء وانتهاء بالترضية القضائية التى تكفل رد العدوان على الحقوق مروراً بحيدة المحكمة التى تتولى الفصل فى النزاع وحصانة واستقلال أعضائها وتوفر الضمانات الإجرائية والموضوعية التى تكفل حق الدفاع، ذلك أن عدم سريان القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردى على العاملين بالمصرف لا يتضمن منعهم من اللجوء إلى القضاء ولا يحجب القضاء عن الفصل – بحيدة واستقلال- فى المنازعات القائمة بينهم والمصرف. ومن ثم تكون قالة إخلال النص المطعون عليه بحق التقاضى فاقدة لأساسها. وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه كذلك أنه يخالف مبدأ المساواة الذى نص عليه الدستور فى المادة 40 منه، بمقولة أنه يميز المصرف بمنحه حصانة لا وجود لها بالنسبة للبنوك الأخرى. كما أنه يخل بحق العاملين به فى المساواة بزملائهم العاملين بقطاع البنوك، إذ يهدر حق العاملين بالمصرف فى الالتجاء إلى القضاء لفض المنازعات القائمة بينهم وبين المصرف. وحيث إن هذا النعى –بدوره- مردود، ذلك أن مبدأ المساواة الذى كفله الدستور فى المادة 40 منه، لا يعنى- على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- وجوب معاملة الجميع على ما بينهم من تفاوت فى مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة. ولا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التميز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية فلا ينطوى بالتالى على مخالفة النص الدستورى المشار إليه، بما مؤداه أن التميز المنهى عنه دستوريا هو ذلك الذى يكون تحكميا، إذ أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطاراً للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم. فإذا كان النص التشريعى منطوياً على تمييز يعتبر مصادما لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها أو اعتباره مدخلا إليها، وقع التمييز تحكميا غير مستند إلى أسس موضوعية مجافيا لمبدأ المساواة القانونية الذى كفله الدستور. متى كان ذلك، وكان إنشاء هذا المصرف قد تم بمقتضى اتفاقية دولية وقعتها الحكومات الثلاث المؤسسة له، وفتحت باب الانضمام إليها للحكومات والهيئات والمؤسسات العربية الأخرى، وأجازت إنشاء فروع أو توكيلات له فى البلدان العربية وخارجها، ونصت على أن جميع معاملاته لا تتم إلا بالعملات الحرة القابلة للتحويل التى يحددها مجلس الإدارة، كما نصت على بعض المزايا الممنوحة للمصرف والمساهمين والمودعين فيه وعلى مزايا تمنح للعاملين به كالحصانة ضد الإجراءات القانونية فيما يقومون به من أعمال بصفتهم الرسمية، والإعفاء من قيود الهجرة وإجراءات تسجيل الأجانب وتحويل حقوقهم إلى موطنهم الأصلى، وذلك بالنسبة لموظفى المصرف من غير رعايا دولة المقر، فإن ذلك- وأن لم يسبغ على اتفاقية تأسيس المصرف صفة الأعمال السياسية التى تخرجها عن ولاية الرقابة القضائية على الدستورية- يجعل لهذا المصرف- والعاملين به وضعا خاصا ومركزاً قانونياً يختلف فيه عن بنوك القطاع العام او الخاص الأخرى. ومراعاة لهذا الوضع الخاص واستهدافا لتوفير أكبر قدر من المرونة فى إدارة المصرف، ورد النص المطعون عليه، ليخول مجلس إدارته- وفقاً للمادة 34 من نظامه الأساسى- وضع نظام خاص للعاملين به. وإذ كان النص المطعون عليه لا يتضمن- كما سبق البيان- إخلالاً بحق العاملين فى المصرف فى اللجوء إلى القضاء للنصفه فيما قد يثور بينهم وبينه من منازعات، فإن النعى بمخالفة النص المطعون عليه لمبدأ المساواة لا يكون له من أساس. وحيث إن النص المطعون عليه لا يخالف أحكام الدستور من أى وجه آخر. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية المواد أرقام 9، 12، 13 من اتفاقية تأسيس المصرف العربى الدولى للتجارة الخارجية والتنمية، وبرفضها بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية ما تتضمنه المادة 15 منها من استبعاد تطبيق القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردى على العاملين بالمصرف، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الأربعاء، 21 يونيو 2017

الطعن 6523 لسنة 71 ق جلسة 18 / 10 / 2008 مكتب فني 59 ق 82 ص 442

جلسة 18 من أكتوبر سنة 2008
برئاسة السيد المستشار / إبراهيـم عبد المطلب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / وجيه أديب , النجار توفيق , محمود خضر وأسامة درويش نواب رئيس المحكمة.
-----------
(82)
الطعن 6523 لسنة 71 ق
(1) حكم " بيانات حكم الإدانة " .
 بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة . وإيراد مؤدى أقوال شهود الإثبات وتقرير المعمل الكيماوي في بيان واف . لا قصور .  
(2) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " .
  استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . مادام سائغاً .
   وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
  الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة . غير جائز أمام النقض .
(3) إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
   اختلاف الشهود في بعض التفصيلات لا يعيب الحكم . علة ذلك ؟
  الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة . غير جائز أمام النقض .
(4) استدلالات . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . محكمة الموضوع " سلطتهـا في تقدير الدليـل "
   لمحكمة الموضوع التعويل في تكوين عقيدتها على تحريات الشرطة . باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة .
(5) استدلالات . تزوير . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن مالا يقبل منها " .
   دفاع الطاعن بعجز التحريات عن الوصول إلي المتهم الآخر المجهول الذي اشترك في التزوير . غير مجد . علة ذلك ؟
 (6) تزوير . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
الأصل في المحاكمات الجنائية اقتناع القاضي . له تكوين عقيدته من أى دليل أو قرينة يرتاح إليها . حد ذلك ؟
جرائم التزوير لم يجعل القانون لإثباتها طريقا خاصاً .
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
(7) تزوير . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب ".
لا يلزم في التزوير المعاقب عليه أن يكون متقناً . حد ذلك ؟
(8) إثبات " خبرة " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل "
إغفال الحكم التعرض لدفاع الطاعن بشأن ندب خبير آخر . لا يعيبه . متى اطمأنت إلى الدليل المستمد من تقرير المعمل الجنائي وعوَّلت عليه .
(9) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل "" تسبيبه . تسبيب غير معيب " . دعوى مدنية . ضرر .
كفاية إثبات الحكم إدانة المحكوم عليه عن الفعل الذي حكم بالتعويض من أجله لبيان وجه الضرر المستوجب للتعويض .
________________
1- لما كان الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها ، وساق على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها ، استمدها من أقوال شهود الإثبات وتحريات الشرطة وإقرار الطاعن بمحضري الضبط والتحقيقات ، وما ثبت من تقرير المعمل الكيماوي لما كان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية .
2- من المقرر أن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها , وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق , وأن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها ، وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب , وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في استنباط الواقعة وتقدير الدليل ، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض .
  3- من المقرر أنه لا يعيب الحكم اختلاف الشهود في تفصيلات معينة مادام قد حصل أقوالهم بما لا خلاف فيه ولم يورد هذه التفصيلات ولم يستند إليها في تكوين عقيدته إذ عدم إيراد هذه التفصيلات يفيد اطراحها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشأن تناقض أقوال المجنى عليها مع باقـي أقـوال شهود الإثبات ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى بما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض .
  4- من المقرر أن للمحكمة أن تعوِّل في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة مادامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث .
  5- من المقرر أنه لا يجدي الطاعن ما يثيره من أن المتهم الآخر المجهول الذي اشترك في التزوير عجزت التحريات عن الوصول إليه طالما أن اتهام هذا الشخص لم يكن ليحول دون مساءلته عن الجرائم التي دين بها , ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد .
   6- من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه , فله أن يكــون عقيدتـه مـن أي دليل أو قرينة يرتاح إليهـا إلا إذا قيده القانون بدليل معيـن ينص عليه , ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقاً خاصاً وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزيئات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً , ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة , بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه .
 7- من المقرر أنه لا يلزم في التزوير المعاقب عليه أن يكون متقناً بحيث يلزم لكشفه دراية خاصة بل يستوي أن يكون واضحاً لا يستلزم جهداً في كشفه أو متقناً يتعذر على الغير أن يكشفه ، مادام تغيير الحقيقة في الحالتين يجوز أن ينخدع به بعض الناس . وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أن تغيير الحقيقة في المحررات المزورة يجوز أن ينخدع به بعض الناس ، فإن ما يثيره الطاعن بأن النماذج التي حررت عليها البيانات المزورة قديمة ، وأن الأختام التي بصمت بها ملغاة يكون غير سديد .
  8- لما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى الدليل المستمد من تقرير المعمل الجنائي وعولت عليه في إدانة الطاعن بما يفصح عن أنها لم تكن بحاجة إلى ندب خبير آخر، فإنه لا تثريب عليها إن هي أغفلت دفاع الطاعن في هذا الشأن ، ويضحى ما أثاره الطاعن في هذا الصدد غير قويم .
 9- من المقرر أنه يكفى في بيان وجه الضرر المستوجب للتعويض أن يثبت الحكم إدانة المحكوم عليه عن الفعل الذي حكم بالتعويض من أجله ، وكان الحكم قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها ارتكاب الطاعن للجرائم التي دانـه بها ، وهي الفعل الضار الذي ألزمه بالتعويض المدني على مقتضاه ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد .
________________
الوقائــــع
   اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه : أولاً :- ارتكب تزويراً في محررين رسميين هما شهادتا خبرة منسوب صدورهما لفندق وكازينو ... وكان ذلك بأن قام بالإمضاء عليهما بإمضاءات نسبها زوراً إلى المختص بتحريرها كما قام بالختم عليها بأختام مزورة على النحو المبين بالتحقيقات . ثانياً : ـ اشترك وآخر مجهول بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب تزوير في محررين رسميين هما شهادتان دراسيتان منسوبتان لكلية دار العلوم جامعة ... وذلك بأن اتفق معه على التوقيع عليها بإمضاءات مزورة نسبت للموظف المختص بتحريرها وساعده في ذلك بأن قدم له المحرر وأمده بالمعلومات اللازمة لتزويره ، فوقعت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة . ثالثاً : ـ قلد بواسطة الغير خاتم شعار الجمهورية المنسوب صدوره لكلية دار العلوم جامعة .... واستعمله بأن بصم به على المحرر المزور السالف البيان مع علمه بتقليده . رابعـاً :- توصل إلى الاستيلاء على المبلغ النقدي المبين قـدراً بالأوراق والمملوك لـ ".... " وكان ذلك باستعمال إحدى الطرق الاحتيالية التي من شأنها إيهام المجنى عليها بمشروع كاذب هو قدرته على تسفيرها لدولة ... على النحو المبين بالتحقيقات . وأحالته إلى محكمة جنايات ... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحـالة . وادعت المجنى عليها قبل المتهم مدنياً بمبلغ ... على سبيل التعويض المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40 /2 ,3 , 41 /1 , 206/ 3 , 211 , 212 , 336/ 1 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 32/ 2 من القانون ذاته ، بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات ، وبمصادرة المحررات المزورة المضبوطة وبإلزامه بأن يؤدى للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ خمسة عشر ألف جنيه مصري تعويضاً نهائياً .
  فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ .
________________
المحكمـــــة
    وحيث إن الطاعـن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم تزوير والاشتراك في تزوير محررات رسمية وتقليد خاتم لإحدى الجهات الحكومية والاستيلاء على مبلغ نقدى مملوك للغير باستخدام طرق احتيالية قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه خلا من بيان الواقعة بياناً تتحقق به أركان الجرائم التي دانه بها ولم يورد مضمون الأدلة التي عوَّل عليها في الإدانة . وعوَّل الحكم على أقوال المجني عليها رغم أنها مصابة بمرض نفسي ، وتناقض أقوالها مع أقوال باقي شهود الإثبات الذين شهدوا بعدم مشاهدتهم للوقائع موضوع الاتهام ، وبأن المستندات محل التزوير هي نماذج قديمة والأختام التي بصمت بها ملغاة , ورغم عدم معقولية حدوث الواقعة على النحو الوارد بأقوال شهود الإثبات . كما عوَّل الحكم على التحريات التي أجراها المقدم .... وأقواله بشأنها رغم أنها لا تصلح دليلاً على الإدانة ، ولم تكشف عن الشخص الآخر المجهول الذي اشترك معه الطاعن في ارتكاب التزوير ، والتفت الحكم إيراداً ورداً عن طلب الطاعن ندب خبير من مصلحة الطب الشرعي لفحص المستندات محل التزوير . كما قضى الحكم في الدعوى المدنية بإلزام الطاعن بأداء التعويض رغم انتفاء الدليل على ارتكاب الطاعن للجرائم التي دين بها وعدم تحقق أي ضرر بالمجنى عليها ، ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
    من حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها ، وساق على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها استمدها من أقوال شهود الإثبات وتحريات الشرطة وإقرار الطاعن بمحضري الضبط والتحقيقات ، وما ثبت من تقرير المعمل الكيماوي . لما كان ذلك وكان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الأصل أن من حـق محكمــة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها , وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق , وأن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع ، تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب , وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في استنباط الواقعة ، وتقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم اختلاف الشهود في تفصيلات معينة مادام قد حصل أقوالهم بما لا خلاف فيه ولم يورد هذه التفصيلات ، ولم يستند إليها في تكوين عقيدته ، إذ عدم إيراد هذه التفصيلات يفيد اطراحها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشأن تناقض أقوال المجني عليها مع باقي أقـوال شهود الإثبات ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى بما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعوِّل في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث . لما كان ذلك ، وكان لا يجدى الطاعن ما يثيره من أن المتهم الآخر المجهول الذي اشترك في التزوير عجزت التحريات عن الوصول إليه طالما أن اتهام هذا الشخص لم يكن ليحول دون مساءلته عن الجرائم التي دين بها , ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد . لما كان ذلك وكان من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه , فله أن يكون عقيدته مـن أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه , ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقاً خاصاً ، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزيئات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً , ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة , بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يلزم في التزوير المعاقب عليه أن يكون متقناً بحيث يلزم لكشفه دراية خاصة بل يستوي أن يكون واضحاً لا يستلزم جهداً في كشفه أو متقناً يتعذر على الغير أن يكشفه مادام تغيير الحقيقة في الحالتين يجوز أن ينخدع به بعض الناس . وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أن تغيير الحقيقة في المحررات المزورة يجوز أن ينخدع به بعض الناس ، فإن ما يثيره الطاعن بأن النماذج التي حررت عليها البيانات المزورة قديمة ، وأن الأختام التي بصمت بها ملغاة يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى الدليل المستمد من تقرير المعمل الجنائي وعولت عليه في إدانة الطاعن بما يفصح عن أنها لم تكن بحاجة إلى ندب خبير آخر فإنه لا تثريب عليها إن هي أغفلت دفاع الطاعن في هذا الشأن ويضحى ما أثاره الطاعن في هذا الصدد غير قويم . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يكفى في بيان وجه الضرر المستوجب للتعويض أن يثبت الحكم إدانة المحكوم عليه عن الفعل الذي حكم بالتعويض من أجله وكان الحكم قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها ارتكاب الطاعن للجرائم التي دانه بها ، وهي الفعـل الضار الذي ألزمه بالتعويـض المدني على مقتضاه ، فإن ما يثيـره الطاعـن في هذا الصدد يكون غير سديد .
________________

الطعن 21342 لسنة 71 ق جلسة 16 / 10 / 2008 مكتب فني 59 ق 81 ص 438

جلسة 16 من أكتوبر سنة 2008
برئاسة السيد المستشار / رضا القاضي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / محمد محجوب ، أبوبكر البسيوني أبوزيد وعبد الرسول طنطاوي نواب رئيس المحكمة وحسام خليل .
-------------
(81)
الطعن 21342 لسنة 71 ق
إثبات " بوجه عام " . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . دفوع " الدفع بالجهل بالقانون " . قانون " تطبيقه "" الاعتذار بالجهل بالقانون " .
    الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات . شرط قبوله : إقامة مدعي هذا الجهل الدليل على أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده بمشروعية عمله كانت له أسباب معقولة .
   مفاد نص المادتين 60 ، 63 من قانون العقوبات ؟
  قضاء الحكم ببراءة المطعون ضدهما لمجرد القول بجهلهما بالقاعدة الشرعية التي تحظر الجمع بين الأختين حتى انقضاء عدة الزوجة الأولى وتبريره ذلك بعدم حصولهما على أي قسط من التعليم وحسن نيتهما لاعتقادهما مباشرة عمل مشروع . دون التدليل على أنهما تحريا تحرياً كافياً وأن اعتقادهما الذي اعتقداه كانت له أسباب معقولة . قصور .
________________
   لما كان من المقرر أنه يشترط لقبول الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات أن يقيم من يدعى هذا الجهل الدليل القاطع على أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده بأنه يباشر عملاً مشروعاً كانت له أسباب معقولة . وهذا هو المعول عليه في القوانين التي أخذ عنها الشارع أسس المسئولية الجنائية ، وهو المستفاد من مجموع نصوص القانون ، فإنه مع تقريره قاعدة عدم قبول الاعتذار بعدم العلم بالقانون أورد في المادة 63 من قانون العقوبات ، أنه لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتية : (أولاً) إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه طاعته أو اعتقد أنه واجب عليه . (ثانياً) إذا حسنت نيته وارتكب فعلاً تنفيذاً لما أمرت به القوانين ، أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه ، وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته ، وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة ، كما جاء في المادة 60 من قانون العقوبات أن أحكام قانون العقوبات لا تسري على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد اقتصر في قضائه ببراءة المطعون ضدهما على مجرد القول بجهلهما بالقاعدة الشرعية التي تحظر الجمع بين الأختين حتى انقضاء عدة الزوجة الأولى للمحكوم عليه الأول ، وذلك لعدم حصولهما على أى قسط من التعليم ولحسن نية المطعون ضدها الأولى عند زواجها لاعتقادهـا بأنها تباشر عملاً مشروعاً ،وكذلك بالنسبة للمطعون ضده الثاني الذي شهد على زواجها ، دون أن يدلل على أنهما تحريا تحرياً كافياً ، وأن اعتقادهما الذي اعتقداه بأنهما يباشران عملاً مشروعاً كانت له أسباب معقولة تبرره ، فإنه يكون مشوباً بالقصور مما يعيبه ويوجب نقضه .
________________
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما وآخرين بأنهما : اشتركوا بطريق الاتفاق فيمـا بينهم وبطريق المساعدة مع موظف عمومي حسن النية هو ...... مأذون جهة ... في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو وثيقة زواج المتهم الأول على المتهمة الثانية الموصوفة بالتحقيقات حال تحريرها المختص بوظيفته وذلك بجعلهم واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهم بتزويرها بأن أبدى له المتهمان الأول بصفته زوجاً ، والثانية بصفتها زوجة على خلاف الحقيقة ما يفيد خلوهما من الموانع الشرعية وشهد على ذلك المتهمان الثالث والرابع مع أن الزوجة .... من المحرمات شرعاً على المتهم لسبق زواجه بشقيقتها التي لم تزل في فترة عدتها لحظة ضبط عقد الزواج المزور وضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال وتمت الجريمة بناء على هذه المساعدة . وأحالتهم إلى محكمة جنايات ... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً أولاً: ببراءة كل من (1) ... (2) .... مما أسند إليهما . ثانياً: بمعاقبة... بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وبمعاقبة ... بالحبس مع الشغل لمدة ستة شهور وبمصادرة المحررات المزورة المضبوطة .
 فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.....إلخ .
________________
المحكمـة
وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتبرئة المطعون ضدهما من جريمة الاشتراك في تزوير محرر رسمي ، قد شابه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال ، ذلك بأنه استند في قضائه بالبراءة إلى عدم توافر القصد الجنائي لدى المطعون ضدهما لجهلهما بحكم من أحكام قانون الأحوال الشخصية الذي يحرم زواج الرجل من أخت مطلقته قبل انقضاء عدتها ، نظراً لعدم حصولهما على أي قسط من التعليم ـ رغم أن الثابت بالأوراق أن المتهم الأول وهو زوج أخت المطعون ضدها الأولى قد عاشر الأخيرة فحملت منه سفاحاً ، ولعلمه بعدم جواز الجمع بين الأختين قام بتطليق زوجته حتى يتمكن من الزواج من المطعون ضدها مما يدلل على علمهما بالقاعدة الشرعية ولكنهما لم ينتظرا انتهاء عدة زوجته وأثبتا على غير الحقيقة بوثيقة الزواج خلوها من ثمة مانع شرعي ، وبذلك يكونان قد قصدا تغيير الحقيقة مع علمهما بذلك وشهد المطعون ضده الثاني على ذلك ، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن الحكم المطعون فيه قضى ببراءة المطعون ضدهما من جريمة الاشتراك في تزوير محرر رسمي المسندة إليهما وأسس قضاءه على عدم علمهما بحكم الشرع في قيام التحريم في الجمع بين الأختين في فترة العدة للأخت المطلقة ، نظراً لعدم حصولهما على أى قسط من التعليم ولاعتقادهما أنهما يباشران عملاً مشروعاً مما يبرر جهلهما بتلك القاعدة الشرعية والذى ينتفي معه القصد الجنائي الواجب توافره في جريمة التزوير. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يشترط لقبول الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات أن يقيم من يدعي هذا الجهل الدليل القاطع على أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده بأنه يباشر عملاً مشروعاً كانت له أسباب معقولة . وهذا هو المعول عليه في القوانين التي أخذ عنها الشارع أسس المسئولية الجنائية وهو المستفاد من مجموع نصوص القانون ، فإنه مع تقريره قاعدة عدم قبول الاعتذار بعدم العلم بالقانون أورد في المادة 63 من قانون العقوبات أنه لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتيـة : (أولاً) إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه طاعته أو اعتقد أنه واجب عليه . (ثانياً) إذا حسنت نيته وارتكب فعلاً تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه ، وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري ، وأنه كان يعتقد مشروعيته ، وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة كما جاء في المادة 60 من قانون العقوبات أن أحكام قانون العقوبات لا تسري على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قــد اقتصر في قضائه ببراءة المطعون ضدهما على مجرد القول بجهلهما بالقاعدة الشرعية التي تحظر الجمع بين الأختين حتى انقضاء عدة الزوجة الأولى للمحكوم عليه الأول وذلك لعدم حصولهما على أي قسط من التعليم ، ولحسن نية المطعون ضدها الأولى عند زواجها لاعتقادهـا بأنها تباشر عملاً مشروعاً ، وكذلك بالنسبة للمطعون ضده الثاني الذي شهد على زواجها ، دون أن يدلل على أنهما تحريا تحرياً كافياً ، وأن اعتقادهما الذي اعتقداه بأنهما يباشران عملاً مشروعاً كانت له أسباب معقولة تبرره ، فإنه يكون مشوباً بالقصور ، مما يعيبه ويوجب نقضه .
________________

الطعن 19627 لسنة 71 ق جلسة 16 / 10 / 2008 مكتب فني 59 ق 80 ص 435

جلسة 16 من أكتوبر سنة 2008
برئاسة السيد المستشار / صلاح البرجي نائب رئيس المحكمـة وعضوية السادة المستشاريـن د/ وفيق الدهشان ، نيـر عثمــان ، أحمد عبدالقوي أحمد نواب رئيس المحكمة ومحمد طاهـــر .
-----------
(80)
الطعن 19627 لسنة 71 ق
(1) ذبح إناث الماشية . عقوبة " تطبيقها " . غش . قانون " تفسيره ". محكمة النقض " سلطتها ". نشر . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون "" أسباب الطعن . ما يقبل منها " .
وجوب نشر الحكم الصادر بالإدانة في جريمة عرض للبيع أغذية مغشوشة غير صالحة للاستهلاك الآدمى في جريدتين يوميتين على نفقة المحكوم عليه . إغفال ذلك . خطأ في تطبيق القانون . يوجب تصحيحه . أساس ذلك ؟
     مثال .
 (2) ارتباط . عقوبة " العقوبة التكميلية "" العقوبة الأصلية"" تطبيقها "" عقوبة الجرائم المرتبطة "" عقوبة الجريمة الأشد ".
   العقوبة الأصلية المقررة لأشد الجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة . تجب العقوبات الأصلية المقررة لما عداها من جرائم . دون العقوبات التكميلية .
العقوبات التكميلية في واقع أمرها عقوبات نوعية . توقيعها واجب . مهما تكن العقوبة المقررة والحكم بها مع عقوبة الجريمة الأشد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 1- لما كانت المادتان الثانية والثامنة من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع الغش والتدليس المعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 قد أوجبتا - إلى جانب الحكم بالحبس والغرامــة - القضاء بنشر الحكم في جريدتين يوميتين على نفقة المحكوم عليه .
  2- من المقرر أن العقوبات الأصلية المقررة لأشد الجرائم المرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئه تجب العقوبات الأصلية المقررة لما عداها من جرائم دون أن يمتد هذا الجب إلى العقوبات التكميلية التي تحمل في طياتها فكرة رد الشئ إلى أصله ، أو التعويض المدني للخزانة أو إذا كانت ذات طبيعة وقائية كالمصادرة والنشر ومراقبة البوليس والتي هي في واقع أمرها عقوبات نوعية مراعى فيها طبيعة الجريمة ، ولذلك يجب توقيعها مهما تكن العقوبة المقررة لما يرتبط بتلك الجريمة من جرائم أخرى والحكم بها مع عقوبة الجريمة الأشد ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أعمل حكم المادة 32 من قانون العقوبات وأغفل عقوبة النشر المنصوص عليها في المادة الثامنة من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع الغش والتدليس المعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب تصحيحه بالقضاء بعقوبة النشر في جريدتين يوميتين على نفقة المحكوم عليه بالإضافة إلى العقوبات المقضى بها .
________________
الوقائـع
اتهمـت النيابـة العامة المطعون ضده بأنه : 1- قام بذبح أنثى ماشية صغيرة قبل تبديل جميع قواطعها حال كون ذلك محظور قانوناً . 2- قام بذبح الحيوانات المخصصة لحومها للاستهلاك الآدمى خارج المجازر المعدة لذلك حال كون ذلك غير جائز قانوناً . 3 - عرض للبيع شيئاً من أغذية الإنسان " لحوم " غير صالحة للاستهلاك الآدمى.
وأحالته إلى محكمة جنايات ....... لمعاقبته طبقـاً للقـيد والوصف الواردين بأمر الإحالـة . والمحكمة المذكورة قضـت حضورياً عملاً بالمواد 19/1 ، 146 ، 143 مكرراً الفقرة الأولى والثانية والثالثة من القانون رقم 53 لسنة 1966 المعدل بالقرار بقانون رقم 2575 لسنة 1980 وقرارات وزير الزراعة أرقام 38 لسنة 1967 ، 18 لسنة 1986 والمواد 1 ، 2، 7 ، 8 من القانون رقم 48 لسنة 1941 المعدل بالقانون رقم 80 لسنة 1961 والمستبدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 . بمعاقبة .... بتغريمه ألف جنيه عما أسند إليه وبمصادرة المضبوطات وأمرت بغلق محل جزارة المتهم لمدة ثلاثة أشهر .
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.
________________
المحكمـة
 وحيث إن مبنى الطعن المقدم من النيابة العامة هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان المطعون ضده بجرائم ذبح أنثى ماشية قبل تقطيع جميع قواطعها ، وذبح الحيوانات المخصصة لحومها للاستهلاك الآدمى خارج المجازر ، وعرض للبيع أغذية " لحوم " غير صالحة للاستهلاك الآدمى وأعمل حكم المادة 32 من قانون العقوبات ، قد أخطأ في تطبيق القانون ، لأنه أغفل القضاء بعقوبة النشر المنصوص عليها في المادة الثامنة من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع الغش والتدليس المعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضــه .
وحيث إن المادتين الثانية والثامنة من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع الغش والتدليس المعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 قد أوجبتا - إلى جانب الحكم بالحبس والغرامــة - القضاء بنشر الحكم في جريدتين يوميتين على نفقة المحكوم عليه . لما كان ذلك ، وكان الأصل أن العقوبات الأصلية المقررة لأشد الجرائم المرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة تجب العقوبات الأصلية المقررة لما عداها من جرائم دون أن يمتد هذا الحبس إلى العقوبات التكميلية التي تحمل في طياتها فكرة رد الشئ إلى أصله ، أو التعويض المدنى للخزانة أو إذا كانت ذات طبيعة وقائية كالمصادرة والنشر ومراقبة البوليس والتى هي في واقع أمرها عقوبات نوعية مراعى فيها طبيعة الجريمة ، ولذلك يجب توقيعها مهما تكن العقوبة المقررة لما يرتبط بتلك الجريمة من جرائم أخرى والحكم بها مع عقوبة الجريمة الأشد ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أعمل حكم المادة 32 من قانون العقوبات وأغفل عقوبة النشر المنصوص عليها في المادة الثامنة من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع الغش والتدليس المعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب تصحيحه بالقضاء بعقوبة النشر في جريدتين يوميتين على نفقة المحكوم عليه بالإضافة إلى العقوبات المقضى بها .
________________

الطعن 58320 لسنة 76 ق جلسة 13 / 10 / 2008 مكتب فني 59 ق 79 ص 430

جلسة 13 من أكتوبر سنة 2008
برئاسة السيد المستشار/ محمد حسام الدين الغرياني نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / زغلول البلشي ، عبدالرحمن هيكل ، مهاد خليفة ومعتز زايد نواب رئيس المحكمة.
------------
(79)
الطعن 58320 لسنة 76 ق
(1) اشتراك . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب ". فاعل أصلى . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها "
الاشتراك بطريق المساعدة . لا يشترط لتحققه أن يكون هناك ثمة اتفاق بين الفاعل والشريك بارتكاب الفاعل للجريمة ومساعدته له من الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها .
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على ثبوت الاشتراك بطريق المساعدة في حق المتهم .
(2) جريمة " أركانها " . سرقة . قصد جنائي . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل" .
القصد الجنائي في جريمة السرقة . قوامه . علم الجاني وقت ارتكاب الفعل أنه يختلس منقولاً مملوكاً للغير من غير رضائه بنية تملكه .
الاشتراك بالمساعدة . تحققه باتجاه نية الشريك في التدخل مع الفاعلين تدخلاً مقصوداً يتجاوب صداه مع فعله ويتحقق به معنى تسهيل ارتكاب الجريمة الذي هو مناط عقاب الشريك .
(3) إثبات " اعتراف " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
خطأ المحكمة في تسمية الإقرار اعترافاً . لا يعيب الحكم . طالما أنه تضمن دليلاً يعزز أدلة الثبوت الأخرى التي بنيت عليها الإدانة .
لمحكمة الموضوع تكوين اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه . مادام له مأخذه الصحيح من الأوراق .
 (4) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب ". قبض . مأمورو الضبط القضائي " سلطاتهم ". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل".
لمأمور الضبط القضائي اتخاذ الإجراءات التحفظية المناسبة قبل الشخص . إذا وجدت دلائل كافية على اتهامه بارتكاب جناية أو جنحة من الجنح المنصوص عليها بالمادة 35 إجراءات جنائية . تقدير توافر هذه الدلائل . منوط بمأمور الضبط القضائي تحت إشراف محكمة الموضوع .
اقتناع المحكمة بتوافر مسوغات الإجراء التحفظي الذي اتخذه مأمور الضبط القضائي قبل الطاعن . المجادلة في ذلك أمام النقض . غير جائزة .
 ________________
   1- من المقرر أنه لا يشترط لتحقق الاشتراك بطريق المساعدة المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة 40 من قانون العقوبات أن يكون هناك اتفاق بين الفاعل والشريك على ارتكاب الجريمة ، بل يكفى أن يكون الشريك عالماً بارتكاب الفاعل للجريمة وأن يساعده في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد عرض لدور الطاعن كشريك في جريمة السرقة بالإكراه وأكده في قوله : ".... وعقب تعطل السيارة بعد سرقتها اتصل المتهم الأول بالمتهم .... وأخبره بتعطل السيارة طالباً منه الحضور حيث حضر واستقلا معاً دراجة المتهم البخارية وتوجها وأحضرا سيارة رافعة " ونش " وقاما بسحب السيارة المسروقة حيث تم ضبطها ، وهو ما يؤكد اتصال علم المتهم بواقعة السرقة اتصالاً يوفر في حقه القصد الجنائي بإضافة ما اختلسه باقي المتهمين لملكهم وبصفته شريكاً لهم " . وكان ما أورده الحكم على هذا النحو كافياً وسائغاً للتدليل على ثبوت الاشتراك بطريق المساعدة في حق الطاعن ، ومن ثم فإن النعي عليه بقالة القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال يكون غير سديد.
        2- من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة السرقة هو قيام العلم عند الجاني وقت ارتكاب الفعل بأنه يختلس المنقول المملوك للغير من غير رضاء مالكه بنية تملكه ، وكان الحكم المطعون فيه دلل على علم الطاعن بنية السرقة ورد على دفعه في هذا المنحى رداً سائغاً ، وكان ما أورده في مدوناته يوفر ما لدى الطاعن - الشريك - من نية التدخل مع الفاعلين تدخلاً مقصوداً يتجاوب صداه مع فعله ويتحقق به معنى تسهيل ارتكاب الجريمة الذي جعله الشارع مناطاً لعقاب الشريك ، فإن ما يعتصم به الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
3- لما كان الثابت من المفردات المضمومة أن ما نسبه الحكم إلى الطاعن وباقي المتهمين من قول أبدوه بالتحقيقات ، حاصله أن الأول أحضر رافعــة سحبت السيارة المسروقة على إثر اتصال هاتفي من والده - وهو أحد المتهمين - له أصله في الأوراق ، فإنه لا يعيب الحكم خطؤه في تسمية ذلك القول اعترافاً طالما أنه تضمن دليلاً يعزز أدلة الدعوى الأخرى التي بنيت عليها الإدانة ، وذلك لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها من أى دليل تطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق . ومن ثم فإن ما يتترس به الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله .
   4- لما كانت الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون الإجراءات الجنائية قد دلت على أنه يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يتخذ الإجراءات التحفظية المناسبة قبل الشخص إذا وجدت دلائل كافية على اتهامه بارتكاب جناية أو جنحة سرقة أو نصب أو تعد شديد أو مقاومة لرجال السلطة العامة بالقوة والعنف ، وتقدير توافر هذه الدلائل على الاتهام التي تبرر اتخاذ الإجراء التحفظي المناسب منوط بمأمور الضبط القضائي تحت إشراف محكمة الموضوع، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت - على ما يبين من تصديها للدفع ببطلان القبض ورفضها له - بتوافر مسوغات الإجراء التحفظي الذي اتخذه مأمور الضبط القضائي قبل الطاعن إذ عرضه على النيابة العامة ، وهو ما لا يعد قبضاً - كما هو معرف به في القانون- فلا يجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض .
________________
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه :- اشترك مع متهمين آخرين سبق الحكم عليهم في سرقة السيارة رقم .... نقل .... بأن اتفق معهم على سرقتها وساعدهم في نقلها بأن أحضر سيارة مجهزة لحملها ، وتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة .
 وأحالتهما إلى محكمة جنايات .... لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/2، 3، 41، 314 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنـوات .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ .
________________
المحكمة
 ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الاشتراك في جناية سرقة بإكراه ، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق ، ذلك بأنه عوَّل في اطراح دفاعه بأنه لا يعد شريكاً في الجريمة وبانتفاء القصد الجنائي العام والخاص لديه على ما قرره وباقي المتهمين بالتحقيقات من أنه على إثر اتصال هاتفي من والده - وهو أحد المتهمين - أتى برافعة وسحب السيارة المسروقة بعد تعطلها في الطريق وهو ما لا يصلح رداً ، هذا إلى أن الحكم أخطأ في تسمية هذا الذي قرره وباقي المتهمين اعترافاً بالمعنى القانوني إذ اتخذه نصاً في اقتراف الجريمة وهو ما لا تحمله الأوراق ، وأخيراً فإن الحكم رد بما لا يسوغ على دفعه ببطلان القبض لعدم ضبطه والجريمة متلبس بها ولعدم صدور أمر من النيابة العامة بذلك ، مما يعيبه ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يشترط لتحقق الاشتراك بطريق المساعدة المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة 40 من قانون العقوبات أن يكون هناك اتفاق بين الفاعل والشريك على ارتكاب الجريمة ، بل يكفي أن يكون الشريك عالماً بارتكاب الفاعل للجريمة وأن يساعده في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد عرض لدور الطاعن كشريك في جريمة السرقة بالإكراه وأكده في قوله : "..... وعقب تعطل السيارة بعد سرقتها اتصل المتهم الأول بالمتهم..... وأخبره بتعطل السيارة طالباً منه الحضور حيث حضر واستقلا معا دراجة المتهم البخارية وتوجها وأحضرا سيارة رافعة " ونش " وقاما بسحب السيارة المسروقة حيث تم ضبطها ـ وهو ما يؤكد اتصال علم المتهم بواقعة السرقة اتصالاً يوفر في حقه القصد الجنائي بإضافة ما اختلسه باقي المتهمين لملكهم وبصفته شريكاً لهم " . وكان ما أورده الحكم على هذا النحو كافياً وسائغاً للتدليل على ثبوت الاشتراك بطريق المساعدة في حق الطاعن ، ومن ثم فإن النعي عليه بقالة القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة السرقة هو قيام العلم عند الجاني وقت ارتكاب الفعل بأنه يختلس المنقول المملوك للغير من غير رضاء مالكه بنية تملكه ، وكان الحكم المطعون فيه دلل على علم الطاعن بنية السرقة ، ورد على دفعه في هذا المنحى رداً سائغاً ، وكان ما أورده في مدوناته يوفر ما لدى الطاعن - الشريك - من نية التدخل مع الفاعلين تدخلاً مقصوداً يتجاوب صداه مع فعله ويتحقق به معنى تسهيل ارتكاب الجريمة الذي جعله الشارع مناطاً لعقاب الشريك ، فإن ما يعتصم به الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك، وكان الثابت من المفردات المضمومة أن ما نسبه الحكم إلى الطاعن وباقى المتهمين من قول أبدوه بالتحقيقات ، حاصله أن الأول أحضر رافعــة سحبت السيارة المسروقة على أثر اتصال هاتفي من والده - وهو أحد المتهمين - له أصله في الأوراق، فإنه لا يعيب الحكم خطؤه في تسمية ذلك القول اعترافاً طالما أنه تضمن دليلاً يعزز أدلة الدعوى الأخرى التي بنيت عليها الإدانة ، وذلك لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق . ومن ثم فإن ما يتترس به الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكانت الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون الإجراءات الجنائية قد دلت على أنه يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يتخذ الإجراءات التحفظية المناسبة قبل الشخص إذا وجدت دلائل كافية على اتهامه بارتكاب جناية أو جنحة سرقة أو نصب أو تعد شديد أو مقاومة لرجال السلطة العامة بالقوة والعنف ، وتقدير توافر هذه الدلائل على الاتهام التي تبرر اتخاذ الإجراء التحفظي المناسب منوط بمأمور الضبط القضائي تحت إشراف محكمة الموضوع ، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت - على ما يبين من تصديها للدفع ببطلان القبض ورفضها له - بتوافر مسوغات الإجراء التحفظي الذي اتخذه مأمور الضبط القضائي قبل الطاعن إذ عرضه على النيابة العامة ، وهو ما لا يعد قبضاً - كما هو معرف به في القانون - فلا يجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن جميعه يكون على غير أساس حقيقاً برفضه موضوعاً .
_______________