الطعن 295 لسنة 25 ق "دستورية" جلسة 7 /5 /2016
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع من مايو سنة 2016م،
الموافق الثلاثين من رجب سنة 1437هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه
النجار وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد
غنيم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 295 لسنة 25
قضائية "دستورية".
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق –
في أن الشركة المدعية أقامت ضد المدعى عليه الثالث وآخرين الدعوى رقم 1695 لسنة
2003 أمام محكمة المنيا الابتدائية بطلب الحكم ببراءة ذمتها من مبلغ 114667 جنيها
قيمة الضريبة التي تطالبها بها مصلحة الضرائب على المبيعات، بواقع سبعة جنيهات
ونصف عن كل لتر كحول إثيلي نقي غير محول، وذلك على سند من القول بأنه في غضون شهر
فبراير سنة 2002 وقع حادث لإحدى سياراتها، مما نتج عنه انسكاب حمولتها من الكحول،
وحرر عن ذلك الحادث المحضر رقم 835 لسنة 2002 إداري أبو قرقاص، وانتهت النيابة
العامة إلى حفظه إدارياً، بيد أن مصلحة الضرائب على المبيعات طالبتها بالمبلغ
المشار إليه كضريبة مبيعات مقررة على كمية الكحول المسكوبة، وأثناء نظر الدعوى
بجلسة 29/9/2003، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية نص المسلسل رقم (7/ج) من
الجدول رقم (1) الملحق بقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11
لسنة 1991، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للشركة المدعية بإقامة الدعوى
الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (3) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر
بالقانون رقم 11 لسنة 1991 تنص على أن "يكون سعر الضريبة على السلع 10%، وذلك
عدا السلع المبينة في الجدول رقم (1) المرافق فيكون سعر الضريبة على النحو المحدد
قرين كل منها.
ويحدد الجدول رقم (2) المرافق سعر الضريبة على الخدمات.
ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية إعفاء بعض السلع من الضريبة وتعديل سعر
الضريبة على بعض السلع.
كما يجوز لرئيس الجمهورية تعديل الجدولين رقمي (1) و(2) المرافقين".
وحيث إن الجدول رقم (1) المشار إليه قد تضمن نص المسلسل رقم (7) على
النحو الآتي:
"(أ) كحول إثيلي نقي غير محول تبلغ درجته الكحولية 80 درجة فأكثر، ووحدة
تحصيله "اللتر الصرف"، وفئة الضريبة ثلاثة جنيهات لكل من المستورد
والمحلي.
(ب) كحول إثيلي نقي غير محول تبلغ درجته الكحولية 80 درجة فأكثر
(يستخدم في صناعة العطور والكولونيا ......)، ووحدة تحصيله "اللتر
الصرف"، وفئة الضريبة ثلاثة جنيهات لكل من المستورد والمحلي.
(ج) كحول إثيلي غير محول تبلغ درجته الكحولية 80 درجة فأكثر للأغراض
الطبية (بشرط أنه يتم توزيعه تحت إشراف وزارة الصحة)، ووحدة تحصيله "اللتر
الصرف"، وفئة الضريبة 00.750 جنيه لكل من المستورد والمحلي ......".
وإعمالاً للفقرتين الثالثة والرابعة من المادة (3) من قانون الضريبة
العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المشار إليه؛ صدر قرار رئيس
الجمهورية رقم 77 لسنة 1992 بتعديل الجدولين المرافقين للقانون المذكور، ونصت
المادة الأولى من هذا القرار على أن "يُعدّل المسلسلان رقما (4 و7) من الجدول
رقم (1) المرافق للقانون رقم 11 لسنة 1991 بإصدار قانون الضريبة العامة على
المبيعات، وفقاً لما هو مبين بالكشف حرف (أ) المرفق بهذا القرار".
وقد تضمن هذا الكشف بالنسبة للمسلسل رقم (7) المشار إليه ما يأتي:
"(أ) كحول إثيلي نقي غير محول مهما بلغت درجته الكحولية، ووحدة تحصيله
اللتر الصرف، وفئة الضريبة سبعة جنيهات ونصف جنيه لكل من المستورد والمحلي ......".
وحيث أن المحكمة الدستورية العليا قضت بحكمها الصادر في القضية
الدستورية رقم 79 لسنة 22 قضائية بجلسة 14/10/2012؛ بعدم دستورية ما تضمنه نص
البند (أولاً) من المادة (3) من القانون رقم 2 لسنة 1997 بتعديل بعض أحكام قانون
الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 من العمل بأحكامه
اعتبارا من 5/3/1992.
وحيث إن البند "أولاً" من المادة (3) من القانون رقم 2 لسنة
1997 المشار إليه صار ينص مقروءاً في ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا السالف
البيان على أنه: "أولاً يُعدل المسلسلان رقما 4 و7 من الجدول رقم (1) المرافق
للقانون رقم 11 لسنة 1991 المشار إليه وفقاً لما هو مبين بالجدول (د) المرافق لهذا
القانون".
وقد ردد الجدول (د) المشار إليه ما تضمنه المسلسلان رقما (4 و7) من
الكشف (أ) المرفق بقرار رئيس الجمهورية رقم 77 لسنة 1992 المشار إليه.
وتنص المادة (11) من القانون رقم 2 لسنة 1997 المشار إليه على أن
"تلغى قرارات رئيس الجمهورية أرقام ...... و77 لسنة 1992 و......، وذلك
اعتبارا من تاريخ العمل بكل منها"، كما تنص المادة (12) من القانون ذاته على
أن "تلغى الفقرتان الثالثة والرابعة من المادة (3) من قانون الضريبة العامة
على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991".
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا – وعلى ما جرى عليه قضاؤها – هي
وحدها التي تهيمن على تكييف الدعوى الدستورية وإضفاء الوصف القانوني الصحيح عليها،
كما استقر قضاؤها على أن نطاق الدعوى الدستورية يتسع لتلك النصوص التي أضير المدعي
من جراء تطبيقها عليه – ولو لم يتضمنها الدفع بعدم الدستورية أو حكم الإحالة – إذا
كان فصلها عن النصوص التي اشتمل الدفع عليها أو شملها حكم الإحالة متعذرا، وكان
ضمها إليها كافلاً الأغراض التي توخاها المدعي بدعواه الدستورية أو حكم الإحالة،
فلا تحمل إلا على مقاصده، ولا تتحقق مصلحته الشخصية والمباشرة بعيدا عنها. متى كان
ذلك، وكانت الشركة المدعية قد طلبت الحكم بعدم دستورية المسلسل رقم (7/ج) من الجدول
رقم (1) الملحق بقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة
1991 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1997، فيما نص عليه من تحديد سعر الضريبة على
اللتر الصرف من الكحول الإثيلي النقي غير المحول؛ بمبلغ سبعة جنيهات ونصف، فإن
صحيح ما تتغيا الحكم بعدم دستوريته يتمثل في المسلسل رقم (7/أ) من الجدول المشار
إليه؛ باعتباره يتعلق بوعاء الضريبة محل النزاع في الدعوى الموضوعية.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية –
مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك
بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها
والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول براءة
ذمة الشركة المدعية من قيمة الضريبة العامة على المبيعات التي قامت مصلحة الضرائب
على المبيعات بمطالبتها بسدادها، وكانت هذه الشركة تبغي من دعواها الماثلة –
مرتبطة بطلباتها الموضوعية على النحو السالف البيان – الحكم بعدم دستورية المسلسل
رقم (7/أ) من الجدول رقم (1) الملحق بقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر
بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1997، فيما نص عليه من
تحديد سعر الضريبة على اللتر الصرف من الكحول الإثيلي النقي غير المحول؛ بمبلغ
سبعة جنيهات ونصف، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للشركة المدعية تكون
متحققة في الطعن على هذا النص في النطاق المشار إليه، بحسبان أن الفصل في دستوريته
سيكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة لانتفاء
المصلحة الشخصية المباشرة للشركة المدعية؛ على سند من القول بأنها لا تتحمل عبء
الضريبة، وإنما يتحمله المستهلك النهائي للسلعة.
وحيث إن هذا الدفع مردود بما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا
من أن الملتزم بالضريبة، دون أن يكون محملاً بعبئها، تقوم له مصلحة في الطعن بعدم
دستورية النص الفارض للضريبة؛ ذلك أن الحكم بعدم دستورية ذلك النص يعني امتناع
تحصيل الضريبة التي فرضها وانهدام الأساس القانوني الذي تقوم عليه، خاصة أن
الضريبة في مثل هذه الحالة تُعتبر جزءاً من عناصر تكلفة السلعة المحملة بها، بما
يؤدي إلى زيادة في التكلفة ويؤثر بالضرورة في فرص تسويقها، والتي تتحكم فيها
قوانين عرض وطلب هذه السلعة في الأسواق المحلية والدولية. متى كان ذلك؛ فإن الشركة
المدعية تعد مخاطبة بالنص المطعون فيه؛ باعتبارها ملتزمة بتوريد الضريبة إلى مصلحة
الضرائب على المبيعات، وتبعاً لذلك؛ تتوافر مصلحتها الشخصية المباشرة في الدعوى
الماثلة، ويضحى الدفع بعدم قبولها واردا على غير أساس، متعينا الالتفات عنه.
وحيث إن الشركة المدعية تنعي على النص المطعون فيه، مخالفته لنصوص
المواد (33 و34 و38 و61 و119) من دستور سنة 1971، على سند من أن هذا النص قد حدد
سعر الضريبة على المنتج بما يجاوز 80% من قيمته البيعية، مما يخل بمبدأ العدالة
الاجتماعية، ويعصف بحق الملكية، فضلاً عن إهداره الأركان الشكلية والموضوعية
للضريبة.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد
الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن
هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور
القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد
والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام
التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى
القواعد الآمرة.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على
النص المطعون عليه من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014.
وحيث إن الدستور – وفقا لما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا –
قد أعلى من شأن الضريبة العامة، وقدّر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار الاقتصادية
التي ترتبها، ومايز – ترتيباً على ذلك – بنص المادة (38) منه، بين الضريبة العامة
وغيرها من الفرائض المالية، فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو
إلغاؤها إلا بقانون، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها في حدود القانون، مما مؤداه أن
السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة؛ إذ تتولى بنفسها
تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها متضمنا تحديد نطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد
وعائها وأسس تقديرها، وبيان مبلغها والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عنها،
وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه
الضريبة، عدا الإعفاء منها؛ إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون.
والأصل أن يتوخى المشرع – بالضريبة التي يفرضها – أمرين يكون أحدهما أصلاً مقصودا
منها ابتداءً، ويتمثل في الحصول على غلتها؛ لتعود إلى الدولة وحدها، لتعينها على مواجهة
نفقاتها، ويكون ثانيهما مطلوباً منها بصفة عرضية أو جانبية أو غير مباشرة، كاشفاً
عن طبيعتها التنظيمية، دالاً على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة، وبوجه
خاص من خلال تقييد مباشرة الأعمال التي تتناولها، أو حمل المكلفين بها – عن طريق
عبئها – على التخلي عن نشاطهم، وعلى الأخص إذا كان مؤثمّا جنائياً. وينبغي أن تكون
العدالة الاجتماعية مضمونا لمحتوى النظام الضريبي وغاية يتوخاها، ويتعين بالتالي –
بالنظر إلى وطأة وخطورة تكلفة الضريبة – أن يكون العدل من منظور اجتماعي مهيمنا
عليها بمختلف صورها؛ محددا الشروط الموضوعية لاقتضائها. ولا ينال من دستورية
الضريبة أن يكون هدفها الحصول أصلاً من المكلفين بها على مبلغها مع تنظيم نشاطهم
عرضا بما يجعل استمرارهم فيه مرهقا. ويقابل حق الدولة في اقتضاء الضريبة حق
الملتزمين بها والمسئولين عنها؛ في تحصيلها وفق القوالب الشكلية والأسس الموضوعية
التي ينبغي أن تكون قواما لها من زاوية دستورية، وبغيرها تنحل الضريبة عدما.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تحديد دين الضريبة يفترض
التوصل إلى تحديد حقيقي للمال الخاضع لها، باعتبار أن ذلك يُعد شرطا لازماً لعدالة
الضريبة وسلامة بنيانها، ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة، وبالتالي
يتعين أن يكون وعاء الضريبة ممثلاً في المال المحمل بعبئها، محققاً ومحددا على أسس
واقعية واضحة لا تثير لبسا أو غموضا، بما يمكن معها الوقوف على حقيقته على أكمل
وجه، ولا يكون الوعاء محققا إلا إذا كان ثابتاً بعيداً عن شبهة الاحتمال، ذلك أن
مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها، إنما يتحدد مرتبطا بوعائها، وباعتباره منسوباً
إليه ومحمولاً عليه. واختيار المشرع للمال محل الضريبة هو مما يخضع لسلطته
التقديرية؛ وفق الشروط التي يقدر المشرع معها واقعية الضريبة وعدالتها بما لا مخالفة
فيه لأحكام الدستور، وبغير ذلك لا يكون لتحديد وعاء الضريبة من معنى، ذلك أن وعاء
الضريبة هو مادتها، والغاية من تقرير الضريبة هو أن يكون هذا الوعاء مصرفها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع بتقريره النص المطعون فيه، قد
أعمل سلطته التقديرية في شأن تحديد وعاء الضريبة وسعرها والملتزم بها، بأن حدد هذا
السعر على أساس موحد بالنسبة لكمية ونوع السلعة الخاضعة للضريبة، وفق أسس موضوعية
لا تقيم في مجال تطبيق النص المذكور تمييزا منهياً عنه بين المخاطبين به، بأن حدد
السلعة الخاضعة للضريبة تحديداً دقيقاً، معينا ماهية السلعة بعبارة واضحة لا
يشوبها لبس أو غموض، كما بيّن وحدة التحصيل وفئة الضريبة على نحو يقيني وجلي يتحقق
به إحاطة الممولين بالعناصر التي تقيم البنيان القانوني لهذه الضريبة؛ متوخيا في
ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي ويتخذها مضمونا
وإطارا له، منظورا إليها من زاوية طبيعة تلك السلع والفئات والجهات التي تقوم على
ابتياعها بوصفها المحملة أصلاً بعبئها، ذلك أن هذا النوع من الضرائب غير المباشرة
يُفرض على عمليات تداول السلعة؛ وقد خص المشرع السلع الواردة بالجدول رقم (1)
المرافق لقانون الضريبة العامة على المبيعات، بعد تعديله على النحو المشار إليه،
بأسعار خاصة راعى فيها أهمية السلعة وضرورتها الاجتماعية، وهي أمور تخضع للكثير من
العوامل المتداخلة؛ مثل العرض والطلب على السلعة وعناصر تكلفتها وضرورتها
واستخداماتها وطبيعتها، وما إذا كانت كمالية أو ضرورية، ومدى وجود بدائل لها سواء
كانت محلية أو مستوردة، وكلها مقاييس تدخل في إطار السلطة التقديرية للمشرع، فضلاً
عن أن هذا التحديد لسعر الضريبة ووعائها قد جاء بقانون صادر عن السلطة التشريعية
التي تملك بيدها زمام الضريبة العامة ووضع القواعد الأساسية لتحصيل الأموال العامة
وإجراءات صرفها، ومن ثم فلا يخل النص المطعون فيه بمبدأ العدالة الاجتماعية، ولا
يهدر الأركان الشكلية والموضوعية للضريبة.
وحيث إن من المقرر أن الملكية لم تعد حقاً مطلقا يستعصي على التنظيم
التشريعي، ومن ثم غدا سائغاً تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية
التي يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع – في ضوء أحكام
الدستور – بين طبيعة الأموال – محل الملكية – والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها
على النحو الذي يحقق الصالح العام للمجتمع؛ تقديرا بأن القيود التي تفرضها الوظيفة
الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقه لا تُعتبر مقصودة لذاتها، وإنما غايتها
تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة، مما مؤداه أن الدستور يكفل الحماية للملكية
الخاصة التي لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، ويرد انحرافها كلما كان استخدامها
متعارضا مع الخير العام للشعب ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة
الاجتماعية التي يبين المشرع حدودها؛ مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومي وفي
إطار خطة التنمية. ولئن كانت الضريبة العامة، بل وكافة الفرائض المالية، تمثل في
حقيقتها عبئاً مالياً على الممولين؛ إذ هي في كافة صورها تشكل اقتطاعا لقيمتها من
أموال الممولين وتقتضيها الدولة منهم بما لها من سيادة، إلا أن هذه الفريضة في
الوقت ذاته تُعد من أهم موارد الدولة المالية التي تعينها على أداء مهامها
ووظائفها الحيوية في مختلف أوجه الأنشطة الموكولة إليها، ومن هنا وجب على المشرع التوفيق
دائماً بين حماية الملكية الخاصة ومبدأ ضرورة الضريبة، وذلك في إطار من المبادئ
الدستورية التي لا حول عنها، ولا تحلل منها، ومن أهمها ألا يكون القصد من فرضها
مجرد جباية الأموال في حد ذاتها، وأن يكون الدخل هو الوعاء الأساسي للضريبة، وألا
تكون رؤوس الأموال وعاء لها إلا بصورة استثنائية. ولئن كانت تلك المبادئ الدستورية
قد تقررت في شأن الضرائب المباشرة، إلا أنه يمكن تسريتها على الضرائب غير
المباشرة، بحيث يمكن القول بأن الأخيرة يتعين ألا تتمخض في نهاية أمرها عن عدوان
على الملكية الخاصة للممول؛ مما يقتضي بالضرورة أن يُقابل حق الدولة في اقتضاء
الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، بحق الملتزمين أصلاً
بها والمسئولين عنها في تحصيلها منهم، وفق تلك الأسس الموضوعية التي يكون إنصافها
نائياً لتحيفها، وحيدتها ضمانا لاعتدالها؛ إذ إن الضريبة؛ وإن مثلت – في حقيقتها –
اقتطاع جزء من ملكية الممول، إلا أن ذلك يأتي واقعاً في إطار الدور الاجتماعي لحق
الملكية، بحسبان الضريبة العامة هي ضرورة اجتماعية أيضا لكي تنهض الدولة
بمسئولياتها الملقاة على عاتقها في شتى مجالات الخدمات التي تقدمها من صحة وتعليم
ومرافق وغيرها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت الضريبة العامة على المبيعات ضريبة
غير مباشرة تقوم الشركة المدعية، بتوريدها، بعد تحصيلها من المستهلك؛ وهي بحسبانها
ضريبة غير مباشرة يتحمل المستهلك عبأها النهائي، وتبعاً لذلك؛ تنتفي قالة المساس
بحق الملكية.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يُعد مخالفا
لأحكام المواد (33) و(35) و(38) و(126) من الدستور، كما لا يخالف أي أحكام أخرى
فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية
المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق