الطعن9 لسنة 34 ق "دستورية" جلسة 4
/ 6 / 2016
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يونيو سنة 2016م،
الموافق الثامن والعشرين من شعبان سنة 1437 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: عبد الوهاب عبد الرازق وسعيد مرعي عمرو
وبولس فهمي إسكندر ومحمود غنيم وحاتم بجاتو والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس
المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 9 لسنة 34 قضائية
"دستورية" بعد أن أحالت المحكمة الإدارية لوزارتي الصحة والمالية بحكمها
الصادر بجلسة 10/9/2011 ملف الدعوى رقم 1177 لسنة 57 قضائية.
----------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق –
في أن المدعي وآخرين من العاملين ببنك التنمية والائتمان الزراعي، وبتاريخ 15 من
يونيو سنة 1993 أصدر رئيس مجلس إدارة البنك القرار رقم (293) بإنهاء خدمتهم لإلغاء
الوظيفة، وأخطر البنك الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي لاحتساب المعاش بالنسبة
لهم وفقا لحكم الفقرة الثانية من المادة (18) من قانون التأمين الاجتماعي، الصادر
بالقانون رقم 79 لسنة 1975، إلا أن الهيئة احتسبت معاشاتهم على أساس أحكام المعاش
المبكر، بحسبان تقاعدهم كان بناء على طلبهم، مما حدا بهم إلى إقامة الدعوى رقم 142
لسنة 1994 مدني كلي جنوب القاهرة ابتغاء القضاء بأحقيتهم في تقاضي كامل المعاش
وفقا لحكم الفقرة الثانية من المادة (18) من قانون التأمين الاجتماعي، وقد صدر
الحكم بطلباتهم، وأضحى باتاً؛ وحال تنفيذ المدعي لهذا الحكم فوجئ بإنقاص الهيئة المعاش
المستحق له بخصم 25% من المعاش الأساسي، واحتسابها معاش الأجر المتغير بنسبة 20%
على الرغم من أحقيته في احتسابه بنسبة 50%؛ مما حدا به وسائر زملائه إلى إقامة
الدعوى رقم 1695 لسنة 1997 مدني كلي، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، طلبا
للحكم بأحقيتهم في تقاضي المعاش المستحق كاملاً دون إنقاص نسبة الـ 25% بحد أدنى
عشرين جنيها وحد أقصى خمسة وثلاثين جنيها، وأن يتقاضوا معاش الأجر المتغير بنسبة
50% من أجر تسوية المعاش، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية من تاريخ
الإحالة للمعاش. وبجلسة 30 من أبريل سنة 2003 قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً
بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري؛ والتي قضت بدورها بجلسة 29 من
سبتمبر سنة 2009 بعدم اختصاصها نوعيّا بنظر الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الإدارية
لوزارتي الصحة والمالية وملحقاتهما، وقيدت برقم 1177 لسنة 57 قضائية.
وإذ ارتأت المحكمة الإدارية لوزارتي الصحة والمالية وملحقاتهما أن
المادتين الأولى والحادية عشرة من القانون رقم 107 لسنة 1987 بتعديل بعض أحكام
قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 مايزتا بين من استحق
المعاش لانتهاء خدمته ببلوغه سن التقاعد وبين من استحقه لإلغاء الوظيفة، مما يعد
إخلالاً بمبدأ المساواة، وينحل عدوانا على الملكية الخاصة التي يحميها الدستور،
فقد قررت بجلستها المنعقدة في العاشر من سبتمبر سنة 2011 وقف الدعوى وإحالة
الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نصي المادتين الأولى
والحادية عشرة من القانون رقم 107 لسنة 1987 بتعديل بعض أحكام قانون التأمين
الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975.
وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 107 لسنة 1987 بتعديل بعض أحكام
قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، قد جرى نصها على أن
"إذا قل معاش المؤمن عليه عن أجر اشتراكه المتغير المستحق في الحالة المنصوص
عليها في البند (1) من المادة (18) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون
رقم 79 لسنة 1975 عن 50% من متوسط أجر تسوية هذا المعاش رفع إلى هذا القدر متى
توافرت الشروط الآتية: (أ) أن يكون المؤمن عليه مشتركا عن الأجر المتغير في
1/4/1984 ومستمرا في الاشتراك عن هذا الأجر حتى تاريخ انتهاء خدمته.
(ب) أن تكون للمؤمن عليه في تاريخ توافر واقعة استحقاق المعاش مدة
اشتراك فعلية عن الأجر الأساسي مقدارها 240 شهرا على الأقل.
وفي تطبيق حكم هذه المادة يحسب معاش عن المدة المحسوبة في مدة
الاشتراك عن الأجر المتغير وفقا للمادة (34) من قانون التأمين الاجتماعي المشار
إليه ويضاف إلى المعاش المنصوص عليه في الفقرة السابقة".
كما تنص المادة الحادية عشرة من القانون ذاته، والمستبدلة بالمادة
السابعة من القانون رقم 30 لسنة 1992 بزيادة المعاشات وتعديل بعض أحكام قوانين
التأمين الاجتماعي، على أن "تزاد المعاشات التي تستحق اعتبارا 1/7/1992 في
إحدى الحالات الآتية:
1- بلوغ سن الشيخوخة أو الفصل بقرار من رئيس الجمهورية أو العجز أو
الوفاة المنصوص عليها في المادة (18) من قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه.
2- الحالة المنصوص عليها في البند (5) من المادة (18) المشار إليها متى
كانت سن المؤمن عليه في تاريخ طلب الصرف 50 سنة فأكثر.
3- استحقاق معاش العجز الجزئي الناتج عن إصابة عمل غير منهي للخدمة متى
توافرت إحدى حالات استحقاق المعاش المنصوص عليها في البندين السابقين.
وتحدد الزيادة بنسبة 25% من المعاش بحد أدنى مقداره عشرون جنيها
شهريّا وبحد أقصى مقداره خمسة وثلاثون جنيها شهريا.
وتسري في شأن الزيادة الأحكام الآتية:
1- تحسب على أساس معاش المؤمن عليه عن الأجر الأساسي.
2- تستحق بالإضافة للحدود القصوى للمعاشات بما لا يجاوز مجموع المعاش
الحد الأقصى لمجموع معاش الأجرين الأساسي والمتغير.
3- ..............".
وحيث إن المقرر أن المصلحة في الدعوى الدستورية، بالنسبة للدعوى
المحالة من محكمة الموضوع، مناطها أن يكون النص الذي ارتأت إحدى المحاكم عدم
دستوريته لازما للفصل في النزاع المعروض عليها، وكان المدعي في الدعوى الموضوعية
قد أحيل للتقاعد لإلغاء الوظيفة التي كان يشغلها، وكان صدر المادة الأولى من
القانون رقم 107 لسنة 1987 المشار إليه قد قصر الحق في رفع معاش المؤمن عليه عن أجره
المتغير إلى 50% من متوسط أجر تسوية هذا المعاش، إذا قل عن ذلك، على الحالة
المنصوص عليها في البند (1) من المادة (18) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر
بالقانون رقم 79 لسنة 1975، وهي حالة انتهاء خدمة المؤمن عليه ببلوغه سن التقاعد
المنصوص عليه بنظام التوظف المعامل به، وكان البند (1) من المادة الحادية عشرة
مارة البيان، قد اختص من استحق المعاش، اعتبارا من الأول من يوليو سنة 1992،
لبلوغه سن الشيخوخة أو لفصله بقرار من رئيس الجمهورية أو لعجزه أو لوفاته، دون من
استحق المعاش لإلغاء الوظيفة، بزيادة في المعاش بنسبة 25% من المعاش الشهري بما لا
يقل عن عشرين جنيها ولا يجاوز خمسة وثلاثين جنيها، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية
المباشرة في الدعوى الماثلة، تضحى متوافرة ويتحدد نطاقها فيما تضمنه صدر المادة
الأولى من القانون رقم 107 لسنة 1987 من قصر الحق في رفع معاش المؤمن عليه عن أجره
المتغير إلى 50% من متوسط أجر تسوية هذا المعاش، إذا قل عن ذلك، على حالة انتهاء
خدمة المؤمن عليه ببلوغه سن التقاعد المنصوص عليه بنظام التوظف المعامل به، دون
حالة استحقاق المعاش لإلغاء الوظيفة، وكذا نص البند (1) من المادة الحادية عشرة من
القانون ذاته مستبدلة بالمادة السابعة من القانون رقم 30 لسنة 1992 فيما تضمنه من
قصر الزيادة في المعاشات التي تستحق اعتبارا من 1/7/1992 على حالات بلوغ سن
الشيخوخة أو الفصل بقرار من رئيس الجمهورية أو العجز أو الوفاة دون حالة إلغاء
الوظيفة، ولا يمتد إلى غير ذلك من أحكام وردت بهذين النصين.
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الطبيعة الآمرة
لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي
ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، تقتضي إخضاع القواعد القانونية جميعها، وأيا كان
تاريخ العمل بها، لأحكام الدستور القائم؛ لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها،
فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون
جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها
الدستورية.
وحيث إن المناعي التي عيب بها قرار الإحالة النصين المحالين، تندرج
تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي معين لقاعدة في
الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة سوف تباشر رقابتها
القضائية على هذين النصين في ضوء أحكام الدستور الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة
الدستورية التي تحكم شئون البلاد الآن.
وحيث أن الدستور عهد بنص المادة (128) منه إلى المشرع ببيان القواعد
القانونية التي تتقرر بموجبها على خزانة الدولة، مرتبات المواطنين ومعاشاتهم
وتعويضاتهم وإعاناتهم ومكافآتهم، على أن يحدد أحوال الاستثناء منها، والجهات التي
تتولى تطبيقها، وذلك لتهيئة الظروف التي تفي باحتياجاتهم الضرورية، وتكفل مقوماتها
الأساسية التي يتحررون بها من العوز، وينهضون معها بمسئولية حماية أسرهم والارتقاء
بمعاشها. بما مؤداه أن التنظيم التشريعي للحقوق التي كفلها المشرع في هذا النطاق،
يكون مجافيا أحكام الدستور، منافيا لمقاصده، إذا تناول هذه الحقوق بما يهدرها أو
يفرغها من مضمونها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحق في المعاش، إذا توافر
أصل استحقاقه وفقا للقانون، إنما ينهض التزاماً على الجهة التي تقرر عليها، وهو ما
تؤكده قوانين التأمين الاجتماعي، على تعاقبها، إذ يتبين منها أن المعاش الذي
تتوافر بالتطبيق لأحكامها شروط اقتضائه عند انتهاء خدمة المؤمن عليه وفقا للنظم
المعمول بها، يعتبر التزاماً مترتباً بنص القانون في ذمة الجهة المدينة. وإذا كان
الدستور قد خطا بمادته السابعة عشر خطوة أبعد في اتجاه دعم التأمين الاجتماعي، حين
ناط بالدولة، أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية الاجتماعية، بما في ذلك تقرير
معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم في الحدود التي يبينها
القانون، وأضفى حماية خاصة لأموال التأمينات والمعاشات، بحسبانها، وعوائدها، حق
للمستفيدين منها، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعي، التي يمتد نطاقها إلى الأشخاص
المشمولين بها، هي التي تكفل لكل مواطن الحد الأدنى لمعيشة كريمة لا تمتهن فيها
آدميته، والتي توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، ولضمانة الحق في الحياة أهم
روافدها، وللحقوق التي يمليها التضامن بين أفراد الجماعة التي يعيش في محيطها،
مقوماتها، بما يؤكد انتماءه إليها. وتلك هي الأسس الجوهرية التي لا يقوم المجتمع
بدونها، والتي تعتبر المادة (8) من الدستور مدخلاً إليها.
وحيث إن من المقرر أيضا أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر
حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من
الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون بما يحول دون مباشرتها على قدم من
المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا للانتفاع بها، وكان التكافؤ في المراكز
القانونية بين المشمولين بنظم التأمين الاجتماعي المختلفة يقتضي معاملتهم معاملة
قانونية متكافئة. متى كان ذلك، وكان النصان المطعون عليهما، وقد فرقا في المعاملة
التأمينية بين من استحق المعاش لبلوغه سن التقاعد وبين من استحقه لإلغاء الوظيفة،
إذ منحت المادة الأولى من القانون رقم 107 لسنة 1987 الطائفة الأولى معاشا للأجر
المتغير يزيد على أقرانهم من الطائفة الثانية، دون مبرر موضوعي لهذه المغايرة في
المعاملة التأمينية، كما حرمت المادة الحادية عشرة منه الطائفة الثانية من زيادة
معاشهم الشهري بنسبة 25% من المعاش بحد أدنى مقداره عشرون جنيها وبحد أقصى مقداره
خمسة وثلاثون جنيها شهرياً، واختصت بها أقرانهم من الطائفة الأولى، وذلك دون سبب
منطقي أو ضرورة جوهرية تبرر هذا الحرمان، وهو ما يناقض مبدأ المساواة المنصوص عليه
في المادة (53) من الدستور، ويتعارض مع أحكام المواد (8 و17 و128) منه، ومن ثم
يتعين القضاء بعدم دستوريتهما.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية صدر المادة الأولى من القانون رقم 107 لسنة 1987
بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 فيما
تضمنه من قصر رفع معاش المؤمن عليه عن أجر اشتراكه المتغير المستحق إلى 50% من
متوسط أجر تسوية هذا المعاش إذا قل عن ذلك، على الحالة المنصوص عليها في البند (1)
من المادة (18) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، دون
حالة استحقاق المعاش بسبب إنهاء الخدمة لإلغاء الوظيفة.
ثانيا: بعدم دستورية البند رقم (1) من المادة الحادية عشرة من القانون
رقم 107 لسنة 1987 مستبدلة بالمادة السابعة من القانون رقم 30 لسنة 1992 بزيادة
المعاشات وتعديل بعض أحكام قوانين التأمين الاجتماعي فيما تضمنه من قصر زيادة
المعاشات التي تستحق اعتبارا من 1/7/1992 بنسبة 25% من المعاش بحد أدنى مقداره
عشرون جنيها وبحد أقصى مقداره خمسة وثلاثون جنيها على حالات بلوغ سن الشيخوخة أو
الفصل بقرار من رئيس الجمهورية أو العجز أو الوفاة دون استحقاق المعاش لإلغاء
الوظيفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق