باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت العاشر من مايو سنة 2025م، الموافق الثاني عشر من ذي القعدة سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم
والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وخالد أحمد رأفت دسوقي
ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين
السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 127 لسنة 34
قضائية "دستورية"
المقامة من
1- ياسر سمير عبد اللطيف الرزاز صاحب شركة رزاز تورز للسياحة
2- إيهاب ألبرت سليمان صاحب شركة نوجا للسياحة
3- يحيى محمد السيد الدقن صاحب شركة هوليداي للسياحة
4- فاروق السيد المرسي الشحات صاحب شركة جرين واي للسياحة
5- عصام عوض القطب صاحب شركة جولدن فيرو للسياحة
6- محمود عبد اللطيف محمد الرزاز، بصفته وكيلًا عن/ منير محمود
عبد اللطيف - صاحب شركة جولدن إيجل تورز للسياحة
7- أحمد محمود علي الخليلي صاحب شركة مون لايت للسياحة
8- كامل جورجي شنوده صاحب ومدير شركة هارموني للسياحة
9- أيمن حسن كامل حسن صاحب ومدير شركة رباح للسياحة
10- شيرين فؤاد أمين جيد صاحب ومدير شركة روبي للسياحة
ضد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- وزير السياحة
--------------
الإجراءات
بتاريخ السابع من أغسطس سنة 2012، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين الحكم بعدم دستورية نص الفقرتين الأولى والأخيرة من المادة (1) من القانون رقم 38 لسنة 1977 بتنظيم الشركات السياحية، المستبدل بها المادة الأولى من القانون رقم 125 لسنة 2008، والمادة الرابعة من القانون الأخير، والمادة الحادية والعشرين من قرار وزير السياحة رقم 209 لسنة 2009 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 38 لسنة 1977 المشار إليه وتعديلاته.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
--------------
المحكمة
بعد
الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المُدعين السبعة الأولين، وآخر، أقاموا أمام محكمة القضاء الإداري "دائرة المنازعات الاقتصادية والاستثمار" الدعوى رقم 30297 لسنة 64 قضائية، ضد المدعى عليهما، طالبين الحكم -وفقًا لطلباتهم الختامية حسبما كيَّفتها محكمة الموضوع- بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار وزارة السياحة المتضمن إلزام الشركات السياحية القائمة بتوفيق أوضاعها طبقًا لحكم الفقرة الثالثة من المادة (1) من القانون رقم 38 لسنة 1977 بتنظيم الشركات السياحية، بعد تعديلها بالمادة الأولى من القانون رقم 125 لسنة 2008، والمادة الرابعة منه، وضمَّنوا صحيفة الدعوى دفعًا بعدم دستورية هاتين المادتين، وذلك على سند من أن ما تضمنه التعديل مار الذكر، من ألَّا يقل رأس مال الشركة عن مليوني جنيه، وأن تؤدي إلى وزارة السياحة تأمينًا لا يجاوز مائتي ألف جنيه، وسريان أحكامه على جميع الشركات السياحية القائمة وقت نفاذه، على أن توفق أوضاعها بما يتفق مع أحكامه، خلال ثلاث سنوات بالنسبة لرأس المال، وسنتين بالنسبة لمبلغ التأمين، من تاريخ العمل به - يكون قد تناول مراكز قانونية مستقرة قبل صدوره، من خلال سريان الزيادة في رأس المال ومبلغ التأمين بأثر رجعي، مما يهدد بقاء تلك الشركات بفوات المهلة التي حددها القانون لتوفيق أوضاعها؛ من ثم فقد أقاموا الدعوى. تدخل المدعون الثامن والتاسع والعاشرة انضماميًّا إلى المدعين السبعة الأولين في طلباتهم، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع بعدم الدستورية، وصرحت للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية عن نص الفقرة الأخيرة من المادة (1) من القانون رقم 38 لسنة 1977 بتنظيم الشركات السياحية، المستبدل بها المادة الأولى من القانون رقم 125 لسنة 2008، والمادة الرابعة من القانون الأخير، فأقاموا الدعوى المعروضة، ناعين على هذين النصين مخالفتهما المواد (32 و34 و64 و187) من دستور 1971.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذى أثير أمام محكمة الموضوع، وفى الحدود التي تقدر فيها تلك المحكمة جديته. إذ كان ذلك، وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعين قد انصب -وفقًا لطلباتهم الختامية- على نص الفقرة الأخيرة من المادة (1) من القانون رقم 38 لسنة 1977 بتنظيم الشركات السياحية، المستبدل بها المادة الأولى من القانون رقم 125 لسنة 2008، والمادة الرابعة من القانون الأخير، والمادة الحادية والعشرين من قرار وزير السياحة رقم 209 لسنة 2009 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 38 لسنة 1977 المشار إليه وتعديلاته. وإذ خلا الدفع المبدى من المدعين من نص الفقرة الأولى من المادة (1) من القانون المار ذكره، كما خلا تصريح محكمة الموضوع من نص المادة الحادية والعشرين من قرار وزير السياحة سالف الإشارة إليه؛ ومن ثم يغدو اختصام المدعين لهذين النصين بمثابة دعوى دستورية أصلية، أقيمت بالطريق المباشر، بالمخالفة لنص المادة (29/ب) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979؛ مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.
وحيث إن الفقرة الأخيرة من المادة (1) من القانون رقم 38 لسنة 1977 بتنظيم الشركات السياحية، المستبدل بها المادة الأولى من القانون رقم 125 لسنة 2008 تنص على أنه "وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون إجراءات منح الترخيص بالمجالات المشار إليها، بشرط ألا يقل رأس مال الشركة عن مليوني جنيه وأن تؤدي تأمينًا ماليًّا لوزارة السياحة وفقًا لما تحدده اللائحة بما لا يجاوز مائتي ألف جنيه".
وتنص المادة الرابعة من القانون رقم 125 لسنة 2008 بتعديل القانون رقم
38 لسنة 1977 بتنظيم الشركات السياحية على أنه "على الشركات السياحية القائمة
وقت العمل بهذا القانون توفيق أوضاعها بما يتفق مع أحكامه وذلك خلال ثلاث سنوات
بالنسبة لرأس المال وسنتين بالنسبة لمبلغ التأمين من تاريخ العمل به".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها -على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع.
متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يتحدد فى طلبات المدعين بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار وزارة السياحة المتضمن إلزام شركات السياحة القائمة بتوفيق أوضاعها طبقًا لأحكام نص الفقرة الأخيرة من المادة (1) من القانون رقم 38 لسنة 1977 بتنظيم الشركات السياحية، المستبدل بها المادة الأولى من القانون رقم 125 لسنة 2008، والمادة الرابعة من القانون الأخير، ولما كان النصان المطعون فيهما قد قضى أولهما بألا يقل رأس مال الشركات السياحية عن مليوني جنيه، وبأن تؤدي تأمينًا ماليًّا إلى وزارة السياحة لا يجاوز مائتي ألف جنيه، وقضى الآخر بإلزام الشركات القائمة في وقت العمل بهذا القانون بتوفيق أوضاعها بما يتفق مع أحكامه خلال ثلاث سنوات بالنسبة لرأس المال، وسنتين بالنسبة لمبلغ التأمين من تاريخ العمل به؛ ومن ثم يكون هذان النصان هما السند التشريعي لإلزام تلك الشركات بتوفيق أوضاعها على النحو المتقدم، ويغدو الفصل في دستوريتهما لازمًا للقضاء في الطلبات المطروحة في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، بما يوفر شرط المصلحة في الدعوى المعروضة، ويتحدد نطاقها فيما تضمنته المادة الرابعة من القانون رقم 125 لسنة 2008 بتعديل القانون رقم 38 لسنة 1977 بتنظيم الشركات السياحية، في مجال سريانها على مقدار رأس مال هذه الشركات، وما تؤديه من تأمين مالي إلى وزارة السياحة، المنصوص عليهما في الفقرة الأخيرة من المادة (1) من القانون رقم 38 لسنة 1977 بتنظيم الشركات السياحية، المستبدل بها المادة الأولى من القانون رقم 125 لسنة 2008.
وحيث إن المدعين ينعون على النصين المطعون فيهما تضمنهما أثرًا رجعيًّا ينال من الحقوق المكتسبة لشركات السياحة القائمة في ظل القانون القديم، دون أن تتحقق الضمانات الواردة بنص المادة (187) من دستور سنة1971، لإنفاذ القوانين بأثرٍ رجعي.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية المتصلة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها إنما تتحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور المعمول به في حينها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في تطبيق القاعدة
القانونية أنها تسري على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل
بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا أُلغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى
فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من
تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين القانونيتين؛
ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل أي من القانونين القديم
والجديد تخضع لحكمه، فما نشأ منها وترتبت آثاره في ظل القانون القديم يظل خاضعًا
له، وما نشأ من مراكز قانونية وترتبت آثاره في ظل القانون الجديد يخضع لهذا القانون
وحده.
وحيث إنه باستقراء نصوص المواد (1 و2 و3 و4) من القانون رقم 38 لسنة 1977 بتنظيم الشركات السياحية بتعديلاتها، يتبين أن المشرع حدَّد الشركات التي تُطبق عليها أحكامه، بأنها تلك التي تقوم بكل أو بعض الأعمال المنصوص عليها فيه، وقَسَّمَ هذه الشركات بحسب طبيعة النشاط الذي تمارسه، وحظر على أية شركة سياحية مزاولة أي من الأعمال المنصوص عليها فيه إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من وزارة السياحة، وخوَّل المشرع وزير السياحة سلطة تقديرية في إصدار قرار بوقف قبول طلبات إنشاء شركات سياحية جديدة إذا رأت الوزارة في فترة من الفترات عدم حاجة البلاد لها، سواءً بسبب تزايد أعداد هذه الشركات بما يؤثر بالسلب على الخدمات المعروضة في السوق السياحي، ومن ثمَّ يكون له تأثير ضار على الاقتصاد الوطني، أو تغير اتجاهات الحركة السياحية الوافدة إلى البلاد، أو عدم كفاية المنشآت السياحية المؤهلة لاستيعاب مزيد من السياحة الوافدة، أو بسبب ظروف البلاد الأمنية غير القادرة على توفير المناخ الملائم للحركة السياحية، أو لغير ذلك من الأسباب الموضوعية التي تقدرها الوزارة مبتغية فيه وجه المصلحة العامة للدولة، ولا يحد من سلطتها التقديرية في ذلك إلا قيد عدم إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها، كما أعطت المادتان (23 و25) من هذا القانون لوزير السياحة سلطة وقف نشاط الشركة، أو إلغاء الترخيص الخاص بها في أحوال معينة نصتا عليها حصرًا، باعتباره المخول تشريعيًّا بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون، وبما مفاده أن المشرع أخضع تلك الشركات لنظام الترخيص الإداري المُسبق، الأمر الذي يجد مبرره في الصلة بين النشاط الذي تمارسه تلك الشركات وبين إظهار الواجهة الحضارية للبلاد، فضلًا عن أهميتها الاقتصادية البالغة، بما يستدعي من المشرع أن يتدخل دومًا -على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 125 لسنة 2008 المُعدل للقانون المشار إليه- لإعادة النظر في هذه التشريعات، وذلك في ضوء المتغيرات الدولية في تطوير السياحة الدولية، في ظل ظاهرة العولمة والمنافسة طبقًا للاتفاقية العامة لتجارة الخدمات ((GATS، وذلك بمعالجة تشريعية ناضجة للنشاط السياحي، وبنصوص واضحة وحازمة تضمن حمايته سواء من خطر تغوله على نفسه أو من خطر الآخرين، خاصة أن التشريعات السياحية لم يلحقها التطوير اللازم على الرغم من مرور فترات طويلة على صدورها.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الترخيص الصادر من جهة الإدارة بمزاولة نشاط تجاري هو تصرف إداري مؤقت بطبيعته، لا يرتب حقًّا ثابتًا ونهائيًّا كحق الملكية، بل يخول المرخص له مركزًا قانونيًّا مؤقتًا، يرتبط حقه في التمتع به -وجودًا وعدمًا- بأوضاع وظروف وشروط وقيود يترتب على تغييرها أو انقضائها أو الإخلال بها أو مخالفتها، جواز تعديل أوصاف هذا الترخيص، أو سقوط الحق فيه بتخلف شرط الصلاحية للاستمرار في الانتفاع به، أو زوال سبب منحه، أو انقضاء الأجل المحدد له، أو أن تتطلب المصلحة العامة إنهاءه.
لما كان ما تقدم، وإذ كانت الشركات السياحية تخضع لنظام الترخيص، الذي
لا يُنشئ لها مركزًا قانونيًّا مستقرًّا مكتمل البنيان وجودًا وأثرًا بشكل نهائي،
محصنًا في مواجهة أي تعديل تشريعي تقتضيه المصلحة العامة، إذ ينشأ هذا المركز ويظل
قابلًا للمراجعة والتعديل، بما في ذلك إلغاء الترخيص، في حدود القانون، وهو ما
يتماهى مع طبيعة النشاط السياحي، وإحاطة هذا النشاط بما يحقق المصلحة العامة، وإذ
تستمد الشركات السياحية حقوقها من نظام الترخيص على النحو سالف البيان، وتلتزم
بالواجبات التي يقررها هذا النظام، وهو نظام يجوز تعديله فى كل وقت، وتخضع لكل
تعديل يرد عليه، ويطبق عليها بأثر مباشر، فإنه لا يجوز لها أن تحتج بأن لها حقًّا
مكتسبًا أو مركزًا قانونيًّا مستقرًّا يوجب أن تعامل بمقتضاه بالنظام الذى صدر
الترخيص لها فى ظل أحكامه، أو الذى طُبق عليها لفترة طالت أو قصُرت، ما لم يكن
التعديل قد انطوى في ذاته على مخالفة نص دستوري، فلا تتفرق هذه الشركات بين نظم
قانونية متباينة، قد يناقض بعضها بعضًا، أو تفضي إلى الإخلال بالمساواة وتكافؤ
الفرص فيما بينها، مما يُلحق بصناعة السياحة تشوهات تُخل بدورها المتنامي في دفع
عجلة الاقتصاد القومي، وتأثيرها المباشر على دخول المواطنين، باعتبارها صناعة
كثيفة العمالة، واتصالها المباشر بعدد من الصناعات والخدمات الحيوية الأخرى، مما
جعلها
-بحق- قاطرة للتنمية الاقتصادية؛ ومن ثم فإن نص المادة الرابعة من القانون رقم 125 لسنة 2008 بتعديل القانون رقم 38 لسنة 1977 بتنظيم الشركات السياحية -وقد أوجب على تلك الشركات توفيق أوضاعها، ودون أن يباغتها بذلك، بل أمهلها المدة المناسبة المبينة بالنص، وذلك من تاريخ العمل بهذا القانون- لا يكون منطويًا على أي أثر رجعي، ومن ثم فإن استيفاء الأغلبية المنصوص عليها في المادة (187) من دستور سنة 1971، لإقرار القوانين رجعية الأثر، لا يكون له محل، ويكون النعي في هذا الخصوص مفتقدًا سنده.
وحيث إن المدعين ينعون على النصين المطعون فيهما مخالفتهما نصوص المواد (32 و34 و64) من دستور 1971، وتقابلها المواد (35 و53 و94) من دستور 2014، التي تحمي الملكية الخاصة، وتنزه تنظيمها عن أي استغلال أو انحراف يعوق دورها في بناء الاقتصاد القومي في إطار الدور الاجتماعي لهذا الحق، فضلًا عن نيلهما من الحقوق التي اكتسبتها شركات السياحة في ظل القانون القديم.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد
الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره،
بحسبانه مستودع القيم التي يجب أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب
منذ صدوره، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها
النظام العام في المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من
تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات -أيًّا
كان تاريخ العمل بها- لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه
القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق
المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم شرطًا لمشروعيتها الدستورية.
متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي وجهها المدعون إلى النصين المطعون فيهما تندرج
تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في
الدستور، من حيث محتواها الموضوعي، وكان النصان المطعون فيهما ما زالا ساريين
ومعمولًا بأحكامهما حتى أدركهما العمل بالدستور القائم؛ ومن ثم فإن المحكمة تباشر
رقابتها على دستورية هذين النصين، على ضوء أحكام الدستور الحالي الصادر عام 2014.
وحيث إن الدستور قد حدد بالمادة (27) منه الأغراض التي يتوخاها النظام الاقتصادي، وهي تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة والقضاء على الفقر، ويلتزم -في هذا الإطار- بمعايير الشفافية والحوكمة، ودعم محاور التنافسية، ومنع الممارسات الاحتكارية، مع مراعاة الاتزان المالي، وضبط آليات السوق، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور قد حرص على صون الملكية الخاصة، وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التي أوردها باعتبارها مترتبة -في الأصل- على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافزًا إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التي يرد عليها حق الملكية، والتي تُعد -كذلك- من مصادر الثروة التي لا يجوز التفريط فيها، أو استخدامها على وجه يعوق التنمية، أو يعطل مصالح الجماعة، وكانت الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تَعد حقًّا مطلقًا، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية أو الأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع من خلال ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور. وفى ضوء ما تقدم، يتعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مهتديًا -بوجه خاص- بالقيم التي تنحاز إليها الجماعة في مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والمجتمع.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في النصوص التشريعية هو ارتباطها عقلًا بأهدافها، باعتبار أن كل تنظيم تشريعي ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف؛ ومن ثم يتعين دومًا استظهار ما إذا كان النص التشريعي المطعون فيه يلتزم إطارًا منطقيًّا للدائرة التي يعمل فيها، كافلًا من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها، أو متهادمًا مع مقاصده، أو مجاوزًا لها، ومناهضًا –من ثمَّ- لمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في المادة (94) من الدستور.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتكون تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد بتنظيم موضوع معين إلى السلطة التشريعية، فإن ما تقره من القواعد القانونية بصدده لا يجوز أن ينال من الحق محل الحماية الدستورية، سواءً بالنقض أو الانتقاص، ذلك أن إهدار الحقوق التي كفلها الدستور أو تهميشها يُعد عدوانًا على مجالاتها الحيوية التي لا تتنفس إلا من خلالها، بما مؤداه أن تباشر السلطة التشريعية اختصاصاتها التقديرية -وفيما خلا القيود التي يفرضها الدستور عليها- بعيدًا عن الرقابة القضائية التي تمارسها المحكمة الدستورية العليا، فلا يجوز لها أن تزن بمعاييرها الذاتية السياسة التي انتهجها المشرع في موضوع معين، ولا أن تناقشها، أو تخوض في ملاءمة تطبيقها عملًا، ولا أن تنتحل للنص المطعون فيه أهدافًا غير التي رمى المشرع إلى بلوغها، ولا أن تقيم خياراتها محل عمل السلطة التشريعية، بل يكفيها أن تمارس السلطة التشريعية اختصاصاتها تلك، مستلهمة في ذلك أغراضًا يقتضيها الصالح العام، في شأن الموضوع محل التنظيم التشريعي، وأن تكون وسائلها إلى تحقيق الأغراض التي حددتها مرتبطة عقلًا بها.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه في الدائرة التي يُجيز فيها
الدستور للمشرع أن يُباشر سلطته التقديرية لمواجهة مقتضيات الواقع، وهى الدائرة
التي تقع بين حَدَّي الوجوب والنهي الدستوريين، فإن الاختلاف بين الأحكام
التشريعية المتعاقبة التي تنظم موضوعًا واحدًا، تعبيرًا عن تغير الواقع عبر
المراحل الزمنية المختلفة، لا يُعد إخلالًا بمبدأ المساواة، الذى يستقى أحد أهم
مقوماته من وحدة المرحلة الزمنية التي يُطبق خلالها النص القانوني الخاضع لضوابط
هذا المبدأ، فإذا تباينت النصوص التشريعية فى معالجتها لموضوع واحد، وكان كل منها
قد طبق فى مرحلة زمنية مختلفة، فإن ذلك لا يُعد بذاته إخلالًا بمبدأ المساواة،
وإلا تحول هذا المبدأ من ضابط لتحقيق العدالة إلى سد حائل دون التطور التشريعي.
متى كان ما تقدم، وكان نصُّ الفقرة الأخيرة من المادة (1) من القانون رقم 38 لسنة 1977 بتنظيم الشركات السياحية، المستبدل بها المادة الأولى من القانون رقم 125 لسنة 2008، ونص المادة الرابعة من القانون الأخير، سالفا البيان، قد صدرا في إطار السلطة التقديرية الممنوحة للمشرع في مجال تنظيم الحقوق، متخيرًا من البدائل ما ارتآه محققًا للأغراض التي توخاها، وذلك بأن وضع حدًّا أدنى لرأس مال الشركات السياحية، ورفع سقف مبلغ التأمين الواجب عليها أداؤه، حرصًا على ملاءتها وقدرتها على الوفاء بالأغراض الدستورية التي يهدف إليها النشاط الاقتصادي الذي تباشره، وأهميته الإستراتيجية، مانحًا إياها المهلة المناسبة لتوفيق أوضاعها، دون أن يتضمن هذا التنظيم التشريعي مساسًا بالملكية الخاصة لتك الشركات، بل تنظيمًا يكفل ما تقدم من أغراض، ولا ينال من تملكها وحدها رأس مالها، وإن أرهقها زيادته، فإن ذلك مما يقع في إطار تحميل حق الملكية بقيود تقتضيها الموازنة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة، ويرجح من خلالها المصلحة الأولى بالرعاية، ومحققًا بها تناغم الأغراض التي يستهدفها. وإذ كان النصان قد أوجبا زيادة الحد الأدنى لرأس المال، ورفع الحد الأقصى لمبلغ التأمين، وذلك للشركات السياحية القائمة وقت العمل بأحكام هذا القانون عما كان عليه الحال في مرحلة زمنية سابقة، -قبل تعديلهما- فإن هذين النصين يكونان قد عبرا عن مرحلة زمنية مختلفة، تتأبى معها المقارنة اللازمة لإعمال مبدأ المساواة؛ بما يضحى معه نعي المدعين على النصين المطعون فيهما إخلالهما بالحق في الملكية، وبمبدأي المساواة وخضوع الدولة للقانون، غير سديد، خليقًا بالرفض.
وحيث إن النصين المطعون فيهما لا يخالفان أي حكم آخر في الدستور؛ فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعين المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق