الصفحات

الخميس، 26 سبتمبر 2024

الطعن 20775 لسنة 88 ق جلسة 5 / 11 / 2022 مكتب فني 73 ق 74 ص 697

جلسة 5 من نوفمبر سنة 2022
برئاسة السيد القاضي / محمد جمال الشربيني نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / علاء مدكور ، ناجي عز الدين ، محمود عبد المجيد وهشام عبد الرحمن نواب رئيس المحكمة .
-----------------
(74)
الطعن رقم 20775 لسنة 88 القضائية
(1) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تحصيل الحكم من أقوال المجني عليها ما له معينه الصحيح من الأوراق . لا خطأ في الإسناد .
إلمام المحكمة بواقعة الدعوى وإحاطتها بالاتهام المسند إلى الطاعن وإدانتها له بالأدلة السائغة . المجادلة في ذلك الشأن . منازعة موضوعية فيما تستقل به .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(2) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله . ماهيته ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير مقبول .
مثال .
(3) قتل عمد . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
قصد القتل . أمر خفي . إدراكه بالظروف والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه . استخلاص توافره . موضوعي .
مثال لتدليل سائغ على توافر نية القتل بالسم .
(4) دفوع " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها".
الدفع بعدم ارتكاب الواقعة وسبق إقدام المجني عليها على الانتحار . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة للطاعن . تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه . غير لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(5) قتل عمد . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . إجراءات " إجراءات التحقيق " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
مساءلة الطاعن عن قتل المجني عليها بالسم . لا يلزم لإثباته دليل مستمد من تشريح جثتها .
عدم التزام المحكمة بإجابة الطلب المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه . علة ذلك ؟
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها . غير مقبول .
مثال .
(6) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
للمحكمة التعويل على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة .
عدم التزام المحكمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي . اطمئنانها لأدلة الثبوت التي أوردتها . مفاده ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقِّه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتَّبه الحكم عليها . لمَّا كان ذلك ، وكان البيِّن من الاطلاع على المفردات - المنضمة - أنَّ ما أورده الحكم المطعون فيه في تحصيله لأقوال المجني عليها له صداه ، وأصله الثابت في الأوراق ، ولم يحد الحكم عن نص ما أنبأت به أو فحواه ، ومن ثمَّ فقد انحسرت عنه بذلك قالة الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن في غير محله ، ولا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة لأدلة الإدانة القائمة في الدعوى ومصادرة عقيدتها وهو ما لا تُقبل إثارته أمام محكمة النقض . لمَّا كان ذلك ، وكان من المقرر أنه متى كانت المحكمة قد ألمت بواقعة الدعوى وأحاطت بالاتهام المسند إلى الطاعن ودانته بالأدلة السائغة التي أخذت بها وهي على بيِّنة من أمرها ، فإنَّ مجادلتها بدعوى الفساد في الاستدلال وباختلال صورة الواقعة لديها تنطوي على منازعة موضوعية فيما تستقل به محكمة الموضوع بغير مُعقِّب .
2- من المقرر أنَّ التناقض الذي يُعيب الحكم ويُبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يُعرَف أي الأمرين قصدته المحكمة ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لكيفية وقوع الحادث وساق على ثبوتها في حق الطاعن أدلة من شأنها أن تودي إلى ما رتَّبه الحكم عليها ، فإنَّ في ذلك ما يكفي لحمل قضائه بالإدانة على الوجه الذي انتهى إليه ، ممَّا تنتفي معه قالة التناقض ، ولا يعدو ما يثيره الطاعن في هذا الشأن أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها ممَّا تستقل بالفصل فيه بغير مُعقِّب ، ومن ثمَّ فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد .
3- لمَّا كان الحكم قد عرض لنية القتل وتوافرها في حق الطاعن - بعد أن أورد تقريرات قانونية وفقهية - في قوله : ( أنَّ المحكمة تطمئن لقيام الجريمة وتحقق أركانها المادي منها بإقدام المتهم على ارتكاب السلوك الإجرامي بالاشتراك مع أخرى مجهولة على قتل زوجته المجني عليها وأعدَّ لذلك عُدَّته فأحضر المادة المستخدمة وهي مادة كاوية - البوتاس - وكذا الأداة وهي " سرنجة طبية " وسلَّمها للمجهولة التي قامت بدورها بإعطاء المجني عليها تلك المادة باستخدام السرنجة من خلال الفم مع تحقق علمهما بكون ذلك السلوك يُجرمه القانون ومن شأنه أن يؤدي إلى قتل المجني عليها واتجاه إرادته رغم ذلك العلم لإتيـان ذلك السلوك وصولاً لمقصده ونيته الخاصة في إزهاق روح المجني عليها بغية تحقيق رغبته في الزواج من تلك المجهولة والذي توفر لدى المتهم من قيامه بإحضار المادة السامة باعتبارها من الجواهر التي يترتب عليها الموت عاجلاً أو آجلاً وعلمه بطبيعة هذه المادة ومدى خطورتها على حياة المجني عليها كإنسان حي وأنَّ من شأنها قتلها عاجلاً أم آجلاً وتحايُله على المجني عليها بإيهامها بضرورة أخذ هذه المادة على أنها من أدوية التخسيس وعلاج السمنة التي كانت تعاني منها وتمكن بهذه الوسيلة التي تنطوي على الخيانة والغدر والنذالة من إعطائها المادة المُشار إليها والتي أحدثت المضاعفات الطبية بجسمها ومنها ضيق المريء وتآكله وما صحبه من التهاب رئوي كيمائي حاد نتيجة تناول تلك المادة الكاوية ممَّا أدى لحدوث وفاتها وفق الثابت بالتقرير الطبي للمستشفى وما قرره الأطباء المعالجين على النحو الوارد بشهادتهما وهو ما لا يدع مجالاً للشك في توافر نية إزهاق روح المجني عليها لدى المتهم بما يضحى معه الدفع المُبدَى من ممثل الدفاع عنه بانتفائها فاقداً لسنده من صحيح القانون والواقع ) . لمَّا كان ذلك ، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يُدرك بالحس الظاهر وإنما يُدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عمَّا يضمره في نفسه ومن ثمَّ فإنَّ استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية . وإذ كان ذلك ، وكان الحكم قد ساق على قيام هذه النية - على النحو المار ذكره - تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعن ، ومن ثم َّفإنَّ منعاه على الحكم في شأن استدلاله على توافر نية القتل لديه يكون غير سديد .
4- لمَّا كان النعي بالتفات الحكم عن دفاع الطاعن بأنه لم يرتكب الواقعة وأنَّ المجني عليها سبق لها الإقدام على الانتحار من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحَّت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأنَّ مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثمَّ فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
5- لمَّا كان لا يلزم لمساءلة الطاعن عن موت المجني عليها بالسم أن يكون الموت قد ثبت بدليلٍ معين عن طريق الكشف على جثتها وتشريحها . لمَّا كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بأن تناقش كل الأدلة الاستنتاجية التي تمسك بها الدفاع عن المتهم ، وكان ما أثاره من وجوب أن يكون لتناول المادة الكاوية عن طريق الفم أثره على جميع الأعضاء الحيوية التي مرت بها تلك المادة ولا يقتصر معه الإصابة على المريء فحسب لم يقصد به سوى إثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة ، وإذ لم يُطلب منها إجراء تحقيق معين في هذا الصدد فليس له أن ينعي عليها قعودها عن إجراء تحقيق فني لم يطلبه منها .
6- من المقرر أن للمحكمة أن تُعوِّل في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، وكانت المحكمة لا تلتزم بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي للرد عليها استقلالاً ، إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، فإن َّما يثيره الطاعن بشأن عـدم جدية التحريات لا يعدو أن يكون من قبيل الدفاع الموضوعي ، ويكون النعي على الحكم بدعوى القصور بإغفاله الرد عليه على غير محل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعـن بأنه :
- قتل وأخرى مجهولة زوجته المجني عليها / .... بالسم وكان ذلك بأن أعطاها جواهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً موهمين إياها بكونها عقاقير طبية علاجية قاصدين من ذلك قتلها فأحدث إصابتها الموصوفة بالتقارير الطبية والتي أودت بحياتها .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الوارديـن بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة ٢٣٣ من قانون العقوبات ، مع إعمال المادة ١٧ من ذات القانون ، بمعاقبته بالسجن المؤبد عن التهمة المسندة إليه وألزمته المصاريف الجنائية .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد بالسم قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفـاع ، ذلك بأنَّ ما أورده الحكم وعوَّل عليه في قضائه بالإدانة من أقوال المجني عليها شاهدة الإثبات الأولى من أن َّالطاعن والمتهمة المجهولة قاما بإعطائها السم لا أصل له بالأوراق بما يُنبئ عن عدم الإلمام بالواقعة واضطراب صورتها وعدم استقرارها في ذهن المحكمة ، واعتنق صورتين متعارضتين للواقعة أورد الأولى على لسان طبيب قسم العناية المركزة من أنَّ المجني عليها كانت تعاني من تدهور في وظائف التنفس ناتجة عن تناول مادة كاوية ممَّا تسبب في وفاتها ، وأورد الثانية حال بيانه للتقرير الطبي من أنها مصابة بفشل في وظائف التنفس ناتجة عن عدوى شديدة بالجهاز التنفسي بما يَصِمُهُ بالتناقض ، ولم يُدلل تدليلاً سائغاً على توافر نية القتل في حقِّـه ، وما ذكره لا يشمل سوى الأفعال المادية لا يستقي منها أنه ابتغى إزهاق روح المجني عليها ، هذا إلى أنَّ الأخيرة سبق وأن حاولت الانتحار لما بينها وبينه من خلافات بدلالة أقوال شاهد الإثبات الثاني وهو ما قام عليه دفاعه ، سيَّما وأنَّ طبيعة المادة الكاوية لم تُعَرف ، فضلاً عن عدم تشريح جثة المجني عليها ، ولم تعنْ المحكمة بدفاعه القائم على أنَّ تناول المادة الكاوية عن طريق الفم لا يقتصر معه الإصابة في المريء فحسب بل يصيب جميع الأعضاء الحيوية التي مرت بها تلك المادة ، ولم تقمْ بإجراء تحقيق في هذا الخصوص ، وأخيرا ًعوَّل الحكم على تحريات الشرطة وشهادة مُجريها ملتفتاً عن الدفع بعدم جديتها ، كل هذا ممَّا يُعيبه ويستوجب نقضـه .
وحيث إنَّ الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقِّه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتَّبه الحكم عليها . لمَّا كان ذلك ، وكان البيِّن من الاطلاع على المفردات - المنضمة - أنَّ ما أورده الحكم المطعون فيه في تحصيله لأقوال المجني عليها له صداه وأصله الثابت في الأوراق ، ولم يحدْ الحكم عن نص ما أنبأت به أو فحواه ، ومن ثمَّ فقد انحسرت عنه بذلك قالة الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن في غير محله ، ولا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة لأدلة الإدانة القائمة في الدعوى ومصادرة عقيدتها وهو ما لا تُقبل إثارته أمام محكمة النقض . لمَّا كان ذلك ، وكان من المقرر أنه متى كانت المحكمة قد ألمت بواقعة الدعوى وأحاطت بالاتهام المسند إلى الطاعن ودانته بالأدلة السائغة التي أخذت بها وهي على بيِّنة مـــن أمـرها ، فإنَّ مجادلتها بدعوى الفساد في الاستدلال وباختلال صورة الواقعة لديها تنطوي على منازعة موضوعية فيما تستقل به محكمة الموضوع بغير مُعقِّب . لمَّا كان ذلك ، وكان من المقرر أنَّ التناقض الذي يُعيب الحكم ويُبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يُعرَف أي الأمرين قصدته المحكمة ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لكيفية وقوع الحادث وساق على ثبوتها في حق الطاعن أدلة من شأنها أن تودي إلى ما رتَّبه الحكم عليها ، فإنَّ في ذلك ما يكفي لحمل قضائه بالإدانة على الوجه الذي انتهى إليه ، ممَّا تنتفي معه قالة التناقض ، ولا يعدو ما يثيره الطاعن في هذا الشأن أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها ممَّا تستقل بالفصل فيه بغير مُعقِّب ، ومن ثمَّ فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد . لمَّا كان ذلك ، وكان الحكم قد عرض لنية القتل وتوافرها في حق الطاعن - بعد أن أورد تقريرات قانونية وفقهية - في قوله : ( أنَّ المحكمة تطمئن لقيام الجريمة وتحقق أركانها المادي منها بإقدام المتهم على ارتكاب السلوك الإجرامي بالاشتراك مع أخرى مجهولة على قتل زوجته المجني عليها وأعدَّ لذلك عُدَّته فأحضر المادة المستخدمة وهي مادة كاوية - البوتاس - وكذا الأداة وهي " سرنجة طبية " وسلَّمها للمجهولة التي قامت بدورها بإعطاء المجني عليها تلك المادة باستخدام السرنجة من خلال الفم مع تحقق علمهما بكون ذلك السلوك يُجرمه القانون ومن شأنه أن يؤدي إلى قتل المجني عليها واتجاه إرادته رغم ذلك العلم لإتيـان ذلك السلوك وصولاً لمقصده ونيته الخاصة في إزهاق روح المجني عليها بغية تحقيق رغبته في الزواج من تلك المجهولة والذي توفر لدى المتهم من قيامه بإحضار المادة السامة باعتبارها من الجواهر التي يترتب عليها الموت عاجلاً أو آجلاً وعلمه بطبيعة هذه المادة ومدى خطورتها على حياة المجني عليها كإنسان حي وأنَّ من شأنها قتلها عاجلاً أم آجلاً وتحايُله على المجني عليها بإيهامها بضرورة أخذ هذه المادة على أنها من أدوية التخسيس وعلاج السمنة التي كانت تعاني منها وتمكن بهذه الوسيلة التي تنطوي على الخيانة والغدر والنذالة من إعطائها المادة المُشار إليها والتي أحدثت المضاعفات الطبية بجسمها ومنها ضيق المريء وتآكله وما صحبه من التهاب رئوي كيمائي حاد نتيجة تناول تلك المادة الكاوية ممَّا أدى لحدوث وفاتها وفق الثابت بالتقرير الطبي للمستشفى وما قرره الأطباء المعالجين على النحو الوارد بشهادتهما وهو ما لا يدع مجالاً للشك في توافر نية إزهاق روح المجني عليها لدى المتهم بما يضحى معه الدفع المُبدَى من ممثل الدفاع عنه بانتفائها فاقداً لسنده من صحيح القانون والواقع ) . لمَّا كان ذلك ، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يُدرك بالحس الظاهر وإنما يُدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عمَّا يضمره في نفسه ، ومن ثمَّ فإنَّ استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية . وإذ كان ذلك ، وكان الحكم قد ساق على قيام هذه النية - على النحو المار ذكره - تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعن ، ومن ثم َّفإنَّ منعاه على الحكم في شأن استدلاله على توافر نية القل لديه ، يكون غير سديد . لمَّا كان ذلك ، وكان النعي بالتفات الحكم عن دفاع الطاعن بأنه لم يرتكب الواقعة وأنَّ المجني عليها سبق لها الإقدام على الانتحار من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحَّت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأنَّ مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثمَّ فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لمَّا كان ذلك ، وكان لا يلزم لمساءلة الطاعن عن موت المجني عليها بالسم أن يكون الموت قد ثبت بدليلٍ معين عن طريق الكشف على جثتها وتشريحها . لمَّا كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بأن تناقش كل الأدلة الاستنتاجية التي تمسك بها الدفاع عن المتهم ، وكان ما أثاره من وجوب أن يكون لتناول المادة الكاوية عن طريق الفم أثره على جميع الأعضاء الحيوية التي مرت بها تلك المادة ولا يقتصر معه الإصابة على المريء فحسب لم يقصد به سوى إثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة ، وإذ لم يُطلب منها إجراء تحقيقٍ معين في هذا الصدد فليس له أن ينعي عليها قعودها عن إجراء تحقيق فني لم يطلبه منها . لمَّا كان ذلك ، وكان للمحكمة أن تُعوِّل في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، وكانت المحكمة لا تلتزم بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي للرد عليها استقلالاً إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، فإن َّما يثيره الطاعن بشأن عدم جدية التحريات لا يعدو أن يكون من قبيل الدفاع الموضوعي ويكون النعي على الحكم بدعوى القصور بإغفـاله الرد عليه على غير محل . لمَّا كان ما تقدَّم ، فإنَّ الطعن برمَّته يكون على غير أساس متعيَّناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق