الصفحات

الجمعة، 6 سبتمبر 2024

الطعن 13809 لسنة 90 ق جلسة 13 / 12 / 2022 مكتب فني 73 ق 99 ص 944

جلسة 13 من ديسمبر سنة 2022
برئاسة السيد القاضي / عبد الرسول طنطاوي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / محمد زغلول نائب رئيس المحكمة وأيمن مهران ، إبراهيم الخولي ومصطفى حسن .
----------------
(99)
الطعن رقم 13809 لسنة 90 القضائية
(1) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . لا قصور .
(2) إثبات " خبرة " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
عدم إيراد الحكم نص تقرير الخبير بكامل فحواه وأجزائه . لا ينال من سلامته .
مثال .
(3) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن . موضوعي . المجادلة في هذا الشأن . غير جائزة أمام محكمة النقض .
(4) حريق عمد . قصد جنائي .
القصد الجنائي في جريمة وضع النار عمداً المنصوص عليها في المادة 255/1 عقوبات . تحققه بتعمد الجاني وضع النار في زرع محصود مملوك للغير . إثبات الحكم ذلك . كفايته لاستظهار القصد الجنائي لديه ولو كان لإحراق المكان أو لأي غرض آخر .
(5) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . مالا يوفره " .
المنازعة في التكييف القانوني للواقعة . جدل في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورتها .
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد عليها استقلالاً . قضاؤها بالإدانة لأدلة الثبوت . مفاده : اطراحها .
(6) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
تناقض أقوال الشهود . لا يعيب الحكم . ما دام استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً .
أخذ المحكمة بأقوال الشهود . مفاده ؟
إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد . غير لازم . كفاية إيراد مضمونها . النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقواله . غير مقبول . علة ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(7) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله . ماهيته ؟
(8) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة التعويل على التحريات باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة . ترديدها لما أبلغ به المجني عليه . لا ينال من صحتها . علة ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(9) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
العبرة في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه . عدم جواز مطالبته بالأخذ بدليل معين إلا في الأحوال التي يقررها القانون . علة ذلك ؟
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها . كفاية استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي . غير مقبول أمام محكمة النقض .
(10) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
قضاء المحكمة بناءً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين لا على الفرض والاحتمال . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض .
(11) إجراءات " إجراءات التحقيق " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تعييب التحقيق السابق على المحاكمة . لا يصح سبباً للطعن في الحكم . علة ذلك ؟
مثال .
(12) حريق عمد . إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة لثبوت جريمة وضع النار عمداً . غير لازم . للمحكمة تكوين اعتقادها بالإدانة مما تطمئن إليه من ظروف الدعوى وقرائنها .
(13) دفوع " الدفع بنفي التهمة " " الدفع بتلفيق التهمة " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بعدم توافر دليل الإسناد وبنفي التهمة وكيدية وتلفيق الاتهام واصطناع الدليل . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه إيراد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم . تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه . غير لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .
(14) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
نعي الطاعن على المحكمة قعودها عن الرد على دفوع دون الكشف عن أوجهها وإجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر حاجة لإجرائه . غير مقبول . علة ذلك ؟
(15) محكمة الإعادة . قانون " تفسيره " . دعوى مدنية . محكمة النقض " سلطتها " .
نص المادة 395 إجراءات جنائية المعدلة . تضمنه قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بعدم القضاء بعقوبة جديدة وألَّا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي .
القضاء حال إعادة الإجراءات بتعويض مدني رغم خلو الحكم الغيابي من هذا الإلزام . مخالف للقانون . لمحكمة النقض تصحيحه بإلغاء ما قضى به بالدعوى المدنية . أساس ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثمَّ يكون النعي على الحكم بالقصور لا محل له .
2- لما كان الحكم المطعون فيه قد حصل تقرير الأدلة الجنائية لمديرية أمن .... في قوله : ( إن الحريق شب نتيجة إيصال مصدر حراري سريع ذو لهب مكشوف عقب سكب مادة معجلة للاشتعال على منطقة بداية الحريق ) ، وكان فيما حصله الحكم من تقرير الأدلة الجنائية – الذي عول عليه في قضائه - ما يكفي بياناً لمضمون هذا التقرير ، فهذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ؛ ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل فحواه وأجزائه ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله .
3- من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليها منها والالتفات عما عداه ولا تقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير ، وكانت المحكمة قد اطمأنت في حدود سلطتها التقديرية إلى ما ورد بتقرير المعمل الجنائي ، فإنه لا تجوز مجادلة المحكمة في هذا الشأن ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض .
4- من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد المنصوص عليها في المادة 255 من قانون العقوبات يتحقق في وضع الجاني النار في شيء من الأشياء المذكورة بهذه المادة وكان عالماً بأن هذا الشيء مملوك لغيره ، فمتى ثبت للمحكمة أن الجاني تعمد وضع النار على هذا الوجه وجب تطبيق تلك المادة ، أياً كانت نتيجته أو الباعث عليه سواء كان القصد منه هو إحراق المكان أو كان وضع النار في المكان لتحقيق أي قصد آخر ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه وضع النار عمداً في زرع محصود مملوك للمجني عليهما ودانه بالمادة 255 من قانون العقوبات ، فإن النعي على الحكم بعدم استظهار القصد الجنائي يكون غير سديد .
5- لما كان ما يثيره الطاعن بشأن المنازعة في التكييف القانوني للواقعة بمقولة أن محل الحريق هو أعواد سمسم فارغة من أي محصول لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ، كما أن المحكمة غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال ، إذ في قضائها بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تعول عليها ، ويكون نعى الطاعن في هذا الشأن غير مقبول .
6- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، كما أن التناقض بين أقوال الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وأنه لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد الذي اعتمد عليها الحكم بل يكفي أن يورد مضمونها ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد ؛ لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها ، لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها ، وكانت محكمة الموضوع قد أفصحت عن اطمئنانها لحدوث واقعة الدعوى وفق الصورة التي استخلصتها من جماع أدلة الثبوت السائغة التي أوردتها ، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بعدم معقولية تصور حدوث الواقعة على هذه الصورة لا يعدو أن يكون جدلاً حول سلطة محكمة الموضوع في استنباط معتقدها عن الواقعة وصورتها من أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها وهو ما لا يجوز مجادلتها فيه أمام محكمة النقض .
7- من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة والذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لواقعة الدعوى ثم ساق أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته وعرض لدفاع الطاعن واطرحه دون تناقض - على النحو المبين بمدوناته - فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض في التسبيب يكون غير سديد .
8- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في قضائها على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، وأنه لا ينال من صحة التحريات أن تكون ترديداً لما أبلغ به المجني عليه لأن مفاد ذلك أن مجريها قد تحقق من صدق ذلك البلاغ ، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال ضابط التحريات - وعلى النحو الذي شهد به - ورد بما يسوغ على الدفع بعدم جديتها ، فإن منازعة الطاعن في ذلك لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا تجوز مجادلتها في شأنه لدى محكمة النقض .
9- من المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك ، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه ، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ؛ إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن الأدلة التي عول عليها الحكم في إدانته لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها المحكمة معتقدها مما لا تقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض .
10- لما كانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعن ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ولم يكن حكمها مؤسساً على الفرض والاحتمال - حسبما يذهب إليه الطاعن - فإن ما يثار في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
11- لما كَان البيِّن من مُطَالعة محضر جلسة المُحَاكمة المُؤرَّخ .... أن من بين ما أبداه المُدافع عن الطاعن عدم إجراء النيابة العامة معاينة لمكان الواقعة ، وذلك دون أن يَطلُب من المحكمة اتخاذ إجراء مُعيَّن في هذا الخصوص ، فإن ما أثاره الدفاع فيما سلف لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المُحَاكمة ، لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحُكم ، إذ إنه من المُقرَّر أن تَعييب التحقيق الذي تجريه النيابة العامة لا تأثير له على سلامة الحُكم ، والأصل أن العبرة عند المُحَاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها ، وطالما لم يَطلُب الدفاع منها استكمال ما قد يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب ، فليس له أن يَتخذ من ذلك سبباً لمنعاه ، هذا فضلاً عن أن المحكمة قد عرضت لكل ما يثيره الطاعن في هذا الشأن واطرحته في منطق سائغ .
12- من المقرر أن القانون لا يشترط لثبوت جريمة وضع النار عمداً وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة ، بل للمحكمة أن تكون اعتقادها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليها من ظروف الدعوى وقرائنها ، ومتى رأت الإدانة كان لها أن تقضي بالعقوبة المقررة على مرتكب الفعل دون حاجة إلى إقرار منه أو شهادة شاهدين برؤيته حال وقوع الفعل منه أو ضبطه متلبساً بها .
13- من المقرر أن نعي الطاعن بالتفات المحكمة عما ساقه من أوجه تشهد بعدم توافر دليل الإسناد ونفي التهمة وكيدية وتلفيق الاتهام واصطناع الدليل هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل ردًا خاصًا طالما كان الرد عليها مستفادًا من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، وبحسب الحكم كيما يستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى الطاعن ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ، لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد .
14- لما كان الطاعن لم يكشف عن أوجه الدفوع والدفاع التي ينعى على المحكمة قعودها عن الرد عليها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى ، وهل تحوي دفاعًا جوهريًا مما يتعين على المحكمة أن تعرض له وترد عليه ، أم أنه من قبيل الدفاع الموضوعي الذي يكفي القضاء بالإدانة أخذاً بأدلة الثبوت رداً عليه ، بل ساق قوله في هذا الصدد مرسلًا مجهلًا ، فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون مقبولاً . وكان لا يبين من محضري جلستي المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن طلب تحقيق في هذا الشأن ، فليس له من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها حاجة لإجرائه .
15- لما كان القانون رقم ١١ لسنة ٢٠١٧ قد صدر بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية وقد نصت المادة الأولى فيه على استبدال الفقرة الأولى من المادة ٣٩٥ من قانون الإجراءات الجنائية بجعلها : ( إذا حضر المحكوم عليه في غيبته ، أو قبض عليه ، أو حضر وكيله الخاص وطلب إعادة المحاكمة قبل سقوط العقوبة بمضي المدة ، يحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لإعادة نظر الدعوى ، ويُعرض المقبوض عليه محبوسًا بهذه الجلسة ، وللمحكمة أن تأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطيًا حتى الانتهاء من نظر الدعوى ، ولا يجوز للمحكمة في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي) ، وكان نص المادة ٣٩٥ المار ذكرها بعد تعديله وإن كان في ظاهره إجرائي إلا أنه يتضمن قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً ألا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي ، ومن ثم فإنه عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً لا يجوز الإساءة إليه بتشديد العقوبة المقضي بها عليه غيابياً أو القضاء بعقوبة جديدة كما لا يجوز بالنسبة للتعويضات الحكم بها ابتداءً في إعادة الإجراءات أو بزيادة مقدارها عما قضى به الحكم الغيابي ، وهي قاعدة واجبة الإعمال على واقعة الدعوى طالما لم يفصل فيها بحكم بات أصلح للمتهم وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات ، وهو ما أكدته الهيئة العامة للمواد الجنائية لهذه المحكمة - محكمة النقض - في حكمها الصادر بجلسة ٢٢/3/٢٠٢٢ في الطعن رقم ٢٧٩٠ لسنة ٨٩ قضائية . لما كان ذلك ، وكان البين من مطالعة الصورة الرسمية للحكم الغيابي أنه خلا من القضاء بإلزام الطاعن بالتعويض ، فإن الحكم المطعون فيه إذا قضى بمناسبة إعادة إجراءات محاكمته حضورياً بإلزام الطاعن بالتعويض ، فإنه يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تأويله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة النقض طبقاً لنص المادة ٣٥ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم إذا تبين مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة القانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله ، فإنه يتعين إعمالاً لنص المادة ٣٩ من القانون المذكور القضاء بتصحيح الحكم المطعون فيه وذلك بإلغاء ما قضى به في الدعوى المدنية ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن - وآخر سبق محاكمته - بأنهما :
- وضعا النار عمداً في زرع محصود ( حزم أعواد نبات السمسم الجاف المثمرة ) الموضوعة بأرض المجني عليهما وذلك بأن سكب مادة معجلة للاشتعال وأوصل مصدر حراري ذو لهب مكشوف إليه فامتدت النيران إلى المحصول وأتت على محتوياته على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
وادعى المجني عليهما مدنياً قبل المتهم بمبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة ٢٥٥/1 من قانون العقوبات ، بمعاقبته بالسجن المشدد ثلاث سنوات عما أسند إليه وألزمته المصاريف الجنائية وألزمته بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغاً وقدره عشرة آلاف وواحد جنيه تعويضاً مدنياً مؤقتاً وألزمته مصاريف الدعوى المدنية ومائتي جنيه أتعاب محاماة .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة وضع النار عمداً في زرع محصود ، قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه لم يحط بواقعة الدعوى عن بصر وبصيرة ، وعول على تقرير الأدلة الجنائية مكتفياً بإيراد نتيجته دون بيان مضمونه ومقدماته فضلاً عن عدم بيانه ماهية المادة المعجلة المسكوبة وخلوه من بيان مصدر النيران ومدى مطابقته للتصوير المطروح ، واطرح بما لا يسوغ دفعه بانتفاء توافر القصد الجنائي والباعث على الجريمة لديه سيما وأن محل الحريق هو أعواد سمسم فارغة من أي محصول ، وتساند في الإدانة على أقوال شهود الإثبات رغم تناقضها والتي جاءت بشكل مبتسر فضلاً عن عدم معقوليتها واصطناعها بدلالة إقامة شاهدي الإثبات الأول والثاني بمكان خارج البلدة ، ومعتنقاً صوراً متعددة متناقضة لواقعة الدعوى ، كما عول على تحريات الشرطة رغم عدم صحتها والتي جاءت ترديداً لأقوال المجني عليه - شاهد الإثبات الأول - وعول في قضائه على أدلة لا يؤدي أي منها إلى ما انتهت إليه إلا بطريق التخمين والافتراض ، وبقصور تحقيقات النيابة العامة لعدم إجرائها معاينة لمكان الواقعة ، وعدم وجود شاهد رؤية للجريمة حال وقوعها ، وأخيراً ضرب الحكم صفحاً عن دفوعه بانتفاء دليل الإسناد ونفي التهمة وبتلفيق الاتهام وكيديته واصطناع الدليل ، والتفت عن كافة دفاعه ودفوعه الأخرى إيراداً ورداً ، ولم تعن المحكمة بالتحقيق في هذا الشأن وصولاً لحقيقة الأمر ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثمَّ يكون النعي على الحكم بالقصور لا محل له . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل تقرير الأدلة الجنائية لمديرية أمن .... في قوله : ( إن الحريق شب نتيجة إيصال مصدر حراري سريع ذو لهب مكشوف عقب سكب مادة معجلة للاشتعال على منطقة بداية الحريق ) ، وكان فيما حصله الحكم من تقرير الأدلة الجنائية – الذي عول عليه في قضائه - ما يكفي بياناً لمضمون هذا التقرير ، فهذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ؛ ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل فحواه وأجزائه ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليها منها والالتفات عما عداه ولا تقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير، وكانت المحكمة قد اطمأنت في حدود سلطتها التقديرية إلى ما ورد بتقرير المعمل الجنائي ، فإنه لا تجوز مجادلة المحكمة في هذا الشأن ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد المنصوص عليها في المادة 255 من قانون العقوبات يتحقق في وضع الجاني النار في شيء من الأشياء المذكورة بهذه المادة ، وكان عالماً بأن هذا الشيء مملوك لغيره ، فمتى ثبت للمحكمة أن الجاني تعمد وضع النار على هذا الوجه وجب تطبيق تلك المادة ، أياً كانت نتيجته أو الباعث عليه سواء كان القصد منه هو إحراق المكان أو كان وضع النار في المكان لتحقيق أي قصد آخر ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه وضع النار عمداً في زرع محصود مملوك للمجني عليهما ودانه بالمادة 255 من قانون العقوبات ، فإن النعي على الحكم بعدم استظهار القصد الجنائي يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن بشأن المنازعة في التكييف القانوني للواقعة بمقولة أن محل الحريق هو أعواد سمسم فارغة من أي محصول لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ، كما أن المحكمة غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها اطرحتها ولم تعول عليها ، ويكون نعي الطاعن في هذا الشأن غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، كما أن التناقض بين أقوال الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشهود ، فإن ذلك يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وأنه لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد الذي اعتمد عليها الحكم بل يكفي أن يورد مضمونها ، ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد ؛ لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها ، لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها ، وكانت محكمة الموضوع قد أفصحت عن اطمئنانها لحدوث واقعة الدعوى وفق الصورة التي استخلصتها من جماع أدلة الثبوت السائغة التي أوردتها ، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بعدم معقولية تصور حدوث الواقعة على هذه الصورة لا يعدو أن يكون جدلاً حول سلطة محكمة الموضوع في استنباط معتقدها عن الواقعة وصورتها من أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها وهو ما لا يجوز مجادلتها فيه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة والذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لواقعة الدعوى ثم ساق أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته وعرض لدفاع الطاعن واطرحه دون تناقض - على النحو المبين بمدوناته - فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض في التسبيب يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تعول في قضائها على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، وأنه لا ينال من صحة التحريات أن تكون ترديداً لما أبلغ به المجني عليه لأن مفاد ذلك أن مجريها قد تحقق من صدق ذلك البلاغ ، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال ضابط التحريات - وعلى النحو الذي شهد به - ورد بما يسوغ على الدفع بعدم جديتها ، فإن منازعة الطاعن في ذلك لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا تجوز مجادلتها في شأنه لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك ، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه ، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ؛ إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن الأدلة التي عول عليها الحكم في إدانته لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها المحكمة معتقدها مما لا تقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعن ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ولم يكن حكمها مؤسساً على الفرض والاحتمال - حسبما يذهب إليه الطاعن - فإن ما يثار في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لمَّا كَان ذلك ، وكَان البيِّن من مُطَالعة محضر جلسة المُحَاكمة المُؤرَّخ .... أن من بين ما أبداه المُدافع عن الطاعن عدم إجراء النيابة العامة معاينة لمكان الواقعة ، وذلك دون أن يَطلُب من المحكمة اتخاذ إجراء مُعيَّن في هذا الخصوص ، فإن ما أثاره الدفاع فيما سلف لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المُحَاكمة ، لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحُكم ، إذ إنه من المُقرَّر أن تَعييب التحقيق الذي تجريه النيابة العامة لا تأثير له على سلامة الحُكم ، والأصل أن العبرة عند المُحَاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها ، وطالما لم يَطلُب الدفاع منها استكمال ما قد يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب ، فليس له أن يَتخذ من ذلك سبباً لمنعاه ، هذا فضلاً عن أن المحكمة قد عرضت لكل ما يثيره الطاعن في هذا الشأن وأطرحته في منطق سائغ . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لا يشترط لثبوت جريمة وضع النار عمداً وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة ، بل للمحكمة أن تكون اعتقادها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليها من ظروف الدعوى وقرائنها ، ومتى رأت الإدانة كان لها أن تقضي بالعقوبة المقررة على مرتكب الفعل دون حاجة إلى إقرار منه أو شهادة شاهدين برؤيته حال وقوع الفعل منه أو ضبطه متلبساً بها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن نعي الطاعن بالتفات المحكمة عما ساقه من أوجه تشهد بعدم توافر دليل الإسناد ونفي التهمة وكيدية وتلفيق الاتهام واصطناع الدليل هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل ردًا خاصًا طالما كان الرد عليها مستفادًا من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، وبحسب الحكم كيما يستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى الطاعن ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ، لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الطاعن لم يكشف عن أوجه الدفوع والدفاع التي ينعى على المحكمة قعودها عن الرد عليها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى ، وهل تحوي دفاعًا جوهريًا مما يتعين على المحكمة أن تعرض له وترد عليه ، أم أنه من قبيل الدفاع الموضوعي الذي يكفي القضاء بالإدانة أخذاً بأدلة الثبوت رداً عليه ، بل ساق قوله في هذا الصدد مرسلًا مجهلًا ، فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان لا يبين من محضري جلستي المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن طلب تحقيق في هذا الشأن ، فليس له من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم ترهي من جانبها حاجة لإجرائه . لما كان ذلك ، وكان القانون رقم ١١ لسنة ٢٠١٧ قد صدر بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية وقد نصت المادة الأولى فيه على استبدال الفقرة الأولى من المادة ٣٩٥ من قانون الإجراءات الجنائية بجعلها : ( إذا حضر المحكوم عليه في غيبته ، أو قبض عليه ، أو حضر وكيله الخاص وطلب إعادة المحاكمة قبل سقوط العقوبة بمضي المدة ، يحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لإعادة نظر الدعوى ، ويُعرض المقبوض عليه محبوسًا بهذه الجلسة ، وللمحكمة أن تأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطيًا حتى الانتهاء من نظر الدعوى ، ولا يجوز للمحكمة في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي ) وكان نص المادة ٣٩٥ المار ذكرها بعد تعديله وإن كان في ظاهره إجرائي إلا أنه يتضمن قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً ألا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي ، ومن ثم فإنه عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً لا يجوز الإساءة إليه بتشديد العقوبة المقضي بها عليه غيابياً أو القضاء بعقوبة جديدة كما لا يجوز بالنسبة للتعويضات الحكم بها ابتداءً في إعادة الإجراءات أو بزيادة مقدارها عما قضى به الحكم الغيابي ، وهي قاعدة واجبة الإعمال على واقعة الدعوى طالما لم يفصل فيها بحكم بات أصلح للمتهم وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات ، وهو ما أكدته الهيئة العامة للمواد الجنائية لهذه المحكمة - محكمة النقض - في حكمها الصادر بجلسة ٢٢/3/٢٠٢٢ في الطعن رقم ٢٧٩٠ لسنة ٨٩ قضائية . لما كان ذلك ، وكان البين من مطالعة الصورة الرسمية للحكم الغيابي أنه خلا من القضاء بإلزام الطاعن بالتعويض ، فإن الحكم المطعون فيه إذا قضى بمناسبة إعادة إجراءات محاكمته حضورياً بإلزام الطاعن بالتعويض ، فإنه يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تأويله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة النقض طبقاً لنص المادة ٣٥ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم إذا تبين مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة القانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله ، فإنه يتعين إعمالاً لنص المادة ٣٩ من القانون المذكور القضاء بتصحيح الحكم المطعون فيه وذلك بإلغاء ما قضى به في الدعوى المدنية ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق