الصفحات

الخميس، 29 أغسطس 2024

الطعن 573 لسنة 41 ق جلسة 1 / 11 / 1978 مكتب فني 29 ج 2 ق 318 ص 1646

جلسة أول نوفمبر سنة 1978

برئاسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة محمد أسعد محمود وعضوية السادة المستشارين/ محمد الباجوري، ومحمد طه سنجر، إبراهيم فراج وصبحي رزق داود.

---------------

(318)
الطعن رقم 573 لسنة 41 القضائية

(1) نقض "نطاق الطعن". نظام عام. استئناف.
إثارة غير الطاعن للمسائل المتعلقة بالنظام العام أمام محكمة النقض. شرطه. أن تكون متعلقة بالجزء المطعون عليه من الحكم. مثال بشأن الدفع بعدم جواز الاستئناف.
(2) إيجار "إيجار الأماكن". حكم "الطعن في الحكم". نقض.
صدور الحكم من محكمة الاستئناف. جواز الطعن فيه بطريق النقض. لا يغير من ذلك أن يكون الحكم الابتدائي صادراً في منازعة إيجارية ناشئة عن تطبيق القانون 121 لسنة 1947.
(3) نقض "أسباب الطعن".
إقامة الطعن بالنقض على أسباب موضوعية. لا يؤدي إلى الحكم بعدم قبوله وإنما إلى رفضه موضوعا. قرار غرفة المشورة بعدم قبول الطعن. مؤداه. رفضه موضوعاً.
(4، 5) إثبات "البينة" "الإقرار القضائي".
(4) صلة القرابة بين الشاهد والمشهود له. لا تعد سبباً قانونياً لطرح الشهادة.
(5) الإقرار القضائي. وجوب اتجاه إرادة المقر به إلى اعتبار الحق المقر به ثابتاً في ذمته. ما يقرره الخصم تبريراً لموقفه. لا يعد إقراراً.
(6، 7) خبرة. إيجار. حكم "تسبيب الحكم".
(6) جواز قضاء المحكمة في المسائل الفنية دون الاستعانة بأهل الخبرة. شرطه. بيان المصدر الذى استندت إليه في قضائها. مثال في إيجار.
(7) إقامة الحكم قضاءه على المعلومات المستقاة من الخبرة بالشئون العامة. لا خطأ مثال في إيجار.

------------------
1- مفاد نص المادة 253 من قانون المرافعات أنه يجوز للمطعون عليه - كما هو الشأن بالنسبة للنيابة العامة ولمحكمة النقض - أن يثير في الطعن ما تعلق بالنظام العام، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون وارداً على الجزء المطعون عليه من الحكم، فإذا كانت محكمة الاستئناف قد قضت برفض الدفع بعدم جواز الاستئناف وبقبوله شكلاً ثم حكمت بتاريخ 22/ 4/ 1971 في الموضوع، وكان الثابت أن صحيفة الطعن لم تحو إلا نعياً على القضاء الموضوعي في الاستئناف، فلا يسوغ للمطعون عليهم العود إلى التمسك في دفاعهم أمام محكمة النقض بعدم جواز الاستئناف بناء على تعلقه بالنظام العام لأن الحكم الصادر فى الدفع - أياً كان وجه الرأي فيه - خارج عن نطاق الطعن الماثل، لا يغير من ذلك سبق إقامة المطعون عليهم طعناً بطريق النقض على الحكم الصادر في الدفع بعدم جواز الاستئناف طالما صدر القضاء الموضوعي لصالحهم.
2- المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه متى كان الحكم المطعون فيه صادراً من محكمة الاستئناف فإن الطعن فيه بالنقض يكون جائزاً عملاً بالمادة 248 من قانون المرافعات، ولا وجه لما يثيره المطعون عليهم من أن الطعن في الحكم بطريق النقض غير جائز عملاً بالمادة 15 من القانون 121 لسنة 1947 آنفة الذكر إذ أن محل تطبيق هذا النص أن يكون الطعن وارداً على حكم صادر من المحكمة الابتدائية في منازعة ناشئة عن تطبيق هذا القانون.
3- المقرر أنه بفرض إقامة الطعن على أسباب موضوعية فإن ذلك ليس من شأنه أن يفضي إلى القضاء بعدم قبول الطعن وإنما إلى رفضه موضوعاً، ولا تأثير لما استحدثه القانون رقم 13 لسنة 1973 من تعديل جرى على المادة 263 من قانون المرافعات، ناط بموجبه الدوائر المدنية بمحكمة النقض - وعلى ما أوردته المذكرة الإيضاحية - مراجعة وتصفية الطعون المحالة إليها قبل نظرها وخول لها أن تستبعد بقرار يصدر من غرفة مشوره ما كان منها ظاهر الرفض لإقامته على أسباب موضوعية بحتة وأن تأمر بعدم قبول الطعن تيسيراً على المحكمة وتخفيفاً من جهدها ووقتها الذي ينبغي صرفه إلى الجوهري من الأسباب، لأن قرار عدم القبول الذي تصدره غرفة المشورة متروك لتنفيذها، وهو في حقيقته رفض للطعن حال إقامته على أسباب موضوعية.
4- المقرر أن وزن كفاية أدلة الصورية وتقدير أقوال الشهود مرهون بما يطمئن إليه وجدان محكمة الموضوع، فلها أن تأخذ بأقوال شاهد دون آخر حسبما ترتاح إليه وتثق به ولا معقب عليها في ذلك إلا أن تخرج بتلك الأقوال إلى ما يؤدي إليه مدلولها، والقانون لم يجعل صلة القرابة بين الشاهد والمشهود له سبباً لعدم الأخذ بأقوال الشاهد.
5- يتعين أن تتجه إرادة المقر نحو اعتبار الحق المقر به ثابتاً في ذمته وتمكين خصمه من التمسك بهذا الإقرار ومن ثم فإنه لا يعتبر من قبيل الإقرار الملزم ما يرد على لسان الخصم تبريراً لموقفه.
6- الأصل أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي في المسائل العلمية إلا بعد تبيان المصدر الذي اشتقت منه ما قررته، إلا أنه لما كان الحكم وهو في مقام الرد على ما ساقه الطاعن من قرينة على صورية الأجرة بأنها مبالغ فيها وأنها لا تمثل الحقيقة، ذهب إلى أنه لا مبالغة في الأجرة بالمقارنة بأوصاف العين المؤجرة ومزاياها المثبتة بالعقد وهو استخلاص سليم مؤد إلى ما أورده الحكم دون حاجة إلى الاستعانة بأهل الفن من الخبراء طالما وجدت المحكمة من المستندات المتبادلة ما يكفي لتكوين عقيدتها.
7- إذ كان الواقع في الدعوى أن الطاعن ادعى بصورية عقدي الإيجار الصادرين للمطعون عليه الرابع واستدل عليه بعدم تقديم أول العقدين عند ربط الضريبة العقارية فمن حق الحكم أن يمحص هذا الدفاع وأن يحققه ولا عليه إذا أطرح دفاع الطاعن على سند من أن عملية فرض العوائد تتم في غيبة الملاك الذين لا يتوانون عن استغلال كافة الوسائل لخفض هذه الضريبة، وهو قضاء مبنى على المعلومات المستقاة من الخبرة بالشئون العامة المفروض إلمام الكافة بها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1473 لسنة 1967 مدني أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، ضد المطعون عليهم طالباً الحكم بتحديد الأجرة القانونية للشقة استئجاره الموضحة بصحيفة افتتاحها، وقال بياناً لها أنه بعقد مؤرخ 28/ 4/ 1966 استأجر من المطعون عليهم الدور الثاني من الفيلا رقم 19 بشارع....... بسموحة بالإسكندرية بأجرة قدرها 24 ج و290 مليم شهريا وذكر في العقد أنها كانت مؤجرة عند تمام بنائها في شهر يونيو سنة 1960 إلى المطعون عليه الرابع بصفته الشخصية بأجرة شهرية قدرها 45 ج أصبحت بعد التخفيضات المقررة بالقوانين 168، 169 لسنة 1961، 7 لسنة 1965 مبلغ 24 ج و920 مليم وإذ كان المطعون عليه الرابع هو الولي الشرعي على كريماته اللاتي يملكن ربع العقار، فإنه لم يكن بينهما وبين باقي الشركاء - المطعون عليهم من الأول إلى الثالثة - عقد إيجار بالمعنى الفني للكلمة، وإنما مجرد اتفاق على تحديد مقابل الانتفاع لتسوية الريع عند المحاسبة، وإذ يترتب على ذلك أن ما نص عليه في العقد من سبق تأخير تلك العين مخالف للحقيقة بقصد التحايل على رفع الأجرة عن الحد القانوني، فقد أقام دعواه، وبتاريخ 19/ 10/ 1967 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 850 لسنة 23 ق الإسكندرية طالباً إلغاءه والقضاء بطلباته. دفع المطعون عليهم بعدم جواز الاستئناف، وبتاريخ 26/ 6/ 1968 حكمت محكمة الاستئناف برفض الدعوى بعدم جواز الاستئناف، ثم عادت وحكمت بتاريخ 20/ 4/ 1969 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن صورية عقدي الإيجار المؤرخين 25/ 6/ 1960، 24/ 9/ 1964 وأن الأجر الثابتة في كل منهما غير حقيقية، وبعد سماع شهود الطرفين قضت بتاريخ 22/ 4/ 1971 بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض، دفع المطعون عليهم بعدم جواز الطعن وبعدم قبوله، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفعين وفي الموضوع برفض الطعن، عرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع بعدم جواز الطعن المبدى من المطعون عليهم أن حكم المحكمة الابتدائية نهائي ولم يكن قابلاً لأى طعن وفقاً لنص المادة 15 من القانون 121 لسنة 1947 الذي صدر في ظله، ولذلك دفعوا أمام محكمة الدرجة الثانية بعدم جواز استئنافه، وإذ أخطأ الحكم الصادر بتاريخ 26/ 6/ 1968 في قضائه برفض الدفع بعدم جواز الاستئناف، وكان ذلك في أمر متعلق بالنظام العام، فإنه يجوز لهم التمسك بهذا الدفاع في الطعن الحالي، بما يترتب عليه أن يكون الطعن بالنقض هو الآخر غير جائز قانوناً.
وحيث إن الدفع مردود، ذلك أنه وإن كان مفاد المادة 253 من قانون المرافعات أنه يجوز للمطعون عليه - كما هو الشأن بالنسبة للنيابة العامة ولمحكمة النقض - أن يثير في الطعن ما تعلق بالنظام العام، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون وارداً على الجزء المطعون عليه من الحكم، فإذا كانت محكمة الاستئناف قد قضت في 26/ 6/ 1968 برفض الدفع بعدم جواز الاستئناف وبقبوله شكلاً، ثم حكمت بتاريخ 22/ 4/ 1971 في الموضوع، وكان الثابت أن صحيفة الطعن لم تحو إلا نعياً على القضاء الموضوعي في الاستئناف، فلا يسوغ للمطعون عليهم العود إلى التمسك في دفاعهم أمام محكمة النقض بعدم جواز الاستئناف بناء على تعلقه بالنظام العام، لأن الحكم الصادر في الدفع - أياً كان وجه الرأي فيه - خارج عن نطاق الطعن الماثل، لا يغير من ذلك سبق إقامة المطعون عليهم طعناً بطريق النقض رقم 456 لسنة 38 ق على الحكم الصادر في الدفع بعدم جواز الاستئناف، طالما صدر القضاء الموضوعي لصالحهم. لما كان ذلك وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه متى كان الحكم صادراً من محكمة الاستئناف فإن الطعن فيه بالنقض يكون جائزاً عملاً بالمادة 248 من قانون المرافعات، ولا وجه لما يثيره المطعون عليهم من أن الطعن في الحكم بطريق النقض غير جائز عملاً بالمادة 15 من القانون 121 لسنة 1947 آنفة الذكر، إذ أن محل تطبيق هذا النعي أن يكون الطعن وارداً على حكم صادر من المحكمة الابتدائية في منازعة ناشئة عن تطبيق هذا القانون، ويكون الدفع في غير محله.
وحيث إن الدفع بعدم قبول الطعن الذى أبداه المطعون عليهم مؤسس على أن أسباب الطعن جميعها تقوم على مجادلة موضوعية بحتة مما لا رقابة لمحكمة النقض فيه على محكمة الموضوع.
وحيث إن الدفع مردود، ذلك أن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق والخطأ في تطبيق القانون على النحو المبين بصحيفة الطعن، وجميعها تندرج ضمن أسباب الطعن بالنقض التي بينتها المادة 248 من قانون المرافعات بيان حصر. ولما كان المقرر أنه بفرض إقامة الطعن على أسباب موضوعية فإن ذلك ليس من شأنه أن يفضى إلى القضاء بعدم قبول الطعن. وإنما إلى رفضه موضوعاً، ولا تأثير لما استحدثه القانون رقم 13 لسنة 1973 من تعديل جرى على المادة 263 من قانون المرافعات، ناط بموجبه الدوائر المدنية بمحكمة النقض - وعلى ما أوردته المذكرة الإيضاحية - مراجعة وتصفية الطعون المحالة إليها قبل نظرها، وخول لها أن تستبعد بقرار يصدر في غرفة مشورة ما كان منها ظاهر الرفض لإقامته على أسباب موضوعية بحته، وأن تأمر بعدم قبول الطعن، تيسيراً على المحكمة وتخفيفاً من جهدها ووقتها الذي ينبغي صرفه إلى الجوهري من الأسباب، لأن قرار عدم القبول الذى تصدره غرفة المشورة متروك لتقديرها، وهو في حقيقته رفض للطعن حال إقامته على أسباب موضوعية ويكون الدفع بهذه المثابة على غير أساس.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سبعة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق، وفى بيانها يقول الطاعن إن الحكم عول في قضائه على أقوال شاهدي المطعون عليهم وأطرح أقوال شاهديه بناء على عقيدة شخصية مسبقة بالمطعون عليه الأخير، مفادها أن رواية شاهدي الطاعن عنه لا يمكن تصور صدورها منه، مما أدى إلى عدم مناقشة دفاع الطاعن القائم على أن الإيصال الذي قدمه بقبض أجرة مسجلة هو في حقيقة رد لمبلغ 700 ج كان قد حصل عليه كخلو، بالإضافة إلى أن الحكم اعتنق معيارين متعارضين في تقدير ووزن أقوال الشهود، فبينما أطرح شهادة أحد شهود الطاعن لأنه شقيقه عول على أقوال شاهدي المطعون عليهم مع أنهما من ذوى قرباهم، كما أهدر أقوال شاهده الثاني بناء على تصور خاطئ لا يسانده دليل في الأوراق وهو مما يعيب الحكم بفساد الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه من المقرر أن وزن كفاية أدلة الصورية وتقدير أقوال الشهود مرهون بما يطمئن إليه وجدان محكمة الموضوع، فلها أن تأخذ بأقوال شاهد دون آخر حسبما ترتاح إليه وتثق به ولا معقب عليها في ذلك إلا أن تخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدى إليه مدلولها، ولما كان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أورد أقوال شهود الطرفين انتهى إلى أن البين من استعراض أقوال شاهدي الطاعن أنها لا تتفق مع المنطق ولا يمكن تصديقها أو تصور صدورها من المطعون عليه الرابع وهو أستاذ في القانون، فمن غير المقبول أن يطلب مقابل خلو منهما وأن يذكر لأولهما أنه اصطنع عقد إيجار صوري ويخبر الثاني بأن العين لم يسبق تأجيرها، واطمأن لأقوال شاهدي المطعون عليهم لأنها جاءت طبيعية وتتفق مع مقتضيات الأمور ولا ترقى إلى أقوالهما الشبهات نظراً لمكانتهما الأدبية وعدم وجود مصلحة لهما في النزاع، لما كان ذلك وكانت صفة المطعون عليه الرابع ثابتة من المذكرات التي زخر بها ملف الدعويين الابتدائية والاستئنافية، وما أورده الشاهد الأول للطاعن نفسه، الأمر الذي ينفي أن هذه الصفة كان لها أدنى تأثير على عقيدة المحكمة، ولا تثريب عليها إذا هي اعتبرت لمكانته العلمية وزناً وهى بسبيل الترجيح إلى أقوال الشهود، لما كان ما تقدم فإنه وإن كان صحيحاً أن القانون لم يجعل صلة القرابة بين الشاهد والمشهود له سبباً لعدم الأخذ بأقوال الشاهد، فإن الحكم لم يطبق معيارين متناقضين حين استبعد أقوال شاهد الطاعن وأخذ بأقوال شاهدي المطعون عليهم رغم أن كل منهم تربطه صلة قرابة بالمشهود له لأن الاستبعاد - وعلى ما أفصح الحكم - لم يكن بسبب علاقة الأخوة وإنما لعدم اتفاقها ومنطق العقل، لما كان ما سلف وكان الحكم قد اعتمد على البينة - على ما سلف بيانه - وكان استخلاصه سائغاً وكافياً لحمل النتيجة التي انتهى إليها فلا على الحكم إن هو لم يتحدث عن إيصال قبض الأجرة المعجلة والتي ساقها الخصم كوسيلة لتجريح أقوال الشهود، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم أهدر شهادة مؤسسة الكهرباء المقدمة منه المتضمنة أن المطعون عليه الرابع أثبت في طلب توريد الكهرباء أنه لا يوجد لديه عقد إيجار بما يفيد صورية العقد المدعى، وأهدر الإقرار القضائي الوارد بمذكرة دفاعه أمام محكمة الاستئناف بأنه لم يكن معه العقد عند ذهابه إلى المؤسسة ولذلك لم يتمكن من كتابة تاريخه، واعتد الحكم في ذات الوقت بشهادة أخرى من ذات المؤسسة تناقض ما ورد بشهادة الطاعن وكان حقاً عليها أن تضم الأصل. هذا إلى أن الحكم أطرح مدلول الشهادة الصادرة من هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية والتي يفهم منها أن المطعون عليه الرابع لم يتقدم بعقد الإيجار عند طلب نقل التليفون، وعول على شهادة أخرى مقدمة من المطعون عليه الرابع دون أن يبين المبرر، وهو ما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن البين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أورد في صدد الشهادتين المشار إليهما بسبب النعي قوله "أما بالنسبة لعدم تقديم العقد لمؤسسة الكهرباء وللهيئة العامة للمواصلات السلكية واللاسلكية فإنه لا يعنى بذاته عدم وجود العقد أو صوريته إذ المفروض أن المشترك يصل إلى مبتغاه من توريد التيار الكهربائي أو نقل التليفون إلى مسكنه بأي طريق" كما أن المطعون عليه الرابع وله صفتان (مالك بصفته ولياً طبيعياً ومستأجر من شريكه) لا يلزم إذا ما استعمل إحدى الصفتين دون الأخرى للتوصل إلى مبتغاه من توريد التيار الكهربائي أو نقل التليفون لمسكنه دون أن يؤثر ذلك في قيام عقد الإيجار إذ أن المقصود من الإجراءات التي تتخذها الجهات المذكورة في هذا الصدد هو التحقق من أن الطالب يشغل العين أو له صفة في ذلك، فإن هذا الذي قرره الحكم سليم وسائغ وكاف وحده لطرح الشهادتين المقدمتين من الطاعن كدليل على الصورية وإذ كان المطعون عليه الرابع قد استخدم صفته كمالك وسيلة لإدخال بعض المرافق إلى الشقة ولم يكن بحاجة إلى الاستعانة بصفته الأخرى كمستأجر، ولما كان من حق قاضى الموضوع وهو في مقام الموازنة بين أدلة الثبوت وأدلة النفي أن يأخذ ببعضها ويطرح البعض الآخر، فإن ما أضافه الحكم من تعويل على الشهادتين اللتين تقدم بهما المطعون عليه الرابع سائغ في نطاق هذه السلطة، لما كان ذلك وكان يتعين أن تتجه إرادة المقر نحو اعتبار الحق المقر به ثابتاً في ذمته وتمكين خصمه من التمسك بهذا الإقرار، وكان لا يعتبر بهذه المثابة من قبيل الإقرار الملزم ما يرد على لسان الخصم تبريراً لموقفه، فإن ما ورد بمذكرة المطعون عليه الرابع لا يفهم منه إلا ذكر العلة لعدم إرفاق عقد الإيجار مع الطلب الذى قدمه لمؤسسة الكهرباء ولا ينفي تمسكه بوجوده وصحته ومن ثم فلم يكن هناك ثمة إقرار قضائي أهدره الحكم، ويكون النعي غير وارد.
وحيث إن الطاعن ينعى بالأسباب من الرابع إلى السابع الخطأ فى تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد في عدة وجوه (أولها) ذهب الحكم إلى استقاء قرينة لنفى الصورية عن عقدي الإيجار الصادرين إلى المطعون عليه الرابع قوامها أن الأجرة المتفق عليها لا مبالغة فيها، استناداً إلى أوصاف ومزايا العين المثبتة بعقد الإيجار مع أنه كان يتعين إثبات أن الأجرة المتفق عليها في العقدين المطعون عليهما تتفق مع الأجرة الحقيقية، وهو ما لم يحققه الحكم الذى يكون قد نصب نفسه مقام الخبير في مسألة فنية - (الثاني) اعتبر الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أن العقد العرفي الأول المؤرخ 25/ 6/ 1961 ثابت التاريخ تبعاً لوروده في العقد الثاني المؤرخ 24/ 9/ 1964، مع أن الإشارة إلى العقد الأول في العقد الثاني الذى أثبت تاريخه في 25/ 3/ 1965 لا تجعل العقد الأول ثابت التاريخ إلا من تاريخ إثبات العقد الثاني لا من تاريخ تحرير العقد العرفي الأول وفق المادة 395 من القانون المدني (الثالث) أحال الحكم المطعون فيه إلى الحكم الابتدائي في قالته أن الطاعن لم يزعم أن المستأجر السابق - المطعون عليه الرابع - كان يدفع أجرة تقل عن تلك المبينة في عقدي الإيجار محل الطعن بالصورية، وهو يناقض دفاع الطاعن في صحيفة دعواه من إنكار لوجود عقد إيجار أصلاً ومن عدم صحة الأجرة المسماة في العقدين (الرابع) تطوع الحكم المطعون فيه في إبداء دفاع لم يقل به المطعون عليهم تبريراً لعدم تقديم عقد الإيجار المدعى بصوريته إلى الهيئة القائمة بربط الضريبة العقارية قولاً من الحكم بأن تقديمه ضار بمصلحتهم، وهو ما لم يدر بخلد الخصوم أنفسهم، مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد.
وحيث إن النعي مردود في وجهه الأول بأنه وإن كان الأصل أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي في المسائل الفنية إلا بعد تبيان المصدر الذى استقت منه ما قررته، إلا أنه لما كان الحكم وهو في مقام الرد على ما ساقه الطاعن من قرينة على صورية الأجرة بأنها مبالغ فيها وأنها لا تمثل الحقيقة، ذهب إلى أنه لا مبالغة في الأجرة بالمقارنة بأوصاف العين المؤجرة ومزاياها المثبتة بالعقد، وهو استخلاص سليم يؤدى إلى ما أورده الحكم دون حاجه إلى الاستعانة بأهل الفن من الخبراء، طالما وجدت المحكمة من المستندات المتبادلة ما يكفي لتكوين عقيدتها. والنعي في وجهيه الثاني والثالث غير سديد، ذلك أنه وإن كان مفاد المادة 395 من القانون المدني المنطبقة على واقعة الدعوى - والمقابلة للمادة 15 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 - أن تاريخ الورقة العرفية يكون ثابتاً من يوم أن يثبت مضمونها في ورقة أخرى ثابتة التاريخ رسمية كانت أو عرفية، إلا أن البين من الحكم الابتدائي أنه وهو بسبيل نفي الصورية عن عقدي الإيجار سالفي الذكر، أشار إلى أن ثانيهما ثابت التاريخ في 25/ 3/ 1965 أي قبل التعاقد الصادر للطاعن بما يزيد عن عام، وورد به أن العين كانت مؤجرة لذات المستأجر السابق بمقتضى عقد مؤرخ 25/ 6/ 1960، مما مؤداه أن الحكم لم يقصد إضفاء صفة ثبوت التاريخ على العقد الأول منذ نشوئه، وإنما تحدث عن عقد واحد ثابت التاريخ هو العقد الثاني، ويكون ما ورد بالنعي فيه مجاوزة لمراد الحكم. لما كان ذلك وكان لا يعيب الحكم ما استطرد إليه من أن الطاعن لم يزعم أن المستأجر السابق كان يدفع أجرة تقل عن الأجرة المبينة في عقدي الإيجار، إذ جاء ذلك فضلة زائداً القول فيها ويستقيم الحكم بدونها، وليس من شأنها تغيير الأساس الذي أقام عليه الحكم قضاءه. والنعي في وجهه الأخير مردود بأن لمحكمة الموضوع الحق دوماً في بحث جدية أية ورقة تقدم في الدعوى ما دام ذلك لازماً للفصل فيها، ولما كان الواقع في الدعوى أن الطاعن ادعى بصورية عقدي الإيجار الصادرين للمطعون عليه الرابع - واستدل عليها بعدم تقديم أول العقدين عند ربط الضريبة العقارية، فمن حق الحكم أن يمحص هذا الدفاع وأن يحققه، ولا عليه إذا أطرح دفاع الطاعن على سند من أن عملية فرض العوائد تتم في غيبة الملاك الذين لا يتوانون عن استغلال كافة الوسائل لخفض الضريبة هذه، وهو قضاء مبنى على المعلومات المستقاة من الخبرة بالشئون العامة المفروض إلمام الكافة بها، ويكون النعي على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق