الصفحات

الثلاثاء، 7 مايو 2024

الطعن 1162 لسنة 12 ق جلسة 27 / 4 / 1942 مج عمر ج 5 ق 392 ص 648

جلسة 27 إبريل سنة 1942

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك ومنصور إسماعيل بك المستشارين.

--------------

(392)
القضية رقم 1162 سنة 12 القضائية

قوّة الشيء المحكوم فيه. 

تعدّد المتهمين. حكم ببراءة أحدهم. متى يستفيد منه الآخرون؟ علة الاستفادة. نظام المحاكمة الجنائية. حكم ببراءة الفاعل الأصلي. يمنع من معاقبة الشريك.

(المادة 42 عقوبات)

---------------

إنه إذا كانت الأحكام الجنائية الصادرة بالبراءة بناء على أن الواقعة المرفوعة بها الدعوى العمومية لم تقع أصلاً أو على أنها في ذاتها ليست من الأفعال التي يعاقب القانون عليها تعتبر عنواناً للحقيقة سواء بالنسبة للمتهمين الذين قضي لهم بالبراءة فيها أو لسواهم ممن ينسب إليهم، ولو في إجراءات لاحقة، المساهمة في تلك الواقعة عينها فاعلين أو شركاء - إذا كانت هذه الأحكام تعتبر كذلك فالعلة إنما هي وحدة الواقعة الجنائية وارتباط الأفعال المنسوبة لكل متهم ارتباطاً غير قابل بطبيعته لأية تجزئة ومقتضياً انتفاء كل تفرقة بين هؤلاء المتهمين في صوالحهم المستمدّة من ذلك العامل المشترك بينهم، وهو الواقعة المتهمون هم فيها، بل مقتضياً حتماً أن تكون تلك الصوالح متحدة اتحاداً يستوجب أن يستفيد كل متهم من أي دفاع مشترك. وهذه العلة أساسها ما تمليه المصلحة العامة من وجوب تجنب ما تتأذى به الجماعة من قيام أي تناقض في الأحكام الجنائية المتعلقة بالأرواح والحرّيات الأمر الذي يقتضي اعتبار تلك الأحكام، وهذا شأنها، حجة في حق الناس كافة ما دام ذلك لا يكون فيه مساس بما هو مقرّر لكل متهم عند محاكمته من كامل الحق في الدفاع. وهذا هو الذي حدا بالشارع إلى أن يسنّ للمحاكم التي تصدر هذه الأحكام نظاماً خاصاً يغاير ما وضعه للمحاكم المدنية إذ يسر لها السبيل لأن تتحرّى الحقائق مجرّدة بغض النظر عن أشخاص الخصوم الماثلين أمامها دون تقيد بأقوالهم أو طلباتهم التي يدلون بها إليها. وإذن فلا يصح عند محاكمة أني متهم عن واقعة أن يحتج بسبق صدور حكم بالبراءة لمتهم آخر بذات الواقعة بصفته فاعلاً معه أو شريكاً له فيها إلا إذا كانت الأسباب التي أقيمت عليها البراءة مؤدية بذاتها إلى براءة المتهم المطلوبة محاكمته أيضاً بحيث لو أن محاكمة المتهمين الاثنين كانت قد حصلت في دعوى واحدة لرمي الحكم فيها بالتناقض البين إذا هو أدان أحدهما وبرأ الآخر. وهذا هو الشأن في أحكام البراءة التي يكون أساسها عدم صحة الواقعة أو عدم العقاب عليها في حدّ ذاتها مهما كانت أشخاص المتهمين بها. أما الأحوال الأخرى التي يمكن أن يتصور فيها قانوناً براءة متهم وإدانة آخر في ذات الواقعة فإنه لانعدام التناقض فيها يكون حكم البراءة مقصوراً أثره على من قضي له بها دون غيره. ومن ذلك القبيل الأحكام الصادرة ببراءة الفاعل لانعدام القصد الجنائي لديه، فهي لا تصلح لأن يحتج بها بالنسبة للشريك المقدّم للمحاكمة على أساس توافر القصد الجنائي عنده، إذ أن المادة 42 من قانون العقوبات قد نصت على أنه إذا كان الفاعل غير معاقب لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به فذلك لا يمنع من معاقبة الشريك. وهذا صريح في أن القانون نفسه لا يعتبر الإدانة متعارضة مع البراءة في هذه الحالة، وناطق بأن الشارع لا يجيز أن يتعدّى أثر الحكم ببراءة الفاعل إلى الشريك، إذ التعدية يلزم عنها حتماً تعطيل مقتضى ذلك النص بمنع النيابة العمومية بصفة مطلقة من تقديم الدليل على ثبوت نية الإجرام لدى الشريك في واقعة ارتكبها الفاعل دون أن يكون عنده القصد الجنائي كما يتطلبه القانون.


المحكمة

وحيث إن النيابة العمومية تنعى بوجوه الطعن المقدّمة منها على الحكم المطعون فيه أنه إذا اعتبر الحكم الصادر من محكمة الجنح المختلطة ببراءة الفاعل الأصلي تيودور كوتسيكا من تهمة الشروع في الرشوة الموجهة إليه حجة قاطعة بالنسبة لـ....... المتهم بالاشتراك في هذه الجريمة، وقضي له هو الآخر بالبراءة بناءً على ذلك بمقولة إن أسباب البراءة تلك ليست متعلقة بشخص تيودور كوتسيكا بل هي تنصب على ذات الواقعة الجنائية لأنه حكم بعدم صحتها - إذ اعتبر ذلك يكون قد أخطأ خطأ يعيبه بما يستوجب نقضه، فحكم البراءة المذكور إنما أقيم على عدم ثبوت القصد الجنائي في الجريمة لدى تيودور كوتسيكا لا على عدم صحة الواقعة. وبمقتضى المادة 42 من قانون العقوبات إذا كان الفاعل غير معاقب لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به فذلك لا يمنع من معاقبة الشريك. ولما كان المتهم....... مركزه يختلف عن مركز تيودور كوتسيكا من عدّة وجوه واضحة في نفس الحكم الصادر من المحكمة المختلطة، وفي الحكم الابتدائي الذي قضى الحكم المطعون فيه استئنافياً بإلغائه، فقد كان ينبغي على المحكمة أن تعرض لكل هذه الوجوه والاعتبارات وتقدّرها، وأن لا تأخذ - كما فعلت - الحكم ببراءة تيودور كوتسيكا قضية مسلمة، ثم تحكم على موجبة ببراءة...... على اعتبار أن لذلك الحكم حجية تستلزم براءة كل من ساهم في الجريمة على أساس ما قاله من أن عرض تيودور كوتسيكا مبلغ الألف جنيه على الدكتور محمد ذو الفقار لم يكن الغرض منه أداء عمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه مع صدور الحكم ابتدائياً واستئنافياً برفض الدفع الفرعي المقدّم من الدفاع عن المتهم بسقوط الدعوى العمومية بالنسبة له بعد أن حكم من المحكمة المختلطة ببراءة الفاعل الأصلي - مع ذلك ما كان يجوز للمحكمة أن تعود إلى الموضوع نفسه السابق الحكم فيه وتقضي في الدعوى بالبراءة استناداً إلى حكم المحكمة المختلطة، فإن ذلك منها يعد قضاءً بما يخالف الحكم السابق، وفيه إهدار لما للأحكام النهائية من حجية واحترام.
وحيث إنه إذا كانت الأحكام الجنائية الصادرة بالبراءة بناءً على أن الواقعة المرفوعة بها الدعوى العمومية لم تقع أصلاً أو على أنها في ذاتها ليست من الأفعال التي يعاقب القانون عليها تعتبر عنواناً للحقيقة سواء بالنسبة للمتهمين الذين قضى لهم بالبراءة فيها أو لسواهم ممن ينسب إليهم، ولو في إجراءات لاحقة، المساهمة في تلك الواقعة عينها فاعلين أو شركاء - إذا كانت هذه الأحكام تعتبر كذلك فالعلة إنما هي وحدة الواقعة الجنائية وارتباط الأفعال المنسوبة للمتهمين بها ارتباطاً لا يقبل بطبيعته أية تجزئة ولا يتسع بذاته لأية تفرقة بين صوالحهم المستمدّة من ذلك العامل المشترك بينهم وهو الواقعة المتهمون هم بها بل يقتضي حتماً أن تكون تلك الصوالح واحدة بحيث يستفيد كل منهم من أي دفاع مشترك. وهذه العلة أساسها ما تمليه المصلحة العامة من وجوب تجنب ما تتأذى به الجماعة من قيام أي تناقض في الأحكام الجنائية المتعلقة بالأرواح والحرّيات الأمر الذي يقتضي اعتبار الأحكام التي هذا شأنها حجة في حق الناس كافة ما دام ذلك لا يكون فيه مساس بما هو مقرّر لكل متهم عند محاكمته من حقه الكامل في الدفاع، وما دام الشارع قد أعدّ المحاكم التي تصدر هذه الأحكام لتحقيق هذا الغرض الاجتماعي بأن سنّ لها نظاماً خاصاً يغاير ما وضعه للمحاكم المدنية فيسر لها السبيل لأن تتحرّى الحقائق مجرّدة بغض النظر عن أشخاص الخصوم الماثلين أمامها وغير متقيدة بأقوالهم ولا بطلباتهم التي يدلون بها إليها.
وحيث إنه لما كانت العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً فإنه لا يصح أن يحتج عند محاكمة أي متهم عن واقعة بسبق صدور حكم بالبراءة لمتهم آخر بذات الواقعة بصفته فاعلاً معه أو شريكاً له فيها إلا إذا كانت الأسباب التي أقيمت عليها البراءة تؤدّي أيضاً بذاتها إلى براءة المتهم المطلوبة محاكمته بحيث لو كانت محاكمة المتهمين الاثنين قد حصلت في دعوى واحدة لرمي الحكم فيها بالتناقض البين إذا ما هو أدان واحداً وبرأ الآخر. وهذا هو الشأن في أحكام البراءة التي يكون الأساس فيها عدم صحة الواقعة أو عدم العقاب عليها في حدّ ذاتها مهما كانت أشخاص المتهمين بها. أما في الأحوال الأخرى التي يتصوّر قانوناً فيها براءة متهم وإدانة آخر في الواقعة الواحدة فإن التناقض يكون منعدماً ويكون حكم البراءة إذن مقصوراً أثره على من قضى له بها دون غيره، ومن قبيل ذلك الأحكام الصادرة ببراءة الفاعل لعدم وجود القصد الجنائي لديه فإنها لا تصلح أن يحتج بها بالنسبة للشريك المقدّم للمحاكمة على أساس توافر القصد الجنائي في الجريمة عنده. فإن المادة 42 من قانون العقوبات قد نصت على أنه إذا كان الفاعل غير معاقب لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به فذلك لا يمنع من معاقبة الشريك. وهذا صريح في أن القانون نفسه لا يعتبر الإدانة متعارضة مع البراءة في هذه الحالة، وناطق بأن الشارع لا يجيز أن يتعدّى أثر الحكم ببراءة الفاعل إلى الشريك، لأن التعدية يلزم عنها حتماً تعطيل مقتضى ذلك النص بمنع النيابة العمومية بصفة مطلقة من تقديم الدليل على ثبوت نية الإجرام لدى الشريك في الواقعة التي ارتكبها الفاعل دون أن يكون عنده القصد الجنائي كما يتطلبه القانون.
وحيث إنه يتضح من مراجعة الحكم الصادر من محكمة مصر المختلطة بتاريخ 13 مارس سنة 1941 ببراءة تيودور كوتسيكا من التهمة التي وجهت عليه وهي أنه في يوم 5 أغسطس سنة 1940 شرع في إعطاء مبلغ ألف جنيه رشوة لم تقبل منه إلى الدكتور محمد ذو الفقار لأداء عمل من أعمال وظيفته وهو تقديم تقرير لمصلحته أن هذا الحكم بعد أن أورد الأدلة القائمة في الدعوى، وذكر في ذلك أن الدكتور ذو الفقار قرّر أن الدكتور.... - الذي قالت عنه المحكمة إنه في نظرها عامل السوء في المأساة التي وقعت، ولولاه لما فكر الدكتور ذو الفقار في أن يطلب أو يتسلم نقوداً من كوتسيكا، ولما فكر الثاني في أن يعرض نقوداً على الأوّل - طلب إليه قبل يوم الواقعة أن يحرّر تقريره في مصلحة كوتسيكا وأفهمه أن كوتسيكا سخي وسوف يستفيد منه إن هو أدّى له خدمة - بعد ذلك أخذ الحكم يوازن بين أدلة الثبوت والنفي. ومما قاله في ذلك أن الدكتور..... حين اتصل بالدكتور ذو الفقار وطلب إليه أن يراعي في تقريره مصلحة كوتسيكا إنما فعل ذلك من تلقاء نفسه بغير علم كوتسيكا. ثم انتهى إلى القول بأن كوتسيكا حين قبل بناءً على طلب الدكتور........ تكليف الدكتور ذو الفقار مأمورية تنظيم حساب محاله لا تثريب عليه، لأن هذه المأمورية التي كان الدكتور ذو الفقار سيؤدّيها في غير أوقات عمله لا تتعارض مع تأدية واجباته الرسمية، وأن كوتسيكا في الحقيقة كما يتضح من مجموع عناصر الإثبات في الدعوى وقت أن دفع المبلغ لم يكن يرمي إلى غرض سيئ.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ قضي في الدعوى بالبراءة دون أن يخوض في موضوعها ويناقش أدلتها لمجرّد القول منه بأن الحكم الصادر من المحكمة المختلطة ببراءة الفاعل في الجريمة يجب أن يكون بذاته حجة قاطعة بالنسبة للمتهم بصفته شريكاً له فيها. ووجوه خطئه في ذلك هي: (أوّلاً) أن الحكم المختلط لم يبنِ البراءة التي انتهى إليها على عدم صحة الواقعة، كما قال الحكم المطعون فيه، بل أسسها - كما هو ظاهر من مطالعته - على عدم توفر القصد الجنائي لدى المتهم بالجريمة التي رفعت بها الدعوى عليه. (وثانياً) أنه مع التسليم بأن الأحكام الصادرة من المحاكم المختلطة في المواد الجنائية التي من اختصاصها قانوناً الفصل فيها لها حجية ملزمة أمام القضاء الأهلي أسوة بأحكام المحاكم الأهلية فإن الحكم المختلط المذكور - وقد اعتمد في براءة الفاعل على انعدام القصد الجنائي لديه - ليس من شأنه قانوناً - كما مر القول - أن يحول دون محاكمة الشريك في ارتكاب الفعل إذا كان القصد الجنائي متوافراً في حقه هو. ولذلك فإنه كان ينبغي على المحكمة أن تسمع الدعوى المرفوعة على المتهم بالاشتراك وتحقق أدلتها المقدّمة فيها والوارد ذكرها بالحكم المستأنف ثم تقضي في موضوعها على حسب ما تستظهره هي وفقاً لما تطمئن إليه عقيدتها. أما وهي لم تفعل بل اكتفت باعتبارها الحكم المختلط قرينة قانونية ملزمة ودليلاً قاطعاً لا يقبل المناقشة والتفنيد على انعدام نية الإجرام، لا في حق الفاعل المحكوم له بذلك وحده بل أيضاً في حق شريكه الذي لم يدخل معه في المحاكمة والذي تدعى النيابة العمومية برفعها الدعوى عليه لطلب معاقبته بناءً على أدلة الثبوت التي تقدّمها للمحكمة، أنه فيما وقع منه إنما كان يقصد ارتكاب فعل جنائي - أما وهي لم تفعل فإنها تكون قد أخطأت خطأ يعيب حكمها بما يستوجب نقضه. (وثالثاً) إنه بعد صدور الحكم ابتدائياً برفض الدفع المقدّم من المتهم وبجواز محاكمته رغم الحكم الصادر ببراءة المتهم الآخر، وبعد صيرورة هذا الحكم نهائياً بتأييده استئنافياً - بعد ذلك ما كان يجوز للمحكمة أن تضرب صفحاً عن حجيته وتهمل أمره وتقضي بما يخالفه على نحو ما فعلت استناداً إلى أسباب لا تتفق والقانون. على أن ذلك منها ما كان يقتضي نقض حكمها لو كان الحكم في الدفع غير صحيح في القانون. أما إذا كان صحيحاً، وهو صحيح، ولا خطأ فيه فيما انتهى إليه كما سبق البيان فإن النقض يكون متعيناً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق