الصفحات

الاثنين، 29 أبريل 2024

القضيتان 67 ، 68 لسنة 17 ق جلسة 7 / 9 / 1996 دستورية عليا مكتب فني 8 ج 1 دستورية ق 5 ص 113

جلسة 7 سبتمبر 1996

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر -رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف ومحمد علي سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، 

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (5)
القضية رقم 67، 68 لسنة 17 قضائية "دستورية"

دستور "المادة الثانية: نطاق سريانها".
ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها سنة 1980- من أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، هو بمثابة قيد على المشرع يتعين التزامه في التشريعات الصادرة بعد هذا التعديل دون سواها - إذ كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه - ومنها المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات - تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه.

-----------------
من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن ما تضمنته المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980- يدل على أن الدستور - واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها فيما تقره من النصوص التشريعية، بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية، بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن ترد إليه هذه النصوص، أو تستمد منه، لضمان توافقها مع مقتضاه، ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية، وقيدها بمراعاتها والنزول عليها في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية، وإذ كان من المقرر كذلك، أن كل مصدر ترد إليه النصوص التشريعية، أو تكون نابعة منه، يتعين بالضرورة أن يكون سابقاً في وجوده على هذه النصوص ذاتها، فإن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية، التي أقامها الدستور معياراً للقياس في مجال الشرعية الدستورية، تفترض لزوماً أن تكون النصوص التشريعية المدعى إخلالها بمبادئ الشريعة الإسلامية - والتي تراقبها هذه المحكمة - صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من الدستور الذي تقاس على مقتضاه، بما مؤداه أن الدستور قصد بإقراره لهذا القيد، أن يكون مداه من حيث الزمان منصرفاً إلى فئة من النصوص التشريعية دون سواها، هي تلك الصادرة بعد نفاذ التعديل الذي أدخله الدستور على مادته الثانية، بحيث إذا انطوى نص منها على حكم يناقض مبادئ الشريعة الإسلامية، فإنه يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية. وإذا كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه، تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه.
لما كان ذلك، وكان المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات - المتضمن نص المادة الثالثة المطعون عليها - قد صدر قبل نفاذ المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في 22 مايو 1980، ولم يدخل المشرع عليها ثمة تعديل بعد هذا التاريخ، فإن قالة مخالفتها حكم المادة الثانية من الدستور - وأياً كان وجه الرأي في تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية - يكون في غير محله.


الإجراءات

بتاريخ 31 أكتوبر سنة 1995 أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة الثالثة من المرسوم بقانون 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فيما قرره المدعيان، من أنه بموجب إشهاد وقف بتاريخ 18/ 10/ 1940 ومسجل برقم 46/ 1940 أنشأت السيدة/ حميدة حسنين عامر وقفاً على نفسها مدة حياتها، ثم بعد وفاتها على زوجها عامر سيد عامر مدى حياته، ومن بعده على أولادها، ذكوراً وإناثاً للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم على أولادهم وأولاد أولادهم. ثم على ذريتهم ونسلهم، وعقبهم كذلك، وهكذا طبقة بعد طبقة إلى وقت انقراضهم جميعاً، فيكون ريع وقفها مصروفاً على أولاد زوجها، ثم على أولادهم، ثم على أولاد أولاد أولادهم، وهكذا إلى حين انقراضهم، فيكون وقفاً على الفقراء والمساكين من أهل قرابتها وقرابة زوجها، إلى أن ينقرضوا، فيكون وقفاً على الفقراء والمساكين من المسلمين، من أهل ناحية المعابدة، وأن تعذر الصرف عليهم، كان ذلك على الفقراء والمساكين من المسلمين - أينما كانوا وحيثما وجدوا - حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وبتاريخ 4/ 4/ 1942 توفيت الواقفة. وانحصر إرثها في وارثيها الشرعيين، وهما زوجها عامر سيد عامر ويستحق ربع تركتها فرضاً، وأخوها الشقيق عامر ويستحق باقي تركتها تعصيباً، وإذ صدر المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 152 قاضياً بحل الوقف الأهلي حال حياة زوج الواقفة؛ وكان الأخ الشقيق للواقفة قد تزوج وأنجب ابناً، ثم تزوج هذا الابن كذلك، وأنجب محمود حسين عامر، الذي تصرف مرتين بالبيع في بعض أطيان الوقف بصفته وارثاً لها عن أبيه عن جده، فقد أقام ورثة المستحق للوقف عامر سيد عامر زوج الواقفة، الدعوى رقم 2617 لسنة 1992 مدني كلي أسيوط، مختصمين فيها المدعيين في الدعوى الماثلة، طالبين الحكم بعدم نفاذ البيع الأول في حقهم، ثم اتبعوها بالدعوى رقم 2618 لسنة 1992 مدني كلي أسيوط بالنسبة للبيع الثاني، بغية الحكم أيضاً بعدم نفاذه، مستندين في ذلك إلى أنهم يملكون الأطيان المبيعة بالميراث عن مورثهم المرحوم عامر سيد عامر الذي كسب ملكيتها عملاً بالمادة 3 من المرسوم بقانون رقم 180 سنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات. وأمام محكمة أسيوط الابتدائية دفع الحاضر عن المدعى عليهما (المدعيان في الدعوى الماثلة)، بعدم دستورية نص المادة 3 من هذا المرسوم بقانون. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد قررت بالنسبة للدعوى رقم 2617/ 1992 مدني كلي أسيوط، تأجيل نظرها إلى جلسة 1/ 11/ 1995، وصرحت لهما بإقامة الدعوى الدستورية، فأقاماها.
وحيث إن الدعوى رقم 68 لسنة 17 قضائية "دستورية" قد أقيمت من المدعيين في الدعوى الماثلة، ضد الخصوم أنفسهم، وبالطلبات الدستورية عينها، فإن المحكمة تأمر بضمها إلى الدعوى الحالية، ليصدر فيهما حكم واحد.
وحيث إن المدعيين ينعيان على النص المطعون فيه، أنه إذ قضى بأن يصبح ما ينتهي فيه الوقف ملكاً للمستحقين - كل بقدر حصته في الاستحقاق - يكون قد انطوى على مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية في قواعد الميراث، قولاً منهما بأن هذه القواعد قد تحددت على سبيل الحصر، واتصفت بالجزم واليقين، كما بينت موانع الميراث بما لا مجال فيه للاجتهاد أو لإرادة المورث، وأن مؤدي النص المطعون فيه، حرمان الورثة الشرعيين - سواء أكانوا من أصحاب العصبة النسبية كالأخ الشقيق، أم من أصحاب الفروض النسبية كالأم والأخت - من الميراث، بينما هم شركاء فيه، يتقدمون المستحقين في الوقت المنحل، وهو ما يناقض حكم المادة الثانية من الدستور التي جعلت مبادئ الشريعة الإسلامية، هي المصدر الرئيسي للتشريع.
وحيث إن البين من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، أنه بعد أن نص في مادته الأولى، على أنه لا يجوز الوقف على غير الخيرات، ونص في مادته الثانية على أن يعتبر منتهياً كل وقف لا يكون مصرفه في الحال خالصاً لجهة من جهات البر.. قضى في مادته الثالثة - مثار الطعن الماثل - بأن "يصبح ما ينتهي فيه الوقف على الوجه المبين في المادة السابقة، ملكاً للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع فيه، فإن لم يكن، آلت الملكية للمستحقين الحاليين، كل بقدر حصته في الاستحقاق، وإن كان الوقف مرتب الطبقات، آلت الملكية للمستحقين الحاليين، ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم، كل بقدر حصته أو حصة أصله في الاستحقاق.
وحيث إن استقراء المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 180 سنة 1952 المشار إليه، يدل على أن أحكامها التفصيلية، لا قوام لها بغير القاعدة التي أرستها، وجعلتها دعامتها الأساسية، ألا وهي أيلولة ملكية ما انتهى فيه الوقف إلى المستحقين - كل بقدر حصته في الاستحقاق؛ إذ كان ذلك، وكان جوهر الطعن الماثل يتناول هذه القاعدة ذاتها ويتوخى هدمها، فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعين، تتوافر من خلال الطعن عليها، ذلك أن تقرير صحتها أو بطلانها، يؤثر بالضرورة على النزاع الموضوعي القائم حول ملكية الأطيان التي انتهى وقفها، لأحكام المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 آنف البيان.
وحيث إن يبين من تعديل الدستور الذي تم بتاريخ 22 مايو 1980، أن المادة الثانية منه أصبحت تنص على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" بعد أن كانت تنص عند صدور الدستور في 11 سبتمبر 1971 على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية. ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع".
وحيث إنه من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة -أن ما تضمنته المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في 22 مايو 1980- يدل على أن الدستور - واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها فيما تقره من النصوص التشريعية، بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية، بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن ترد إليه هذه النصوص، أو تستمد منه، لضمان توافقها مع مقتضاه، ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية، وقيدها بمراعاتها والنزول عليها في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية. وإذ كان من المقرر كذلك، أن كل مصدر ترد إليه النصوص التشريعية، يفترض انبثاقها عنه أو على الأقل اتساقها مع فيضه، فلا يكون هذا المصدر بالضرورة إلا سابقاً في وجوده على هذه النصوص ذاتها، فإن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية التي أقامها الدستور معياراً للقياس في مجال الشرعية الدستورية، تفترض لزوماً أن تكون النصوص التشريعية المدعى إخلالها بمبادئ الشريعة الإسلامية - والتي تراقبها هذه المحكمة - صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من الدستور الذي تقاس على مقتضاه، بما مؤداه أن الدستور قصد بإقراره لهذا القيد، أن يكون مداه من حيث الزمان منصرفاً إلى فئة من النصوص التشريعية دون سواها، هي تلك الصادرة بعد نفاذ التعديل الذي أدخله الدستور على مادته الثانية، بحيث إذا انطوى نص منها على حكم يناقض مبادئ الشريعة الإسلامية، فإنه يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية. وإذ كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه، تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات - المتضمن نص المادة الثالثة المطعون عليها - قد صدر قبل نفاذ المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في 22 مايو 1980، ولم يدخل المشرع عليها ثمة تعديل بعد هذا التاريخ، فإن قالة مخالفتها حكم المادة الثانية من الدستور - وأياً كان وجه الرأي في تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية - يكون في غير محله، الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعويين رقمي 67، 68 لسنة 17 قضائية "دستورية". وبمصادرة الكفالة في كل منهما، وألزمت المدعيين المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق