الصفحات

السبت، 6 أبريل 2024

الطعن 4147 لسنة 59 ق جلسة 23 / 11 / 1989 مكتب فني 40 ق 169 ص 1048

جلسة 23 من نوفمبر سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ محمد رفيق البسطويسي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد أحمد حسن وعبد الوهاب الخياط نائبي رئيس المحكمة وعبد اللطيف أبو النيل ومحمد حسين مصطفى.

---------------

(169)
الطعن رقم 4147 لسنة 59 القضائية

(1) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
إحالة الحكم في بيان شهادة شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. صحيحه. حد ذلك: أن تنصب هذه الشهادة على واقعة واحدة ولا يوجد خلاف فيها.
(2) إثبات "شهادة". قانون "تفسيره".
الشهادة. تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه بحاسة من حواسه.
(3) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
عقيدة المحكمة. قيامها على المقاصد والمعاني ولا على الألفاظ والمباني.
(4) إثبات "شهادة". قانون "تفسيره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
العبرة في تحري حقيقة معنى اللفظ في اللغة هي بالسياق الذي ورد فيه.
لفظة المشاهدة. دلالتها على ما يدركه الشاهد بسائر حواسه. مثال.
(5) جريمة "أركانها". باعث. حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" 

سبب الجريمة. ليس من أركانها. الخطأ فيه بفرض حصوله لا يؤثر في سلامة الحكم. متى لم تجعل له المحكمة اعتباراً في إدانة المتهم.
(6) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه بالأمارات والمظاهر الخارجية التي تنبئ عنه. استخلاص توافره. موضوعي.
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى. غير جائز أمام محكمة النقض.
مثال لتسبيب سائغ لتوافر نية القتل.
(7) عقوبة "العقوبة المبررة". نقض "المصلحة في الطعن". قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي.
لا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم قصوره في استظهار نية القتل. متى كانت العقوبة المقضي بها مبررة في القانون حتى مع عدم توافر هذا القصد.
(8) إثبات "بوجه عام" "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
سلطة محكمة الموضوع في الالتفات عما تضمنه محضر الصلح بعدول المجني عليه من اتهام المتهم دون بيان العلة. أخذها بأدلة الثبوت يؤدي دلالة إلى إطراحه.
(9) إثبات "خبرة" "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق.
مثال لتسبيب سائغ لدحض قالة التناقض بين الدليلين القولي والفني.
(10) قتل عمد. إثبات "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جواز حدوث إصابة المجني عليه بالظهر والضارب له أمامه أو خلفه. تقدير ذلك لا يحتاج إلى خبرة خاصة. علة ذلك؟
(11) إثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". 

عدم التزام المحكمة بإجابة طلب مناقشة الطبيب الشرعي. ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي حاجة لاتخاذ هذا الإجراء.

--------------
1 - من المقرر أنه إذا كانت شهادة الشهود تنصب على واقعة واحدة ولا يوجد فيها خلاف بشأن تلك الواقعة فلا بأس على الحكم إن هو أحال في بيان شهادة شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر تفادياً من التكرار الذي لا موجب له.
2 - الأصل في الشهادة هو تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحاسة من حواسه.
3 - من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المقاصد والمعاني لا على الألفاظ والمباني.
4 - إن العبرة في تحري حقيقة معنى اللفظ في اللغة هي بسياقه الذي ورد فيه، فقد تدل لفظة المشاهدة على ما يدركه الشاهد بحاسة البصر أو ما يدركه بحاسة السمع، أو ما يدركه بسائر حواسه، وذلك بحسب وضع الكلمة في مساق العبارة التي تكون موضع التأويل، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل شهادة شاهد الإثبات الرابع بما مؤداه أن المتهم الأول حمل سلاحه وأعده للإطلاق بينما حمل المتهم الثاني عصا حديدية ودلفا إلى مسكن المجني عليهما، بينما اقتصر دور المتهم الثالث على الوقوف أمام الباب الخارجي لمسكن المجني عليهما لمنع دخول من قد يسعى لإنقاذ المجني عليهما، ثم شاهد إطلاق الأعيرة النارية، وأنه عقب مغادرة المتهمين للمسكن تبين له إصابة المجني عليه الأول بأعيرة نارية. لما كان ذلك، وكان البين مما حصله الحكم المطعون فيه لرواية ذلك الشاهد، أنه إنما أراد بكلمة شاهد - على السياق المتقدم - التي نسبها إليه، الإدراك والمعاينة بحاسة السمع - لا الإدراك والمعاينة بحاسة البصر - وهو معنى يدخل في معاني الكلمة تلك مدلولاً وتأويلاً، يؤكد ذلك ما نقله الحكم عن الشاهد من أن المتهم الثالث وقف على الباب الخارجي للمسكن لمنعه والآخرين من الدخول إلى المنزل محل الحادث، لإنقاذ المجني عليهما. ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير مقترن بالصواب.
5 - إن سبب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصر من عناصرها والخطأ فيه بفرض حصوله لا يؤثر في سلامة الحكم ما دامت المحكمة لم تجعل لهذه الواقعة اعتباراً من إدانة المتهمين.
6 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية، موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذا كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - على السياق بادي الذكر - قد دلل على هذه النية تدليلاً سائغاً، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها منها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
7 - لا مصلحة للطاعنين في النعي على الحكم بالقصور في استظهار قصد القتل ما دامت العقوبة المقضى بها عليهم - وهي الحبس مع الشغل لمدة سنتين لكل - مبررة في القانون حتى مع عدم توافر هذا القصد.
8 - لما كان الصلح المبرم عقب الواقعة بين الطاعنين والمجني عليهما لا يعدو أن يكون تحولاً جديداً من المجني عليهما يتضمن عدولهما عن اتهامهما، وهو ما يدخل في تقدير محكمة الموضوع ولا تلتزم في حالة عدم أخذها به أن تورد سبباً لذلك، إذ الأخذ بأدلة الثبوت التي ساقها الحكم يؤدي دلالة إلى إطراح الصلح المذكور.
9 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق.
10 - إن جسم الإنسان - في الأصل - متحرك ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء - ما لم يقم دليل على تقييد حركته أياً كان سبب هذا التقييد - مما يجوز معه حدوث الإصابة بمدخل يسار الظهر، والضارب له واقف أمامه أو خلفه حسب الوضع الذي يكون عليه الجسم وقت الاعتداء، وتقدير ذلك لا يحتاج إلى خبرة خاصة.
11 - لا جناح على المحكمة إن هي لم تجب طلب الدفاع مناقشة الطبيب الشرعي ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها - على ما أفصحت عنه في حكمها - ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين 1 - شرعوا في قتل...... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك سلاحاً نارياً (مسدس) مع الأول وأداة صلبة راضة (قطعة حديد) مع الثاني واقتحموا عليه المسكن وما أن ظفروا به حتى ضربه الثاني بقطعة الحديد على جسمه وأطلق عليه الأول أعيرة نارية بينما وقف المتهم الثالث على باب المنزل لمنع دخول أحد لإسعافه قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج - 2 - شرعوا في قتل..... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك سلاحاً نارياً (مسدس) مع المتهم الأول وأداة صلبة راضة "قطعة حديد" مع الثاني واقتحموا عليه المسكن وما أن ظفروا به حتى ضربه الثاني بقطعة الحديد وأطلق عليه الأول أعيرة نارية بينما كان الثالث يقف بباب المنزل لمنع دخول أحد لإسعافه فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو هرب المجني عليه ومداركته بالعلاج. وأحالتهم إلى محكمة جنايات المنصورة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بعد أن استبعدت ظرف سبق الإصرار عملاً بالمواد 45، 46، 234/ 1 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32 من القانون ذاته بمعاقبتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين.
فطعن المحكوم عليهما الأول والثاني والأستاذ...... المحامي عن الأستاذ..... المحامي نيابة عن المحكوم عليه الثالث في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة الشروع في القتل العمد قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه أحال في بيان شهادة شاهدي الإثبات الثاني والثالثة إلى ما شهد به الشاهد الأول دون أن يورد مضمون شهادتيهما، كما أحال في بيان شهادة الشاهدين الخامس والسادس إلى ما شهد به شاهد الإثبات الرابع..... وحصل شهادة الأخير بأنه شاهد واقعة إطلاق الأعيرة النارية على المجني عليهما في حين أن مؤدى شهادته هو والآخرين أنهم لم يشاهدوا تلك الواقعة، كما نقل الحكم عن الشاهد الرابع أن المتهم الثالث طلب منه الشهادة على الخلاف القائم بينه وبين المجني عليهما حال أن أقواله بالتحقيقات قد تضمنت أن الخلاف قام بين ذاك المتهم والمجني عليه الأول وحده، ولم يدلل الحكم على توافر نية القتل في حقهم تدليلاً كافياً، كما جمع الحكم بين النقيضين فيما نقله عن التقرير الطبي من مسار العيار الناري الذي أصاب المجني عليه الأول بيسار الظهر - من أعلا إلى أسفل ثم عودته إلى القول بأنه لا يمكن الجزم بأن إصابة المجني كانت من أعلا إلى أسفل - رغم أن المجني عليه قرر بأن إطلاق النار كان في مواجهته، وقد طلب الدفاع عنهم استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته واستجلاء واقعة الدعوى غير أن المحكمة أطرحت طلبهم بما لا يصلح رداً. كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وتحريات الشرطة والتقرير الطبي الشرعي ومعاينة النيابة العامة وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه إذا كانت شهادة الشهود تنصب على واقعة واحدة ولا يوجد فيها خلاف بشأن تلك الواقعة فلا بأس على الحكم إن هو أحال في بيان شهادة شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر تفادياً من التكرار الذي لا موجب له. ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد، لما كان ذلك، وكان الأصل في الشهادة هو تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحاسة من حواسه، وكان من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المقاصد والمعاني لا على الألفاظ والمباني، كما أن العبرة في تحري حقيقة معنى اللفظ في اللغة هي بسياقه الذي ورد فيه، فقد تدل لفظة المشاهدة على ما يدركه الشاهد بحاسة البصر أو ما يدركه بحاسة السمع، أو ما يدركه بسائر حواسه، وذلك بحسب وضع الكلمة في مساق العبارة التي تكون موضع التأويل، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل شهادة شاهد الإثبات الرابع بما مؤداه أن المتهم الأول حمل سلاحه وأعده للإطلاق بينما حمل المتهم الثاني عصا حديدية ودلفا إلى مسكن المجني عليهما، بينما اقتصر دور المتهم الثالث على الوقوف أمام الباب الخارجي لمسكن المجني عليهما لمنع دخول من قد يسعى لإنقاذ المجني عليهما، ثم شاهد إطلاق الأعيرة النارية، وأنه عقب مغادرة المتهمين للمسكن تبين له إصابة المجني عليه الأول بأعيرة نارية. لما كان ذلك، وكان البين مما حصله الحكم المطعون فيه لرواية ذلك الشاهد، أنه إنما أراد بكلمة شاهد - على السياق المتقدم - التي نسبها إليه، الإدراك والمعاينة بحاسة السمع - لا الإدراك والمعاينة بحاسة البصر - وهو معنى يدخل في معاني الكلمة تلك مدلولاً وتأويلاً، يؤكد ذلك ما نقله الحكم عن الشاهد من أن المتهم الثالث وقف على الباب الخارجي للمسكن لمنعه والآخرين من الدخول إلى المنزل محل الحادث لإنقاذ المجني عليهما. ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير مقترن بالصواب. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص الباعث على الجريمة من أن الطاعنين استأجروا محلاً تجارياً من المجني عليهما وقد نشب خلاف بين الطرفين بصدد تلك العلاقة كان من نتيجته اعتداء المجني عليه الأول بالضرب على المتهم الثاني الأمر الذي أثار حفيظة الطاعنين فانتوا الاعتداء على المجني عليهما، وكان ما استخلصه الحكم له صداه من أقوال شهود الواقعة ومن بينهم الشاهد الرابع فمن ثم يكون منعى الطاعنين من أن الشاهد الأخير قد قرر بالتحقيقات أن الخلاف قام بين المتهم الثاني والمجني عليه الأول وحده غير سديد، هذا إلى أن سبب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصر من عناصرها والخطأ فيه بفرض حصوله لا يؤثر في سلامة الحكم ما دامت المحكمة لم تجعل لهذه الواقعة اعتباراً في إدانة المتهمين - كما هو الحال في الدعوى المطروحة لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لقصد القتل وتوافره في حق الطاعنين بقوله "إنه عن قصد القتل فهو قائم في حق المتهمين من ظروف الدعوى وملابساتها فلقد ثبت من التحقيقات أن هناك نزاع قام بين المجني عليهما والمتهمين بصدد استئجار الآخرين لمحل تجاري بمسكن المجني عليهما اللذين أرادا إخلاء هذا المحل الأمر الذي رفضه المتهمين وفي يوم الحادث توجه المجني عليه..... إلى المحل المذكور وحاول الاعتداء على المتهم الثالث....... إلا أن المتهم الثاني...... منعه من ذلك الاعتداء فاعتدى عليه المجني عليه..... وأحدث إصابته الموصوفة بالتحقيقات وهي عبارة عن إصابة بشفته العليا كما جاء بوصف النيابة لها في التحقيقات الأمر الذي آثار حفيظة المتهمين وحرك عوامل الغضب في نفوسهم فاستل كل من المتهمين الأول والثاني لقطعة من الحديد واتجهوا وجهة واحدة قاصدين كل منهم قصد الآخر في إزهاق روح المجني عليهما حيث أطلق المتهم الأول....... أعيرة نارية أصابت المجني عليه...... بينما اعتدى عليه المتهم الثاني بقطعة من الحديد وبالإضافة إلى أن الآلتين المستخدمتين في الاعتداء على المجني عليه سالف الذكر من شأنهما إحداث القتل فإن إصابة المذكور بالصدر والبطن كانت في مقتل وخطيرة وجسيمة لنفاذها للصدر والتجويف البطني وما أحدثته من تمزقات بالرئة والحجاب الحاجز والكبد ويتوافر القصد بالنسبة للمتهمين في واقعة الشروع في قتل..... لذات الأسباب والظروف التي شرحتها المحكمة في أسباب هذا الحكم والمتحصلة في تحرك عوامل الغضب لدى المتهمين واتجاههم وجهة واحدة إلى مسكن المجني عليهما قاصدين القتل عندما أطلق المتهم الأول أعيرة نارية على المجني عليه..... بينما اعتدى عليه المتهم الثاني بقطعة من الحديد بالإضافة إلى الآلة القاتلة وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهمين فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج كما خاب أثر الجريمة بالنسبة للمجني عليه الثاني..... وهروبه من مسرح الجريمة". وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية، موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - على السياق بادي الذكر - قد دلل على هذه النية تدليلاً سائغاً، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها منها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، هذا فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعنين في النعي على الحكم بالقصور في استظهار قصد القتل ما دامت العقوبة المقضى بها عليهم - وهي الحبس مع الشغل لمدة سنتين لكل - مبررة في القانون حتى مع عدم توافر هذا القصد. لما كان ذلك، وكان الصلح المبرم عقب الواقعة بين الطاعنين والمجني عليهما لا يعدو أن يكون تحولاً جديداً من المجني عليهما يتضمن عدولهما عن اتهامهما، وهو ما يدخل في تقدير محكمة الموضوع ولا تلتزم في حالة عدم أخذها به أن تورد سبباً لذلك، إذ الأخذ بأدلة الثبوت التي ساقها الحكم يؤدي دلالة إلى إطراح الصلح المذكور. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لطلب استدعاء الطبيب الشرعي وأطرحه بقوله "إنه عن طلب استدعاء الطبيب الشرعي لاستجلاء واقعة إصابة المجني عليه.... وبيان كيفية حدوثها بيسار ظهره ويمين بطنه فمن المقرر أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لدى المحكمة ولم تر من جانبها إجراء أي تحقيق فيها وأصبح الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فإنها لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعي ذلك لأن الثابت من التقرير الطبي الشرعي أن إصابة المجني عليه...... النارية بمدخل يسار ظهره ومخرج يمين بطنه وإن كانت في مستوى من أعلا إلى أسفل إلا أن أساس ذلك يكون في الوضع القائم المعتدل للجسم من الخلف إلى الأمام ومن اليسار إلى اليمين، ولما كان أحد لم ير واقعة إصابة المجني عليه سالف الذكر حتى يمكن الاستدلال من أقواله على وضع المجني عليه أثناء إطلاق النار عليه. ومن ثم فلا يمكن القول بجزم بأن الإصابة كانت من أعلا إلى أسفل لأن أساس ذلك أن يكون المجني عليه في الوضع القائم المعتدل للجسم وهو ما لا يبين من الأوراق في خصوص اتجاهه العيار الناري بالإضافة إلى أن الثابت من المعاينة أن إطلاق النار على المجني عليه كان على بسطة السلم بالدور الأرضي أمام الشقتين الكائنتين بدلالة الآثار المشاهدة أثناء المعاينة، ومن المقرر أن للمحكمة أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب متى كانت واقعة الدعوى قد أيدت ذلك عندها باعتبارها الخبير الأعلى". لما كان ذلك، وكان ما أوره الحكم المطعون فيه رداً على طلب استدعاء الطبيب الشرعي - على النحو آنف الذكر - ينهض كافياً لدحض قالة التناقض بين الدليلين القولي والفني، ولما هو مقرر من أن جسم الإنسان - في الأصل - متحرك ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء - ما لم يقم دليل على تقييد حركته أياً كان سبب هذا التقييد - مما يجوز معه حدوث الإصابة بمدخل يسار الظهر، والضارب له واقف أمامه أو خلفه حسب الوضع الذي يكون عليه الجسم وقت الاعتداء، وتقدير ذلك لا يحتاج إلى خبرة خاصة، إذا كان ذلك، وكان الطاعنون لا يذهبون في منعاهم إلى أن جسم المجني عليه المعني بوجه الطعن كان مقيداً أو مغلولاً عن الحركة، فإنه لا يكون هناك من تناقض بين ما قرره المجني عليه الأول من أن الضارب له كان يقف أمامه - بفرض صحة ذلك - وبين ما أورده تقرير الطبيب الشرعي من أن إصابته بمدخل يسار الظهر، كما وأنه لا جناح على المحكمة إن هي لم تجب طلب الدفاع مناقشة الطبيب الشرعي ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها - على ما أفصحت عنه في حكمها - ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق