الصفحات

الأحد، 28 أبريل 2024

القضية 4 لسنة 25 ق جلسة 13 / 2 / 2005 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 2 منازعة تنفيذ ق 61 ص 3055

جلسة 13 فبراير سنة 2005

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور وأنور رشاد العاصي وماهر سامي يوسف والدكتور عادل عمر شريف، 

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين، 

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

-------------------

قاعدة رقم (61)
القضية رقم 4 لسنة 25 قضائية "منازعة تنفيذ"

1 - منازعة التنفيذ "قوامها".
قوام "منازعة التنفيذ" أن يكون تنفيذ الحكم القضائي لم يتم وفقاً لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانوناً - بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه، وتعطل بالتالي، أو تقيد اتصال حلقاته وتضامها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ، تلك الخصومة التي تتوخى في غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها، وإعدام وجودها لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها، بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة دون تمييز، بلوغاً للغاية المبتغاة منها في تأمين الحقوق للأفراد، وصون حرياتهم، إنما يفترض أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها - حائلة فعلاً دون تنفيذ أحكامها تنفيذاًَ صحيحاً مكتملاً أو مقيدة لنطاقها.
2 - منازعة تنفيذ "قانون أصلح للمتهم - انتفاء المصلحة في الدعوى - حجية الحكم بعدم القبول فصلاً في مسألة دستورية".
شيدت المحكمة الدستورية العليا حكمها بانتفاء مصلحة المدعي - في الدعوى الدستورية سالفة البيان - في الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (6) من القانون رقم 136 لسنة 1981 وما يرتبط به من نص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977 على انهدام الجزاء الجنائي الذي فرضه النص الأخير - من منظور دستوري - منذ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه، فإن حكمها هذا يكون مرتبطاً بهذين النصين في الإطار الذي حددته لهما بما مؤداه وجوب القضاء - في أية منازعة متعلقة بذلك الحكم - بإهدار جميع أشكال العوائق التي يكون من شأنها إعادة إحياء العقوبة المقررة بنص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وهي تلك العقوبة التي انتهى الحكم سالف الذكر إلى سقوطها في مجال تطبيق الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981، وإذ عاد سيف الاتهام يتهدد المدعي - في الدعوى الماثلة - بالحكم الصادر ضده من محكمة الجنح والمؤيد من محكمة الجنح المستأنفة وقرار محكمة النقض بعدم قبول الطعن عليه، فإنه تبعاً لذلك تتوافر له مصلحة شخصية ومباشرة في إقامة منازعة التنفيذ الدستورية المعروضة باعتبار أن هذا الحكم الجنائي يمثل عقبة تعوق تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه آنفاً يلزم إزاحتها وإسقاط مسبباتها التزاماً بأحكام الدستور والقانون، وإعمالاً للحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية، بما يلزم كل سلطة في الدولة - بما فيها مختلف الجهات القضائية - باحترام قضائها وتنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالاً للمادتين (72، 178) من الدستور، والفقرة الأولى من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وبما مؤداه عدم الاعتداد بأي عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه.

-----------------
1 - وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام "منازعة التنفيذ" أن يكون تنفيذ الحكم القضائي لم يتم وفقاً لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانوناً - بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه، وتعطل بالتالي، أو تقيد اتصال حلقاته وتضامها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ، تلك الخصومة التي تتوخى في غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها، وإعدام وجودها لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقاً بحكم صادر في دعوى دستورية فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي احتواها، والآثار المتولدة عنها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ، وتبلور صورته الإجمالية، وتعين كذلك ما يكون لازماً لضمان فعاليته, بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة دون تمييز، بلوغاً للغاية المبتغاة منها في تأمين الحقوق للأفراد، وصون حرياتهم، إنما يفترض أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها - حائلة فعلاً دون تنفيذ أحكامها تنفيذاًَ صحيحاً مكتملاً أو مقيدة لنطاقها.
2 - شيدت المحكمة الدستورية العليا حكمها بانتفاء مصلحة المدعي - في الدعوى الدستورية سالفة البيان - في الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (6) من القانون رقم 136 لسنة 1981 وما يرتبط به من نص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977 على انهدام الجزاء الجنائي الذي فرضه النص الأخير - من منظور دستوري - منذ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه، فإن حكمها هذا يكون مرتبطاً بهذين النصين في الإطار الذي حددته لهما بما مؤداه وجوب القضاء - في أية منازعة متعلقة بذلك الحكم - بإهدار جميع أشكال العوائق التي يكون من شأنها إعادة إحياء العقوبة المقررة بنص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وهي تلك العقوبة التي انتهى الحكم سالف الذكر إلى سقوطها في مجال تطبيق الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981، وإذ عاد سيف الاتهام يتهدد المدعي - في الدعوى الماثلة - بالحكم الصادر ضده من محكمة الجنح والمؤيد من محكمة الجنح المستأنفة وقرار محكمة النقض بعدم قبول الطعن عليه، فإنه تبعاً لذلك تتوافر له مصلحة شخصية ومباشرة في إقامة منازعة التنفيذ الدستورية المعروضة باعتبار أن هذا الحكم الجنائي يمثل عقبة تعوق تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه آنفاً يلزم إزاحتها وإسقاط مسبباتها التزاماً بأحكام الدستور والقانون، وإعمالاً للحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية، بما يلزم كل سلطة في الدولة - بما فيها مختلف الجهات القضائية - باحترام قضائها وتنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالاً للمادتين (72، 178) من الدستور، والفقرة الأولى من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وبما مؤداه عدم الاعتداد بأي عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه.


الإجراءات

بتاريخ العشرين من إبريل سنة 2003، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طلباً للحكم: أولاً: بوقف تنفيذ الحكم الصادر في الجنحة رقم 6561 لسنة 1993 قسم بنها المؤيد بالحكم الصادر في الجنحة المستأنفة رقم 9605 لسنة 1994 والطعن بالنقض رقم 12956 لسنة 65 قضائية وذلك بصفة مستعجلة. ثانياً: وفي الموضوع، بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 22/ 2/ 1997 في الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية فيما فصل فيه من اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 قانوناً أصلح للمتهم مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة قدمت المدعي إلى المحاكمة الجنائية في الجنحة رقم 6561 لسنة 1993 قسم بنها متهمة إياه بأنه إبان عامي 1991، 1992 وهو مالك للعقار تقاضى من المستأجرين مبالغ كمقدم إيجار يزيد عن الحد المقرر قانوناً، وبجلسة 2/ 11/ 1994 قضت محكمة الجنح بحبسه سنة مع الشغل وكفالة 50 جنيه، وألزمته برد ما تقاضاه وهو مبلغ 45340 جنيهاً وتغريمه مثلى هذا المبلغ، ومثليه لصندوق الإسكان الاقتصادي بالمحافظة - وذلك عملاً بالمواد (1، 26/ 1) من القانون رقم 49 لسنة 1977، 6، 25/ 3 من القانون رقم 136 لسنة 1981. وبجلسة 4/ 5/ 1995 قضت محكمة الجنح المستأنفة في الجنحة رقم 9605 لسنة 1994 جنح مستأنف بنها بتأييد الحكم مع إيقاف عقوبة الحبس. وبجلسة 15/ 1/ 2003 قضت محكمة النقض في الطعن رقم 12956 لسنة 65 ق بعدم قبوله وصار الحكم باتاً.
ولما كانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت بجلستها المعقودة في 22 فبراير سنة 1997 بعدم قبول الدعوى رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية" وأسست قضاءها على أن الواقعة محل الاتهام الجنائي إذ لم تعد معاقباً عليها بصدور القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان القانون المدني على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها، فقد تعين الحكم بانتفاء مصلحة المدعي - في الدعوى الدستورية المشار إليها - بعد أن غض المشرع بصره عن بعض التدابير الاستثنائية للعلائق الإيجارية التي أنبنى التجريم عليها وخرج من صلبها، وأن قضاءها باعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 أصلح للمتهم وقد أنبنى على التطبيق المباشر للقواعد الدستورية التي تناولها ذلك الحكم، يسبغ عليه الحجية المطلقة المقررة قانوناً للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية بما تعنيه من إلزام للناس كافة ولكل سلطة في الدولة بما في ذلك جهات القضاء على اختلافها، وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 6 مارس سنة 1997. وإذ كان الحكم الصادر ضد المدعي - في الدعوى الماثلة - في الجنحة المشار إليها آنفاً عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا سالف البيان، الأمر الذي حدا به إلى إقامة الدعوى الراهنة طالباً القضاء بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، فيما فصل فيه من اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 قانوناً أصلح للمتهم، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد أرفق المدعي بصحيفة دعواه حافظة مستندات طويت على شهادة من جدول محكمة الجنح المستأنفة ببنها صادرة في 19/ 4/ 2003 بشأن القضية رقم 9605 لسنة 1994 جنح مستأنف بنها، وصورة رسمية من قرار محكمة النقض - دائرة الأربعاء (ج) - غرفة مشورة الصادر بتاريخ 15/ 1/ 2003 في الطعن رقم 12956 لسنة 65 ق بعدم قبوله، وصورة رسمية من حكم محكمة الجنح المستأنفة ببنها الصادر بتاريخ 4/ 5/ 1995 في القضية رقم 9605 لسنة 1994 جنح مستأنف بنها والذي قضى بتأييد الحكم الصادر في القضية رقم 6561 لسنة 1993 جنح قسم بنها مع إيقاف عقوبة الحبس فقط لمدة ثلاث سنوات، وصورة رسمية من الحكم الأخير الصادر في 20/ 11/ 1994 الذي قضى حضورياً بحبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة 50 جنيهاً وألزمته برد ما تقاضاه للمجني عليهم وهو مبلغ 45340 جنيهاً كل بقدر ما دفع على نحو ما جاء بأسباب الحكم وتغريمه مثلى هذا المبلغ ومثليه لصندوق تمويل الإسكان الاقتصادي بالمحافظة والمصروفات الجنائية.
وحيث إن المدعي يطلب بصفة مستعجلة الحكم بوقف تنفيذ الحكم الصادر ضده في الدعوى الجنائية رقم 6561 لسنة 1993 جنح قسم بنها والذي تأيد بالحكم الصادر في القضية رقم 9605 لسنة 1994 جنح مستأنف بنها، والقرار الصادر من محكمة النقض بعدم قبول الطعن رقم 12956 لسنة 65 قضائية. وفي الموضوع الحكم بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 22/ 2/ 1997 في القضية رقم 48 لسنة 17 قضائية دستورية فيما قضى به من اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 قانوناً أصلح للمتهم، مع ما يترتب على ذلك من آثار. ومن ثم فإن طلبات المدعي تندرج - على نحو ما أورده في صحيفة دعواه - في عداد المنازعات التي عنتها المادة (50) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بنصها على اختصاص هذه المحكمة دون غيرها بالفصل في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها.
وحيث إن الفصل في موضوع الدعوى يغني عن الخوض في الشق العاجل منها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام "منازعة التنفيذ" أن يكون تنفيذ الحكم القضائي لم يتم وفقاً لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانوناً - بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه، وتعطل بالتالي، أو تقيد اتصال حلقاته وتضامها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ، تلك الخصومة التي تتوخى في غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها، وإعدام وجودها لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقاً بحكم صادر في دعوى دستورية، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي احتواها، والآثار المتولدة عنها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ، وتبلور صورته الإجمالية، وتعين كذلك ما يكون لازماً لضمان فعاليته، بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة دون تمييز، بلوغاً للغاية المبتغاة منها في تأمين الحقوق للأفراد، وصون حرياتهم، إنما يفترض أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها - حائلة فعلاً دون تنفيذ أحكامها تنفيذاًَ صحيحاً مكتملاً أو مقيدة لنطاقها.
وحيث إنه يبين من الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 22 فبراير سنة 1997 في الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية أنه قد تناول تحديد "نطاق الدعوى الدستورية" فحصره في نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981 بعد ربطها بالعقوبة على مخالفتها المقررة بنص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977، ثم عمد إلى تحقيق شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى، استمساكاً بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن عينية الدعوى الدستورية لا تعني اعتبار هذا الشرط منفكاً عنها، بل هو مناط قبولها، فلا يكفي أن يتوافر عند رفعها بل يتعين أن يظل قائماً إلى حين الفصل فيها، توكيداً لمبدأ حاصله أن "المصلحة الشخصية المباشرة هي شرط ابتداء واستمرار لقبول الدعوى الدستورية" واستظهاراً لهذا الشرط في إطاره ذاك وبمراعاة أن الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية - الصادر فيها الحكم المطلوب الاستمرار في تنفيذه - قد صادفها أثناء نظرها القانون رقم 4 لسنة 1996 فقد أقامت المحكمة منطوق قضائها "بعدم قبول الدعوى" على خمس دعامات رئيسية، لا قوام لهذا المنطوق دونها وتكوِّن معه كلاً واحداً لا يقبل التجزئة، مدادها الدستور، نصاً وروحاً، لحمتها "مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات" وسداها "صون الحرية الشخصية" وبنيتها تقدير "الضرورة الاجتماعية" التي أملتها "سياسة تشريعية" يتعين على المحكمة استنباط مقاصدها، ورصد غاياتها، متلائمة معها، ملتزمة بها، غير قاصرة على مفاهيم حرفية عفا عليها الزمن، بمنهجية تأخذ في اعتبارها دوماً أن الدستور وثيقة تقدمية نابضة بالحياة، فلا تصد عن التطور آفاقه الرحبة. وحاصل تلك الدعامات:
أولاً: أن ثمة قاعدتين تجريان معاً وتتكاملان - أولهما: أن مجال سريان القانون الجنائي ينحصر أصلاً في الأفعال اللاحقة لنفاذه. وثانيتهما: سريان القانون اللاحق على وقائع كان يؤثمها قانون سابق كلما كان القانون الجديد أكثر يسراً. وتكامل هاتين القاعدتين مؤداه أن الثانية فرع من الأولى ونتيجة حتمية لها، وكلتاهما معاً تعتبران امتداداً لازماً لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات، ولهما معاً القيمة الدستورية ذاتها.
ثانياً: أن صون الحرية الشخصية التي كفلها الدستور بنص المادة (41) منه هي التي تقيم قاعدة "القانون الأصلح للمتهم" وترسيها، ومن ثم يحل القانون الجديد وقد صار أكثر رفقاً بالمتهم وأعون على صون الحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور حقاً طبيعياً لا يمس محل القانون القديم، فلا يتداخلان، بل ينحى ألحقهما أسبقهما، إعلاء للقيم التي انحاز إليها القانون الجديد، بعد أن صار أكفل لحقوق المخاطبين بالقانون القديم وأصون لحرياتهم.
ثالثاً: أن القوانين الجزائية التي تقارن يبعضها تحديداً لأصلحها للمتهم، تفترض اتفاقها جميعاً على الدستور، وتزاحمها على محل واحد، وتفاوتها فيما بينها في عقوباتها يقتضي ألا تُغَّلب المحكمة من صور الجزاء التي تتعامد على المحل الواحد إلا تلك التي تكون في محتواها أو شرائطها أو مبلغها أقل بأساً من غيرها، وأهون أثراً.
رابعاً: أن الضرورة الاجتماعية التي انطلق منها الجزاء المقرر بالقانون القديم وتولد عنها، قد أسقطتها فلسفة جديدة - تبناها المجتمع في طور أكثر تقدماً - قوامها حرية التعاقد، فلا يكون الجزاء الجنائي - وقد لابس القيود التي فرضها القانون القديم على هذه الحرية - إلا منهدماً بعد العمل بالقانون الجديد.
خامساً: أن إعمال الأثر الرجعي للقانون الأصلح للمتهم يعتبر ضمانة جوهرية للحرية الشخصية، تبلورها السياسة العقابية الجديدة للسلطة التشريعية التي تتحدد على ضوء فهمها للحقائق المتغيرة للضرورة الاجتماعية، وهي بعد ضرورة ينبغي أن يحمل عليها كل جزاء جنائي، وإلا فقد علة وجوده. وإذا كانت الواقعة محل الاتهام الجنائي في الدعوى الموضوعية التي أقيمت بشأنها الدعوى الدستورية لم تعد معاقباً عليها - بصدور القانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه - فقد تعين الحكم بانتفاء مصلحة المدعي في الدعوى الدستورية المشار إليها، بعد أن غض المشرع بصره عن بعض التدابير الاستثنائية للعلائق الإيجارية التي أنبنى عليها التجريم، وخرج من صلبها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت المحكمة الدستورية العليا قد شيدت حكمها بانتفاء مصلحة المدعي - في الدعوى الدستورية سالفة البيان - في الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (6) من القانون رقم 136 لسنة 1981 وما يرتبط به من نص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977 على انهدام الجزاء الجنائي الذي فرضه النص الأخير - من منظور دستوري - منذ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه، فإن حكمها هذا يكون مرتبطاً بهذين النصين في الإطار الذي حددته لهما بما مؤداه وجوب القضاء - في أية منازعة متعلقة بذلك الحكم - بإهدار جميع أشكال العوائق التي يكون من شأنها إعادة إحياء العقوبة المقررة بنص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وهي تلك العقوبة التي انتهى الحكم سالف الذكر إلى سقوطها في مجال تطبيق الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981، وإذ عاد سيف الاتهام يتهدد المدعي - في الدعوى الماثلة - بالحكم الصادر ضده من محكمة الجنح والمؤيد من محكمة الجنح المستأنفة وقرار محكمة النقض بعدم قبول الطعن عليه، فإنه تبعاً لذلك تتوافر له مصلحة شخصية ومباشرة في إقامة منازعة التنفيذ الدستورية المعروضة باعتبار أن هذا الحكم الجنائي يمثل عقبة تعوق تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه آنفاً يلزم إزاحتها وإسقاط مسبباتها التزاماً بأحكام الدستور والقانون، وإعمالاً للحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية، بما يلزم كل سلطة في الدولة - بما فيها مختلف الجهات القضائية - باحترام قضائها وتنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالاً للمادتين (72، 178) من الدستور، والفقرة الأولى من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وبما مؤداه عدم الاعتداد بأي عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بالمضي في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 22 من فبراير سنة 1997 في الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية فيما فصل فيه من اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدني على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها والأماكن التي انتهت عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها قانوناً أصلح للمتهم، مع ما يترتب على ذلك آثار، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق