الصفحات

الثلاثاء، 30 يناير 2024

الدعوى رقم 28 لسنة 40 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 6 / 1 / 2024

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يناير سنة 2024م، الموافق الرابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1445ه.

برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيدة المستشار/ شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 28 لسنة 40 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري (الدائرة 61 أفراد- المنيا) بحكمها الصادر بجلسة 28/9/2017، ملف الدعويين رقمي 7698 و9020 لسنة 6 قضائية.

المقامتين من

1- ماهر بشرى حنين، عن نفسه، وبصفته رئيس مجلس أمناء مؤسسة الحياة الأفضل للتنمية الشاملة بالمنيا

2- فايزة نجيب وهبة حنا، عن نفسها، وبصفتها أحد مؤسسي مؤسسة الحياة الأفضل للتنمية الشاملة بالمنيا

ضد

1- وزير التضامن الاجتماعي

2- محافظ المنيا

3- وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بالمنيا

4- طاهر محمد خلاف، رئيس مجلس الأمناء المُعين

5- مصطفى محمد عطا جمعة، نائب رئيس مجلس الأمناء المُعين

6- أكرم فوزي عبده، الأمين العام لمجلس الأمناء المُعين

7- كمال نصيف حنا برسوم، عضو مجلس الأمناء المُعين

8- هاني غبريال عزيز غبريال، عضو مجلس الأمناء المُعين

9- البنك التجاري الدولي - فرع المنيا

-------------

الإجراءات

بتاريخ الثامن عشر من فبراير سنة 2018، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعويين رقمي 7698 و9020 لسنة 6 قضائية، بعد أن حكمت محكمة القضاء الإداري (الدائرة 61 أفراد - المنيا) بجلسة 28/9/2017، بوقف الدعويين وإحالة أوراقهما إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص المادة (63) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002.

وقدم المدعيان في الدعوى الموضوعية مذكرة، طلبا فيها الحكم بعدم دستورية النص المحال.

كما قدم المدعى عليه الرابع في الدعوى الموضوعية مذكرة، طلب فيها الحكم برفض الدعوى.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أولًا: بعدم قبول الدعوى، عدا الفقرة الثالثة من المادة المحالة فيما تضمنته من تخويل الجهة الإدارية سلطة عزل مجلس الأمناء. ثانيًا: برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

-----------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

 حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن المدعي الأول في الدعوى الموضوعية، أقام أمام محكمة القضاء الإداري بالمنيا الدعوى رقم 7698 لسنة 6 قضائية، مخاصمًا المدعى عليهم الثلاثة الأولين، كما أقامت المدعية الثانية أمام المحكمة ذاتها الدعوى رقم 9020 لسنة 6 قضائية، ضد الخصوم أنفسهم، طلبا فيهما الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار محافظ المنيا رقم 395 لسنة 2016 بعزل مجلس أمناء مؤسسة الحياة الأفضل للتنمية الشاملة بالمنيا، وتعيين مجلس أمناء جديد للمؤسسة. وذكرا - شرحًا لدعوييهما - أن المؤسسة المذكورة قُيدت بمديرية الشئون الاجتماعية بالمنيا، ومارست عملها وفقًا لقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002، حتى فوجئ مجلس الأمناء بصدور القرار المطعون فيه بعزلهم وتعيين مجلس أمناء جديد، ونعى المدعيان على ذلك القرار مخالفته القانون والواقع. وحال نظر الدعوى، تدخل المدعى عليه الرابع في الدعوى الموضوعية انضماميًّا للمدعى عليهم، وبجلسة 8/5/2017، قررت المحكمة ضم الدعويين للارتباط. وإذ تراءى لتلك المحكمة عدم دستورية نص المادة (63) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 فيما تضمنه من منح الجهة الإدارية المختصة سلطة عزل مجلس أمناء المؤسسة؛ لمخالفته حكم المادة (75) من الدستور القائم، فقد حكمت بجلسة 28/9/2017، بقبول تدخل المدعى عليه الرابع تدخلًا انضماميًّا مع المدعى عليهم، وبوقف نظر الدعويين وإحالة أوراقهما إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية ذلك النص.

وحيث إن المادة (63) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 تنص على أنه " يجوز حل المؤسسة الأهلية بقرار مسبب من وزير الشئون الاجتماعية، بعد أخذ رأي الاتحاد العام وبعد دعوة المؤسسة لسماع أقوالها، إذا توافرت دلائل جدية على ممارسة المؤسسة نشاطًا من الأنشطة المحظورة في المادة (11) من هذا القانون.

 ويتعين أن يتضمن قرار الحل تعيين مُصَف أو أكثر لمدة وبمقابل يحددهما.

 ولوزير الشئون الاجتماعية أن يكتفي في أي من الحالات المشار إليها بإصدار قرار بإلغاء التصرف المخالف أو بإزالة سبب المخالفة أو بعزل مجلس الأمناء أو بوقف نشاط المؤسسة.

 ولكل ذي شأن الطعن على القرار الذي يصدره وزير الشئون الاجتماعية أمام محكمة القضاء الإداري وفق الإجراءات والمواعيد المحددة لذلك، ودون التقيد بأحكام المادة (7) من هذا القانون، وعلى المحكمة أن تفصل في الطعن على وجه الاستعجال وبدون مصروفات.

 ويعتبر من ذوي الشأن في خصوص الطعن أعضاء مجلس أمناء المؤسسة أو أي من مؤسسيها.

 وتؤول الأموال الناتجة عن تصفية المؤسسة إلى صندوق إعانة الجمعيات والمؤسسات الأهلية".

وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - مناطها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التي ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعيين في الدعوى الموضوعية، وقف تنفيذ وإلغاء قرار محافظ المنيا رقم 395 لسنة 2016 فيما تضمنه من عزل مجلس أمناء مؤسسة الحياة الأفضل للتنمية الشاملة بالمنيا، لما نُسب إليهم من ارتكاب مخالفات، وهي السلطة المخولة للجهة الإدارية بمقتضى النص المحال، سواء باشرها وزير الشئون الاجتماعية - وزير التضامن الاجتماعي حاليًّا - باعتباره الأصيل، أو المحافظ المختص، الذي خوله نص المادة (27) من قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 والقانون رقم 145 لسنة 1988 جميع السلطات والاختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء، بمقتضى القوانين واللوائح بالنسبة إلى جميع المرافق التي تدخل في اختصاص وحدات الإدارة المحلية، على أن يكون المحافظ في دائرة اختصاصه رئيسًا لجميع الأجهزة والمرافق المحلية، فإن الفصل في دستورية الفقرة الثالثة من النص المحال، فيما تضمنته من تخويل وزير الشئون الاجتماعية سلطة عزل مجلس أمناء المؤسسة الأهلية، سوف يكون له انعكاس على قضاء محكمة الموضوع في الطلبات المطروحة أمامها، فمن ثم تكون المصلحة في الدعوى المعروضة متوافرة في الطعن على هذا النص في حدود نطاقه المتقدم. ولا ينال مما تقدم إلغاء قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 – المتضمن النص المحال – وذلك بموجب المادة السابعة من القانون رقم 70 لسنة 2017 بإصدار قانون تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعي لا يحول دون الطعن عليه والفصل في دستوريته، متى طبق ذلك النص على ذي الشأن في الدعوى الموضوعية خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليه.

وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلًا صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التي تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المحال قد استمر العمل بأحكامه بعد صدور الدستور الحالي حتى يوم الرابع والعشرين من شهر مايو سنة 2017، تاريخ نشر قانون تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي الصادر بالقانون رقم 70 لسنة 2017 بالجريدة الرسمية، الذي ألغى بموجب نص المادة السابعة منه قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002، ومن ثم فإن حسم أمر دستورية النص المحال سوف يتم في ضوء أحكام الدستور القائم.

وحيث إن الدستور قد عُني في المادة (75) منه بكفالة حرية المواطنين في تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي، ومنح الجمعية أو المؤسسة الأهلية الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، وحظر على الجهات الإدارية التدخل في شئونها، أو حلها أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي، وحظر إنشاء أو استمرار الجمعيات أو المؤسسات التي يكون نشاطها سريًّا أو ذات طابع عسكري أو شبه عسكري.

وحيث إن البين من أحكام الباب الثاني من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 أن المشرع بعد أن قرر في المادة (55) منه سريان الأحكام المقررة في شأن الجمعيات على المؤسسات الأهلية فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذا الباب، حدد في المادة (56) منه كيفية إنشاء المؤسسة الأهلية، وذلك بتخصيص مال لمدة معينة أو غير معينة لتحقيق غرض غير الربح المادي، وقرر فيها – أيضًا - سريان حكم المادة (11) من القانون ذاته في شأن بيان أغراض الجمعيات في الميادين المختلفة لتنمية المجتمع على المؤسسات الأهلية، وأوضح في المادة (57) منه آلية إنشاء المؤسسة الأهلية بواسطة مؤسس واحد أو مجموعة من المؤسسين من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين أو منهما معًا، وأوجب وضع نظام أساسي للمؤسسة الأهلية، كما بيَّن في المادة (59) منه أن الشخصية الاعتبارية لا تثبت لتلك المؤسسات الأهلية إلا اعتبارًا من اليوم التالي لقيد نظامها الأساسي، كما أوجب في المادة (60) منه وجود مجلس أمناء لكل مؤسسة أهلية يعينه المؤسس أو المؤسسون يتولى إدارتها وفقًا لنظامها الأساسي، ونظم في المادة (63) منه كيفية حل المؤسسة الأهلية، وذلك كله على نسق ما تضمنه الغالب من أحكام تنظيم الجمعيات الأهلية الواردة في الباب الأول من القانون ذاته.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفي عليه السيادة والسمو، بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحريات الدستورية وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوي على القمة من البناء القانوني للدولة، وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعاتها وفى قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، دون أية تفرقة أو تمييز في مجال الالتزام بها بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. وإذ كان خضوع الدولة - بجميع سلطاتها - لمبدأ سيادة الدستور أصلًا مقررًا وحكمًا لازمًا لكل نظام ديمقراطي سليم، فإنه يتعين على كل سلطة عامة - أيًّا كان شأنها وأيًّا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها - أن تنزل على قواعد الدستور ومبادئه، وأن تلتزم حدوده وقيوده، فإن هي خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضعت - متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة - للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا، بوصفها الهيئة القضائية العليا التي اختصها دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح؛ بغية الحفاظ على أحكام الدستور وصونها وحمايتها من الخروج عليها.

وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها - منذ دستور سنة 1923 - على تقرير الحريات والحقوق العامة في صلبها؛ قصدًا من المشرع الدستوري أن يكون النص عليها في الدستور قيدًا على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها، فإذا خرج المشرع - فيما يقرره من تشريعات - على هذا الضمان الدستوري، وعن الإطار الذي عينه الدستور له، بأن قيد حرية أو حقًّا، أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريًّا، وبالمخالفة للضوابط الحاكمة له، وقع عمله التشريعي في حومة مخالفة أحكام الدستور.

وحيث إن المواثيق الدولية قد حفلت بالنص على حق الفرد في تكوين الجمعيات - وصنوها المؤسسات الأهلية-، ومن ذلك المادة (20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تمت الموافقة عليه وإعلانه بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي حظر - بنص الفقرة الثانية من المادة (22) - فرض قيود على ممارسة هذا الحق، إلا تلك التي ينص عليها القانون، وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلام العام أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرماتهم. كما عُنيت الدساتير المقارنة بالنص على هذا الحق في وثائقها، فهو مستفاد مما تضمنه التعديل الأول الذي أُدخل على دستور الولايات المتحدة الأمريكية في 15/12/1791، والذي قرر الحق في الاجتماع، ونص عليه صراحة الدستور القائم في كل من: ألمانيا والأردن وتركيا ولبنان وتونس والمغرب والكويت واليمن وسوريا والبحرين والجزائر، وجرت كذلك الدساتير المصرية المتعاقبة - ابتداءً من دستور سنة 1923، وانتهاء بالدستور الحالي - على كفالة الحق في تأليف الجمعيات، وهو ما نصت عليه المادة (75) من الدستور القائم من أن "للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار. وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل في شئونها، أو حلها أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي.......، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون".

وحيث إن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلًا بصون الحقوق والحريات العامة - ومن بينها حرية تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية - كي لا تقتحم إحداهما المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة، وكان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنماؤها من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة مطلبًا أساسيًّا؛ توكيدًا لقيمتها الاجتماعية، وتقديرًا لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها، وقد واكب هذا السعي وعززه بروز دور المجتمع المدني ومنظماته - من أحزاب وجمعيات أهلية ونقابات مهنية وعمالية - في مجال العمل المجتمعي.

وحيث إن منظمات المجتمع المدني - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - هي واسطة العقد بين الفرد والدولة، إذ هي الكفيلة بالارتقاء بشخصية الفرد بحسبانه القاعدة الأساسية في بناء المجتمع، عن طريق بث الوعي ونشر المعرفة والثقافة العامة، ومن ثم تربية المواطنين على ثقافة الديمقراطية والتوافق في إطار من حوار حر بناء، وتعبئة الجهود الفردية والجماعية لإحداث مزيد من التنمية الاجتماعية والاقتصادية معًا، والعمل بكل الوسائل المشروعة على ضمان الشفافية، وترسيخ قيمة حرمة المال العام، والتأثير في السياسات العامة، وتعميق مفهوم التضامن الاجتماعي، ومساعدة الحكومة عن طريق الخبرات المبذولة، والمشروعات الطوعية على أداء أفضل للخدمات العامة، والحث على حسن توزيع الموارد وتوجيهها، وعلى ترشيد الإنفاق العام، وإبراز دور القدوة، وبكل أولئك تذيع المصداقية، وتتحدد المسئولية بكل صورها، فلا تشيع ولا تنماع، ويتحقق العدل والنصفة، وتتناغم قوى المجتمع الفاعلة، فتتلاحم على رفعة شأنه والنهوض به إلى ذرى التقدم.

وحيث إن من المقرر أن حق المواطنين في تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية هو فرع من حرية الاجتماع، وأن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفًا إراديًّا حرًّا لا تتدخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، ومن ثم تنحل هذه الحرية إلى قاعدة أولية تمنحها بعض الدول - ومن بينها جمهورية مصر العربية - قيمة دستورية في ذاتها، لتكفل لكل ذي شأن حق الانضمام إلى الجمعية أو المؤسسة التي يرى أنها أقدر على التعبير عن مصالحه وأهدافه، وفي انتقاء واحدة أو أكثر من هذه الجمعيات أو المؤسسات - حال تعددها - ليكون عضوًا فيها، وما هذا الحق إلا جزء لا يتجزأ من حريته الشخصية، التي أعلى الدستور قدرها، فاعتبرها - بنص المادة (54) - من الحقوق الطبيعية، وكفل - أسوة بالدساتير المتقدمة - صونها وعدم المساس بها، ولم يجز الإخلال بها من خلال تنظيمها.

وحيث إن ضمان الدستور - بنص المادة (65) التي رددت ما اجتمعت عليه الدساتير المقارنة - لحرية التعبير عن الآراء، والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها، ومن دونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها، ولا تكون لها من فائدة، وبها يكون الأفراد أحرارًا لا يتهيبون موقفا، ولا يترددون وجلًا، ولا ينتصفون لغير الحق طريقًا، ذلك أن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير - وعلى ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها إليه غير مقيد بالحدود الإقليمية على اختلافها، ولا منحصرًا في مصادر بذواتها تعد من قنواتها، بل قصد أن تترامى آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، سعيًا لتعدد الآراء، وابتغاء إرسائها على قاعدة من حيدة المعلومات؛ ليكون ضوء الحقيقة منارًا لكل عمل، ومحورًا لكل اتجاه، بل إن حرية التعبير أبلغ ما تكون أثرًا في مجال اتصالها بالشئون العامة، وعرض أوضاعها تبيانًا لنواحي التقصير فيها، فقد أراد الدستور بضمانها أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة في أعماق منابتها، بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام ، وألا تكون معاييرها مرجعًا لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه، ولا عائقًا دون تدفقها. ومن المقرر كذلك أن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها، لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخى قمعها، إذ يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها - وعلانية - تلك الأفكار التي تجول في عقولهم ويطرحونها عزمًا - ولو عارضتها السلطة العامة - إحداثًا من جانبهم - وبالوسائل السلمية - لتغيير قد يكون مطلوبًا، ومن ثم وجب القول بأن حرية التعبير التي كفلها الدستور هي القاعدة في كل تنظيم ديمقراطي، فلا يقوم إلا بها، ولا ينهض مستويًا إلا عليها.



وحيث إن حق الاجتماع - سواء كان حقًّا أصيلًا أو بافتراض أن حرية التعبير تشتمل عليه، باعتباره كافلًا لأهم قنواتها، محققًا من خلاله أهدافها - أكثر ما يكون اتصالًا بحرية عرض الآراء وتداولها، كلما كوّن أشخاص يؤيدون موقفا أو اتجاهًا معينًا جمعية أو مؤسسة تحتويهم، يوظفون من خلالها خبراتهم ويطرحون آمالهم ويعرضون فيها كذلك لمصاعبهم، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع المنظم نافذة يطلون منها على ما يعتمل في نفوسهم، وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي. وكان الحق في إنشاء الجمعيات والمؤسسات الأهلية- وسواء كان الغرض منها اقتصاديًّا أو ثقافيًّا أو اجتماعيًّا أو غير ذلك – لا يعدو أن يكون عملًا اختياريًّا، يرمي بالوسائل السلمية إلى تكوين إطار يُعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم، ومن ثم فإن حق الاجتماع يتداخل مع حرية التعبير، مكونًا لأحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التي يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون، لازمًا اقتضاءً، حتى لو لم يرد بشأنه نص في الدستور، كافلًا للحقوق التي أحصاها ضماناتها، محققًا فعاليتها، سابقًا على وجود الدساتير ذاتها، مرتبطًا بالمدنية في مختلف مراحل تطورها، كامنًا في النفس البشرية تدعو إليه فطرتها، وهو فوق هذا من الحقوق التي لا يجوز تهميشها أو إجهاضها، بل إن حرية التعبير ذاتها تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم، وحجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أعرض، بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها بعضًا، ويعطل تدفق الآراء التي تتصل باتخاذ القرار، ويعوق انسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التي لا يمكن تنميتها إلا في شكل من أشكال الاجتماع، كذلك فإن هدم حرية الاجتماع إنما يقوّض الأسس التي لا يقوم من دونها نظام للحكم يكون مستندًا إلى الإرادة الشعبية، ومن ثم فقد صار لازمًا - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق أحكام الدستور والقانون، وفي الحدود التي تتسامح فيها النظم الديمقراطية، وترتضيها القيم التي تدعو إليها، ولا يجوز - بالتالي- أن تفرض السلطة التشريعية على حرية الاجتماع قيودًا من أجل تنظيمها، إلا إذا حملتها عليها خطورة المصالح التي وجهتها لتقريرها، وكان لها كذلك سند من ثقلها وضرورتها، وكان تدخلها - من خلال هذه القيود - بقدر حدة هذه المصالح ومداها، ولذلك حرص الدستور الحالي في المادة (92) منه على تحديد الإطار العام الحاكم لسلطة المشرع التقديرية في مجال تنظيم الحقوق والحريات، بحيث لا يمس ما يسنه من تشريعات في هذا النطاق تلك الحقوق والحريات في أصلها وجوهرها، وإلا وقع في حومة مخالفة أحكام الدستور.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان حق المواطنين في تكوين المؤسسات الأهلية، وما يرتبط به - لزومًا - على ما سلف بيانه، من حقوقهم وحرياتهم العامة الأخرى، وهي جميعًا أصول دستورية ثابتة، يباشرها الفرد متآلفة فيما بينها، ومتداخلة مع بعضها البعض، تتساند معًا، ويعضد كل منها الآخر في نسيج متكامل يحتل من الوثائق الدستورية مكانًا سامقًا، ومن أجل ذلك حرص الدستور في المادة (75) منه على كفالة الاستقلال للمؤسسات الأهلية وأجهزتها القائمة على شئونها، تمكينًا لها من أداء دورها وممارسة نشاطها بحرية، تحقيقًا لأهدافها، فحظر على الجهات الإدارية التدخل في شئون المؤسسات أو حل مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي يقي تلك المؤسسات تدخل جهة الإدارة في شئونها بأدواتها المختلفة، أيًّا كان اسمها، سواء بحل مجالس أمنائها أو عزلها، بغية تنحيتها عن أداء دورها في خدمة أعضاء هذه المؤسسات والمجتمع ككل، فمن ثم يغدو ما قرره النص المحال من تخويل وزير الشئون الاجتماعية - وزير التضامن الاجتماعي حاليًّا – سلطة عزل مجلس أمناء المؤسسة الأهلية - الذي يدخل في نطاق الحظر الذي قرره الدستور بشأن عدم جواز حل مجالس أمناء هذه المؤسسات إلا بحكم قضائي ويأخذ حكمه - مخالفًا لأحكام الدستور.

وحيث إن نص المادة (141) من اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادرة بقرار وزير التأمينات والشئون الاجتماعية رقم 178 لسنة 2002، في مجال سريانه على النص المقضي بعدم دستوريته، يرتبط به ارتباط الفرع بالأصل؛ ومن ثم فإن هذا القضاء يوجب الحكم بسقوطه.

فلهذه الأسباب

 حكمت المحكمة:

أولًا: بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (63) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية، الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002، فيما تضمنه من تخويل وزير الشئون الاجتماعية سلطة عزل مجالس أمناء المؤسسات الأهلية.

ثانيًا: بسقوط نص المادة (141) من اللائحة التنفيذية للقانون السالف الذكر، في مجال سريانه على نص الفقرة الثالثة من المادة (63) من القانون ذاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق