الصفحات

السبت، 9 ديسمبر 2023

الطعن 1202 لسنة 8 ق جلسة 17 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 46 ص 424

جلسة 17 من يناير 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ أحمد موسى وعلي محسن مصطفى وحسنين رفعت حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

-----------------

(46)

القضية رقم 1202 لسنة 8 القضائية

(أ) جامعة - ترقية 

- تعيين في وظيفة أستاذ ذي كرسي - مرجحات التعيين وملاءماته متروكة لتقدير سلطة التعيين - مهمة اللجنة العلمية المنوط بها فحص الإنتاج العلمي لا تتعدى التحقق من توافر شروط الكفاية العلمية في المرشح - لا اعتداد بالقول بوجوب التقيد بترتيب المرشحين حسبما تضعه اللجنة العلمية بحيث لا يملك كل من مجلس الجامعة أو المجلس الأعلى للجامعات أن يحيد عن مؤداه - مجلس الجامعة باعتباره سلطة التعيين يملك التصدي بنفسه للموضوع واتخاذ قرار فيه.
(ب) جامعة - ترقية 

- تعيين في وظيفة أستاذ ذي كرسي - لا يكفي فيه مجرد الكفاية العلمية بل هناك جوانب متعددة قد يرجح بها ميزان التفصيل لصالح مرشح دون آخر.

-----------------
1 - إن القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات ينص في المادة 48 منه على أن يعين وزير التربية والتعليم أعضاء هيئة التدريس في الجامعات بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية والقسم المختص وتشترط موافقة المجلس الأعلى للجامعات على التعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي، ويكون التعيين من تاريخ موافقة مجلس الجامعة. ثم نصت المادة 55 على أنه "عند التعيين في وظيفة أستاذ ذي كرسي يشكل المجلس الأعلى للجامعات بناء على طلب مجلس الجامعة المختص لجنة علمية لفحص الإنتاج العلمي للمرشح وتقديم تقرير مفصل عن هذا الإنتاج، وعما إذا كان يرقى لاستحقاق المرشح الوظيفة التي تقدم إليها مع ترتيب المرشحين بحسب كفاياتهم العلمية..." كما نصت المادة 56 على أن "للمجلس الأعلى للجامعات عند النظر في الترشيح لشغل وظائف الأساتذة ذوي الكراسي أن يتصدى للموضوع ويتولى بنفسه اتخاذ قرار فيه وفي هذه الحالة يكون التعيين من تاريخ موافقة المجلس الأعلى للجامعات".
ومن حيث إن الأصل المؤصل أن تترخص الجهة الإدارية - المنوط بها التعيين في الوظائف العامة - بسلطتها التقديرية بما لا معقب عليها في ذلك إلا عند مخالفة القانون وإساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه يستفاد من أحكام القانون رقم 184 لسنة 1958 آنف الذكر أن المشرع رسم الإجراءات وبين المراحل التي يتعين على الهيئات الجامعية التزامها في تعيين الأساتذة ذوي الكراسي كما حدد الاختصاص الذي أضفاه على كل من هذه الهيئات التي لها شأن في ذلك التعيين.
ومن حيث إن الواضح من نص المادة 45 من القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات في الجمهورية العربية المتحدة أن الاختصاص بالتعيين في وظائف الأساتذة ذوي الكراسي إنما ينعقد لمجلس الجامعة يمارسه - حسبما اشترطته المادة 55 - بعد الاستيثاق من تحقق شرط الكفاية العلمية في المرشح بواسطة اللجنة العلمية المنوط بها فحص إنتاجهم العلمي، وتقديم تقرير مفصل عن هذا الإنتاج.
ومن حيث إنه لا شبهة في أن مهمة هذه اللجنة لا تتعدى أمر التحقق من توافر شرط الكفاية العلمية في المرشح، وذلك بتوليها فحص إنتاجه العلمي توطئة لتقرير ما إذا كان جديراً بأن يرقى به بحثه إلى مستوى ما يتطلب في الأستاذ من رسوخ في العلم وأصالة في التفكير. أما القول بوجوب التقيد بترتيب المرشحين حسبما تضعه اللجنة العلمية، بحيث لا يملك كل من مجلس الجامعة أو المجلس الأعلى للجامعات أن يحيد عن مؤداه فهو نظر غير معتبر، لأنه يجعل رأي هاتين الهيئتين متوقفاً على تقدير اللجنة مع أن مرجحات التعيين وملاءماته متروكة دائماً لتقدير سلطة التعيين، ومع أن قانون تنظيم الجامعات يخول صراحة للمجلس الأعلى للجامعات في المادة 56 "عند النظر في الترشيح لشغل وظائف الأساتذة ذوي الكراسي أن يتصدى للموضوع ويتولى بنفسه اتخاذ قرار فيه". وقد يجدي في بعض المواطن الرجوع إلى ترتيب المرشحين في مجال الكفاية العلمية حين يقر الترجيح وتدق وجوه المفاضلة بينهم عند تساويهم في استجماع شرائط الصلاحية الأخرى. ومع ذلك لا يمنع مجلس الجامعة مانع قانوني - باعتباره سلطة تعيين - من أن يتصدى للموضوع برمته بأقيسته العلمية الصادقة، وبما يتهيأ له من أسس الترجيح الصائبة الصادرة من الصفوة المختارة من أعضائه، وكلهم من أصحاب القدم الراسخة المشهود لهم بالقدرة الكاملة على وزن الكفايات والمفاضلة بينها بفضل ما أوتوا من ثاقب النظرة، وأصيل الفكرة ورصين التقدير.
2 - إن التعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي يفتقر فوق الكفاية العلمية إلى كمال الاستعداد والتفوق في نواح أخرى، وجوانب متعددة قد يرجح بها ميزان التفضيل لصالح مرشح دون آخر، فقوة الشخصية والقدرة على التدريس والتأثير، والسيطرة على انتباه الشباب والتمكن من حسن توجيه الطلاب وإرشادهم في بحوثهم وتنمية روح البحث والابتكار فيهم هي بعض الاعتبارات التي لابد من استحضارها لحسم المفاضلة بين أقدار المرشحين، وبهذه المقاييس الشاملة يؤمن العثار في التقدير وتتقى مساوئ النظرة القاصرة على ترتيب الكفاية العلمية فيما بين المتنافسين.
ومن حيث إنه يترتب على ما تقدم أن مجلس الجامعة وإن يكن مقيداً بقرار اللجنة العلمية فيما يتعلق بمستوى الكفاية العلمية الذي يبلغ الحد المشترط لاستحقاق المرشح لمنصب الأستاذية، إلا أنه غير مرتبط بالترتيب الذي تتوخاه اللجنة بالنسبة لدرجة المرشحين.


إجراءات الطعن

بتاريخ 28/ 5/ 1962 أودعت إدارة قضايا الحكومة, بالنيابة عن السيد وزير التعليم العالي والسيد/ مدير جامعة الإسكندرية, قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجداولها تحت رقم 1202 لسنة 8 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بتاريخ 29/ 3/ 1962 في الدعوى رقم 1436 لسنة 14 القضائية المرفوعة من الدكتور محمد خليل صلاح ضد وزارة التعليم العالي وجامعة الإسكندرية والقاضي بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في التعيين في وظيفة أستاذ كرسي الكيمياء الحيوية بكلية الطب بجامعة الإسكندرية مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جامعة الإسكندرية المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأعلن الطعن للمدعي بتاريخ 13/ 6/ 1962 وبعد استيفاء إجراءاته أحيل لهذه الدائرة لنظره بجلسة 5/ 4/ 1964 وبعد تداوله بالجلسات وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بالمحاضر قررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1436 لسنة 14 القضائية. طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير التربية والتعليم في 31/ 3/ 1960 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة أستاذ بجامعة الإسكندرية اعتباراً من 13/ 6/ 1959 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة المصروفات، تأسيساً على أن هذا القرار صدر مخالفاً للقانون ذلك لأن اللجنة العلمية وضعته سابقاً على الدكتور محمد محمود طه، الذي عين في القرار المطعون فيه، في ترتيب الكفاية العلمية على مقتضى الحكم الوارد بالمادة 55 من القانون رقم 184 لسنة 1958 بشأن تنظيم الجامعات، ومن ثم فما كان لأية هيئة من هيئات الجامعة أن تنقض قرار هذه اللجنة العلمية بأسباب لم ترد بالقانون.
ومن حيث إن واقعة الدعوى تتحصل في أن جامعة الإسكندرية أعلنت في إبريل سنة 1958 عن وظيفة أستاذ الكيمياء الحيوية لكلية الطب التي خلت في 7/ 5/ 1960 بوفاة الدكتور تورب فلاشنتيريجر فتقدم لشغل هذه الوظيفة المدعي والمطعون في تعيينه الدكتور محمد محمود طه، وقد انتهت اللجنة العلمية المشكلة لفحص الإنتاج العلمي لكل منهما إلى أن مستوى أبحاثهما جيد ومتين ويرتفع بهما إلى مستوى الأستاذية ويحق لكل منهما شغل كرسي الكيمياء الحيوية المعلن عنه، غير أن إنتاج الدكتور محمد خليل صلاح أكثر عدداً ويشمل نواحي متعددة في الكيمياء الحيوية وانتهت اللجنة إلى وضع المدعي سابقاً على المطعون في تعيينه في ترتيب الكفاية العلمية على هذا السبب. وقد وافق مجلس قسم الفسيولوجيا على قرار اللجنة، فلما عرض على مجلس الكلية رأى هذا المجلس أن يستوضح لجنة الفحص بعض النقاط فأوضحتها منتهية إلى ذات النتيجة الأولى. فعرض الأمر ثانية على مجلس القسم الذي رأى أن يرشح الدكتور محمد محمود طه لأنه ليس هناك فرق ظاهر من حيث الإنتاج يفضل أحد المرشحين على الآخر، أما كثرة العدد، التي استندت عليها اللجنة العلمية، فهي متوفرة فعلاً في أبحاث الدكتور محمد خليل صلاح ولكن هذه الكثرة ليست دائماً مقياساً للقيمة العلمية للأبحاث، وقد يرجع السبب في العدد لظروف الدكتور محمد خليل صلاح أثناء عمله بالإسكندرية مع الدكتور فلاشنتيريجر الذي كان يتيح له وقتاً للبحث لم يتوفر للدكتور محمد محمود طه، ثم أشاد مجلس القسم بالمجهود الكبير الذي بذله الدكتور محمد محمود طه في إدارة شئون قسمه منذ وفاة أستاذه. فلما عرض الأمر على مجلس الكلية قرر بالإجماع ترشيح الدكتور محمد محمود طه (1) لأن مؤهلاته جميعها في الكيمياء الحيوية أما زميله فدرجة الدكتوراه فقط في هذه المادة (2) ولأنه يشتغل بتدريس المادة منذ تخرجه سنة 1936 أما زميله فاشتغل بها منذ سنة 1946، (3) ولأنه قام بإدارة قسم الكيمياء الحيوية منذ وفاة الدكتور فلاشنتيريجر سنة 1957 بكل جدارة. وأضاف مجلس الكلية أنه ليس من مصلحة العمل والاستقرار بالقسم وبالكلية عودة أحد أعضاء هيئة التدريس سبق نقله منها. وقد وافق مجلس الجامعة على اقتراح مجلس الكلية ووافق المجلس الأعلى للجامعات على اقتراح مجلس الجامعة بجلسته المنعقدة في 12/ 9/ 1959 ثم اعتمد السيد وزير التربية والتعليم القرار المطعون فيه في 21/ 3/ 1960.
وقد تظلم المدعي من هذا القرار في 11/ 5/ 1960 ولم يتلق رداً على تظلمه ومن ثم رفع دعواه أمام محكمة القضاء الإداري (1436 لسنة 14 ق) طالباً الحكم بإلغاء القرار المذكور فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة أستاذ كرسي الكيمياء الحيوية بكلية طب جامعة الإسكندرية مع ما يترتب على ذلك من آثار. وبجلسة 29/ 3/ 1962 أجابت المحكمة المدعي إلى طلباته. وأقامت قضاءها على أن المستفاد من نصوص القانون رقم 184 لسنة 1958 بشأن تنظيم الجامعات أن الشارع قد وضع شروطاً ينبغي توافرها ابتداء فيمن يعين أستاذاً ذا كرسي من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات ثم أورد قيداً على سلطة الجهة الإدارية في التعيين فاشترط الإعلان عن الوظيفة الشاغرة، وشكل لجنة ناط بها فحص الإنتاج العلمي للمتقدمين لهذه الوظيفة المعلن عنها - وتقدير مستوى هذا الإنتاج من حيث استحقاق صاحبه لتوليها ثم ترتيب المشرحين بحسب كفاياتهم العلمية؛ ومن ثم فلا تملك جهة الإدارة إلا أن تعين من قررت اللجنة أن إنتاجه العلمي يرفعه إلى مستوى وظيفة أستاذ وأن تلتزم ترتيب المرشحين الذي وضعته اللجنة، إلا إذا تصدى المجلس الأعلى للجامعات وتولى بنفسه اتخاذ قرار منه وهذا لم يحدث في خصوص المنازعة لأن المجلس الأعلى أقر ما انتهت إليه كل من الكلية والجامعة فحسب. فإذا أصدرت الإدارة قرارها على خلاف الأوضاع التي رسمها الشارع بطل قرارها وتستوي المخالفة في هذا الشأن من أن تكون إغفال شرط اشترطه القانون أو بالالتزام بشرط لم يلزم به القانون.
وبتاريخ 28/ 5/ 1962 أودعت إدارة قضايا الحكومة (عن وزارة التعليم العالي وجامعة الإسكندرية) تقرير طعن قيد بجدول طعون المحكمة الإدارية العليا برقم 1202 لسنة 8 القضائية عن الحكم سالف الذكر. وطلبت في تقرير طعنها الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات والأتعاب. وبنت الحكومة طعنها على أن القانون رقم 184 لسنة 1958 بشأن تنظيم الجامعات خلا من أي نص يستفاد منه إلزام الجامعة بالتزام ترتيب المرشحين فيما يتعلق بالتعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي ما دام أن مستوى إنتاج المرشحين من الجودة بحيث يرقى بهم إلى درجة الأستاذية، إذ أن مهمة اللجنة العلمية هي فحص الإنتاج العلمي للمرشح وتقديره، أما ترتيب المرشحين فهو إجراء تكميلي لم يرتب عليه المشرع أثراً قانونياً، وإنما ترك أمر التعيين لمجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية أو المجلس الأعلى للجامعات إذا رأى التصدي واتخاذ قرار منه، والقول بوجوب التزام الترتيب الذي تحدده اللجنة العلمية يجعل رأي كل من القسم المختص أو مجلس الكلية لا قيمة له ومجرد تحصيل حاصل. ولو أراد المشرع ذلك لنص عليه صراحة كما فعل بالنسبة للمادة 16 من قانون موظفي الدولة.
ومن حيث إن القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات ينص في المادة 48 منه على أن يعين وزير التربية والتعليم أعضاء هيئة التدريس في الجامعات بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية والقسم المختص وتشترط موافقة المجلس الأعلى للجامعات على التعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي ويكون التعيين من تاريخ موافقة مجلس الجامعة، ثم نصت المادة 55 على أنه "عند التعيين في وظيفة أستاذ ذي كرسي يشكل المجلس الأعلى للجامعات بناء على طلب مجلس الجامعة المختص لجنة علمية لفحص الإنتاج العلمي للمرشح وتقديم تقرير مفصل عن هذا الإنتاج، وعما إذا كان يرقى لاستحقاق المرشح الوظيفة التي تقدم إليها مع ترتيب المرشحين بحسب كفاياتهم العلمية..." كما نصت المادة 56 على أن "للمجلس الأعلى للجامعات عند النظر في الترشيح لشغل وظائف الأساتذة ذوي الكراسي أن يتصدى للموضوع ويتولى بنفسه اتخاذ قرار فيه وفي هذه الحالة يكون التعيين من تاريخ موافقة المجلس الأعلى للجامعات".
ومن حيث إن الأصل المؤصل أن تترخص الجهة الإدارية - المنوط بها التعيين في الوظائف العامة - بسلطتها التقديرية بما لا معقب عليها في ذلك إلا عند مخالفة القانون وإساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه يستفاد من أحكام القانون رقم 184 لسنة 1958 آنف الذكر أن المشرع رسم الإجراءات وبين المراحل التي يتعين على الهيئات الجامعية التزامها في تعيين الأساتذة، ذوي الكراسي كما حدد الاختصاص الذي أضفاه على كل من هذه الهيئات التي لها شأن في ذلك التعيين.
ومن حيث إن الواضح من نص المادة 45 من القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات في الجمهورية العربية المتحدة أن الاختصاص بالتعيين في وظائف الأساتذة ذوي الكراسي إنما ينعقد لمجلس الجامعة يمارسه - حسبما اشترطته المادة 55 - بعد الاستيثاق من تحقق شرط الكفاية العلمية في المرشح بواسطة اللجنة العلمية المنوط بها فحص إنتاجهم العلمي، وتقديم تقرير مفصل عن هذا الإنتاج.
ومن حيث إنه لا شبهة في أن مهمة هذه اللجنة لا تتعدى أمر التحقق من توافر شرط الكفاية العلمية في المرشح وذلك بتوليها فحص إنتاجه العلمي توطئة لتقرير ما إذا كان جديراً بأن يرقى به بحثه إلى مستوى ما يتطلب في الأستاذ من رسوخ في العلم وأصالة في التفكير. أما القول بوجوب التقيد بترتيب المرشحين حسبما تضعه اللجنة العلمية، بحيث لا يملك كل من مجلس الجامعة أو المجلس الأعلى للجامعات أن يحيد عن مؤداه فهو نظر غير معتبر، لأنه يجعل رأي هاتين الهيئتين متوقفاً على تقدير اللجنة مع أن مرجحات التعيين وملاءماته متروكة دائماً لتقدير سلطة التعيين، ومع أن قانون تنظيم الجامعات يخول صراحة للمجلس الأعلى للجامعات في المادة 56 "عند النظر في الترشيح لشغل وظائف الأساتذة ذوي الكراسي أن يتصدى للموضوع ويتولى بنفسه اتخاذ قرار فيه" وقد يجدي في بعض المواطن الرجوع إلى ترتيب المرشحين في مجال الكفاية العلمية حين يعز الترجيح وتدق وجوه المفاضلة بينهم عند تساويهم في استجماع شرائط الصلاحية الأخرى. ومع ذلك لا يمنع مجلس الجامعة مانع قانوني - باعتباره سلطة تعيين - من أن يتصدى للموضوع برمته بأقيسته العلمية الصادقة، وبما يتهيأ له من أسس الترجيح الصائبة الصادرة من الصفوة المختارة من أعضائه، وكلهم من أصحاب القدم الراسخة المشهود لهم بالقدرة الكاملة على وزن الكفايات والمفاضلة بينها بفضل ما أوتوا من ثاقب النظرة، وأصيل الفكرة ورصين التقدير.
ومن حيث إن التعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي يفتقر، فوق الكفاية العلمية إلى كمال الاستعداد والتفوق في نواح أخرى، وجوانب متعددة قد يرجح بها ميزان التفضيل لصالح مرشح دون آخر، فقوة الشخصية والقدرة على التدريس والتأثير، والسيطرة على انتباه الشباب والتمكن من حسن توجيه الطلاب وإرشادهم في بحوثهم وتنمية روح البحث والابتكار فيهم هي بعض الاعتبارات التي لابد من استحضارها لحسم المفاضلة بين أقدار المرشحين، وبهذه المقاييس الشاملة يؤمن العثار في التقدير وتتقى مساوئ النظرة القاصرة على ترتيب الكفاية العلمية فيما بين المتنافسين.
ومن حيث إنه يترتب على ما تقدم أن مجلس الجامعة وإن يكن مقيداً بقرار اللجنة العلمية فيما يتعلق بمستوى الكفاية العلمية الذي يبلغ الحد المشترط لاستحقاق المرشح لمنصب الأستاذية، إلا أنه غير مرتبط بالترتيب الذي تتوخاه اللجنة بالنسبة لدرجات المرشحين.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه إذ عين الدكتور محمد محمود طه أستاذاً ذا كرسي قد أدخل في حسبانه إلى جانب كفايته العلمية المتوافرة فيه كما هي متحققة في المدعي عدة اعتبارات وعناصر أخرى يقوم عليها تحقق الأفضلية في نظر الجامعة، وكلها مستخلصة استخلاصاً سائغاً من واقع خدمته الجامعية السابقة، كمثل سبق توليه بجدارة ملحوظة إدارة قسم الكيمياء الحيوية لكلية الطب بجامعة الإسكندرية، وأقدميته العريضة في التدريس، وحصوله على عديد من المؤهلات العلمية في الكيمياء الحيوية، ولا يتفق مع كل هذه المرجحات أن يظن السوء بتقدير الهيئات الجامعية، أو ينسب إليها أنها أساءت بهذا التقدير استعمال سلطتها، ومن أجل ذلك لا يكون في تعيينها للدكتور محمد محمود طه ترك للأفضل، ولا إيثار للمفضول، بل هو ترجيح سائغ لأستاذ آنست فيه بحكم ماضيه وخبرته وأسبقية اشتغاله بتدريس مادة الكيمياء الحيوية، الأفضلية والسبق بالقياس إلى غيره من المرشحين.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ صدر على نقيض هذا النظر يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين من ثم القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي مقابل مصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق