الصفحات

الاثنين، 20 نوفمبر 2023

الطعن رقم 52 لسنة 43 ق الدستورية العليا " دستورية " جلسة 4 / 11 / 2023

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من نوفمبر سنة 2023م، الموافق العشرين من ربيع الآخر سنة 1445 ه.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 52 لسنة 43 قضائية دستورية

المقامة من
1- جمال أحمد علي، مدير وشريك بشركة لاكوست للسياحة
2- محمد أحمد علي، شريك متضامن بشركة لاكوست للسياحة
3- علا أحمد علي، شريك متضامن بشركة لاكوست للسياحة
4- سمية أحمد علي، شريك متضامن بشركة لاكوست للسياحة
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس النواب
4- وزير العدل
5- القاضي/ إبراهيم محمد حسنين، رئيس دائرة استئناف الإسماعيلية مأمورية الطور
6- القاضي/ أحمد سيد عبد الستار، عضو يمين دائرة استئناف الإسماعيلية مأمورية الطور
7- القاضي/ إيهاب سلامة محمد، عضو يسار دائرة استئناف الإسماعيلية مأمورية الطور

---------------

" الإجراءات "
بتاريخ الثالث من يونيو سنة 2021، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين الحكم بعدم دستورية نص البند (ج) من المادة (157) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، بعد استبدالها بالقانون رقم 18 لسنة 1999.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها. وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
--------------

" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن عمر علي السيد الديب، وآخرين، أقاموا أمام محكمة جنوب سيناء الابتدائية - مأمورية شرم الشيخ الكلية - الدعوى رقم 26 لسنة 2015 تجاري، ضد المدعين في الدعوى المعروضة وآخر، بطلب الحكم بثبوت شركة الواقع المبينة بصحيفة الدعوى وإدخالهم فيها، على سند من حلولهم محل مورثهم، بموجب المادة (11) من عقد تأسيس تلك الشركة. وجه المدعي الأول في الدعوى المعروضة طلبًا عارضًا؛ بغية الحكم له - وفقًا لطلباته الختامية - أولًا: بإخراج حصة الشريك المتوفى من الشركة وتسليمها إلى الورثة. ثانيًا: بإلزام المدعين في الدعوى الموضوعية من الأول حتى الرابعة بسداد حصتهم من قيمة الأقساط والفوائد المستحقة لمحافظة جنوب سيناء، وقيمة المرافق والغرامات والأعمال الإضافية. ثالثًا: بتعديل صفة الشريك المتوفى إلى شريك موصٍ. رابعًا: بتطهير عقد تأسيس الشركة من المادة (11)؛ لتعارضه مع حق الشريك في اختيار شريكه. خامسًا: صحة العقود المؤرخة 13/ 5/ 2015، والتأشير بها في السجل التجاري. حكمت المحكمة برفض الدعوى الأصلية، وبقبول الطلب العارض شكلًا، وبرفض موضوع الطلب العارض الأول والثالث والرابع والخامس، وبعدم قبول الطلب العارض الثاني؛ لرفعه من غير ذي صفة. استأنف المدعون في الدعوى الموضوعية ذلك الحكم أمام محكمة استئناف الإسماعيلية - مأمورية الطور- بالاستئناف رقم 12 لسنة 28 قضائية، كما استأنفه المدعون في الدعوى المعروضة أمام المحكمة ذاتها، بالاستئناف رقم 13 لسنة 28 قضائية. وبجلسة 22/ 12/ 2020، قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف الصادر في الدعوى الأصلية، وبإجابة المدعين فيها لطلباتهم، وتعديل الحكم في الطلب العارض إلى عدم قبوله. أودع المدعون في الدعوى المعروضة قلم كتاب محكمة استئناف الإسماعيلية الدائرة المدنية الأولى بمأمورية الطور طلبًا، للحكم فيما أغفلته المحكمة من الفصل في طلب صحة العقود المؤرخة 13/ 5/ 2015، والتأشير بها في السجل التجاري، وقُيّد الطلب أمام تلك المحكمة برقم ٧ لسنة ٣٠ قضائية، وأثناء نظره، قام المدعون بإيداع تقرير برد هيئة المحكمة تم قيده برقم ٩ لسنة ٣١ قضائية رد، لأسباب حاصلها؛ أولًا: عدم صلاحية هيئة المحكمة؛ لسبق إبداء الرأي في أربع دعاوى فرعية عند إصدار الحكم في الاستئنافين رقمي 12 و13 لسنة ٢٨ قضائية الطور، مما يُخشى معه التأثير على قضائها في طلب الإغفال. ثانيًا: وجود مودة بين أحد السادة القضاة أعضاء الهيئة التي تنظر طلب الإغفال، وبين خصومهم في تلك الدعوى.
وأثناء نظر طلب الرد، طلب المدعون توجيه اليمين إلى أحد قضاة الدائرة، ودفعوا بعدم دستورية المادة (١٥٧) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، بعد استبدالها بالقانون رقم 18 لسنة 1999، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعين برفع الدعوى الدستورية، فقد أقاموا الدعوى المعروضة.
وحيث إن البند (ج) من المادة (157) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، بعد استبداله بالقانون رقم 18 لسنة 1999، ينص على أن تقوم الدائرة التي تنظر طلب الرد بتحقيق الطلب في غرفة المشورة ثم تحكم فيه في موعد لا يجاوز شهرًا من تاريخ التقرير، وذلك بعد سماع أقوال طالب الرد، وملاحظات القاضي عند الاقتضاء أو إذا طلب ذلك، وممثل النيابة إذا تدخلت في الدعوى.
ولا يجوز في تحقيق طلب الرد استجواب القاضي، ولا توجيه اليمين إليه.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المعروضة على محكمة الموضوع، وأنه يكفي لتوافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية أن يكون الحكم فيها مؤثرًا في مسألة كلية، أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية، دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى، أو مدى أحقية المدعي في الدعوى الدستورية في طلباته أمام محكمة الموضوع، والتي تختص هذه الأخيرة وحدها بالفصل فيها. متى كان ذلك، وكان النزاع المعروض على المحكمة التي تنظر طلب الرد، قد تساند فيه المدعون إلى أسباب حاصلها؛ عدم صلاحية هيئة المحكمة التي تنظر طلب الإغفال - المشكلة من القضاة المدعى عليهم - لسبق إبداء الرأي في أربع دعاوى فرعية مرتبطة بطلب الإغفال، مما يُخشى معه التأثير على قضائها في طلب الإغفال، فضلًا عن وجود مودة بين أحد قضاة تلك الهيئة، وخصومهم في الدعوى، وأنه في سبيل إثبات ما تقدم، طلب المدعون توجيه اليمين إلى أحد قضاة الدائرة المطلوب ردها؛ ومن ثم فإن ما تضمنته الفقرة الثانية من البند (ج) من أنه ولا يجوز في تحقيق طلب الرد استجواب القاضي، ولا توجيه اليمين إليه يقف حائلًا أمام إثبات دعواهم، بعد أن أعوزهم الدليل إلى ذلك؛ لذا فإن الفصل في دستورية تلك الفقرة، يرتب انعكاسًا على الطلبات المطروحة أمام محكمة الموضوع، مما تتوافر به للمدعين مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستوريتها، ويتحدد بهذه الفقرة وحدها نطاق الدعوى المعروضة، دون سائر الأحكام التي تضمنها نص الفقرة الأولى من البند (ج) من المادة (157) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المشار إليه.
ولا يغير مما تقدم، مُضي محكمة الموضوع في نظر طلب الإغفال بهيئة أخرى، وإصدارها حكمًا نهائيًّا فيه؛ ذلك أنه من المقرر أن خصومة الرد تثير ادعاءً فرعيًّا عند نظر الخصومة الأصلية، مداره أن قاضيها، أو بعض قضاتها الذين يتولون الفصل فيها، قد زايلتهم الحيدة التي يقتضيها العمل القضائي؛ ومن ثم كان لخصومة الرد خطرها ودقتها، سواء بالنظر إلى موضوعها، أو الآثار التي تنجم عنها، ولا شأن لها بالتالي بنطاق الخصومة الأصلية المرددة بين أطرافها، ولا بالحقوق التي يطلبونها فيها، ولا بإثباتها، أو نفيها، بل تستقل تمامًا عن موضوعها، فلا يكون لها من صلة بما هو مطروح فيها، ولا بشق من جوانبها، ولا بالمسائل المتفرعة عنها، أو العارضة عليها، بل تعتصم خصومة الرد بذاتيتها، لتكون لها مقوماتها الخاصة بها، بما مؤداه: استقلال خصومة الرد عن الخصومة الأصلية في موضوعها، وإن ظل للحكم الصادر في أولاهما أثره وانعكاسه على ثانيتهما، ولو بعد الفصل فيها بحكم نهائي، وهو ما يوجب الالتفات عما دفعت به هيئة قضايا الدولة، من عدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة.
وحيث إن المدعين ينعون على نص الفقرة الثانية من البند (ج) من المادة (157) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية؛ لإقراره عدم جواز استجواب القاضي، أو توجيه اليمين إليه، وهو ما يقف حائلًا أمام تحقيق المقصود الشرعي والقانوني للعدالة، وإخلاله بمبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، والحق في التقاضي، والدفاع، وذلك بتصادمه مع الضمير الجمعي لأبناء الوطن ومناهضته للمفهوم الشامل للشعور بالعدل، فضلًا عن وضعه القاضي المطلوب رده في مركز قانوني أفضل من مركز خصمه، لغير مصلحة جوهرية، مقوضًا حقه في الدفاع، وإثبات دعواه، وصولًا للترضية القضائية، باعتبارها الحلقة الأخيرة في مجال التقاضي، وارتباطها بالغاية النهائية منه، وذلك بالمخالفة للمواد (2 و4 و9 و53 و97 و98) من الدستور.
وحيث إن النعي على النص المطعون فيه بمخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية، فمردود؛ بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر بعد تعديل المادة الثانية من الدستور في عام 1980، أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها معًا، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها؛ لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلًا أو تبديلًا، أما الأحكام غير القطعية في ثبوتها، أو دلالتها، أو فيهما معًا، فإن باب الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان، وتطور الحياة، وتنوع مصالح العباد، وهو اجتهاد وإن كان جائزًا ومندوبًا من أهل الفقه، فهو بذلك أوجب لولي الأمر؛ ليواجه به ما تقتضيه مصلحة الجماعة، درءًا لمفسدة، أو جلبًا لمنفعة، أو درءًا وجلبًا للأمرين معًا. لما كان ذلك، وكان حظر استجواب القاضي عند تحقيق طلب الرد، أو توجيه اليمين إليه، من الأمور الوضعية التي لا تندرج تحت قاعدة كلية، أو جزئية من قواعد الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت والدلالة، فإنه يكون لولي الأمر -عن طريق التشريع الوضعي- تنظيمها بما يتفق ومصلحة الجماعة، ويكون النعي بمخالفة النص المطعون عليه للشريعة الإسلامية فاقدًا لسنده.
وحيث إن الدستور الحالي قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه، تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ -على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعني أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد - كذلك- بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني -وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة- أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4 و53) من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا. وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة، التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه -بما انطوى عليه من تمييز- مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها، أو اعتباره مدخلًا إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن الأصل في كل تنظيم تشريعي أن يكون منطويًا على تقسيم، أو تصنيف، أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض، أو عن طريق المزايا، أو الحقوق التي يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخاها بالوسائل المؤدية لها منطقيًّا، وليس واهيًا، بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
وحيث إن حق التقاضي مكفول للناس كافة، بنص المادة (97) من الدستور، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملًا بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق منضبطًا، وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفي إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته، وإن كان ذلك لا يحول بين حق المشرع في أن يفرد تنظيمًا خاصًّا لنظر بعض المنازعات، على نحو يتوافق مع طبيعتها، ليقدر لها ما يناسبها من القواعد، على أن يكون ذلك وفق أسس موضوعية مبررة، ومنضبطة، لا تمييز فيها بين الخصوم أصحاب المراكز القانونية المتكافئة، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرة حق التقاضي، أو عرقلة النفاذ إليه.
وحيث إن حق الدفاع أصالةً أو بالوكالة قد كفله الدستور، باعتبار أن ضمانة الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي؛ ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معًا فى دائرة الترضية القضائية، التى يُعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية، فلا قيمة لحق التقاضي ما لم يكن متساندًا لضمانة الدفاع، مؤكدًا لأبعادها، عاملًا من أجل إنفاذ مقتضاها، كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيدًا عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعمالها واقعًا وراء جدران صامتة؛ يؤيد ذلك أن الحقوق التي يكفلها الدستور، أو القانون تتجرد من قيمتها العملية، إذا كان من يطلبها عاجزًا عن بلوغها من خلال حق التقاضي، أو كان الخصوم الذين تتعارض مصالحهم بشأنها لا يتماثلون فيما بينهم، فى أسلحتهم التى يشرعونها لاقتضائها.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة، لاختيار ما يُقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها، في خصوص الموضوع الذي يتناوله بالتنظيم.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن قانون المرافعات المدنية والتجارية حرص على تنظيم الحق في رد القضاة من زوايا متعددة؛ غايتها ألا يكون اللجوء إليه إسرافًا أو نزقًا، بل اعتدالًا وتبصرًا، وقد توخى المشرع من تنظيم أحوال رد القضاة -وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 23 لسنة 1992، بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية- توكيد قاعدة أصولية قوامها؛ أن كل متقاضٍ يجب أن يطمئن إلى أن قضاء قاضيه لا يصدر إلا عن الحق وحده، دون تأثير من دخائل النفس البشرية في هواها وتحيزها، وكانت ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها تتعلقان بإدارة العدالة ضمانًا لفعاليتها؛ بما مؤداه بالضرورة تلازمهما، فلا ينفصلان، ومن غير المتصور- تبعًا لذلك - أن يكون الدستور نائيًا بالسلطة القضائية عن أن تقوض بنيانها عوامل خارجية تؤثر في رسالتها، وأن يكون إيصالها الحقوق لذويها مهددًا بالتواء ينال من حيدة وتجرد رجالها. وإذا جاز القول - وهو صحيح - أن الفصل في الخصومة القضائية -حقًّا وعدلًا- لا يستقيم إذا داخلتها عوامل تؤثر في موضوعية القرار الصادر عنها، أيًّا كانت طبيعتها، وبغض النظر عن مصدرها، أو دوافعها، أو أشكالها، فقد صار أمرًا مقضيًّا أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها في مجال اتصالهما بالفصل في الحقوق انتصافًا؛ ترجيحًا لحقيقتها القانونية، لتكون لهما معًا القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداها على أخراها، أو تجبها، بل يتضاممان تكاملًا، ويتكافآن قدرًا.
لما كان ما تقدم، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن القاضي المطلوب رده لا يعتبر طرفًا ذا مصلحة شخصية مباشرة في خصومة الرد، التي لا يتعلق موضوعها بحقوق ذاتية لأطرافها، يجري إثباتها ونفيها وفقًا لقواعد حددها المشرع سلفًا، ويتكافأ مركز الخصوم في مجال تطبيقها، وعلى الأخص فيما يتعلق بالأدلة التي يجوز تقديمها، وتقدير كل دليل منها، وإنما تقوم خصومة الرد أساسًا على تمسك أحد الخصوم في الدعوى الموضوعية، بمخالفة القاضي المطلوب رده -حال نظر تلك الدعوى- للقواعد التي فرضها المشرع لضمان تجرده وبعده عن الميل، نأيًا بالعدالة عن أن تتطرق إليها شبهة ممالأة أحد الخصوم، أو الانحياز لمصلحته، كي يظل القضاء صمام أمن يرعى العدالة، ولا يتصور -والحالة هذه- أن تكون للقاضي المطلوب رده مصلحة في مخالفة هذه القواعد، أو التحلل منها؛ ولهذا لم يجز المشرع استجوابه، أو توجيه اليمين إليه، مكتفيًا بتمكينه من إبداء رأيه وملاحظاته في شأن ما أثير من وقائع؛ حتى لا يتخذ طلب الرد سبيلًا للنيل من كرامته بغير حق، فإذا ما صدر الحكم في هذه الخصومة برد القاضي، امتنع عليه الطعن فيه، اتساقًا مع الطبيعة الخاصة لتلك الخصومة بالنسبة إليه، ودفعًا لأية شبهة حول قيام مصلحة للقاضي المحكوم برده، في الاستمرار في نظر الدعوى. ولما كانت المساواة التي نصت عليها المادة (53) من الدستور تستهدف عدم التمييز بين أفراد الطائفة الواحدة، إذا تماثلت مراكزهم القانونية، وكان المركز القانوني للقاضي المطلوب رده يختلف عن المركز القانوني لطالب الرد، في خصوص هذه الخصومة، فإن النعي عليه الإخلال بمبدأ المساواة لا يكون قائماً على أساس.
وحيث إن المشرع بتقريره النص المطعون فيه، قد أعمل سلطته التقديرية في شأن تنظيم بعض إجراءات الإثبات أثناء تحقيق طلب رد القضاة، بأن حظر استجواب القاضي أو توجيه اليمين إليه، مُشيّدًا بذلك للمتقاضين في خصومة الرد نظامًا للتداعي، يقوم على أساس طبيعة المنازعة، بمراعاة أنه يترتب على تقديم طلب الرد -بحسب الأصل- وقف الدعوى الأصلية إلى أن يُفصل في الطلب؛ مما مؤداه ربط هذا التنظيم الإجرائي للخصومة في مجمله بالغايات التي استهدفها المشرع منه، والتي تتمثل في تحقيق التوازن بين طرفيها، عن طريق تنظيم تلك الإجراءات، وما يستلزمه ذلك من إحاطة القاضي بضمانات، تكفل له الاحترام، مع عدم الإخلال - في الوقت ذاته - بكفالة الضمانات الأساسية لحقي التقاضي والدفاع، بما يحقق لأي من المتقاضين عرض منازعته ودفاعه ودفوعه على قاضيه الطبيعي، متمتعًا بفرص متكافئة في ممارسة حقه في الدفاع الذي كفله الدستور بنص المادة (98) منه، وبما يجعل للخصومة في هذا النوع من المنازعات حلًا منصفًا، وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا منهيًّا عنه بين المخاطبين بها، على نحو يتفق مع سلطة المشرع في المفاضلة بين أكثر من نمط لتنظيم إجراءات التقاضي، دون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم؛ ومن ثم تكون المغايرة التي اتبعها المشرع في تنظيمه لإجراءات التقاضي في دعوى الرد، وفقًا للنص المطعون فيه، قائمة على أسس مبررة، وترتبط بالأغراض المشروعة التي توخاها المشرع، مما تنتفي معه قالة الإخلال بمبادئ سيادة القانون والمساواة، وتكافؤ الفرص، والحق في التقاضي والدفاع، التي حرص الدستور على صونها، ليضحى النص المطعون فيه منضبطًا بتخومها، بما لا مخالفة فيه لنصوص المواد (4 و9 و53 و97 و98) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أحكام الدستور من أوجه أخرى، الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
وحيث إن محكمة استئناف الإسماعيلية -مأمورية الطور- ولئن استمرت في نظر طلب الرد محل الدعوى الموضوعية، وقضت فيه بالرفض، وكان يتعين عليها بعد تقديرها جدية الدفع بعدم الدستورية، وتصريحها للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية المعروضة؛ أن تتربص قضاء هذه المحكمة في المسألة الدستورية، إلا أن حكمها في الدعوى الموضوعية لا يناقض في أثره ما انتهى إليه الحكم في الدعوى الدستورية برفضها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعين المصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق