الصفحات

الجمعة، 27 أكتوبر 2023

اَلْمُذَكِّرَة اَلْإِيضَاحِيَّةِ لِمَشْرُوعِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ / اَلْمَادَّتَانِ 5 & 6 - اَلتَّعَسُّفُ فِي اِسْتِعْمَالِ اَلْحَقِّ

عودة الى صفحة المذكرة الايضاحية للقانون المدني المصري 1948

راجع : مشروع تنقيح القانون المدني ، وزارة العدل المصرية ، المطبعة الاميرية ، 1948 ، ج 1 ، ص 28 - 35 .


2 - الحق والرخصة

المادة 5

الحقوق المدنية نوعان : حقوق محددة يكسبها الشخص ويختص بها دون غيره . ورخص قانونية أو حقوق عامة يعترف بها القانون للناس كافة .

المادة 6

( مادة ٣٨ / ٥٩ ، ٦٠ من التقنين المدني المصري ، والمادة 115 / 120 من تقنين المرافعات المصري ) (۱)

يصبح استعمال الحق غير جائز في الأحوال الآنية :

(أ) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير .

-----------------

(۱) المادة ٣٨ / ٥٩ ، ٦٠ من التقنين المصري : ليس للجار أن يجبر جاره على إقامة حائط أو نحوه على حدود ملكه ولا على أن يعطيه جزءا من حائله أو من الأرض التي عليها الحائط المذكور. ومع ذلك ليس لمالك الحائط أن يهدمه لمجرد إرادته إن كان ذلك يترتب عليه حصول ضرر للجار المستتر ملكه بحائطه ما لم يكن هدمه بناء على باعث قوى .

المادة 115 / 120 من تقنين المرافعات المصري : يجوز للمحكمة في جميع الدعاوى أن تحكم بتعويضات في مقابلة المصاريف الناشئة عن دعوى أو مدافعة كان القصد بها مكيدة الخصم.

 

 

(ب) إذا كان متعارضاً مع مصلحة عامة جوهرية .

(ج) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة أو كانت هذه المصالح قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها أو كان استعمال الحق من شأنه أن يعطل استعمال حقوق تتعارض معه تعطيلاً يحول دون استعمالها على الوجه المألوف.

( المادة 226 من التقنين الألماني والمادة 2 من التقنين السويسري والمادة ٢٢٦ من التقنين السوفيتي ) (۱)

1 - تفرق المادة ٥ من المشروع بين الحق والرخصة وهي بذلك تمهد للأحكام المتعلقة بالتعسف في استعمال الحق ، فالتعسف يرد على

---------------

(1) النصوص المقابلة :

    C. Port., Art 14 al. 3. celui qui en exerçant son droit recherche un profit doit, en cas d'opposition, et à défaut de disposition spéciale de la loi, céder à celui qui tend à éviter une perte.

    C. Civ. Suisse, Art 2 - Chacun est tenu d'exercer ses droits et d'exécuter ses obligations selon les règles de la bonne foi.

 L'abus manifeste d'un droit n'est pas protégé par la loi.

    C. Civ. U. R. S, Art 1er. Les droits civils sont protégés par la loi, sauf dans les cas où ils sont exercés dans un sens contraire à leur destination écono- mique et sociale. 

    C. Civ. Lib, Art 124. Doit également réparation celui qui a causé un dom- mage à autrui en excédant, dans l'exercice de son droit, les limites fixées par la bonne foi ou par le but en vue duquel ce droit lui a été conféré.

القضاء المصري :

فقرة أ - مطابق استئناف مصر ١٤ مايو سنة ١٩٢٥ المحاماة س ٩ ص ۱۰۷۷ وأسيوط الابتدائية 4 مايو سنة ۱۹۲۸ المحاماة س ٩ ص ۱۰۸، والزقازيق الكلية ۱۹ مايو سنة ۱۹۲۹ المحاماة س ۱۰ ص ۱۸۰ ، و بني سويف الجزئية ٢٠ مايو سنة ١٩٢١ 


استعمال الحقوق وحدها أما الرخص فلا حاجة إلى فكرة التعسف في ترتيب مسئولية من يباشرها من الضرر الذي يلحق الغير من جراء ذلك . ويقصد بالحق في هذا الصدد كل مكنة تثبت لشخص من الأشخاص على سبيل التخصيص والإفراد كحق الشخص في ملكية عين من الأعيان أو حقه في اقتضاء دين من الديون أو حقه في طلاق زوجه . أما ما عدا ذلك من المكنات التي يعترف بها القانون للناس كافة دون أن تكون محلاً للاختصاص الحاجز فرخص أو إباحات كالحريات العامة وما إليها . وهذه الرخص أو الإباحات لا حاجة إلى فكرة التعسف فيها لتأمين الغير ما ينجم من ضرر من استعمال الناس لها لأن أحكام المسئولية المدنية تتكفل بذلك على خير وجه.

2 - وتضع المادة 6 الأحكام الخاصة بالتعسف في استعمال الحق بالمعنى الذي تقدمت الإشارة إليه فتقضي بأن استعمال الحق يكون غير جائز في حالات خاصة أخذ المشروع في تعيين بعضها بمعيار "نية الإضرار" ، وأخذ في تعيين بعض منها بمعيار مادي "التعارض مع مصلحة عامة جوهرية"، ولفق في بعض آخر ما بين المعيارين . ولم يكن التشريع المصري يتضمن نصاً عاماً

-----------------

س ٨ ص ٤٠٣، واستئناف مختلط ٩ ديسمبر سنة ١٩٣٧ بـ 50 ص 42 ، واستئناف مختلط ۱۹ نوفمبر سنة ١٩٢٩ ب ٤٢ ص ٤١ .

فقرة ج- مطابق فيما يتعلق بعدم مشروعية المصلحة : استئناف مصر دوائر مجتمعة أول مارس سنة ۱۹۲۸ المحاماة س ٨ ص ٧٥٠ والزقازيق الكلية ١٩ مايو سنة ١٩٢٩ المحاماة س ۱۰ ص ۱۸۰، واستئناف مختلط ۱۲ نوفمبر سنة ١٩٢٩ ب ٤٢ ص ٢٧ و ٣١ ديسمبر سنة ١٩٣6 ب ٤٩ ص ٥٩ . وفيما يتعلق بقلة أهمية المصالح : العطارين الجزئية ٢١ أكتوبر سنة ١٩٢٩ المحاماة س ۱۰ ص ۷۸۳ واستئناف مختلط ۱۱ ديسمبر ۱۹۳۰ ب ٤٣ ص ٧٨ و ٣ أبريل سنة ١٩٣٤ ب ٤٦ ص ٢٢٣ . وفيا يتعلق بالاستعمال المعطل للاستعمال المألوف : أسيوط الكلية ١٦ مارس سنة ١٩٢٥ المحاماة س 5 ص ٧٦٠ واستئناف مختلط ١٢ نوفمبر سنة ١٩٢٩ ب ٤٢ ص ٤ و٢٧

الشريعة الإسلامية :

محمود فتحي - نظرية التعسف في استعمال الحق في الشريعة الإسلامية . ليون ۱۹۱۳. والمجلة م ۲٦ و ۲۷ و ۲۸ و ۲۹ و ۱۱۹۸ و ۱۱۹۹ ۱۲۰۰ و ۱۲۱۲ .


في شأن التعسف في استعمال الحق بل اقتصر الأمر فيه على بعض تطبيقات خاصة كنص المادة 38 / 59 و 60 من القانون المدني على أنه ليس لمالك الحائط أن يهدمه لمجرد إرادته إذا كان يترتب على ذلك حصول ضرر للجار المستتر ملكه بحائطه ما لم يكن هدمه بناءً على باعث قوي ونص المادة 115 / 120 من قانون المرافعات على جواز الحكم بالتعويض في مقابلة المصاريف الناشئة عن دعوى أو مدافعة كان القصد بها مكيدة الخصم . وقد استلهم القضاء هذه التطبيقات وآراء الفقه وأخذ بفكرة التعسف في استعمال الحق واستند في ذلك إلى القاعدة العامة في المسئولية التقصيرية كما هي مقررة في المادة 151 / 212 مدني.

3 - بيد أن المشروع أحل النص الخاص بتقرير نظرية التعسف في استعمال الحق مكاناً بارزاً بين النصوص التمهيدية لأن هذه النظرية من معنى العموم ما يجعلها تنبسط على جميع نواحي القانون دون أن تكون مجرد تطبيق لفكرة العمل غير المشروع . وإذا كان القضاء قد رأى أن يستند في تطبيقها إلى قواعد المسئولية التقصيرية بسبب قصور النصوص فهو لم يقصر هذا التطبيق على ناحية معينة من نواحي القانون المدني وإنما بسطه على هذه النواحي جميعاً بل وعلى نواحي القانون قاطبة . فهو يجزم بأن النظرية تنطبق على روابط الأحوال الشخصية كما تنطبق على الروابط المالية وانها تسري في شأن الحقوق العينية سريانها في شأن الحقوق الشخصية وانها لا تقف عند حدود القانون الخاص بل تجاوزه إلى القانون العام . ولذلك آثر المشروع أن يضع هذه النظرية وضعاً عاماً محتذياً مثال أحدث التقنيات وأرقاها ( أنظر المادة 2 من التقنين المدني السويسري والمادة 1 من التقنين المدني السوفيتي).

4 - وقد ساعد على اختيار هذا المسلك إقرار الشريعة الإسلامية لنظرية التعسف في استعمال الحق بوصفها نظرية عامة وعناية الفقه الإسلامي بصياغتها صياغة تضارع إن لم تفق في دقتها وأحكامها أحدث ما أسفرت عنه مذاهب المحدثين من فقهاء الغرب . وإزاء ذلك حرص المشروع على أن ينتفع في صياغة النص بالقواعد التي استقرت في الفقه الإسلامي وهي قواعد صدر عنها التشريع المصري في التطبيقين اللذين تقدمت الإشارة إليهما ( المادة 38 / 59 و 60 مدني والمادة 115 / 120 مرافعات ) واستلهمهما القضاء في كثير من أحكامه ( استئناف مختلط  6 إبريل سنة 1905 ب 18 ص 189 و 3 مايو سنة 1906 ب 18 ص 233) . ولهذا لم ير المشروع أن ينسج على منوال التقنين السويسري في النص على أن كل شخص يجب عليه أن يباشر حقوقه ويفي بالتزاماته وفقا لما يقتضي حسن النية وأن التعسف الظاهر في استعمال حق من الحقوق لا يحميه القانون ، ولم ير المشروع كذلك أن يختار الصيغة التي آثرها المشرع السوفيتي إذ قضى في المادة 1 من التقنين المدني بأن القانون يتكفل بحماية الحقوق المدنية إلا أن تستعمل على وجه يخالف الغرض الاقتصادي أو الاجتماعي من وجودها  وأعرض أيضاً عن الصيغة التي اختارها التقنين اللبناني (م 124) ، وهي لا تعدو أن تكون مزاجا من نصوص التقنين السويسري والتقنين السوفيتي.

5 - والواقع أن المشروع تحامى اصطلاح ( التعسف ) لسعته وإبهامه وجانب أيضا كل تلك الصيغ العامة بسبب غموضها وخلوها من الدقة واستمد من الفقه الإسلامي بوجه خاص الضوابط الثلاثة التي اشتمل عليها النص . ومن المحقق أن تفصيل الضوابط على هذا النحو يهيئ للقاضي عناصر نافعة للاسترشاد ولا سيما أنها جميعاً وليدة تطبيقات عملية انتهى إليها القضاء المصري من طريق الاجتهاد.

6 - وأول هذه المعايير هو معيار استعمال الحق دون أن يقصد من ذلك سوى الإضرار بالغير وهذا معيار ذاتي استقر الفقه الإسلامي والفقه الغربي والقضاء على الأخذ به، وقد أفرد له التقنين الألماني المادة 226 وهي في طليعة النصوص التشريعية التي دعمت أسس نظرية التعسف في استعمال الحق . والجوهري في هذا الشأن هو توافر نية الأضرار ولو أفضى استعمال الحق إلى تحصيل منفعة لصاحبه، ويراعى أن القضاء جرى على استخلاص هذه النية من انتفاء كل مصلحة من استعمال الحق استعمالاً يلحق الضرر بالغير متى كان صاحب الحق على بينة من ذلك، وقد جرى القضاء أيضاً على تطبيق الحكم نفسه في حالة تفاهة المصلحة التي تعود على صاحب الحق في هذه الحالة.

7 - والمعيار الثاني قوامه تعارض استعمال الحق مع مصلحة عامة جوهرية، وهذا معيار مادي استقاه المشروع من الفقه الإسلامي وقننته المجلة من قبل إذ نصت في المادة 26 على أن الضرر الخاص يُتحمل لدفع ضرر عام ( أنظر أيضاً المواد 27 و 28 و 29 من المجلة) . وأكثر ما يساق من التطبيقات في هذا الصدد عند فقهاء المسلمين يتعلق بولاية الدولة في تقييد حقوق الأفراد صيانة للمصلحة العامة كمنع اختزان السلع تجنباً لاستغلال حاجة الأفراد إليها خلال الحروب والجوائح ، على أن الفكرة في خصبها لا تقف عند حدود هذه التطبيقات فهي مجرد أمثلة تحتمل التوسع والقياس .

8 - أما المعيار الثالث فتندرج تحته حالات ثلاث :

(أ) الأولى حالة استعمال الحق استعمالاً يرمي إلى تحقيق مصلحة غير مشروعة وتعبير المشروع في هذا المقام خير من نص بعض التقنينات على صرف الحق عن الوجهة التي شرع من أجلها . ولا تكون المصلحة غير مشروعة إذا كان تحقيقها يخالف حكماً من أحكام القانون فحسب وإنما يتصل بها هذا الوصف أيضاً إذا كان تحقيقها يتعارض مع النظام العام ، أو الآداب، وإذا كان المعيار في هذه الحالة مادياً في ظاهره إلا أن النية كثيراً ما تكون العلة الأساسية لنفي صفة المشروعية عن المصلحة . وأبرز تطبيقات هذا المعيار يُعرض بمناسبة إساءة الحكومة لسلطاتها كفصل الموظفين إرضاء لغرض شخصي أو شهوة حزبية ( استئناف مصر الدوائر المجتمعة أول مارس 1928 المحاماة س 8 ص 750) وأحكام الشريعة الإسلامية في هذا الصدد تتفق مع ما استقر عليه الرأي في التقنيات الحديثة والفقه والقضاء .

(ب) والثانية حالة استعمال الحق ابتغاء تحقيق مصلحة قليلة الأهمية لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها والمعيار في هذه الحالة مادي ولكنه كثيراً ما يتخذ قرينة على توافر نية الإضرار بالغير ، ويساير الفقه الإسلامي في أخذه بهذا المعيار اتجاه الفقه والقضاء في مصر وفي الدول الغربية على حد سواء.

(ج) والثالثة حالة استعمال الحق استعمالاً من شأنه أن يعطل استعمال حقوق تتعارض معه تعطيلاً يحول دون استعمالها على الوجه المألوف والمعيار في هذه الحالة مادي ، وإذا كان الفقه الغربي لا يؤكد استقلال هذا المعيار إذ يلحقه معيار انتفاء صفة المشروعية عن المصلحة أو يجعل منه صورة لمجاوزة حدود الحق يطلق عليها اسم الإفراط إلا أن الفقه الإسلامي يخصه بكيان مستقل . والقضاء في مصر أميل إلى الأخذ بمذهب الفقه الإسلامي (العطارين الجزئية 21 أكتوبر سنة 1929 المحاماة س 10 ص 783 واستئناف مختلط 11 ديسمبر سنة 1930 ب 43 ص 78) وكانت المجلة قد قننت هذا الفقه فقضت في المادة 1198 بأن : " كل أحد له التعلي على حائط الملك وبناء ما يريد وليس لجاره منعه ما لم يكن ضرره فاحشاً"، وعرفت الضرر الفاحش في المادة 1199 بأنه :" كل ما يمنع الحوائج الأصلية يعني المنفعة الأصلية المقصودة من البناء كالسكنى أو يضر بالبناء أي يجلب له وهناً ويكون سبب انهدامه"، وعقبت على ذلك بتطبيقات مختلفة في المواد من 1200 إلى 1212، وقد جرى القضاء المصري منذ عهد بعيد على الأخذ بهذه المبادئ ولا سيما فيما يتعلق بصلات الجوار فقضت محكمة الاستئناف المختلطة في 30 أبريل سنة 1903 بأن " الملكية الفردية أيا كانت سعة نطاقها تتقيد بواجب الامتناع عن إلحاق أي ضرر جسيم بالجار ..... ويدخل في ذلك كل فعل يمنع الجار من تحصيل المنافع الرئيسية من ملكه" ، وتواترت الأحكام بعد ذلك على تقرير المبادئ ذاتها.

9 - وعلى هذا النحو وضع المشروع دستوراً لمباشرة الحقوق ألف فيه بين ما استقر من المبادئ في الشريعة الإسلامية وبين ما انتهى إليه الفقه الحديث في نظرية التعسف في استعمال الحق ولكن دون أن يتقيد كل التقيد بمذاهب هذا الفقه . وبذلك أتيح له أن يمكن للنزعة الأخلاقية والنزعات الاجتماعية الحديثة وأن يصل بين نصوصه  وبين الفقه الإسلامي في أرقى نواحيه وأحفلها بعناصر المرونة والحياة.

---------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق