جلسة 26 من نوفمبر سنة 1960
برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الدكتور محمود سعد الدين الشريف ومحمود محمد إبراهيم والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.
----------------
(30)
القضية رقم 475 لسنة 5 القضائية
حكم - حجية الأحكام الصادرة بالإلغاء - حجية عينية - علة ذلك - مدى الإلغاء - الإلغاء قد يكون كاملاً أو جزئياً - تحديد هذا المدى بطلبات الخصوم وما تنتهي إليه المحكمة في قضائها - نتائج هذه الحجية - الحكم باعتبار الدعوى الثانية بإلغاء ذات القرار غير ذات موضوع.
إن حجية الأحكام الصادرة بالإلغاء وفقاً لحكم المادة 17 من القانون رقم 165 لسنة 1955 الخاص بتنظيم مجلس الدولة التي رددتها المادة 20 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة التي تنص على أنه "تسري في شأن الأحكام جميعها القواعد الخاصة بقوة الشيء المقضى به على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حجة على الكافة" هي حجة عينية كنتيجة طبيعية لإعدام القرار الإداري في دعوى هي في حقيقتها اختصام له في ذاته، إلا أن مدى الإلغاء يختلف بحسب الأحوال فقد يكون شاملاً لجميع أجزاء القرار وهذا هو الإلغاء الكامل، وقد يقتصر الإلغاء على جزء منه دون باقيه وهذا هو الإلغاء الجزئي، كأن يجري الحكم بإلغاء القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية. وغني عن البيان أن مدى الإلغاء أمر يحدد بطلبات الخصوم وما تنتهي إليه المحكمة في قضائها. فإذا صدر الحكم بالإلغاء كلياً كان أو جزئياً فإنه يكون حجة على الكافة، وعلة ذلك أن الخصومة الحقيقية في الطعن بالإلغاء تنصب على القرار الإداري ذاته وتستند على أوجه عامة حددها القانون رقم 165 لسنة 1955 الخاص بتنظيم مجلس الدولة في المادة الثامنة منه بأنها "عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة"، وكل وجه منها له من العموم في حالة قبول الطعن ما يجعل القرار المطعون فيه باطلاً لا بالنسبة للطاعن وحده، بل بالنسبة للكافة، فهو بطلان مطلق.
وما من شك في أن المساواة بين الأفراد والجماعات في تطبيق القواعد العامة المستفادة من حكم الإلغاء تقتضي وجوباً أن يكون حكم الإلغاء حجة على الكافة حتى يتقيد الجميع بآثاره.
وينبني على ما تقدم أنه إذا ألغى مجلس الدولة قراراً إدارياً ثم أقام طاعن آخر دعوى أخرى أمام مجلس الدولة بإلغاء ذات القرار كانت الدعوى الثانية غير ذات موضوع، باعتبار ذلك إحدى نتائج الحجية المطلقة للشيء المقضى به في حكم الإلغاء، وكذلك من لم يختصم في الدعوى تصيبه آثار الحكم بالإلغاء بوصف أنه من الكافة وتكون الإدارة على صواب في تطبيقه في شأنه، ذلك لأن دعوى الإلغاء أشبه بدعوى الحسبة يمثل فيها الفرد مصلحة المجموع.
إجراءات الطعن
في يوم 9 من مارس سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة الترقيات والتعيينات) بجلسة 8 من يناير سنة 1959 في القضية رقم 1066 لسنة 10 القضائية المقامة من سعد محمد سعد ضد وزارة العدل ورئيس محكمة استئناف القاهرة والقاضي "بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه وألزمت المدعي المصروفات". وطلب رئيس هيئة مفوضي الدولة للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار الصادر من وزير العدل في 29 من أكتوبر سنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية، وإلزام الحكومة بالمصروفات.
وقد أعلن الطعن للحكومة في 8 من يونيه سنة 1959 وللمدعي في 10 من يونيه سنة 1959 وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 22 من مايو سنة 1960. وفي 10 من مايو سنة 1960 أخطرت الحكومة والمدعي بميعاد هذه الجلسة، ثم قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 29 من أكتوبر سنة 1960، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أودع في 24 من ديسمبر سنة 1953 سكرتيرية اللجنة القضائية لوزارة العدل تظلماً ضمنه طلب إلغاء القرار الوزاري رقم 663 الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1953 لتخطيه في الترقية من الدرجة الثامنة إلى الدرجة السابعة. وقال شرحاً لتظلمه إنه عين في 3 من يناير سنة 1948 في وظيفة كتابية بالدرجة الثامنة بمحكمة استئناف أسيوط. وفي 14 من ديسمبر سنة 1950 عقدت لجنة شئون موظفي محاكم الاستئناف امتحاناً تحريرياً لموظفي الدرجة الثامنة بالمحاكم المذكورة توطئة للترقية للدرجة السابعة طبقاً لقانون نظام القضاء، ويذكر أنه كان من بين الموظفين الذين تقدموا لأداء هذا الامتحان، وقد اجتاز الامتحان التحريري بنجاح غير أنه منع من أداء الامتحان الشفوي. وفي 29 من أكتوبر سنة 1953 صدر القرار الوزاري رقم 663 بترقية موظفين أحدث منه عهداً بالخدمة. ويعيب على هذا القرار مخالفته القانون.
وردت محكمة استئناف مصر على التظلم بأن المدعي أدى الامتحان التحريري ورسب فيه؛ لذلك لم يدخل الامتحان الشفهي ولم يدرج اسمه في كشف ترتيب المرشحين للترقية من الدرجة الثامنة للدرجة السابعة طبقاً لقانون نظام القضاء. وفي 28 من مارس سنة 1954 قررت اللجنة القضائية رفض التظلم وإلزام المتظلم بالرسوم المستحقة قانوناً، واستندت في ذلك إلى أن المادتين 53، 57 من القانون رقم 147 لسنة 1949 في شأن نظام القضاء تتضمنان أنه لا يجوز ترقية من عين كاتباً من الدرجة التي عين فيها للدرجة التي تليها إلا إذا حسنت الشهادة في حقه ونجح في امتحان فيه كتابة وشفاهاً وأن يرتب الناجحون حسب درجات نجاحهم، وتكون الترقية على أساس هذا الترتيب. وإذ لم يؤد المتظلم الامتحان المنصوص عليه في القانون المشار إليه فلا تجوز ترقيته للدرجة التالية لدرجة تعيينه إلا إذا اجتاز الامتحان المشار إليه كتابة وشفاهاً؛ وذلك عملاً بصريح النص الوارد بالمادتين السالف ذكرهما. وفي 24 من يناير سنة 1956 بلغت اللجنة القضائية قرارها لكل من الطرفين. وفي 8 من مارس سنة 1956 طعن المدعي في قرار اللجنة القضائية طالباً إلغاءه والحكم بإلغاء القرار الوزاري رقم 663 الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1953 المتضمن تخطيه في الترقية من الدرجة الثامنة إلى الدرجة السابعة. وقال شرحاً لدعواه إنه عين في 3 من يناير سنة 1948 في الدرجة الثامنة بمحكمة استئناف أسيوط. وبتاريخ 14 من ديسمبر سنة 1950 عقدت لجنة شئون موظفي محاكم الاستئناف امتحاناً تحريرياً لموظفي الدرجة الثامنة بالمحاكم المذكورة توطئة للترقية للدرجة السابعة طبقاً للمواد 51 وما بعدها من قانون نظام القضاء وتقدم للامتحان التحريري ولم يطلب لأداء الامتحان الشفوي دون مبرر قانوني؛ ذلك لأن المادة 57 من قانون نظام القضاء وجدت درجة النجاح فجعلتها عبارة عن مجموع درجتي التحريري والشفوي، ثم صدر القرار المطعون فيه بترقية بعض زملائه ممن يلونه في الأقدمية وقد تظلم إلى اللجنة القضائية غير أنها رفضت تظلمه.
وأجابت الوزارة بأن المدعي عين بالدرجة الثامنة بمحكمة استئناف أسيوط بتاريخ 3 من يناير سنة 1948 وتطبيقاً لنص المادتين 53، 57 من القانون رقم 147 لسنة 1949 عقدت محاكم الاستئناف امتحاناً لموظفي الدرجة الثامنة تمهيداً لترقيتهم للدرجة السابعة وتقدم الطالب لأداء الامتحان التحريري وحصل على الدرجات الآتية:
19 درجة في المرافعات، 6 درجات في المدني، 24 درجة في الرسوم، 30 درجة في التجاري، 18 درجة في الدمغة والمنشورات، 26 درجة في الخط.
وكانت النهاية القصوى لكل مادة من هذه المواد 30 درجة.
وبما أنه لم يحصل على 40% في القانون المدني كنص المادة 57 فإن المحكمة لم تسمح له بدخول الامتحان الشفوي لرسوبه في الامتحان التحريري، كما ذكرت الوزارة أنه لما تمت ترقية الناجحين في هذا الامتحان أجرت محاكم الاستئناف امتحاناً آخر وتقدم إليه المدعي وأدى الامتحان التحريري والشفوي ونجح وحصل على 39 درجة من 60.
وبجلسة 8 من يناير سنة 1959 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً، وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت المدعي المصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أن المدعي لا يعتبر ناجحاً في الامتحان وهو الشرط الذي أوجبه القانون للترقية لأنه لم يؤد الامتحان الشفوي، وعلى ذلك فلم يكن جائزاً ترقيته بالقرار المطعون فيه، وأما كون جهة الإدارة هي التي منعته من تأدية الامتحان الشفوي خطأ منها كما يقول، فإن ذلك لا يغير من الواقع في شيء وهو عدم نجاحه في الامتحان لإمكان ترقيته أما إذا كان هناك خطأ قد وقع من جهة الإدارة ترتب عليه عدم تأديته الامتحان الشفوي مما اعتبر معه راسباً وبالتالي عدم ترقيته بالقرار المطعون فيه، فإن إثارة مثل هذا القول لا يكون موضعه هذه الدعوى؛ ومن ثم تكون اللجنة القضائية إذ انتهت إلى رفض التظلم قد أصاب قرارها المطعون فيه وجه الحق والقانون، ويتعين بذلك الحكم برفض الطعن وتأييد قرار اللجنة القضائية مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه طبقاً للمادة 55 من قانون نظام القضاء يكون الامتحان تحريرياً وشفوياً في المواد الآتية:
(1) ما يتعلق بعمل الكاتب في قانون المرافعات والقانون المدني والقانون التجاري.
(2) قوانين الرسوم والدمغة.
(3) المنشورات المعمول بها في المحاكم.
(4) الخط.
ويتضح من هذه المادة أن المشرع جعل مواد الامتحان أربعاً، وأن الأولى منها تضم ما يتعلق بعمل الكاتب في قوانين المرافعات والمدني والتجاري فلا يسوغ اعتبار كل منها مادة مستقلة، كما أنه جعل تحديد الحد الأدنى شاملاً للامتحانين التحريري والشفوي فيها. كما أنه وفقاً للمادة 57 من قانون نظام القضاء تقدر لكل مادة من مواد الامتحان التحريري والشفوي 30 درجة وتكون درجة النجاح 40% من مجموعها على ألا يقل ما يحصل عليه الموظف في كل المواد عن 60% من مجموع الحد الأقصى.
ولما كان يتضح من إجابة وزارة العدل أن المدعي حصل على 19 درجة في المرافعات و6 درجات في المدني و30 درجة في التجاري؛ فمن ثم يكون قد حصل على أكثر من 40% في المادة الأولى التي تضم ما يتصل بعمل الكاتب من القوانين، كما يبين من هذه الإجابة أيضاً أنه حصل على 24 درجة في الرسوم و18 درجة في الدمغة والمنشورات و26 درجة في الخط، ومن ثم يعتبر المدعي ناجحاً في هذا الامتحان على فرض استقلال الامتحان التحريري عن الشفوي وما كان يسوغ للجهة الإدارية حرمان المدعي من أداء الامتحان الشفوي لانعدام سببه.
ولما كانت الترقية على أساس ترتيب درجات الامتحان ممتنعة بالنسبة للمدعي بسبب خارج عن إرادته هو حرمان الحكومة له من أداء الامتحان الشفوي لسبب خاطئ ولا يجوز أن يضار المدعي من هذا الحرمان وما دام القرار المطعون فيه قد تخطى المدعي بمن يلونه لذلك يكون القرار قد خالف القانون وأنه فضلاً عن ذلك فقد اتضح من إجابة الجهة الإدارية أن المدعي تقدم للامتحان التالي ونجح في التحريري والشفوي.
ثم أودعت الوزارة مذكرة مؤرخة 27 من يوليه سنة 1960 ضمنتها أن قواعد امتحان موظفي المحاكم تحكمها المواد من 53 إلى 57 من القانون رقم 147 لسنة 1949 الخاص بنظام القضاء وأن المادة 57 من القانون المذكور قد حددت لكل مادة من مواد الامتحان ثلاثين درجة وتكون درجة النجاح 40%، وتذكر الجهة الإدارية أن المدعي لم يحصل على هذه النسبة في مادة القانون المدني واعتبر بذلك راسباً ولم يكن هناك بعد ذلك داع لأدائه الامتحان الشفوي.
ومن حيث إنه ولئن كان الأمر على ما سلف إيضاحه غير أنه لما كان يبين من الاطلاع على ملف القضية رقم 19 لسنة 3 القضائية "محكمة القضاء الإداري" التي قررت هذه المحكمة ضمها أن الهيئة الثالثة (ب) قضت بجلسة 3 من إبريل سنة 1958 أي قبل صدور الحكم المطعون فيه في الدعوى المرفوعة من كامل محمد أحمد شعيب ضد وزارة العدل ورئيس محكمة استئناف القاهرة بشأن امتحان الترقية ذاته "التحريري" وقرار الترقية المطعون فيه الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1953 موضوع الطعن الحالي بأن تحديد الحكومة 90 درجة للامتحان في قانون المرافعات والقانون المدني والقانون التجاري واعتبار كل منها مادة مستقلة يبعد عن حكم المادة 57 من القانون رقم 147 لسنة 1949 واعتبرت المحكمة هذه المواد الثلاث وحدة واحدة وقالت المحكمة إنه طالما أن المدعي (كامل محمد أحمد شعيب) قد حصل في الامتحان الخاص بهذه القوانين على 65 درجة من 90 وعلى ذلك فيكون قد حصل في الامتحان فيها على 3/ 2، 21 فيما لو قدر لها 30 درجة باعتبارها وحدة واحدة طبقاً لحكم القانون. وانتهت المحكمة إلى اعتبار المدعي - كامل محمد أحمد شعيب - ناجحاً في تلك المادة على خلاف ما اعتبرته الحكومة راسباً فيها، وقالت إنه ما كان يسوغ للجهة الإدارية حرمان المدعي من الامتحان الشفوي. واستطردت المحكمة إلى القول بأنه لما كانت الترقية على أساس ترتيب درجات النجاح ممتنعة بالنسبة للمدعي كامل محمد أحمد شعيب بسبب خارج عن إرادته هو حرمان الحكومة له من أداء الامتحان الشفوي لسبب خاطئ كما ذكر فيما تقدم، فلا يجوز أن يضار المدعي بهذا الحرمان وما دام القرار المطعون فيه قد تخطى المدعي في الترقية بترقية فوزي علي منصور إلى الدرجة السابعة اعتباراً من 29 من أكتوبر سنة 1953 مع أن المدعي أقدم منه في الدرجة الثامنة ويتفوق عليه في مجموع درجات الامتحان التحريري، ومن ثم يكون هذا القرار قد خالف القانون بترقية الموظف المتقدم ذكره دون المدعي ويتعين لذلك الحكم بإلغائه في الحدود المتقدمة، وتقول المحكمة من حيث إنه ثابت في قول الحاضر عن المدعي في الجلسة المنعقدة في 23 من يناير سنة 1958 أن المدعي قد رقي إلى الدرجة السابعة في أكتوبر سنة 1956 ولهذا فهو يطلب تعديل أقدميته في الدرجة السابعة وقد صادق مندوب الحكومة على ترقية المدعي ومن ثم تحقيق طلبات المدعي في الحكم بإرجاع أقدميته في الدرجة السابعة إلى التاريخ المحدد في القرار المطعون فيه. كما تقول المحكمة من حيث إن اللجنة القضائية قد أصدرت قرارها برفض تظلم المدعي في حين أنه كان على حق قانوني فيه وذلك للأسباب المتقدم ذكرها، وانتهت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة ب) إلى القول "ومن ثم يتعين الحكم بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه وباعتبار أقدمية المدعي في الدرجة السابعة راجعة إلى التاريخ المحدد في القرار المطعون فيه رقم 663 الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1953 وبما يترتب على ذلك من آثار" - وقد أصبح ذلك الحكم نهائياً له قوة الشيء المقضى به لعدم الطعن فيه في الميعاد.
ومن حيث إن حجية الأحكام الصادرة بالإلغاء وفقاً لحكم المادة 17 من القانون رقم 165 لسنة 1955 الخاص بتنظيم مجلس الدولة التي رددتها المادة 20 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة التي تنص على أنه "تسري في شأن الأحكام جميعها القواعد الخاصة بقوة الشيء المقضى به على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حجة على الكافة" هي حجية عينية كنتيجة طبيعية لإعدام القرار الإداري في دعوى هي في حقيقتها اختصام له في ذاته، إلا أن مدى الإلغاء يختلف بحسب الأحوال فقد يكون شاملاً لجميع أجزاء القرار وهذا هو الإلغاء الكامل، وقد يقتصر الإلغاء على جزء منه دون باقيه وهذا هو الإلغاء الجزئي، كأن يجري الحكم بإلغاء القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية - وغني عن البيان أن مدى الإلغاء أمر يحدد بطلبات الخصوم وما تنتهي إليه المحكمة في قضائها. فإذا صدر الحكم بالإلغاء كلياً كان أو جزئياً فإنه يكون حجة على الكافة، وعلة ذلك أن الخصومة الحقيقية في الطعن بالإلغاء تنصب على القرار الإداري ذاته وتستند على أوجه عامة حددها القانون رقم 165 لسنة 1955 الخاص بتنظيم مجلس الدولة في المادة الثامنة منه بأنها: "عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة" - وكل وجه منها له من العموم في حالة قبول الطعن ما يجعل القرار المطعون فيه باطلاً لا بالنسبة للطاعن وحده، بل بالنسبة للكافة فهو بطلان مطلق.
وما من شك في أن المساواة بين الأفراد والجماعات في تطبيق القواعد العامة المستفادة من حكم الإلغاء تقتضي وجوباً أن يكون حكم الإلغاء حجة على الكافة حتى يتقيد الجميع بآثاره.
وينبني على ما تقدم أنه إذا ألغى مجلس الدولة قراراً إدارياً ثم أقام طاعن آخر دعوى أخرى أمام مجلس الدولة بإلغاء ذات القرار كانت الدعوى الثانية غير ذات موضوع باعتبار ذلك إحدى نتائج الحجية المطلقة للشيء المقضى به في حكم الإلغاء وكذلك من لم يختصم في الدعوى تصيبه آثار الحكم بالإلغاء بوصف أنه من الكافة وتكون الإدارة على صواب في تطبيقه في شأنه، ذلك لأن دعوى الإلغاء أشبه بدعوى الحسبة يمثل فيها الفرد مصلحة المجموع [(1)].
ومن حيث إنه لذلك يتعين البحث فيما إذا كان الحكم الصادر في الدعوى رقم 19 لسنة 3 القضائية الذي حاز قوة الشيء المقضى به لعدم الطعن فيه يفيد منه المدعي في الدعوى الحالية.
ومن حيث إن الطلبات في الدعوى رقم 19 لسنة 3 القضائية هي اعتبار قانون المرافعات والقانون المدني والقانون التجاري وحدة واحدة، وأنه ما كان يسوغ للجهة الإدارية حرمان من ينجح في هذه الوحدة الواحدة ككل من أداء الامتحان الشفوي ولا يجوز أن يضار بهذا الحرمان واعتباره ناجحاً، وذلك للوصول إلى إلغاء قرار الترقية رقم 663 الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1953 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية.
ومن حيث إن هذه الدعوى في تكييفها القانوني الصحيح هي دعوى إلغاء تنصب على قرار الوزير في شأن الترقيات المشار إليها، وقد بدأ المدعي في الدعوى الحالية بطلب هذا الأثر فهو يستهدف إلغاء هذا القرار في عموم دعواه. ومحكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة ب) إذ انتهت في قضائها في الدعوى رقم 19 لسنة 3 القضائية إلى الاستجابة لطلبات المدعي كامل محمد أحمد شعيب إنما قضت بالحكم بالإلغاء.
ومن حيث إن حكم الإلغاء - كما سلف - يعتبر حجة على الكافة يفيد منه من طلب الإلغاء ومن لم يطلبه، ما دام سبب الإلغاء سبباً شاملاً عاماً يمس القرار في أساسه ولم يقم على خصوصية معينة يختص بها طالب الإلغاء ولا تقوم بالنسبة لغيره. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه وقد صدر بجلسة 8 من يناير سنة 1959 بعد ما أصبح الحكم، الصادر في 3 من إبريل سنة 1958 في الدعوى رقم 19 لسنة 3 القضائية المشار إليها، نهائياً لعدم الطعن فيه في الميعاد - قد انتهى إلى نتيجة غير مطابقة للقانون، فيتعين إلغاؤه احتراماً لحجية الشيء المقضى به.
ومن حيث إن المدعي حصل على 19 درجة في قانون المرافعات، 6 في القانون المدني، 30 في القانون التجاري فعلى ذلك يكون المدعي قد حصل في الامتحان فيها على 3/ 1، 18 فيما لو قدر لها 30 درجة باعتبارها وحدة واحدة - كما انتهى الحكم في القضية رقم 19 لسنة 3 القضائية - ومن ثم يعتبر المدعي ناجحاً في تلك المادة.
ومن حيث إن المدعي قد رقي إلى الدرجة السابعة بالقرار الوزاري رقم 400 سنة 1956 الصادر بتاريخ 30 من إبريل سنة 1956 فلا يبقى بعد ذلك سوى اعتبار أقدمية المدعي راجعة في تلك الدرجة إلى التاريخ المحدد في القرار المطعون فيه رقم 663 الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1953 وما يترتب على ذلك من آثار.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء قرار اللجنة القضائية وباعتبار أقدمية المدعي في الدرجة السابعة الكتابية راجعة إلى 29 من أكتوبر سنة 1953 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق، وألزمت الحكومة بالمصروفات.
راجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في القضية رقم 214 لسنة 3 القضائية بجلسة 15 من نوفمبر سنة 1958 المنشور بمجموعة السنة الرابعة العدد الأول ص 93.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق