الصفحات

الاثنين، 16 أكتوبر 2023

الطعن 17646 لسنة 88 ق جلسة 22 / 7 / 2019 مكتب فني 70 ق 56 ص 504

جلسة 22 من يوليو سنة 2019

برئاسة السيد القاضي / حازم بدوي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / وليد حمزة، وائل شوقي وهاني المليجي نواب رئيس المحكمة ومحمد شيحا .

-------------------

(56)

الطعن رقم 17646 لسنة 88 القضائية

(1) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقد .

مثال لتسبيب سائغ لحكم صادر بالإدانة في جريمة التعامل في النقد الأجنبي على غير الشروط المقررة قانوناً .

(2) نقد . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . قصد جنائي .

جريمة التعامل في النقد الأجنبي على غير الشروط المقررة قانوناً طبقاً للمادة 111 من القانون 88 لسنة 2003 . مناط تحققها ؟

إثبات الحكم حضور الطاعن الثاني لحانوت الطاعن الأول بغرض بيع واستبدال عملات أجنبية بأخرى محلية . كفايته للتدليل على توافر القصد الجنائي لديهما .

(3) قانون " سريانه " . جريمة " الجريمة المستمرة " " الجريمة الوقتية " . نقد . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

سريان التشريع الجديد على الجريمة المستمرة . ولو كانت أحكامه أشد مما سبقه . علة ذلك ؟

الجريمة الوقتية والمستمرة . ماهيتهما ومعيار التمييز بينهما ؟

جريمة التعامل في النقد الأجنبي عن غير طريق البنوك والشركات المصرح لها بذلك . مستمرة تخضع لأحكام القانون اللاحق . ولو كانت أشد . علة ذلك ؟

رد سائغ على دفع الطاعنين بعدم انطباق القانون على الواقعة .

(4) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . دفوع " الدفع بعدم جدية التحريات " .

اطمئنان المحكمة إلى جدية التحريات التي بني عليها الإذن وكفايتها لتسويغ إصداره . كفايته رداً على الدفع بعدم جديتها وصدورها عن جريمة مستقبلة .

(5) قانون " تفسيره " . تلبس . نقد . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

المواد 34 و 35 و 46 إجراءات جنائية . مفادها ؟

التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها . مؤدى ذلك ؟

مشاهدة الضابط الطاعن الثاني يبيع النقد الأجنبي للطاعن الأول المأذون بضبطه .
يحقق حالة التلبس بجناية التعامل في نقد أجنبي عن غير طريق البنوك أو الجهات المرخص لها قانوناً التي تبيح القبض عليه وتفتيشه.

(6) نقد . دعوى جنائية " قيود تحريكها " . دفوع " الدفع ببطلان الإجراءات " .

الخطاب الوارد بالمادة 131 من القانون 88 لسنة 2003 بوجوب صدور طلب من محافظ البنك المركزي أو رئيس مجلس الوزراء قبل رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات التحقيق موجه للنيابة العامة . عدم انصرافه إلى غيرها من جهات الاستدلال . علة ذلك ؟

النعي ببطلان إجراءات التحقيق والمحاكمة . غير مقبول . ما دام طلب محافظ البنك المركزي قد صدر قبل مباشرة إجراءات التحقيق في الدعوى .

(7) استجواب . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

النعي باطراح الحكم الدفع ببطلان استجواب الطاعن الأول بتحقيقات النيابة العامة . غير مقبول . ما دام لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد منه .

(8) دفوع " الدفع بتلفيق التهمة " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

اطمئنان المحكمة لأقوال ضابطي الواقعة وصحة تصويرهما لها . المنازعة بشأنه والدفع بكيدية الاتهام وتلفيقه . جدل موضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .

(9) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .

النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها . غير مقبول .

(10) محاماة . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .

قصور الحكم في بيان درجة قيد المحامي بديباجته . لا يعيبه . علة ذلك ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 – لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مفاده أن التحريات السرية التي أجراها الشاهد الأول توصلت إلى قيام الطاعن الأول بالاتجار في النقد الأجنبي خارج السوق المصرفي متخذاً من مسكنه ومحله التجاري مسرحاً لمزاولة نشاطه ، فاستصدر إذناً من محافظ البنك المركزي بطلب اتخاذ إجراءات التحقيق ، وبعرضه على النيابة العامة أذنت له بضبط الطاعن الأول وتفتيش شخصه ومسكنه والمحل التجاري الخاص به ، ونفاذاً للإذن توجه وبصحبته الشاهد الثاني للمحل المأذون بتفتيشه وتمكن من ضبط الطاعن الأول حال تعامله في النقد الأجنبي مع الطاعن الثاني والمحكوم عليه الثالث ، وتم ضبط مبالغ مالية مصرية وأجنبية أورد قدرها ، وبمواجهته للطاعن الأول أقر بواقعة الاتجار كما أقر الطاعن الثاني والمحكوم عليه الثالث بحضورهما للمحل بغرض استبدال وبيع العملات الأجنبية التي ضبطت حوزتهما ، وساق الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعنين أدلة استمدها من أقوال شاهدي الإثبات ، ومن ضبط النقد الأجنبي موضوع الاتهام ، ثم أورد مؤدی کل دليل من هذه الأدلة في بيان وافٍ ، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها ، وجاء استعراضه لتلك الأدلة على نحو يدل على أنه محصها التمحيص الكافي وألم بها إلماماً شاملاً .

2- من المقرر أن جريمة التعامل في النقد الأجنبي على غير الشروط والأوضاع المقررة في القانون طبقا لنص المادة ۱۱۱ من القانون ۸۸ لسنة ۲۰۰۳ يكفي لتحققها وجود النقد الأجنبي والاتفاق على بيعه أو شرائه على خلاف الشروط والأوضاع المقررة في هذه المادة وعن غير طريق المصارف المعتمدة للتعامل في النقد الأجنبي والجهات الأخرى المرخص لها بالتعامل طبقا لأحكام القانون ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن الثاني أنه حضر إلى المحل الخاص بالطاعن الأول بغرض بيع واستبدال العملات الأجنبية بالعملة المحلية والتي تم ضبطها ، فإن في ذلك ما يكفي للتدليل على توافر القصد الجنائي في حق الطاعنين ، فإن ذاك الذي أورده الحكم المطعون فيه - على السياق المتقدم - واضح وكافٍ في بيان واقعة الدعوى - بياناً تتحقق به أركان الجريمة - ، ومؤدى الأدلة التي استند إليها في الإدانة ويتحقق به مراد المشرع الذي استوجبه في المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية ومن ثم تنحسر عن الحكم دعوی القصور في التسبيب في هذا الخصوص .

3- من المقرر قانوناً أن التشريع الجديد يسري على الجريمة المستمرة حتى لو كانت أحكامه أشد مما سبقه لاستمرار ارتكاب الجريمة في ظل الأحكام الجديدة ، وكان الفيصل في التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة هو طبيعة الفعل المادي المكون للجريمة كما عرفه القانون ، سواءً أكان هذا الفعل إيجاباً أو سلباً ، ارتكاباً أو تركاً ، فإذا كانت الجريمة تتم وتنتهي بمجرد إتيان الفعل كانت وقتية ، أما إذا استمرت الحالة الجنائية فترة من الزمن فتكون الجريمة مستمرة طوال هذه الفترة ، والعبرة في الاستمرار هنا هي تدخل إرادة الجاني في الفعل المُعاقب عليه تدخلاً متتابعاً متجدداً ، ولا عبرة بالزمن الذي يسبق هذا الفعل في التهيؤ لارتكابه والاستعداد لمقارفته أو بالزمن الذي يليه والذي تستمر فيه آثاره الجنائية في أعقابه . لما كان ذلك ، وكانت جريمة التعامل في النقد الأجنبي من غير طريق البنوك والشركات المصرح لها بذلك تقوم على فعل إيجابي يتمثل في إرادة المتهم بالتدخل تدخلاً متتابعاً ومتجدداً بتكوين فعل التعامل في النقد الأجنبي من غير طريق البنوك والشركات المصرح لها بذلك والمعاقب عليه ، ومن ثم فإنه يكوّن جريمة مستمرة تخضع ما بقي استمرارها لأحكام القانون اللاحق ولو كانت أحكامه أشد ، وكان الحكم المطعون فيه قد تصدى لدفع الطاعنين بعدم انطباق القانون على الواقعة واطرحه بأسباب قوامها أن واقعة الدعوى تمت بعد نفاذ التشريع الجديد ، وهو ما يكفي رداً على هذا الدفع .

4- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات ولصدوره عن جريمة مستقبلة ، واطرحه تأسيساً على اطمئنان المحكمة إلى جدية التحريات التي بني عليها الإذن وكفايتها لتسويغ إصداره عن جريمة تحقق وقوعها بالفعل من الطاعن لا لضبط جريمة مستقبلة ، وهو من الحكم رد كافٍ وسائغ ويتفق وصحيح القانون ، ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الشأن يكون غير مقترن بالصواب .

5 - لما كانت المادتان 34 ، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتان بالقانون رقم 37 لسنة ۱۹۷۲ ، قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه ، وكانت المادة 46 من القانون ذاته تجيز تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً ، وكان التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها مما يبيح لمأمور الضبط القضائي الذي شاهد وقوعها أن يقبض على المتهم الذي تقوم دلائل كافية على ارتكابه لها وأن يجري تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة ، وكان الحال في الدعوى المطروحة - كما ورد بمدونات الحكم المطعون فيه - أنه حال قيام ضابط الواقعة بتنفيذ الإذن الصادر له بضبط وتفتيش شخص الطاعن الأول تبين تواجد الطاعن الثاني وقد شاهده وهو يقوم ببيع النقد الأجنبي للطاعن الأول ، فإنه قد تحققت حالة التلبس بجناية التعامل في النقد الأجنبي عن غير طريق المصارف المعتمدة للتعامل فيه أو الجهات المرخص لها في ذلك قانوناً والمعاقب عليها بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه أو المبلغ المالي محل الجريمة أيهما أكبر ، كما توافرت الدلائل الكافية على ارتكاب الطاعن الثاني لها ، وتكون إجراءات القبض عليه وتفتيشه التي باشرها مأمور الضبط القضائي - من بعد - قد اتسمت بالمشروعية ويصح لذلك أخذ الطاعن بنتيجتها ، ويكون منعى الطاعن الثاني في هذا الشأن غير مقبول.

6- لما كانت المادة 131 من القانون رقم 88 لسنة ۲۰۰۳ بشأن إصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد قد نصت على أنه : " لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق المنصوص عليها في هذا القانون الصادر تنفيذاً له وفي المادتين 116 مكرراً و116 مكرراً " أ " من قانون العقوبات في نطاق تطبيق أحكام هذا القانون إلا بناء على طلب من محافظ البنك المركزي أو طلب من رئيس مجلس الوزراء " ، وكان الخطاب في هذه المادة - وعلى ما استقر عليه قضاء النقض - موجهاً من الشارع إلى النيابة العامة بوصفها السلطة صاحبة الولاية في الدعوى باعتبار أن أحوال الطلب كغيرها من أحوال الشكوى والإذن إنما هي قيود على حريتها في تحريك الدعوى استثناءً من الأصل المقرر من أن حقها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا بنص خاص يؤخذ في تفسيره بالتضييق ، ولا ينصرف فيه الخطاب إلى غيرها من جهات الاستدلال ، وكان الثابت من الاطلاع على المفردات - خلافاً لما يزعمه الطاعن الأول - أن طلب محافظ البنك المركزي قد صدر بتاريخ .... قبل مباشرة النيابة العامة لإجراءات التحقيق ، ومن ثم يكون منعى الطاعن الأول في هذا الشأن غير قويم .

7- لما كان لا جدوى من النعي على الحكم بالقصور في الرد على الدفع ببطلان استجواب الطاعن الأول بتحقيقات النيابة العامة ما دام البين من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أنه لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من الاستجواب المدعي ببطلانه .

8- لما كانت المحكمة قد اطمأنت - في نطاق سلطتها التقديرية – إلى أقوال ضابطي الواقعة وصحة تصويرهما لها ، فإن ما يثيره الطاعنان من منازعة في هذا الصدد والقول بكيدية الاتهام وتلفيقه محض جدل في تقدير الدليل الذي تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ، ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .

9- لما كان الثابت من محضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين أو المدافع عنهما لم يطلبا إلى المحكمة سماع شاهدي الإثبات ، ومن ثم فلا يُقبل - من بعد – النعي عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولا ترى هي من جانبها حاجة لإجرائه .

10- من المقرر أن قصور الحكم في بيان درجة قيد المحامي الحاضر مع الطاعن بديباجته لا يعيبه لأنه خارج عن دائرة استدلاله ، كما أن القانون لم يتضمن نصاً يوجب ذكر هذا البيــــــان في محاضر الجلسات ، وكان الطاعن الثاني لم يدّع أن المحامي الذي تولى الدفاع عنه أمام محكمة الجنايات غير مقبول للمرافعة أمامها ، ومن ثم فإن منعاه في هذا الصدد يكون غير مقبول .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم :

قاموا بعمل من أعمال البنوك بأن تعاملوا داخلياً في النقد الأجنبي من غير طريق البنوك المعتمدة أو شركات الصرافة أو الجهات المرخص لها .

وأحالتهم لمحكمة جنايات .... الاقتصادية لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 106 ، 111/1 ، 114/1 ،  126 / 1 ، 129 من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة ۲۰۰۳ والمعدل بالقانون رقم 66 لسنة 2016 ، مع تطبيق المواد ۱۷ ، 55 ، 56 من قانون العقوبات بمعاقبة .... ، .... ، .... بالحبس لمدة ستة أشهر، وبتغريمهم مبلغ مليون جنيه ومصادرة العملات والأدوات المضبوطة وأمرت بإيقاف تنفيذ عقوبتي الحبس والغرامة بالنسبة للمحكوم عليه الثالث .

فطعن المحكوم عليهما الأول والثاني في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

ومن حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة التعامل في النقد الأجنبي من غير طريق البنوك والشركات المصرح لها بذلك ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والبطلان ، والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه أفرغ في عبارات عامة مجملة لا يبين منها واقعة الدعوى بياناً تتحقق به أركان الجريمة المار بيانها ، واطرح بما لا يصلح دفاعهما القائم على عدم سريان القانون رقم 66 لسنة 2016 على الواقعة لصدوره في تاريخ لاحق على حدوثها ، وببطلان إذن النيابة العامة بالقبض والتفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية ولصدوره عن جريمة مستقبلية ، وببطلان هذين الإجراءين بالنسبة للطاعن الثاني لانتفاء حالة التلبس ، وببطلان إجراءات التحقيق والمحاكمة لحصولهما دون الحصول على إذن من السلطة المختصة ، وببطلان تحقيقات النيابة العامة لعدم حضور محام مع الطاعن الأول أمامها ، وبكيدية الاتهام وتلفيقه ، وعول على أقوال ضابطي الواقعة رغم عدم معقوليتها ، وعدم إثبات مأمورية الضبط  بدفتر الأحوال ، ولم تجبهما المحكمة لطلب سماع الشاهدين المار ذكرهما ، وخلا الحكم ومحضر الجلسة من إثبات قيد المحامي الذي ترافع عن الطاعن الثاني للتحقق من أنه مقبول للمرافعة أمام محكمة الجنايات ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مفاده أن التحريات السرية التي أجراها الشاهد الأول توصلت إلى قيام الطاعن الأول بالاتجار في النقد الأجنبي خارج السوق المصرفي متخذاً من مسكنه ومحله التجاري مسرحاً لمزاولة نشاطه ، فاستصدر إذناً من محافظ البنك المركزي بطلب اتخاذ إجراءات التحقيق ، وبعرضه على النيابة العامة أذنت له بضبط الطاعن الأول وتفتيش شخصه ومسكنه والمحل التجاري الخاص به ، ونفاذاً للإذن توجه وبصحبته الشاهد الثاني للمحل المأذون بتفتيشه وتمكن من ضبط الطاعن الأول حال تعامله في النقد الأجنبي مع الطاعن الثاني والمحكوم عليه الثالث ، وتم ضبط مبالغ مالية مصرية وأجنبية أورد قدرها ، وبمواجهته للطاعن الأول أقر بواقعة الاتجار كما أقر الطاعن الثاني والمحكوم عليه الثالث بحضورهما للمحل بغرض استبدال وبيع العملات الأجنبية التي ضبطت حوزتهما ، وساق الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعنين أدلة استمدها من أقوال شاهدي الإثبات ، ومن ضبط النقد الأجنبي موضوع الاتهام ، ثم أورد مؤدی کل دليل من هذه الأدلة في بيان وافٍ ، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها ، وجاء استعراضه لتلك الأدلة على نحو يدل على أنه محصها التمحيص الكافي وألم بها إلماماً شاملاً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن جريمة التعامل في النقد الأجنبي على غير الشروط والأوضاع المقررة في القانون طبقاً لنص المادة ۱۱۱ من القانون ۸۸ لسنة ۲۰۰۳ يكفي لتحققها وجود النقد الأجنبي والاتفاق على بيعه أو شرائه على خلاف الشروط والأوضاع المقررة في هذه المادة وعن غير طريق المصارف المعتمدة للتعامل في النقد الأجنبي والجهات الأخرى المرخص لها بالتعامل طبقا لأحكام القانون ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن الثاني أنه حضر إلى المحل الخاص بالطاعن الأول بغرض بيع واستبدال العملات الأجنبية بالعملة المحلية والتي تم ضبطها ، فإن في ذلك ما يكفي للتدليل على توافر القصد الجنائي في حق الطاعنين ، فإن ذاك الذي أثبته الحكم المطعون فيه - على السياق المتقدم - واضح وكافٍ في بيان واقعة الدعوى بياناً تتحقق به أركان الجريمة ومؤدى الأدلة التي استند إليها في الإدانة ، ويتحقق به مراد المشرع الذي استوجبه في المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية ، ومن ثم تنحسر عن الحكم دعوی القصور في التسبيب في هذا الخصوص . لما كان ذلك ، وكان من المقرر قانوناً أن التشريع الجديد يسري على الجريمة المستمرة حتى لو كانت أحكامه أشد مما سبقه لاستمرار ارتكاب الجريمة في ظل الأحكام الجديدة ، وكان الفيصل في التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة هو طبيعة الفعل المادي المكون للجريمة كما عرفه القانون ، سواءً أكان هذا الفعل إيجاباً أو سلباً ، ارتكاباً أو تركاً ، فإذا كانت الجريمة تتم وتنتهي بمجرد إتيان الفعل كانت وقتية ، أما إذا استمرت الحالة الجنائية فترة من الزمن فتكون الجريمة مستمرة طوال هذه الفترة ، والعبرة في الاستمرار هنا هي تدخل إرادة الجاني في الفعل المُعاقب عليه تدخلاً متتابعاً متجدداً ، ولا عبرة بالزمن الذي يسبق هذا الفعل في التهيؤ لارتكابه والاستعداد لمقارفته أو بالزمن الذي يليه والذي تستمر فيه آثاره الجنائية في أعقابه . لما كان ذلك ، وكانت جريمة التعامل في النقد الأجنبي من غير طريق البنوك والشركات المصرح لها بذلك تقوم على فعل إيجابي يتمثل في إرادة المتهم بالتدخل تدخلاً متتابعاً ومتجدداً بتكوين فعل التعامل في النقد الأجنبي من غير طريق البنوك والشركات المصرح لها بذلك والمعاقب عليه ، ومن ثم فإنه يكوّن جريمة مستمرة تخضع ما بقي استمرارها لأحكام القانون اللاحق ولو كانت أحكامه أشد ، وكان الحكم المطعون فيه قد تصدى لدفع الطاعنين بعدم انطباق القانون على الواقعة واطرحه بأسباب قوامها أن واقعة الدعوى تمت بعد نفاذ التشريع الجديد ، وهو ما يكفي رداً على هذا الدفع . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات ولصدوره عن جريمة مستقبلة ، واطرحه تأسيساً على اطمئنان المحكمة إلى جدية التحريات التي بني عليها الإذن وكفايتها لتسويغ إصداره عن جريمة تحقق وقوعها بالفعل من الطاعن لا لضبط جريمة مستقبلة ، وهو من الحكم رد كافٍ وسائغ ويتفق وصحيح القانون ، ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الشأن يكون غير مقترن بالصواب . لما كان ذلك ، وكانت المادتان 34 ، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتان بالقانون رقم 37 لسنة ۱۹۷۲ ، قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه ، وكانت المادة 46 من القانون ذاته تجيز تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً ، وكان التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها مما يبيح لمأمور الضبط القضائي الذي شاهد وقوعها أن يقبض على المتهم الذي تقوم دلائل كافية على ارتكابه لها وأن يجري تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة ، وكان الحال في الدعوى المطروحة - كما ورد بمدونات الحكم المطعون فيه - أنه حال قيام ضابط الواقعة بتنفيذ الإذن الصادر له بضبط وتفتيش شخص الطاعن الأول تبين تواجد الطاعن الثاني وقد شاهده وهو يقوم ببيع النقد الأجنبي للطاعن الأول ، فإنه قد تحققت حالة التلبس بجناية التعامل في النقد الأجنبي عن غير طريق المصارف المعتمدة للتعامل فيه أو الجهات المرخص لها في ذلك قانوناً والمعاقب عليها بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه أو المبلغ المالي محل الجريمة أيهما أكبر ، كما توافرت الدلائل الكافية على ارتكاب الطاعن الثاني لها ، وتكون إجراءات القبض عليه وتفتيشه التي باشرها مأمور الضبط القضائي - من بعد - قد اتسمت بالمشروعية ويصح لذلك أخذ الطاعن بنتيجتها ، ويكون منعى الطاعن الثاني في هذا الشأن غير مقبول . لما كان ذلك ، وكانت المادة 131 من القانون رقم 88 لسنة ۲۰۰۳ بشأن إصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد قد نصت على أنه : " لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق المنصوص عليها في هذا القانون الصادر تنفيذاً له وفي المادتين 116 مكرراً و116 مكرراً "أ" من قانون العقوبات في نطاق تطبيق أحكام هذا القانون إلا بناء على طلب من محافظ البنك المركزي أو طلب من رئيس مجلس الوزراء " ، وكان الخطاب في هذه المادة - وعلى ما استقر عليه قضاء النقض - موجهاً من الشارع إلى النيابة العامة بوصفها السلطة صاحبة الولاية في الدعوى باعتبار أن أحوال الطلب كغيرها من أحوال الشكوى والإذن إنما هي قيود على حريتها في تحريك الدعوى استثناءً من الأصل المقرر من أن حقها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا بنص خاص يؤخذ في تفسيره بالتضييق ، ولا ينصرف فيه الخطاب إلى غيرها من جهات الاستدلال ، وكان الثابت من الاطلاع على المفردات - خلافاً لما يزعمه الطاعن الأول - أن طلب محافظ البنك المركزي قد صدر بتاريخ .... قبل مباشرة النيابة العامة لإجراءات التحقيق ، ومن ثم يكون منعى الطاعن الأول في هذا الشأن غير قويم . لما كان ذلك ، وكان لا جدوى من النعي على الحكم بالقصور في الرد على الدفع ببطلان استجواب الطاعن الأول بتحقيقات النيابة العامة ما دام البين من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أنه لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من الاستجواب المدعي ببطلانه . لما كان ذلك ، وكانت المحكمة قد اطمأنت - في نطاق سلطتها التقديرية – إلى أقوال ضابطي الواقعة وصحة تصويرهما لها ، فإن ما يثيره الطاعنان من منازعة في هذا الصدد والقول بكيدية الاتهام وتلفيقه محض جدل في تقدير الدليل الذي تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ، ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الثابت من محضر جلسات المحاكمة أن الطاعنيـــن أو المدافع عنهما لم يطلبا إلى المحكمة سماع شاهدي الإثبات ، ومن ثم فلا يُقبل - من بعد – النعي عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولا ترى هي من جانبها حاجة لإجرائه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن قصور الحكم في بيان درجة قيد المحامي الحاضر مع الطاعن بديباجته لا يعيبه لأنه خارج عن دائرة استدلاله ، كما أن القانون لم يتضمن نصاً يوجب ذكر هذا البيان في محاضر الجلسات ، وكان الطاعن الثاني لم يدّع أن المحامي الذي تولى الدفاع عنه أمام محكمة الجنايات غير مقبول للمرافعة أمامها ، ومن ثم فإن منعاه في هذا الصدد يكون غير مقبول . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ، متعيناً رفضه موضوعاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق