الصفحات

السبت، 23 سبتمبر 2023

الطعن 850 لسنة 4 ق جلسة 6/ 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 122 ص 1386

جلسة 6 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

----------------

(122)

القضية رقم 850 لسنة 4 القضائية

موظف مؤقت 

- وقفه عن العمل - من اختصاص وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه دون مجلس التأديب - تقرير مجلس التأديب وقف موظف مؤقت عن عمله مع عدم صرف مرتبه عن مدة الوقف - باطل - لا محل مع ذلك للحكم بإلغائه متى كان وكيل الوزارة المختص قد أقر ذلك.

-----------------
إذا تبين أن المدعي بوصفه مستخدماً مؤقتاً معيناً على وظيفة مؤقتة إنما تنطبق في حقه - بحكم المادة 26 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - الشروط الواردة بصيغة عقد الاستخدام التي وافق عليها مجلس الوزراء بقراره الصادر بجلسة 31 من ديسمبر سنة 1952 فيما يتعلق بتوظيفه وتأديبه وفصله، فإنه طبقاً للمادة الخامسة من شروط هذا العقد يكون لوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه سلطة وقف المستخدم عن العمل احتياطياً، ويترتب على الوقف عدم صرف المرتب، ما لم يقرر أحدهما صرفه كله أو بعضه؛ وبناء على هذا يكون مجلس التأديب الابتدائي لموظفي وزارة التربية والتعليم غير مختص بالنظر في وقف المدعي عن عمله أو مجازاته تأديبياً، بل المختص بذلك هو وكيل الوزارة. على أنه لما كان هذا الأخير قد أقر وقف المذكور، ولم يقرر صرف مرتبه إليه عن مدة وقفه، بل استصدر قراراً وزارياً بفصله من الخدمة، فإن طلب المدعي إلغاء القرار الصادر من مجلس التأديب بوقفه عن العمل يكون على غير أساس سليم من القانون.


إجراءات الطعن

في 11 من أغسطس سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 850 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي بجلسة 12 من يونيه سنة 1958 في الدعوى رقم 184 لسنة 4 القضائية المقامة من: مهدي أحمد عثمان ضد وزارة التربية والتعليم، القاضي "بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 10 من يوليه سنة 1956 بفصل المدعي من الخدمة، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الجهة الإدارية المصاريف ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة التربية والتعليم في 15 من أكتوبر سنة 1958، وإلى المطعون عليه في 20 منه، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 25 من إبريل سنة 1959. وفي 18 من فبراير سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.



المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 478 لسنة 3 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم ومنطقة القناة التعليمية أمام المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 28 من يونيه سنة 1956 طلب فيها الحكم قبل المدعى عليهما متضامنين "أولاً : بوقف تنفيذ القرار الصادر بوقف الطالب عن عمله اعتباراً من 13 من يوليه سنة 1953. ثانياً: بإلغاء هذا القرار بكافة مشتملاته وأجرائه واعتباره كأن لم يكن، مع ما يترتب على ذلك من آثار. ثالثاً: إلزام المعلن إليهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وذكر بياناً لدعواه أنه موظف بمنطقة القناة التعليمية، وقد عرّضه جده وأمانته وحرصه على المصلحة العامة إلى سخط بعض ذوي الأعراض الشخصية، فكان هدفاً لشكاوى كيدية قدمت ضده وأجريت فيها تحقيقات انتهت ببراءته وحفظ هذه الشكاوى. إلا أن الشكاوى جددت ضده، فقامت إدارة التحقيقات بندب أحد مفتشيها للتحقيق؛ وعندئذ أحس بجو من التحامل يسود التحقيق، فلما لجأ إلى إدارة التحقيقات مطالباً بندب محقق آخر استصدرت الإدارة أمراً بوقفه عن عمله بالمنطقة اعتباراً من 13 من يوليه سنة 1953، ثم أحالت الأوراق إلى نيابة بور سعيد للتحقيق. وبعد ذلك عرضت أمر استمرار وقفه عن العمل على مجلس التأديب بجلسة 23 من سبتمبر سنة 1953، ثم بجلسة 27 من أكتوبر سنة 1953؛ حيث قرر المجلس استمرار وقفه لمدة ثلاثة أشهر أخرى ابتداء من 14 من أكتوبر سنة 1953؛ وذلك طبقاً لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة ولائحته التنفيذية. وقد باشرت نيابة بور سعيد التحقيق، ثم حررت مذكرة أبانت فيها أنه بريء، ورفعتها مع أوراق التحقيق إلى المحامي العام، طالبة حفظ التحقيقات وقيد الموضوع شكوى إدارية، فأصدر قراره بالموافقة على ذلك، وقيدت الأوراق شكوى إدارية برقم 134 لسنة 1955 إداري قسم ثان بور سعيد، وأبلغت منطقة القناة التعليمية بهذا القرار للعلم به والعمل بمقتضاه، فقامت بدورها بإبلاغه إلى الوزارة، وكان طبعياً - والحالة هذه - أن تبادر الوزارة بإنصاف المدعي برفع وقفه عن العمل وصرف مرتبه إليه عن مدة الوقف ولكنها لم تفعل، مع أن قرار الوقف هو قرار مؤقت لحين إتمام التحقيق الذي انتهى منذ بضعة أشهر ولا يزال الوقف قائماً، وكان يتعين وفقاً لأحكام قانون نظام موظفي الدولة عودته إلى عمله من اليوم التالي لانقضاء الثلاثة الأشهر التي امتد إليها وقفه بقرار من مجلس التأديب؛ ومن ثم فإن استمرار وقفه زهاء ثمانية أشهر دون عرض أمره على المجلس المذكور ينطوي على إهدار لأحكام القانون المشار إليه ولائحته التنفيذية، ويكون قد وقع مشوباً بالبطلان وأصبح عديم الأثر؛ مما يتعين معه إلغاؤه لمخالفته للقانون، هذا فضلاً عما شابه من إساءة استعمال السلطة بإصرار الوزارة على موقفها حتى مضت على المدعي أربع سنوات وهو موقوف عن عمله ومحروم من راتبه على الرغم من أن قرار النيابة العامة بحفظ التحقيق جاء قاطعاً في عدم صحة ما نسب إليه، ومن زوال الأسباب التي دعت إلى إصدار قرار الوقف بناء على ذلك، ومن أنه تظلم إدارياً إلى السيد وزير التربية والتعليم في 12 من إبريل سنة 1956 من هذا الوضع طالباً إلغاء قرار وقفه دون جدوى.
ومن حيث إن الجهة الإدارية أجابت عن هذه الدعوى بتقديم مذكرة إدارة الشئون القانونية بوزارة التربية والتعليم المؤرخة 11 من مارس سنة 1956 التي تضمنت أنه في 30 من مارس سنة 1953 قرر السيد وكيل الوزارة إحالة المدعي، الكاتب بقلم التعليم الحر بمنطقة القناة التعليمية ببور سعيد، إلى مجلس التأديب لتسببه في تأخير خطاب مراعاة لصالح أحد أصحاب المدارس الحرة وهو محمد خليل بدرة، مدير مدارس النهضة بالسويس، وقد عاصر ارتكب هذه المخالفة أن أسندت إلى المدعي تهم أخذ رشوة من مدرسات روضة العصفوري الخاصة؛ إذ اعترفت المدرسات بأنهن أعطينه خمسة جنيهات في منتصف عام 1951، كما تبين أن هناك اتهامين آخرين ضده بالرشوة: الأول من محمد أحمد غنيم بملف التحقيق رقم 10911، وقد حفظ لعدم كفاية الأدلة، والثاني من محمد فوزي البرعي بملف التحقيق رقم 11818. وإزاء كل هذا وإزاء اعترافات المدرسات الصريح ضده رأت الوزارة وقفه عن العمل اعتباراً من 14 من يوليه سنة 1953 وإحالة الموضوعات الخاصة به إلى نيابة بور سعيد الجزئية للتحقيق معه، وقد تم ذلك فعلاً. وتطبيقاً للقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة ولائحته التنفيذية عرض أمره على مجلس التأديب، فقرر بجلسته المنعقدة في 22 من سبتمبر سنة 1953 عدم صرف مرتبه عن مدة الوقف مع مراعاة إعادة عرض أمر استمرار وقفه عن العمل على المجلس قبل مضي المدة المقررة قانوناً إذا اقتضى الأمر استمرار هذا الوقف. وفي 18 من أكتوبر سنة 1953 رأت مراقبة التحقيقات أن الأسباب الداعية لوقفه لا تزال قائمة؛ لأن تحقيق النيابة لا يزال جارياً لم يتم التصرف فيه. وعلى هذا عرض الموضوع ثانية على مجلس التأديب المنعقد في 27 من أكتوبر سنة 1953، فقرر استمرار وقف هذا الموظف لمدة ثلاثة أشهر أخرى ابتداء من 14 من أكتوبر سنة 1953، مع عدم صرف مرتبه خلال مدة الوقف. وبعرض الأمر على المجلس بجلسته المنعقدة في 22 من فبراير سنة 1954 قرر استمرار وقفه حتى 16 من مارس سنة 1954. وفي 13 من إبريل سنة 1954 مثل المذكور أمام المجلس الذي قرر استمرار وقفه عن العمل حتى تنتهي إجراءات محاكمته الجنائية، مع الاستمرار في وقف صرف مرتبه عن مدة الوقف بأكملها، وقد تلي عليه هذا القرار ووقع بعلمه به. وفي 14 من ديسمبر سنة 1954 وافق السيد وكيل الوزارة على إضافة تهمة الرشوة إلى تلك التي تقرر إحالة المدعي من أجلها إلى مجلس التأديب لكي ينظرها المجلس نظرة شاملة، كما وافق في 15 من يناير سنة 1955 على إضافة تهمة أخرى أسفر فيها التحقيق في الملف رقم 15087 عم مسئوليته هو ومحمود عبد السلام أبو زيد الكاتب بمنطقة القناة التعليمية في تعيين الشيخ محمد صادق محمد سليمان بمدرسة العصفوري للبنات، دون أن يقدم مسوغات تعيينه وصرف مرتبه له دون استيفاء هذه الإجراءات، مع ما في ذلك من مخالفة للتعليمات، ومع ما ظهر من أن المدرس المذكور سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية. والاطلاع على أوراق الشكوى رقم 134 لسنة 1955 إداري قسم ثان بور سعيد تبين أن السيد المحامي العام وافق في 4 من سبتمبر سنة 1955 على حفظ الشكوى إدارياً مع مخابرة الجهة الإدارية التابع لها المدعي لإقصائه عن عمله ونقله إلى جهة أخرى. وقد وردت لإدارة الشئون القانونية أوراق التحقيق الذي أجراه التفتيش الإداري بمنطقة القناة التعليمية في شكوى إبراهيم عطية أبى خفرة المدرس بمدرسة النجاح الابتدائية بالإسماعيلية بخصوص نقص مرتبه 182 مليماً شهرياً ابتداء من نوفمبر سنة 1950 حتى يناير سنة 1952، ولما كان هذا التحقيق قد كشف عن مسئولية المدعي في ذلك؛ لأنه تسلم المذكرة الخاصة بهذا الموضوع ولم يتخذ في شأنها أي إجراء ولم يستطع إثبات تسليمها لموظف مختص بالذات، فقد اقترح المفتش الإداري ضم هذه الشكوى إلى الأوراق التي أحيل من أجلها المدعي إلى مجلس التأديب، ووافقت منطقة القناة على ذلك؛ وإذ كان المذكور مستخدماً مؤقتاً في الدرجة التاسعة الكتابية المؤقتة بمرتب شهري قدره خمسة جنيهات رفعت إلى ستة من أول يوليه سنة 1952 تنفيذاً للقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، ويحكمه كتاب ديوان الموظفين الدوري رقم 6 لسنة 1953، على الرغم من عدم توقيعه على عقد الاستخدام المنصوص عليه في هذا الكتاب، إذ أن العلاقة بين الحكومة وموظفيها هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح ولو اتخذت شكل عقود، فإنه تنطبق عليه الشروط الواردة بصيغة العقد المنوه عنه بقرار مجلس الوزراء الصادر في 31 من ديسمبر سنة 1952، ولو لم يوقع على هذا العقد من أحد؛ ومن ثم فإن مجلس التأديب الابتدائي لموظفي الوزارة يكون غير مختص بالنظر في أمره، وتكون لوكيل الوزارة سلطة توقيع العقوبة التأديبية المناسبة عليه بحكم المادة الخامسة من العقد المشار إليه، وإذا ما رؤى عزله من الوظيفة فإن هذه العقوبة تكون من سلطة الوزير. وقد رفع السيد وكيل الوزارة المساعد في 26 من يونيه سنة 1956 إلى السيد الوزير مذكرة سرد فيها الوقائع المتقدمة، وأوضح أنه تبين أن المدعي تمتنع محاكمته تأديبياً أمام مجلس التأديب، وذلك بالتطبيق للمادة 26 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، وأن الاتهامات التي أسندت إليه لا تفتقر إلى إقامة الدليل على إدانته، وكلها أمور تجعله غير جدير بالانتماء إلى طائفة الموظفين العموميين، وأن القدر المتيقن فيما أسهم به في التهمة المنسوبة إليه هو قيامه بتحرير الاستمارة 50 "ع. ح." بمرتب أحد المدرسين دون استيفائه مسوغات التعيين؛ الأمر الذي يدعو إلى مساءلته. وخلص السيد وكيل الوزارة المساعد من هذا إلى التوصية بغزل المدعي من الخدمة لما قام ضده من اتهامات. وفي 4 من يوليه سنة 1956 رفع السيد وكيل الوزارة الدائم إلى السيد الوزير مذكرة ضمنها بيان المخالفات التي ارتكبها المدعي، كما تستخلص من مذكرة إدارة الشئون القانونية المؤرخة 11 من يوليه سنة 1956 ومن أوراق التحقيقات، وتتحصل في أنه: 1 - تسبب في تأخير خطاب مراعاة لصالح أحد أصحاب المدارس الحرة بقصد جلب نفع له. 2 - اتهم بقبول رشوة من المدعو محمد أحمد غنيم، وحفظ التحقيق لعدم كفاية الأدلة. 3 - اتهم بقبول رشوة من بعض مدرسات مدرسة العصفوري ومن السيد محمد فوزي البرعي، وقد انتهت فيها نيابة بور سعيد إلى حفظ الشكوى إدارياً مع مخابرة الجهة الإدارية التابع لها هو وآخر لإقصائهما عن عملهما ونقلهما إلى جهة أخرى. 4 - خالف التعليمات المالية بالاشتراك مع آخر يعمل كاتباً بمنطقة القناة في تعيين الشيخ محمد صادق محمد سليمان بمدرسة العصفوري للبنات دون أن يقدم مسوغات تعيينه، وصرف له مرتبه دون استيفاء هذه الإجراءات، وقد ظهر أن المذكور سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية. 5 - أهمل إهمالاً ترتب عليه نقص مرتب السيد/ إبراهيم عطية أبى خفرة المدرس بمدرسة النجاح الابتدائية بالإسماعيلية. ونظراً إلى أن المدعي سبق إحالته إلى مجلس التأديب في 30 من مارس سنة 1953 لمحاكمته على ما نسب إليه في البند رقم (1)، ثم أضيف إلى هذا الاتهام الاتهامات الأخرى السالف ذكرها، وهو موقوف عن عمله منذ 14 من يوليه سنة 1953، ومقيد على الدرجة التاسعة المؤقتة، فيكون مجلس التأديب الابتدائي غير مختص بالنظر في أمره، بل يحكمه كتاب ديوان الموظفين الدوري رقم 6 لسنة 1953. ولما كان ما نسب إلى المستخدم المذكور من اتهامات تجعل من المصلحة بتره من محيط الوظيفة، وأخذاً بالأسباب التي استندت إليها مذكرة السيد وكيل الوزارة المساعد للشئون المالية والإدارية، فقد رأى السيد وكيل الوزارة الدائم عزل المدعي الكاتب من الدرجة التاسعة الكتابية بمنطقة القناة التعليمية من الخدمة، ووافق السيد الوزير على ذلك بتأشيرة مؤرخة 10 من يوليه سنة 1956.
ومن حيث إن المدعي أقام الدعوى رقم 184 لسنة 4 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم أمام المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 24 من يناير سنة 1957 طلب فيها الحكم "أولاً: بإلغاء القرار الصادر بفصل الطالب المؤرخ 16 من يوليه سنة 1956 والذي أبلغ للطالب واستلمه في 2 من سبتمبر سنة 1956 بكافة مشتملاته وأجزائه واعتباره كأن لم يكن. ثانياً: إلزام المعلن إليه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". ونعى على هذا القرار صدوره مخالفاً للقانون ومشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة؛ مستنداً في هذا إلى ما سبق أن أبداه في دعواه الأولى رقم 478 لسنة 3 القضائية وما أورده فيها من وقائع وأسباب، وأضاف إلى ذلك أنه بريء مما نسب إليه في التهمة الأولى من أنه تسبب في تأخير خطاب لصالح أحد أصحاب المدارس الحرة، وهو السيد/ محمد خليل بدرة مدير مدارس النهضة بالسويس بقصد جلب نفع له؛ إذ الثابت من التحقيقات أن هذا الأخير كان قد تقدم إلى الوزارة طالباً ندب السيد/ عبد المنعم يوسف ناظراً لمدرسته، ثم تبين أموراً تشين الناظر المذكور، فأخطر الوزارة في أول ديسمبر سنة 1952 بعدوله عن طلب ندبه وطلب ترشيح غيره، بيد أن الوزارة كانت فد وافقت في 28 من نوفمبر سنة 1952 على ندب السيد/ عبد العزيز يوسف ناظراً للمدرسة، إلا أن خطابها بندب هذا الناظر لم يصل إلى المنطقة إلا في 10 من ديسمبر سنة 1952. ولما كان السيد/ محمد خليل بدرة قد أبلغ الوزارة بعدوله قبل ورود كتاب الوزارة بعشرة أيام فلا وجه للقول بأن المدعي تسبب في تأخير هذا الكتاب بقصد جلب نفع للمذكور، كما أن التحقيقات لم تبين وجه هذا النفع. وإذ استند قرار الفصل إلى هذا السبب فإنه يكون قد قام على وقائع غير صحيحة مما يعيبه ويجعله جديراً بالإلغاء. أما التهمة الثانية الخاصة بقبوله الرشوة سواء من محمد أحمد غنيم التي حفظ فيها التحقيق لعدم كفاية الأدلة، أو من مدرسات مدرسة العصفوري ومن محمد فوزي البرعي التي حفظت إدارياً مع مخابرة الجهة الإدارية التابع لها المشكو لإقصائه عن عمله ونقله إلى جهة أخرى - فقد فندتها النيابة العامة في مذكرتين أوضحت فيهما عدم صحة هذه الادعاءات واختلاقها بقصد التشهير، وما كان للوزارة - والحالة هذه - أن تستند إليها كسبب من الأسباب التي دعت إلى فصله. وأما التهمة الثالثة، وهي مخالفته للتعليمات المالية بالاشتراك مع آخر في تعيين الشيخ محمد صادق محمد سليمان بمدرسة العصفوري للبنات دون أن يقدم مسوغات تعيينه وصرف مرتبه له دون استيفاء هذه الإجراءات مع أنه سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية، فقد قامت إدارة التحقيقات بالتحقيق في هذا الموضوع، وتبين منه أن التعيين إنما جاء عن طريق السيد المراقب العام لتعليم البنات الذي أشر على الطلب بتعيين هذا المدرس، وأن مسوغات التعيين كانت قد سلمت إلى رئيس المستخدمين بمنطقة القناة، وإذا كانت ثمة مخالفات قد وقعت فإنما ارتكبها رؤساء المدعي دونه. وقد قام المدرس المذكور بالعمل فعلاً بناء على خطاب المنطقة وتأشيرة السيد المراقب العام الذي أعفاه من الكشف الطبي، وقد كان هذا المدرس يحصل على راتبه بأذونات صرف مؤقتة صادرة وموقعة من السيد المراقب العام لمنطقة القناة التعليمية. أما كونه سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية فمردود بما قررته إدارة التحقيقات ذاتها من أن العقوبة قد سقطت ورد اعتباره قانوناً؛ بحيث لم يصبح لها أثر على وظيفته الحالية. وأما التهمة الرابعة، وهي إهماله إهمالاً ترتب عليه نقص مرتب إبراهيم عطية أبي خفرة المدرس بمدرسة النجاح الابتدائية بالإسماعيلية، فقد مضى على هذه الواقعة أكثر من ثلاث سنوات، وقد قامت مدرسة النهضة الابتدائية بالسويس بإرسال المكاتبة رقم 255 ق 12 من مايو سنة 1952 إلى منطقة القناة لصرف المبلغ السابق استقطاعه من مرتب المدرس المذكور. وإذا كانت المخالفة المنسوبة إلى المدعي هي أنه لم يتخذ أي إجراء في شأن هذه المكاتبة، فإنه قد أوضح قد التحقيق أنه قام بتسلم المكاتبة المشار إليها وتسليمها إلى الموظف المسئول، وإن لم يستطع تحديد اسمه لبعد عهد هذه الواقعة ووقفه عن عمله فجأة وعدم تمكينه من الاطلاع على الأوراق التي كانت في عهدته. ومن هذا كله يخلص أن القرار المطعون فيه الصادر بفصله من وظيفته هو قرار مجانب للصواب ومخالف للقانون، وقد تظلم منه إدارياً إلى السيد وزير التربية والتعليم في 27 من سبتمبر سنة 1956، إلا أن الوزارة لم تجب عن تظلمه بشيء.
ومن حيث إن السيد مفوض الدولة قدم للمحكمة الإدارية تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه - للأسباب التي أبداها - إلى أنه يرى "قبول الدعوى شكلاً، وإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام الوزارة بالمصروفات".
ومن حيث إنه بجلسة أول مايو سنة 1956 قررت المحكمة الإدارية ضم الدعوى رقم 478 لسنة 3 القضائية إلى الدعوى رقم 184 لسنة 4 القضائية للفصل فيهما بحكم واحد، وبجلسة 12 من يونيه سنة 1958 قضت "بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 10 من يوليه سنة 1956 بفصل المدعي من الخدمة، وما ترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الجهة الإدارية المصاريف ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالطلب الأول للمدعي، الخاص بإلغاء القرار الصادر بوقفه عن العمل وما ترتب عليه من آثار، على أن القاعدة هي حرمان الموظف من مرتبه خلال مدة الوقف ما لم يقرر مجلس التأديب صرف المرتب كله أو بعضه، ولما كان مجلس التأديب لم يصدر قراراً بصرف مرتب المدعي عن مدة وقفه، بل على العكس من ذلك قرر أكثر من مرة استمرار وقفه ووقف صرف مرتبه حتى انتهاء محاكمته جنائياً فإن طلب المدعي الحكم بإلغاء قرار وقفه عن العمل اعتباراً من 14 من يوليه سنة 1953 وما يترتب على ذلك من آثار يكون غير مستند إلى أساس من القانون، متعيناً رفضه. وفيما يختص بالطلب الثاني للمدعي الخاص بإلغاء القرار الصادر بفصله من العمل، على أن المذكور قد أخطر بهذا القرار في 2 من أغسطس سنة 1956، وتظلم منه إلى الجهة الإدارية في 27 من سبتمبر سنة 1956، فلما لم تجب عن تظلمه أقام دعواه بطلب إلغائه في 24 من يناير سنة 1957؛ ومن ثم فإنها تكون مقبولة شكلاً لرفعها في الميعاد القانوني. وقد بني القرار المطعون فيه الصادر من وزير التربية والتعليم على ما تضمنته مذكرة وكيل الوزارة الدائم من الاتهامات المنسوبة إلى المدعي، مع أن التهمة الأولى غير ثابتة في حقه، والثانية حفظتها النيابة إما لعدم كفاية الأدلة وإما إدارياً، بعد إذ لم تتبين من التحقيق الذي أجرته ثبوتها قبله، والثالثة رأت النيابة عدم قيام دليل على ثبوتها، ومع ذلك استخلصت الجهة الإدارية من التحقيق ما اعتبرته كافياً لتكوين اقتناعها بصحة الواقعة. ولما كان ترجيح الأدلة التي استندت إليها الإدارة في تكوين اقتناعها على الأدلة العكسية أمراً يخرج عن رقابة القضاء، فلا وجه لإهدار ما انتهى إليه اقتناع الإدارة في هذا الشأن، ولا حاجة بعد ذلك للتعرض للتهمتين الرابعة والخامسة ومدى ثبوتهما أو عدمه، ما دام قرار فصل المدعي من الخدمة قد أسس على الاتهامات الخمسة، وانصرف إلى مجازاته عنها جميعاً؛ بحيث لو سقط أحدها لجاز أن ينتهي الجزاء إلى غير ما صدر به. ولما كان الاتهامان الأول والثاني لم يقم عليهما دليل من الأوراق يؤيد صحتهما، فإنه يتعين القضاء بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من السيد وزير التربية والتعليم بفصل المدعي من الخدمة، وللجهة الإدارية أن تعيد النظر من جديد في شأن المدعي لبحث الجزاء الذي ترى ملاءمة توقيعه عليه بالنسبة إلى ما يثبت في حقه من التهم.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 11 من أغسطس سنة 1958 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أنه يتضح من المذكرة التي صدر على أساسها قرار فصل المدعي من الخدمة أنها أشارت إلى أن التهمة الموجهة إلى المذكور بقبول الرشوة من محمد أحمد غنيم قد حفظتها النيابة لعدم كفاية الأدلة، وأن الجهة الإدارية رأت أن الأدلة القائمة في حقه تكفي لإدانته فيما نسب إليه من إخلال جسيم بواجبات وظيفته يستدعي فصله، وأنه طبقاً لما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا لا تعني رقابة القضاء الإداري لصحة الحالة الواقعية أو القانونية أن يحل هذا القضاء نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لديها من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام تلك الحالة التي تكون ركن السبب، أو أن يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل إن هذه السلطات حرة في تقدير تلك الخطورة والدلائل والبيانات وقرائن الأحوال تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها أو تطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها، ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا. ولما كان القرار المطعون فيه قد بني على ثبوت التهم المنسوبة إلى المدعي وبخاصة الرشوة، وهي التهمة التي سلم الحكم المطعون فيه بقيام الأدلة الكافية عليها، فإن هذا القرار يكون قد قام على سبب ثابت، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء القرار المذكور قد خالف القانون.
ومن حيث إن المدعي عقب على طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة بما لا يعدو في جملته أن يكون ترديداً لدفاعه السابق إبداؤه أمام المحكمة الإدارية.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في شأن طلب المدعي موضوع الدعوى المضمومة رقم 478 لسنة 3 القضائية من رفض هذا الطلب، وهو الخاص بوقف تنفيذ وبإلغاء القرار الصادر بوقفه عن العمل اعتباراً من 14 من يوليه سنة 1953 وما ترتب عليه من آثار؛ ذلك أن القاعدة هي حرمان الموظف الموقوف من مرتبه خلال مدة وقفه عن العمل، ما لم تقرر السلطة التأديبية المختصة صرف المرتب إليه كله أو بعضه؛ لأسباب موكولة إلى تقديرها. وقد قرر مجلس التأديب الذي عرض عليه أمر المدعي بجلسته المنعقدة في 22 من سبتمبر سنة 1953 عدم صرف مرتب المذكور عن مدة وقفه، كما قرر بجلسته المنعقدة في 27 من أكتوبر سنة 1953 عند إعادة عرض الأمر عليه استمرار الوقف وعدم صرف المرتب. وأيد هذا أيضاً بقراريه الصادرين بجلستي 22 من فبراير سنة 1954 و13 من إبريل سنة 1954، وذلك عن مدة الوقف بأكملها حتى انتهاء إجراءات محاكمته جنائياً عن تهمة الرشوة المسندة إليه. وإذا كان قد تبين أن المدعي بوصفه مستخدماً مؤقتاً معيناً على وظيفة مؤقتة إنما تنطبق في حقه - بحكم المادة 26 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - الشروط الواردة بصيغة عقد الاستخدام التي وافق عليها مجلس الوزراء بقراره الصادر بجلسة 31 من ديسمبر سنة 1952 فيما يتعلق بتوظيفه وتأديبه وفصله، وأنه طبقاً للمادة الخامسة من شروط هذا العقد يكون لوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه سلطة وقف المستخدم عن العمل احتياطياً، ويترتب على الوقف عدم صرف المرتب ما لم يقرر أحدهما صرفه كله أو بعضه، وأنه بناء على هذا يكون مجلس التأديب الابتدائي لموظفي وزارة التربية والتعليم غير مختص بالنظر في وقف المدعي عن عمله أو مجازاته تأديبياً، بل المختص بذلك هو وكيل الوزارة، فإن هذا الأخير قد أقر وقف المذكور ولم يقرر صرف مرتبه إليه عن مدة وقفه، بل استصدر قراراً وزارياً في 10 من يوليه سنة 1956 بفصله من الخدمة؛ ومن ثم فإن طلب المدعي في هذا الخصوص يكون على غير أساس سليم من القانون، متعيناً رفضه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالطلب الثاني للمدعي موضوع الدعوى رقم 184 لسنة 4 القضائية، وهو الخاص بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير التربية والتعليم في 10 من يوليه سنة 1956 بفصله من الخدمة، والمبلغ له في 2 من أغسطس سنة 1956، والذي لم تنازع الوزارة في قوله إنه تظلم منه إدارياً في 27 من سبتمبر سنة 1956، فإن الدعوى به قد رفعت في الميعاد القانوني؛ إذ أودعت صحيفتها سكرتيرية المحكمة الإدارية في 24 من يناير سنة 1957، بعد إذ سكتت الجهة الإدارية عن الإجابة عن هذا التظلم.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أنه في 30 من مارس سنة 1953 صدر قرار السيد وكيل وزارة التربية والتعليم بإحالة المدعي الذي كان كاتباً بقلم التعليم الحر بمنطقة القناة التعليمية ببور سعيد إلى مجلس التأديب لتسببه في تأخير خطاب مراعاة لصالح أحد أصحاب المدارس الحرة بقصد جلب نفع له. وقد عاصر ارتكاب هذه المخالفة أن أسندت إلى المذكور تهمة الحصول على رشوة من مدرسات روضة العصفوري الخاصة؛ إذ اعترفت المدرسات بأنهن أعطينه خمسة جنيهات في منتصف عام 1951، كما اتضح علاوة على هذا أن ثمة اتهامين آخرين موجهين إليه عن جريمتي رشوة قبلها من كل من محمد أحمد غنيم ومحمد فوزي البرعي. وقد صدر قرار الوزارة بوقفه عن العمل اعتباراً من 14 من يوليه سنة 1953، وإحالة موضوعه إلى نيابة بور سعيد التي قامت بالتحقيق معه. كذلك أخذ عليه اشتراكه مع آخر يعمل كاتباً بمنطقة القناة التعليمية (قلم التعليم الحر) في إقامة الشيخ محمد صادق محمد سليمان بالعمل في وظيفة مدرس بمدرسة العصفوري للبنات ببور سعيد دون أن يصدر إذن بتعيينه أو أن يقدم مسوغات هذا التعيين، وفي صرف مرتبه إليه دون استيفاء هذه الإجراءات، مع ما في ذلك من مخالفة للتعليمات المالية. وقد اتضح أن المدرس المذكور سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية لارتكابه جريمة هتك عرض وإن كان قد زال أثرها برد اعتباره. وفضلاً عن هذا فقد أسند إليه أنه أهمل إهمالاً ترتب عليه نقص مرتب السيد/ إبراهيم عطية أبى خفرة المدرس بمدرسة النجاح الابتدائية بالإسماعيلية بواقع 182 مليماً شهرياً من شهر نوفمبر سنة 1950 إلى شهر يناير سنة 1952، إذ تسلم المذكرة الخاصة بهذا الموضوع ولم يتخذ في شأنها أي إجراء ولم يستطع إثبات تسليمها لموظف مختص بالذات، وقد أحيل المذكور في بادئ الأمر إلى مجلس التأديب لمحاكمته عن المخالفة الأولى، ثم أضيفت إليها الاتهامات الأخرى، وقد عرض أمره على المجلس في جلساته المنعقدة في 22 من سبتمبر سنة 1953 و27 من أكتوبر سنة 1953 و22 من فبراير سنة 1954 و13 من إبريل سنة 1954، فقرر استمرار وقفه عن العمل وعدم صرف مرتبه إليه عن مدة الوقف بأكملها. فلما تبين أنه يشغل وظيفة مؤقتة، وأن محاكمته تأديبياً بالتطبيق لحكم المادة 26 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة واستناداً إلى شروط عقد الاستخدام الذي وافق مجلس الوزراء على صيغته بالنسبة إلى أمثاله بقراره الصادر في 31 من ديسمبر سنة 1952 إنما يختص بها وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة، دون مجلس التأديب، ويكون قراره نهائياً عدا عقوبة الفصل فتكون من سلطة الوزير، أعدت إدارة الشئون القانونية بالوزارة مذكرة بهذا المعنى في 11 من مارس سنة 1956 رفعتها إلى السيد وكيل الوزارة. وفي 26 من يونيه سنة 1956 أعد السيد وكيل الوزارة المساعد مذكرة للعرض على السيد وزير ذكر فيها "أن الاتهامات التي نسبت إلى الموظف المذكور لا تفتقر إلى إقامة الدليل على إدانته، وهي كلها أمور تجعله غير جدير بالانتماء إلى طائفة الموظفين العموميين". واختتمها بالتوصية "بعزل السيد/ مهدي أحمد عثمان من الخدمة لما قام ضده من اتهامات". وفي 4 من يوليه سنة 1956 تقدم السيد وكيل الوزارة الدائم إلى السيد الوزير بمذكرة أورد فيها بيان الاتهامات المنسوبة إلى المدعي وما تم في شأنها، وخلص من ذلك إلى "أن ما نسب إلى المستخدم المذكور من اتهامات تجعل من المصلحة بتره من محيط الوظيفة". وإلى أنه أخذاً بالأسباب التي استندت إليها مذكرة السيد وكيل الوزارة المساعد للشئون المالية والإدارية المتقدم ذكرها، يرى الموافقة على عزل المدعي من الخدمة. وقد وافق السيد الوزير على هذا العزل بتأشيرته المؤرخة 10 من يوليه سنة 1956 على ذيل هذه المذكرة.
ومن حيث إنه ظاهر من كل من مذكرة السيد وكيل الوزارة المساعد ومذكرة السيد وكيل الوزارة الدائم التي بني عليها القرار الصادر من السيد الوزير بفصل المدعي من الخدمة، أن أسباب الفصل لم تستند إلى ثبوت تهم الرشوة قبل المذكور؛ إذ جاء بهاتين المذكرتين أن التحقيق حفظ فيما يتعلق بتهمة قبول الرشوة من محمد أحمد غنيم، وأن نيابة بور سعيد انتهت إلى حفظ الشكوى إدارياً في تهمة الحصول على رشوة من بعض مدرسات مدرسة العصفوري ومن محمد فوزي البرعي، مع مخابرة الجهة الإدارية التابع لها المشكو في حقه لإقصائه عن عمله ونقله إلى جهة أخرى. وإنما قام الفصل على ما أحاط بسلوك المدعي من الناحية الإدارية من مآخذ على إثر هذه الاتهامات، وإن حفظتها النيابة بوصفها مجرد ادعاءات لم ينهض عليها دليل، دون أن يفوتها التوصية بإقصاء المدعي عن عمله ونقله إلى جهة أخرى، كما قام على الاتهامات الأخرى التي أسندت إليه والتي عددتها مذكرتا كل من السيد وكيل الوزارة المساعد والسيد وكيلها الدائم والتي لها أصل ثابت في الأوراق، مما رؤى معه أن هذه الأمور جميعاً تجعله غير جدير بالانتماء إلى طائفة الموظفين العموميين، وأن من المصلحة بتره من محيط الوظيفة. وإذ كان قرار الفصل قد أفصح صراحة في أسبابه عن استظهاره ما انتهى إليه تصرف النيابة في شأن بعض التهم، وأسس اقتناعه بإدانة سلوك المدعي على ما استخلصه من تواتر الشكاوى والاتهامات في حقه عن قبوله الرشوة من مغزى يتناول استقامته ونزاهته ويمس الثقة الواجب توافرها فيه، لا على ثبوت هذه التهم جنائياً، وذلك بالإضافة إلى الاتهامات الأخرى القائمة في حقه، فلا وجه - والحالة هذه - للعودة إلى بحث صحة التهم التي حفظتها النيابة أو مناقشة ثبوتها من عدمه، ما دامت الإدارة قد رأت مع ذلك أن موقفه من مجموع ما نسب إليه - سواء في هذه التهم أو في التهم الباقية، وكلها تستند إلى وقائع صحيحة لها وجود مادي ثابت في الأوراق - كاف لتبرير فصله من الخدمة لما وقع منه من إخلال جسيم بواجبات وظيفته وخروج على مقتضياتها.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت (1) بأنه إذا توافر لدى جهة الإدارة الاقتناع بأن الموظف أو المستخدم سلك سلوكاً معيباً ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بواجباته أو خروج على مقتضيات وظيفته، أو إخلال بكرامتها أو بالثقة الواجب توافرها فيها أو في القائمين بها، ويدعوها إلى عدم الثقة به أو الاطمئنان إلى صلاحيته بناء على ذلك للقيام بأعباء وظيفته، وكان اقتناعها هذا مجرداً عن الميل أو الهوى وموجهاً لخير المصلحة العامة، فبنت عليه قرارها بإدانة سلوكه، ورأت لمصلحة العمل وكرامة الوظيفة العامة إقصاءه عن هذه الوظيفة، واستخلصت هذا كله استخلاصاً سائغاً من وقائع صحيحة ثابتة في عيون الأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي خلصت إليها، فإن قرارها في هذا الشأن يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون وحصيناً من الإلغاء. أما تقدير تناسب الجزاء مع الذنب الإداري فمن الملاءمات التي تنفرد بتقديرها بما لا معقب عليها فيها، والتي تخرج عن رقابة القضاء الإداري. وإن حفظ تهمة الرشوة قبل الموظف قد لا يبرئ سلوكه من الوجهة الإدارية، ولا يمنع من مؤاخذته تأديبياً وإدانة هذا السلوك، فلا ينفي قيام سبب الجزاء التأديبي - وهو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو الخروج على مقتضياتها - وقد يثبت ذلك للسلطة التأديبية من أوراق التحقيقات الجنائية، أو من التحقيقات التي تجريها هي ومن تسمعهم من الشهود، فإذا انتهت من ذلك إلى تكوين عقيدتها واقتناعها بعدم صلاحيته للاستمرار في عمله، وإلى أنه أخل بواجبات وظيفته وخرج على مقتضيات السلوك السوي وتردى فيما يحط من كرامته ويسيء إلى سمعته ويمس اعتبار الوظيفة العامة ويشكك في نزاهته واستقامته، وصدرت في تقديرها هذا عن رغبة مجردة عن الميل أو الهوى ابتغاء وجه المصلحة العامة وحدها، فقررت إقصاءه عن وظيفته، فإن قرارها الصادر بفصله من الخدمة يكون - والحالة هذه - قائماً على سببه ومطابقاً للقانون، وليس للقضاء الإداري - في حدود رقابته القانونية لصحة قيام الوقائع المادية أو القانونية التي تبرر تدخله وسلامة تكييفها القانوني - أن يتطرق إلى بحث ملاءمة توقيع الجزاء أو مناقشة مقداره؛ إذ لا تعني هذه الرقابة أن يحل نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لدى هذه السلطات من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب، أو أن يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل إن السلطات المذكورة حرة في تقدير هذه الخطورة وتلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها، وتطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها، ولا هيمنة له على ما تكون منه الإدارة عقيدتها أو اقتناعها في شيء من هذا.
ومن حيث إن الأمر في شأن المدعي لم يقتصر على تهم الرشوة التي حفظتها النيابة، والتي رأت الإدارة على الرغم من ذلك أن لها دلالتها في تقدير سلوكه الإداري، بل تناول اتهامات أخرى لها أصول موجودة بالفعل وثابتة في الأوراق، وقد استخلصت الإدارة من مجموع هذه وتلك النتيجة التي انتهت إليها استخلاصاً سائغاً تنتجه هذه الأصول مادياً وقانوناً؛ ومن ثم فإن قرارها المطعون فيه الصادر بفصل المدعي من الخدمة بناء على ما تقدم يكون صحيحاً قائماً على سببه المبرر له ومطابقاً للقانون. وإذ قضى حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه بإلغاء هذا القرار وما ترتب عليه من آثار فإنه يكون قد جانب الصواب، ويتعين القضاء بإلغائه، وبرفض دعويي المدعي المضمومتين، مع إلزامه بمصروفاتهما.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض دعويي المدعي، وألزمته بمصروفاتهما.


(1) راجع على سبيل المثال الأحكام المنشورة في السنة الثالثة من هذه المجموعة، ص 768، بند 90، والمنشورة في السنة الثانية من هذه المجموعة أيضاً ص 177، بند 21، وص 861 بند 89، وص 1173 بند 123.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق