الصفحات

السبت، 23 سبتمبر 2023

الطعن 300 لسنة 4 ق جلسة 6/ 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 121 ص 1370

جلسة 6 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.

--------------------

(121)

القضية رقم 300 لسنة 4 القضائية

(أ) إدارة قضايا الحكومة 

- موظف فني بها - شروط تعيينه - عدم اشتراط الحصول على مؤهل معين في القانون رقم 1 لسنة 1923 الخاص بتنظيم أعمال قضايا الحكومة - الرجوع إلى القواعد العامة في هذا الشأن - ضرورة الحصول على مؤهل عال - إجازة القضاء الشرعي من قبيل المؤهلات العالية التي ترشح للتعيين في ظل القانون رقم 1 لسنة 1923.
(ب) إدارة قضايا الحكومة 

- مهمتها الدفاع عن الحكومة في مختلف المنازعات - المنازعات المتعلقة بالمسائل الشرعية - التأهيل العلمي اللازم فيمن يتولون الدفاع فيها.
(ج) إدارة قضايا الحكومة - موظف فني بها - تعيينه - اشتراط القانون رقم 113 لسنة 1946 الحصول على ليسانس الحقوق 

- تطبيق هذا الحكم يكون بالنسبة لمن يعين منذ العمل بأحكام القانون المذكور - لا محل للمنازعة في صلاحية من عين قبل ذلك ولم يكن حاصلاً على المؤهل المذكور للبقاء في وظيفته، وإلا كان في ذلك تطبيق للقانون بأثر رجعي.
(د) إدارة قضايا الحكومة 

- موظف فني بها - تعيينه - صحته وفقاً للقوانين التي كانت تحكم التعيين وقتئذ - استحقاقه للترقية إلى الدرجات التالية متى توافرت فيه شروطها.

--------------
1 - إن القانون رقم 1 لسنة 1923 بتنظيم أعمال قضايا الحكومة لم ينص على شروط خاصة بشأن المؤهل الذي يعول عليه في التعيين، وإن كان قد نص في مادته السادسة على أن "يسوى الموظفون الفنيون فيما يتعلق بالمرتبة والمرتبات برجال النيابة الأهلية..." فعين مستواهم الوظيفي وجعلهم في هذا الخصوص نظراء لرجال النيابة، دون تعيين الشروط اللازمة في المرشح من حيث المؤهل، كما فعل القانون رقم 113 لسنة 1946، إذ اتجه في الصياغة اتجاهاً آخر؛ بأن عنى بالنص على وجوب حصول المرشح على درجة الليسانس. وغني عن القول أن القانون رقم 1 لسنة 1923، وقد سكت عن تعيين هذه الشروط، فإنه يرجع إلى أحكام الدكريتو الصادر في 24 من يونيه سنة 1901 بالتصديق على لائحة المستخدمين الملكيين في مصالح الحكومة، وهو ذلك الدكريتو الذي صرح في مادته الخامسة بأنه "لا يجوز انتخاب مستخدمي المصالح إلا من المترشحين الذين من الأنواع الآتية... (الثالث) المترشحون الحائزون على دبلومة من مدرسة عليا تابعة لنظارة المعارف العمومية أو دبلومة نالوها خارج القطر واعتبرت كالدبلومة المصرية المعادلة لها طبقاً لنص الأمر العالي الصادر في 10 من إبريل سنة 1897". ولا جدال في أن إجازة القضاء الشرعي التي حصل عليها المطعون عليه في سنة 1937 هي من قبيل المؤهلات العالية التي عناها الدكريتو سالف الذكر.
2 - إن الأوضاع الإدارية بإدارة القضايا كانت ولا تزال تقضي بأن تنشأ في تلك الإدارة أقسام متعددة تضطلع بمختلف نواحي المنازعات الخاصة بالحكومة، ومن هذه الأقسام قسم شرعي يتصل عمله بتأهيل المطعون عليه، وقد نظم هذا القسم على أن يكون من اختصاصاته تولي القضايا الشرعية الخاصة ببيت المال، وهذا يقتضي التدخل في القضايا الشرعية لإثبات حق بيت المال، ومن الطبعي أن يعين فيه من يكون تأهيله متفقاً وهذا النوع من القضايا، وإجازة القضاء الشرعي هي المؤهل الذي يعول عليه في التعيين في أمثال هذه الوظائف، سواء في القضاء الشرعي أو في الوظائف النظيرة.
3 - ما دام تعيين المدعي في إدارة قضايا الحكومة قد ثم صحيحاً في ظل القوانين التي كانت تحكم هذا التعيين وقتذاك، وهي لم تكن تتطلب إجازة الحقوق للتعيين في الوظيفة الفنية بالإدارة، فإن صلاحيته للبقاء لا يجوز أن تكون محل منازعة بالاستناد إلى ما استحدثه القانون رقم 113 لسنة 1946 من اشتراط حصول المرشح على إجازة الحقوق أو ما يعادلها؛ لأن المقصود بذلك هو المعين منذ العمل بهذا القانون، دون المساس بمن تم تعيينه صحيحاً قبل ذلك، وإلا كان ذلك تطبيقاً للقانون الأخير بأثر رجعي دون نص.
4 - متى كان تعيين المدعي بإدارة قضايا الحكومة قد تم صحيحاً، ثم أبقى عليه عند إعادة تشكيل إدارة القضايا في سنة 1946، فمن حقه أن يأخذ حقه في الترقية متى توافرت فيه شروطها.


إجراءات الطعن

في 4 من مارس سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 300 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") بجلسة 9 من يناير سنة 1958 في الدعوى رقم 463 لسنة 11 ق المقامة من السيد/ عبد الحفيظ عبد الواحد تركي ضد وزارة العدل وإدارة قضايا الحكومة، القاضي "بإلغاء القرار الوزاري رقم 45 لسنة 1956 الصادر بتاريخ 6 من أغسطس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة المصروفات". وقد طلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، مع إلزام رافعها بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى المدعي عليها في 16 و22 من مارس سنة 1958، وإلى المطعون عليه في 22 من مارس سنة 1958، وبعد انقضاء مواعيد الطعن القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته، عين لنظر الطعن جلسة 21 من مارس سنة 1959. وفي 9 من فبراير سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 463 لسنة 11 ق ضد وزارة العدل وإدارة قضايا الحكومة أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيريتها في 19 من يناير سنة 1957 طالباً الحكم "بإلغاء القرار الوزاري رقم 45 لسنة 1956 الصادر في 6 من أغسطس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزامهما بمصاريف الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة": وقال بياناً لدعواه إنه بتاريخ 6 من أغسطس سنة 1956 أصدر وزير العدل القرار رقم 45 لسنة 1956 بحركة ترقية محامين من الفئة الممتازة إلى وظائف نواب بإدارة القضايا، وقد تخطاه هذا القرار في الترقية إلى وظيفة نائب رغم أن ترتيبه في الأقدمية كان الثاني. وقال إنه تظلم من هذا التخطي في الميعاد في 3 من أكتوبر سنة 1956 بانياً تظلمه على أنه عين بتاريخ 6 من يناير سنة 1946 مندوباً من الدرجة الثالثة بقضايا الحكومة، وظل يرقى درجات السلم الوظيفي بكفاية حتى بلغ درجة محامٍ من الفئة الممتازة، ولكنه تخطى في الترقية إلى درجة نائب بمن كانوا يلونه في ترتيب الأقدمية، رغم أن ملف خدمته حافل بكل ما يزين الموظف من كفاية وأمانة وطول باع في العمل وتمرس بجوانبه. وطلب في ختام تظلمه سحب القرار المتشكى منه وترقيته في دوره في تاريخ القرار المطعون فيه. وقد ردت إدارة قضايا الحكومة على التظلم بما يتضمن الأمور الآتية: أولاً - أن المدعي يحمل إجازة القضاء الشرعي عام 1937، وأنه عين بأقلام قضايا الحكومة مندوباً ومحامياً من الدرجة الثالثة في 6 من يناير سنة 1946، ولما أعيد إنشاء إدارة القضايا بموجب القانون رقم 113 لسنة 1946 أعيد تعيينه مندوباً بها، وكان عند تعيينه قد تخلف فيه شرط الحصول على شهادة الليسانس أو الشهادة الأجنبية المعادلة لها المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 66 لسنة 1943 باستقلال القضاء وبمقتضى المادة 70 من قانون استقلال القضاء التي تشترط فيمن يعين مساعداً بالنيابة أن يكون مستكملاً للشروط المبينة في المادة الأولى منه، وهي تنص على الليسانس أو الشهادة الأجنبية المعادلة لها بشرط النجاح في امتحان المعادلة طبقاً للقوانين واللوائح الخاصة بذلك، وهذا النص يحيل إليه قانون إنشاء إدارة القضايا رقم 113 لسنة 1946 في المادة السابعة منه، وإذ تخلف هذا الشرط كان تعيينه باطلاً، ويظل البطلان لاصقاً بوضعه ولو ارتقى درجات سلم الوظائف الفنية في تلك الإدارة حتى أصبح محامياً من الفئة الممتازة، إلا أنه رؤى الانتفاع به في المرافعة أمام المحاكم الشرعية، وإذ ألغيت هذه المحاكم بالقانون رقم 624 لسنة 1956 فقد ترك في الترقية؛ لأنه بعد صدور هذا القانون لم يعد ممكناً الاستمرار فيما فات. ويعقب المدعي على هذا بأن مقتضى نظر إدارة القضايا - إن صح جدلاً - هو بطلان قرار تعيينه بطلاناً أصلياً بحيث لا تلحقه الإجازة، وكان يترتب منطقياً على ذلك إعفاء المدعي من وظيفته، ولكنه رقي في هذه الوظيفة خمس مرات متواليات إلى درجات عليا، فأصبح تخطيه في الترقية بعد ذلك غير جائز أن يدفع بهذه الذريعة. أما قول إدارة القضايا بأنه رغم بطلان قرار التعيين فقد رؤى الانتفاع به في المرافعة لدى المحاكم الشرعية حتى إذ ألغيت لم يعد ممكناً الاستمرار فيما فات؛ وجاز من ثم تخطيه فإنه مردود بالأوجه الآتية: أولاً - إن اختصاص المحاكم الشرعية لم يلغ بإلغاء هذه الجهة القضائية طبقاً للقانون رقم 624 لسنة 1956، وإنما انتقل هذا الاختصاص إلى محاكم القانون العام، كما أدمج رجال القضاء الشرعي في نظام القضاء العام؛ وعلى ذلك فإن القانون المذكور لم يغير في الأمر شيئاً، ولا يزال مجال الانتفاع بالمدعي منفسحاً أمام محاكم القانون العام؛ ومن ثم لا يصح التحدي بالإلغاء لتبرير التخطي في الترقية؛ لأن الصلة بينهما منقطعة. ثانياً - إن القانون رقم 625 لسنة 1955 في شأن المحامين لدى المحاكم الشرعية الملغاة قد وفر للمحامين الشرعيين الصلاحية العامة للمرافعة أمام المحاكم الوطنية، وسوى بينهم وبين زملائهم لدى هذه المحاكم، ويترتب على ذلك أن صلاحية المدعي لم تعد مقصورة على المرافعة في المنازعات الشرعية، بل تعدتها إلى المرافعة لدى محاكم القانون العام في جميع أنواع المنازعات بلا استثناء، وليس محل منازعة أنه يمارس فعلاً المرافعة في جميع ما يطلب منه من أعمال لدى المحاكم الوطنية بجميع اختصاصاتها. ثالثاً - إن الموظفين الفنيين في القسم الشرعي بإدارة قضايا الحكومة لا يخضعون لشروط التعيين التي أشارت إليها المادة السابعة من القانون رقم 113 لسنة 1946 بإنشاء إدارة القضايا؛ لأن هذه الشروط إنما تنسحب بطبيعتها على الموظفين الفنيين الذين يعملون في الأقسام التي تباشر الدفاع عن الحكومة لدى محاكم القانون العام أو محكمة القضاء الإداري. وقد كان في أقلام القضايا الملغاة قسم شرعي، وظل هذا القسم قائماً بعد إنشاء إدارة القضايا سنة 1946، وعندما أعيد تعيين المدعي بإدارة قضايا الحكومة ألحق بالقسم الشرعي، وقد جرى عرف إدارة القضايا طوال السنوات اللاحقة لإنشائها على تفسير حكم المادة السابعة من القانون رقم 113 لسنة 1946 على هذا النحو، من حيث تخصيصه بطبيعة العمل الذي يتولاه الموظف الفني بإدارة القضايا؛ ولهذا لا يصح تطبيقه على رجال القسم الشرعي أمثال المدعي؛ نزولاً على مقتضيات المصلحة العامة وطبيعة العمل الذي يتولاه من تمرسوا بأعمال القسم الشرعي. والدليل على ذلك أن المحامين لدى المحاكم الشرعية قد أصبحوا - بعد إدماجهم بالقانون رقم 625 لسنة 1955 في شأن نظام المحامين لدى المحاكم الوطنية - صالحين للمرافعة لدى هذه المحاكم في جميع أنواع المنازعات، مع أنهم لم تكن تتوافر فيهم من قبل شروط الصلاحية التي نص عليها قانون المحاماة. وفضلاً عما تقدم فقد أدمج الأعضاء الفنيون بالقسم الشرعي بوزارة الأوقاف ضمن إدارة قضايا وزارة الأوقاف بمقتضى القانون رقم 364 لسنة 1956، وسوى بينهم وبين رجال إدارة القضايا في الدرجات المالية. وهذا الإدماج الذي تم بالقانون المذكور هو الذي كان قائماً في إدارة قضايا الحكومة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 113 لسنة 1946، وعلى أساسه فسر هذا القانون تفسيراً صحيحاً. ويترتب على ذلك أن التمسك ببطلان تعيين المدعي أصبح الآن لا يجدي؛ لأن الحصول على إجازة الحقوق أو ما يعادلها لم يصبح شرطاً للصلاحية في ممارسة مهنة المحاماة أمام محاكم القانون العام، وهي مصدر من مصادر التعيين في إدارة قضايا الحكومة عموماً، كما لم يعتبر شرطاً لإدماج الفنيين في القسم الشرعي بوزارة الأوقاف في إدارة قضاياها ووضعهم في الدرجات المماثلة في إدارة القضايا. أما ما تتحدى به إدارة القضايا من أن وظيفة النائب تؤهل لوظيفة المستشار، ولا يبلغها إلا من أحاط بكل فروع الفقه القانوني، وتمرس في ضروب العمل القضائي، فيرد عليه بأن المدعي قد فقه قانون السماء وكتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ودرس فقه أئمة المسلمين، ثم ألم فوق هذا بالقوانين الوضعية المعمول بها أمام المحاكم المصرية، وعمله بالإدارة يتناول ذلك كله. ولا مراء في أن من توافرت فيه هذه الإحاطة والخبرة تتوافر فيه الأهلية لوظيفة المستشار، ولا أدل على ذلك مما شرعه الشارع في المادة الثانية من القانون رقم 625 لسنة 1955 الخاص بالمحامين لدى المحاكم الشرعية الملغاة من تخويلهم الحضور في جميع الدعاوى والتحقيقات طبقاً لأحكام القانون رقم 98 لسنة 1944. وقد ورد المذكرة الإيضاحية تفسيراً لهذه المادة ما يأتي: "قد أطلق لهم حق الحضور في ضروب الأقضية جميعاً وفي التحقيقات وفق أحكام القانون رقم 98 لسنة 1944 الخاص بالمحاماة أمام المحاكم الوطنية، ذلك أن دراستهم وخبرتهم في الشريعة الغراء تتيح لهم في يسر الإحاطة بالتشريعات الوضعية التي تطبقها المحاكم الوطنية". وختم المدعي صحيفة دعواه بأن السيد مفوض الدولة قد بحث موضوع تظلمه، كما أطلع على دفاع إدارة قضايا الحكومة وتعقيب المدعي على هذا الدفاع، وانتهى إلى أن التظلم مبني على أساس من القانون؛ ويتعين من ثم سحب القرار المطعون فيه الصادر في 6 من أغسطس سنة 1956 فيما تضمنه من ترك المدعي في الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة. غير أن السيد وزير العدل قرر رغم ذلك حفظ التظلم، وعدم إجابة المدعي إلى ما يطلبه؛ الأمر الذي اضطر معه إلى الطعن في القرار بالدعوى الحالية. وقدرت ردت الحكومة على الدعوى بأن التعيين في وظيفة فنية بإدارة قضايا الحكومة طبقاً لقانون إنشائها رقم 113 لسنة 1946 (والمدعي أعيد تعيينه بتلك الإدارة في ظل هذا القانون) رهين بتوافر شروط الصلاحية التي حددتها المادة السابعة من القانون المذكور، وهي تنص على أن "شأن المستشارين الملكيين بالنسبة إلى شروط التوظف والمرتبات شأن مستشاري قسم الرأي بمجلس الدولة، وشأن باقي الموظفين الفنيين في ذلك شأن رجال النيابة العمومية. ومع ذلك يجوز أن يعفى من شرط الحصول على المعادلة المستشارون الملكيون والموظفون الفنيون الحاليون في أقسام قضايا الحكومة، وفيما عدا ما تقدم تسري في شأنهم القواعد المقررة في شأن سائر الموظفين". وبالرجوع إلى قانون استقلال للقضاء آنذاك رقم 66 لسنة 1943 في شأن شروط توظف رجال النيابة العمومية يتبين أن المادة 70 منه تنص على أنه "يشترط فيمن يعين مساعداً للنيابة أن يكون مستكملاً للشروط المبينة بالمادة الأولى من هذا القانون على ألا تقل سنه عن إحدى وعشرين سنة، ويشترط فيمن يعين ملحقاً بالنيابة العامة بصفة معاون أن يستكمل هذه الشروط على ألا تقل سنه عن تسع عشرة سنة". وبمطالعة المادة الأولى المشار إليها يتضح أنها قضت بأنه "يشترط فيمن يولي القضاء 1- ....... 2- ....... 3- أن يكون حاصلاً على درجة ليسانس من إحدى كليات الحقوق بالجامعات المصرية أو على شهادة أجنبية معادلة لها، وأن ينجح في هذه الحالة الأخيرة في امتحان المعادلة طبقاً للقوانين واللوائح الخاصة بذلك". وظاهر من نص المادة الأولى التي يحيل إليها قانون إدارة القضايا أنه لم يعد جائزاً تعيين عضو فني بهذه الإدارة إلا أن يكون حاصلاً على درجة ليسانس من إحدى كليات الحقوق بالجامعات المصرية أو على شهادة أجنبية معادلة بشرط أن يؤدي في الحالة الأخيرة امتحان المعادلة بنجاح طبقاً للقوانين واللوائح الخاصة بذلك، وهذا الشرط جوهري لا مناص من مراعاته، ولا يجوز الإعفاء منه إلا بالنسبة إلى من كان حاصلاً على شهادة أجنبية معادلة لدرجة ليسانس في الحقوق من المستشارين الملكيين والموظفين الفنيين العاملين وقتذاك في أقسام قضايا الحكومة عند صدور القانون رقم 113 لسنة 1946 والاستثناء بطبيعته مقصور على ما تناوله وانصب عليه، فلا يجوز التوسع فيه عن طريق إضافة مؤهل آخر غير ما نص عليه صراحة بمقتضاه. وإذ كانت شهادة القضاء الشرعي غير معتبرة بالبداهة شهادة أجنبية معادلة لدرجة الليسانس في الحقوق في حكم المادة السابعة من القانون رقم 113 لسنة 1946، فلا يصح أن يكتفي بها للتعيين في إدارة قضايا الحكومة طبقاً لقانون إنشائها بالنسبة لأي موظف فني كان ملحقاً بأقسام قضايا الحكومة عند صدور القانون المذكور؛ ومن ثم يكون تعيين المدعي بإدارة قضايا الحكومة قد وقع باطلاً لاعتماده على مجرد حصوله على إجازة القضاء الشرعي، والتعيين الباطل يظل مشوباً بهذا العيب أبداً مهما تقادم عليه الزمن. ومع ذلك فقد رؤى الانتفاع بجهود المدعي، في نطاق تخصصه، وهو المرافعة في أقضية الحكومة أمام المحاكم الشرعية، أما التمسك بتطبيق حكم القانون رقم 624 لسنة 1955 على حالته - وهو القانون الخاص بتنظيم شئون رجال القضاء الشرعي المنقولين إلى المحاكم الوطنية - فلا يجديه نفعاً؛ لأن هذا القانون يتمخض استثناء من أحكام المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 باستقلال القضاء؛ فلا يطبق من ثم إلا على من عنتهم نصوصه صراحة، وهم قضاة المحاكم الشرعية الملغاة والموظفون القضائيون بتلك المحاكم، حسبما صرح بذلك في المادة الأولى من القانون رقم 624 لسنة 1955. ولو قد صح القياس في هذا المعرض، لما أمكن ترقية المدعي من درجته المالية الحالية إلى الدرجة الأعلى مباشرة إلا بعد انقضاء عشرين سنة على الأقل على اشتغاله بالعمل القانوني. ولما كان المدعي قد مارس هذا العمل أول مرة منذ تعيينه بأقلام قضايا الحكومة في 6 من يناير سنة 1946 فإنه لا يتأتى ترقيته إلى درجة وكيل محكمة قبل عام 1966 طبقاً للفقرة (هـ) من المادة الثالثة من القانون رقم 624 لسنة 1955، ولا يجوز في هذا الموطن التحدي بأن راتب المدعي الآن قدره ستون جنيهاً شهرياً، وهو ذات المربوط الثابت المقرر لوظيفة "نائب بالمحكمة الشرعية" الداخلة في حكم الفقرة (د) من المادة الثالثة من القانون رقم 624 لسنة 1955 المقررة لدرجة رؤساء النيابة المعادلة لدرجة نائب بإدارة قضايا الحكومة - لا يجوز التحدي بذلك؛ لأن العبرة في الدرجة هي بأول مربوطها لا بما يصل إليه الراتب بعد ذلك عن طريق العلاوات. وأضافت الحكومة إلى ما تقدم أنه إذا امتنع القياس على الحكم الاستثنائي الذي استحدثه القانون رقم 624 لسنة 1955، ولم يصدر قانون بتطبيقه على المدعي أسوة برجال القضاء الشرعي المندمجين في القضاء الوطني، فإن حالته تغدو محكومة بأحكام قانون استقلال القضاء رقم 66 لسنة 1943 الذي أحال عليه قانون إنشاء إدارة القضايا رقم 113 لسنة 1946. والأصل المستفاد من نصوص قانون استقلال القضاء في المواد 2 و8 و67 و69 و73 منه أن شغل الموظف الفني لمختلف الوظائف القضائية يتم إما بالتعيين المبتدأ فيها، وإما بالترقية إليها من الوظائف الأدنى في مدارج سلم الوظائف؛ وعلى ذلك فإنه يشترط فيمن يقلد أية وظيفة من الوظائف القضائية أن يكون مستكملاً للشروط المبينة في المادة الأولى من قانون استقلال القضاء، مستجمعاً كذلك للشرائط الخاصة بالوظيفة المرقى إليها، ولا يجوز أن يتخلف في مستحق الترقي أي من شروط التعيين في الوظيفة القضائية، ومن بينها شرط الحصول على إجازة الليسانس في الحقوق. وختمت الحكومة دفاعها بأن نظرية الحق المكتسب لا تفلح في إزالة العيب الجوهري العالق بقرار تعيين المدعي بإدارة قضايا الحكومة؛ لأن هذا القرار جاء مخالفاً في رأيها لنص متعلق بالنظام العام. وإذا كان القرار مشوباً بمثل هذا العيب الصارخ، امتنع أن يكتسب المستفيد منه مركزاً قانونياً قابلاً للتحصين، وبخاصة وأن الوظيفة التي تعلق بها أمله في الترقية إليها هي من الوظائف الأساسية التي تقوم على التوجيه وتؤهل لوظائف المستشارين. وبجلسة 9 من يناير سنة 1958 حكمت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") "بإلغاء القرار الإداري رقم 45 لسنة 1956 الصادر بتاريخ 6 من أغسطس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة المصروفات". وأقامت قضاءها على "أنه وإن كان قرار تعيين المدعي بإدارة قضايا الحكومة قد صدر مخالفاً للقانون كما تقدم، إلا أنه من القرارات التي تكتسب حصانة قانونية تعصمه من الطعن بالإلغاء لفوات المدة المقررة للطعن فيه، ولما كان المدعي قد فات عليه أكثر من عشر سنوات في وظيفة محامٍ بإدارة قضايا الحكومة، فإنه يكون قد اكتسب مركزاً قانونياً باعتباره محامياً بتلك الإدارة، وله أن يستفيد من جميع الآثار المترتبة عليه، ومن هذه الآثار حقه في الترقية أسوة بزملائه وحقه في ممارسة أعمال وظيفته وحقه في مرتبه وعلاواته الدورية وفي التدرج والترقي إلى حيث تصل به أقدميته وكفايته. ولا اعتداد بما جاء بمذكرة إدارة القضايا من أن بطلان قرار التعيين يظل عالقاً به أبداً لتعلق موضوعه بالنظام العام، وأن الوظيفة لا تكسب شاغلها حقاً، وإنما تكسبه مركزاً قانونياً فحسب - لا اعتداد بذلك؛ إذ أنه ليس في تدرج المدعي في الترقيات حتى يصل إلى وظيفة مستشار بإدارة قضايا الحكومة ما يخالف النظام العام؛ إذ أن الاختصاص الذي كان يباشره المدعي - وهو العمل الخاص بالقسم الشرعي - لا يزال قائماً، وكل ما هنالك أن هذا الاختصاص نقل إلى المحاكم الوطنية بدلاً من المحاكم الشرعية، ولا أدل على ذلك من أن القضاة الشرعيين الذي نقلوا إلى المحاكم الوطنية تطبيقاً للقانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية قد نقلوا على اختلاف درجاتهم إلى القضاء الوطني في الدرجات المماثلة، وقد يصلون إلى وظائف المستشارين، لا فارق بينهم وبين مستشاري المحاكم الوطنية"، كما أسست هذا القضاء أيضاً على "أن عمل المدعي كمحامٍ أمام المحاكم الوطنية لن يتغير بعد أن نقل اختصاص المحاكم الشرعية إلى المحاكم الوطنية بالقانون سالف الذكر، فهو لا يخرج عمله عن عمل المحامين الذين كانوا مقبولين للمرافعة أمام المحاكم الشرعية؛ فقد أجيز لهم - بمقتضى المادة العاشرة من القانون المذكور - المرافعة أمام المحاكم الوطنية، استثناء من أحكام القانون رقم 98 لسنة 1944 الخاص بالمحاماة أمام المحاكم الوطنية؛ وعلى ذلك فلا يزال المجال مفتوحاً أمامه للمرافعة أمام المحاكم الوطنية في مسائل الأحوال الشخصية، ولو وصل إلى درجة مستشار أسوة بمستشاري قضايا الحكومة"، وعلى أنه "ما كان يجوز تخطي المدعي في الترقية إلى درجة نائب في القرار المطعون فيه؛ حيث إن الوزارة لا تنازع في أن ترتيبه كان الثاني في وظيفة محامٍ أولى ممتازة، وأن الترقية أجريت بالأقدمية؛ وعلى ذلك يكون طلب المدعي إلغاء القرار رقم 45 لسنة 1956 الصادر في 6 من أغسطس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة قائماً على أساس سليم".
ومن حيث إن مبنى الطعن أن "محكمة القضاء الإداري أقامت قضاءها على أساس أن قرار التعيين المخالف للقانون الذي تحصن بفوات المدة المقررة للطعن فيه يرتب آثاره القانونية كاملة بما في ذلك الحق في الترقية مستقبلاً"، وأنه قد "فات المحكمة في هذا الصدد أن التعيين بطريق الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة هو من قبيل تولية الموظف وظيفة جديدة لها أهميتها وخطورتها في مدارج سلم الوظائف الفنية بتلك الإدارة، بحيث يتعين فيمن يتولاها أن يكون مؤهلاً تأهيلاً كافياً للقيام بأعبائها وعلى قدر كبير من الدراية القانونية الشاملة التي لا تتوافر قطعاً في شخص غير حاصل على ليسانس الحقوق أو شهادة أجنبية معادلة لها"، وأن "تعيين محامٍ بإدارة قضايا الحكومة غير حاصل على الليسانس، وإذا كانت هناك شبهة في مخالفته للقانون، فلا يمكن بحال من الأحوال الاستناد إليه في ترتيب آثار قانونية مستقبلة مهما طال عليه الزمن، ما دمنا قد خرجنا به إلى نطاق جديد بمناسبة التعيين بطريق الترقية إلى وظيفة نائب التي تتطلب قدراً من الكفاية الخاصة والدراية الشاملة".
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من واقع الأوراق أنه عند إعادة تشكيل إدارة قضايا الحكومة صدرت لذلك قرارات إدارية بتعيين موظفيها تعييناً مبتدأ على مقتضى أحكام القانون رقم 113 لسنة 1946 بعد أن زالت الهيئة التي كانت تسمى بأقسام قضايا الحكومة؛ ولذلك اقتضى الحال إعادة تعيين بعض الموظفين الفنيين الذين كانوا ملحقين بأقلام القضايا في الإدارة المنشأة، وكان أن أصدر السيد وزير العدل آنذاك قراراً في 11 من سبتمبر سنة 1946 بإعادة تعيين المطعون عليه مندوباً بإدارة قضايا الحكومة، وكان من قبل مندوباً بأقلام القضايا المنحلة، وفي 20 من سبتمبر سنة 1947 أصدر وزير العدل قراراً بتثبيت المذكور في وظيفته بصورة نهائية اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1947 لقضائه مدة الاختبار على ما يرام، وفي 27 من إبريل سنة 1949 رقي المطعون عليه محامياً من الدرجة الثانية (300/ 420 ج)، وفي 24 من يناير سنة 1951 أصدر وزير العدل قراراً بترقيته إلى وظيفة محامٍ من الدرجة الأولى في الدرجة (540/ 660 ج)، وبلغ مرتبه الشهري بعد إضافة العلاوة المستحقة 500 م و48 ج في 7 من يناير سنة 1952، ثم صدر قرار وزاري في 18 من إبريل سنة 1954 بتعيين المطعون عليه محامياً من الدرجة الأولى الممتازة في الدرجة (660/ 780 ج)، وفي 29 من إبريل سنة 1954 أصدر وزير العدل قراراً بمنحه مرتباً شهرياً مقداره 25. م و52 ج في الدرجة (660/ 780 ج)، ثم زيد راتبه الشهري بالعلاوات المقررة إلى 59 ج في 7 من يناير سنة 1956، وكان ترتيب أقدميته بين محامي الدرجة الأولى الممتازة بإدارة القضايا الثاني قبل صدور القرار الوزاري المطعون فيه رقم 45 لسنة 1956 في 6 من أغسطس سنة 1956 بتخطيه في الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة في الدرجة (780/ 1080 ج)، وقد تظلم من القرار المذكور في الميعاد القانوني، ولما لم يجب إلى ظلامته أقام الدعوى الحالية طاعناً فيه بالإلغاء. أما خدمته السابقة على تعيينه بإدارة القضايا عام 1946 فقد قضاها كلها كاتباً بالمحاكم الشرعية؛ إذ عين في 2 من نوفمبر سنة 1938 كاتباً بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية، وظل بها كاتباً حتى عين بأقلام القضايا مندوباً في 6 من يناير سنة 1946.
ومن حيث إن الحكومة لا تطعن في كفاية المدعي، وإنما تقصر دفاعها على أن تعيينه وقع باطلاً بطلاناً مطلقاً لعدم حصول المدعي على المؤهل اللازم للتعيين، وهو درجة الليسانس في الحقوق أو ما يعادلها، وأن هذا البطلان يظل لصيقاً بتعيينه لا يحصنه فوات أي وقت، بينما لا يقوم الطعن على هذا الوجه، بل ذهب مذهباً آخر لم تتجه إليه الحكومة في دفاعها، وهو أن المدعي بحكم تخصصه في الناحية الشرعية قد لا يصلح لوظيفة النائب وهي وظيفة رئيسية.
ومن حيث إن المدعي عين في ظل القانون رقم 1 لسنة 1923 بتنظيم أعمال قضايا الحكومة الذي لم ينص على شروط خاصة بشأن المؤهل، وإن كان نص في مادته السادسة على أن "يسوى الموظفون الفنيون فيما يتعلق بالمرتبة والمرتبات برجال النيابة الأهلية..."، فعين مستواهم الوظيفي وجعلهم في هذا الخصوص نظراء لرجال النيابة، دون تعيين الشروط اللازمة في المرشح من حيث المؤهل، كما فعل القانون رقم 113 لسنة 1946؛ إذ اتجه في الصياغة اتجاهاً آخر؛ بأن عنى بالنص على وجوب حصول المرشح على درجة الليسانس. وغني عن القول أن القانون رقم 1 لسنة 1923 - وقد سكت عن تعيين هذه الشروط - فإنه يرجع إلى أحكام الدكريتو الصادر في 24 من يونيه سنة 1901 بالتصديق على لائحة المستخدمين الملكيين في مصالح الحكومة، وهو ذلك الدكريتو الذي صرح في مادته الخامسة بأنه "لا يجوز انتخاب مستخدمي المصالح إلا من المترشحين الذين من الأنواع الآتية.... (الثالث) المترشحون الحائزون على دبلومة من مدرسة عليا تابعة لنظارة المعارف العمومية أو دبلومة نالوها خارج القطر واعتبرت كالدبلومة المصرية المعادلة لها طبقاً لنص الأمر العالي الصادر في 10 من إبريل سنة 1897". ولا جدال في أن إجازة القضاء الشرعي التي حصل عليها المطعون عليه في سنة 1937 هي من قبيل المؤهلات العالية التي عناها الدكريتو سالف الذكر.
ومن حيث إنه ليس أدل على صحة تعيين المطعون عليه في ظل قوانين تسمح بذلك من أن الأوضاع الإدارية بإدارة القضايا كانت ولا تزال تقضي بأن تنشأ في تلك الإدارة أقسام متعددة تضطلع بمختلف نواحي المنازعات الخاصة بالحكومة، ومن هذه الأقسام قسم شرعي يتصل عمله بتأهيل المطعون عليه. وقد نظم هذا القسم على أن يكون من اختصاصاته تولي القضايا الشرعية الخاصة ببيت المال، وهذا يقتضي التدخل في القضايا الشرعية لإثبات حق بيت المال، ومن الطبعي أن يعين فيه من يكون تأهيله متفقاً وهذا النوع من القضايا، وإجازة القضاء الشرعي هي المؤهل الذي يعول عليه في التعيين في أمثال هذه الوظائف، سواء في القضاء الشرعي أو في الوظائف النظيرة.
ومن حيث إنه يجب التنبيه إلى أن إدارة القضايا قد أنشئت بأمر عال في سنة 1872، وظلت من تاريخ إنشائها إلى سنة 1946 أداة الدفاع عن مصالح الدولة أمام جهات القضاء ومرجع الحكومة في الشئون التشريعية وفي الإفتاء، ولما أنشئ مجلس الدولة في سنة 1946 وأسند إليه الاختصاص في الإفتاء وصياغة التشريعات فضلاً عما استحدث له من اختصاص في القضاء الإداري، أصبح لا مندوحة من إعادة تنظيم إدارة القضايا على مقتضى هذا الوضع الجديد واقتصار عملها على تمثيل الحكومة أما القضاء للدفاع عن مصالحها، ولما صدر القانون رقم 113 لسنة 1946 بإنشاء إدارة القضايا نقل من هذه الإدارة إلى مجلس الدولة من رؤى نقله إليه، وبقى من رؤى إبقاؤه في تلك الإدارة، وكان من بين هؤلاء المدعي. وليس من شك في أن من عمل إدارة القضايا حتى بعد إعادة تنظيمها بمقتضى القانون المذكور ما هو متصل بالأحوال الشخصية والمواريث وسائر النواحي الشرعية، ويتجلى ذلك بوجه خاص في الدفاع عن حقوق بيت المال وغير ذلك من الشئون الشرعية والأوقاف، وهو السبب في الإبقاء على المدعي بعد إعادة تنظيم الإدارة المذكورة. وغني عن القول أنه ما دام تعيين المدعي قد تم صحيحاً في ظل القوانين التي كانت تحكم هذا التعيين وقتذاك - وهي لم تكن تتطلب إجازة الحقوق للتعيين في الوظيفة الفنية بالإدارة حسبما سلف الإيضاح - فإن صلاحيته للبقاء لا يجوز أن تكون محل منازعة بالاستناد إلى ما استحدثه القانون رقم 113 لسنة 1946 من اشتراط حصول المرشح على إجازة الحقوق أو ما يعادلها؛ لأن المقصود بذلك هو المعين منذ العمل بهذا القانون، دون المساس بمن تم تعيينه صحيحاً قبل ذلك، وإلا كان ذلك تطبيقاً للقانون الأخير بأثر رجعي دون نص.
ومن حيث إنه متى كان تعيين المدعي صحيحاً ثم أبقى عليه عند إعادة تشكيل إدارة القضايا، فمن حقه أن يأخذ حظه في الترقية متى توافرت فيه شروطها، ولا يقف في سبيله في هذا الشأن ما تتحدى به الإدارة من مزاعم حول صحة تعيينه، وقد تبين مما سلف إيضاحه أن هذا التعيين ثم صحيحاً وقت حصوله، واستمر الموظف في عمله على مقتضى القانون رقم 113 لسنة 1946 بعد إذ أعملته الإدارة في حقه.
ومن حيث إنه يجب التنبيه إلى أن الكفاية هي أمر ذاتي بالنسبة إلى الموظف، فلا يجوز أن يعترض على ترقيته لمجرد أمر موضوعي هو ما تدعيه الإدارة من أن مؤهله شرعي، ما دام هو صالحاً للبقاء في الوظيفة كما سلف إيضاحه وما دامت كفايته الذاتية غير منكورة. وآية ذلك أنه لما اندمج القضاء الشرعي في القضاء الوطني بموجب القانون رقم 624 لسنة 1955 لم يكن محيص من الإبقاء على القضاة الشرعيين مع أنهم غير حاصلين على إجازة الحقوق، ولم يكن ذلك مانعاً من أن ينفسح أمامهم مجال الترقية في سلك الوظائف القضائية في القضاء الوطني، شأنهم في ذلك شأن أقرانهم من رجال هذا القضاء الأصليين فيه، دون أن يحتج عليهم بأنهم لا يصلحون بحكم تأهيلهم للوظائف القضائية بالقضاء الوطني، بل كان من اللازم أن ينالوا حظهم في الترقية، ما داموا قد اندمجوا في سلك تلك الوظائف، وأن تتاح لهم الفرصة كي يتكافئوا فيها مع أقرانهم كما يقضي القانون وتوجبه العدالة، أما تقدير الملاءمة فيكون في توزيع الأعمال بحسب استعداد كل موظف ووفقاً لمؤهلاته.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما انتهى إليه، ويكون الطعن على غير أساس سليم، حقيقاً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق