الصفحات

الأربعاء، 27 سبتمبر 2023

الطعن 289 لسنة 5 ق جلسة 29 / 10 / 1960 إدارية عليا مكتب فني 6 ج 1 ق 3 ص 12

جلسة 29 من أكتوبر سنة 1960

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي - نائب رئيس المجلس، وعضوية السادة سيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور - المستشارين.

---------------

(3)

القضية رقم 289 لسنة 5 القضائية

(أ) موظف - معاش - معاش استثنائي 

- مناط اعتبار المعاش استثنائياً - مثال.
(ب) موظف - إعانة غلاء المعيشة 

- تقرير معاش استثنائي لأحد الموظفين بقرار من مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء - عدم استحقاقه إعانة غلاء المعيشة عن هذا المعاش ما لم ينص على ذلك القرار الصادر بالمعاش الاستثنائي - أساس ذلك.

-------------
1 - إن المناط في تعرف ما إذا كان المعاش استثنائياً من عدمه، لا يكون بتحري الباعث على منحه، وإنما يكون بالبحث فيما إذا كان ذلك المنح قد روعيت فيه سلامة تطبيق القواعد الخاصة بتقدير مبلغ المعاش أم أنه وقع استثناء من تلك القواعد والأحكام.
فإذا كان الثابت أن المدعي ما كان يستحق أصالة معاشاً قانونياً يتفق وأحكام قوانين المعاشات ولوائحها، فلا مشاحة بعدئذ، في أن المعاملة التي قرر مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء في 30 من سبتمبر سنة 1954 تسوية حالته على مقتضاها عند فصله من الخدمة، إنما هي معاملة استثنائية ترتب عليها إنشاء معاش استثنائي للمدعي ما كان له أصل حق فيه لو أنه فصل من الخدمة دون إجراء هذه التسوية التي أقرها في شأنه، لا على أساس أنه صاحب حق فيها، بل رفقاً بحالته وتخفيفاً من وطأة فصله من الخدمة قبل أن يقضي فيها المدة القانونية التي كانت تسمح له بربط معاش قانوني.
2 - إذا كان قرار مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء الذي أحيل بمقتضاه الموظف إلى المعاش لم يتعرض لموضوع إعانة غلاء المعيشة، فتظل هذه الإعانة محكومة بالقواعد المقررة في شأنها. وهذه القواعد صريحة في أنها لا تسمح بصرف إعانة غلاء المعيشة عن المعاشات التي تقرر بالمغايرة لأحكام قوانين المعاشات. فكتاب وزارة المالية الدوري رقم (ف 234 - 13/ 27) الصادر في 16 من أغسطس سنة 1944 بشأن تثبيت إعانة غلاء المعيشة بصفة عامة وتخفيضها في بعض الأحوال والمتضمن قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يوليه سنة 1944 يقرر في الفقرة الرابعة منه "المعاشات التي تزاد بصفة استثنائية تحسب إعانة الغلاء لأربابها على واقع المعاش القانوني - ومن لم يكن له معاش قانوني أصلاً ورتب له معاش استثنائي لا تصرف له إعانة غلاء إطلاقاً - ويدخل في ذلك المعاشات التي كانت تقل عن خمسمائة مليم شهرياً وزيدت إلى هذا القدر". وفي 19 من فبراير سنة 1950 صدر قرار مجلس الوزراء برفع القيد الخاص بتثبيت إعانة غلاء المعيشة، وهذا القرار لم يمس في شيء القاعدة التي نص عليها قرار 11 من يوليه سنة 1944، بل ظلت قائمة نافذة المفعول. ثم صدر في 3 من ديسمبر سنة 1950 قرار من مجلس الوزراء قرر تثبيت إعانة غلاء المعيشة على أساس مقدار الإعانة التي استحقت للموظف أو المستخدم أو العامل في يوم 30 من نوفمبر سنة 1950، وقد أفصح المشرع في مذكرة اللجنة المالية التي وافق عليها مجلس الوزراء في 3 من ديسمبر سنة 1950 عن نيته في استمرار العمل بمبدأ تثبيت إعانة الغلاء رجوعاً إلى أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يوليه سنة 1944 وهو القرار الذي ينهي عن صرف إعانة غلاء إطلاقاً لمن لم يكن له أصل معاش تقرره القوانين وإنما رتب له معاش استثنائي.
وفي أكتوبر سنة 1952 استفسرت الإدارة العامة لمعاشات الحكومة من اللجنة المالية عن الأمر فيما يتعلق بتسويات حالة الضباط الذين اقتضت إعادة تنظيم الجيش إبعادهم عن القوات المسلحة. فقررت اللجنة المالية بجلستها المنعقدة في 20 من نوفمبر سنة 1952 رداً على هذا الاستفسار بأنه: "تمنح إعانة الغلاء على أساس المعاش القانوني فقط ولا تمنح إعانة عن الزيادة التي نالها الضباط في المعاش نتيجة التسوية". وهذا الذي قررته اللجنة المالية صريح في عدم استحقاق إعانة غلاء المعيشة على المعاشات التي تتقرر بالمخالفة لأحكام قوانين المعاشات العامة للضباط المفصولين أو المحالين إلى المعاش.


إجراءات الطعن

في 14 من فبراير سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 289 لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - هيئة التسويات - بجلسة 15 من ديسمبر سنة 1958 في الدعوى رقم 853 لسنة 13 القضائية المقامة من محمد الطاهر علي محمد ضد وزارتي الداخلية والخزانة والذي قضى "باستحقاق المدعي لصرف إعانة غلاء المعيشة المقررة قانوناً على معاشه وقدره أربعة وعشرون جنيهاً وثلاثمائة وخمسة وسبعون مليماً وذلك اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1954 مع صرف الفروق المالية المترتبة على ذلك وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد طلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 18 من فبراير سنة 1959 وإلى وزارتي الخزانة والداخلية في 21، 25 من فبراير سنة 1956. وفي 17 من فبراير سنة 1960 أخطر الخصوم بجلسة 28 من فبراير سنة 1960 المحددة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي أحالته إلى المحكمة العليا. وقد حددت له جلسة 7 من مايو سنة 1960 للمرافعة.
وبجلسة 11 من يونيه سنة 1960 طلب المدعي التأجيل إلى جلسة أول أكتوبر سنة 1960 لحضور محاميه. وفي هذه الجلسة الأخيرة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات. وفي 15 من أكتوبر سنة 1960 قدم الحاضر عن المدعي مذكرة انتهى فيها إلى طلب تأييد الحكم المطعون فيه مع إلزام وزارتي الداخلية والخزانة بالمصروفات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أودع في 12 من مايو سنة 1958 سكرتيرية هيئة التسويات بمحكمة القضاء الإداري عريضة الدعوى رقم 853 لسنة 12 القضائية طلب الحكم فيها بأحقيته في إعانة الغلاء المقررة على المعاش المستحق له وقدره 24.375 ج من أول أكتوبر سنة 1954 وصرف المتجمد مع إلزام المدعى عليهما - وزارتي الداخلية والخزانة - بالمصروفات ومقابل الأتعاب.
وقال شرحاً لدعواه إنه التحق بخدمة البوليس منذ تخرجه من كلية البوليس سنة 1940 ثم أحيل إلى المعاش اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1954 ومنحته الوزارة معاشاً قدره 24.375 ج دون أن تحتسب له علاوة غلاء المعيشة بدعوى أنه معاش استثنائي وهو زعم لا يستند إلى نص من القانون، فضلاً عن أن الوزارة حددت علاوة غلاء على معاش زملاء المدعي ممن أحيلوا إلى المعاش.
ردت الوزارة على الدعوى بأن المدعي من مواليد أول نوفمبر سنة 1915 وتخرج في كلية البوليس في 15 من مايو سنة 1940 وألحق بالخدمة في وظيفة ملاحظ بوليس بمديرية دمياط برتبة ملازم ثان اعتباراً من هذا التاريخ، وراح يتدرج في الترقية إلى أن وصل إلى رتبة الصاغ في أول إبريل سنة 1954 وتوقع عليه أثناء مدة خدمته ستة عشر جزاء أقلها الإنذار وأقصاها عشرة أيام خصم من مرتبه للإهمال في قضية جنحة واستعمال القسوة. وفي 30 من سبتمبر سنة 1954 صدر قرار من مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء بإحالته إلى المعاش مع ضباط آخرين مع تسوية حالته بمنحه أقصى معاش المرتب الذي كان يتقاضاه، ويتقاضى على هذا الأساس معاشاً شهرياً قدره 24.375 ج ولم يضف إلى هذا المعاش إعانة غلاء وذلك طبقاً لكتاب وزارة المالية الدوري الصادر في أغسطس سنة 1944 الذي يقضي بأن من لم يكن مستحقاً لمعاش قانوني أصلاً ورتب له معاش استثنائي لا تصرف له إعانة غلاء إطلاقاً. وقالت الوزارة أن المعاش الذي صرف للمدعي هو معاش استثنائي إذ تقرر له بمقتضى قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 30 من سبتمبر سنة 1954 ولولا هذا القرار لما استحق المدعي معاشاً أصلاً. ومن ثم فإنه لا يستحق إعانة غلاء المعيشة طبقاً لما جاء بكتاب دوري وزارة المالية رقم ف 234 - 13/ 27. وانتهت الوزارة إلى طلب الحكم برفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات.
وفي 23 من سبتمبر سنة 1958 قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي في هذه المنازعة خلصت فيه إلى أحقية المدعي لإعانة غلاء المعيشة المقررة على المعاش المستحق له وقدره 24.375 ج اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1954 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق مع إلزام الحكومة بالمصروفات.
وبجلسة 15 من ديسمبر سنة 1958 حكمت محكمة القضاء الإداري - هيئة التسويات - "باستحقاق المدعي لصرف إعانة غلاء المعيشة المقررة قانوناً على معاشه وقدره 24.375 ج - وذلك اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1954 مع صرف الفروق المالية المترتبة على ذلك، وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أنه ما دامت إقالة المدعي كانت بمقتضى قرار صادر من مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء في 30 من سبتمبر سنة 1954 بإحالته إلى المعاش مع ضباط آخرين وتسوية حالته بمنحه أقصى معاش المرتب الذي كان يتقاضاها، وغني عن البيان أن مجلس قيادة الثورة كانت له السيادة العليا في البلاد أثناء فترة الانتقال بعد قيام ثورة الجيش، إذ نصت المادة الثامنة من الدستور المؤقت الصادر من قائد ثورة الجيش في 10 من فبراير سنة 1953 على أن يتولى قائد الثورة بمجلس قيادة الثورة أعمال السيادة العليا وبصفة خاصة التدابير التي يراها ضرورية لحماية هذه الثورة والنظام القائم عليها لتحقيق أهدافه وحق تعيين الوزراء وعزلهم. ونصت المادة التاسعة منه على أن يتولى مجلس الوزراء سلطته التشريعية. ومن مقتضى هذا أن ما يصدره مجلس قيادة الثورة من قرارات يعتبر عملاً من أعمال السيادة، وما يصدر عنه تكون له طبيعة السيادة التي تعلو على القانون بمعناه الأعم. ولما كان مجلس الوزراء في فترة الانتقال يتولى السلطة التشريعية فإن ما يصدر من مجلس قيادة الثورة أو مجلس الوزراء يكون له حكم القانون. وما دام منح المدعي وأمثاله معاشاً على آخر مرتب وصل إليه هو إجراء يستمد من مصدر السيادة العليا في البلاد في ظل الدستور المؤقت، فلا داعي لإقحام أحكام القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات. على أن ذات أحكام هذا القانون تقرر مزايا للموظف الذي يصبح غير قادر بسبب حوادث وقعت له أثناء الوظيفة. ومتى ثبت أن المعاش الذي يقرره مجلس قيادة الثورة أو مجلس الوزراء في فترة الانتقال للموظف المفصول ليس معاشاً استثنائياً. وإنما هو معاش قانوني ولا يؤثر على صفته عدم استحقاق الموظف المفصول معاشاً على حسب الأحكام العادية قوانين المعاشات، لأنه في الواقع من الأمر يكون بمثابة تعويض عن الفصل المفاجئ قبل بلوغ السن القانوني للتقاعد ولا يعتبر معاشاً استثنائياً في ضوء الأهداف التي أملت باتخاذ قرار الفصل. هذا وليس بشرط أن يكون المعاش مقرراً بأحكام القانون رقم 37 لسنة 1929 وإنما يجوز منح معاش لطوائف خاصة بقواعد مغايرة بحسب ما يتراءى للمشرع من مبررات لذلك.
وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 14 من فبراير سنة 1959، مؤسساً طعنه على أن المدعي أحيل إلى المعاش بقرار من مجلس قيادة الثورة الصادر في 20 من سبتمبر سنة 1954 مع منحه معاشاً قدره 24.375 جنيه وهذا المعاش لا يعدو أن يكون مزية مالية ما كان ليستحقها المدعي أصلاً وإن أسبغ عليها وصف المعاش، وهي بهذه المثابة لا تخرج عن كونها معاشاً استثنائياً يخرج بذاته عن المعاشات القانونية التي تمنح لمن يستحقها في حدود القانون، والمعاشات الاستثنائية لا يستحق عنها إعانة غلاء معيشة بالتطبيق لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يوليه سنة 1944 الذي قضى صراحة بعدم منح إعانة غلاء معيشة على المعاشات الاستثنائية، والذي لم يقصد قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من ديسمبر سنة 1950 بتثبيت إعانة غلاء المعيشة إلى إلغائه بل إن المشرع قد أفصح في مذكرة اللجنة المالية التي وافق عليها مجلس الوزراء في ديسمبر سنة 1950 عن نيته في جريان العمل بمبدأ تثبيت إعانة الغلاء رجوعاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يوليه سنة 1949 السالف الإشارة إليه. وإذ جرى الحكم المطعون فيه على خلاف هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين القضاء بإلغائه والحكم برفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصروفات.
وفي 20 من أكتوبر سنة 1960 تقدمت الحكومة بمذكرة انتهت فيها إلى طلب رفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
من حيث إن المدعي وهو من مواليد أول نوفمبر سنة 1915، وقد تخرج في كلية البوليس في 15 من مايو سنة 1940 وتدرج في مراتب ضباط البوليس إلى أن رقي إلى رتبة الصاغ في أول إبريل سنة 1954. ثم أحيل إلى المعاش بقرار صادر من مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء في 30 من سبتمبر سنة 1954 مع طائفة قليلة من ضباط آخرين، وقد اقترنت هذه الإحالة بتسوية لحالته من مقتضاها أن يمنح المدعي أقصى معاش للمرتب الذي كان يتقاضاه في رتبة الصاغ وقد بلغ معاشه على هذا الأساس 24.375 جنيه شهرياً دون أن يتضمن هذا المبلغ إعانة غلاء المعيشة - هذا المدعي، وتلك مدة خدمته في وظائف الدولة، لا يستحق أصالة معاشاً قانونياً يتفق وأحكام قوانين المعاشات ولوائحها. فالمادة الثالثة عشرة من المرسوم بقانون رقم 37 الخاص بالمعاشات الملكية، الصادر في 28 من مايو سنة 1929، وهو القانون الذي يحكم وضع المدعي وزملائه، تنص على أنه، "يستحق الموظف أو المستخدم معاش التقاعد بعد مضي خمس وعشرين سنة كاملة في الخدمة أو عند بلوغه الخمسين من عمره مع قضائه خمس عشرة سنة كاملة في الخدمة" كما نصت الفقرة الرابعة من المادة عشرين من هذا القانون على أن "من يرفت من خدمة الحكومة من الموظفين أو المستخدمين الدائمين بسبب إلغاء الوظيفة أو الوفر أو بأمر ملكي أو بقرار خاص من مجلس الوزراء يكون له حق في المعاش أو المكافأة ويكون حساب المعاش أو المكافأة بمقتضى القواعد الآتية:.... فقرة (4) إذا كانت مدة خدمته خمس عشرة سنة أو أكثر من خمس عشرة سنة يعطى معاشاً يعادل جزءاً من خمسين جزءاً من ماهيته الأخيرة أو من متوسط الماهية حسب الحالة عن كل سنة من سني خدمته مع عدم تجاوز النهايات العظمى المقررة في المادة (17) من هذا القانون". ولا مشاحة بعدئذ في أن المعاملة التي قرر مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء في 30 من سبتمبر سنة 1954 تسوية حالة المدعي على مقتضاها عند فصله من الخدمة، إنما هي معاملة استثنائية ترتب عليها إنشاء معاش استثنائي للمدعي ما كان له أصل حق فيه لو أنه فصل من الخدمة دون إجراء هذه التسوية التي أقرها مجلس الوزراء في شأنه لا على أساس أنه صاحب حق فيها، بل رفقاً بحالته وتخفيفاً من وطأة فصله من الخدمة قبل أن يقضي فيها المدة القانونية التي كانت تسمح له بربط معاش قانوني. وغني عن البيان أن المناط في تعرف ما إذا كان المعاش استثنائياً من عدمه، لا يكون بتحري الباعث على منحه، وإنما يكون بالبحث فيما إذا كان ذلك المنح قد روعيت فيه سلامة تطبيق القواعد الخاصة بتقدير مبلغ المعاش أم أنه وقع استثناء من تلك القواعد والأحكام.
ومن حيث إن قرار مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء الذي أحيل بمقتضاه الموظف إلى المعاش لم يتعرض لموضوع إعانة غلاء المعيشة، فتظل هذه الإعانة محكومة بالقواعد المقررة في شأنها. وهذه القواعد صريحة في أنها لا تسمح بصرف إعانة غلاء المعيشة عن المعاشات التي تقرر بالمغايرة لأحكام قوانين المعاشات. فكتاب وزارة المالية الدوري رقم ( ف 234 - 13/ 27) الصادر في 16 من أغسطس سنة 1944 بشأن تثبيت إعانة غلاء المعيشة بصفة عامة وتخفيضها في بعض الأحوال والمتضمن قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يوليه سنة 1944 يقرر في الفقرة الرابعة منه: "المعاشات التي تزاد بصفة استثنائية تحسب إعانة الغلاء لأربابها على واقع المعاش القانوني - ومن لم يكن له معاش قانوني أصلاً ورتب له معاش استثنائي لا تصرف له إعانة غلاء إطلاقاً - ويدخل في ذلك المعاشات التي كانت تقل عن خمسمائة مليم شهرياً وزيدت إلى هذا القدر". وفي 19 من فبراير سنة 1950 صدر قرار مجلس الوزراء برفع القيد الخاص بتثبيت إعانة غلاء المعيشة وهذا القرار لم يمس في شيء القاعدة التي نص عليها قرار 11 من يوليه سنة 1944 بل ظلت قائمة نافذة المفعول. ثم صدر في 3 من ديسمبر سنة 1950 قرار من مجلس الوزراء قرر تثبيت إعانة غلاء المعيشة على أساس مقدار الإعانة التي استحقت للموظف أو المستخدم أو العامل في يوم 30 من نوفمبر سنة 1950. وقد أفصح المشرع في مذكرة اللجنة المالية التي وافق عليها مجلس الوزراء في 3 من ديسمبر سنة 1950 عن نيته في استمرار العمل بمبدأ تثبيت إعانة الغلاء رجوعاً إلى أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يوليه سنة 1944 وهو القرار الذي ينهي عن صرف إعانة غلاء إطلاقاً لمن لم يكن له أصل معاش تقرره القوانين وإنما رتب له معاش استثنائي.
وفي أكتوبر سنة 1952 استفسرت الإدارة العامة لمعاشات الحكومة من اللجنة المالية عن الأمر فيما يتعلق بتسويات الضباط الذين اقتضى إعادة تنظيم الجيش إبعادهم عن القوات المسلحة. فقررت اللجنة المالية بجلستها المنعقدة في 20 من نوفمبر سنة 1952 رداً على هذا الاستفسار بأنه، (تمنح إعانة الغلاء على أساس المعاش القانوني فقط ولا تمنح إعانة عن الزيادة التي نالها الضباط في المعاش نتيجة التسوية) وهذا الذي قررته اللجنة المالية صريح في عدم استحقاق إعانة غلاء المعيشة على المعاشات التي تتقرر بالمخالفة لأحكام قوانين المعاشات العامة للضباط المفصولين أو المحالين إلى المعاش.
وإذ جرى الحكم المطعون فيه على خلاف هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات ومقابل الأتعاب.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق