الصفحات

السبت، 30 سبتمبر 2023

الطعن 284 لسنة 5 ق جلسة 19 / 11 / 1960 إدارية عليا مكتب فني 6 ج 1 ق 21 ص 139

جلسة 19 من نوفمبر سنة 1960

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.

-----------------

(21)

القضية رقم 284 لسنة 5 القضائية

عقد إداري - مناقصة - تأمين ابتدائي 

- البند (21) من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6/ 6/ 1948 - نصه على وجوب تقديم العطاء مصحوباً بالتأمين المؤقت كاملاً - مقصود به تحقيق أمرين - هما ضمان جدية العطاءات، والمساواة بين المتناقصين - الأثر المترتب على مخالفة هذا النص الآمر - هو عدم الالتفات إلى العطاء واستبعاده قبول الإدارة هذا العطاء - غير صحيح ولا ينتج أثراً ولا يتم به العقد الإداري - أساس ذلك.

---------------
إن البند الحادي والعشرين من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6 من يونيه سنة 1948 قد نص على أنه "يجب أن يقدم مع كل عطاء تأمين مؤقت بواقع 2% من مجموع قيمة العطاء ولا يلتفت إلى العطاءات غير المصحوبة بتأمين مؤقت كامل - ثم جاء الشرط الوارد في العطاء تحت عنوان "ملحوظة" ترديداً لنص اللائحة المشار إليه حيث قال "يرفض كل عطاء يقدم وليس معه تأمين ابتدائي كامل بواقع 2% من جملته ولا ينظر إليه". "واضح مما تقدم أن هذه النصوص الآمرة قصد بها تحقيق مصلحة عامة متعلقة بجدية العطاءات والمساواة بين المتقدمين في المناقصات. هذه النصوص قررت الأثر المترتب على العطاء غير المصحوب بالتأمين المؤقت كاملاً وهو عدم الالتفات إليه وبالتالي استبعاده وكأنه لم يقدم فليس يجوز للإدارة مع هذه الضوابط القانونية الموضوعة لحماية المصلحة العامة في المناقصات أن تهدر أحكام تلك النصوص في اللائحة والشروط بقبول عطاء واجب الاستبعاد؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم الالتفات إلى عطاء المدعى عليه يكون صحيحاً مطابقاً للقانون، ولا مقنع فيما ذهب إليه الطعن من أن الإيجاب المقدم من المدعى عليه يكون قد صادفه قبول من الإدارة ينعقد به العقد الإداري وينتج كافة الآثار القانونية - لا مقنع في ذلك كما جاء في الطعن ذاته من أن اشتراط تقديم العطاء مصحوباً بالتأمين الابتدائي مقصود به تحقيق أمرين: ضمان جدية العطاءات، والمساواة بين المتقدمين - وظاهر أن تحقيق هذين الأمرين يقتضي استبعاد العطاء ويكون قبوله - والحالة هذه - إجراء خاطئاً من جانب الإدارة لا يترتب عليه قبول صحيح منتج لآثاره.


إجراءات الطعن

في يوم 10 من فبراير سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض) بجلسة 14 من ديسمبر سنة 1958 في الدعوى رقم 731 سنة 11 القضائية - والمضمومة لها دعوى تثبيت أمر الحجز التحفظي رقم 1 لسنة 13 القضائية والمرفوعتين من مجلس مديرية الغربية ضد (1) محمود حسين عنان (2) مصلحة المساحة، والذي قضى "أولاً - برفض الدعوى رقم 731 لسنة 11 القضائية، ثانياً - بإلغاء أمر الحجز التحفظي رقم 1 لسنة 13 الصادر من رئيس محكمة القضاء الإداري بتاريخ 6 من أكتوبر سنة 1958 وبإلغاء الحجز الموقع بناء عليه تحت يد مدير مصلحة المساحة واعتباره كأن لم يكن، ثالثاً - إلزام الحكومة المصروفات ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلزام المدعى عليه بأن يدفع لمدير الغربية بصفته مبلغ 35 جنيهاً و503 مليمات والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية مع تثبيت الحجز التحفظي الموقع على ما للمدعى عليه تحت يد مدير مصلحة المساحة وجعله نافذاً وإلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أعلن الطعن لمجلس مديرية الغربية في 20 من إبريل سنة 1959 ولمصلحة المساحة في 2 من مارس سنة 1959 وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 21 من فبراير سنة 1960. وفي 31 من يناير سنة 1960 أخطر ذوو الشأن بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 9 من إبريل سنة 1960 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بالمحضر ثم أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن مجلس مديرية الغربية أقام الدعوى رقم 731 لسنة 11 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 4 من إبريل سنة 1957 قال فيها إنه أشهر مناقصة عن توريد وتركيب أجهزة المياه الساخنة لمبنى مؤسسة البنين بالمحلة الكبرى وحدد لفتح مظاريفها يوم 31 من يناير سنة 1955 وقدم المدعى عليه في 30 من يناير سنة 1955 عطاءه عن هذه المناقصة بمبلغ 130 جنيهاً ودفع مبلغ جنيهين تأميناً ابتدائياً، وقد رأت اللجنة المختصة قبول عطائه وإرساء المناقصة عليه، وطالب المجلس بتاريخ 8 من فبراير سنة 1955 المدعى عليه بدفع التأمين النهائي وقدره 10% والحضور لتوقيع العقد، فلم يأبه لذلك فأخطره المجلس ثانية بخطاب موصى عليه بضرورة توريد التأمين النهائي والحضور لتوقيع العقد وحدد له عشرة أيام من تاريخ 16 من فبراير سنة 1955 حتى لا يضطر المجلس لاتخاذ الإجراءات القانونية فلم ينفذ شيئاً ولحاجة المؤسسة لهذه الأجهزة قام المجلس بمصادرة التأمين الابتدائي المقدم من المدعى عليه، وأعاد إشهار المناقصة على حسابه فرست في 10 من مارس سنة 1955 على المقاول محمد شبل بمبلغ 165 جنيهاً و503 مليمات صرف له في 5 مايو سنة 1955 أي بفرق 35 جنيهاً و503 مليمات وطالب المجلس المدعى عليه بهذا الفرق بالكتب المؤرخة 23 من أكتوبر، 25 من نوفمبر، 10 و19 من ديسمبر سنة 1956 دون جدوى، لهذا يطلب المجلس إلزام المدعى عليه بدفع مبلغ 35 جنيهاً و503 مليمات والفوائد والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
ورد المدعى عليه على هذه الدعوى بمذكرة ضمنها أن العقد الإداري لا ينعقد إلا بتوافر إرادتين وإذا كان تقديم العطاء يعتبر إيجاباً إلا أن ذلك مشروط بأن يكون العطاء مصحوباً بتأمين ابتدائي قدره 2% وهذا ما نصت عليه شروط المناقصة محل النزاع وما تنص عليه لائحة المخازن والمشتريات، وهذه النصوص تجعل تقديم التأمين الابتدائي إلزامياً، فإذا لم يقدم مع العطاء التأمين الابتدائي الكامل تعين عدم الالتفات إلى العطاء ووجب استبعاده وإلا كان تصرف الإدارة باطلاً ومخالفاً لنص اللائحة. وختم المدعى عليه مذكرته بطلب الحكم برفض الدعوى مع الحكم له برد التأمين المؤقت الذي دفعه.
ثم عقب مجلس المديرية على مذكرة المدعي بمذكرة حاصلها أنه بمجرد إخطار مقدم العطاء بقبول عطائه يصبح التعاقد تاماً بينه وبين الوزارة أو المصلحة طبقاً للشروط، أما دفع التأمين النهائي وتوقيع العقد فما هو إلا لضمان تنفيذ التعاقد، وأما التأمين المؤقت فمقرر سداده لضمان جدية العطاء، فهو بهذه المثابة مشروط تقديمه لصالح الوزارة، فإذا تجاوزت الوزارة عن التأخير في تقديمه أو عن النقص في قيمته فلا يكون هناك محل لما يثيره المدعى عليه بشأن التأمين.
وبتاريخ 5 من أكتوبر سنة 1958 أودع مجلس مديرية الغربية سكرتيرية محكمة القضاء الإداري صحيفة طلب توقيع حجز تحفظي قيدت برقم 1 لسنة 13 القضائية ضد محمود حسين عنان ومدير مصلحة المساحة، ضمنها أنه أقام أمام محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 731 لسنة 11 القضائية ضد المدعى عليه الأول لمطالبته بمبلغ 35 جنيهاً و503 مليمات والفوائد القانونية والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وذلك لأن مجلس المديرية سبق أن شهر مناقصة عن توريد أجهزة المياه الساخنة لمبنى مؤسسة البنين بالمحلة الكبرى وقدم المدعى عليه الأول عطاءه عن هذه المناقصة بمبلغ 130 جنيهاً ودفع تأميناً قدره 2% وقررت لجنة البت قبول عطائه ثم طالبه المجلس مراراً بدفع التأمين النهائي وقدره 10% من قيمة العطاء والحضور لتوقيع العقد إلا أنه لم يأبه، فأعاد المجلس إشهار المناقصة على حسابه ورست على المقاول محمد شبل بمبلغ 165 جنيهاً و503 مليمات صرفت له أي بفرق 35 جنيهاً و503 مليمات يلزم به المدعى عليه الأول، ويقول المدعي أن حقه في المبلغ المذكور ثابت من شروط عطائه وأوراق إعادته المناقصة على حسابه، ويحق له طلب توقيع الحجز التحفظي فوراً على ما للمدعى عليه الأول تحت يد المدعى عليه الثاني وفاء للمبلغ المطلوب وعشره نظير المصروفات الاحتمالية، وذكر المدعي أنه رفع الدعوى رقم 731 لسنة 11 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد المدعى عليه الأول لمطالبته بالمبلغ المذكور وحدد لها جلسة 12 من أكتوبر سنة 1958 وطلب الأمر بتوقيع الحجز التحفظي ما للمدين لدى الغير فوراً وبدون تنبيه وتحت مسئولية الطالب على ما للمدعى عليه الأول تحت يد المدعى عليه الثاني وفاء لمبلغ 35 جنيهاً و503 مليمات وعشرة نظير المصاريف الاحتمالية. وتحديد جلسة 12 من أكتوبر سنة 1958 ليسمع المدعى عليه الأول الحكم بإلزامه بأن يدفع للمدعي مبلغ 35 جنيهاً و503 مليمات والفوائد القانونية بواقع 4% من وقت المطالبة الرسمية حتى السداد والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة مع تثبيت الحجز التحفظي وجعله نافذاً.
وبتاريخ 6 من أكتوبر سنة 1958 أصدر السيد رئيس محكمة القضاء الإداري أمره بتقدير دين مجلس مديرية الغربية تقديراً مؤقتاً بمبلغ 35 جنيهاً و503 مليمات وبتوقيع الحجز التحفظي فوراً وتحت مسئولية الطالب على ما تحت يد المدعى عليه الثاني بصفته مديراً لمصلحة المساحة من أموال مستحقة للمدعى عليه الأول وذلك وفاء للمبلغ سالف الذكر وعشره نظير المصاريف الاحتمالية وحدد جلسة 12 من أكتوبر سنة 1958 لنظر صحة وتثبيت هذا الحجز مع تكليف الطالب باستيفاء الإجراءات القانونية.
وبالجلسة المذكورة نظرت المحكمة دعوى الموضوع ودعوى تثبيت الحجز وقررت المحكمة ضم قضية الحجز إلى قضية الموضوع.
وبجلسة 14 من ديسمبر سنة 1958 حكمت المحكمة (أولاً) برفض الدعوى رقم 731 لسنة 11 القضائية (ثانياً) بإلغاء أمر الحجز التحفظي رقم 1 لسنة 13 الصادر من رئيس محكمة القضاء الإداري بتاريخ 6 من أكتوبر سنة 1958 وبإلغاء الحجز الموقع بناء عليه تحت يد مدير مصلحة المساحة وباعتباره كأن لم يكن (ثالثاً) إلزام الحكومة المصروفات وبمبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة - وأقامت المحكمة قضاءها على أنه لما كان عطاء المدعى عليه بمبلغ مائة وثلاثين جنيهاً فقد كان يجب عليه أن يودع معه تأميناً ابتدائياً يوازي 2% من قيمة العطاء أي جنيهين وستمائة مليم ولكنه لم يودع معه سوى جنيهين فقط مما كان يتعين معه رفض عطائه وعدم النظر فيه طبقاً للشرط الوارد في العطاء تحت عنوان "ملحوظة"، وإلا فيم كان هذا الشرط خصوصاً إذا روعيت صيغة التأكيد التي صيغ بها، فقد استهل بعبارة "برفض كل عطاء" ثم عند ذكر التأمين الابتدائي: اشترط أن يكون كاملاً وأخيراً اختتم الشرط بما يفيد أن العطاء غير المصحوب بالتأمين الابتدائي كاملاً لن ينظر فيه، وهذا كله بالإضافة إلى أن هذا الشرط إن هو إلا ترديد لما ورد في البند الحادي والعشرين من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6 من يونيه سنة 1948 والذي ينص على أنه "يجب أن يقدم مع كل عطاء تأمين مؤقت بواقع 2% من مجموع قيمة العطاء ولا يلتفت إلى العطاءات غير المصحوبة بتأمين مؤقت كامل" وأنه كان يتعين لما تقدم على لجنة العطاءات بالمجلس إغفال العطاء المقدم من المدعى عليه، ولذلك يكون قبول المجلس لهذا العطاء ثم طرح العملية في مناقصة جديدة على حساب المدعى عليه قد وقع مخالفاً للقانون ومن ثم فلا حق للمجلس في الرجوع على المدعى عليه بالفرق بين السعر الوارد في عطاء المدعى عليه وبين السعر الذي رست به العملية في المناقصة الثانية، مما يتعين معه الحكم برفض الدعوى ويترتب على ذلك أن يكون طلب تثبيت الحجز الصادر به أمر رئيس محكمة القضاء الإداري في 6 من أكتوبر سنة 1958 لا مبرر له وتعين الحكم بإلغاء أمر الحجز المذكور والحجز المتوقع بناء عليه تحت يد مصلحة المساحة واعتباره كأن لم يكن مع إلزام مجلس المديرية بالمصروفات.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون بني على أنه كان يجب على الإدارة استبعاد عطاء المدعى عليه وفقاً للملحوظة الواردة في نهاية شروط العطاء ما دام لم يقدم التأمين الابتدائي بواقع 2% من جملة العطاء، إلا أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه غير سليم؛ ذلك أن التأمين الابتدائي مقصود به تحقيق أمرين: أولهما ضمان جدية العطاءات، والثاني تحقيق مبدأ المساواة بين المتقدمين في أي قضية، ولذلك فلا يقبل الاحتجاج بعدم دفع التأمين الابتدائي المشروط إلا لمن شرع تقديم التأمين ضماناً لحقوقه أي لجهة الإدارة، لأن التأمين مشروط لصالحها حتى تضمن جدية العطاءات المقدمة ثم للمتقدمين الآخرين الذين قدموا تأميناً كاملاً، لأن في قبول عطاء غير مصحوب بالتأمين إخلالاً بمبدأ المساواة بين المتقدمين في المناقصة أما من قبل عطاؤه فلا يجوز له التحدي بعدم قيامه بدفع التأمين الابتدائي كاملاً، لأن التأمين ليس مشروطاً لمصلحته وذلك بالتطبيق للمبدأ الوارد في المادة 138 من القانون المدني والتي تنص على أنه "إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقاً في إبطال العقد فليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق"، كما أنه لا يجوز للمدعي أن يستفيد من تقصيره لأن في ذلك خروجاً على مبدأ تنفيذ العقود بحسن نية، وأنه لما كان الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة قامت بعد إرساء المناقصة على المدعى عليه بإخطاره بقبول عطائه في خلال المدة المعينة لسريان العطاء، فمن ثم فإن الإيجاب المقدم من المدعى عليه يكون قد صادفه قبول من الإدارة ينعقد به العقد الإداري بين الطرفين منتجاً لكافة الآثار القانونية المترتبة على ذلك وأخصها خضوع العقد للنظام القانوني للعقود الإدارية وهو يعطي للإدارة سلطة توقيع جزاءات على المتعاقد معها إذا ما قصر في تنفيذ التزامه بالكامل أو تأخر في تنفيذه، كما يعطيها الحق في أن تستعمل وسائل الضغط لإجبار المتعاقد المقصر على تنفيذ التزاماته المتصلة بالمرفق العام بأن تحل بنفسها محله أو أن تعمل على إحلال شخص آخر محله في تنفيذ الالتزام، ومن الأمور المسلمة أن هذا الإجراء الأخير لا يتضمن إنهاء العقد بالنسبة للمتعاقد المقصر، بل يظل هذا المتعاقد مسئولاً أمام جهة الإدارة وتتم العملية لحسابه وعلى مسئوليته، ويضاف إلى ما تقدم أنه ثابت من أوراق الدعوى أن الإدارة لم تلجأ إلى إعادة المناقصة على حساب المدعى عليه إلا بعد أن نكل عن تنفيذ التزامه وبعد إعذاره، فمن ثم فإن الإجراء الذي اتخذته الإدارة يكون صحيحاً مطابقاً للقانون وتكون الإدارة محقة في الرجوع على المدعى عليه بالمبالغ التي تكبدتها نتيجة لإعادة المناقصة على حسابه وإذ كانت المبالغ المطلوبة معلومة المقدار وقت الطلب، فمن ثم فإنها تدخل في منطقة استحقاق الفوائد بالتطبيق لنص المادة 226 من القانون المدني، وتكون جهة الإدارة المدعية محقة في مطالبة المدعى عليه بالمبالغ المضمنة عريضة الدعوى وبفوائدها القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية وفي المطالبة بتثبيت الحجز التحفظي الموقع على ما للمدعى عليه تحت يد مدير المساحة بصفته وجعله نافذاً، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعيناً الطعن فيه.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن المسألة مثار النزاع في هذا الطعن هو الأمر المترتب على تقديم عطاء غير مصحوب بكامل التأمين المؤقت - وهل يجوز لجهة الإدارة قبوله أم يجب عليها عدم الالتفات إليه واستبعاده؟
ومن حيث إن البند الحادي والعشرين من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6 من يونيه سنة 1948 قد نص على أنه "يجب أن يقدم مع كل عطاء تأمين مؤقت بواقع 2% من مجموع قيمة العطاء ولا يلتفت إلى العطاءات غير المصحوبة بتأمين مؤقت كامل" - ثم جاء الشرط الوارد في العطاء تحت عنوان "ملحوظة" ترديداً لنص اللائحة المشار إليه حيث قال "يرفض كل عطاء يقدم وليس معه تأمين ابتدائي كامل بواقع 2% من جملته ولا ينظر إليه".
وحيث إنه واضح مما تقدم أن هذه النصوص الآمرة قصد بها تحقيق مصلحة عامة متعلقة بجدية العطاءات والمساواة بين المتقدمين في المناقصات - هذه النصوص قررت الأثر المترتب على العطاء غير المصحوب بالتأمين المؤقت كاملاً وهو عدم الالتفات إليه وبالتالي استبعاده وكأنه لم يقدم، فليس يجوز للإدارة مع هذه الضوابط القانونية الموضوعة لحماية المصلحة العامة في المناقصات أن تهدر أحكام تلك النصوص في اللائحة والشروط بقبول عطاء واجب الاستبعاد. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه، إذ قضى بعدم الالتفات إلى عطاء المدعى عليه، يكون صحيحاً مطابقاً للقانون، ولا مقنع فيما ذهب إليه الطعن من أن الإيجاب المقدم من المدعى عليه يكون قد صادفه قبول من الإدارة ينعقد به العقد الإداري وينتج كافة الآثار القانونية - لا مقنع في ذلك لما جاء في الطعن ذاته من أن اشتراط تقديم العطاء مصحوباً بالتأمين الابتدائي مقصود به تحقيق أمرين: ضمان جدية العطاءات، والمساواة بين المتقدمين. وظاهر أن تحقيق هذين الأمرين يقتضي استبعاد العطاء ويكون قبوله - والحالة هذه - إجراء خاطئاً من جانب الإدارة لا يترتب عليه قبول صحيح منتج لآثاره.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه سليماً مطابقاً للقانون ويكون الطعن في غير محله متعيناً القضاء برفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق