الصفحات

الأربعاء، 2 أغسطس 2023

الطعن 1154 لسنة 14 ق جلسة 11 / 6 / 1972 إدارية عليا مكتب فني 17 ج 2 ق 80 ص 556

جلسة 11 من يونيه سنة 1972

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح بيومي، نائب رئيس مجلس الدولة. وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة وأحمد فؤاد أبو العيون وسليمان محمود جاد ومحمد عوض الله مكي، المستشارين.

-------------------

(80)

القضية رقم 1154 لسنة 14 القضائية

عاملون مدنيون "نقل، قرار إداري".
المادة 41 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1964 - تقييدها نقل العامل من وزارة أو من مصلحة أو محافظة أو مؤسسة أو هيئة إلى أخرى بقيد ألا يفوت النقل عليه دوره في الترقية بالأقدمية - وجوب التزام هذا القيد أيضاً في حالة النقل من كادر إلى أخر - أساس ذلك - النقل في حالة الترقية بالاختيار - شرطه أن يصدر بباعث من المصلحة العامة - صورة لإساءة استعمال السلطة في هذا الخصوص.

-----------------------
إنه ولئن كان يجوز للإدارة طبقاً لنص المادة 41 من القانون رقم 46 لسنة 1964 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة نقل العامل من وزارة أو مصلحة أو محافظة إلى أخرى أو من مؤسسة أو هيئة إلى أخرى إذا كان هذا النقل لا يفوت على العامل دوره في الترقية بالأقدمية أو كان بناءاً على طلبه، فإن النقل من الكادر الإداري إلى الكادر الفني العالي أو العكس وإن كان نقلاً نوعياً لتغاير طبيعة العمل في كل منهما - كما قرر الحكم المطعون فيه - إلا أن الحكمة التي حدت بالمشرع إلى تقرير الحكم الذي أورده نص المادة 41 سالف الذكر متوافر في هذا النوع من النقل أيضاً، ومن ثم فإن جهة الإدارة تتقيد فيه بدواعي المصلحة العامة ومصلحة الموظف جميعها، مما يتعين معه الاستهداء بحكم المادة 41 سالفة الذكر وبما أورده من قيود.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما يثيره الطعن من أن الترقية التي تمت بمقتضى القرار المطعون فيه كانت بالاختيار وشرط عدم النقل في المادة 41 سالفة الذكر منوط بالتخطي في الأقدمية المطلقة، ولئن كان القيد الذي أورده حكم هذه المادة - والذي جاء مردداً لحكم المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة الملغي - هو استثناء من الأصل العام الذي يجيز النقل كما يجيز ترقية الموظف المنقول وفقاً للقواعد العامة مما يتعين تفسيره في حدود الحكمة التشريعية التي قام عليها وهي منع التحايل لإيثار الموظف المنقول بترقيته في الجهة المنقول إليها في نسبة الأقدمية وحرمان من كان يصيبه الدور في الترقية لولا مزاحمة المنقول له في فرصة الترقية فيحجبه بحكم أقدميته: الأمر الذي يفهم منه أن القيد الذي أورده الحكم المتقدم وحظر به النقل هو الذي يفوت على العامل دوره في الترقية بالأقدمية لئن كان هذا هو ما يفهم من القيد إلا أنه سبق لهذه المحكمة أن قضت أنه مما يجب التنبيه إليه أنه ليس معنى ذلك أن النقل يصح دائماً إذا كانت الترقية بالاختيار بل يجوز إبطالها في هذه الحالة كذلك إذا صدرت بباعث من إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن عيب الانحراف بالسلطة يعتبر ملازماً للسلطة التقديرية الممنوحة لجهة الإدارة في حدود ما تمليه مقتضيات الصالح العام تحقيقاً لحسن سير المرافق العامة على سند من توخي العدالة الإدارية بالنسبة لعمالها والقائمين عليها. وبهذه المثابة فإنه يتعين أن تمارسها بمعيار موضوعي يتفق وروح القانون، الأمر الذي يطوع للقضاء الإداري تحري بواعث العمل وملابساته وأسبابه وفرض رقابته على كل ذلك للوقوف على الهدف الحقيقي الذي تنشده الجهة الإدارية من قرارها وما إذا كان حقاً قد رمت به وجه المصلحة العامة أم تنكبت السبيل وانحرفت به عن الغاية، كما أنه غنى عن البيان إنه إذا ما أفصحت الإدارة عن أسباب قرارها فإن للمحكمة تحري صحة هذه الأسباب والتأكد من أنها تنتج حقيقة النتائج المنشودة وأنها مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها واقعاً وقانوناً.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى الأوراق يبين أنه خلت ثلاث درجات (ثانية) بالكادر الإداري بديوان عام وزارة الاقتصاد فقررت لجنة شئون العاملين بالوزارة بتاريخ 26 من ديسمبر سنة 1965 بمحضرها المعتمد من الوزير بتاريخ 28 من ديسمبر سنة 1965 نقل كل من المطعون ضده والسيد/ .... من الكادر الإداري إلى الكادر العالي ونقل كل من السيدين/ .... مكانهما من الكادر العالي إلى الكادر الإداري وترقيتهما في ذات الوقت وبذات القرار مع السيد/ .... الذي كان أحدث من المدعي في أقدمية الدرجة الثالثة بالكادر الإداري - إلى الدرجات الثلاث (الثانية) الخالية بهذا الكادر وصدر بذلك القرار المطعون فيه رقم 978 بتاريخ 3 من يناير سنة 1966، وقد جاء بمحضر لجنة شئون العاملين المشار إليه أنه روعي في النقل المصلحة العامة التي يقتضيها حسن سير العمل ومناسبة المؤهل الحاصل عليه كل منهم: وأضافت الوزارة بكتابها المؤرخ 12 من إبريل سنة 1972 رداً على استفسارات المحكمة أن مؤهل المدعي (شهادة العالمية من الأزهر) لا يتفق مع اشتراطات التأهيل المناسبة لشغل الوظيفة القيادية وأن المرقين يمتازون بحصولهم على المؤهلات المناسبة بالإضافة إلى خبرتهم في مجالات تخصصهم.
ومن حيث إن الواضح من الوقائع السابق تفصيلها أن الجهة الإدارية ربطت بين اعتبارات الصالح العام وبين المعيار الذي اتخذته للمفاضلة بين المدعي وزملائه الذين نقلوا ورقوا على أساس الوظائف التي رقوا إليها ومدى صلاحيتهم وقدراتهم على القيام بأعبائها بالنظر إلى خبراتهم السابقة ومناسبة مؤهلاتهم، في حين أن الواضح من رد الوزارة على الدعوى أن المدعي كان يشغل بالكادر الإداري قبل النقل وظيفة وكيل مراقبة المحفوظات، وشغل بعد النقل وظيفة كبير أخصائيين ثان، ومعنى ذلك - تمشياً مع وجهة نظر الوزارة - أن المدعي وهو حاصل على العالمية من الأزهر لا يصلح للعمل بالكادر الإداري في الوظيفة الأولى ولكنه يصلح للعمل بالكادر الفني العالي في الوظيفة الأخيرة وهي وظيفة قيادية وهو أمر لا يستقم مع ما تتطلبه الوظيفة الرئيسية في الكادر الفني العالي من استعداد ونوعية خاصة في المؤهلات ومن ثم تغدو حجة الوزارة في هذا الشأن داحضة، ويؤكد ذلك أن المؤهل الحاصل عليه زميل المدعي الذي كان تالياً في أقدمية الدرجة الثالثة بالكادر الإداري وهو السيد/ .... هذا المؤهل وهو (ليسانس الآداب) الذي يتماثل مع مؤهل المدعي ولا يفوقه لم يحل دون ترقيته إلى الدرجة الثانية بالكادر الإداري في القرار المطعون فيه: ويؤكد ذلك أيضاً أن النقل في حد ذاته لم يتخذ مظهراً جدياً فالثابت من رد الوزارة بالكتاب المؤرخ 12 من إبريل سنة 1972 أن الوظائف التي كان يتولاها الموظفون الذين نقلوا بالقرار المطعون فيه قبل النقل لم تتغير بصدور قرار النقل بل ظل كل منهم يشغل وظيفته السابقة مما يشعر بعدم جدية هذا النقل ويدل على أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين نقل المرقين ممن نقلوا من الكادر الفني العالي إلى الكادر الإداري وترقيتهم في ذات الوقت وبذات القرار وبذلك يظهر واضحاً أن المعاصرة التي لازمت النقل والترقية كان الهدف منها إتاحة الفرصة لهؤلاء للترقية على الدرجات الخالية بالكادر الإداري، ومن ثم فإن المفاضلة التي أجرتها الوزارة بين المنقولين بالتبادل وجعلت أساسها المصلحة العامة لا تقوم على أساس سليم من الوقائع وبالتالي يعد نقلاً ساتراً لترقية المطعون ضدهم. وتأسيساً على ذلك يكون النقل بهذه المثابة باطلاً ويظل المدعي معتبراً قانوناً في الكادر الإداري كما يكون من حقه أن يتزاحم في الترشيح في الترقية بالاختيار على إحدى الدرجات الثلاث التي كانت خالية بالكادر الإداري والتي تمت الترقية إليها بالقرار المطعون فيه.


"المحكمة"

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1367 لسنة 20 القضائية ضد وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 4 من مايو سنة 1966 طلب فيها الحكم "بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 978 لسنة 1965 الصادر في 3 يناير سنة 1966 فيما تضمنه من نقل الطاعن من الكادر الإداري إلى الكادر الفني العالي، ومن ترقية السادة أحمد طلعت شكري النحال ويحيى سامي مصطفى الغرباوي وحلمي عبد العزيز محمود ربيع على الدرجات الثانية الثلاث الخالية بالكادر الإداري والتي كان الطاعن يستحق الترقية على واحدة منها وما ترتب عليها ومن تخطي الطاعن في الترقية إلى الدرجة الثانية الإدارية بالكادر الإداري التي كان يستحقها اعتباراً من تاريخ 28 من ديسمبر سنة 1965 لو لم ينقل من الكادر الإداري إلى الكادر الفني العالي وما يترتب على ذلك من آثار" وتوجز أسانيد دعواه في أنه نظراً لوجود ثلاث درجات خالية بالكادر الإداري بالديوان العام بالوزارة قررت لجنة شئون العاملين بالوزارة في 26 من ديسمبر سنة 1965 نقل المطعون ضدهما الأولين محمد شكري النحال ويحيى سامي الغرباوي من الكادر الفني العالي إلى الكادر الإداري ونقله هو وزميله محمد إبراهيم عبد المجيد من الكادر الإداري إلى الكادر الفني العالي وترقية المطعون ضدهما إلى الدرجة الثانية الإدارية، وإذ بقيت درجة ثانية إدارية أخرى بالكادر الإداري فقد قررت اللجنة المذكورة ترقية المطعون عليه حلمي عبد العزيز محمود ربيع إليها وقد كان هو - أي المدعي - يستحق الترقية إلى إحدى تلك الدرجات لو لم ينقل من الكادر الإداري، وقد اعتمد الوزير محضر اللجنة المشتمل على القرارات المشار إليها وصدر بذلك القرار المطعون فيه مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة إذا أن نقله من كادر إلى كادر قصد به تفويت فرصة الترقية عليه وإعطاء الدرجة لمن هو أحدت منه وتدخلت في ذلك الاعتبارات الشخصية وعلاقات القرابة بدليل أن التنقلات والترقيات تمت في آن واحد وأنه إذا كان نقل الموظف جائزاً إلا أن شرطه ألا يفوت عليه دوره في الترقية بالأقدمية طبقاً لنص المادة 41 من قانون العاملين كما أن المفاضلة لاختيار الأحق في الترقية أساسها مرتبة الكفاية التي يحددها التقرير السري السنوي ويجب التقيد بالأقدمية - ذات مرتبة الكفاية وفقاً لنص المادة 21 من ذات القانون هذا فضلاً عن أنه وفقاً لنص المادتين 68: 70 من القرار الجمهوري رقم 132 لسنة 1964 الخاص بضباط الاحتياط كان يتعين أن تكون له الأفضلية على زملائه بصفته ضابط احتياط.
وأجابت جهة الإدارة على الدعوى بأن المدعي حاصل على شهادة العالمية سنة 1944 وأجازة التدريس سنة 1944 - وترجع أقدميته في الدرجة الثالثة الإدارية إلى 20 أغسطس سنة 1963، وكان ترتيبه الثاني في أقدمية الكادر الإداري بالوزارة، وفي 28 من ديسمبر سنة 1965 قررت لجنة شئون العاملين نقل بعض العاملين بديوان عام الوزارة من الدرجة الثالثة العالية من الكادر العالي إلى الكادر الإداري وهم السيد/ أحمد طلعت شكري النحال الحاصل على بكالوريوس التجارة سنة 1944، وترجع أقدميته في الدرجة الثالثة الفنية العالية إلى 30 من إبريل سنة 1960 وترتيبه الأول، والسيد/ يحيى سامي مصطفى الغرباوي الحاصل على ليسانس الحقوق عام 1943 ودبلوم معهد الضرائب سنة 1947 وترجع أقدميته في الدرجة الثالثة الفنية العالية إلى 14 من أغسطس سنة 1961 وترتيبه الثاني: كما تقرر نقل اثنين آخرين من الكادر الإداري إلى الكادر العالي وهما السيد/ محمد إبراهيم عبد المجيد الحاصل على دبلوم المعهد العالي للعلوم المالية والتجارية سنة 1944 وترجع أقدميته في الدرجة الثالثة الإدارية إلى 17 من يوليه سنة 1963 وترتيبه الأول، والسيد/ محمد رشاد مصطفى (المدعي) وتنفيذاً لذلك صدر القرار المطعون فيه متضمناً نقل المذكورين وترقية المنقولين من الكادر الفني العالي إلى الكادر الإداري إلى الدرجة الثانية الإدارية وأضافت جهة الإدارة أن هذا النقل كانت تقتضيه دواعي المصلحة العامة ومقتضيات سير العمل بالوزارة ومناسبة المؤهل الحاصل عليه من المدعي وزملائه المنقولين معه، والوظيفة التي نقل إليها كل منهم ويكون النقل قد تم في حدود القانون ولم يفوت القرار المطعون فيه على المدعي دوره في الترقية بالأقدمية لأنه فضلاً عن أن هذا النقل لا يتقيد بالقيود التي أوردتها المادة 41 من القانون رقم 46 لسنة 1964 بشأن نظام العاملين بالدولة فإن الترقية التي تمت بالقرار المطعون فيه كانت بالاختيار بمعنى أن شرط عدم جواز النقل منوط بالتخطي في الترقية بالأقدمية وليس بالاختيار، كما أن المدعي لو لم ينقل إلى الدرجة الثالثة الفنية العالية هو وزميله لكان ترتيبه الرابع بعد نقل كل من السيدين أحمد طلعت شكري النحال ويحيى سامي الغرباوي اللذين ترجع أقدميتهما في الدرجة الثالثة الفنية العالية إلى 30 من إبريل سنة 1961، ولما كان عدد الدرجات ثلاث درجات ثانية فما كان ليدركه الدور في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الثانية الإدارية العالية ومن ثم لم يكن هناك تخطي للمدعي في الترقية.
وبجلسة 25 من إبريل سنة 1968 قضت محكمة القضاء الإداري "بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 978 الصادر في 3 من يناير سنة 1966 فيما تضمنه من نقل المدعي من الكادر الإداري إلى الكادر الفني العالي وتخطيه في الترقية إلى الدرجة الثانية الإدارية مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة المصروفات" وأقامت قضاءها على أن الرأي مستقر على أن النقل من الكادر الإداري إلى الكادر الفني العالي يعتبر نوعياً لتغاير طبيعة العمل في كل منهما: والحكمة التي جعلت المشرع يقرر الحكم الذي أورده في المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ومن بعده المادة 41 من قانون العاملين الجديد متوافرة أيضاً في النقل النوعي والإدارة مقيدة فيه بدواعي المصلحة العامة ومصلحة الموظف أيضاً، بمعنى أنه إذا تم على خلاف هذه القاعدة كان ذلك قرينة على إساءة استعمال السلطة، وأضافت المحكمة في الحكم المطعون فيه أن أقدمية المدعي في الدرجة الثالثة الإدارية سابقة على المطعون في ترقيته الأخير وهو السيد/ حلمي عبد العزيز ربيع كما أن تقديراتهما في التقدير السنوي لعام 1965 متطابقة إذ حصلا على أقصى درجات التقدير (ممتاز) ولو ظل المدعي في الكادر الإداري لكان أحق منه بالترقية إلى الدرجة الثانية الإدارية، وأنها لم تستبن من الأوراق أن النقل تم تحقيقاً للصالح العام وكان من الممكن تحقيق هذا الصالح العام بترقيته ثم نقله، كما أن المدعي أحق بالترقية من السيدين أحمد طلعت شكري النحال ويحيى سامي مصطفى الغرباوي ولا اعتداد بأنهما أقدم من المدعي في أقدمية الدرجة الثالثة إذ أن الأصل أن يستقل كل كادر بأقدمية خاصة بموظفيه ومن ثم يظل المدعي أقدم الموظفين الموجودين بالكادر الإداري كما لا اعتداد بأن الترقية تمت بالاختيار ذلك أن المادة 41 من قانون العاملين فضلاً عن أن تطبيقها على الحالة المعروضة إنما هو على سبيل الاستهداء بالروح التي صبغت بها وقياساً على الحالة الواردة بها لاتحاد العلة بين النقل المكاني والنوعي في الحالة الماثلة: فإن الأقدمية المشار إليها في هذه المادة قد وردت في صيغة عامة بحيث تشمل الترقية بالأقدمية المطلقة في وضعها العادي المعروف وتلك الأقدمية التي تؤهل للترقية بالاختيار، ولو قصد قصرها على الأولى لنصت المادة على ذلك صراحة، وانتهت المحكمة في حكمها بأن الوزارة لم تبين وجه الصالح العام في قرارها ولم تدفع ما أثاره المدعي من أن النقل صدر مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون ذلك أن نقل المدعي إلى الكادر الفني العالي أملته مقتضيات الصالح العام ومناسبة المؤهل الحاصل عليه المطعون ضده وزملائه المنقولين معه والوظيفة التي نقل إليها كل منهم، وهم من الملاءمات المتروكة لتقدير جهة الإدارة ولا يتقيد بالقيد الوارد بالمادة 41 من القانون رقم 46 لسنة 1964 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة، والتي تفترض النقل من وحدة مستقلة إلى وحدة مستقلة أخرى: فضلاً عن أن الترقية التي تمت بمقتضى القرار المطعون فيه تمت بالاختيار فإذا أضيف إلى ذلك أن المطعون ضده لو لم ينقل إلى الدرجة الثالثة الفنية العالية هو وزميله فإن ترتيبه بعد نقل كل من المنقولين إلى الكادر الإداري يكون الرابع، ولما كانت الدرجات التي تمت إليها الترقية ثلاث درجات فإن أقدميته لم تكن تسعفه في الترقية.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما تقرره الوزارة الطاعنة من أن القيد الوارد بنص المادة 41 من القانون رقم 46 لسنة 1964 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة يفترض النقل من وحدة مستقلة إلى وحدة مستقلة أخرى، فإنه ولئن كان يجوز للإدارة طبقاً لنص الحكم المتقدم نقل [العامل من وزارة أو مصلحة أو محافظة إلى أخرى أو من مؤسسة أو هيئة إلى أخرى إذا كان هذا النقل لا يفوت على العامل دوره في الترقية بالأقدمية أو كان بناءاً على طلبه، فإن النقل من الكادر الإداري إلى الكادر الفني العالي أو العكس وإن كان نقلاً نوعياً لتغاير طبيعة العمل في كل منهما - كما قرر الحكم المطعون فيه - إلا أن الحكمة التي حدت بالمشرع إلى تقرير الحكم الذي أورده نص المادة 41 سالف الذكر متوافر في هذا النوع من النقل أيضاً، ومن ثم فإن جهة الإدارة تتقيد فيه بدواعي المصلحة العامة ومصلحة الموظف جميعاً: مما يتعين معه الاستهداء بحكم المادة 41 سالفة الذكر وبما أورده من قيود.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما يثيره الطعن من أن الترقية التي تمت بمقتضى القرار المطعون فيه كانت بالاختيار وشرط عدم النقل في المادة 41 سالفة الذكر منوط بالتخطي في الأقدمية المطلقة فإنه ولئن كان القيد الذي أورده حكم هذه المادة - والذي جاء مردداً لحكم المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة الملغي - هو استثناء من الأصل العام الذي يجيز النقل كما يجيز ترقية الموظف المنقول وفقاً للقواعد العامة مما يتعين تفسيره في حدود الحكمة التشريعية التي قام عليها - وهي منع التحايل لا يثار الموظف المنقول بترقيته في الجهة المنقول إليها في نسبة الأقدمية وحرمان من كان يصيبه الدور في الترقية لولا مزاحمة المنقول له في فرصة الترقية فيحجبه بحكم أقدميته, الأمر الذي يفهم منه أن القيد الذي أورده الحكم المتقدم وحظر به النقل هو الذي يفوت على العامل دوره في الترقية بالأقدمية لئن كان هذا هو ما يفهم من القيد إلا أنه سبق لهذه المحكمة أن قضت أنه مما يجب التنبيه إليه أنه ليس معنى ذلك أن النقل يصح دائماً إذا كانت الترقية بالاختيار بل يجوز إبطالها في هذه الحالة كذلك إذا صدرت بباعث من إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن عيب الانحراف بالسلطة يعتبر ملازماً للسلطة التقديرية الممنوحة لجهة الإدارة في حدود ما تمليه مقتضيات الصالح العام تحقيقاً لحسن سير المرافق العامة على سند من توخي العدالة الإدارية بالنسبة لعمالها والقائمين عليها. وبهذه المثابة فإنه يتعين أن تمارسها بمعيار موضوعي يتفق وروح القانون، الأمر الذي يطوع للقضاء الإداري تحري بواعث العمل وملابساته وأسبابه وفرض رقابته على كل ذلك للوقوف على الهدف الحقيقي الذي تنشده الجهة الإدارية من قرارها وما إذا كان حقاً قد رمت به وجه المصلحة العامة أم تنكبت السبيل وانحرفت به عن الغاية. كما أنه غنى عن البيان أنه إذا ما أفصحت الإدارة عن أسباب قرارها فإن للمحكمة تحري صحة هذه الأسباب والتأكد من أنها تنتج حقيقة النتائج المنشودة وأنها مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها واقعاً وقانوناً.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى الأوراق يبين أنه خلت ثلاث درجات (ثانية) بالكادر الإداري بديوان عام وزارة الاقتصاد فقررت لجنة شئون العاملين بالوزارة بتاريخ 26 من ديسمبر سنة 1965, بمحضرها المعتمد من الوزير بتاريخ 28 من ديسمبر سنة 1965 نقل كل من المطعون ضده والسيد/ .... من الكادر الإداري إلى الكادر العالي ونقل كل من السيدين/ .... مكانهما من الكادر العالي إلى الكادر الإداري وترقيتهما في ذات الوقت وبذات القرار مع السيد/ .... - الذي كان أحدث من المدعي في أقدمية الدرجة الثالثة بالكادر الإداري - إلى الدرجات الثلاث (الثانية) الخالية بهذا الكادر وصدر بذلك القرار المطعون فيه رقم 978 بتاريخ 3 من يناير سنة 1966، وقد جاء بمحضر لجنة شئون العاملين المشار إليه أنه روعي في النقل المصلحة العامة التي يقتضيها حسن سير العمل ومناسبة المؤهل الحاصل عليه كل منهم, وأضافت الوزارة بكتابها المؤرخ 12 من إبريل سنة 1972 رداً على استفسارات المحكمة أن مؤهل المدعي (شهادة العالمية من الأزهر) لا يتفق مع اشتراطات التأهيل المناسبة لشغل الوظيفة القيادية وأن المرقين يمتازون بحصولهم على المؤهلات المناسبة بالإضافة إلى خبراتهم في مجالات تخصصهم.
ومن حيث إن الواضح من الوقائع السابق تفصيلها أن الجهة الإدارية ربطت بين اعتبارات الصالح العام وبين المعيار الذي اتخذته للمفاضلة بين المدعي وزملائه الذين نقلوا ورقوا على أساس الوظائف التي رقوا إليها ومدى صلاحيتهم وقدراتهم على القيام بأعبائها بالنظر إلى خبراتهم السابقة ومناسبة مؤهلاتهم: في حين أن الواضح من رد الوزارة على الدعوى أن المدعي كان يشغل بالكادر الإداري قبل النقل وظيفة وكيل مراقبة المحفوظات، وشغل بعد النقل وظيفة كبير أخصائيين ثان، ومعنى ذلك - تمشياً مع وجهة نظر الوزارة - أن المدعي وهو حاصل على العالمية من الأزهر لا يصلح للعمل بالكادر الإداري في الوظيفة الأولى ولكنه يصلح للعمل بالكادر الفني العالي في الوظيفة الأخيرة وهي وظيفة قيادية وهو أمر لا يستقم مع ما تتطلبه الوظيفة الرئيسية في الكادر الفني العالي من استعداد ونوعية خاصة في المؤهلات ومن ثم تغدو حجة الوزارة في هذا الشأن داحضة، يؤكد ذلك أن المؤهل الحاصل عليه زميل المدعي الذي كان تالياً في أقدمية الدرجة الثالثة بالكادر الإداري وهو السيد/ .... هذا المؤهل وهو (ليسانس الآداب) الذي يتماثل مع مؤهل المدعي ولا يفوقه لم يحل دون ترقيته إلى الدرجة الثانية بالكادر الإداري في القرار المطعون فيه, ويؤكد ذلك أيضاً أن النقل في حد ذاته لم يتخذ مظهراً جدياً فالثابت من رد الوزارة بالكتاب المؤرخ 12 من إبريل سنة 1972 أن الوظائف التي كان يتولاها الموظفون الذين نقلوا بالقرار المطعون فيه قبل النقل لم تتغير بصدور قرار النقل بل ظل كل منهم يشغل وظيفته السابقة مما يشعر بعدم جدية هذا النقل ويدل على أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين نقل المرقين ممن نقلوا من الكادر الفني العالي إلى الكادر الإداري وترقيتهم في ذات الوقت وبذات القرار وبذلك يظهر واضحاً أن المعاصرة التي لازمت النقل والترقية كان الهدف منها إتاحة الفرصة لهؤلاء للترقية على الدرجات الخالية بالكادر الإداري: ومن ثم فإن المفاضلة التي أجرتها الوزارة بين المنقولين بالتبادل وجعلت أساسها المصلحة العامة لا تقوم على أساس سليم من الواقع وبالتالي يعد نقلاً ساتراً لترقية المطعون ضدهم. وتأسيساً على ذلك يكون النقل بهذه المثابة باطلاً ويظل المدعي معتبراً قانوناً في الكادر الإداري كما يكون من حقه أن يتزاحم في الترشيح في الترقية بالاختيار على إحدى الدرجات الثلاث التي كانت خالية بالكادر الإداري والتي تمت الترقية إليها بالقرار المطعون فيه.
ومن حيث إن المدعي يقيم دعواه على أساس أنه أحق من السيد/ حلمي عبد العزيز محمود ربيع في الترقية إلى الدرجة الثانية بالقرار المطعون فيه لأنه كان يليه في ترتيب الأقدمية في الدرجة الثالثة الإدارية، ولو بقى في الكادر الإداري دون أن ينقل لكان ذلك حائلاً دون ترقيته باعتباره - أي المدعي - كان سابقاً عليه وكفايته لا مطعن عليها فضلاً عن أنه حاصل على مؤهل يماثل مؤهل زميله وقد قصد من النقل فضلاً عن إتاحة الفرصة لترقية المنقولين من الكادر الفني العالي إلى الكادر الإداري أن يفتح الطريق لترقية السيد/ حلمي عبد العزيز محمود ربيع المطعون ضده.
ومن حيث إنه من المقرر أن تكون الترقية في نسبة الاختيار بحسب درجة الكفاية في التقريرين الأخيرين وأنه لا يجوز تخطي الأقدم إلى الأحدث إلا إذا كان هذا الأخير ظاهر الامتياز عليه، وأنه ولئن كانت الوزارة قد عللت النقل والترقية بصفة عامة بعلة ظهر فسادها، إلا أنها لم تعلل سبب اختيارها للمطعون ضده دون المدعي في الترقية مع أنه أسبق منه في ترتيب الأقدمية مع تساويهما في مرتبة الكفاية.
ومن حيث إنه يتضح من استظهار حالة المدعي والمطعون في ترقيته السيد/ حلمي ربيع من واقع الأوراق وملفات الخدمة أن كلاً منهما حصل على مرتبة الامتياز في الكفاية في تقريريه السريين عن عامي 1964، 1965 وأن المدعي أقدم من المطعون ضده في التخرج والتعيين وأقدمية الدرجة السابقة فضلاً عن تناسب مؤهليهما ومن ثم تكون الوزارة حين تخطته في الترقية إلى الدرجة الثانية بالاختيار دون سبب محدد يبرر تخطيه ودون أن يرجحه المطعون في ترقيته بميزة ظاهرة توجب تفضيله عليه فإن قرارها والحالة هذه يكون على خلاف ما يقضي به التطبيق السليم للقانون متعيناً إلغاؤه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد ذهب هذا المذهب فإنه يكون قد أصاب وجه الحق فيما انتهى إليه وبهذه المثابة يكون الطعن عليه في غير محله مما يتعين الحكم برفضه وتأييد الحكم المطعون فيه مع إلزام الوزارة بمصروفاته.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الجهة الإدارية بمصروفاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق