الصفحات

الخميس، 13 يوليو 2023

الطعن 757 لسنة 4 ق جلسة 28 / 3 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 2 ق 92 ص 1053

جلسة 28 من مارس سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني ومحيي الدين حسن وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

----------------

(92)

القضية رقم 757 لسنة 4 القضائية

موظف 

- إجازة القانون رقم 256 لسنة 1956 التعيين فيما لا يجاوز نصف خلوات الدرجة السادسة الإدارية بمصلحة الجمارك بالنقل من الدرجة السادسة الكتابية بالمصلحة المذكورة - عدم استصحاب الموظف المنقول بالتطبيق لأحكامه أقدميته في الكادر الأدنى - حجة ذلك.

-----------
إن القانون رقم 256 لسنة 1956، وإن أجاز - استثناء من أحكام المادتين 11 و15 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - التعيين فيما لا يجاوز نصف خلوات الدرجة السادسة الإدارية بمصلحة الجمارك بالنقل من الدرجة السادسة الكتابية بالمصلحة المذكورة، بشرط ألا نقل مؤهلات المنقولين عن الشهادات المتوسطة، وأن يكون التقريران الأخيران بدرجة امتياز أو ما لا يقل عن 80%، وأن يكونوا قد جاوزوا بنجاح امتحان المعهد الثقافي الجمركي الملحق بالمصلحة، وأن تكون ترقية ذوي المؤهلات المتوسطة منهم من الدرجة الرابعة الإدارية إلى الدرجة الثالثة الإدارية في حدود النسب المقررة بمقتضى أحكام المادة 41 من القانون السالف الذكر - لئن أجاز القانون المذكور النقل على هذا الوجه بالقيود والشروط سالفة الذكر، إلا أنه لا يتضح منه - سواء من نصوصه أو من مذكرته الإيضاحية - أنه قصد أن يستصحب الموظف المنقول من الكادر الأدنى إلى الكادر الأعلى أقدميته في الكادر الأدنى؛ فلا مناص - والحالة هذه - من الرجوع إلى الأصل، وهو الفصل بين الكادرين؛ فتعتبر أقدمية الموظف المذكور بين أقر أنه في الكادر الأعلى من تاريخ نقله إلى هذا الكادر الأخير؛ تقطع في ذلك الحكمة التشريعية التي قام عليها القانون المذكور في ضوء مذكرته الإيضاحية؛ إذ يظهر منها أن مصلحة الجمارك أبدت "أنه يتعذر عليها من الناحية العملية أو الواقعية تقسيم وظائفها إلى إداري بحت أو فني بحت، وطلبت إعادة النظر في هذا التقسيم في الوظائف وكذلك استثناءها من أحكام المادتين 11 و15 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه فيما يختص بقصر التعيين في الدرجة السادسة الإدارية على حملة المؤهلات العالية؛ حيث إن هذا لا يتفق مع صالح العمل ولا مع الأسس التي بني عليها نظام العمل بها؛ لأن أعمال الجمارك غالباً ما تتطلب من القائمين بها نوعاً من التخصص يكتسب بالمران والخبرة مع الإلمام بالإجراءات والمعلومات والأنظمة الجمركية والتدرج في مختلف درجات الوظائف دون التقيد بمؤهل دراسي عال معين....". وواضح من ذلك أن الغاية من هذا القانون هي التيسير على المصلحة في شغل هذه الوظائف بطريق النقل من الكادر الأدنى في الحدود وبالقيود والشروط السالفة الذكر، بدون حاجة إلى حصول الموظف المنقول على المؤهل العالي الذي يتطلبه القانون في الأصل للتعيين في هذه الوظائف؛ إذ استعيض عن ذلك بالنجاح في امتحان المعهد الثقافي الجمركي إلى جانب الشروط الأخرى التي تثبت امتيازه، ولكن لا يظهر مما تقدم أن القانون المشار إليه يسمح بأن يستصحب الموظف المنقول أقدميته في الكادر الأدنى عند نقله إلى الكادر الأعلى، بل على العكس من ذلك فإن تقييده الترقية من الدرجة الرابعة الإدارية إلى الدرجة الثالثة الإدارية في حدود النسب المقررة بمقتضى أحكام المادة 41 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تدل على أن هذا النقل الاستثنائي لا يهدف إلى أبعد مما تقدم، وأن الشارع إنما يقيسه على النقل بالتطبيق للمادة 41 المشار إليها.


إجراءات الطعن

في يوم 21 من يوليه سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 22 من مايو سنة 1958 في القضية رقم 505 لسنة 11 القضائية المرفوعة من السادة: علي مرسي عيد جلال وجلال حسن قنديل ومحمد لطفي محمد حسين معوض عبد الوهاب مبارك ضد وزارة المالية ومصلحة الجمارك وآخرين، والقاضي "برفض الدعوى، وإلزام المدعين بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار الوزاري الصادر في 7 من أغسطس سنة 1956 فيما تضمنه من الاحتفاظ لبعض موظفي الجمارك المنقولين من الدرجة السادسة الكتابية إلى الدرجة السادسة الإدارية بأقدميتهم السابقة في الدرجة السادسة الكتابية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 3 من أغسطس سنة 1958, وللمدعي عليهم في 16 منه، وعين لنظره جلسة 14 من فبراير سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، وأرجات النطق بالحكم لجلسة اليوم، ورخصت في تقديم مذكرات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعين أقاموا هذه الدعوى بعريضة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 30 من يناير سنة 1957 طالبين إلغاء القرار الوزاري الصادر في 7 من أغسطس سنة 1956 فيما تضمنه من الاحتفاظ لبعض موظفي مصلحة الجمارك المنقولين من الدرجة السادسة الكتابية إلى الدرجة السادسة الإدارية بأقدميتهم السابقة في الدرجة السادسة الكتابية، وما يترتب على ذلك من آثار، وبخاصة تخطي المدعين في الترقية إلى الدرجة الخامسة بالقرار الصادر في 3 من سبتمبر سنة 1956 بترقية السادة ملطي حنين وحسين أحمد صالح وسعيد الجريتلي وأمين صالح للدرجة الخامسة الإدارية، مع وإلزام الوزارة بالمصروفات. وقالوا شرحاً لدعواهم إن المادة 11 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة وضعت أصلاً عاماً للتعيين في الوظائف الإدارية، وهو قصر التعيين فيها على الحاصلين على دبلوم عال أو درجة جامعية تتفق دراستها وطبيعة الوظيفة، كما تضع المادة 15 من القانون المذكور أصلاً عاماً ثانياً وهو اشتراط أن يكون التعيين في وظائف الدرجة السادسة الإدارية بامتحان، وهذا الأصل الذي عينوا على أساسه ورد عليه استثناء خاص بمصلحة الجمارك بالقانون رقم 256 لسنة 1956 الذي أفصح عن طابعه الاستثنائي في صراحة كاملة؛ حيث قال "استثناء من أحكام المادتين 11 و15 من القانون رقم 210 لسنة 1951... يجوز أن يكون التعيين فيما لا يجاوز نصف خلوات الدرجة السادسة الإدارية بمصلحة الجمارك بالنقل من الدرجة السادسة الكتابية بالمصلحة المذكورة..."، وزاد الأمر وضوحاً بما اشترطه من شروط هذا النقل، وبخاصة اشتراطه فيمن ينقلون ثم يتدرجون في الترقية حتى الدرجة الرابعة الإدارية، ألا يرقوا إلى الدرجة الثالثة الإدارية إلا في حدود النسبة المقررة بمقتضى حكم المادة 41 من القانون سالف الذكر، أي في حدود 40% من النسبة المقررة للترقية بالاختيار، وبذلك يكون القانون رقم 256 لسنة 1956 المشار إليه استثناء في ذاته، مع حرص المشرع على توكيد صفته هذه ووضعه في أضيق الحدود. والقاعدة القانونية المسلم بها في تفسير النصوص أن الاستثناء يفسر تفسيراً ضيقاً وأنه لا يجوز التوسع فيه. وعلى أساس هذا النص الاستثنائي البحت عين المطعون في ترقيتهم في الدرجة السادسة الإدارية يوم 7 من أغسطس سنة 1956، ثم رقوا إلى الدرجة الخامسة الإدارية في 3 من سبتمبر سنة 1956، وذلك على خلاف نص المادة 25 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة التي تنص على أن "تعتبر الأقدمية في الدرجة من تاريخ التعيين فيها..."، وأنه لو روعي هذا الحكم لما لحق المذكورين الدور في الترقية إلى الدرجة الخامسة، ولكانت أقدميتهم في الدرجة السادسة الإدارية التي عينوا فيها لاحقة لأقدمية المدعين، ولا يجوز - ومركزهم استثنائي - أن تتجاوز كلمة التعيين الواردة في هذا القانون الاستثنائي حدود معناها الضيق، دون توسع أو قياس، ويجب قصر الأمر على الاستثناءين الخاصين بإباحة تعيين غير ذوي المؤهلات العالية في وظائف من الدرجة السادسة الإدارية مع إعفائهم من شرط الامتحان. وقد ردت الحكومة على ذلك بأنها استندت في ترتيب كشف أقدمية موظفي الدرجة السادسة الإدارية عند نقل بعض الموظفين الكتابيين إلى الكادر الإداري وفقاً لأحكام القانون رقم 256 لسنة 1956 إلى ما ارتآه ديوان الموظفين بأن ينقل هؤلاء إلى الكادر الإداري بحالتهم وترجع أقدميتهم في الدرجة السادسة فيه إلى أقدميتهم في هذه الدرجة بالكادر الكتابي، وأن وظائف الدرجات السادسة الإدارية التي نقل إليها هؤلاء الموظفون الكتابيون طبقاً للقانون رقم 256 لسنة 1956 لم تكن منقولة من الكادر الكتابي بميزانية المصلحة، وإنما تم ذلك النقل في حدود نصف خلوات الدرجة السادسة الإدارية وفقاً لأحكام القانون المذكور، وأن المشرع استهدف شغل نصف خلوات الدرجة السادسة في الكادر الإداري من بين الموظفين أصحاب الخبرة الطويلة بمصلحة الجمارك؛ نظراً لأن وظائف الكادر الإداري بها - وهى وظائف مساعد مأمور ومساعد مثمن - تتطلب مراناً خاصاً وخبرة خاصة لا تتأتى إلا بعد التدريب على مختلف الوظائف الكتابية من الدرجة الثامنة فما فوقها، هذا بالإضافة إلى أن الشخص الذي بمقتضى المادة 47 فقرة 4 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بنقل درجته إلى الكادر الإداري ينطلق في سلم الكادر الإداري حتى أعلاه، بينما المنقول بالتطبيق للقانون رقم 256 لسنة 1956 إنما ينقل ليشغل وظيفة معينة بصفة مؤقتة، شأنه كشأن موظفي الكادر المتوسط سواء بسواء؛ ولذلك كان المنقولون وفقاً للقانون المشار إليه معتبرين في حكم موظفي الكادر المتوسط، طالما أنهم لن يستفيدوا من الميزة الجوهرية للكادر العالي، وهى الانطلاق في سلم الدرجات العالية. وانتهت إلى طلب رفض الدعوى، وإلزام المدعين بالمصروفات. وبجلسة 14 من نوفمبر سنة 1957 قبلت المحكمة تدخل كل من عبد الكريم محمد حسنين وحسين أحمد صالح ومحمد أمين صالح وسعيد أحمد الجريتلي ومطلي حنين عبد الملك ومحمد كمال عمر بالانضمام إلى الحكومة. وقد قضت المحكمة بجلسة 22 من مايو سنة 1958 برفض دعوى المدعين، وإلزامهم بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أن القانون رقم 256 لسنة 1956 لم يتعرض صراحة للأثر المترتب على التعيين بالنقل من الدرجة السادسة الكتابية إلى الدرجة السادسة الإدارية المنصوص عليه فيه، شأنه في ذلك شأن النقل المنصوص عليه في المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة، ولذا يتعين على المحكمة تحديد هذا الأثر على ضوء الأحكام العامة، مع مراعاة الظروف والاعتبارات التي اقتضت استصدار ذلك القانون. والحالة المعروضة ليست نقلاً مجرداً إلى الكادر الإداري ابتداءً، ولكنها طبقاً لنص القانون تعيين بالنقل؛ فيترتب عليها كافة ما يترتب على التعيين من آثار، كما يترتب عليها في ذات الوقت كافة ما يترتب على النقل من آثار. والظاهر أن الحكمة التي اقتضت من الشارع الجمع بين لفظ التعيين والنقل في عبارة القانون رقم 256 لسنة 1956 هي ترتيب الآثار المترتبة على النقل للموظف، فلا يتأثر مرتبه السابق وتبقى له حتماً أقدميته في الدرجة ومدة الخدمة، الأمر الذي يتمشى مع ما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون من أن وظائف مصلحة الجمارك مشاعة بين جميع موظفيها، ولأن التبادل بين شاغلي الوظائف حاصل فعلاً، والتدرج فيها واجب؛ لإمكان تحميل أمانة الوظيفة لمن يصلح لها فعلاً، وأن الاعتبارات التي تقضى بالاحتفاظ للموظف المنقول في حدود المادة 47 فقرة رابعة بأقدميته هي بذاتها التي تقضى الاحتفاظ للموظف المعين بالنقل من الدرجة السادسة الكتابية إلى الدرجة السادسة الإدارية طبقاً للقانون رقم 256 لسنة 1956 بأقدميته السابقة في الكادر الكتابي، الأمر الذي تتحقق به المصلحة العامة التي قصد تحقيقها من استصدار هذا القانون، وهى تتحقق تماماً إذا لم تؤثر في الحقوق المكتسبة من الأقدميات السابقة، وأنه إذا صح القول، كما جاء بصحيفة الدعوى، بأن هذا النقل هو بمثابة التعيين ابتداء في الكادر الإداري، فإن ذلك يعني - بحسب التكييف القانوني - فصل الموظف من وظيفته في الكادر الكتابي ثم تعيينه في الكادر الإداري، وهذه الحالة - طبقاً لهذا التكييف، بحسب ما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه - تخضع للقواعد والشروط المذكورة في قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 الخاص بمدد الخدمة السابقة، وهى بالنسبة للمتدخلين في هذه الدعوى متوافرة فيهم بعد أن صدر القانون رقم 256 لسنة 1956 سالف الذكر باستثنائهم من حكم المادتين 11 و15 من قانون نظام موظفي الدولة؛ الأمر الذي يترتب عليه الاحتفاظ لهم بأقدميتهم السابقة في الدرجة الأعلى.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن القانون رقم 210 لسنة 1951 قد قام على أساس الفصل بين الكادرين العالي والمتوسط مع ما يترتب على هذا الفصل من أن الأقدمية في وظائف الكادر العالي تتميز عن الأقدمية في وظائف الكادر المتوسط حتى ولو كانت درجاتهما متماثلة؛ ومن ثم فإذا نقل موظف من الكادر الأدنى إلى مثل درجته في الكادر الأعلى فلا يستصحب معه عند النقل أقدميته في الكادر الأدنى، بل يعتبر في ترتيب أقدميته بين أقرانه في الكادر الأعلى من تاريخ نقله؛ لأن هذا النقل هو نقل نوعي بمثابة التعيين في الكادر الأعلى الذي تختلف الوظائف فيه من حيث شروط التعيين والترقية والاختصاصات عن مثيلاتها في الكادر الأدنى. وأن المستفاد من نص المادة الأولى من القانون رقم 256 لسنة 1956 المشار إليه أنه يقصد استثناء مصلحة الجمارك من نصوص المادتين 11 و15 من قانون نظام موظفي الدولة، وأن الحكم القانوني السليم - وقد صدر عن هذه المحكمة في الطعن رقم 118 لسنة 4 القضائية في شأن تطبيق نص المادة 41 من قانون نظام موظفي الدولة - وهو الذي يطبق في هذه الحالة أيضاً، وهو أن ترقية الموظف بالتطبيق لهذه المادة هي في الواقع بمثابة تعيين في الكادر الفني العالي مع إعفاء الموظف من شرط الحصول على المؤهل العالي؛ ولذا فإن ترتيب أقدمية هذا الموظف بين أقرانه في الكادر الأعلى تتحدد على أساس الانفصال بين الكادرين، وأن أقدميته السابقة في درجات الكادر الأدنى لا تؤثر في ترتيب أقدميته بين أقرانه في الكادر الأعلى، بل تتحدد في هذا الكادر الأخير على أساس اعتباره معيناً فيه تعييناً جديداً. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب في التأويل القانوني لهذه العملية وتحديد مداها بالنسبة لأقدمية المطعون في ترقيتهم فيكون قد خالف القانون، ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد جعل الأصل هو الفصل بين الكادر العالي والكادر المتوسط مما يترتب عليه أن الأقدمية في وظائف الكادر الأول تتميز عن الأقدمية في وظائف الكادر الثاني حتى ولو كانت درجاتهما متماثلة؛ ومن ثم فإذا نقل موظف من الكادر الأدنى إلى مثل درجته في الكادر الأعلى، فالأصل ألا يستصحب معه عند النقل أقدميته في الكادر الأدنى، بل يعتبر في ترتيب أقدميته بين أقرانه في الكادر الأعلى من تاريخ نقله إلى هذا الكادر الأخير، كل ذلك ما لم يكن الاستثناء من الأصل المذكور مستفاداً من القانون صراحة أو ضمناً لحكمة خاصة تبرر هذا الاستثناء. [(1)]
ومن حيث إن القانون رقم 256 لسنة 1956، وإن أجاز - استثناء من أحكام المادتين 11 و15 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - التعيين فيما لا يجاوز نصف خلوات الدرجة السادسة الإدارية بمصلحة الجمارك بالنقل من الدرجة السادسة الكتابية بالمصلحة المذكورة، بشرط ألا نقل مؤهلات المنقولين عن الشهادات المتوسطة، وأن يكون التقريران الأخيران بدرجة امتياز أو ما لا يقل عن 80%، وأن يكونوا قد جاوزوا بنجاح امتحان المعهد الثقافي الجمركي الملحق بالمصلحة، وأن تكون ترقية ذوي المؤهلات المتوسطة منهم من الدرجة الرابعة الإدارية إلى الدرجة الثالثة الإدارية في حدود النسب المقررة بمقتضى أحكام المادة 41 من القانون السالف الذكر - لئن أجاز القانون المذكور النقل على هذا الوجه بالقيود والشروط سالفة الذكر، إلا أنه لا يتضح منه - سواء من نصوصه أو من مذكرته الإيضاحية - أنه قصد أن يستصحب الموظف المنقول من الكادر الأدنى إلى الكادر الأعلى أقدميته في الكادر الأدنى؛ فلا مناص - والحالة هذه - من الرجوع إلى الأصل، وهو الفصل بين الكادرين، فتعتبر أقدمية الموظف المذكور بين أقرانه في الكادر الأعلى من تاريخ نقله إلى هذا الكادر الأخير. تقطع في ذلك الحكمة التشريعية التي قام عليها القانون المذكور في ضوء مذكرته الإيضاحية؛ إذ يظهر منها أن مصلحة الجمارك أبدت: "أنه يتعذر عليها من الناحية العملية أو الواقعية تقسيم وظائفها إلى إداري بحت أو فني بحت، وطلبت إعادة النظر في هذا التقسيم في الوظائف، وكذلك استثناءها من أحكام المادتين 11 و15 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه فيما يختص بقصر التعيين في الدرجة السادسة الإدارية على حملة المؤهلات العالية؛ حيث إن هذا لا يتفق مع صالح العمل ولا مع الأسس التي بني عليها نظام العمل بها، لأن أعمال الجمارك غالباً ما تتطلب من القائمين بها نوعاً من التخصص يكتسب بالمران والخبرة مع الإلمام بالإجراءات والمعلومات والأنظمة الجمركية والتدرج في مختلف درجات الوظائف دون التقيد بمؤهل دراسي عال معين....". وواضح من ذلك أن الغاية من هذا القانون هي التيسير على المصلحة في شغل هذه الوظائف بطريق النقل من الكادر الأدنى في الحدود وبالقيود والشروط السالفة الذكر، بدون حاجة إلى حصول الموظف المنقول على المؤهل العالي الذي يتطلبه القانون في الأصل للتعيين في هذه الوظيفة؛ إذ استعيض عن ذلك بالنجاح في امتحان المعهد الثقافي الجمركي إلى جانب الشروط الأخرى التي تثبت امتيازه، ولكن لا يظهر مما تقدم أن القانون المشار إليه يسمح بأن يستصحب الموظف المنقول أقدميته في الكادر الأدنى عند نقله إلى الكادر الأعلى، بل على العكس من ذلك فإن تقييده الترقية من الدرجة الرابعة الإدارية إلى الدرجة الثالثة الإدارية في حدود النسب المقررة بمقتضى أحكام المادة 41 من القانون رقم 210 لسنة 1951 يدل على أن هذا النقل الاستثنائي لا يهدف إلى أبعد مما تقدم، وأن الشارع إنما يقيسه على النقل بالتطبيق للمادة 41 المشار إليها. ولقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن ترتيب أقدمية الموظف المنقول بمقتضى هذه المادة بين أقرانه في الكادر الأعلى تتحدد على أساس الانفصال بين الكادرين، فلا تؤثر أقدميته السابقة في درجات الكادر الأدنى في ترتيب أقدميته بين أقرانه في الكادر الأعلى، بل تتحدد في هذا الكادر الأخير على أساس اعتباره معيناً فيه تعييناً جديداً؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، فيتعين إلغاؤه وإلغاء القرار محل النزاع فيما تضمنه من الاحتفاظ للموظفين المنقولين من الكادر الأدنى بأقدميتهم فيه، وما يترتب على ذلك من آثار على الوجه المبين بالمنطوق.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار الصادر من وزير المالية في 7 من أغسطس سنة 1956 فيما تضمنه من الاحتفاظ لموظفي الجمارك المنقولين للدرجة السادسة الإدارية بأقدميتهم في الدرجة السادسة الكتابية، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات.


[(1)] راجع الحكم المنشور في السنة الثالثة من هذه المجموعة ص 471 بند 177/ 1.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق