الصفحات

الاثنين، 1 مايو 2023

الطعن 35 لسنة 13 ق جلسة 13 / 4 / 1944 مج عمر المدنية ج 4 ق 120 ص 322

جلسة 13 إبريل سنة 1944

برياسة سعادة أمين أنيس باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: نجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزائرلي بك وأحمد علي علوبة بك المستشارين.

--------------

(120)
القضية رقم 35 سنة 13 القضائية

اختصاص. وقف. 

المحاكم الأهلية هي محاكم القانون العام. المسائل الداخلة في اختصاصها فيما يتعلق بالوقف. قواعد الاختصاص هنا من النظام العام. الاتفاق على ما يخالفها. لا يصح. المحاكم الشرعية. لا اختصاص لها بالنظر في ملكية الواقف لما وقف أو في رد العين الموقوفة إلى جهة الوقف من مغتصبها ولو باتفاق الخصوم. حكمها في ذلك. لا حجية له ولا يجوز تنفيذه.

---------------
من المقرر أن المحاكم الأهلية هي محاكم القانون العام إلا فيما استثني بنص صريح. والمادة 16 من لائحة الترتيب لم تخرج عن اختصاصها، فيما يتعلق بمسائل الوقف، إلا ما كان منها متعلقاً بأصله. ولما كانت قواعد الاختصاص في مثل هذه الحالة من النظام العام، فإنه لا يصح الاتفاق على ما يخالفها. ولما كانت المحاكم الشرعية غير مختصة بالنظر في ملكية الواقف للأعيان الموقوفة أو في ردها إلى الوقف من مغتصبها، فإنه إذا حكمت المحكمة العليا الشرعية - باتفاق الخصوم - في هذا النزاع فحكمها يكون قد صدر خارجاً عن نطاق ولايتها فلا يصح الاحتجاج به ولا يجوز تنفيذه. فإذا كان قد أخذ في تنفيذه كان واجباً إبطال ما تم من إجراءات هذا التنفيذ (1).


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى في أن المطعون ضدهم رفعوا دعوى أمام محكمة الإسكندرية الشرعية على الطاعنين قالوا فيها إن وقفهم يملك طاحونة وتسع دكاكين وقطعة أرض فضاء. وقد اغتصب منهم وقف الطاعنين الطاحونة وقطعة الأرض الفضاء ودكانين من التسعة وطلبوا منع التعرض ورد هذه الأعيان، والمحكمة الابتدائية الشرعية بعد أن عينت خبيراً ثم ثلاثة خبراء لتطبيق حجة كل من الفريقين لمعرفة في أيهما تدخل الأعيان موضوع النزاع قضت برفض الدعوى، فاستأنف المطعون ضدهم الحكم أمام المحكمة العليا الشرعية وأمام تلك المحكمة قصروا طلباتهم على الحكم بجريان الأعيان المطالب بها في وقفهم. وبتاريخ 10 من يناير سنة 1939 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرد هذه الأعيان لوقف إبراهيم عبيد تربانة. رفع نظار وقف الحاجة صالحة تربانة التماساً عن هذا الحكم لأنه قضى بشيء لم يطلبه الخصوم أنفسهم إذ أنهم لم يطلبوا سوى الجريان، والمحكمة قضت بالرد وهذا لا يكون إلا إذا فصلت المحكمة في صحة الوقف من عدمه، فرفضت المحكمة العليا الشرعية الالتماس وقالت في حكمها إنها إذ قضت بالرد لم تتعرض لصحة الوقف.
بعد هذا رأى الطاعنون أن يلجأوا إلى المحاكم الأهلية فرفعوا هذه الدعوى أمام محكمة الإسكندرية الأهلية وقيدت برقم 172 سنة 1939 وشرحوا في صحيفتها المعلنة في 21 من يناير سنة 1939 الوقائع السالفة الذكر وطلبوا تثبيت ملكية الوقف المشمول بنظرهم إلى الأعيان المبينة بصحيفة الدعوى، ثم عدلوا عن طلب تثبيت الملكية إلى طلب الحكم بكف منازعة المطعون ضدهم في هذه الأعيان وبطلان كل إجراء اتخذ بمقتضى حكم المحكمة العليا الشرعية.
وقد رفع المطعون ضدهم دعوى أخرى أمام محكمة الإسكندرية الأهلية على الطاعنين وهي الدعوى رقم 356 سنة 1939 طلبوا فيها الحكم لهم بمبلغ 986 مليماً و3519 جنيهاً قيمة ريع الأعيان المحكوم بردها عن المدة من إبريل سنة 1922 إلى آخر ديسمبر سنة 1939. وقد ضمت هذه الدعوى إلى الدعوى الأخرى سالفة الذكر وفصلت فيهما المحكمة الابتدائية بحكم واحد بتاريخ 5 من مايو سنة 1940 وهو يقضي بكف منازعة المطعون ضدهم بصفتهم نظاراً على وقف إبراهيم عبيد تربانة للطاعنين بصفتهم نظاراً على وقف صالحة إبراهيم تربانة ووالدتها لطفية علي مسلم في وضع يدهم على الأعيان الواردة بصحيفة الدعوى وبطلان كل إجراء اتخذ بناءً على الحكم الشرعي وعدم اعتبار هذا الحكم سنداً واجب النفاذ وبإيقاف دعوى الريع إلى أن يفصل نهائياً في الملكية.
استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر وهذه قضت بتاريخ 26 من يناير سنة 1943 (أولاً) بإلغاء الحكم المستأنف في كل ما قضى به في الدعوى رقم 172 سنة 1939 مدني كلي الإسكندرية ورفضها بجميع أجزائها. (ثانياً) بإلغاء الحكم أيضاً فيما قضى به من وقف الدعوى رقم 356 سنة 1939 مدني كلي الإسكندرية وإعادتها إلى المحكمة الابتدائية لنظرها والفصل فيها مع إلزام الطاعنين بجميع المصاريف عن الدرجتين ومبلغ عشرة جنيهات أتعاب محاماة.
لم يعلن هذا الحكم إلى الطاعنين ولكن وكيلهم قرر الطعن فيه بطريق النقض في 6 من مارس سنة 1943 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدهم في 7 و14 من الشهر المذكور إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون إذ قرر أنه إذا نظرت محكمة شرعية برضاء الخصوم في نزاع مدني متعلق بوقف وفصلت فيه نهائياً فإن حكمها يكتسب حجية الشيء المقضى به.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قال: "إن هذه المحكمة ترى أن المنازعات التي تثار حول ملكية الواقف لما يقفه، وجريان عقار في وقف معين، وتملك أعيان الوقف بالتقادم، كلها منازعات مدنية وليست من أصل الوقف بمعناه الواسع وكلها خارجة عن عقد الوقف في ذاته، فملكية الواقف حالة قانونية سابقة على إنشاء الوقف وجريان أعيانه في حدود كتابه حالة فعلية لا تستلزم إلا عملاً مادياً هو التحقق من انطباق المعالم المدونة في كتاب الوقف على الطبيعة دون مساس بأحكامه وكذلك تملك الوقف بالتقادم هو نتيجة عمل خارجي من شخص أجنبي عن الوقف فلذلك تخضع هذه المنازعات المدنية لأحكام القواعد المدنية الوضعية وتدخل في حدود ولاية المحاكم المدنية. ومعنى هذا أن المحاكم الشرعية غير مختصة بالفصل في شيء مما ذكر. ثم أورد الحكم ما يأتي: "وحيث إنه مع ذلك إذا نظرت محكمة شرعية برضاء الخصوم في نزاع مدني متعلق بوقف وفصلت فيه نهائياً، فإن حكمها يكتسب حجية الشيء المقضى به ولا يجوز تجديد النزاع بعد ذلك، لأن الفصل في هذا النزاع لا يصح اعتباره متجافياً عن طبيعة ولاية المحاكم الشرعية وليس فيه سوى توسع في نطاق اختصاصها في مسائل الأوقاف بناءً على رضاء الخصوم وقبولهم حملاً على نصوص لائحة ترتيب تلك المحاكم". والظاهر أن الحكم وجد أن النظرية التي أثبتها غير متفق عليها فزاد ما يأتي: "وحيث إنه قد يعترض على هذا الرأي بأن الحدود التي تفصل بين ما تختص به المحاكم الشرعية وما تختص به المحاكم المدنية إنما هي حدود ولاية ووظيفة وليست حدود اختصاص فلا قيمة لاتفاق الخصوم في شأنها لتعلقها بالنظام العام لترتيب المحاكم. وحيث إن هذا الاعتراض لا ينصب على حالة المنازعات المدنية المتعلقة بالأوقاف لأن أقضية الأوقاف التي تدخل في ولاية المحاكم الشرعية هي بطبيعتها أقضية مدنية لتعلقها بالمعاملات المالية. ومن ثم تكون وظيفة المحاكم الشرعية بنظرها هي وظيفة قضاء أحوال مالية - قضاء مدني - لا وظيفة قضاء أحوال شخصية. فإن تجاوزت المحاكم الشرعية في قضائها المدني ما رسم لها من حدود فلا تكون متجاوزة حدود ولاية القضاء المدني، وإنما تكون متجاوزة حدود اختصاصها المدني في دائرة ولاية ذلك القضاء" وفي هذا الذي أثبته الحكم مخالفة للقانون، فإنه من المقرر أن المحاكم الأهلية هي محاكم القانون العام إطلاقاً إلا فيما استثني بنص صريح، والمادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية لم تخرج من اختصاصها فيما يتعلق بمسائل الوقف إلا ما كان منها متعلقاً بأصله، ولما كانت قواعد الاختصاص في مثل هذه الأحوال هي من النظام العام فلا يصح الاتفاق على ما يخالفها، ولذلك يكون هذا الوجه من الطعن مقبولاً ويتعين نقض الحكم من غير حاجة لبحث الأوجه الأخرى.
وحيث إنه فيما يتعلق بالموضوع فإن الدعوى صالحة للحكم فيه.
وحيث إنه متى ثبت أن المحاكم الشرعية غير مختصة بالنظر في ملكية الواقف للأعيان الموقوفة أو في ردها، سواء أكانت في كتاب وقف الطاعنين أم في كتاب وقف المطعون ضدهم، فإن حكم المحكمة العليا الشرعية يكون قد صدر خارجاً عن نطاق ولايتها ولا يجوز تنفيذه، ويكون ما قضى به الحكم الابتدائي الصادر من محكمة الإسكندرية الابتدائية بتاريخ 5 من مايو سنة 1940 في محله ويتعين تأييده.


(1) هذا هو مؤدى ما قضت به محكمة النقض بقضائها في الموضوع بتأييد الحكم الابتدائي الذي قضى ببطلان كل إجراء اتخذ بناءً على الحكم الشرعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق