الصفحات

السبت، 25 مارس 2023

الطعن 446 لسنة 30 ق جلسة 20 / 5 / 1965 مكتب فني 16 ج 2 ق 99 ص 614

جلسة 20 من مايو سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، ومحمد صادق الرشيدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وعباس حلمي عبد الجواد.

---------------------

(99)
الطعن رقم 446 لسنة 30 القضائية

(أ) مسئولية. "مسئولية تقصيرية". "مسئولية الدولة عن المرافق العامة".
حرية جهة الإدارة في إدارة المرافق العامة - ومن بينها مرفق الأمن - وتنظيمها. لا يمنع ذلك القضاء من تقرير مسئولية الإدارة عن الضرر الذي يصيب الغير متى كان ذلك راجعاً إلى إهمالها أو تقصيرها في تنظيم شئون المرفق العام أو الإشراف عليه.
(ب) مسئولية. "مسئولية تقصيرية". "الخطأ". "مسئولية الدولة عن المرافق العامة".
استخلاص الحكم خطأ جهة الإدارة مما يستوجب مسئوليتها عن التعويض من عدم وجود أحد من رجال الشرطة في المنطقة التي وقع فيها الحادث وفي الظروف غير العادية التي حدث فيها سواء كان ذلك راجعاً إلى عدم صدور أوامر إليهم أو مخالفتهم لما صدر من أوامر. استخلاص سائغ.
(ج) نقض. "سلطة محكمة النقض". "مسائل الواقع ومسائل القانون". مسئولية "مسئولية تقصيرية". "أركان المسئولية".
وصف الفعل أو الترك بأنه خطأ أو غير خطأ من مسائل القانون التي يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض. قيام رابطة السببية بين الخطأ والضرر من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع.

-----------
1 - إنه وإن كان لجهة الإدارة حرية إدارة المرافق العامة - ومن بينها مرفق الأمن - وحق تنظيمها والإشراف عليها إلا أن ذلك لا يمنع القضاء - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - من حق التدخل لتقرير مسئولية الإدارة عن الضرر الذي يصيب الغير متى كان ذلك راجعاً إلى إهمالها أو تقصيرها في تنظيم شئون المرفق العام أو الإشراف عليه - والمحكمة وهي بسبيل تحقيق الخطأ المنسوب إلى جهة الإدارة غير ملزمة ببيان وسيلة تلافيه إذ أن ذلك من شأن جهة الإدارة وحدها عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات.
2 - متى كان الحكم المطعون فيه - قد اعتبر عدم وجود أحد من رجال الشرطة في المنطقة التي وقع فيها الحادث وفي الظروف غير العادية التي حدث فيها سواء أكان ذلك راجعاً إلى عدم صدور أوامر إليهم بالتواجد في هذه المنطقة أو إلى مخالفتهم لما صدر لهم من أوامر، اعتبر ذلك خطأ من جانب الحكومة يستوجب مسئوليتها. فإنه لا يكون مخطئاً في استخلاص توفر ركن الخطأ.
3 - وصف الفعل أو الترك بأنه خطأ أو غير خطأ هو من المسائل القانونية التي يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض. أما قيام رابطة السببية بين الخطأ والضرر فهو من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب إلا أن يشوب حكمها عيب في التسبيب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت على الطاعنة "وزارة الداخلية" الدعوى رقم 1406 سنة 1954 كلي القاهرة وطلبت فيها الحكم بإلزامها بأن تدفع لها مبلغ 2900 ج على سبيل التعويض - وقالت بياناً لدعواها إنه بتاريخ 23 من ديسمبر سنة 1953 أجري سباق دولي للسباحة بنهر النيل بين مدينتي حلوان والقاهرة - وفي صباح ذلك اليوم أخذت الجماهير الغفيرة تحتشد على ضفة النيل بشارع الجبلاية - حيث ترسو عائمة المطعون عليها وغيرها من العائمات - وذلك لمشاهدة المتسابقين - وما كادت هذه الجماهير ترى أحد السباحين المصريين في الطليعة حتى اندفعوا إلى الشاطئ يريدون الاقتراب منه لتشجيعه وحاولوا لهذا الغرض اقتحام العائمات على سكانها وقد هم فريق منهم بدخول عائمة مجاورة لعائمة المطعون عليها غير أن أصحابها تمكنوا من ردهم على أعقابهم بإطلاق النار في الهواء بقصد الإرهاب - بعد أن استغاثوا برجال الشرطة دون جدوى - ولكن هؤلاء الجماهير ما لبثوا أن اقتحموا عائمة المطعون عليها واقتلعوا بابها الخارجي وتدفقت جموعهم إلى داخل العائمة ولم يكن فيها من يستطيع منعهم من الدخول إذ لم يكن غير المطعون عليها وهي مريضة طريحة الفراش ومعها خادمتها وكان من نتيجة ذلك أن أخذت العائمة تميل ثم غاصت بالنهر لاختلال توازنها وتمكن بعض الجيران من انتشال المطعون عليها بعد أن كانت قد أوشكت على الغرق وأسرع البعض الآخر إلى استدعاء رجال الشرطة الذين لم يحضروا إلا بعد وقوع الحادث إذ لم يكن أحد منهم موجوداً بالمنطقة التي وقع فيها وقد حرر محضر عن الواقعة قيد برقم 29 أحوال الزمالك ولما كان غرق العائمة قد نجم عنه تلفها وتلف المنقولات التي كانت بها فقد بادرت المطعون عليها إلى رفع دعوى إثبات الحالة رقم 166 سنة 1954 مستعجل مصر وفيها ندبت المحكمة أحد الخبراء المهندسين الذي باشر المأمورية التي نيطت به وقدم تقريراً انتهى فيه إلى أن سبب غرق العائمة يرجع إلى زيادة الحمولة عليها وقدر ما أصابها من تلف بمبلغ 700 ج كما قدر قيمة المنقولات التالفة بمبلغ 500 ج وذلك بخلاف المنقولات والمفروشات والملابس التي فقدت والتي تعذر عليه تقدير قيمتها - وعلى أثر ذلك أقامت المطعون عليها دعواها الحالية بالمبلغ المطالب به وهو ما تستحقه كتعويض عما لحقها من أضرار - دفعت وزارة الداخلية الدعوى بأن الحكومة في تنظيمها لقوات الأمن لا تخضع لرقابة المحاكم لأن ذلك يدخل في صميم أعمال السيادة هذا علاوة على أن رجال الشرطة لم يقع منهم أي خطأ يستوجب مساءلتها. وبتاريخ 25 من مارس سنة 1957 قضت محكمة القاهرة الابتدائية برفض الدعوى - استأنفت المطعون عليها هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافها برقم 918 سنة 75 ق وبتاريخ 8 من نوفمبر سنة 1960 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض دعوى المطعون عليها وبإلزام وزارة الداخلية "الطاعنة" بأن تدفع للمطعون عليها مبلغ 700 ج عن تلف العائمة وبإحالة الدعوى إلى التحقيق في خصوص طلب التعويض عن فقد المنقولات. طعنت وزارة الداخلية في هذا الحكم بطريق النقض وبعد استيفاء الإجراءات قدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن هذا الطعن بني على خمسة أسباب يتحصل أولها في أن الحكم المطعون فيه قد شابه تناقض في الأسباب ينطوي على مخالفة للقانون وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن هذا الحكم بعد أن بين حكم القانون على وجهه الصحيح بتقريره أن تنظيم الأمن وتوزيع قواته يعد من أعمال السيادة التي تخرج عن رقابة المحاكم - عاد بعد ذلك وأقام قضاءه بمساءلة الطاعنة على القول بأن مجرد عدم وجود رجال الأمن في مكان وقوع الحادث يتحقق به ركن الخطأ الموجب لمسئوليتها - وإذ كان هذا الذي قرره الحكم وأقام عليه قضاءه ينطوي على تعرض منه لطريقة توزيع قوات الأمن التي سبق أن سلم بأنها من أعمال السيادة التي يمتنع على القضاء التعرض لها فإن هذا الحكم يكون مخالفاً للقانون ومتناقضاً مع نفسه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن ما جاء بالحكم المطعون فيه في شأن ما تثيره الطاعنة بهذا السبب هو قوله "وحيث إنه وإن صح أن تنظيم الأمن وتوزيع قواته وتسليمها هي من أعمال السيادة فإن ما عدا ذلك مما يتعلق بقيام قوات البوليس بواجباتها وباتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لتنفيذ كل ما أمرت به القوانين إنما هي إجراءات إدارية فإن قصرت أو أهملت في تنفيذ واجباتها أو نفذتها على غير ما تقضي به القوانين أو اللوائح أو تباطأت أو تأخرت في تنفيذ هذه الواجبات أو لم تقم بها إطلاقاً فتكون الحكومة مسئولة عن أعمال من وكلت إليهم أمر المحافظة على الأمن وعن تقصيرهم أو إهمالهم في القيام بما فرضه عليهم الواجب إذا ما قام الدليل المقنع والإثبات الكافي على هذا التقصير أو الإهمال ومن ثم لا يمكن القول بأن إهمال رجال البوليس أو تراخيهم في منع الجرائم وفي قمعها وفي المحافظة على الأمن والنظام يعتبر من التدابير الخاصة بالأمن الداخلي كعمل من أعمال السيادة التي تباشرها الحكومة بمقتضى سلطتها العليا - وحيث إن قانون نظام القضاء لم يمنع المحاكم من نظر القضايا الخاصة بما يقع من تقصير أو إهمال إذا ثبت وقوعه في إجراءات حفظ الأمن - وحيث إنه متى تقرر ذلك وكان الثابت أن دفاع المستأنفة (المطعون عليها) قائم على أساس مسئولية الوزارة المستأنف عليها (الطاعنة) عن إهمال رجال البوليس لعدم وجودهم في مكان الحادث رغم ما كان متوقعاً من احتشاد الجماهير لمناسبة السباق النهري كان للمحاكم متى رفع النزاع إليها حق النظر فيه لتقرير مسئولية الإدارة عن الضرر الذي يصيب الغير" ثم خلص الحكم بعد ذلك إلى القول بأن تقصير رجال الشرطة وإهمالهم في الوجود بمكان الحادث سواء كان ذلك لعدم صدور أوامر لهم أو لعدم تنفيذهم لهذه الأوامر هو الذي أدى إلى وقوعه وترتب على ذلك غرق العائمة وحصول ضرر للمستأنفة (المطعون عليها) وأن ذلك يجعل الوزارة مسئولة عن التعويض لتوافر علاقة السببية بين الخطأ والضرر، وهذا الذي قرره الحكم وأقام عليه قضاءه صحيح في القانون ولا تناقض فيه ذلك أنه وإن كان لجهة الإدارة حرية إدارة المرافق العامة - ومن بينها مرفق الأمن - وحق تنظيمها والإشراف عليها إلا أن ذلك لا يمنع القضاء - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من حق التدخل لتقرير مسئولية الإدارة عن الضرر الذي يصيب الغير متى كان ذلك راجعاً إلى إهمالها أو تقصيرها في تنظيم شئون المرفق العام أو الإشراف عليه - والمحكمة وهي بسبيل تحقيق الخطأ المنسوب لجهة الإدارة غير ملزمة ببيان وسيلة تلافيه لأن ذلك من شأن جهة الإدارة وحدها عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه حين استظهر خطأ الطاعنة وتقصيرها ذهب إلى أن هذا الخطأ ثابت في جانبها من عدم وجود رجال الشرطة في مكان الحادث وقت وقوعه لمنع اقتحام الجماهير للعائمة ومؤدى ذلك أن الحكم يتطلب وجود رجل الشرطة في مكان وقوع الحادث بحيث إذا لم يوجد به مصادفة وقت وقوعه عد ذلك خروجاً منه على واجبات وظيفته ومخالفة منه في أدائها على ما يقضي به قانون مرفق الأمن - فيتحدد الخطأ وتتقرر المسئولية بناء على هذه المخالفة القانونية مع أن قاعدة تسيير مرفق الأمن ونظامه لا يلزمان رجل الأمن والشرطة بأن يكون موجوداً في كل مكان أو أمام كل منزل أو مسكن - والخطأ الموجب لمسئولية الوزارة لا يكون إلا في حالة عدم خضوع رجل المرفق لقانون مرفقه وللوسيلة التي رسمها له في شأن أداء الخدمة العامة مما يضر بالغير فهو محدد بعدم أداء الموظف واجبه الوظيفي بحسب تنظيم المرفق أو بخروجه على هذا التنظيم كما تعيب الطاعنة على الحكم المطعون فيه خطأه في القانون أيضاً فيما قرره من أن تحديد الخطأ متروك لتقدير محكمة الموضوع مع أن الخطأ أحد الأركان القانونية للمسئولية ولمحكمة النقض أن تراقب ما إذا كانت الوقائع الثابتة في الحكم تكون أو لا تكون خطأ بالمعنى القانوني الصحيح - وإذ كان عدم وجود رجال الأمن بمكان الحادث وهو ما اعتبره الحكم خطأ من جانب الوزارة إنما هو عمل سلبي لا يعد خطأ في ذاته إلا إذا كان من شأن وجود أحد من رجال الأمن بمكان الحادث أن يمنع وقوعه وكان الثابت في الدعوى أن الجماهير دخلت العائمة على دفعات بموافقة خادمتي المطعون عليها ولم تحاول أيهما منع أحد من الدخول ولم يستغيثا برجال الشرطة - وما كان لرجال الشرطة أن يتعرضوا لأشخاص يدخلون بيوتاً بها أهلها دون أن يستنجد بهم أحد منهم أو من أتباعهم فإن وجود رجل الأمن بمكان وقوع الحادث أو عدم وجوده لم يكن ليغير من النتيجة التي انتهى إليها الحادث مما ينتفي معه تحقق الخطأ في جانب الوزارة.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بأن الحكم المطعون فيه لم يتطلب أن يكون رجل الشرطة موجوداً أمام كل مسكن وإنما اعتبر عدم وجود أحد من رجال الشرطة في المنطقة التي وقع فيها الحادث وفي الظروف غير العادية التي حدث فيها سواء كان ذلك راجعاً إلى عدم صدور أوامر إليهم بالتواجد في هذه المنطقة أو إلى مخالفتهم لما صدر لهم من أوامر اعتبر ذلك خطأ من الحكومة يستوجب مسئوليتها وهو استخلاص من الحكم سائغ ولا عيب فيه - ومردود في شقه الثاني بأنه وإن كان صحيحاً في القانون أن وصف الفعل أو الترك بأنه خطأ أو غير خطأ هو من المسائل القانونية التي يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض فإنه قد تبين لهذه المحكمة أن وصف محكمة الموضوع للأفعال التي وصفتها بأنها خطأ هو وصف صحيح - والنعي في شقه الأخير مردود بأنه لما كانت محكمة الاستئناف قد انتهت بعد استعراضها لأقوال الشهود الواردة في محضر ضبط الواقعة إلى أن دخول الجماهير إلى العائمة كان بغير إذن أو موافقة من خادمتي المطعون عليها ودللت على ذلك بأسباب سائغة وكان لا معقب عليها في هذا الاستخلاص لتعلقه بأمر موضوعي فإن النعي بهذا الوجه وهو قائم على أن دخول الجماهير كان بإذن من الخادمتين يكون منهار الأساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الثاني من السبب الثاني وبالسبب الخامس - على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك تقول إن الثابت من محضر العوارض أن دخول الجماهير إلى العائمة كان على مرأى من خادمتي المطعون عليها ولم تحاولا منعهم من الدخول ولم تستنجدا برجال الشرطة وهذا يدل على أنهما سمحتا لهم بالدخول وقد أيد ذلك بعض الطلبة إذ قرروا بأن الخادمتين قد أذنتا لهم بالدخول إلى العائمة كما ثبت أن من دخلوا العائمة كان دخولهم إليها على دفعات ثم تجمعوا بعد ذلك في الجانب الغربي من العائمة مما أدى إلى ميلها وغرقها ورتبت الطاعنة على ذلك أنه لما كانت العبرة في السبب كركن في المسئولية هي أن يكون منتجاً فإنه مع افتراض خطأ رجال الأمن في عدم وجودهم بمكان وقوع الحادث فإنه ليس من شأن هذا الخطأ في ذاته إحداث الضرر بل هو وقع نتيجة حتمية لسبب أجنبي مباشر هو سماح الخادمتين للجموع بالدخول ولو بموقفهما السلبي ثم تكاثر من بالعائمة بالجانب الغربي منها وهذه الواقعة الأخيرة كافية وحدها لتكون سبباً مباشراً في غرق العائمة. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى غير هذا النظر الصحيح في بيان رابطة السببية بين تقصير الطاعنة وبين الضرر الذي أصاب المطعون عليها فإنه يكون قد أخطأ تطبيق القانون - كما أن في إطراحه لأقوال الشهود وأخذه بأقوال الخادمتين في أنهما لم يسمحا لأحد بالدخول ما يجعله مشوباً بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأول مردود بأن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد وقائع الدعوى وناقش دفاع الخصوم ووازن بين أقوال الشهود انتهى إلى أن دخول الجماهير إلى العائمة كان بغير إذن من الخادمتين على ما سبق القول - ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً ما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض - وإذا كان الحكم قد أخذ بأقوال الخادمتين وأطرح أقوال الطالبين فإنه لا معقب عليه في ذلك لأن ترجيح شهادة شاهد على شهادة آخر هو من إطلاقات قاضي الموضوع لا سلطان عليه فيه لغير ما يطمئن إليه وجدانه والنعي مردود في شقه الثاني بأن الحكم استند في قيام علاقة السببية بين خطأ الطاعنة وتلف العائمة على قوله "وحيث إنه عما أثارته وزارة الداخلية في مذكرتها بشأن استغراق أخطاء خادمتي المستأنفة "المطعون عليها" لما يكون قد وقع من جانبها من أخطاء فترى المحكمة أنه من المتفق عليه قانوناً أنه إذا تعددت الأسباب المنتجة للضرر فإنه ينظر في هذه الحالة إلى السبب المنتج دون السبب العارض وإن كان كلاهما قد تدخل في إحداث الضرر إلا أن السبب المنتج هو السبب المباشر الذي يحدث الضرر بخلاف السبب العارض غير المألوف الذي لا يحدث عادة هذا الضرر... وحيث إنه بتطبيق ما تقدم على واقعة الدعوى الحالية يبين أن السبب المنتج المباشر المستغرق الذي أدى إلى وقوع الضرر بعائمة المستأنفة "المطعون عليها" وغرقها هو عدم وجود قوات من رجال البوليس في مكان وقوع الحادث لمنع اقتحام الجماهير لعائمة المستأنفة "المطعون عليها" ولا تعول المحكمة في هذا الصدد على ما تقول به الوزارة من أن تصريح خادمتي المستأنفة "المطعون عليها" لطالبين اثنين بدخول العائمة كان هو السبب في اقتحام الجماهير للعائمة إذ فضلاً عن أنه لم يثبت من أقوال الخادمتين اللتين سئلتا في التحقيق المرفق بالأوراق أنهما أذنتا لأحد بالدخول فإن أقوال الطالبين اللذين سئلا في التحقيق إنما صدرت منهما لدرء المسئولية عن أنفسهما من اقتحامهما للعائمة ضمن باقي أفراد الجمهور وحيث إنه وقد وضح مما تقدم أن تقصير رجال الشرطة وإهمالهم في الوجود بمكان الحادث سواء كان ذلك لعدم صدور أوامر إليهم أو لعدم تنفيذهم لهذه الأوامر هو الذي أدى إلى وقوعه وترتب على ذلك غرق العائمة وحصول ضرر للمستأنفة فإن ذلك يجعل الوزارة مسئولة عن التعويض لتوافر علاقة السببية بين الخطأ والضرر كما تقدم بيانه" ولما كان ما قرره الحكم من وجوب الوقوف عند السبب المنتج دون السبب العارض واعتبار صاحب السبب المنتج هو وحده المسئول لا مخالفة فيه للقانون - وكانت الأسباب التي أوردها للتدليل على قيام علاقة السببية بين خطأ الطاعنة والضرر الذي أصاب المطعون عليها سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها وكان قيام رابطة السببية بين الخطأ والضرر هو من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب إلا أن يشوب حكمها عيب في التسبيب - فإن هذا النعي برمته يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت في الأوراق وفي بيان ذلك تقول إن مفاد أقوال ضابط البوليس في محضر العوارض التي لم يثبت عكسها إن مرفق الأمن لم يعتره أي خلل يمكن أن ينسب إليه لتقرير مسئوليته - إذ اتخذت الوزارة للأمر عدته فخصصت عشرين جندياً لحفظ الأمن بالمنطقة الواقعة بها عائمة المطعون عليها وكان على رأسهم ضابط قام بتوزيعهم بين كوبري الجلاء والزمالك ومفاد ذلك أن ثمة قوة إضافية كانت مهمتها المرور في أرجاء المنطقة التي توجد بها العائمة وأن الضابط كان على مقربة من مكان الحادث وخف إليه وإذ ذكر الحكم المطعون فيه ما يتنافى مع هذه الواقعة الحاسمة في الدعوى والثابتة في أوراقها. ونفي وجود أحد من رجال الأمن بمكان الحادث وقرر بناء على ذلك مسئولية الوزارة فإنه يكون قد خالف الثابت في الأوراق.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه لم ينف وجود قوة إضافية - في يوم الحادث وإنما سجلت المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية أن أحداً من رجال هذه القوة لم يكن موجوداً بالمنطقة التي وقع فيها الحادث واعتبرت ذلك خطأ تسأل الوزارة عن نتائجه وليس في هذا الذي قرره الحكم مخالفة للثابت بالأوراق - وإذ كانت المحكمة لم تأخذ بأقوال الضابط فإن هذا من إطلاقاتها لتعلقه بتقدير أقوال الشهود في الدعوى وتقدير الدليل فيها.
وحيث إن السبب الرابع - يتحصل في أن الحكم المطعون فيه شابه قصور يبطله ذلك أن الوزارة تمسكت أمام محكمة الموضوع بأنها لم تقصر في أداء واجبها إذ عينت يوم الحادث - في المنطقة التي تقع بها عائمة المطعون عليها قوة إضافية قوامها عشرون جندياً على رأسهم ضابط جعلت مهمتهم المرور بأرجاء تلك المنطقة ورغم أن الحكم قد حصل هذا الدفاع وأثبته في أسبابه إلا أنه أغفل الرد عليه ولو أنه عني ببحثه وتعرض لمناقشته لأمكن أن يتغير وجه الرأي في الحكم.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه ما دام الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى عدم وجود أحد من رجال الأمن في المنطقة التي وقع فيها الحادث فإنه لم يكن بعد في حاجة إلى أن يبحث ما إذا كانت الطاعنة قد عينت قوة إضافية في تلك المنطقة أم لا إذ أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب حجج الخصوم في جميع مناحي أقوالهم والرد على كل منها استقلالاً وحسبها أن تقيم حكمها على ما يحمله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق