الصفحات

الأحد، 26 مارس 2023

الطعن 357 لسنة 35 ق جلسة 4 / 6 / 1970 مكتب فني 21 ج 2 ق 159 ص 986

جلسة 4 من يونيه سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن.

------------------

(159)
الطعن رقم 357 لسنة 35 القضائية

( أ) تأميم. بنوك. "عملية تصدير واستيراد النقود". نقد.
تأميم البنك الأهلي وإنشاء البنك المركزي. إبقاء المشرع على شخصية المشروع المؤمم لمباشرة العمليات المصرفية العادية ومنها تصدير النقود واستيرادها.
(ب) مسئولية. "مسئولية عقدية". بنوك. حكم. "تسبيب الحكم". "الأسباب الزائدة". نقد.
تقرير الحكم مسئولية البنك نحو عميله بأسباب كافية لحمل قضائه. النعي عليه فيما تزيد فيه بعد ذلك غير منتج. مثال.
(ج) نقد. "استيراد أو تصدير أوراق النقد".
موافقة إدارة النقد على تصدير أي مبلغ قبل اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في القانون 80 سنة 1947. مؤدى ذلك رفع القيد المتعلق بهذه الإجراءات.

----------------
1 - لئن كانت المادة الأولى من القانون 40 لسنة 1960 قد نصت على اعتبار البنك الأهلي المصري مؤسسة عامة وتنتقل ملكيتها إلى الدولة إلا أن المادة السادسة منه قد نصت على أن يظل البنك الأهلي المصري هو البنك المركزي للدولة وأن يستمر في مباشرة كافة الاختصاصات المخولة بمقتضى القانون 163 سنة 1957 الخاص بالبنوك والائتمان، ولما كانت المادة الثانية من القانون 250 سنة 1960 الصادر بإنشاء البنك المركزي قد نصت على أن تؤول إليه الأصول والخصوم المبينة بهذه المادة وأن يحل البنك المركزي محل البنك الأهلي المصري فيما له من حقوق وما عليه من التزامات متعلقة بهذه الأصول والخصوم، وكانت المادة الخامسة عشرة منه قد نصت على أن يزاول البنك الأهلي المصري - دون أي قيد - جميع العمليات المصرفية العادية بالشروط والحدود ذاتها التي تخضع لها البنوك التجارية، وفقاً لأحكام القانون 163 سنة 1957، واختصته المادة بكل الأصول والخصوم القائمة وقت العمل بتنفيذ القانون بعد استيفاء ما يؤول منها إلى البنك المركزي، فإن ذلك يدل على أن المشرع وإن هدف إلى تأميم البنك الأهلي ليجعل منه مؤسسة عامة تملكها الدولة، إلا أنه أبقى على شخصية المشروع المؤمم لمباشرة ذات النشاط، واختصه بما يتضمن العمليات المصرفية العادية لمباشرتها فيما له من حقوق وما عليه من التزامات متعلقة بالأصول والخصوم التي بقيت له بعد استبعاد ما آل منها إلى البنك المركزي. لما كان ذلك وكانت عملية تصدير النقود واستيرادها تعتبر من العمليات المصرفية العادية على ما نص عليه القرار الوزاري 51 سنة 1947 الخاص بتنفيذ القانون رقم 80 سنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد مما يدخل في نطاق النشاط الذي اختص به البنك، وإذ التزم الحكم هذا النظر فإنه لا يكون مخالفاً للقانون.
2 - متى كان الحكم قد أقام مسئولية البنك أساساً على ما وقع منه من خطأ نحو عميله بإهماله أداء الخدمة التي تعهد بقيامه بها وهي تصدير المبلغ المضبوط وأن هذا الإهمال هو الذي جعل أمر أداء هذه الخدمة يتراخى حتى أدركه قانون إلغاء تداول أوراق النقد موضوع هذه الخدمة وأن البنك لو سار في أداء ما تعهد به - وفق سير الأمور العادي - لأدى ذلك إلى تفادي إلغاء هذه الأوراق، ولما كان هذا الذي قرره الحكم يكفي لحمل قضائه، فإن النعي على ما تزيد فيه بعد ذلك بتقرير مسئولية البنك عن عدم استبدال أوراق النقد بأخرى قبل انتهاء المهلة التي حددها القانون يكون غير منتج.
3 - متى كان الحكم قد أقام قضاءه على القول بأن إدارة النقد إذا كانت لا تعطي موافقتها على تصدير أي مبلغ إلا بعد استيفاء صاحب الشأن إجراءات معينة، فإن صدور موافقتها قبل اتخاذ هذه الإجراءات يرفع عنه هذا القيد مما كان يوجب على البنك أن يتخذ بنفسه هذه الإجراءات سواء قدم صاحب الشأن الطلب بنفسه أو بوكيل أم لم يقدم شيئاً، فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون رقم 80 سنة 1947.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن محمد أحمد عثمان أقام الدعوى رقم 2555 سنة 1962 أمام محكمة القاهرة الابتدائية، ضد البنك الأهلي وآخرين بطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 1190 جنيهاً، وقال بياناً لدعواه إنه كان يعمل بالمملكة السعودية وعند عودته إلى الجمهورية العربية المتحدة كان يحمل معه فائض أجره 1190 جنيها نقداً مصرياً عبارة عن ورقتين من فئة الخمسة جنيهات وثلاثة من فئة العشرة جنيهات وواحدة من فئة الخمسين وإحدى عشر ورقة من فئة المائة جنيه وقد ضبط هذا المبلغ في جمرك القاهرة، وأصدرت الإدارة العامة للنقد قرارها في القضية 367 سنة 1959 جمرك القاهرة بتاريخ 19 فبراير سنة 1959 بعدم الإذن برفع الدعوى العمومية مع إعادة المبلغ المضبوط إلى الأراضي الحجازية، على أن يتم استرداده بطريق مصرفي، وأرسل جمرك القاهرة الحرز الذي يحوي المبلغ المضبوط إلى البنك الأهلي ليتولى تنفيذ هذا القرار، إلا أن البنك المذكور لم يصدر هذا المبلغ حتى صدر القانون رقم 24 سنة 1959 والذي قضى بسحب أوراق النقد من فئة الخمسين والمائة جنيه من التداول، على أن يسمح باستبدالها خلال الفترة التي تنتهي يوم 24 إبريل سنة 1959 على ما حدده القانون 95 سنة 1959، وعلى الرغم من قيام المدعي بإخطار البنك في 23 إبريل سنة 1959 ببرقية طلب فيها استبدال أوراق النقد الكبيرة المودعة لديه بأوراق صغيرة، فإن البنك لم يفعل، بل أجاب على برقيته في 29 إبريل سنة 1959 بأن إدارة البنك رأت عدم استبدال أوراق النقد التي تكون السلطات الجمركية قد حجزتها، وأنه لما كانت هذه السلطات لم تفرج عن هذا المبلغ حتى انتهاء المهلة التي حددها القانون لاستبدال أوراق النقد من الفئة الكبيرة، فإن البنك لا يستطيع تنفيذ طلبه، وإذ أحيل الأمر بعد ذلك إلى إدارة النقد - بناء على طلب المدعي - فقد أبدت رأيها في 21 يونيه سنة 1959 بوجوب تسليمه المبلغ المضبوط بعد استبدال البنك له بنقد من الفئات الصغيرة، فأحال البنك الأمر مرة أخرى إلى مجلس الدولة والذي أفتى في 17 من أكتوبر سنة 1959 بوجوب تنفيذ قرار إدارة النقد وتسليم المبلغ المضبوط بعد استبداله بنقد من الفئات الصغيرة وأشار المجلس في هذه الفتوى إلى أن المدعي، فقد اتخذ كل حيطة ممكنة وأخطر البنك قبل فوات ميعاد الاستبدال، وأضاف المدعي أنه لا شأن له بالنزاع الذي دار بين البنك وإدارة النقد على من يتحمل منهما قيمة هذا الاستبدال وأن القانون 538 سنة 1960 قد صدر بعد ذلك بإباحة استيراد النقد المصري دون قيد أو شرط بما أصبح معه قرار إعادة تصدير المبلغ المضبوط إلى الأراضي الحجازية واسترداده بطريق مصرفي غير ذي موضوع ويكون من حقه تسلم المبلغ فوراً من البنك، إلا أن هذا الأخير رفض ذلك بحجة أن إدارة النقد كتبت إليه في 23 من إبريل سنة 1959 بأن مجلس الدولة أفتى بعدم وجود وجه للاستبدال في الحالات التي لم تستوف الشروط، ولو أدى ذلك إلى عدم إمكان تصديرها قبل انتهاء مهلة الاستبدال، وأن هذه الفتوى تنفي مسئولية البنك، واستطرد المدعي قائلاً إن إدارة النقد ألقت على عاتق البنك المسئولية بما سجلته عليه من أن قرارها الصادر بعدم الإذن برفع الدعوى، وإعادة المبلغ إلى الأراضي الحجازية واسترداده بطريق مصرفي ثم تبليغه إلى البنك بكتاب رسمي يتضمن في ذاته تصريحاً من رقابة النقد للبنك باتخاذ الإجراء المصرفي. كما أن وكيله قدم للبنك تعهداً مكتوباً بتحمله كامل المسئولية نحو إعادة استرداد المبلغ بعد قيام البنك بتحويله، وقام البنك بخصم مصاريف عملية التحويل من حسابه الجاري بالبنك، وإذ امتنع البنك بالرغم من ذلك عن الصرف، فقد انتهى إلى طلب الحكم له بطلباته. ودفع البنك بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة تأسيساً على أن القانون 40 سنة 1960 أنهى الشخصية الاعتبارية للبنك الأهلي ونقل ملكيته إلى الدولة وأنشأ بدله مؤسسة عامة ذات شخصية معنوية جديدة فلا تقبل أية دعوى ضد المؤسسة العامة الجديدة بالنسبة لأمور سابقة على 11 فبراير سنة 1960 - تاريخ صدور القانون - وأن القانون رقم 250 سنة 1960 بإنشاء البنك المركزي أكد ذلك وجعله وحده صاحب الحق في إصدار أوراق النقد دون البنك الأهلي - وبتاريخ 24 يونيه سنة 1963 حكمت المحكمة بإلزام البنك الأهلي بأن يدفع للمدعي مبلغ 1190 جنيهاً. استأنف البنك هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والحكم برفض الدعوى وقيد استئنافه برقم 1708 سنة 80 قضائية. وفي 25 مارس سنة 1965 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول منها الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن القانون رقم 40 سنة 1960 الصادر بتأميم البنك الأهلي المصري أدى إلى انقضاء الشخصية المعنوية للشركة التي كانت وراء هذا البنك، إذ نصت المادة الأولى منه على أن يعتبر البنك الأهلي المصري مؤسسة عامة وتنتقل ملكيته إلى الدولة، ثم صدر القانون رقم 250 سنة 1960 بخلافة البنك المركزي المصري والبنك الأهلي المصري الجديد للبنك الأهلي المصري القديم، ونصت المادة الثانية من القانون الأخير على أن تؤول إلى البنك المركزي في تاريخ العمل بالقانون الأصول والخصوم المبينة به ويحل البنك المركزي محل البنك الأهلي المصري فيما له من حقوق وما عليه من التزامات بهذه الأصول والخصوم، وهي أصول وخصوم قسم الإصدار بالبنك الأهلي المصري، ونصت المادة 16 منه على أن تعد للبنك الأهلي المصري ميزانية افتتاحية تعتمد بقرار من رئيس الجمهورية وتشمل الأصول والخصوم التي تحدد بقرار من وزير الاقتصاد، وأنه لما كان استبدال العملة بغيرها وسحب العملة من التداول هو من صميم عمليات الإصدار فإن الالتزام المرفوع به الدعوى هو التزام متعلق بالعمليات التي آلت إلى البنك المركزي وحده ضمن ما تعلق بأصول وخصوم عمليات الإصدار من الحقوق والالتزامات طبقاً لنص المادة الثانية من القانون رقم 250 لسنة 1960 وإذ قرر الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن البنك الأهلي المصري وإن كان قد تم تأميمه بالقانون 40 سنة 1960 كما صدر القانون 250 سنة 1960 بقسمته إلا أنه يظل مقيداً بالتصرفات التي مارسها وبالالتزامات التي ترتبت في ذمته في الفترة السابقة على التأميم، فيكون الحكم قد تجاهل كل أثر لهذا التأميم وإنهاء شخصية البنك القديمة وأهدر معنى تقييد الغرض وتقسيم رأس المال على الشخصية والذمة مخالفاً بذلك ما ورد بالقانونين 40 و250 لسنة 1960.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه وإن كانت المادة الأولى من القانون 40 لسنة 1960 قد نصت على اعتبار البنك الأهلي المصري مؤسسة عامة وتنتقل ملكيتها إلى الدولة، إلا أن المادة السادسة منه قد نصت على أن يظل البنك الأهلي المصري هو البنك المركزي للدولة وأن يستمر في مباشرة كافة الاختصاصات المخولة بمقتضى القانون 163 لسنة 1957 الخاص بالبنوك والائتمان، ولما كانت المادة الثانية من القانون 250 سنة 1960 الصادر بإنشاء البنك المركزي قد نصت على أن تؤول إليه الأصول والخصوم المبينة بهذه المادة وأن يحل البنك المركزي محل البنك الأهلي المصري فيما له من حقوق وما عليه من التزامات متعلقة بهذه الأصول والخصوم، وكانت المادة الخامسة عشرة منه قد نصت على أن يزاول البنك الأهلي المصري دون أي قيد جميع العمليات المصرفية العادية بالشروط والحدود ذاتها التي تخضع لها البنوك التجارية وفقاً لأحكام القانون 163 سنة 1957، واختصته المادة السادسة عشرة بكل الأصول والخصوم القائمة وقت العمل بتنفيذ القانون بعد استبعاد ما يؤول منها إلى البنك المركزي، فإن ذلك يدل على أن المشرع وإن هدف إلى تأميم البنك الأهلي ليجعل منه مؤسسة عامة تملكها الدولة، إلا أنه أبقى على شخصية المشروع المؤمم لمباشرة ذات النشاط واختصه بما يتضمن العمليات المصرفية العادية لمباشرتها فيما له من حقوق وما عليه من التزامات متعلقة بالأصول والخصوم التي بقيت له بعد استبعاد ما آل منها إلى البنك المركزي. لما كان ذلك وكانت عملية تصدير النقود واستيرادها تعتبر من العمليات المصرفية العادية على ما نص عليه القرار الوزاري 51 سنة 1947 الخاص بتنفيذ القانون رقم 80 سنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد مما يدخل في نطاق النشاط الذي اختص به البنك الطاعن، وإذ التزم الحكم هذا النظر وقضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى فإنه لا يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، وفي بيان ذلك يقول إن المادة الأولى من القانون 94 سنة 1959 قصرت استبدال أوراق النقد من الفئتين الكبيرتين على ما كان منها متداولاً في مصر وأفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون 95 سنة 1959 الصادر بتقصير مهلة الاستبدال عن العلة في صدوره، بما قررته من أن الأمر قد كشف عن أيد أثيمة في الخارج تريد العبث باقتصاديات البلاد وتحاول جاهدة أن تدخل إليها خلسة كميات كبيرة من البنكنوت من هذه الفئات كانت قد خرجت مهربة بطرق غير مشروعة، وعلى ذلك فإن أوراق النقد موضوع الدعوى والتي ضبطت بجمرك القاهرة تخرج عن عداد الأوراق التي يصح استبدالها لدخولها إلى مصر بطريق غير مشروع فأصبحت غير جائزة التداول فيها وهو ما حدا بإدارة النقد إلى تقرير إعادة تصديرها إلى مالكها في الخارج ليعود إلى استيرادها إن أمكنه إثبات مشروعية تصديرها بادئ الأمر من مصر، وهو ما كان يقتضي أن يستورد النقد المصري من الخارج عن طرق بنك أجنبي ومعه استمارة تصدير النقود (ص. أ. ب) التي يكون صاحب الشأن قد سبق له تحريرها في مصر - لما كان ذلك وكان شرط استبدال النقد الكبير أن يكون تداوله مشروعاً، فإن البنك لا يسأل عن امتناعه عن اتخاذ إجراء غير مشروع، ولا يصح القول بأنه كان ملزماً كوكيل باستبدال هذه الأوراق النقدية بأوراق صغيرة محافظة على حقوق موكله إذ لو قام البنك بهذا الاستبدال لكان عمله جريمة أو عملاً مخالفاً للنظام العام، وما قرره الحكم الابتدائي من أن مصلحة الجمارك أرسلت إلى البنك في 23 من إبريل سنة 1959 - قبل انتهاء المهلة للاستبدال في 24 من إبريل - كتاباً تطلب منه فيه استبدال الأوراق المضبوطة بفئات صغيرة ليس له أصل في الأوراق، وقد لفت الدفاع عن البنك نظر محكمة الاستئناف إلى ذلك دون جدوى، وإذ أقام الحكم المطعون فيه - والحكم الابتدائي معه - مسئولية البنك الطاعن على إخلاله بالالتزام باستبدال النقود المضبوطة بفئات صغيرة على مشروعية هذا الاستبدال، فإنه يكون قد أخطأ في تأويل المادة الأولى من القانون رقم 94 سنة 1959.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أقام قضاءه بمساءلة الطاعن على قوله "إن الذي تستخلصه المحكمة من استقراء دفاع طرفي الخصومة أن الخطأ كان واقعاً على عاتق البنك الأهلي المصري تجاه عميله الذي لم يقدم إليه الخدمة المطلوبة وفقاً لما يقتضيه سير الأمور العادي في حينها على الرغم من صدور قرار من إدارة النقد بجواز تصدير المبلغ المضبوط واستبداله عن طريق أحد المصارف، إذ أن البنك المذكور وعلى الرغم من قبوله القيام بهذه العملية لحساب المدعي إلا أنه وقف عن تنفيذها موقفاً سلبياً دون مبرر مقبول، إذ أنه كان لزاماً عليه فور تسلمه المبلغ المضبوط من مصلحة الجمارك أن يقوم بتقديم الاستمارة المتعلقة بهذه العملية وهي الاستمارة ص. أ. ب إلى الإدارة العامة للنقد ولكنه بدلاً من وضوح الطريق أمامه آثر دون ما سند الالتجاء إلى طريق المكاتبات مع إدارة النقد ليستفتيها فيما لا يتطلب الفتوى، ولو تقدم بالاستمارة ص. أ. ب فور تسلمه أمر عملية المدعي إلى إدارة النقد وتراخت تلك الإدارة في الاستجابة لطلبه لكان لدفاعه في هذا الخصوص شأن آخر. وقد كان هذا التراخي من جانب البنك الأهلي المصري في أداء ما طلب منه هو السبب فيما لحق المدعي من أضرار تتمثل في فقدان قيمة أوراق النقد المضبوطة من فئة المائة جنيه والخمسين جنيهاً بعد إلغائها، وهذا فضلاً عن أنه على الرغم من إبلاغه بكتاب مصلحة الجمارك رقم 5665 في 23/ 4/ 1959 بفض إحراز المبالغ المضبوطة على ذمة قضايا وإبدال أوراق النقد من الفئات الكبيرة بالفئات الصغيرة، إلا أنه لم يقم بهذا الإجراء حتى انتهت المهلة القانونية"، وهو ما يبين منه أن الحكم أقام مسئولية البنك أساساً على ما وقع منه من خطأ نحو عميله بإهماله أداء الخدمة التي تعهد بقيامه بها وهي تصدير المبلغ المضبوط، وأن هذا الإهمال هو الذي جعل أمر أداء هذه الخدمة يتراخى حتى أدركه قانون إلغاء تداول أوراق النقد موضوع هذه الخدمة، وأن البنك لو سار في أداء ما تعهد به وفق سير الأمور العادي لأدى ذلك إلى تفادي إلغاء هذه الأوراق، ولما كان هذا الذي قرره الحكم يكفي لحمل قضائه فإن النعي على ما تزيد فيه بعد ذلك بتقرير مسئولية البنك عن عدم استبدال أوراق النقد بأخرى قبل انتهاء المهلة التي حددها القانون يكون غير منتج، ولا يعيب الحكم الخطأ فيه، كما لا يجدي الطاعن نعيه على الحكم خطأه في الإسناد بقوله إن ما قرره الحكم من أن إدارة النقد كانت قد أصدرت قرارها بتكليف البنك استبدال أوراق النقد المضبوطة لا أصل له في الأوراق، ذلك أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه لم يتخذ من هذا الأمر - وعلى ما سلف بيانه - أساساً لمساءلة البنك بل عرض له تزيداً، فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه قد أطرح هذه الواقعة من أسانيده في مساءلة البنك وبذلك يكون النعي في جملته على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثالث الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، وفي بيان ذلك يقول إن المادة الثانية من القانون رقم 80 سنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد حظرت استيراد أو تصدير أوراق النقد المصري أو الأجنبي على اختلاف أنواعها إلا بالشروط والأوضاع التي يعينها وزير المالية، وقد تضمن قراره رقم 51 لسنة 1947 وجوب تحرير الطلبات الخاصة بتلك العمليات على الاستمارة ج، وأن تقدم إلى مراقبة عمليات النقد مصحوبة بجميع المستندات المتعلقة بالموضوع وذلك عن طريق أحد المصارف المرخص لها، ويقع الالتزام بتحرير هذه الاستمارة على ذي الشأن ويقتصر دور البنك على المصادقة عليها، كما حظرت المادة 180 من لائحة الرقابة على عمليات النقد الصادرة بالقرار الوزاري رقم 892 سنة 1960 تصدير أوراق النقد المصري أو الأجنبي إلا بعد موافقة الإدارة العامة للنقد، على أن يقدم الطلب على استمارة ص. أ. ب عن طريق أحد البنوك المعتمدة، وأوجبت المادة 181 من هذه اللائحة استرداد حصيلة أوراق النقد المصدرة عن طريق دفع مقبول من الإدارة العامة للنقد على أن تتضمن الاستمارة ص. أ. ب تعهداً بهذا المعنى، وقد تقدم الأستاذ حسين كرم المحامي بطلب تصدير النقود المضبوطة، بينما ليس هو مالكها ولا يسمح له توكيله بتمثيل صاحب الشأن في هذا الإجراء، كما طلب بخطابه أن يكون الاستيراد باسمه هو، ورغم أنه لم يقدم طلبه على الاستمارة المعدة لذلك فقد ألقى الحكم الابتدائي بالمسئولية على عاتق البنك الطاعن على أساس أن صدور قرار إدارة النقد بجواز تصدير المبلغ المضبوط وإعادة استيراده عن طريق أحد المصارف وقبول البنك الطاعن أداء هذه المهمة يغني عن موافقة أخرى لاحقة لتحرير الاستمارة الخاصة بذلك من إدارة النقد، وأن خطأ البنك يتمثل في عدم أداء هذه الخدمة لعميله وفقاً لما يقتضيه سير الأمور العادي بأن يقدم الاستمارة ص. أ. ب والتي يتمسك بتحريرها إلى إدارة النقد، وهذا من الحكم خطأ في تأويل المادة الثانية من القانون رقم 80 سنة 1947 والمادة الخامسة من القرار الوزاري رقم 51 سنة 1947 والمادة 180 من القرار رقم 538 سنة 1960، لأن موافقة مراقبة النقد ليست لازمة فقط عند التصدير والاستيراد ولكنها لازمة لمراقبة استيفاء ذي الشأن والمصرف للإجراءات المنصوص عليها في القانون والقرار الوزاري المنفذ له ولاستكمال إجراءات القيد الحسابية الواجبة في مثل هذه الحالة.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه وعلى ما سلف بيانه في الرد على السبب الثاني أقام قضاءه على دعامة أساسها أن البنك كان ملزماً - بعد صدور قرار مراقبة النقد بإعادة تصدير المبلغ - باتخاذ كافة الإجراءات المؤدية إلى تصدير أوراق النقد موضوع الدعوى وأن ما اتخذه من مراسلات وطلب الفتوى كان في غير موجب وأن ذلك كان هو السبب في تأخير إجراءات تصدير أوراق النقد حتى أدركها قانون إلغائها، مما يسأل معه البنك عن الضرر الذي لحق بالمطعون عليه من جراء هذا التأخير، ولا مخالفة في هذا الذي قرره الحكم للقانون، لأن الحكم إنما هدف إلى القول بأن إدارة النقد إذا كانت لا تعطي موافقتها على تصدير أي مبلغ إلا بعد استيفاء صاحب الشأن إجراءات معينة، فإن صدور موافقتها قبل اتخاذ هذه الإجراءات يرفع عنه هذا القيد، مما كان يوجب على البنك أن يتخذ بنفسه هذه الإجراءات سواء قدم صاحب الشأن بنفسه أو بوكيل أم لم يقدم شيئاً ومن ثم يكون النعي على غير أساس.
وحيث إن النعي في السبب الرابع بني على ثلاثة أوجه ينعى الطاعن في أولها على الحكم المطعون فيه البطلان، وفي بيان ذلك يقول إن المطعون عليه الأول طلب من المحكمة الابتدائية تصريحاً لتصحيح شكل الدعوى وإدخال خصوم جدد فأجابته المحكمة إلى طلبه، فأدخل البنك المركزي بإعلان مؤرخ 5 فبراير سنة 1963 أثبت فيه أنه يعلن محافظ البنك المركزي - المطعون ضده الرابع - بدلاً من رئيس مجلس إدارة البنك الطاعن بما يفيد تنازله عن مخاصمة هذا الأخير لأن طلب التأجيل وإجراء الإعلان وقعا عقب الدفع الذي أبداه الطاعن بأن الدعوى أقيمت - بالنسبة له - على غير ذي صفة، وقد صدر الحكم الابتدائي مع ذلك بإلزام الطاعن أداء المبلغ المقضى به رغم تنازل صاحب الدعوى عن مخاصمته وقد رد الحكم المطعون فيه على دفعه ببطلان الحكم الابتدائي في هذا الصدد بأن ما جاء بإعلان التأجيل خطأ مادي لم يقصد به بحال من الأحوال المعنى الذي استخلصه الطاعن المستأنف - بدليل أن الطلبات وجهت في ذلك الإعلان إلى البنك المركزي على أن يسمع الحكم وآخرين بالطلبات الموضحة بصحيفة افتتاح الدعوى - وهو استدلال من الحكم غير سليم لأنه مع إخراج البنك الطاعن من بين المطلوب الحكم ضدهم يظل باقيهم متعددين. وفي بيان الوجه الثاني يقول الطاعن إنه لما كانت المسئولية المدنية لا تتحقق إلا بقيام الضرر بشروطه الواردة في المادة 221/ 1 من القانون المدني، فإن الحكم المطعون فيه لم يبحث قبل القضاء بالتعويض - وبفرض تصدير البنك للمبلغ - مدى نجاح المطعون ضده الأول في إثبات مشروعية تصدير تلك الأوراق من مصر ثم مدى نجاحه بعد ذلك في إعادة استردادها، وأن يتم كل ذلك قبل انتهاء المهلة التي حددها قانون إلغاء هذا النوع من أوراق البنكنوت، وفي الوجه الثالث يقول الطاعن إنه بفرض أنه كان يتعين على البنك استبدال الأوراق المضبوطة بأخرى صغيرة فإنه لم يكن من الممكن تسليمها إلى المطعون ضده إلا إذا أثبت أحقيته في استيراد الأوراق المضبوطة وذلك لا يكون إلا بإثبات صحة تصدير أصلها من مصر دون أن يكون لصدور القانون رقم 538 سنة 1960 بإباحة استيراد النقد المصري بعد ذلك من أثر، إذ لا يترتب عليه تصحيح تهريب أوراق النقد من الفئة الكبيرة قبل إلغائها.
وحيث إن النعي في وجهه الأول غير مقبول، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أسس رفضه الدفع ببطلان الحكم الابتدائي على ما قرره من أن ورقة إعلان 5 فبراير سنة 1963 التي اختصم فيها المطعون ضده الأول البنك المركزي في الدعوى أمام محكمة أول درجة احتوت على الطلبات الموجهة إلى البنك المركزي وهي أن يسمع الحكم وآخرين بالطلبات الموضحة بصحيفة افتتاح الدعوى بإلزامهم متضامنين فيما بينهم بأن يدفعوا للمدعي "المطعون ضده الأول" 1190 ج وإلى أن ما ورد بصلب هذا الإعلان من أن القضية مؤجلة لتصحيح شكل الدعوى بإعلان السيد المعلن إليه "رئيس مجلس إدارة البنك المركزي" بدلاً من رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي، إنما ورد في صدد تنفيذ قرار المحكمة الصادر في جلسة 31 ديسمبر سنة 1962 وأن ذلك مجرد خطأ مادي من المعلن لم يقصد به المعنى الذي استخلصه الطاعن بدليل الطلبات الموجهة إلى البنك المركزي، وكان هذا الذي قرره الحكم تقدير موضوعي سائغ ويمكن أن يؤدي إلى ما انتهى إليه، فإن النعي عليه يصبح جدلاً موضوعياً فيما تستقل به محكمة الموضوع ولا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. والنعي في وجهه الثاني مردود بما قرره الحكم المطعون فيه على ما جاء بالرد على السبب الثاني من أن البنك الطاعن قد تراخى في إعادة تصدير النقود بما لا يتفق مع سير الأمور العادي إلى أن صدر القانونان 94 و95 سنة 1959 وانعدمت قيمتها بانتهاء المهلة المحددة منهما لاستبدالها، وهو بهذا يكون قد استظهر المسئولية الموجبة للتعويض. والنعي مردود في الوجه الثالث بما جاء بالرد على السبب الثاني والوجه السابق، ولم يكن الحكم في حاجة إلى بحث إمكان تسليم النقود للمطعون عليه ومن ثم لا يعيبه عدم التحدث عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق