الصفحات

الجمعة، 17 مارس 2023

الطعن 271 لسنة 29 ق جلسة 11 / 6 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 127 ص 804

جلسة 11 من يونيه سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ محمود القاضي، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، ولطفي علي، وإبراهيم الجافي، وصبري فرحات.

-----------------

(127)
الطعن رقم 271 لسنة 29 القضائية

( أ ) تعليم. "قانون التعليم الحر". "الإعانة".
العلاقة بين وزارة التربية والتعليم وبين المدارس الحرة في خصوص الإعانة علاقة تنظيمية عامة مصدرها القوانين والقرارات الصادرة في شأنها. وجوب الرجوع إلى هذه القوانين واللوائح في الأنزعة التي تثور بين الوزارة وبين أصحاب تلك المدارس.
(ب) تعليم. "قانون التعليم الحر". "الإعانة". "إعانة الكفاية".
إعانة الكفاية إنما تقرر للمدرسين من أصحاب المؤهلات ولا يدخل شيء منها في ذمة صاحب المدرسة أو ناظرها وأن دور أيهما لا يعدو دور الوسيط بين الوزارة وبين المدرسين. ليس للوزارة مطالبة صاحب المدرسة أو ناظرها برد ما تكون قد دفعته من الإعانة متى ثبت قيامه بتسليمه لأصحابه من المدرسين المعانين.
(جـ) تعليم. "قانون التعليم الحر". "الإعانة". "استردادها".
تقرير الوزارة للإعانة لا يتم إلا بعد التحقق من قيام موجبها. ليس لها في حالة إخلال صاحب المدرسة أو ناظرها بالالتزامات المفروضة عليه الحق في استرداد ما تكون قد دفعته فعلاً في هذه الإعانة. اقتصار حقها على منع الإعانة أو وقف صرفها حتى يفي صاحب المدرسة أو ناظرها بالتزاماته.
(د) نقض. "المصلحة في الطعن".
إقامة محكمة النقض النتيجة التي انتهى إليها الحكم المطعون فيه على أساس قانوني مغاير للأساس الذي أقيم عليه. النعي بوجود قصور أو تناقض في أسبابه التي استبدلت بها هذه المحكمة غيرها غير منتج.
(هـ) حكم. "عيوب التدليل". "قصور". "ما يعد كذلك".
عدم مواجهة الحكم أحد طلبات الطاعن استقلالاً - عدم صلاحية الأسباب التي استند إليها في رفض طلبات الطاعن جملة لرفض ذلك الطلب. تعييب الحكم بالقصور.

-----------------
1 - مؤدى المادة 11 من قانون التعليم الحر رقم 40 لسنة 1934 ونصوص القرارات الوزارية الصادرة بالاستناد إليها أن العلاقة بين وزارة التربية والتعليم وبين المدارس الحرة في خصوص الإعانة بمختلف أنواعها ليست علاقة عقدية وإنما هي علاقة تنظيمية عامة مصدرها القوانين والقرارات الصادرة في هذا الشأن. ومن ثم فإنه يجب الرجوع إلى هذه القوانين واللوائح في الأنزعة التي تثور بين الوزارة وبين أصحاب تلك المدارس بسبب الإعانة.
2 - يبين من القرارين الوزاريين رقمي 5718، 5719 الصادرين في 3 نوفمبر سنة 1942 واللذين ينظمان "إعانة الكفاية" أن هذه الإعانة إنما تقررها الوزارة للمدرسين من أصحاب المؤهلات ولا يدخل شيء منها في ذمة صاحب المدرسة أو ناظرها، وأن دور أيهما فيها لا يعدو دور الوسيط بين الوزارة وبين المدرسين الذين تقررت لهم الإعانة من الوزارة وتم تعيينهم بموافقتها فيتسلم صاحب المدرسة أو ناظرها في نهاية كل شهر مبلغ الإعانة المقررة لهؤلاء المدرسين ويقوم بدوره بتسليمه إليهم. وإذ كان الأمر كذلك فلا يكون للوزارة أن تطالب صاحب المدرسة أو ناظرها برد ما تكون قد دفعته من هذه الإعانة متى ثبت أنه قام بتسليمه لأصحابه من المدرسين المقررة لهم الإعانة لأنه في هذه الحالة تبرأ ذمته بهذا التسليم ولا يكون قد استولى لنفسه على شيء حتى يطالب برده، كما لا يمكن تأسيس مطالبته بالرد على وقوع خطأ من جانبه لعدم استيفاء هؤلاء المدرسين شروط استحقاق إعانة الكفاية ذلك أن الأمر في تقريرها موكول إلى الوزارة وحدها وقد تطلب منها القرار الوزاري رقم 5719 عدم تقريرها إلا بعد التحقق من استيفاء المدرسين المعانين شروط استحقاقها.
3 - يبين من القرارات الوزارية والنشرات الصادرة في شأن "إعانة الاستبقاء وإعانة التعويض عن المجانية" أن الوزارة لا تقررهما إلا بعد التحقق من قيام موجبهما، وأنه ليس في تلك القرارات والنشرات ما يخول الوزارة في حالة إخلال صاحب المدرسة أو ناظرها بالالتزامات المفروضة عليه الحق في استرداد ما تكون قد دفعته فعلاً من هذه الإعانة، وإنما يقتصر حقها في هذه الحالة على منع الإعانة أو وقف صرفها حتى يفي صاحب المدرسة أو ناظرها بالتزاماته.
4 متى كانت محكمة النقض قد أقامت النتيجة التي انتهى إليها الحكم المطعون فيه على أساس قانوني مغاير للأساس الذي أقيم عليه فإن النعي بوجود قصور وتناقض في أسبابه التي استبدلت بها هذه المحكمة غيرها يكون - بفرض صحته - غير منتج.
5 - إذا كان الحكم المطعون فيه لم يواجه أحد طلبات الطاعنة استقلالاً وكانت الأسباب التي استند إليها في رفض طلبات الطاعنة جملة لا تصلح قانوناً لرفض ذلك الطلب فإن الحكم يكون معيباً في هذا الخصوص بما يستوجب نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه أقام بتاريخ أول فبراير سنة 1947 الدعوى رقم 2237 سنة 1947 مدني كلي مصر ضد وزارة المعارف وطلب الحكم له بمبلغ 3000 جنيه وقال في بيان دعواه أنه ترتب على تقرير مجانية التعليم الابتدائي أن عرضت وزارة المعارف على المدارس الحرة التي تقبل الانضمام إلى هذا النظام وتمتنع عن تحصيل مصاريف من التلاميذ أن تدفع لها الوزارة مقابل ذلك إعانة توازي مقدار ما كانت تحصله من التلاميذ على أساس عددهم في العام السابق على تقرير المجانية وأنه استجاب لرغبة الوزارة ولم يحصل مصاريف من التلاميذ واستحق لذلك الإعانة المقررة، وقد دفعت له الوزارة من الإعانة المستحقة له مبلغ 596 جنيهاً وبقي له مبلغ 1773 جنيهاً و941 مليماً وهو ما يطلبه مع التعويض المستحق له مقابل ما أصابه من ضرر بسبب إخلال الوزارة بتعهداتها وجملة ذلك المبلغ المطالب به. وبجلسة 25 من مايو سنة 1947 رفعت الوزارة دعوى فرعية ضد المدعي (المطعون عليه) تطالبه فيها برد مبلغ 1433 جنيهاً و659 مليماً منه مبلغ 986 جنيهاً و59 مليماً صرف بغير حق بوصفه إعانة لمدرستي البنين والبنات المملوكتين للمطعون عليه ومبلغ 374 جنيهاً صرف له بصفة إعانة كفاية لمدرسين لا يستحقونها لعدم استيفائهم شروط استحقاقها ومبلغ 73 جنيهاً و600 مليم حصله المطعون عليه باعتبارها تأميناً صحياً ولم يورده لخزينة الحكومة. وقالت في بيان دعواها إن المطعون عليه يدير مدرستين للجمعية الإنجيلية ببور سعيد وأنه قبل الانضمام إلى نظام المجانية ووقع على عقد استخدام المدارس الحرة المرفق بالقرار الوزاري رقم 5719 الصادر في 3/ 11/ 1942 والذي تعهد في البند الثالث منه بالقيام بعمله طبقاً للقوانين واللوائح والنشرات التي تصدرها وزارة المعارف، وأن الوزارة قد صرفت للمطعون عليه إعانات بلغ مقدارها 1360 جنيهاً و59 مليماً وقد خالف الأخير الشروط المتفق عليها بأن قام بنشاط تبشيري وامتنع عن تدريس الدين الإسلامي للتلاميذ المسلمين وطالب التلاميذ بمصروفات فضلاً عن عدم كفاية المشرفين على المدرستين مما اضطر الوزارة إلى إخراج المدرستين اللتين يديرهما من نظام المجانية ومنع الإعانة عنهما وإنذاره بإغلاق المدرستين وإبلاغ النيابة إن هو استمر في نشاطه الذي يخالف خطة الدولة الرسمية - ثم رفعت الوزارة دعواها الحالية تطلب استرداد الإعانة التي حصل عليها المطعون عليه بغير حق وطلب مبلغ التأمين الصحي الذي حصله المطعون عليه لحسابها ولم يورد إليها ومقداره 73 جنيهاً و600 مليم - وبتاريخ 29 يناير سنة 1951 حكمت المحكمة برفض الدعويين الأصلية والفرعية - استأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافها برقم 23 سنة 70 ق كما استأنفه المطعون عليه وقيد استئنافه برقم 121 سنة 70 ق وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين حكمت فيها بتاريخ 21 من فبراير سنة 1954 برفضهما وبتأييد الحكم المستأنف وأقامت قضاءها على أن الإعانة محل النزاع تبرع موقوف على شرط هو اتباع منهج الوزارة المفصل في منشوراتها وأنه لما كان المطعون عليه قد خالف هذا المنهج فقد كان من حق الوزارة أن تمتنع عن دفع الإعانة مستقبلاً دون أن تكون مسئولة عن ذلك أية مسئولية تقصيرية وأنه لم يقع من الوزارة إخلال بتعاقد يرتب في ذمتها حقاً للمطعون عليه في التعويض وأقرت المحكمة في خصوص الدعوى الفرعية وجهة نظر المحكمة الابتدائية في أن العلاقة بين الطرفين ليست تعاقدية وأن الإعانة المدفوعة تعتبر هبة تمت بالقبض فليس للوزارة الرجوع فيها - طعنت وزارة التربية والتعليم في هذا الحكم بطريق النقض في خصوص ما قضى به من رفض دعواها الفرعية وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها تتضمن نقض الحكم للسببين الأول والثالث وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وأمامها تمسكت النيابة برأيها الوارد في مذكرتها وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الوزارة الطاعنة تنعى في السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون وفي بيان ذلك تقول إن الحكم إذ أقام قضاءه على اعتبار المبالغ التي تطالب باستردادها هبة تمت بالقبض وليس لها الرجوع فيها قد اعتمد على ظاهر الألفاظ والتزم مبناها دون معناها ذلك أنه وإن وردت في القرارات المتعلقة بالإعانة التي تصرفها الوزارة إلى المدارس الحرة ألفاظ تفيد المنح والإعانة إلا أن ذلك لا يؤثر بحال في كون الإعانة لا تعتبر من التبرعات المحضة وإنما هي عقد اشتمل على التزامات متبادلة بين الطرفين على أنه إن صح وصف الحكم لها بأنها هبة - مع ما في هذا الوصف من تجوز - فإنها تكون هبة بعوض هو التزام المطعون عليه (الموهوب له) بعدم مطالبة التلاميذ بمصروفات ونهوضه بالمستوى العلمي بالمدرسة باستخدام أصحاب الكفايات من المدرسين واتباعه منهج الوزارة وعدم مخالفته أوامرها - ولما كانت المادة 497 من القانون المدني تلزم الموهوب له بأداء ما اشترطه عليه الواهب من عوض سواء اشترط هذا العوض لمصلحة الواهب أو لمصلحة أجنبي أو للمصلحة العامة وكان المطعون عليه قد أخل بالتزامه سالف الذكر على ما سجله الحكم نفسه فاقتضى مصروفات من الطلبة وامتنع عن تدريس مادة الدين الإسلامي وبشر بين المسلمين بغير دينهم واستخدم مدرسين غير مؤهلين فإنه يكون من حق الوزارة الطاعنة الرجوع في الهبة طبقاً لما تقرره المادة 501 مدني من حق الواهب في الرجوع فيما وهبه إذا أخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب وبالتالي يكون الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى عدم أحقية الطاعنة في استرداد ما كانت قد دفعته من إعانة للمطعون عليه قد خالف القانون.
وحيث إن المادة 11 من قانون التعليم الحر رقم 40 لسنة 1934 تنص على أن لوزارة المعارف أن تمنح المدارس الحرة إعانات مالية طبقاً للوائح التي تضعها ولها أن تساعدها بجميع الوسائل التي تراها على إدارتها الفنية والمالية - وبالاستناد إلى هذه المادة أصدر وزير المعارف قرارات متتالية لتنظيم الإعانة وكان كل منها ينص على إلغاء سابقه حتى انتهى الأمر بصدور القرارين الوزارين رقمي 5718، 5719 في 3 من نوفمبر سنة 1942 وقد نص القرار الأول في مادته الأولى على أن الإعانات التي يجوز للوزارة منحها للمدارس الحرة التي تراها جديرة بذلك نوعان 1 - إعانة استبقاء و2 - إعانة كفاية، وبينت المادة الثانية الغرض من إعانة الاستبقاء ثم نصت المادة الثالثة على أن هذه الإعانة لا تكون مستحقة الدفع كلها أو بعضها إلا بعد تحقق الوزارة من قيام المدرسة بتنفيذ ما وجه إليها من تعليمات وفرض عليها من اشتراطات وبما في ذمتها من التزامات وتدفع عند استحقاقها إلى صاحب المدرسة على قسطين الأول عند انتهاء السنة الدراسية والثاني عند بدء السنة الدراسية التالية، وللوزارة الحق في أن توقف صرف الإعانة كلها أو بعضها لحين وفاء المدرسة بجميع التزاماتها كما أن للوزارة الحق في أن توجه الإعانة للوفاء بهذه الالتزامات لأربابها مباشرة وتنص المادتان الرابعة والخامسة على أن إعانة الكفاية تمنح على سبيل المساهمة مع المدارس في دفع مرتبات المدرسين الذين ترى الوزارة لكفايتهم تقرير الإعانة وأنها لا تمنح إلا للمدارس التي تقبل وتنفذ فعلاً في علاقتها مع المدرسين المقررة لهم الإعانة القواعد المنصوص عليها في القرار الوزاري الخاص بتنظيم شئون مدرسي المدارس الحرة - وحددت المادة السادسة فئات هذه الإعانة بحسب المؤهل الذي يحمله المدرس ثم نصت في فقرتها الأخيرة على أن تبين الوزارة الفئة التي يوضع فيها المدرس ومقدار الإعانة المقررة له بحسب هذه الفئة، ونصت المادة الثامنة على أن "تدفع الوزارة إعانة الكفاية لصاحب المدرسة أو ناظرها على أقساط شهرية في نهاية كل شهر ليقوم بتسليمها إلى المدرسين المقررة لهم ويجب عليه أن يعيد إلى الوزارة كشف الإعانات الشهري مؤشراً عليه من كل مدرس بما يفيد استلامه قيمة الإعانة المخصصة له" - ونصت المادة التاسعة على أن منح إعانة استبقاء أو كفاية في سنة لا يستوجب منح الإعانة في سنة تالية وأن للوزارة أن تقرر قبل ابتداء العام الدراسي إلغاء أو تخفيض أية إعانة مستقبلة، ونصت المادة الأولى من القرار الوزاري رقم 5719 الخاص بتنظيم شئون المدرسين الذين تقرر لهم إعانة كفاية بالمدارس الحرة على أن "لا تقرر إعانة كفاية للمدرسين إلا إذا كان تعيينهم قد تم بموافقة الوزارة وتحدد العلاقة بين المدرسة والمدرس بعقد مطابق للنموذج الملحق بهذا القرار" وتقضي المادة الثانية بأن يكون الترشيح في التعيين في الوظائف التي تخلو والمقررة إعانة لشاغلها بواسطة مراقبة التعليم الحر أو مراقبة تعليم البنات بحسب الأحوال وبينت المواد التالية الشروط الواجب توافرها فيمن يجوز تعيينهم في تلك الوظائف وحظرت المادة السابعة على صاحب المدرسة فصل أي مدرس يتمتع بإعانة كفاية أثناء العقد أو تقرير عدم تجديد عقده إلا بعد الحصول على موافقة من الوزارة ونصت المادة الثامنة على حق الوزارة في تقرير حرمان المدرس من الحصول على إعانة كفاية في أحوال معينة وللمرة التي تحددها، وقد أصدر وزير المعارف في 3 من أغسطس سنة 1944 نشرة إلى المدارس الحرة الابتدائية بشأن تنظيم انضمامها إلى نظام المجانية وتضمنت الفقرة "هـ" من هذه النشرة أن الوزارة تدفع لكل مدرسة تقبل هذا النظام إعانة في مقابل ما كان يدفعه لها التلاميذ من المصروفات المدرسية على أساس عدد التلاميذ الذين كانوا مقيدين بها في العام الماضي وفئة المصروفات التي كانت مقررة وعلى أن تدفع الإعانة المستحقة كل سنة على ثلاثة أقساط في يونيه وأكتوبر وفبراير - ومؤدى النصوص المتقدمة أن العلاقة بين الوزارة وبين المدارس الحرة في خصوص الإعانة بمختلف أنواعها ليست علاقة عقدية وإنما هي علاقة تنظيمية عامة مصدرها القوانين والقرارات الصادرة في هذا الشأن ومن ثم فإنه يجب الرجوع إلى هذه القوانين واللوائح في الأنزعة التي تثور بين الوزارة وبين أصحاب تلك المدارس بسبب الإعانة - ولما كان الثابت من الوقائع السالف ذكرها أن من بين ما طلبته الوزارة الطاعنة في دعواها استرداد مبلغ 374 ج قيمة ما دفعته من إعانة كفاية لمدرسين في المدرستين اللتين يديرهما المطعون ضده وذلك تأسيساً على ما ادعته الوزارة من أن هؤلاء المدرسين لم يكونوا مستوفين لشروط استحقاق هذه الإعانة - وكان يبين من القرارين الوزاريين رقمي 5718، 5719 الصادرين في 3 نوفمبر سنة 1942 واللذين ينظمان إعانة الكفاية، وتستند إليهما الطاعنة في دعواها أن هذه الإعانة إنما تقررها الوزارة للمدرسين من أصحاب المؤهلات ولا يدخل شيء منها في ذمة صاحب المدرسة أو ناظرها وأن دور أيهما فيها لا يعد دور الوسيط بين الوزارة وبين المدرسين الذين تقررت لهم الإعانة من الوزارة وتم تعيينهم بموافقتها على ما تقضى به المادة الأولى من القرار رقم 5718 سالف الذكر فيتسلم صاحب المدرسة أو ناظرها في نهاية كل شهر مبلغ الإعانة المقررة لهؤلاء المدرسين ويقوم بدوره بتسليمه إليهم وإذ كان الأمر كذلك فلا يكون للوزارة أن تطالب صاحب المدرسة أو ناظرها برد ما تكون قد دفعته من هذه الإعانة متى ثبت أنه قام بتسليمه لأصحابه من المدرسين المقررة لهم الإعانة لأنه في هذه الحالة تبرأ ذمته بهذا التسليم ولا يكون قد استولى لنفسه على شيء حتى يطالب برده، كما لا يمكن تأسيس مطالبته بالرد على وقوع خطأ من جانبه لعدم استيفاء هؤلاء المدرسين شروط استحقاق إعانة الكفاية ذلك أن الأمر في تقريرها موكول إلى الوزارة وحدها وقد تطلب منها القرار الوزاري رقم 5719 عدم تقريرها إلا بعد التحقق من استيفاء المدرسين المعانين شروط استحقاقها - ولما كانت الوزارة الطاعنة لم تدع أن المطعون عليه لم يقم بتسليم إعانة الكفاية التي تطالب باستردادها إلى من حددتهم له من المدرسين الذين خصصت لهم هذه الإعانة فإن دعواها بطلب استرداد إعانة الكفاية لا يكون على أساس - كذلك فإنه بالنسبة لباقي مبالغ الإعانة التي تطالب الوزارة الطاعنة في دعواها باستردادها فإنه وإن كان لا يبين من بيانات الحكمين الابتدائي والمطعون فيه ولا من الأوراق المقدمة من الطاعنة بملف الطعن - وسبق عرضها على محكمة الموضوع - نوع هذه الإعانة إلا أنه يستدل من هذه الأوراق أنها إما أن تكون إعانة استبقاء أو إعانة تعويض عن المجانية أو كليهما وسواء كانت هذه أو تلك فإنه يبين من القرارات والنشرات الصادرة في شأن هذين النوعين من الإعانة أن الوزارة لا تقررهما إلا بعد التحقق من قيام موجبهما وأنه ليس في تلك القرارات والنشرات ما يخول الوزارة في حالة إخلال صاحب المدرسة أو ناظرها بالالتزامات المفروضة عليه - الحق في استرداد ما تكون قد دفعته فعلاً من هذه الإعانة وإنما يقتصر حقها في هذه الحالة على منع الإعانة أو وقف صرفها حتى يفي صاحب المدرسة أو ناظرها بالتزاماته - لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى القضاء برفض طلبات الطاعنة في خصوص مبالغ الإعانة التي تطالب باستردادها فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة موافقة للقانون ولا يؤثر على سلامته بعد ذلك ما اشتملت عليه أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة عند تكييفه العلاقة بين الطرفين وبيان الأساس القانوني لقضائه إذ لمحكمة النقض أن تصحح هذا الخطأ بغير أن تنقض الحكم.
وحيث إن الطاعنة تنعى في السبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور والتناقض في التسبيب وفي بيان ذلك تقول إنه أقام قضاءه برفض الدعوى الأصلية التي كان قد أقامها المطعون عليه ضد الوزارة الطاعنة بطلب تعويض عن حرمانه من الإعانة على أن الوزارة كانت على حق في منع الإعانة عنه لأنه أخل بالشروط والالتزامات اللازمة لاستحقاق هذه الإعانة بأن حصل مصاريف من الطلبة وامتنع عن تدريس الدين الإسلامي للمسلمين منهم وبشر بينهم بالدين المسيحي، ولقد كانت هذه الأسباب تكفي بذاتها للقضاء بما طلبته الطاعنة في دعواها الفرعية من استرداد الإعانة التي دفعتها للمطعون عليه إلا أن الحكم التوى في عجزه وهو بصدد الفصل في دعوى الطاعنة وذكر أسباباً بأخرى يمحو بها الأسباب التي سبقتها وانتهى فيها إلى أن دعوى الطاعنة لا أساس لها وهو ما يتناقض مع ما سبق أن ذكره من أن المطعون ضده قد أخل بشروط استحقاق الإعانة.
وحيث إنها وقد أقامت هذه المحكمة النتيجة التي انتهى إليها الحكم المطعون فيه على أساس قانوني مغاير للأساس الذي أقيم عليه فإن النعي بوجود قصور وتناقض في أسبابه التي استبدلت بها هذه المحكمة غيرها يكون - بفرض صحته - غير منتج.
وحيث إن الطاعنة تنعى في السبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب ومخالفة القانون وفي بيان ذلك تقول إن من بين مفردات المبلغ الذي رفعت الدعوى بالمطالبة به مبلغ 73 ج و600 م حصله المطعون عليه بصفته نائباً عن الوزارة من التلاميذ هلى أنه تأمين صحي يجب توريده للخزانة ولم يورده رغم إقراره بتحصيله وقد قامت مطالبة الطاعنة به على أساس نيابة المطعون عليه عنها في تحصيله وأغفل الحكم المطعون عليه مواجهة هذا الطلب - واستند في رفضه جميع طلبات الطاعنة إلى أن المبالغ المطالب بها دفعت على سبيل التبرع فتكون هبة تمت بالقبض ولا يجوز للطاعنة الرجوع فيها وترى الطاعنة أن هذا الذي قرره الحكم يعتبر أساساً خاطئاً لرفض طلب المبلغ السابق الذي حصله المطعون عليه بصفته نائباً عنها ولم يورده إليها فيلزمه رده.
وحيث إن هذا النعي في محله إذ يبين من مذكرة الطاعنة المقدمة لمحكمة الدرجة الأولى أنها بينت مفردات المبالغ المطالب بها وأن من بينها مبلغ 73 ج و600 م قالت عنه إن المطعون عليه حصله من التلاميذ بطريق النيابة عنها اعتبار أنه تأمين صحي ولم يورده إليها واستدلت على صحة دعواها بالنسبة إلى هذا المبلغ إلى المستندات المقدمة منها إلى المحكمة الابتدائية رقم 10 و11 من حافظتها - ولما كان الحكم المطعون فيه لم يواجه هذا الطلب استقلالاً وكانت الأسباب التي استند إليها في رفض طلبات الطاعنة جملة لا تصلح قانوناً لرفض ذلك الطلب فإن الحكم يكون معيباً في هذا الخصوص بما يستوجب نقضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق