الصفحات

الجمعة، 17 مارس 2023

الطعن 200 لسنة 29 ق جلسة 21 / 5 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 112 ص 706

جلسة 21 من مايو سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، ولطفي علي، وإبراهيم الجافي، وصبري فرحات.

--------------

(112)
الطعن رقم 200 لسنة 29 القضائية

(أ) عقد. "ركن الرضا". أهلية. "عوارض الأهلية". "السفه والغفلة". "تصرفات ذي الغفلة والسفيه".
الاستغلال هو اغتنام الغير فرصة سفه شخص أو غفلته فيستصدر منه تصرفات يستغله فيها ويثري من أمواله. والتواطؤ يكون عندما يتوقع السفيه أو ذو الغفلة الحجر عليه فيعمد إلى التصرف في أمواله إلى من يتواطأ معه على ذلك بقصد تفويت آثار الحجر المرتقب. تصرف ذي الغفلة أو السفيه قبل صدور الحجر لا يكون باطلاً أو قابلاً للإبطال إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ. علم المتصرف إليه بسفه المتصرف أو غفلته لا يكفي لإبطال التصرف بل يجب إلى جانب ذلك العلم قيام الاستغلال والتواطؤ. ولا يكفي لتحقق الاستغلال مجرد قصده بل يلزم ثبوت استغلال المستغل لذي الغفلة أو السفيه فعلاً وحصوله من وراء العقد على فوائد أو ميزات تجاوز الحد المعقول.
(ب) التزام. "آثار الالتزام". "الشرط الجزائي". تعويض. محكمة الموضوع.
خضوع الشرط الجزائي وفقاً للقانون المدني الملغى لمطلق تقدير القاضي.
(جـ) حق. "حقوق الامتياز". تأمينات عينية. "تقريرها".
الامتياز لا يقرر إلا بنص في القانون. اشتراطه في العقد. عدم الاعتداد به.

----------------
1 - التصرف الصادر من ذي غفلة أو من السفيه قبل صدور قرار الحجر لا يكون - وفقاً لما استقر عليه قضاء محكمة النقض في ظل القانون المدني الملغى وقننه المشرع في المادة 115 من القانون القائم - باطلاً أو قابلاً للإبطال إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ. ويقصد بالاستغلال أن يغتنم الغير فرصة سفه شخص أو غفلته فيستصدر منه تصرفات يستغله بها ويثري من أمواله. والتواطؤ يكون عندما يتوقع السفيه أو ذو الغفلة الحجر عليه فيعمد إلى التصرف في أمواله إلى من يتواطأ معه على ذلك بقصد تفويت آثار الحجر المرتقب. ومن ثم فلا يكفي لإبطال التصرف أن يعلم المتصرف إليه بما كان يتردى فيه المتصرف من سفه أو غفلة بل يجب أن يثبت إلى جانب هذا العلم قيام الاستغلال أو التواطؤ بالمعنى السابق بيانه. كما أنه لا يكفي لتحقق هذا الاستغلال توفر قصد الاستغلال لدى المتعاقد مع السفيه أو ذي الغفلة بل يجب لذلك أن يثبت أن هذا المتعاقد قد استغل ذي الغفلة أو السفيه فعلاً وحصل من وراء العقد على فوائد أو ميزات تجاوز الحد المعقول حتى يتحقق الاستغلال بالمعنى الذي يتطلبه القانون (1).
2 - الشرط الجزائي كان يخضع دائماً - وفقاً للقانون المدني الملغى - لمطلق تقدير القاضي فلا يحكم إلا بما يراه مناسباً من التعويض للضرر الذي لحق الدائن (2).
3 - الامتياز لا يقرر لحق إلا بمقتضى نص في القانون. ومن ثم فإن اشتراط المتعاقد امتيازاً لحقه في التعويض لا يعتد به وبالتالي يكون النص عليه في العقد لغواً (3).


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر المرافعة وبعد والمداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1553 سنة 1930 كلي القاهرة وانتهى فيها إلى اختصام السيدة مشكورة أحمد شيرين بصفتها ناظرة وحارسة قضائية على وقف المرحوم حسين باشخليفه شرقية - وحسن أحمد شيرين بصفته قيماً على والده أحمد شيرين وشبل مرعي - وطلب إلزام المدعى عليها الأولى بصفتيها بأن تدفع له من ريع الوقف المذكور مبلغ 1800 جنيه وتثبيت الحجز التحفظي الذي أوقعه تحت يد المدعى عليه الأخير على ما في ذمته لأحمد شيرين وجعل هذا الحجز نافذاً - وقال الطاعن في بيان دعواه إنه بموجب عقد إيجار تاريخه 8 من يونيه سنة 1925 وثابت التاريخ في 27 من يوليه سنة 1925 استأجر من أحمد شيرين بصفته ناظراً لذلك الوقف مائة فدان تقريباً كائنة بناحيتي دناصور وزاوية البقلي مركز شبين الكوم وذلك لمدة ثلاث سنوات تبدأ من أول نوفمبر سنة 1938 وبأجرة جملتها 1800 جنيه عن جميع هذه المدة عجل منها مبلغ 800 جنيه وقت تحرير العقد واتفق على دفع الباقي بعد خصم الأموال الأميرية منه على أقساط خلال مدة الإجارة كما التزم المؤجر في العقد في حالة تأجيره الأرض المؤجرة للغير على نفس المدة برد ما قبضه من الأجرة وبتعويض قدره ألف جنيه - وأن المؤجر على الرغم من ذلك أقدم على تأجير الأطيان ذاتها ولنفس المدة التي ارنست أبو طاقية الأجنبي الجنسية وذلك بعقد إيجار رسمي تاريخه 18 من فبراير سنة 1926 فبادر الطاعن إلى رفع الدعوى رقم 15005 سنة 52 ق أمام محكمة مصر المختلطة واختصم فيها هذا الشخص وأحمد شيرين وطعن في هذا العقد بالصورية وبتحريره بالتواطؤ بينهما بقصد حرمانه من الانتفاع بالأطيان السابق تأجيرها إليه وطلب في تلك الدعوى الحكم بأفضلية عقده وتسليمه هذه الأطيان في التاريخ المحدد لبدء تنفيذه وهو أول نوفمبر سنة 1928 ولما رأى الطاعن أن إجراءات التقاضي أمام المحكمة المختلطة قد طالت واستنفدت معظم مدة عقده ترك هذه الدعوى ولجأ إلى القضاء الوطني وأقام أمامه دعواه الحالية بطلب رد الأجرة المقبوضة ومبلغ التعويض المشروط في العقد وإذ كان قد صدر قرار في 6 من إبريل سنة 1927 بتوقيع الحجر على المؤجر أحمد شيرين للسفه والغفلة فقد اختصم في دعواه هذه - القيم عليه ووزارة الأوقاف الذي خلفته في نظارة الوقف ولما عينت السيدة مشكورة ناظراً بدلاً من وزارة الأوقاف وحارسة قضائية على الوقف اختصمها بهاتين الصفتين وطلب إلزامها بالمبلغ المطالب به كما اختصم والده ليحكم في مواجهته بتثبيت الحجز الذي كان قد أوقعه تحت يده على ما لمدينه أحمد شيرين في ذمته من ديون. وقد طعنت ناظرة الوقف فيما طعنت به على عقد الإيجار أساس الدعوى بأنه باطل لصدوره من أحمد شيرين أثناء قيام حالة السفه والغفلة به ومع علم الطاعن بهذه الحالة وقت إبرام العقد، ورد الطاعن على هذا الدفاع منكراً علمه بتلك الحالة وقت تحرير العقد وقال إنه ما دام تاريخ هذا العقد سابقاً على تاريخ تقديم طلب الحجر وهو 21 فبراير سنة 1927 وعلى تاريخ القرار الصادر بتوقيعه فإن آثار الحجر لا تلحقه، وبتاريخ 28 من فبراير سنة 1931 حكمت المحكمة الابتدائية ببطلان الحجر الموقع تحت يد الشيخ شبل مرعي - والد الطاعن - ثم حكمت في 11 يونيه سنة 1949 قبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت الناظرة على الوقف والقيم بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة أن حالة السفه والغفلة كانت قائمة بالناظر السابق أحمد شيرين قبل تحرير عقد الإيجار وأن المدعي (الطاعن) أقدم على قبول هذا التصرف وهو عالم بقيام سبب الحجر وصرحت المحكمة للطاعن بنفي ذلك بالطرق عينها. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين حكمت في 28 من نوفمبر سنة 1950 بإلزام السيدة مشكورة بصفتها ناظرة وحارسة على وقف المرحوم حسين باشخليفة أن تدفع للطاعن من ريع الوقف المستحق للمدعي عليه الثاني بصفته قيماً على والده أحمد شيرين مبلغ ألف وثمانمائة جنيه. وبنت المحكمة قضاءها بذلك على أنه لم يثبت لها علم الطاعن بسفه المؤجر أو غفلته عند إبرام العقد - استأنف القيم على المحجور عليه والسيدة مشكورة بصفتيها هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافهما برقم 165 سنة 68 ق وطلبا إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن وأثناء سير الاستئناف حلت محلهما فيه السيدة سمية أحمد شيرين بصفتها قيمة على والدها أحمد شيرين وبصفتها حارسة على أملاك الوقف المذكور بعد حله وتمسكت ببطلان العقد لعلم الطاعن بسفه المؤجر وبغفلته عند استصدار هذا العقد واستغلاله هذه الحالة ونعت على الحكم المستأنف فساد استدلاله على نفي هذا العلم وبتاريخ 30 يونيه سنة 1956 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى المستأنف ضده (الطاعن) تأسيساً على إبطال العقد فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 14 من أكتوبر سنة 1962 وفيها صممت النيابة على المذكرة المقدمة منها والتي انتهت فيها إلى طلب رفض الطعن. وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون وفساد الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه بإبطال عقد الإيجار الصادر إليه من أحمد شيرين على سند واحد هو ما استخلصه من أنه (الطاعن) حين تعاقد مع الأخير كان يعلم بسفهه وغفلته وأنه قصد استغلال هذه الحالة، وذهب الحكم بين الأسباب التي استخلص منها فهمه هذا وانتهى إلى القول "ومن كل ذلك يبين أن عقد الإيجار موضوع الدعوى وإن كان قد حرر قبل توقيع الحجر على المؤجر إلا أنه صدر في فترة قيام أسباب الحجر وأن المستأجر (الطاعن) أقدم على الاستئجار وهو عالم بقيام هذه الأسباب وهي السفه والغفلة لدى المتعاقد معه ومن ثم يكون هذا العقد باطلاً" - ويرى الطاعن أن الحكم إذ جعل إبطال التصرف الصادر من المحجور عليه لسفه أو غفلة أو لكليهما - قبل توقيع الحجر منوطاً بظهور حالة السفه والغفلة وعلم المتصرف إليه بها يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ذلك أن الأصل أن كل تصرف يصدر من المحجور عليه قبل قرار الحجر يكون صحيحاً ولا يبطله علم المتصرف له بحالة السفه والغفلة ولا مجرد قصده الإفادة من هذه الحالة وإنما يبطل هذا التصرف إذا صدر بطريق التواطؤ والغش بين المحجور عليه والمتصرف له بقصد التحايل على القانون ولما كان الحكم قد اكتفى بالتدليل على علم الطاعن بسفه المؤجر وغفلته وأهمل الأساس الذي لا يقوم البطلان إلا عليه فإنه يكون مخالفاً للقانون وقاصراً قصوراً يعيبه. ويضيف الطاعن أن الحكم وإن قرر أنه حين تعاقد مع أحمد شيرين كان يعلم بسفهه وغفلته وقصد استغلال هذه الحالة إلا أنه خلا من أي دليل أو مجرد قرينة تصلح لإثبات قصد الاستغلال الذي نسبه إليه - أما ما استند إليه الحكم من أنه كان عند إبرامه العقد طالباً بكلية الحقوق ومن أن العقد أبرم قبل مدته بثلاث سنوات وذكر فيه أن حدود الأطيان المؤجرة معلومة للطرفين كما اشترط فيه تعويض كبير يزيد على صافي الإيجار بعدم خصم الأموال وذلك في حالة إخلال المؤجر بالتزامه وتأجيره الأطيان للغير - ومن أن الطاعن خلق لحقه في هذا التعويض امتيازاً على ريع الوقف وما استخلصه الحكم من شهادة شاهد الإثبات الرابع من أن الطاعن لم يدفع من مبلغ الثمانمائة جنيه الذي ذكر في العقد أنه عجله من الأجرة سوى مبلغ خمسمائة جنيه وأن الباقي خصم مقابل الهدايا التي قدمها شقيق الطاعن إلى ابنة المؤجر في فترة الخطوبة التي فسخت فيما بعد - هذه الأسباب التي استند إليها الحكم - بعضها غير صحيح وهي جميعها لا تؤدى عقلاً إلى ما رتبه عليها الحكم من أن (الطاعن) كان عند إبرامه العقد يعلم بسفه المؤجر وقصد استغلال هذه الحالة - فليس صحيحاً أن التعويض المشروط يربو على قيمة أجرة الأطيان في مدة الثلاث سنوات المتفق عليها ولا أن الطاعن خلق لنفسه حق امتياز على ريع الوقف. وحتى لو صح تفسير النص الوارد بهذا الشأن على النحو الذي فسرته به المحكمة فإن هذا النص يكون لغواً لا ينشأ به حق امتياز ولا يعدو أن يكون نصاً تهديدياً ومن جهة أخرى فإن المفروض عند الاتفاق على التعويض أن يحدده الطرفان مقابل الربح الذي يضيع على المستأجر من عدم إنفاذ عقده والأمر في تحديد هذا التعويض منوط في جميع الأحوال بتقدير المحكمة للضرر الذي يلحق بالمستأجر وللمحكمة وفقاً للقانون القديم الذي أبرم العقد في ظله أن تخفض التعويض المتفق عليه بما يتناسب مع هذا الضرر، وكون الطاعن طالباً عند إبرامه العقد لا يفيد استغلاله حالة السفه والغفلة التي كانت قائمة بالمؤجر لأن الطاعن كان مزمعاً أن يجمع بعد تخرجه بين العمل في المحاماة وفي الزراعة وهو ما حصل فعلاً بعد أن أنهى دراسته كذلك فإن علمه بحدود الأطيان المؤجرة لا يفيد بأي حال علمه بسفه المؤجر ولا قصده استغلال هذا السفه وقد دلل الطاعن أمام محكمة الموضوع على انتفاء الاستغلال بأنه استأجر ذات الأطيان في سنة 1931 في مزاد علني من وزارة الأوقاف - بعد أن وليت النظر على الوقف - بأجرة سنوية قدرها خمسة جنيهات للفدان أي بما يقل عن الأجرة المتفق عليها في العقد محل النزاع.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أورد شروط عقد الإيجار سند الدعوى استعرض أقوال الشهود الطرفين والأحكام التي استشهدت بها القيمة وناظرة الوقف على قيام حالة السفه والغفلة بالمحجور عليه أحمد شيرين وقت إبرامه ذلك العقد ثم قال الحكم "وحيث إن هذه المحكمة ترى أن أقوال شهود الإثبات التي يطمأن إليها صريحة في أن أحمد شيرين كان على درجة ظاهرة من السفه والغفلة لا تخفي على أحد فضلا ًعن المقربين منه والمتصلين به كما أنها صريحة في أن عائلة الشيخ شبل مرعي كانت على صلة وثيقة به بحكم استئجار عميدها منذ سنة 1910 أطيان الوقف التي كان أحمد شيرين ناظرها والمستحق الوحيد فيها وبحكم اختلاطه بأفرادها والتجائه إلى عميدها هرباً من تنفيذ حكم الحبس لعدم دفعه مبلغ النفقة لوالده - وحيث إن المحكمة ترى أن هذه الحالة ما كانت تخفي على المستأنف عليه (الطاعن) بالذات وأنه حين تعاقد على إيجار أطيان الوقف كان يعلم بها وكان يقصد استغلالها وذلك للأسباب الآتية: أولاً - ظروف تحرير عقد الإيجار وملابساته والصيغة التي كتب بها فقد تبين أن عقد الإيجار أبرم بين أحمد شيرين وبين المستأنف ضده بتاريخ 8 يونيه سنة 1925 وأثبت تاريخه في 27 يوليه سنة 1925 أي في وقت كان فيه هذا الأخير طالباً بكلية الحقوق وقد حدد لبدء تنفيذه آخر أكتوبر سنة 1928 ولانتهائه أخر أكتوبر سنة 1931 وليس من المألوف أن يقدم طالب علم على استئجار نحو مائة فدان أثناء دراسته وأن يدفع جزءاً كبيراً من الإيجار مقدماً وأن يقدم على ذلك قبل إمكان انتفاعه بالعين بنحو ثلاث سنوات. وما من شك في أن هذا قرينة تؤيد أقوال شاهد الإثبات الرابع من أنه حين للصلح وسط سأل المستأنف عليه عن ظروف التأجير فأخبره بأن والده كان يطالب أحمد شيرين بنحو ثلاثمائة جنيه بمقولة أنها صرفت من بضع سنوات سابقة في شراء هدايا وحلوى وما يماثلها أثناء خطبة أخيه محمود شبل مرعي لابنة أحمد شيرين. وأنه انتهز هذه الفرصة - فرصة التجاء الأخير لمنزل أبيه - وأشار على والده بتحرير عقد إيجار عن أطيان الوقف يبدأ بعد ثلاث سنوات ويحتسب فيه هذا المبلغ من قيمة الإيجار. فلما سأله عن السبب في عدم كتابة العقد باسم أبيه قال أنه كتبه باسمه دفعاً للشبهات لوجود قضايا بين والده وأحمد شيرين. ومعنى ذلك أن المستأنف عليه ووالده انتهزا فرصة مواتيه كانت حالة أحمد شيرين فيها كما وصفها شهود الإثبات وكتبا هذا العقد بقصد الاستغلال لا بقصد عقد صفقة عادية تكون من مالك الأرض إلى مزارع لا من ناظر وقف إلى طالب في الحقوق.... وحيث إنه مما يؤيد علم المستأنف عليه بحالة السفه والغفلة لدى أحمد شيرين والرغبة في استغلالها نفس صيغة العقد فقد حرر بعبارة عامة لم تذكر فيها حدود الأطيان المؤجرة كما جرت العادة وإنما كتبت عبارة "الحدود معلومة للطرفين" فكأن المستأنف عليه يعرف المؤجر ويعرف حدود أطيانه ولا يرى داعياً لذكرها مع أنه لا يزال طالب علم وكأنه يعلم بظروف سفهه وغفلته وإلا لما كتب تعويضاً كبيراً يزيد عن قيمة الصافي من الإيجار بعد خصم الأموال في حالة ما إذا أجرها للغير مع أن التعويض عن التأجير للغير شرط غير مألوف ولئن علله المستأنف عليه بأن المؤجر اعتاد ذلك فهو بهذا يسلم ضمناً بأنه ملم بظروفه وأحواله وبحالة الغفلة والسفه يؤجر مرتين عن ذات المدة يتقاضى القليل ويكتب الكثير يضاف إلى ذلك أن المستأنف عليه اشترط على المؤجر عند التأجير للغير لا رد المبلغ المقال بدفعه مقدماً ولا دفع التعويض الجسيم الذي نص عليه وإنما خلق لنفسه حق امتياز على ريع الوقف وليس مألوفاً أن يقبل مؤجر في ظروف عادية خلق مثل هذا الحق كما ليس مألوفاً أن يحرر عقداً غريباً كهذا العقد قبل مدته بثلاث سنوات وأن يدفع له مثل هذا التأمين الجسيم دون أن يوقع شاهد واحد عليه مما يهدم أقوال شهود النفي الذين زعموا وجودهم عند تحرير العقد إذ لو صحت أقوالهم لما أحجموا عن الشهادة عليه. ثانياً - ما شهد به أحمد رفعت من رؤيته المستأنف عليه يتردد على منزل أحمد شيرين بالمطرية منذ كان طالباً بكلية الحقوق وما شهد به شاهد الإثبات الرابع من أنه علم من ذات المستأنف ضده أن خطبة بين أخيه وبين ابنة أحمد شيرين قد عقدت قبل عقد الإيجار ببضعة سنوات، ثم أوضح الحكم دلالة الأحكام المقدمة من ناظرة الوقف على قيام حالة السفه والغفلة بأحمد شيرين من قبل الحجر عليه وقال "ومعنى ذلك أن حالة السفه والغفلة كانت قائمة بما لا يدع مجالاً للشك في وقت تحرير عقد الإيجار موضوع الدعوى وأن أقوال الشهود في هذا الصدد يطمأن إلى سلامتها وأن أمر سفه أحمد شيرين وغفلته كان ظاهراً للعيان تحدثت عنه الأحكام وأثيرت بشأنه المنازعات القضائية التي لم تكن بعيدة عن المستأنف عليه" وانتهى الحكم إلى القول "وحيث إنه من كل ذلك يتبين أن عقد الإيجار موضوع الدعوى الصادر من أحمد شيرين بتاريخ 8 يونيه سنة 1925 وإن كان قد حرر قبل توقيع الحجر عليه إلا أنه صدر في فترة قيام أسباب الحجز وأن المستأجر (الطاعن) أقدم على الاستئجار وهو عالم بقيام أسباب الحجر للسفه والغفلة لدى المتعاقد معه ومن ثم يكون هذا العقد باطلا" - ولما كان التصرف الصادر من ذي غفلة أو من السفيه قبل صدور قرار الحجر لا يكون - وفقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة في ظل القانون المدني الملغى وقننه المشرع في المادة 115 من القانون القائم - باطلاً أو قابلاً للإبطال إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ - ويقصد بالاستغلال أن يغتنم الغير فرصة سفه شخص أو غفلته فيستصدر منه تصرفات يستغله بها ويثري من أمواله، أما التواطؤ فيكون عندما يتوقع السفيه أو ذو الغفلة الحجر عليه فيعمد إلى التصرف في أمواله إلى من يتواطأ معه على ذلك بقصد تفويت آثار الحجر المرتقب. ومن ثم فلا يكفي لإبطال التصرف أن يعلم المتصرف إليه بما كان يتردى فيه المتصرف من سفه أو غفلة بل يجب أن يثبت إلى جانب هذا العلم قيام الاستغلال أو التواطؤ بالمعنى السابق بيانه - كما أنه لا يكفي لتحقق الاستغلال ما قرره الحكم من أن الطاعن أبرم مع أحمد شيرين عقد الإيجار بقصد الاستغلال إذ أنه بفرض توفر هذا القصد لدى الطاعن فإنه لا يكفي بذاته لإبطال العقد بل يجب لذلك أن يثبت أن الطاعن استغل المؤجر فعلاً وحصل من وراء عقد الإيجار على فوائد أو ميزات تجاوز الحد المعقول حتى يتحقق الاستغلال بالمعنى الذي يتطلبه القانون. لما كان ما تقدم، وكانت الأسباب التي استند إليها الحكم في إبطال عقد الإيجار الصادر من أحمد شيرين إلى الطاعن قبل صدور قرار الحجر على المؤجر وقبل طلب توقيع هذا الحجر بأكثر من سنة ونصف. هذه الأسباب ليس فيها من شأنه أن يؤدى عقلاً إلى أن الطاعن حين أبرم هذا العقد كان متواطئاً مع المؤجر أو أنه استغل حالة سفهه وغفلته وأثرى من أمواله عن طريق عقد الإيجار الذي أبرمه معه - ولا ينتج في إثبات الاستغلال ما استخلصه الحكم من أقوال أحد شهود الإثبات من أن الطاعن لم يدفع من مبلغ الثمانمائة جنيه الوارد ذكره في العقد على أنه عاجل الأجرة - سوى مبلغ خمسمائة جنيه وأن الثلاثمائة جنيه الباقية خصمت نظير هدايا الخطبة التي كان والد الطاعن يطالب المؤجر بقيمتها بسبب فسخ هذه الخطبة ولا ما ذكره الحكم من أن الطاعن اشترط في العقد تعويضاً مبالغاً فيه في حالة إخلال المؤجر بالتزامه وتأجيره الأطيان للغير ولا ما قرره الحكم من أن الطاعن خلق لنفسه حق امتياز على ريع الوقف، كل هذا الذي ساقه الحكم غير منتج في إثبات الاستغلال ذلك أن الاتفاق على خصم دين في ذمة المؤجر من معجل الأجرة الذي نص عليه في العقد لا يعتبر استغلالاً إلا إذا كان هذا الدين غير محقق الوجود واحتال الطاعن على استيفائه عن طريق عقد الإيجار الذي عقده مع المؤجر. وهو الأمر الذي لم يستظهره الحكم المطعون فيه أو يقيم الدليل عليه - أما المبالغة في تحديد التعويض المشروط في العقد فإن الشرط الجزائي كان يخضع دائماً وفقاً للقانون الملغى الذي أبرم العقد في ظله لمطلق تقدير القاضي فلا يحكم إلا بما يراه مناسباً من التعويض للضرر الذي لحق الدائن - أما اشتراط الطاعن امتيازاً لحقه في التعويض فإنه بفرض أن العقد يتضمن اشترطاً بهذا المعنى - فإنه لما كان الامتياز لا يقرر لحق إلا بمقتضى نص في القانون فإن هذا الاشتراط لا يعتد به وبالتالي يكون النص عليه في العقد لغواً - لما كان ذلك كله، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور وبمخالفة القانون بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.


(1) راجع نقض 15/ 2/ 1962 الطعن 348 س 26 ق السنة 13 ص 268.
(2) راجع نقض 27/ 3/ 1952 الطعن 10 س 20 ق مجموعة 25 سنة ص 265.
(3) راجع نقض 5/ 5/ 1955 الطعن 123 ص 22 ق مجموعة 25 سنة ص 395.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق