جلسة 13 فبراير سنة 2005
برئاسة السيد المستشار/
ممدوح مرعي - رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: علي عوض محمد صالح وإلهام
نجيب نوار ومحمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف ومحمد خيري طه والدكتور عادل
عمر شريف،
وحضور السيد المستشار/
نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين،
وحضور السيد/ ناصر إمام
محمد حسن - أمين السر.
--------------
قاعدة رقم (4)
القضية رقم 5 لسنة 22 قضائية "طلبات أعضاء"
(1) دعوى دستورية
"تصدي - اتصاله بالنزاع - تحضير الدعوى".
يجوز للمحكمة في جميع
الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة
اختصاصاتها ويتصل بالنزاع المطروح عليها وذلك بعد اتباع الإجراءات المقررة لتحضير
الدعاوى الدستورية.
(2) دعوى دستورية
"نطاقها".
نطاق المسألة الدستورية
التي تتعلق بموضوع النزاع المطروح على المحكمة يحدد فيما تنص عليه المادة (4) من
نظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية سالف البيان بعد تعديلها بالقرار رقم 7
لسنة 1991 من وقف سريان أحكامه بالنسبة إلى العضو المنتفع وأسرته إذا التحق بعمل
خارج البلاد، وكذلك ما تنص عليه المادة (21 مكرراً "2") من هذا النظام
من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل خارج البلاد.
(3) تنظيم الحقوق
"سلطة المشرع التقديرية".
إن الأصل في سلطة المشرع
في موضوع تنظيم الحقوق على ما جرى به قضاء هذه المحكمة أنها سلطة تقديرية ما لم
يقيدها الدستور بضوابط معينة، وجوهر هذه السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي
يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة
وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله بالتنظيم.
(4) صندوق الخدمات الصحية
والاجتماعية بالمحكمة الدستورية العليا "المبلغ الشهري الإضافي يعد معاشاً
تكميلياً".
لا وجه للربط بين أحقية
أعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة المفوضين السابقين للمبلغ الشهري
الإضافي الذي تقرر بنص المادة (21 مكرر "1") من نظام صندوق الخدمات
الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا، وأعضاء هيئة المفوضين وبين الانتفاع
بنظام الخدمات الصحية والاجتماعية الذي يكفله ذلك الصندوق لأعضاء المحكمة
الدستورية العليا وهيئة المفوضين الحاليين والسابقين وأسرهم، فالمبلغ الشهري
الإضافي - يعد معاشاً مكملاً للمعاش الأصلي، وإنهما معاً يتضافران في مجال ضمان
الحد الأدنى لمتطلباتهم المعيشية، في حين أن الانتفاع بنظام الخدمات الصحية يخضع
لأحكام المادة (4) من نظام الصندوق سالف البيان، والتي يتعين النظر إليها في ضوء
ربط الانتفاع بالخدمات الصحية بالموارد المالية للصندوق، ومن ثم يجد وقف الانتفاع
بخدمات الصندوق سنده في الحالين في أن الأعضاء الحاليين والسابقين الذين تتهيأ لهم
فرصة تحسين مواردهم المالية، يصبحون في وضع يمكنهم من مجابهة أعباء الحياة وتكاليف
العلاج، ومن ثم كان منطقياً قصر الانتفاع بالخدمات الصحية والاجتماعية وصرف مقابل
الدواء على من لا يمارسون أي عمل أو مهنة داخل البلاد أو خارجها معتمدين على تصريف
شئون حياتهم على ما يتقاضونه من معاش.
(5) صندوق الخدمات الصحية
والاجتماعية "خدماته ليست من أعمال التبرع - المبلغ الشهري الإضافي - لا
يتصور لاستحقاقه الامتناع عن العمل".
الخدمات التي كفلها نظام
صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة
المفوضين بها الحاليين والسابقين وشمل بها أسرهم، لا تعتبر من أعمال التبرع التي
يقدمها الصندوق لمستحقيها، ولا يجوز بالتالي أن يكون الحق فيها بما في ذلك المبلغ
الشهري الإضافي حائلاً دون امتهان العضو بعد تقاعده أعمالاً يمارسها أو تقلده
وظائف لا يكون بها طاقة عاطلة. ومن غير المتصور أن يكون الحق في الحصول عليها
معلقاً على شرط الامتناع عن العمل، وهو أحد الحقوق التي كفلها الدستور لكل مواطن،
ولا يسوغ كذلك أن يرتد النص المطعون فيه عن قيم الحق والعدل، ليحجبها دون سند من
الدستور عن هؤلاء الذين كفلوا دوماً إرساء مقوماتها لغيرهم.
(6) مبدأ المساواة
"ارتباط التنظيم التشريعي بأغراضه".
المساواة وعلى ما جرى به
قضاء هذه المحكمة ليس مبدأ تلقينياً جامداً ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز
جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين
الأشياء. وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير،
لتنظيم موضوع محدد، وأن تغاير من خلال هذا التنظيم ووفقاً لمقاييس منطقية بين
مراكز لا تتحد في معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، إلا
أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينفض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً
تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها.
فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد
واهياً، كان التميز انفلاتاً وعسفاَ، فلا يكون مشروعاً دستورياً.
--------------
1 - إن المادة (27) من
قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أنه
"يجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة
يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصاتها ويتصل بالنزاع المطروح عليها وذلك بعد اتباع
الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية".
2 - وحيث إن النزاع
الموضوعي في الدعوى الماثلة يدور حول حرمان الطالب من الانتفاع بالخدمات الصحية
والاجتماعية التي يوفرها الصندوق لأعضائه بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي خلال
فترة عمله بالخارج بعد انتهاء إعارته لإحالته للتقاعد في 16/ 9/ 1987 وحتى 1/ 5/
1998 تاريخ عودته إلى البلاد، فإن نطاق المسألة الدستورية التي تتعلق بموضوع
النزاع المطروح على المحكمة يحدد فيما تنص عليه المادة (4) من نظام صندوق الخدمات
الصحية والاجتماعية سالف البيان بعد تعديلها بالقرار رقم 7 لسنة 1991 من وقف سريان
أحكامه بالنسبة إلى العضو المنتفع وأسرته إذا التحق بعمل خارج البلاد، وكذلك ما
تنص عليه المادة (21 مكرراً "2") من هذا النظام من وقف صرف المبلغ
الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل خارج البلاد، ولا يمتد نطاقها إلى غير ذلك من
أحكام هاتين المادتين.
3 - وحيث إن هذا النعي
مردود، ذلك أن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق على ما جرى به قضاء هذه
المحكمة أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وجوهر هذه السلطة
التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما
يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع
الذي يتناوله بالتنظيم. وكان المشرع قد أنشأ صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية
لرعاية أعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة المفوضين الحاليين والسابقين،
وخول رئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة تحديد هذه الخدمات ونطاق تطبيقها،
والحالات التي يوقف سريان أحكامه بالنسبة لأحدهما أو كليهما، فإنه لا تثريب عليه
إذا قدر أن النهوض بأعباء الصندوق كي يتواصل عطاؤه يقتضي دوماً إجراء مراجعة دقيقة
لنوع تلك الخدمات وتحديد المستفيدين منها ما دام أن ما يسنه من قواعد هدفه كفالة
تقديمها وفق أسس موضوعية لأعضاء الصندوق الحاليين منهم والسابقين. فضلاً عن أن
قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وإن أنشأ
صندوقاً كافلاً الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا
وأعضاء هيئة المفوضين بها، ونص على انصرافها إليهم وإلى أسرهم، إلا أنه خلا من
تحديد نوع تلك الخدمات أو مداها، وعهد إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا بتفعيلها
وتحديد ضوابطها، مصدراً في شأنها ما يناسبها من القرارات بعد موافقة الجمعية
العامة للمحكمة، على أن يتم ذلك في حدود الموارد المالية للصندوق، بما يعني أن
إنفاذ الخدمات الصحية والاجتماعية التي يقدمها وما يترتب عليها من أعباء يتحملها
الصندوق يرتبط دوماً بموارده، فتزيد حيث تتوفر وتقل إذا ما ضاقت تلك الموارد عن
استيعابها. كما أن الهدف من تقرير الرعاية الصحية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا
وهيئة المفوضين السابقين وأسرهم هو إعانتهم على مواجهة انتقاص دخولهم بدرجة كبيرة
بعد إحالتهم إلى التقاعد والزيادة المستمرة في أجور العلاج لدى الأطباء
والمستشفيات وأسعار الدواء، فإذا زادت موارد العضو المالية نتيجة التحاقه بأي عمل
خارج البلاد بما يعينه على مجابهة تكاليف علاجه حال مرضه، انتفت الحكمة من استمرار
تمتعه بالرعاية الصحية التي يكفلها صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء
المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين السابقين بحيث تصبح الفئة الأخرى وهي تلك
التي لا تزاول أعمالاً خارج البلاد هي الأولى بالرعاية.
4 - وحيث إنه لا وجه
للربط بين أحقية أعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة المفوضين السابقين
للمبلغ الشهري الإضافي الذي تقرر بنص المادة (21 مكرر "1") من نظام
صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة
المفوضين وبين الانتفاع بنظام الخدمات الصحية والاجتماعية الذي يكفله ذلك الصندوق
لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين الحاليين والسابقين وأسرهم،
فالمبلغ الشهري الإضافي يصرف لكل من استحق أو يستحق من هؤلاء الأعضاء معاشاً، وهذا
المبلغ يعد معاشاً مكملاً للمعاش الأصلي، وإنهما معاً يتضافران في مجال ضمان الحد
الأدنى لمتطلباتهم المعيشية، في حين أن الانتفاع بنظام الخدمات الصحية يخضع لأحكام
المادة (4) من نظام الصندوق سالف البيان، والتي يتعين النظر إليها في ضوء ربط
الانتفاع بالخدمات الصحية بالموارد المالية للصندوق، بالإضافة إلى أن وقف الانتفاع
بنظام الخدمات الصحية ليس قاصراً على أعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة
المفوضين ممن يلتحقون بأعمال خارج البلاد، وإنما يمتد ليشمل بعض فئات الأعضاء
الحاليين، إذ يقضي النص الطعين بأن يقف سريان نظام الخدمات الصحية والاجتماعية
للأعضاء الذين يعارون للعمل لدى حكومة أجنبية أو هيئة دولية طوال مدة الإعارة، ومن
ثم يجد وقف الانتفاع بخدمات الصندوق سنده في الحالين في أن الأعضاء الحاليين
والسابقين الذين تتهيأ لهم فرصة تحسين مواردهم المالية، يصبحون في وضع يمكنهم من
مجابهة أعباء الحياة وتكاليف العلاج، ومن ثم كان منطقياً قصر الانتفاع بالخدمات
الصحية والاجتماعية وصرف مقابل الدواء على من لا يمارسون أي عمل أو مهنة داخل
البلاد أو خارجها معتمدين على تصريف شئون حياتهم على ما يتقاضونه من معاش.
5 - وحيث إن الخدمات التي
كفلها نظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا
وأعضاء هيئة المفوضين بها الحاليين والسابقين وشمل بها أسرهم، لا تعتبر من أعمال
التبرع التي يقدمها الصندوق لمستحقيها، بل توخى المشرع بتقريرها أن تعينهم مع
المعاش الأصلي على إشباع الحد الأدنى من احتياجاتهم بثاً للاطمئنان في نفوسهم، فلا
يجوز حجبها أو الرجوع فيها أو وقفها بما يعطل حقوقاً كفلها الدستور لكل مواطن. ولا
يجوز بالتالي أن يكون الحق فيها بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي حائلاً دون
امتهان العضو بعد تقاعده أعمالاً يمارسها أو تقلده وظائف لا يكون بها طاقة عاطلة.
ومن غير المتصور أن يكون الحق في الحصول عليها معلقاً على شرط الامتناع عن العمل،
وهو أحد الحقوق التي كفلها الدستور لكل مواطن، ولا يسوغ كذلك أن يرتد النص المطعون
فيه عن قيم الحق والعدل، ليحجبها دون سند من الدستور عن هؤلاء الذين كفلوا دوماً
إرساء مقوماتها لغيرهم.
6 - وحيث إن مبدأ
المساواة وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ليس مبدأ تلقينياً جامداً ولا هو بقاعدة
صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها
موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما
تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد، وأن تغاير من خلال هذا التنظيم
ووفقاً لمقاييس منطقية بين مراكز لا تتحد في معطياتها، أو تتباين فيما بينها في
الأسس التي تقوم عليها، إلا أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينفض محتواه، هو ذلك
التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها،
بالأغراض المشروعة التي يتوخاها. فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن
أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، كان التميز انفلاتاً وعسفاًَ، فلا
يكون مشروعاً دستورياً.
الإجراءات
بتاريخ العشرين من فبراير
سنة 2000، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة هذا الطلب ابتغاء الحكم أولاً:
بإلغاء كل من المادة (21 مكرر 2 فقرة أولى) والمادة (4) من قرار رئيس المحكمة
الدستورية العليا رقم 64 لسنة 1979 بنظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء
المحكمة وأعضاء هيئة المفوضين بها، فيما تضمنته المادة الأولى من وقف صرف المبلغ
الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد أو خارجها أو مارس مهنة تجارية
أو غير تجارية في الداخل أو الخارج، وكذلك ما تضمنته المادة الثانية من وقف سريان
النظام المذكور إذا التحق العضو بعمل أو مارس مهنة تجارية أو غير تجارية داخل
البلاد أو خارجها أو أعير إلى هيئة دولية أو حكومة أجنبية طوال مدة الإعارة - وما
لحقها من تعديل أو ترتب عليها. ثانياً: عدم دستورية كل من النصين سالفي الذكر فيما
تضمنه كل منهما من مخالفات دستورية. ثالثاً: إلزام مجلس إدارة صندوق الخدمات
الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا بصرف مستحقات الطالب التي
صرفت لزملائه طبقاً لنظام الصندوق عن المدة من 15/ 9/ 1987 حتى 1/ 5/ 1998.
وقدمت هيئة قضايا الدولة
مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت
هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ثم قدمت تقريرين تكميليين
في الشق الدستوري من الطلب، تنفيذاً لقرار المحكمة في هذا الشأن.
ونظر الطلب على الوجه
المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق،
والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما
يبين من صحيفة الطلب وسائر الأوراق - تتحصل في أن المستشار الطالب أقام الطلب
الماثل أمام هذه المحكمة، وقال شرحاً له إنه عين عضواً بالمحكمة الدستورية العليا
بقرار رئيس الجمهورية رقم 419 لسنة 1980 الصادر في 6/ 8/ 1980 - وظل يعمل بها حتى
صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 148 لسنة 1986 بإعارته للعمل بدولة قطر، وانتهت
إعارته اعتباراً من 15/ 9/ 1987 تاريخ بلوغه سن الإحالة إلى المعاش، وأصدر السيد
المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا القرار رقم 42 لسنة 1987 بتسوية معاشه
اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1987، وتمت إجراءات تسوية المعاش بالهيئة القومية
للتأمين الاجتماعي وتم صرفه كاملاً من التاريخ المذكور - دون اعتبار لعمله بالخارج
- حتى عاد نهائياً عقب استقالته من عمله بالخارج بتاريخ 1/ 5/ 1998، إلا أن صندوق
الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا امتنع عن صرف المبالغ
المستحقة له طبقاً للمادة (18) من قانون إنشاء المحكمة رقم 48 لسنة 1979 وقرار
رئيس المحكمة الدستورية العليا رقم 64 لسنة 1979 بنظام الصندوق المذكور - والتي
تتمثل في المعاش الشهري الإضافي والإعانات والمنح الصحية والاجتماعية التي جرى
صرفها لزملائه من أعضاء المحكمة السابقين طبقاً لنظام الصندوق، وذلك من تاريخ
إحالته إلى التقاعد في 15/ 9/ 1987 حتى تاريخ عودته من العمل بالخارج في 1/ 5/
1998. واستند الصندوق في حرمانه من تلك المبالغ إلى نص المادتين (4، 21 مكرر
"2") من نظام الصندوق قولاً بأن نص المادة (21 مكرر "2") من
نظام الصندوق سالفة البيان تطابق تماماً نص المادة (34 مكرراً "2") من
قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 المعدل بالقرار رقم 440 لسنة 1986 بتنظيم
صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، وإذ قضت المحكمة
الدستورية العليا في الدعوى رقم 29 لسنة 15 ق "دستورية" بجلسة 3/ 5/
1997 بعدم دستورية ذلك النص فيما قضى به من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا
مارس العضو مهنة غير تجارية في الداخل، وكان سند حرمانه من المبلغ الشهري الإضافي
بسبب مزاولته العمل خارج البلاد يرجع إلى نص المادة (21 مكرر "2") من
نظام الصندوق لأعضاء المحكمة فإنه يتعين إلغاؤه دون الطعن بعدم دستوريته. أمّا
بالنسبة لحرمانه من بدل الدواء والعلاج والإعانة الاجتماعية ومنح المناسبات
المختلفة فقد استندت إدارة الصندوق إلى نص المادة (4) من نظامه على الرغم من تعارض
هذا الأمر مع حكم المحكمة الدستورية في الدعوى رقم 29 لسنة 15 قضائية
"دستورية" والذي جاء به أن الخدمات الصحية والاجتماعية التي كفلها
الصندوق الخاص بها لأعضاء الهيئات القضائية الحاليين والسابقين ويشمل بها أسرهم لا
تعتبر من أعمال التبرع التي يقدمها الصندوق لمستحقيها بل توخى المشرع بتقريرها أن
يعينهم مع المعاش الأصلي على إشباع الحد الأدنى من احتياجاتهم فلا يجوز الرجوع
فيها أو وقفها. ويبدي الطالب أنه في حالة عدم إلغاء القرارات الإدارية المشار
إليها فإنه يطلب التصدي لها والحكم بعدم دستوريتها عملاً بالمادة (27) من قانون
المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979. وإذ أعيدت الدعوى إلى هيئة المفوضين
لبحث مدى دستورية النصين سالفي البيان تقدم ورثة الطالب أمام الهيئة المذكورة
بصورة رسمية من إعلام وراثة الطالب بوفاته بتاريخ 23/ 10/ 2003 وانحصار إرثه
الشرعي في زوجته السيدة/ فايزة السيد فودة وفي بناته البالغات نبيلة وأميرة وإيناس
وأخته البالغة فايزة، وطلبوا استمرار السير في الدعوى بذات الطلبات.
وحيث إن الطالب عرض في
صحيفة دعواه لنص المادتين (4، 21 مكرر "2") من نظام صندوق الخدمات
الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة المفوضين بها
الصادر بقرار رئيس المحكمة الدستورية رقم 64 لسنة 1979 ناعياً عليهما مخالفتهما
لأحكام المواد (13، 16، 17، 32، 34، 40، 41، 49) من الدستور طالباً التصدي لها والقضاء
بعدم دستوريتها قبل القضاء له بطلباته الموضوعية.
وحيث إن المادة (27) من
قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أنه
"يجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة
يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصاتها ويتصل بالنزاع المطروح عليها وذلك بعد اتباع
الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية".
وحيث إن المادة (4) من
نظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية المشار إليها تنص على أن "يقف سريان
هذا النظام بالنسبة إلى العضو المنتفع وأسرته:
أ - إذا التحق بعمل أو
مارس مهنة مدة قيامه بذلك.
ب - إذا أعير إلى هيئة
دولية أو حكومة أجنبية وذلك طوال مدة الإعارة".
وقد عدل هذا النص بمقتضى
القرار رقم 7 لسنة 1991 الصادر بتاريخ 16/ 1/ 1991 والمعمول به اعتباراً من 1/ 1/
1991، وقد نص بعد تعديله "بأن يقف سريان أحكام نظام الخدمات الصحية
والاجتماعية على العضو وأسرته في الأحوال الآتية: -
أ - إذا التحق العضو بعمل
خارج البلاد.
ب - إذا التحق العضو بعمل
داخل البلاد يوفر له خدمات صحية.
ج - إذا مارس العضو مهنة
حرة أو تجارية أو غير تجارية داخل البلاد أو خارجها".
وحيث إن المادة (21
مكرراً "2") من نظام الصندوق والمضافة بالقرار رقم 7 لسنة 1986 تنص على
أن "يوقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد يتقاضى
عنه دخلاً عدا المكافآت والبدلات، أو التحق بأي عمل خارجها أو مارس مهنة تجارية في
الداخل أو الخارج، ويعود الحق في صرفه حالة ترك العمل أو المهنة..........".
وحيث إنه عن المصلحة في
الدعوى، فمن المقرر - على ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا - أن المصلحة
في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة
التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية
لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
وحيث إن النزاع الموضوعي
في الدعوى الماثلة يدور حول حرمان الطالب من الانتفاع بالخدمات الصحية والاجتماعية
التي يوفرها الصندوق لأعضائه بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي خلال فترة عمله
بالخارج بعد انتهاء إعارته لإحالته للتقاعد في 16/ 9/ 1987 وحتى 1/ 5/ 1998 تاريخ
عودته إلى البلاد، فإن نطاق المسألة الدستورية التي تتعلق بموضوع النزاع المطروح
على المحكمة يحدد فيما تنص عليه المادة (4) من نظام صندوق الخدمات الصحية
والاجتماعية سالف البيان بعد تعديلها بالقرار رقم 7 لسنة 1991 من وقف سريان أحكامه
بالنسبة إلى العضو المنتفع وأسرته إذا التحق بعمل خارج البلاد، وكذلك ما تنص عليه
المادة (21 مكرراً "2") من هذا النظام من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي
إذا التحق العضو بعمل خارج البلاد، ولا يمتد نطاقها إلى غير ذلك من أحكام هاتين
المادتين.
وحيث إن الطالب ينعى على
نص المادة (4) من نظام الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية
العليا وأعضاء هيئة المفوضين بها، بعد تعديلها بالقرار رقم 7 لسنة 1991 - محدداً
نطاقاً على النحو المتقدم - مخالفة أحكام الدستور، ذلك أن الغرض من تقرير هذه
الخدمات أن تعين العضو مع المعاش الأصلي على إشباع الحد الأدنى من احتياجاته،
فضلاً عن أنها ليست من أعمال التبرع التي يقدمها الصندوق لمستحقيها - فلا يجوز من
زاوية دستورية - حجبها أو وقفها.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - على ما جرى به قضاء هذه
المحكمة - أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وجوهر هذه السلطة
التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما
يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع
الذي يتناوله بالتنظيم. وكان المشرع قد أنشأ صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية
لرعاية أعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة المفوضين الحاليين والسابقين،
وخول رئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة تحديد هذه الخدمات ونطاق تطبيقها،
والحالات التي يوقف سريان أحكامه بالنسبة لأحدهما أو كليهما، فإنه لا تثريب عليه
إذا قدر أن النهوض بأعباء الصندوق كي يتواصل عطاؤه يقتضي دوماً إجراء مراجعة دقيقة
لنوع تلك الخدمات وتحديد المستفيدين منها ما دام أن ما يسنه من قواعد هدفه كفالة تقديمها
وفق أسس موضوعية لأعضاء الصندوق الحاليين منهم والسابقين. فضلاً عن أن قانون
المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وإن أنشأ صندوقاً
كافلاً الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة
المفوضين بها، ونص على انصرافها إليهم وإلى أسرهم، إلا أنه خلا من تحديد نوع تلك
الخدمات أو مداها، وعهد إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا بتفعيلها وتحديد
ضوابطها، مصدراً في شأنها ما يناسبها من القرارات بعد موافقة الجمعية العامة
للمحكمة، على أن يتم ذلك في حدود الموارد المالية للصندوق، بما يعني أن إنفاذ
الخدمات الصحية والاجتماعية التي يقدمها وما يترتب عليها من أعباء يتحملها الصندوق
يرتبط دوماً بموارده، فتزيد حيث تتوفر وتقل إذا ما ضاقت تلك الموارد عن استيعابها.
كما أن الهدف من تقرير الرعاية الصحية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة
المفوضين السابقين وأسرهم هو إعانتهم على مواجهة انتقاص دخولهم بدرجة كبيرة بعد
إحالتهم إلى التقاعد والزيادة المستمرة في أجور العلاج لدى الأطباء والمستشفيات
وأسعار الدواء، فإذا زادت موارد العضو المالية نتيجة التحاقه بأي عمل خارج البلاد
بما يعينه على مجابهة تكاليف علاجه حال مرضه، انتفت الحكمة من استمرار تمتعه
بالرعاية الصحية التي يكفلها صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة
الدستورية العليا وهيئة المفوضين السابقين بحيث تصبح الفئة الأخرى وهي تلك التي لا
تزاول أعمالاً خارج البلاد هي الأولى بالرعاية.
وحيث إنه لا وجه للربط
بين أحقية أعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة المفوضين السابقين للمبلغ
الشهري الإضافي الذي تقرر بنص المادة (21 مكرر "1") من نظام صندوق
الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة المفوضين
وبين الانتفاع بنظام الخدمات الصحية والاجتماعية الذي يكفله ذلك الصندوق لأعضاء
المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين الحاليين والسابقين وأسرهم، فالمبلغ
الشهري الإضافي يصرف لكل من استحق أو يستحق من هؤلاء الأعضاء معاشاً، وهذا المبلغ
يعد معاشاً مكملاً للمعاش الأصلي، وإنهما معاً يتضافران في مجال ضمان الحد الأدنى
لمتطلباتهم المعيشية، في حين أن الانتفاع بنظام الخدمات الصحية يخضع لأحكام المادة
(4) من نظام الصندوق سالف البيان، والتي يتعين النظر إليها في ضوء ربط الانتفاع
بالخدمات الصحية بالموارد المالية للصندوق، بالإضافة إلى أن وقف الانتفاع بنظام
الخدمات الصحية ليس قاصراً على أعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة
المفوضين ممن يلتحقون بأعمال خارج البلاد، وإنما يمتد ليشمل بعض فئات الأعضاء
الحاليين، إذ يقضي النص الطعين بأن يقف سريان نظام الخدمات الصحية والاجتماعية
للأعضاء الذين يعارون للعمل لدى حكومة أجنبية أو هيئة دولية طوال مدة الإعارة، ومن
ثم يجد وقف الانتفاع بخدمات الصندوق سنده في الحالين في أن الأعضاء الحاليين
والسابقين الذين تتهيأ لهم فرصة تحسين مواردهم المالية، يصبحون في وضع يمكنهم من
مجابهة أعباء الحياة وتكاليف العلاج، ومن ثم كان منطقياً قصر الانتفاع بالخدمات
الصحية والاجتماعية وصرف مقابل الدواء على من لا يمارسون أي عمل أو مهنة داخل
البلاد أو خارجها معتمدين على تصريف شئون حياتهم على ما يتقاضونه من معاش.
وحيث إنه وبالبناء على ما
تقدم فإن نص المادة (4) من نظام الخدمات الصحية والاجتماعية المشار إليه يكون
متفقاً وأحكام الدستور الأمر الذي ينهار معه الأساس الذي بنى عليه المدعي طلبه
الانتفاع بخدمات الصندوق الاجتماعية والصحية خلال فترة عمله بالخارج حتى تاريخ
عودته إلى البلاد.
وحيث إن المستشار الطالب
ينعى على نص المادة (21 مكرراً "2") من نظام الخدمات الصحية والاجتماعية
لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة المفوضين بها - محدداً نطاقاً على
النحو المتقدم - إهداره لحق العمل بالمخالفة لحكم المادة (13) من الدستور،
باعتدائه على الملكية الخاصة التي كفل الدستور صونها بنص المادتين (32، 34) فضلاً
عن مخالفته لمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (40) من الدستور بمنحه المبلغ
الشهري الإضافي لبعض أعضاء المحكمة السابقين الذين يزاولون أعمالاً داخل البلاد في
حين حجب صرفه عن زملائهم الذين يلتحقون بأعمال خارج البلاد.
وحيث إن هذا النعي سديد
في جوهره، ذلك أن البين من أحكام الدستور - بما يحقق تكاملها ويكفل عدم انعزال
بعضها عن بعض في إطار الوحدة العضوية التي تجمعها وتصون ترابطها - أن حق العمل
وفقاً للمادة (13) من الدستور، لا يمنح تفضلاً ولا يتقرر إيثاراً، ولا يجوز إهداره
أو تقييده بما يعطل جوهره، بل يعتبر أداؤه واجباً لا ينفصل عن الحق فيه، ومدخلاً
إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غد أفضل وبذلك تتكامل الشخصية الإنسانية من
خلال إسهامها في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها، وكلما كان العمل ذهنياً قائماً
على الابتكار، كان لصيقاً بحرية الإبداع، وصار تشجيعه مطلوباً عملاً بنص المادة
(49) من الدستور التي تكفل لكل مواطن حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني
والثقافي مع ضمان وسائل تشجيعها، مؤكدة بذلك أن لكل فرد مجالاً حراً لتطوير ملكاته
وقدراته، فلا يجوز تنحيتها أو فرض قيود تحد من انطلاقها.
وحيث إن الملكية الخاصة -
التي كفل الدستور صونها بنص المادتين (32، 34) - ترتد في عديد من جوانبها ومصادرها
إلى ضمان حق العمل باعتباره أداة تكوينها ووسيلة تراكمها في الأغلب. وقد جرى قضاء
هذه المحكمة، على أن الدستور - إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيداً
لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي - كفل حمايتها لكل فرد، ولم يجز المساس بها إلا
على سبيل الاستثناء، وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها باعتبارها عائدة - في الأعم
من الأحوال - إلى جهد صاحبها الذي بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل
المتواصل على إنمائها وأحاطها الدستور بما قدره ضرورياً لصونها، وكافلاً من خلالها
للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أهم أدواتها، مهيمناً عليها ليختص صاحبها دون غيره
بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها فلا يرده عنها معتد، بل يقيها الدستور والقانون تعرض
الأغيار لها، سواء بغصبها أو انتقاصها من أطرافها، بما يعينها على أداء دورها.
وحيث إن الخدمات التي
كفلها نظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا
وأعضاء هيئة المفوضين بها الحاليين والسابقين وشمل بها أسرهم، لا تعتبر من أعمال
التبرع التي يقدمها الصندوق لمستحقيها، بل توخى المشرع بتقريرها أن تعينهم - مع
المعاش الأصلي - على إشباع الحد الأدنى من احتياجاتهم بثاً للاطمئنان في نفوسهم،
فلا يجوز حجبها أو الرجوع فيها أو وقفها بما يعطل حقوقاً كفلها الدستور لكل مواطن.
ولا يجوز بالتالي أن يكون الحق فيها بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي حائلاً دون
امتهان العضو - بعد تقاعده - أعمالاً يمارسها أو تقلده وظائف لا يكون بها طاقة
عاطلة. ومن غير المتصور أن يكون الحق في الحصول عليها معلقاً على شرط الامتناع عن
العمل، وهو أحد الحقوق التي كفلها الدستور لكل مواطن، ولا يسوغ كذلك أن يرتد النص
المطعون فيه عن قيم الحق والعدل، ليحجبها - دون سند من الدستور - عن هؤلاء الذين
كفلوا دوماً إرساء مقوماتها لغيرهم.
وحيث إن مبدأ المساواة -
وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس مبدأ تلقينياً جامداً ولا هو بقاعدة صماء
تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين
العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه
ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد، وأن تغاير من خلال هذا التنظيم - ووفقاً
لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد في معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس
التي تقوم عليها، إلا أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينفض محتواه، هو ذلك التنظيم
الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض
المشروعة التي يتوخاها. فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان
اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، كان التميز انفلاتاً وعسفاًَ، فلا يكون مشروعاً
دستورياً.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة
مطرد على أن المبلغ الشهري الإضافي يعتبر مكملاً للمعاش الأصلي لأعضاء الهيئات
القضائية، وأنهما يتضافران معاً في مجال ضمان الحد الأدنى لمتطلباتهم المعيشية.
ولا يجوز بالتالي أن يكون الحق في المبلغ الشهري الإضافي حائلاً دون امتهان عضو
الهيئة القضائية - بعد تقاعده - أعمالاً يمارسها أو تقلده وظائف لا يكون بها طاقة
عاطلة، ولا أن يكون الحق في الحصول على هذا المبلغ معلقاً على شرط الامتناع عن
العمل، وهو أحد الحقوق التي كفلها الدستور لكل مواطن.
وحيث إن نظام صندوق
الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة المفوضين
بها، وإن وحد بين هؤلاء الأعضاء في شأن الأسس التي يتم على ضوئها حساب معاشهم
التكميلي ممثلاً في المبلغ الشهري الإضافي، إلا أن النص الطعين حجبه عن بعضهم ممن يزاولون
عملاً خارج البلاد، حال أن قرناءهم الذين يلتحقون بأعمال داخل البلاد، أصبح من
حقهم تقاضي هذا المبلغ بعد قضاء هذه المحكمة الصادر في القضية رقم 1 لسنة 19
قضائية "طلبات أعضاء" بعدم دستورية ذات النص الطعين فيما تضمنه من وقف
صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد يتقاضى عنه دخلاً،
ومن ثم فإنه غدا مخالفاً لمبدأ المساواة والذي يكفل المعاملة القانونية المتكافئة
لأصحاب المراكز القانونية المتماثلة إعمالاً للمادة (40) من الدستور.
وحيث إنه لما كان ما تقدم
فإن النص المطعون فيه - فيما قرره من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق
العضو بأي عمل خارج البلاد - يكون قد جاء مخالفاً لأحكام المواد (13، 32، 34، 40)
من الدستور.
وحيث إن إبطال النص
المطعون فيه والذي حجب عن الطالب حقه في صرف المبلغ الشهري الإضافي يعني انعدام
وجوده منذ مولده، مما يستتبع أحقية الطالب في ذلك المبلغ منذ تاريخ حرمانه منه
وحتى الثلاثين من شهر إبريل سنة 1998.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية نص
المادة (21 مكرراً "2") من قرار رئيس المحكمة الدستورية العليا رقم 64
لسنة 1979 بنظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية
العليا وأعضاء هيئة المفوضين بها معدلاً بالقرار رقم 7 لسنة 1986 فيما تضمنه من
وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل خارج البلاد، وبرفض ما عدا
ذلك من طلبات.
ثانياً: بأحقية المستشار
الطالب في صرف المبلغ الشهري الإضافي اعتباراً من تاريخ حرمانه من هذا المبلغ وحتى
الثلاثين من شهر إبريل سنة 1998.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق