الصفحات

الجمعة، 1 أبريل 2022

هل يجوز الاحتجاج بصورية العقود المسجلة. زكي خير الأبوتيج

مجلة المحاماة – العدد الرابع

السنة التاسعة عشرة سنة 1939

بحث
هل يجوز الاحتجاج بصورية العقود المسجلة
وبأي نوع من الصورية يجوز ذلك

لحضرة صاحب العزة زكي خير الأبوتيجى بك رئيس النيابة لدى محكمة النقض والإبرام (الدائرة المدنية والتجارية)
1 - تمهيد:
باع زيد إلى بكر عقارًا بعقد لم يسجله المشتري ثم باع زيد أيضًا إلى ابنه خالد نفس العقار بعقد بادر خالد إلى تسجيله قبل أن يسجل المشتري الأول عقده.
هذا هو الغرض الذي يدور حوله هذا البحث والمطلوب الآن معرفة ما إذا كان يسوغ لبكر أن يطعن بالصورية في العقد الثاني الصادر من زيد إلى ولده بالرغم من تسجيل هذا العقد وبالرغم من افتراض نقل الملكية إليه بمجرد التسجيل.
إن نص المادة الأولى من قانون التسجيل رقم (18) سنة 1923 كما قالت محكمة النقض (الدائرة المدنية) في حكمها الصادر في 12 ديسمبر سنة 1935 في الطعن رقم (35) سنة 5 قضائية وفي الحكم الصادر في 21 مايو سنة 1936 في قضية الطعن رقم (10) سنة 6 قضائية قد قضى نهائيًا كل احتجاج على صاحب العقد المسجل بسوء نية المتصرف أو بالتواطؤ لذلك لا يجوز التحدي بعبارة سوء النية أو حسنها أو العلم أو عدم العلم المشار إليهما بالمادة (270) وغيرها من مواد القانون المدني.
وتطبيقًا لهذه القاعدة لا يجوز لبكر أن يطلب إبطال العقد المسجل الصادر من البائع إلى ابنه خالد بحجة أنه تواطأ مع ولده على البيع إليه مرة ثانية أو أن المشتري كان عالمًا بأن البيع الصادر إليه يضر بالمشتري الأول.
ولكن مناط هذا كله أن يكون البيع الذي يشوبه التواطؤ بيعًا جديًا بمعنى أن إرادة العاقدين قد توحدت في أن يكون التصرف حقيقيًا أي أنهما قصدا البيع ظاهرًا وباطنًا وأن البائع أراد حقًا التنازل عن ماله إلى المشتري مقابل قيام المشتري بدفع الثمن المتفق عليه.
أما إذا تبين أن البيع صوري وأن العاقدين لم يقصدا ما يدل عليه ظاهر العقد بل أن نيتهما كانت منصرفة إلى ذر الرماد في عيون الغير وإلى الإيهام بوقوع التصرف مع مخالفة هذا للواقع والحال أن الثمن لم يدفعه المشتري وأن البائع لم يقصد التنازل حقيقة عن ملكه إليه.
إذا ثبت هذا فإن الطعن في العقد المسجل يتخذ شكلاً آخر غير الدفع بالتواطؤ أو سوء النية وسترى فيما يأتي هل يجوز الطعن بالصورية وبأي نوع منها.
2 - رأي محكمة استئناف مصر في هذا الموضوع:
قد طرح هذا الموضوع بالذات أولاً على محكمة المنيا الابتدائية في القضية رقم (340) سنة 1936 فأصدرت حكمها في 22 إبريل سنة 1937 وهو يقضي بعدم جواز الدفع بالصورية لأنها ضرب من ضروب التواطؤ وجاء في أسباب ذلك ما يأتي:
وحيث إن التسجيل نفسه هو الناقل للملكية وسوء النية والتواطؤ الذي يقع بين البائع والمشتري الثاني الذي سجل عقده لا يمنعان من أفضلية عقد المشتري الثاني المسجل على عقد المشتري الأول الذي لم يسجل.
فاستؤنف هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر فأصدرت حكمها في تاريخ 27 ديسمبر سنة 1937 في القضية رقم (712) سنة 54 قضائية بتأييد الحكم الابتدائي وجاء في حيثيات الحكم ما يأتي:
(وحيث إن المشتري (الذي لم يسجل) ليس له في الفترة التي تمضي من تاريخ العقد إلى وقت التسجيل سوى مجرد أمل مستقبلاً في امتلاك ما بيع وهذا الأمل ليس حقًا يصح له أن يحتج به على الغير فلا يترتب عليه إذن أحقية في إبطال عقد المشتري الثاني الذي سجله طبقًا للقانون بدعوى أنه صوري إذ لا ملكية له قد سلبها التواطؤ الحاصل بين بائعه وهذا المشتري الثاني لحرمانه من الصفقة وأنه في هذه الحالة ليس لعقده الغير مسجل من أثر سوى الالتزامات الشخصية بينه وبين المتعاقد معه.
وقد طعن بالنقض في هذا الحكم في القضية رقم (38) سنة 8 قضائية فقد منا مذكرة إلى محكمة النقض ضمناها رأيًا يخالف رأي محكمة الاستئناف وتناولنا البحث فيها في النقط الآتية:
أولاً: أنواع الصورية وآثارها.
ثانيًا: العقد المسجل وبأي نوع من الصورية يطعن فيه.
ثالثًا: هل الصورية ضرب من التواطؤ بحيث لا يجوز الطعن فيها في العقد المسجل.
3 - أنواع الصورية وآثارها القانونية:
إن الصورية في العقد على نوعين أولهما الصورية المطلقة (Simulation absolue) والثاني الصورية النسبية Simulation relative.
والثاني الصورية النسبية simulation relative.
فالصورية المطلقة هي التي تشمل العقد بأكمله أي أن الطرفين المتعاقدين قصدا تحرير عقد خيالي معدوم الأثر كلية وقد عرفها ديموج في كتابه الالتزامات جزء أول ص (259) بند (159) كما يأتي:

Lorsqu’en réalité les parties ont voulu ne faire aucun acte juridique, c’est l’acte fictif ou la simulation absolue.

ومناط استظهار هذا النوع من الصورية ينحصر في استجلاء نية العاقدين من الوقائع وملابسات الدعوى وقرائن الأحوال.
ومتى ثبت أن الصورية المطلقة تغشى العقد يعتبر معدوم الأثر قانونًا ولا وجود له إطلاقًا ووجه هذا ظاهر لأن نية العاقدين هي منشأ العقود فإذا اتحدت إرادتهما على أن يكون العقد خياليًا ولا وجود له فهو كذلك بالنسبة لهما وبالنسبة للغير أيضًا - (يراجع بلانيول وربيير جزء (6) ص (459) بند (333) وديموج كتاب الالتزامات جزء أول ص (261) وحكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 11 إبريل سنة 1911 والمنشور في دالوز سنة 1913 جزء أول ص (423)).
أما الصورية النسبية التي تشمل فهي جزءًا من أجزاء العقد كالثمن أو سبب العقد أو وصفه القانوني إلى غير ذلك كأن يذكر في العقد ثمن أقل من الواقع أو أن يذكر فيه أن الثمن دفع وهو لم يدفع فعلاً أو أن يذكر أن السبب هو ثمن بضائع مع أنه قرض في الواقع وتختلف عن الصورية المطلقة في أن المتعاقدين لم يقصدا أن يكون العقد كله خياليًا بل جديًا.
والأثر القانوني للعقد الصوري نسبيًا أنه يعتبر عقدًا صحيحًا وله وجود قانوني وفي بعض الأحوال يعد باطلاً إذا كان سببه غير مشروع أو مغاير للنظام العام أو الآداب ويلاحظ أيضًا أن الصورية النسبة لذاتها ليست سببًا من أسباب بطلان العقود إذ أن الشارع أجازها ضمنًا بدليل ما ورد في المادة (48) من القانون المدني في النص على صحة عقد الهبة الموصوف بصفة عقد آخر ولكن الذي يبطلها إنما سبب آخر غير الصورية يجوز أن يكون موجبًا للبطلان قانونًا:
4 - العقد المسجل وهل يجوز الطعن فيه بالصورية:
ورد النص في المادة الأولى من قانون التسجيل رقم (18) سنة 1923 على أن جميع العقود الصادرة من الأحياء بعوض أو بغير عوض والتي من شأنها إنشاء حق ملكية أو حق عيني آخر يجب إشهارها بواسطة تسجيلها الخ.
ويؤخذ من هذا النص أن الأثر القانوني الذي يلحق بالتسجيل لا يتصل إلا بالعقد الذي من شأنه إنشاء حق الملكية – والعقد الصوري صورية مطلقة لا وجود له قانونًا ومعدوم الأثر إطلاقًا وبالتالي ليس من شأنه إنشاء حق الملكية أو أي حق آخر لا يجديه التسجيل فتيلاً لأن التسجيل ليس إلى وسيلة للإشهار ولا يزيل ما شاب العقد من وجوه البطلان.
لذلك لا مانع قانوني يمنع الغير من الطعن في العقد المسجل بالصورية المطلقة كما أنه يجوز الطعن فيه من الغير بالصورية النسبية إذا انصبت الصورية على سبب العقد وكان سببه الحقيقي غير مشروع أو مخالفًا للنظام العام كالطعن في عقد البيع بأن سببه الوصية والتحايل على أحكام الإرث مثلاً.
لهذا لا نقر محكمة الاستئناف فيما وضعته كقاعدة عامة في حكمها من أن المشتري الأول لا أحقية له في إبطال عقد المشتري الثاني الذي سجله بدعوى أنه صوري ووجه هذا ظاهر لأن العقد الذي تعتوره الصورية المطلقة إنما هو عقد معدوم الأثر فلا ينقل الملكية من البائع كما سبق البيان ويتفرع عليه أنه متى ثبت هذه الصورية يعتبر أن الملكية لا زالت باقية للبائع ويتراخى انتقالها إلى المشتري الأول إلى يوم تسجيل عقده فيكون إذن للمشتري الأول كل المصلحة والحق في الطعن بهذا النوع من الصورية في عقد المشتري الثاني رغم تسجيله.
وقد جاء في حكم محكمة النقض الصادر في 9 ديسمبر سنة 1937 في قضية الطعن رقم (61) سنة 7 قضائية خير تعليل لهذا المبدأ وكان موضوع الدعوى الطعن في العقد المسجل بالصورية ما يأتي:
(وحيث إن الصورية التي تمسك بها الطاعن هي الصورية المطلقة التي يقصد بها إعدام العقد كليًا وإزالته من الوجود ليتمكن هو من تحقيق أثر الحكم الصادر له بصحة توقيع البائعين له على العقد الصادر إليه.
(وحيث إنه لا مانع قانونًا أن يكون لمثل الطاعن أن يتمسك بصورية عقد المشتري الثاني الصورية المطلقة لأنه سواء أكان باعتباره دائنًا للبائعين في الالتزامات التي ترتبت على العقود الصادرة له منهما من جهة القيام بجميع الإجراءات اللازمة لنقل الملكية أم باعتباره صاحب حق عيني موقوف انتقاله إليه إلى ما بعد التسجيل - له بأي هذين الاعتبارين أن يتمسك بالصورية ليزيل جميع العوائق التي تصادفه لتحقيق أثر عقده.
5 - هل الصورية ضرب من ضروب التواطؤ بحيث لا يجوز الطعن بها في العقد المسجل....
قلنا إن الرأي قد استقر في تطبيق قانون التسجيل على أنه لا يجوز التمسك بالتواطؤ الذي يقترن العقد المسجل للإهدار من أثر التسجيل وتفضيل العقد العرفي أو الذي تسجل تسجيلاً متأخرًا.
والصورية بلا شك إخفاء للحقيقة وإلباس العقد ثوبًا غير ثوبه وقد تكون الصورية مقترنة بقصد الإضرار بالغير باتفاق العاقدين على ذلك كالصورية التدليسية ولكن التواطؤ عنصر عرضي يضاف إلى العقد.
وتحريم الطعن بالصورية كلية لأنها درجة من درجات التواطؤ خلط بين العناصر الجوهرية للعقد والعناصر العرضية التي تطرأ عليه.
ذلك لأن الصورية المطلقة والصورية النسبية التي تبطل العقد بطلانًا جوهريًا لعدم مشروعية سببه مثلاً تنصب على كيان العقد القانوني وعلى عناصره الجوهرية وتؤدي إلى إعدام العقد كليًا وإزالته من الوجود كما تقول محكمتنا العليا في حكمها الذي أشرنا إليه آنفًا.
أما التواطؤ الذي حرم التمسك به ضد العقد المسجل والذي قضى قانون التسجيل على التمسك به ضد العقد المسجل فالمقصود منه إنما العنصر العرضي للعقد وبعبارة أخرى أن يكون العقد صحيحًا وجديًا ومتوفر العناصر الجوهرية وإذا شابه التواطؤ بين البائع والمشتري الثاني فلا سبيل إلى الحط من أثره القانوني كناقل للملكية إذا تسجل طبقًا للقانون والدليل على هذا أن قانون التسجيل لا يحمي إلا العقود التي من شأنها نقل الملكية أو الحقوق العينية الأخرى كما ورد في المادة الأولى منه.
مما تقدم نقول ولو أن الصورية قد تكون ضربًا من ضروب التدليس والتواطؤ من الوجهة الأدبية إلا أنها في الاصطلاح القانوني نوع خاص لها آثار قانونية خاصة تختلف باختلاف أنواعها ويقول فابريجت في كتابه في القضاء ص (273) هامش رقم (1).

Bien que la simulation ait pour but le plus souvent de dissimuler à des tiers, cependant elle différe de la fraude proprement dite, du moins elle en différe commé l’espèce du genre.

وخلاصة الرأي:
أولاً: لا يجب قياس الصورية المعدمة للعقد إعدامًا كليًا على التواطؤ الذي يجوز أن يقترن بالعقد الجدي الذي له وجود قانوني ثانيًا: يجوز الاحتجاج بالصورية المطلقة ضد العقد رغم تسجيله وكذلك بالصورية النسبية إذا كان سبب العقد غير مشروع أو مخالفًا للنظام أو منافيًا للآداب ذلك لأن الصورية المطلقة تعدم العقد كلية بحيث لا يكون له أي وجود قانوني والتسجيل لا يكسب العقود المعدومة وجودًا ولأن الصورية النسبية التي أساسها السبب الغير المشروع أو المخالف للنظام أو المنافي للآداب تبطل العقد بطلانًا جوهريًا مطلقًا فتجعله في حكم المعدوم والتسجيل لا يزيل البطلان ولا الشوائب الجوهرية من العقود.
6 - رأي محكمة النقض:
أصدرت محكمة النقض حكمها بتاريخ 20 أكتوبر سنة 1938 في قضية الطعن رقم (28) سنة 8 قضائية وقضت بما يخالف رأي محكمة الاستئناف وجاء في هذا الحكم الأسباب الآتية:
(وحيث إنه يؤخذ من ذلك أن الطاعن كان يدفع بصورية عقد المشتري الثاني الصورية المطلقة التي يقصد بها إعدام العقد إعدامًا كليًا وإزالته من الوجود ليتسنى له الحكم بصحة التعاقد وبتسجيل ذلك الحكم حتى تنتقل له ملكية العين المبيعة له)
(وحيث إنه لا مانع قانونًا يمنع من أن يكون لمثل الطاعن أن يتمسك بصورية عقد المشتري الثاني بالصورية المطلقة إذ باعتباره دائنًا للبائع في الالتزامات التي تترتب على العقد الصادر له منه من جهة القيام بجميع الإجراءات اللازمة لنقل الملكية فإن له أن يتمسك بالصورية ليزيل جميع العوائق التي تصادفه لتحقيق أثر عقده (يراجع حكم محكمة النقض الرقيم 9 ديسمبر سنة 1937) في الطعن رقم (61) سنة 7 قضائية).
(وحيث إن محكمة الاستئناف قد أخطأت في تطبيق قانون التسجيل للمفاضلة بين عقد الطاعن وعقد المدعى عليه الثاني في الطعن كما أخطأت في رفضها البحث في دعوى الصورية المطلقة ارتكانًا على ألا ملكية للطاعن لعدم تسجيل عقده ومن ثم يكون حكمها متعين النقض.)

زكي خير الأبوتيج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق