جلسة 6 من يوليه سنة 1954
برياسة السيد الأستاذ أحمد محمد حسن رئيس المحكمة، وحضور السادة: مصطفى حسن، وحسن داود، وأنيس غالى، ومصطفى كامل المستشارين.
-------------
(287)
الطعن رقم 470 سنة 23 القضائية
دعوى مدنية. مسئول عن الحقوق المدنية.
المكلف بالرقابة يستطيع أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعا. الحكم بمسئوليته على أساس الخطأ المفترض. خطأ في تطبيق القانون.
-------------
تنص الفقرة الثالثة من المادة 173 من القانون المدني على "أن المكلف بالرقابة يستطيع أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية". فإذا كان يبن مما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى أن الحادث الذي وقع كان مفاجئا أثناء عبث المجنى عليه هو والمتهم وهما صديقان وقد بلغ المتهم ثمانية عشر عاما، فلم يكن حدوثه راجعا إلى نقص في الرقابة من جانب الطاعن على ابنه المتهم، ومع ذلك قضى الحكم بمساءلة الطاعن مدنيا على أساس الخطأ المفترض وأن المتهم ما دام قاصرا فإن رقابة والده يجب أن تستمر بصورة تمنعه من إيقاع الضرر بغيره وإلا التزام بتعويض هذا الضرر - فإنه يكون مخطئا في تطبيق القانون.
_________________
الوقائع
اتهمت النيابة العامة جمال محمد أحمد أدهم بأنه ضرب صبره محمد على أحمد صبره عمد بآلة صلبة (سكين) في عينه اليمنى فأحدث بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد ما كانت تبصر به العين اليمنى قبل إصابتها وفقد ما كانت تبصر به العين اليسرى عدا إدراكها للضوء وإن كان ذلك نتيجة للالتهاب السمبتاوي المضاعف لإصابة العين اليمنى مما لا يمكن معه تقدير مدى العاهة بنسبة مئوية وأنه تسبب بعدم احتياطه وتحرزه في إصابة المجنى عليه المذكور بأنه كان يزيل قماش سلك كهربائي بخنجر ولم يحتط ولم يتحرز أثناء عمله والمجنى عليه بجواره فأصاب الخنجر عين المجنى عليه محدثا بها الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي والتي أفقدت المجنى عليه بصر عينه اليمنى وأكثر بصر عينه اليسرى. وطلبت من غرفة الاتهام إحالة المتهم على محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 240/ 1 - 1 و244/ 2 من قانون العقوبات. فقررت بذلك، وقد ادعى بحق مدنى محمد على أحمد بصفته ولى أمر ابنه المجنى عليه "صبره محمد على" قبل المتهم ووالده (محمد أحمد أدهم بصفته مسئولا عن الحقوق المدنية) وطلب القضاء له بمبلغ خمسة آلاف جنيه تعويضا. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضوريا عملا بالمادة 244 من قانون العقوبات بتغريم جمال محمد أحمد أدهم مبلغ عشرة جنيهات وإلزامه هو ومحمد أحمد أدهم متضامنين بأن يدفعا لمحمد على أحمد بصفته ولى أمر ولده صبره محمد على مبلغ 1000 جنيه (ألف جنيه) والمصاريف المدنية المناسبة ومبلغ خمسة جنيهات أتعابا للمحاماة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات المدنية وأعفت المتهم من المصاريف الجنائية. فطعن المحكوم عليه ووالده المسئول عن الحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض، كما طعن فيه أيضا المدعى بالحقوق المدنية..... الخ.
_________________
المحكمة
وحيث إن الطاعن الأول يعيب على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ فيما ذكره عن الشاهدين مصطفى عبد العزيز وفؤاد عبد العزيز من أنهما أيدا رواية المجنى عليه من أن الحادث نجم عن اندفاع يد الطاعن بالمطواة أثناء تعريته سلكا كانا ممسكين به ذلك بأن المستفاد من شهادتهما بالتحقيقات وبالجلسة أنها تبحث عن استنتاج لا عن رؤية وباحتمال حدوث الإصابة بعين المجنى عليه من السلك لا من السكين هذا مع ملاحظة أن الطاعن لم يقل إن الإصابة بالسكين إلا بمحضر البوليس وبصورة مبهمة وقال فيما بعد إنها من الاصطدام بالسلك وعلى ذلك يكون الحكم معيبا في الاستدلال أما ما رواه الحكم عن الدكتور مكارم سعد من أن المصاب أخبره بأن يد الطاعن اندفعت بالمطواة فأصابت عينه فهو قول لم يرد في شهادة الطبيب المذكور بل إن الصورة الصحيحة المستمدة من التحقيقات وخاصة من البلاغ الذي أرسله للبوليس عن الحادث هي أن الإصابة من صدمة السلك - كذلك قصر الحكم عن استظهار صلة السبيبة بين الخطأ والإصابة إذ أن أحدا لم ينسب إلى الطاعن أي إهمال أو عدم احتياط ومع ذلك فان الحكم قد اسند إليه هذين العنصرين دون بيان لكيفية الإهمال ولا لصورة عدم الاحتياط وأن الحكم إذ استند إلى تقرير الطبيب الشرعي وإلى تقرير الطبيب محمد صبحى في القول بحدوث الإصابة من السكين لم يلتفت إلى سبق حصول عملية جراحية في العين المصابة بواسطة طبيب آخر مما يفسد الرأي في كيفية حصول الإصابة إذ من الطبيعي أن تكون هذه التقارير مبنية على الآثار الناشئة من استعمال السلاح في العملية لا من اصطدام العين بسلك أو بسكين ومن غير الممكن لأحد من هذين الطبيبين أن يلاحظ أثرا من سلك قد ضاع بإجراء العملية.
وحيث إن طعن الطاعن الأول مردود بأن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دانه بها وساق على ثبوتها أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك فان الحكم المطعون فيه فيما دان فيه الطاعن الأول يكون سليما وما يثيره لا يعدو أن يكون جدلا في موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن الثاني هو المسئول عن الحقوق المدنية يقول في طعنه إنه دفع أمام محكمة الموضوع بعدم مسئوليته بالاستناد إلى القانون المدني الذي ينص على أن القاصر إذا بلغ سن الخامسة عشرة لا يكون بحاجة إلى رقيب كما أنه لم يثبت وقوع تفريط منه في تعهد ابنه المتهم وتربيته وأن السماح لابنه المذكور البالغ من العمر ثمانية عشر عاما وقت الحادث بمزاملة إخوانه في الدراسة لا يعتبر خطأ يؤاخذ عليه ولذا فإن تكليفه أن يمنع وقوع الحادث كما قال الحكم المطعون فيه مع أنه لم يكن موجودا أثناء وقوعه يعتبر تكليفا بالمستحيل يعيب الحكم كذلك دفع الطاعن بانعدام رابطة السببية بين مقتضى الرقابة وبين الضرر لأن الحادث كما سلم الحكم قد وقع فجأة وأن من مقتضى ذلك أن يخلص الطاعن من المسئولية تطبيقا لنص المادة 173 من القانون المدني ولكن الحكم لم يرد على هذا الدفاع الهام.
وحيث إن الحكم المطعون فيه في بيانه لواقعة الدعوى قال " ان المجنى عليه وقد كان تلميذا بالمدرسة الإسلامية بأسيوط تلاقى في يوم 17 من أغسطس سنة 1950 بالمتهم الطالب بالمدرسة الثانوية الأميرية وفى طريقهما مرا بمنزل مصطفى عبد العزيز ووجدا به آخرين وكان هؤلاء يجلسون في غرفة بالدور الأول تقع على الطريق فدخل المجنى عليه وزميله المتهم وانضما إلى من تواجدوا بمنزل مصطفى عبد العزيز وقد شاهدا مصطفى عبد العزيز ورشاد محمد أحمد منشغلين في تعرية قطعة من السلك مما يحيطها من كسوة مكونة من نسيج وكاوتشوك وفى هذا الوقت كان فؤاد عبد العزيز حسنين قد أحضر مشروب الشاي لضيفه رشاد محمد أحمد ولشقيقه مصطفى عبد العزيز ولما رأى المجنى عليه والمتهم دخل إلى داخل المنزل لإحضار مشروب لهما وفى أثناء انشغال مصطفى عبد العزيز ورشاد محمد أحمد بشرب الشاي تناول المتهم وزميله المجنى عليه قطعة السلك والمطواة التي كان يجرى تعرية السلك بها وأمسك كل من المتهم والمجنى عليه بطرف من طرفي السلك وأمسك المتهم بالمطواة وعمل على تعرية السلك وفى أثناء انهماكه في هذا العملية اندفعت يده بشده ناحية وجه زميله المجنى عيه فأصابت المطواة عينه اليمنى:" ولما كان يبين من هذا الذي أورد الحكم المطعون فيه أن الحادث الذي نشأ عنه الجرح كان مفاجئا أثناء عبث المجنى عليه هو والمتهم وهما صديقان وقد بلغ المتهم ثمانية عشر عاما فلم يكن حدوثه راجعا إلى نقص في الرقابة من جانب الطاعن على ابنه المتهم، لما كان ذلك وكانت الفقرة الثالثة من المادة 173 من القانون المدني تنص على أن " المكلف بالرقابة يستطيع أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية" فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بمساءلة الطاعن مدنيا بمقولة "إن مسئوليته شخصية أو ذاتية أساسها الخطأ المفترض وما دام المتهم قاصرا فإن رقابة والده يجب أن تستمر بصورة تمنعه من إيقاع الضرر بغيره وإلا التزم بتعويض هذا الضرر وما دام أنه قد قصر في أداء هذا الواجب بحيث لم يمنع ابنه من ارتكاب الخطأ إذ ثبت أنه كان يعبث بالمطواة فأصابت عين المجنى عليه فالوالد مسئول ولا شك عن هذا الخطأ". إن الحكم إذ بنى مساءلة الطاعن على الأساس المتقدم بيانه يكون مخطئا في تطبيق القانون. لما كان ذلك، وكانت طبيعة الواقعة كما أثبتها الحكم المطعون فيه ليس فيها ما يقتضى استظهاره في هذا الخصوص إحالة الدعوى إلى التحقيق فانه يتعين القضاء بنقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به ضد المسئول عن الحقوق المدنية ورفض الدعوى المدنية قبله وإلزامه رافعها بمصاريفها.
وحيث إنه متى قضى برفض الدعوى المدنية، فإنه يتعين لذلك رفض طعن المدعى بالحقوق المدنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق