الصفحات

الخميس، 2 ديسمبر 2021

بحث في قانون التسجيل الجديد عبد السلام ذهني بك

مجلة المحاماة - العدد السابع
السنة السادسة - عدد إبريل

قانون التسجيل الجديد الصادر في 26 يونيه سنة 1923
والمبادئ القانونية المقررة من قبل
للدكتور عبد السلام ذهني بك
أستاذ القانون المدني بكلية الحقوق بالجامعة المصرية
كلمة

إن مهمة المشتغلين بالقانون في الوقت الحاضر لا تنصرف كما انصرف غيرهم في أزمان غير بعيدة إلى شرح نصوص القوانين والوقوف عند نصوصها examen exégétique exégétique وإخضاع المظاهر الاجتماعية من معاملات وخلافها إلى القانون بحيث يعتبر القانون قالبًا عامًا يجب أن تفرغ فيه المظاهر الاجتماعية المذكورة، إنما مهمة المشتغلين بالقانون في الأوقات الحاضرة وقد قطعت الشعوب المتمدينة أشواطًا طويلة في طريق المدنية على اختلاف صورها، إنما تنصرف إلى عرض الأصول القانونية عرضًا علميًا خاضعًا للمظاهر الاجتماعية، لأن القانون كما قال بورتاليس أحد محضري قانون نابليون إنما خُلق للإنسان، ولم يُخلق الإنسان للقانون، أي تنصرف جهود الباحثين الآن إلى نقد القانون وبيان أوجه نفعه ومضاره، والعمل على جعل القانون خاضعًا لحكم التطورات الاجتماعية، بحيث لا يؤخذ في تفسيره إلى ما يتعارض مع الضرورات والاعتبارات الاجتماعية، والأصول المستفادة من طبيعة المعاملات بين الأفراد، بما يرجع للعدالة وطبيعة الأحوال، وهذا الأسلوب هو الذي اتبعناه بقدر الإمكان في عرض بيان موجز لقانون التسجيل الصادر في 26 يونيو سنة 1923، لذا لم نقف في إيضاحه إلى ما أوردته المذكرة الإيضاحية فحسب، بل أخذنا فوق ذلك بما توحي به الأصول العامة للقانون من حيث هو. على أنّا لا نستطيع بحال إقساط المذكرة الإيضاحية قدرًا من حيث الأثر في التدليل القانوني يرتفع إلى مرتبة الأعمال التحضيرية التشريعية داخل المجالس التشريعية، ولأنه من المستحيل فوق ذلك الأخذ بالمذكرة الإيضاحية ولا ببعض الأعمال التحضيرية التشريعية فيما يتعارض إما مع روح القانون الخاص الموضوع، أو مع روح القانون بوجه عام، أو يتعارض مع نصوص القانون المعين بالذات، لذا لا نعول فقط في أبحاثنا هذه إلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية فحسب، بل نرجع إلى الأصول العامة، وإلى تاريخ التشريع وتطوره، لمعرفة قدر الأثر العلمي القانوني في القانون المعين، وأما الوقوف في التفسير في دائرة ضيقة لا تتعدى الأعمال التحضيرية، وعلى الأخص المذكرة الإيضاحية، فإن من شأن ذلك أن تتولد عنه أخطار مخيفة من اضطراب في العقائد القانونية لدى الأفراد بما فيه تشويه الأصول القانونية في ذاتها، ولعلنا نذكر ما أوردته المذكرة الإيضاحية لقانون المجالس الحسبية الصادر في 13 أكتوبر سنة 1925 والمنشور بالوقائع الرسمية في 2 نوفمبر سنة 1925 من أنه (من البديهي أن ليس لهذا القانون أثر رجعي على من بلغ في عهد القانون القديم 18 سنة ولم يبلغ 21 سنة من تاريخ العمل بالقانون الجديد) مع أن هذا الإقرار بالمذكرة الإيضاحية لم يؤيده نص بنفس قانون المجالس الحسبية، وفوق ذلك فإن ما قررته هذه المذكرة مخالف للبداهة ولما أجمع عليه علماء القانون بفرنسا وقضاؤه، لذا لا نتردد مطلقًا أمام هذا الإقرار في أن لا نأخذ به لمناقضته للأصول العلمية وللبداهة، وأن لا نتخلى عن الأخذ بالأسباب العلمية والأصول القانونية الصحيحة، ونجزم بضرورة تقرير الأثر الرجعي لقانون المجالس الحسبية فيما يتعلق بتقرير الأهلية.

تمهيد

التشريع في كل بيئة ولكل جماعة صورة تنعكس فيها صورة تلك الجماعة وما هي عليها من حالة اجتماعية خاصة، ولا يخرج التشريع عن كونه تصويرًا لهذه الحالة الاجتماعية يعمل فيه الشارع على معالجة الحال وإصلاح الشأن وهو يأمل في ذلك حماية الحق، ويستعين في حماية الحق بما يتفق مع طبائع شعبه ولا يتعارض مع ميوله، وهي الميول التي تتجه في طريق واحد مع حركة التطور الاجتماعي للشعب، وإن صح القول بأن هناك تيارات اجتماعية تسوق الجماعة في طريق التطور من حال إلى حال، فإنه يترتب على ذلك أن القانون، وهو أداة لحماية الحق، يجري هو الآخر وراء هذا التطور وينساب في تياره، وما دامت الجماعة خاضعة لحكم التطور القسري فالقانون كذلك، والقانون في تغير وتعديل ما دامت الجماعة سائرة في طريق التطور، ولكل حالة اجتماعية شأن خاص ونظام خاص وأصول قانونية خاصة تلتئم وحالتها الاجتماعية.
وكان الرومان في عهدهم الأول وهم في دور الطفولة الاجتماعية، الأمر الذي تترتب عليه الطفولة التشريعية أيضًا، لا يرضون بصحة انعقاد العقد لمجرد التعاقد والاتفاق عليه

non nudis pactis dominia rerum transfermetur.

ويقرر المشترع الروماني بولص Paulus بأنه لا يترتب على العقد انتقال الملكية إنما تتولد عنه جملة التزامات، وكان لا بد في انتقال الملكية من الالتجاء إلى أوضاع شكلية أخرى وهي البيع العلني للأشياء النفيسة mancipatio والبيع بواسطة المناولة اليدوية tradition للأشياء غير النفيسة، والبيع أمام القاضي من طريق التنازع الصوري in jure cessio (كتابنا في الأموال صـ 797 ن 558) ويلاحظ المشترع الألماني المعروف (اهرنج Ihring) أن لهذه العقود الشكلية عند الرومان بعض المزايا في أنها لا تجعل لأمر الإرادة في التعاقد محلاً للشك بل هي تطبع العقد بطابع لا يستطيع معه الإفلات من قوة أثره وصحته، كما تطبع الحكومة العملة إثباتًا لصحتها (كتابنا في الالتزامات، النظرية العامة صـ 67 ن 70).
والذي يستفاد من ذلك أن الشارع الروماني في تقريره لهذه الأوضاع الشكلية المختلفة إنما يرمي إلى حماية العاقدين أولاً، وثانيًا إلى حماية الغير لأن من شأن الأوضاع الشكلية formalisme إذاعة العقود على الجماعة فيعرف الغير ما تحمل به الشيء من الحقوق المقررة للآخرين فيما إذا أراد التعاقد بشأن هذا الشيء مع المالك الأصلي أو خلافه.
هذا ولا زال كل شارع في كل بيئة يعمل على تبسيط إجراءات انعقاد العقد بين الطرفين، وعلى العمل على ما فيه حماية الغير، وقد استعين بشأن صحة انعقاد العقد بين الطرفين بجملة وسائل مختلفة كان للمجاز والتصوير الافتراضي شأن في تقريرها، كالمناولة باليد الوجيزة tradition de bréve main والمناولة باليد الطويلة tradition de longue main والتسليم الصوري أو التسليم والتسلم dessaisine - saisine أو veste et deveste أي إقرار المشتري باستلام المبيع وإقرار البائع بتسليم المبيع وأن يثبت الإقرار بالعقد، ولا عبرة بعد ذلك فيما إذا ظل المبيع تحت يد البائع. وأخيرًا قرر قانون نابليون بالمادة (1134) بأن العقد شريعة المتعاقدين وهي القاعدة التي أصبحت أساسًا للتشريعات العالمية الحاضرة، وأصبح العقد في ذاته بمجرد حصوله ملزمًا لطرفيه، دون الاستعانة بإجراءات أخرى، إلا فيما يتعلق ببعض العقود التي لا زالت الأوضاع الشكلية لازمة لها لصحة تكوينها كالرهن الحيازي العقاري والهبة.
وإن كان الشارع قد انتهى من تقرير قاعدة (العقد شريعة المتعاقدين) وأن الالتزام صحيح بمجرد التعاقد عليه سواء أكان التعاقد شفويًا أم كتابيًا، لأن الكتابة لم تشرع الآن إلا للإثبات في حالة الإنكار، إلا أنه لا زالت هناك فكرة تساور الشارع من زمن بعيد في حماية الغير بعد رفع هذه الأوضاع الشكلية التي كان يترتب عليها الإشهار والعلانية حتمًا، لذلك أخذ الشارع في معالجة هذه الحال من طريق تقرير نظم شكلية يريد بها الوصول إلى الإشهار والعلانية حتى يعلم الغير ما يحف الشيء، الذي يريد تقرير حق عيني عليه، من شوائب عينية. والشيء محل التعاقد إما منقول أو عقار، ولما كان من المستحيل أن يكون للمنقول مستقر ثابت فقد تقررت قاعدة (حيازة المنقول سند تمليكه) من زمن بعيد، وأما العقار فقد أصبح الشغل الشاغل للشارع من حيث حماية الغير سواء كان فيما يتعلق بنقل ملكية العقار أو تقرير حق عيني عليه، وألحق الشارع بالحقوق العينية العقارية حقوقًا شخصية بحتة لما لها من الأهمية الظاهرة كعقد الإيجار الزائدة مدته عن تسع سنوات، ومخالصات الإيجار الزائدة مدتها عن ثلاث سنوات، وعقد إيجار العقار المرهون رهنًا حيازيًا.
وكانت مقاطعات فرنسا منقسمة إلى نوعين:
مقاطعات خاضعة لنظام التسجيل الخاص بجماعة الأشراف والنبلاء، ومقاطعات خاضعة لعادة التمليك بطريق المناداة والإشهار الشفوي (كتابنا في الأموال صـ 813)، ثم وضعت قوانين فرنسية بعد ذلك وهي قانون (9) ميسيدور سنة ثلاثة، وقانون برومبر سنة سبعة. ولما جاء قانون نابليون سنة 1804 اختلف واضعوه في تقرير قاعدة التسجيل شرطًا أساسيًا لصحة التصرفات قبل الغير، واستقر الرأي فيما بينهم على عدم اشتراط شرط التسجيل هذا، مع الإقرار بصحة القاعدة القائلة بأنه لا يجوز للإنسان أن يتصرف في أكثر مما يملك (الأموال لنا صـ 818).
وأخيرًا وضع القانون الفرنسي المعروف وهو قانون 23 مارس سنة 1855 وقرر قواعد التسجيل الحاضرة المعروفة بالقانون المدني المصري الموضوع سنة 1875 مختلطًا وسنة 1883 أهليًا، وهي القواعد القائلة بصحة العقد بين الطرفين لمجرد حصول التعاقد عليه، وأنه لا ينفذ العقد على الغير إلا إذا كان مسجلاً فيما إذا تعلق بحق عيني عقاري.
ولكن الناقدين أخذوا على نظام التسجيل عيوبًا وحاولت فرنسا إصلاحه ولما تصل بعد، وأخذت بعض البلاد الأخرى بنظم في التسجيل تخالف النظام الفرنسي المصري، واتبعت في ذلك طريقة تورينس والطريقة الألمانية وهي طريقة السجلات العقارية Livres fonciers وشعرت مصر بهذه الحاجة في تعديل نظام التسجيل من سنة 1880 وفعلاً قدمت سنة 1902 مشروعين للجنة الدولية المخصصة لفحص المشاريع القانونية المختلطة، أحدهما خاص بتوحيد أقلام التسجيل، وثانيهما بتقرير نظام السجلات العقارية (تقرير المستشار القضائي سنة 1903 النسخة العربية صـ 23 - كتابنا في الأموال صـ 856) واستقر الرأي لدى اللجنة على وضع صيغة خاصة لكل من المشروعين، وعقدت النية على إدخال نظام السجلات العقارية الذي يقضي بأن التسجيل لا يرجع لأسماء الأشخاص إنما يرجع للعقارات بالذات، وأن الملكية لا تنتقل بين الطرفين وبالنسبة للغير إلا بالتسجيل، وأنه بمجرد حصول التسجيل لا يجوز الطعن في العقد المسجل (الأموال لنا صـ 866 - 884).
ولبث المشروعان المذكوران مطويين في عالم الخفاء حتى جاء مجلس الوزراء وقرر في مارس سنة 1917 تكليف لجنة الامتيازات الأجنبية بدرس أول المشروعين، وفي 4 يوليو سنة 1917 قرر إنشاء لجنة فرعية لها، واعتبرها بقرار منه في أول مايو سنة 1920 لجنة مستقلة في فحص المشروع، وقدمت هذه اللجنة ست تقريرات لمجلس الوزراء ومشروعي قانونين أحدهما بشأن الموثقين وثانيهما بشأن الملكية العقارية (الأموال لنا صـ 861) وصادق مجلس الوزراء على اقتراحات اللجنة في 25 إبريل سنة 1922، ثم تعينت بعد ذلك لجنة أخرى لتضع مشروع قانون نافذ على المصريين والأجانب، وقامت هذه اللجنة بوضعه فعلاً وشفعته بتقرير أصبح فيما بعد هو نفس المذكرة الإيضاحية للقانون، أي قانون التسجيل الصادر في 26 يونيو سنة 1923 رقم (18) أهلي و(19) مختلط.

القسم الأول: قانون التسجيل الجديد والقانون المدني

أما وقد أتينا على لمحة سريعة لتاريخ انتقال الملكية والحقوق العينية بين المتعاقدين وبالنسبة للغير، فإنا نرى الآن ضرورة استعراض المسائل القانونية السابقة لنرى مبلغ تأثرها أو عدم تأثرها بقانون التسجيل الجديد، ونرى تقسيم الموضوع إلى التقسيمات الآتية:

التملك بين الأحياء
أو تقرير الحقوق العينية العقارية

1 - في العقود المنشئة:
1/ العقود بعوض:
( أ ) القاعدة القديمة:
العقد المنشئ للحق العيني العقاري (وهنا العقد بعوض) ملزم للطرفين بمجرد حصول الاتفاق عليه، وإن كان شفويًا صح أيضًا على شرط الإقرار به، وأما عند إنكاره فيرجع إلى قواعد الإثبات، فإن كانت قيمته عشرة جنيهات فأقل جاز إثباته بجميع أوجه الإثبات، وإن زاد فلا بد فيه من الكتابة، أي عقد مثبت للتعاقد كل الإثبات، أو ورقة تصح أن تكون مبدأ دليل بالكتابة، مع ملاحظة الإقرار واليمين.
والحقوق العينية العقارية هي المسماة بالمادة 611/ 737 مدني أي الملكية والحقوق العقارية القابلة للرهن الرسمي كحق الانتفاع، وحق الارتفاق وحق السكنى وحق الاستعمال، والرهن الحيازي العقاري، ولا يصح التعاقد عن هذه الحقوق قبل الغير إلا إذا تسجل العقد، فالعقد غير المسجل أو المسجل نافذ على طرفيه، وغير المسجل غير نافذ على الغير، ويراد بالغير هنا من اكتسب حقًا عقاريًا من هذه الحقوق المعينة بالمادة (611) المتقدمة وسجل عقده قبل تسجيل عقد المكتسب الأول، وعلى شرط أن يكون حسن النية، أي لا يعلم علمًا أكيدًا بسبق تصرف المملك له، أو كان من باب أولى غير متواطئ معه. ومع عدم نفاذ العقد غير المسجل على الغير فهو نافذ على طرفيه، فإن كان العقد عن بيع صح البيع بين الطرفين ولا يصح بالنسبة للغير وهو المشتري الثاني، أي يعتبر المشتري الأول مالكًا وغير مالك: مالكًا بالنسبة للبائع له، وغير مالك بالنسبة للغير، وهو في النهاية غير مالك، لأن البيع الأول يستحيل إلى تعويض لاستحالة تقرير حقي ملكية على عقار واحد، إلا من طريق الشيوع، ولا شيوع هنا لأن كل مشترٍ أراد امتلاك العقار كله وحده.
(ب) القانون الجديد:
قرر مشروع السجلات العقارية سنة 1904 (المادة 17) بأنه لا بد من إثبات الاتفاق بعقد رسمي، وإلا فلا قيمة للعقد العرفي من أي وجهٍ ما، حتى ولا من جهة المطالبة بتعويض، وجاء الشارع بقانون التسجيل الجديد سنة 1923 ورأى عدم الأخذ بهذه القاعدة وقرر صحة التعاقد العرفي، إنما اشترط في تسجيل هذا العقد أن يكون مصادقًا فيه على إمضاءات المتعاقدين (المادة 6) بحيث إذا لم يكن هناك مصادقة فلا يجوز التسجيل، ورأى الشارع ضمانًا لتمام العقد وعدم تعريضه للنقص الذي يعيبه أن يعين البيانات التي يجب توافرها في العقد (المادة 3) وأشار على الحكومة بضرورة وضع نماذج لهذا الغرض (المادة 5)، وعند حصول خلاف وقت التسجيل بشأن البيانات رأى الشارع جواز طرح النزاع على قاضي الأمور الوقتية للفصل فيه، مع المحافظة على نمرة العقد المسلسلة التي أُعطيت وقت تقديمه للتسجيل وعند حصول النزاع (المادة 4).
وقرر الشارع بالمادة الأولى بأنه لا بد من التسجيل لنقل الحق العيني العقاري بين الطرفين، ومن باب أولى بالنسبة للغير، إلا أنه قرر هنا، وهو يخالف في ذلك مشروع السجلات العقارية، بأنه (لا يكون للعقود غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين المتعاقدين) ورأى الشارع أن يأخذ بنظرية الحكومة المصرية في مناقشتها للجنة الدولية عند تحضير مشروع السجلات العقارية سنة 1904، في أنها أخذت بما قرره القانون الألماني الصادر في 15 مايو سنة 1872 (المادة 873) بأن العقد الذي لم يتحرر بشكل رسمي لا يفقد جميع مزاياه ونتائجه بالمرة، إنما يفقد مزية نقل الحق العيني ويبقى له أثر بعد ذلك، بمعنى أنه ينشأ عنه مجرد التزامات بين الطرفين، بحيث يجوز للمشتري مقاضاة البائع ومطالبته بتعويضات إذا أبى تحرير الاتفاق بعقد رسمي، أو مقاضاته لأجل الحصول على حكم يقوم مقام العقد الرسمي حتى يستطيع قيده بالسجلات العقارية (الأموال لنا صـ 870 ن 594 - جرانمولان في التأمينات صـ 281 ن 949 الحاشية 02 - الأموال صـ 889 ن 606).
ولقد أراد الشارع الحاضر بقانون التسجيل أن يجعله تمهيدًا لنظام السجلات العقارية، ورجع في تقرير قاعدة شرط التسجيل في انتقال الحق العيني العقاري بين الطرفين، إلى أسباب عملية محلية وإلى أسباب علمية قانونية، أما الأولى فلأنه لاحظ أن الأفراد يكتفون بإثبات تاريخ العقد وهم يعتقدون بذلك بأن الملكية انتقلت بالنسبة للغير، والحقيقة على خلاف ذلك، إذ الملكية لا تنتقل بالنسبة للغير إلا بالتسجيل، وأما بالنسبة للأسباب العلمية القانونية، فلأن التعاقد العيني يولد حقًا عينيًا عقاريًا ليس فقط حجة على الطرفين، بل هو حجة على الكافة، بخلاف الحق الشخصي فإنه حجة على الطرفين فقط، وما دام أثر الحق العيني يتعدى طرفيه إلى الغير وجب أن يكون معلومًا من طريق حتمي لدى الغير، ولا يكون هذا العلم الحتمي إلا من طريق التسجيل الحتمي (انظر المذكرة الإيضاحية لقانون التسجيل الجديد بمجلة المحاماة المجلد 3 صـ 459 و460 العامود الأول والثاني - انظر الأموال لنا صـ 862 الحاشية 2).
وعندما نوقشت المادة الأولى من قانون التسجيل الجديد قرر موسيو (برناردي) بأن العقد غير المسجل لم يخرج عن كونه وعدًا بالالتزام بنقل الملكية وإلا لزم بالتعويض (انظر محضر جلسة 20 نوفمبر سنة 1922 من محاضر اللجنة الخاصة والمكلفة بتحضير قانون التسجيل، ولم تُنشر هذه المحاضر على الأفراد - الأموال لنا صـ 893 الحاشية 1، وانظر محاضرته المنشورة بمجلة مصر الحديثة سنة 918 صـ 200) وقرر موسيو بيولا كازللي بأنه يلفت نظر أعضاء اللجنة إلى النص القديم الموضوع سنة 1904 القائل (بأن الملكية لا تنتقل بين الطرفين وبالنسبة للغير إلا بالتسجيل، على أن مجرد اتفاق الطرفين يجعل المشتري الظاهر acquéreur apparent بمثابة دائن لا يجوز له فقط حق المطالبة بتعويض عند عدم حصول القيد رسميًا، بل يجوز له حق رفع دعوى للحصول على حكم يحل محل العقد الرسمي ويجوز تسجيله) 22 وأقر بيولا كازللي صحة وجهة النظر هذه فيما يتعلق بقانون التسجيل الجديد، وقرر المرحوم عبد الحميد باشا مصطفى بالجلسة بأنه بعد أن تقررت قاعدة أن الملكية لا تنتقل بين الطرفين إلا بالتسجيل، يصح ترك الفصل فيما يتفرع عن هذه القاعدة من الإشكالات للقضاء نفسه (راجع محضر جلسة 20 نوفمبر سنة 1922 السابق - الأموال صـ 893 الحاشية 1).
(جـ) القاعدة الصحيحة المستفادة من المادة الأولى من قانون التسجيل:
بعد أن استعرضنا الأعمال السابقة على وضع قانون التسجيل الجديد والأعمال التحضيرية له المستفادة تارة من المذكرة الإيضاحية وطورًا من محاضر جلسات اللجنة الخاصة، نرى أن نقرر هنا بأن العقد المنشئ لحق عيني عقاري بيعًا كان أو رهنًا حيازيًا أو بدلاً، ملزم لطرفيه حتى ولم يحصل تسجيل، ولنأخذ البيع مثلاً في إيضاح ذلك:
إذا انعقد عقد البيع ولم يحصل تسجيل اعتبر البائع مع ذلك بائعًا والمشتري مشتريًا، وترتبت على العقد جميع النتائج القانونية المستفادة قانونًا من العقد، فيجوز للبائع مطالبة المشتري بالثمن، ولا يجوز للمشتري الاحتجاج بعدم انتقال الملكية بسبب عدم التسجيل، لأن التسجيل من عمل المشتري، ولا يصح أن يقرر لنفسه حقًا أو دفعًا exception بإهماله أو خطأه بوجه عام أو بعمل منسوب له حتمًا.
كذلك يجوز للمشتري مطالبة البائع بتسليمه العقار وضمانه فيه إذا استحق للغير، وليس للبائع الاحتجاج بعدم تسجيل العقد، ذلك التسجيل الذي هو من حق المشتري وحده، وشرع التسجيل في القانون الجديد لأجل نقل الملكية فقط (أو بعبارة أخرى لأجل تقرير الحق العيني العقاري المعينة أنواعه بالمادة 611/ 737 مدني) ولم يؤثر التسجيل بوجهٍ ما على الآثار القانونية المترتبة على العقد بالذات، وهي الحقوق والواجبات التي تنشأ عن العقد لكل من طرفيه، أي أن قانون التسجيل لم يَفْتَتْ في البيع إلا على نقل الملكية فقط، وأما البيع في ذاته وأحكامه وآثاره وما ينشأ عنه من واجبات وحقوق، فالكل قائم لم يؤثر عليه التسجيل بشيءٍ ما، والبيع على هذا الاعتبار يظل كما كان من قبل من العقود الرضائية contrats consensuels ولم ينقل إلى عقد شكلي contrat solennel أي يتم العقد بالتعاقد عليه سواء حصل التعاقد شفويًا أو بالكتابة، إنما لا تنتقل الملكية إلا بالتسجيل، أي أن الأوضاع الشكلية formalisme انصبت فقط على نقل الملكية ولم تتعدها إلى غيرها.
(د) التسجيل الحاضر من الأوضاع الشكلية:
قلنا بأن الملكية لا تنتقل إلا بالتسجيل، وللتسجيل طرق بقيود خاصة لا بد من حصولها حتى تنتقل الملكية ويترتب على ذلك ما يأتي:
1 - لا يجوز للقاضي أن يحكم بانتقال الملكية بل يحكم فقط في النزاع العقاري المطروح أمامه بصحة التعاقد، سواء حصل التعاقد شفويًا وثبت بأوجه الإثبات القانونية، أو حصل بالكتابة كأن كانت مبدأ دليل بالكتابة، كل ذلك لأن الإجراءات الشكلية فيما يتعلق بالتسجيل لا بد من حصولها بالطرق والقيود المقررة بالقانون، ولا يملك القاضي أن يحكم بعدم الخضوع لها.
2 - ما دام أن العقد نافذ على طرفيه جاز للمشتري ولو لم يكن بيده عقد قاطع، مقاضاة مدينه بصحة التعاقد للحصول على حكم لأجل تسجيل هذا الحكم، لأن التعاقد في ذاته صحيح ولأن الحكم يحل محل العقد الكتابي.
3 - إذا أبى البائع الحضور أمام الموظف الحكومي للمصادقة على إمضائه طبقًا للمادة (6) من قانون التسجيل جاز للمشتري رفع دعوى إثبات صحة الإمضاء أخذًا بالأحكام المقررة بقانون المرافعات (المواد (251) وما بعدها) ثم يضم الحكم الصادر بصحة التوقيع على العقد ويقدمهما لقلم التسجيل، أو يرفع الدعوى بصحة التعاقد، ثم يسجل العقد مع الحكم.
وما دام أن العقد قبل تسجيله نافذ على الطرفين فإنه تترتب على ذلك الأحكام الآتية فيما يتعلق بالهلاك والأثر الرجعي للتسجيل.
(هـ) الهلاك وقانون التسجيل الجديد:
ولو أن الملكية في البيع تنتقل بحكم القانون المدني بمجرد تمام التعاقد إلا أن هلاك المبيع على البائع قبل تسليم المبيع للمشتري (المادة 297/ 371 مدني) وهل تتأثر نظرية الهلاك بقانون التسجيل الجديد؟ أو بعبارة أخرى، إذا حصل البيع ولم يحصل تسجيل العقد، ولكن حصل تسليم العقار للمشتري، وهلك العقار في يد المشتري، فهل الهلاك على البائع باعتباره لا زال مالكًا لسبب عدم تسجيل عقد البيع، أم الهلاك على المشتري ولو أنه غير مالك؟ نرى أن الهلاك على المشتري للأسباب الآتية:
أولاً: لأن نظرية الهلاك المقررة في القانون المدني لم يمسها قانون التسجيل بشيءٍ ما، فإذا تم العقد كتابةً وتسجل ولم يحصل تسليم فالهلاك على البائع حتمًا، وأما إذا لم يتسجل العقد فإن للمشتري حقوقًا على العقار وقد استلمه بالفعل والواقع وقبض البائع الثمن وانصرف لحال سبيله، وأصبح حصول التسجيل أمرًا معقودًا برغبة المشتري إن شاء سجل وإن شاء فلا يسجل، وهو في الحالين حائز للعقار وذو حق عليه، وإن لم يسجل فإما أن يكون السبب لخطأ من جانبه وإما لسبب قهري، فإن كان الأول فلا يصح أن يرجع، والعقار تحت يده، على البائع لسبب إهماله هو أي إهمال المشتري، وإن كان السبب قهريًا أو جبريًا فإنه يجب عليه أن يتحمله هو لأنه خاص به لا بغيره (الأموال لنا صـ 896 - 901 ن 613).
(و) الأثر الرجعي للتسجيل:
ما دام أن للمشتري حقوقًا مؤكدة قِبل البائع قبل التسجيل فهو في حل من الانتفاع به واستغلاله، بل والتصرف فيه، وفي ذلك لا يزاحمه أحد، وتصرفاته نافذة، وإذا تصرف البائع في العقار لمشترٍ حسن النية صح تصرفه ونفذ على المشتري غير المسجل، وطالما لم يعتد البائع على حقوق المشتري، يظل هذا الأخير في حل من التصرف في عقاره.
فإذا جاء المشتري واشترى بعقد غير مسجل في 10 يناير ولم يسجل إلا في 20 يناير اعتبرناه مالكًا من 10 لا من 20 طالما أنه لم يتقرر للغير حق عليه من جانب البائع، فإذا باع البائع لمشترٍ ثانٍ بعقد في 15 يناير وسجل المشتري الثاني حسن النية في 15 يناير نفذ عقده على عقد المشتري الأول الذي لم يسجل إلا في 20 يناير.
وإذا رهن المشتري الأول عقاره (أو باع جزءًا منه) في 15 يناير وتسجل عقد الرهن في 15 يناير، ولم يتسجل عقد البيع إلا في 20، وجب اعتبار الدائن المرتهن صاحب حق لا من تاريخ 20 وهو تاريخ تسجيل عقد الراهن له، بل من تاريخ 15.
ولا محل البتة للقول بالأثر اللارجعي ما دام أنه لم يترتب ضرر للغير، وما دام أن العقد في يد المشتري يقرر له حقوقًا مع عدم تسجيله، وأما إذا قيل بعدم الأخذ بالأثر الرجعي لترتب على ذلك أن الدائن المرتهن الذي سجل في 15 يناير يلزم بعمل تسجيل آخر في 20 يناير لأن المدين الراهن لا يعتبر مالكًا إلا من هذا التاريخ، وفي ذلك أضرار عملية تنزل بالأفراد على غير جدوى، إذا أريد بها مجرد المنطق البحت، ويجب أن يخضع المنطق للضرورات العملية لا أن تخضع الضرورات العملية للمنطق البحت (الأموال صـ 917 - 920 ن 627).
(ز) السبب الصحيح:
هل العقد غير المسجل يعتبر سببًا صحيحًا في التقادم الخمسي؟
السبب الصحيح هو نفس التعاقد، أي العملية القانونية الملزمة، كالبيع، أي حصول التعاقد بين البائع والمشتري، فإذا جهل المشتري ملكية البائع جهلاً معذورًا فيه بعد أن يكون قد قام بعمل ما يمكن من الوسائل للوقوف على الحقيقة، تملك العقار بخمس سنوات من تاريخ العقد ثابت التاريخ، وشرط ذلك أن يكون العقد المملك في ذاته صحيحًا وعقدًا مملكًا تمليكًا قانونيًا لا تشوبه شائبة تعيبه، فإذا اشترى من قاصر مالك فلا يتملك المشتري بالتقادم الخمسي، لأن عقد التمليك لا يملك لأنه مشوب فهو غير قادر على التمليك.
وبوجه آخر إن كان عقد التمليك صحيحًا في ذاته، صح التملك بالتقادم الخمسي، وإن كان غير صحيح فهو إما أن يكون باطلاً بطلانًا مطلقًا وإما بطلانًا نسبيًا، فإن اشترى من بائع قاصر عقارًا لا يملكه تملك المشتري بالتقادم الخمسي ضد المالك الحقيقي، لأن شائبة القصر يستفيد منها القاصر وحده، ولا محل للاستفادة ما دام أنه غير مالك، وإذا وهب الواهب عقارًا بعقد عرفي فلا يتملك الموهوب له العقار بالتقادم الخمسي، لأن العقد ولد باطلاً بطلانًا أصليًا، أو ولد ميتًا، ففي الحالة الأولى البطلان نسبي، وفي الحالة الثانية البطلان مطلق.
إذا علم ذلك فما القول بشأن عقد البيع غير المسجل؟ فهل يلحق من حيث نقل الملكية بالعقد الباطل بطلانًا مطلقًا أم بالعقد الباطل بطلانًا نسبيًا؟ إن هذا العقد لا ينقل الملكية من غير تسجيل فهو لذلك يلحق بطائفة العقود الباطلة بطلانًا مطلقًا من حيث نقل الملكية، وفوق ذلك فإن السبب الصحيح المملك بالتقادم الخمسي هو كما قلنا العملية القانونية الصحيحة في ذاتها والتي تملّك وحدها، أي العمل القانوني acte juridique الذي توافرت فيه شروط صحته وأركان وجوده، وأما وعقد البيع وقد نقصه التسجيل فيصبح وقتئذٍ غير صالح للتمليك، أي لا يصلح أداة قانونية صالحة للتملك بالتقادم الخمسي، وعلى ذلك لا يحصل التملك بالتقادم الخمسي عند عدم تسجيل عقد البيع، إنما يتم التملك بالتقادم الطويل بمدة خمس عشرة سنة.
(ح) الرهن الحيازي العقاري وقانون التسجيل الجديد:
ينعقد الرهن الحيازي العقاري immobilier gage بالإنفاق عليه طبقًا للقواعد العامة، ولا بد فيه من نقل الحيازة من يد الراهن إلى يد المرتهن، وإذا لم تحصل اعتبر عقد الرهن لدى المرتهن وعدًا من قِبل الراهن بنقل الحيازة تجوز فيه مقاضاته وإلزامه بالتسليم، والعقد نافذ على الطرفين دون قيد آخر، ولا ينفذ العقد على الغير إلا إذا كان مسجلاً، مع انتقال الحيازة حتمًا (المادة 550/ 674 مدني الملغاة بقانون التسجيل الجديد والمادة 611/ 737 الملغاة أيضًا) وبمقتضى قانون التسجيل الجديد لا يتقرر الحق العيني العقاري للدائن المرتهن بسبب العقد إلا بالتسجيل سواء كان ذلك بالنسبة للمدين الراهن أو بالنسبة للغير من باب أولى، وما الحكم الآن في عقد رهن لم يتسجل؟ هل يبطل باعتباره رهنًا ويستحيل في الحال إلى تعويض، أو حكمه من الوجهة القانونية حكم عقد البيع غير المسجل؟ إن القاعدة التي قررناها بشأن عقد البيع غير المسجل واحدة في جميع العقود الخاصة بالحقوق العينية العقارية المعينة بالمادة (611) مدني، ومعنى ذلك أن عقد الرهن قبل التسجيل هو عقد رهن قانوني صحيح ملزم، ولكن ينقصه تقرير حق عيني عقاري، وهو الحق الذي لا يتقرر إلا بالتسجيل وحده، وما دام العقد قبل تسجيله ملزم قانونًا وتترتب عليه حتمًا الحقوق والواجبات الناشئة عنه، فيجوز حينئذٍ للدائن مطالبة المدين بتسليمه العقار، كما أنه يجوز للمدين مطالبة الدائن بدفع مبلغ القرض، وإذا كان للدائن المرتهن حق مقرر على العقار قِبل المدين الراهن، وهو ما يسميه الأستاذ دوجي بالحالة المكتسبة situation acquise، فلا يجوز للمدين، من طريق التواطؤ مع الغير، أو لعلم الغير علمًا أكيدًا سبق وجود حق الدائن المرتهن، الافتيات على هذا الحق، فإذا باع المدين العقار بعد رهنه وقبل تسجيله وكان المشتري متواطئًا معه، فلا ينفذ عقد المشتري على الدائن المرتهن إلا وهو محمل بالرهن، وبوجه عام لا ينفذ العقد الصادر من المدين على المرتهن ما دام العقد متعلقًا بحق عيني عقاري خاضع للتسجيل.
(ط) الوعد بالبيع:
تقرر المادة (1589) مدني فرنسي بأن الوعد بالبيع يعتبر بيعًا متى كان هناك تراضٍ على الثمن والمبيع، والوعد هنا هو الوعد المتبادل بين البائع والمشتري، وأورد الشارع الفرنسي هذا النص قطعًا للخلاف الذي كان قائمًا قديمًا بشأن الوعد بالبيع، ويرى فقهاء الشريعة الإسلامية أنه لا يصح تعليق البيع بحادثة مستقبلة كما لا يصح إضافته إلى وقت مستقبل، وبما أن في الوعد بالبيع ما يستفاد منه إضافة البيع إلى وقت مستقبل، فالبيع على هذه الصورة غير صحيح، ولم ينقل الشارع المصري المادة الفرنسية التي كاد يجمع الشارحون الفرنسيون لها على أن الشارع الفرنسي ما كان في حاجة إلى وضعها، ويرى الفقه والقضاء بمصر الأخذ بالمادة الفرنسية (انظر عكس ذلك بني سويف الكلية في 15 سبتمبر سنة 1919م ر 1، 21 رقم 96) ومتى تقرر ذلك وجب حينئذٍ تسجيل عقد الوعد بالبيع، إن كان الوعد تبادليًا، حتى تنتقل الملكية بين الطرفين، متى تقرر أن الوعد المتبادل بالبيع تمليك حال للمشتري (ويرى بلانيول ج 2 ن 1400 أن الوعد لا ينصرف إلا إلى طرف واحد، لا إلى الطرفين) وإذا لم يتسجل عقد الوعد بالبيع جاز لكل من الطرفين مطالبة الآخر بالالتزامات الشخصية المترتبة على البيع التام النافذ، بحيث لا يستحيل الالتزام الشخصي إلى تعويض إلا إذا أصبح من المستحيل تنفيذ الالتزام الشخصي الناشئ عن العقد بالذات.
(ي) في قاعدة حصر الأوراق الخاضعة للتسجيل:
بيّن الشارع بالمواد (611) - 613/ 737 - (739) مدني العقود الخاضعة للتسجيل، فبيّن بالمادتين (611) و(612) العقود الخاصة بالحقوق العينية العقارية، وبالمادة (613) بيّن العقود الخاصة بالحقوق الشخصية، وهي عقود الإيجار الزائدة عن 9 سنوات ومخالصات الإيجار عن مدة تزيد عن 3 سنوات، والمستفاد من تعيين العقود الخاضعة للتسجيل، أن التسجيل أمر استثنائي لا يجوز الأخذ فيه بالتوسع، وعلى ذلك تعتبر العقود المبينة بالمواد المذكورة واردة على سبيل الحصر، لا على سبيل التمثيل (كتاب الأموال لنا صـ 836 ن 577، وانظر الرأي العكسي المنعزل وحده بكتابنا المذكور صـ 837 الحاشية الأولى) فإذا تسجلت عريضة الدعوى فلا يعتبر مجرد تسجيلها حجة على الغير، ويعتبر التسجيل حجة إذا ثبت علم الغير به، مهما كانت طريقة العلم، سواء كان العلم حاصلاً من الاطلاع على السجلات، أو كان حاصلاً من طريق السماع الأكيد ولما عرض مشروع التسجيلات العقارية على اللجنة الدولية قررت في مشروعها الأخير الموضوع سنة 1904 بالمادتين (14) و(15) تعيين العقود الخاضعة للتسجيل (الأموال صـ 869 - 5) وقررت أولاهما ما يأتي:
المادة (14) من مشروع السجلات العقارية:
(يجب إشهار الأوراق الآتية بواسطة قيدها بالسجلات العقارية:
1 - العقود والاتفاقات بين الأحياء بعوض أو بغير مقابل، والأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه والتي تقضي بنقل حق عيني عقاري أو تقريره أو تعديله أو انقضائه.
2 - العقود والأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه، والمتعلقة بكيفية الاستفادة من حق ارتفاق مقرر بالقانون وكيفية تقرير التعويض المقدر لحق الارتفاق.
3 - العقود المتعلقة بإنشاء الوقف أو إبطاله عن العقارات، أو المتعلقة بتعديله، والأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه والمتعلقة بالوقف.
4 - العقود المتعلقة بالحكر والحقوق المشابهة له الخاصة بالوقف، من حيث إنشاء هذه الحقوق أو تعديلها أو تحويلها أو انقضائها؛ وكذلك الأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه والمقررة لهذه الحقوق) (أ هـ).
المادة (15) من مشروع السجلات العقارية:
(كذا يصير إشهار الأوراق الآتية:
1 - عقود الإيجار الزائدة مدتها عن تسع سنوات، وعقود الإيجار التي تقل مدتها عن هذه المدة، وتجديدها وذلك فيما إذا انصرفت إلى نية التصرف في استغلال العقار لمدة زمانية يزيد أجلها عن السنة التاسعة وذلك من تاريخ انعقاد هذه العقود.
2 - العقود والأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه، والخاصة بتحويل مبلغ تزيد قيمته عن إيجار مدة ثلاث سنوات لم تحل بعد.
3 - تنبيهات نزع الملكية في حالة الحجز العقاري.
4 - الأحكام القاضية بالإفلاس إذا كان ضمن ما يملكه المفلس حقوق عينية عقارية) (أ هـ) (ترجمة المادتين من عندنا نحن).
وقررت المادة الأولى من قانون التسجيل الجديد ما يأتي: (جميع العقود الصادرة بين الأحياء بعوض أو بغير عوض والتي من شأنها إنشاء حق ملكية أو حق عيني عقاري آخر أو نقله أو تغييره أو زواله، وكذلك الأحكام النهائية التي يترتب عليها شيء من ذلك، يجب إشهارها... إلخ).
وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون بشأن هذه الحقوق العينية العقارية ما يأتي:
(3 - أما فيما يتعلق ببيان العقود الواجبة التسجيل فإن المواد (733) و(738) و(739) من القانون المدني المختلط (وهي المقابلة للمواد (611) و(622) و(613) مدني أهلي) ليست عبارتها عامة بالقدر الكافي، كما أنها ليست دقيقة Précis ولذلك كانت موضوع مناقشات هامة لمعرفة ما إذا كان بعض العقود المعينة يجب تسجيلها أولاً... والنص المقترح مبني على أحكام المادتين (14) و(15) من مشروع اللجنة الدولية المشكلة سنة 1904..) (أ هـ).
فهل بعد ذلك كله يستفاد من التعميم في الحقوق العينية العقارية الواردة بالمادة الأولى من قانون التسجيل الجديد، ومن الإشارة بالمذكرة الإيضاحية إلى رجوع الشارع للمادتين (14) و(15) من مشروع السجلات العقارية، أن الشارع أراد بهذا التعميم الأخذ بالحقوق العينية العقارية المقررة بالمادة (14) من مشروع السجلات العقارية وعدم الوقوف عند التعداد للحقوق الوارد بالمواد (611) - 613/ 737 - (739) مدني؟ نظن السلب في الجواب، ونرى أن الحقوق العقارية الخاضعة للتسجيل هي المبينة بالمواد المدنية (الأموال صـ 912 ن 622) وراعينا على الأخص أن الحقوق العينية معينة بالقانون (المادة 5/ 19 مدني) لما في التعميم من التجهيل الخطر على الأفراد.
(ك) تقديم عقار في شركة بمثابة حصة للشريك:
للشريك أن يقدم عقارًا للشركة في مقابل حصته (المادة 424/ 516 مدني) ويتم انتقال الملكية للشركة بمجرد تمام الاتفاق، وهلاك العقار على الشركة قبل التسليم (المادة المذكورة) برغم اعتبار هذا الاتفاق بيعًا (المادة 425/ 517 مدني فيما يتعلق بحق الضمان) وبرغم القاعدة القائلة بجعل الهلاك على البائع قبل التسليم (المادة 297/ 371 مدني).
هذا في عهد القانون المدني، وأما في عهد قانون التسجيل فإن الملكية لا تنتقل للشركة إلا بالتسجيل، ومع عدم حصول التسجيل يجوز للشركة مطالبة العضو بالتسليم إذا لم يتقرر حق عيني آخر للغير حسن النية، أي مطالبة العضو بما اشتغلت به ذمته من الالتزامات الشخصية، ونرى أن الهلاك هنا أيضًا على الشركة حتى قبل التسجيل، أخذًا بما قررناه بنظرية الهلاك، وقبل التعليم أخذًا بالقانون المدني.
(ل) التخارج وقانون التسجيل:
التخارج تمليك من الوارث لبقية الورثة بإسقاط حقوقه في التركة إليهم في مقابل جعل معين، وما دام التخارج تمليكًا فلا بد أن يخضع لأحكام التسجيل بالنسبة للغير، وعلى ذلك لا يسري التخارج على الغير، ولا يتمسك به الورثة الصادر لهم، إلا بتسجيله، قبل أن يتقرر للغير حق عيني عقاري على عقار معين بمعرفة الوارث المتخارج، على أن القضاء المختلط يميز بلا حق بين التخارج الحاصل عن عقار معين، والتخارج الحاصل عن نصيب الوارث برمته، فإن كان الأول كان لا بد من التسجيل، وإن كان الثاني فلا، وحجة القضاء أن بيع الحصة في التركة بيع يحكي بيع الشريك لحصته في الشركة، أي بيع لحق دائنيه driot de créance وهذا التمييز غير صحيح في نظرنا، لأن التركة ليست شخصًا معنويًا بمال خاص تملكه هي دون الورثة، كما هو الحال في الشركات.. هذا من الوجهة العلمية النظرية، ومن الوجهة العملية، لا فرق بين عقار يباع من الوارث مع منقولات وعقارات أخرى (أي بيع الوارث لحصته في التركة) وبين بيع عقار واحد، ما دام أن مخاطر الإخفاء والتستر حاصلة عند عدم حصول إشهار بيع الحصة (الأموال لنا صـ 828 وما بعدها وصـ 909 ن 620) إذ كيف يعلم المشتري لعقار من الوارث المتخارج أن العقار بيع منفردًا أو مع عقارات ومنقولات أخرى إلا بالتسجيل؟
(م) استرداد الحصة المبيعة والمادة (462) مدني:
إذا باع أحد الشركاء في شركة أو أحد الورثة في تركة نصيبه لأجنبي جاز للشريك أو الوارث الآخر (أو الشركاء أو الوارثين الآخرين) حق استرداد المبيع من الأجنبي بعد دفع الثمن والمصاريف (المادة 462/ 561 مدني) ولا يحول دون ذلك تسجيل المشتري لعقده، ولأن حق المسترد محفوظ بالقانون نفسه، ويجب على المشتري أن يعرف أن هذا الحق مقرر للمسترد، وأنه لا يسقط عنه إلا بمرور 15 سنة (الأموال صـ 830 ت 573).
وفي عهد قانون التسجيل يجوز للمسترد استرداد العقار حتى ولو لم يسجل المشتري عقده لأنه إنما يريد من الاسترداد الحصول على الحقوق، التي تقررت للمشتري قِبل البائع، وهي الحقوق المستفادة من الالتزامات الشخصية المنوه عنها بالمادة الأولى من قانون التسجيل، ومتى حكم للمسترد باسترداد العقار وسجل الحكم انتقلت الملكية إليه، وكذلك يجوز للمسترد الاسترداد حتى ولو كان عقده هو غير مسجل، والعلة واحدة في الحالتين.
(ن) الشفعة وقانون التسجيل:
الحالة الأولى: عقد المشتري غير مسجل:
فهل تجوز الشفعة أم لا تجوز؟ نرى أن الشفعة جائزة، وأيدنا القضاء في ذلك بأحكام ثلاثة (انظر كتابنا في الأموال صـ 70 ن 512 الحاشية الأولى) وحكمين جزئيين (المحاماة المجلد 6 صـ 531 رقم 354 - وصـ 648 رقم 361) وخالفنا حكم واحد (الأموال صـ 706 الحاشية الأولى)، وأدلتنا على صحة جواز الأخذ بالشفعة ما يأتي:
الأدلة المستفادة من قانون التسجيل:
1 - عقد المشتري غير المسجل يجعله في نظر القانون مشتريًا، فله مطالبة البائع بتسليم العقار، ومطالبته بحق الضمان، وليس للبائع كما قررنا حق الاعتراض بعدم تسجيل العقد، لأن التسجيل شرع لمصلحة المشتري، ولأنه لا يجوز للبائع العمل على معاكسة المشتري في التسجيل وعدم تمكينه منه 0 - 2) إن التسجيل في مصلحة المشتري، فإذا لم يُجْرِه هذا الأخير عمدًا أو إهمالاً منه فلا يجوز للبائع الاستفادة من ذلك - 3) إن الالتزامات الشخصية المستفادة من المادة الأولى من قانون التسجيل تنصرف إلى الواجبات والحقوق المستفادة من طبيعة العقد، وعلى ذلك فالعقد بين الطرفين قائم وقد أنتج جميع نتائجه القانونية إلا نتيجة نقل الملكية، إذ لا يحصل ذلك إلا بالتسجيل 0 - 4) إن البيع وما يترتب عليه شيء، والتسجيل شيء آخر، ولا بد من فصل الاثنين، لأنه بالعقد تتقرر حقوق وواجبات لكل من الطرفين، وبالثاني تنتقل الملكية فقط.
الأدلة المستفادة من الشفعة:
1 - يتقرر حق الشفعة للشفيع بشروط قبل وبعد البيع، أما قبل البيع فهي شروط الجوار وحقوق الارتفاق والتملك على الشيوع وغير ذلك، وأما بعد البيع فلا بد من إظهار الرغبة في الأخذ بالشفعة في ظرف 15 يومًا من وقت العلم بالبيع (لا من وقت تسجيل عقد البيع كما حكمت خطأ بذلك محكمة الإسكندرية المختلطة في 28 فبراير سنة 1925 الجازيت المجلد 15 صـ 242 رقم 366) ولا بد من رفع دعوى الشفعة في ظرف 30 يومًا من وقت وصول إنذار الشفعة إلى المشتري والبائع، فإذا جاء الشفيع وأنذر المشتري والبائع اعتُبر مالكًا للعقار من وقت وصول الإنذار لهما لا من وقت الحكم (على عكس ما يقول به القضاء: الأموال صـ 737 والحاشية 2) لأنه إن وافقه المشتري على إعطائه بالشفعة تم العقد بمجرد حصول رضائه، وإذا لم يحصل رضاؤه تدخل القضاء في الأمر وقضى بالشفعة لا من وقت الحكم بل من وقت وجوب حصول الرضاء من جانب المشتري، ولأن الأحكام كلها مؤيدة للحقوق، لا منشئة لها، ما عدا حكم مرسي المزاد المنشئ (وهناك حكم مرسى مزاد واحد مؤيد وهو فيما إذا رسا المزاد على الغير الحائز للعقار tiers détenteur إذا قام هذا الحائز بعملية التطهير purge وأباها عليه الدائنون المرتهنون فزادوا عشر الثمن وأودعوا خمس الثمن: راجع كتابنا في التأمينات صـ 215 ن 191).
2 - قلنا إن المشتري غير المسجل مالك على شرط التسجيل، أي أن عقده من حيث التمليك عقد معلق على شرط، وبتحقق الشرط، وهو التسجيل، تنتقل الملكية، وللشرط هنا أثر رجعي عند تحققه، على شرط أن لا يضر بحق تقرر للغير بحسن نية من جانب البائع، وما دام أن عقد المشتري من حيث نقل الملكية، عقد معلق على شرط، جازت الشفعة، إذ يصبح للشفيع بعد الحكم بالشفعة حقًا معلقًا على شرط أيضًا، فإذا سجل الشفيع حكم الشفعة انتقلت الملكية إليه، وإلا فلا تنتقل مع بقاء العقار تحت يده، وهو لا يخشى خروجه من يده ما دام سبق له أن سجل إنذار الشفعة تسجيلاً أهليًا ومختلطًا، على أنه عند عدم تسجيل الحكم القاضي بالشفعة، فإنه يخشى عليه من تصرف البائع ثانيًا في العقار لمشترٍ آخر حسن النية، لأن تسجيل إنذار الشفعة تسجيل شخصي بالنسبة للمشتري فقط، ولم يكن شخصيًا بالنسبة للبائع، فمن يريد أن يشتري من المشتري يجد إنذار الشفعة مسجلاً فيمتنع عن الشراء، أما من يريد الشراء ثانيًا من البائع فلا يجد أثرًا لتسجيل إنذار الشفعة ضده (والمواد (9) و(12) و(14) من قانون الشفعة تفيد أن تسجيل الإنذار يحصل ضد المشتري) ولكن إذا علم المشتري الثاني من البائع، إذا علم بسبق تصرف البائع في العقار للمشتري الأول، وعلم بأي طريقة إما علمًا أكيدًا، أو كان متواطئًا مع البائع، فلا ينفذ عقده على المشتري الأول، وعلى ذلك تصح الشفعة، أما إذا اشترى من البائع بحسن نية نفذ عقده على المشتري الأول، وعلى ذلك تبطل الشفعة في مواجهة المشتري الأول، وتصح بإجراءات جديدة في مواجهة المشتري الثاني، ومن الذي يتحمل بمصاريف دعوى الشفعة الأولى، الشفيع أم المشتري الأول؟ المسؤولية هنا ترجع للخطأ، فمن ثبت الخطأ من جانبه أصبح مسؤولاً، أما المشتري الأول فلا خطأ من جانبه، لأنه ليس ملزمًا قبل الشفيع بأن يسجل عقده حتى يمكنه من حقه، إذ لا يجوز إكراه أحد على أن يقوم بعمل إيجابي تأييدًا لحق الغير، إنما يلزم فقط في أن يلتزم حالة سلبية إزاء هذا الغير بشأن حق هذا الأخير، وما دام لا مسؤولية على المشتري الأول، فيجب أن يتحمل الشفيع وحده بالمصاريف، لأنه هو الذي قام بها في سبيل تحقيق حق له، وأما وقد فشل في تحقيقه، عليه أن يتحمل نتائج عمله وحده.
3 - أن الشفيع لا يعتبر أنه أخذ العقار من المشتري، إنما يعتبر أنه أخذه من البائع، أي أن البائع للشفيع هو البائع لا المشتري (المادة (13) من قانون الشفعة).
4 - أن دعوى الشفعة لا تنصرف إلى البحث فيما إذا كان المشتري مالكًا أم لا، إنما تنصرف إلى ما إذا كان مشتريًا ومشتريًا فقط، أي إلى أنه صاحب حقوق على العقار قبل البائع له، والشفيع يحل محله فقط، وبتسجيل حكم الشفعة تنتقل الملكية للمشتري ثم للشفيع (الأموال صـ 706 ن 513).
القضاء المختلط والشفعة والتسجيل:
القضاء الكلي الابتدائي يجري على عدم الأخذ بالشفعة عند عدم تسجيل عقد المشتري (جورنال المحاكم المختلطة عدد 12 و13 مارس سنة 1925 رقم العدد (465) صـ 8 العامود الأول والثاني) ولكنه من طريق آخر يقول بأنه لا عبرة بحصول إظهار الرغبة قبل تسجيل عقد المشتري، ما دامت دعوى الشفعة قد رُفعت بعد تسجيل عقد المشتري في مدة الثلاثين يومًا (حكم محكمة إسكندرية الكلية المختلطة في 28 فبراير سنة 1925 بمجلة جازيت المحاكم المختلطة المجلد 15 عدد أكتوبر سنة 1925 صـ 242 رقم 366) وإنا لا نقر هذا القضاء بحال، والذي نأسف له أننا لم نجد بين أسباب حكم 28 فبراير سنة 1925 المذكور ما يرجع إلى تمحيص قواعد التسجيل وأحكامه بل وجدنا إفاضة على غير طائل في ماهية إظهار الرغبة في الأخذ بالشفعة، وتحليل هذا الإظهار على ضوء أحكام فقهاء الشريعة الإسلامية، دون الأخذ بالقواعد المدنية الحاضرة وحدها وهو ما لا نقره مطلقًا، إذ نقول بأن حق الشفعة حق مدني مقرر بأحكام القانون المدني ولا يرجع فيه الآن إلى أحكام الفقه الإسلامي (الأموال صـ 644 وما بعدها) وأما الحكم المشار إليه بجورنال المحاكم المختلطة المتقدم ذكره فقد ورد بدفاع المحامين الذين يترافعون أمام محكمة الاستئناف المختلطة بالإسكندرية لمناسبة رفع استئناف عن الحكم الصادر من المحكمة الكلية بعدم قبول الشفعة في حالة عدم تسجيل عقد المشتري ولم ينشر حكم محكمة الاستئناف للآن كما أنه لم يعلم، وعلى ذلك لا نعلم حتى الآن رأي الاستئناف المختلط في هذه النظرية، لأنه لم ينشر لها حكم في هذا الصدد.
الحالة الثانية: عقد الشفيع لم يكن مسجلاً:
نرى أيضًا جواز صحة الشفعة بالرجوع إلى نفس الأدلة المتقدمة، ونرى أن عقد الشفيع يعتبر عقدًا معلقًا على شرط، والشرط هنا هو عدم تصرف البائع لمشترٍ آخر حسن النية خلاف الشفيع، لأنه إذا حصل ذلك نفذ عقد المشتري الثاني وبطل عقد الشفيع، وبه تبطل الشفعة ويلزم بمصاريفها، ولا يجوز للمشتري الثاني من البائع للشفيع أن يشفع، لأن عقده متأخر على عقد المشتري المشفوع ضده.
(هـ) الوفاء بمقابل:
الوفاء بمقابل dation en paiement أن يقدم المدين شيئًا في مقابل ما التزم به أصلاً، فإذا قدم عقارًا أصبح الدائن مالكًا للعقار، وقد اختلفت الآراء فيما إذا كان الوفاء بمقابل يعتبر بيعًا أو وفاءً (الالتزامات لنا، النظرية العامة صـ 395 ن 400) ونرى أنه في عهد القانون الجديد لا بد من تسجيل العقد، سواء اعتبر بيعًا أو وفاءً، لأنه في حالة الوفاء يعتبر تمليكًا أيضًا، لأن يد الدائن بعد الاستلام لا يمكن أن تكون خلاف اليد المالكة، والتسجيل لازم لنقل الملكية، ولا يمنع عدم التسجيل أن يطالب الدائن المدين بتسليمه العقار والتخلي عنه أخذًا بما قررنا بشأن تفسير المادة الأولى من قانون التسجيل الجديد.
2 - في العقود المنشئة بغير عوض:
1/ في الهبة:
الهبة لا تصح بين العاقدين إلا إذا عملت رسمية (المادة 48/ 70 مدني) ولا تصح بالنسبة للغير إلا إذا تسجلت (المادة 611/ 737 مدني).
هذا في عهد القانون المدني، أما في عهد قانون التسجيل، فلا تصح الهبة بين الطرفين لتكون ناقلة للملكية إلا بشرطين: رسمية العقد وتسجيل العقد، فإذا حصلت الرسمية دون التسجيل، فلا تنتقل الملكية، ولكن أخذًا بما قررته المادة الأولى من قانون التسجيل وبما فسرناها به، نرى أن الالتزامات الشخصية المترتبة على العقد غير المسجل تبيح للموهوب له، الذي عمل عقده رسميًا، حق مطالبة الواهب بجميع الحقوق التي تتقرر له بطبيعة عقد الهبة، فله طلب تسليمه العقار، وليس للواهب حق التمسك بعدم تسجيل عقد الهبة، ما دام أن التسجيل كما ذكرنا من مصلحة الموهوب له وحده، ولا شأن للواهب به.
(ب) الوقف:
يحصل الوقف بإشهاد شرعي وهو تحرير حجة الوقف أمام القاضي الشرعي، ويستوي في ذلك المصري والأجنبي المقيم في مصر، وتسجل في سجلات المحاكم الشرعية الكائن بدائرتها الأطيان، ولا تسجل في المحاكم المختلطة، وتسجيلها بالمحاكم الشرعية حجة على الكافة، أي على الوطنيين والأجانب، والتسجيل غير لازم بالنسبة للواقف، ولازم بالنسبة للغير (النقض في أول يوليو سنة 1916م ر 1، 18، صـ 1 رقم 1) أما وقد صدر قانون التسجيل فقد أصبح التسجيل لازمًا أيضًا للواقف والمستحقين، على أنه أخذًا بما قررته المادة الأولى من قانون التسجيل من الالتزامات الشخصية هل يجوز للمستحقين مطالبة الواقف بالتخلي عن العقار الموقوف، باعتبار أن عدم التسجيل لا يمنع الواقف من القيام بتنفيذ ما التزم به؟ نظن الإيجاب، إلا أنه إذا تصرف الواقف إلى الغير حسن النية قبل تسجيل حجة الوقف نفذ تصرفه، وأما إذا كان الغير سيئ النية فلا ينفذ التصرف (ونريد بسوء النية العلم الأكيد أو تواطؤ المشتري مع الواقف).
2/ في الأحكام المنشئة:
1) حكم مرسي المزاد في نزع الملكية:
حكم مرسي المزاد منشئ للملكية يجب تسجيله طبقًا للقانون المدني حتى يكون حجة على الغير (المادة 612/ 738 مدني) ويجب تسجيله طبقًا لقانون التسجيل الجديد (المادة الأولى) حتى تنتقل الملكية بالنسبة للطرفين وأجاز القانون لكاتب المحكمة أن يقوم هو بطلب تسجيل الحكم (639/ 771 مدني و590/ 672 مرافعات) وإذا كان تسجيل تنبيه نزع الملكية يحول دون صحة تصرف المدين (المادة (608) مرافعات مختلط ويؤخذ بها بالقياس في الأهلي) فما هي إذن الحكمة من تسجيل حكم مرسي المزاد ؟
الحكمة ظاهرة:
أولاً: لأن التسجيل الجديد لازم لنقل الملكية.
ثانيًا: لأن تسجيل تنبيه نزع الملكية لا يحول دون قيد الرهون الموجودة من قبل على المدين.
وثالثًا: لأن الحظر من التصرف لا يمنع كما هو عليه الرأي الراجح من الرهن. (الأموال صـ 831).
2) الحكم الصادر بمرسى المزاد ثانيًا بعد مرسى المزاد الأول:
يحصل أن يزيد الغير في قيمة العقار المبيع، فإذا رسا المزاد على الأول لا محل لتسجيل العقار (المادة (2189) مدني فرنسي) أما إذا رسا على مقرر الزيادة أو على خلافه فلا بد من تسجيل حكم مرسي المزاد الثاني، كل ذلك في عهد القانون القديم، وباعتبار أن التسجيل شرع لمصلحة الغير، وأما في عهد القانون الجديد فإنا نرى ضرورة تسجيل حكم مرسي المزاد الثاني إذا رسا المزاد على مقرر الزيادة أو خلافه، كما أنه يجب تسجيل حكم مرسي المزاد الأول على كل حال، ونرى أنه لا محل للتأشير بحكم مرسي المزاد الثاني بهامش تسجيل حكم المزاد الأول فيما إذا تأيد المزاد على الأول، وأما في حالة رسو المزاد على خلافه سواء كان مقرر الزيادة أو غيره، فإنا نرى ضرورة التأشير بذلك على هامش تسجيل الحكم الأول، مع ضرورة تسجيل حكم مرسي المزاد الثاني كما ذكرنا.
3) حكم مرسي المزاد بناءً على عدم قيام الراسي عليه المزاد بدفع الثمن folle enchére:
يلزم الأول بفرق الثمنين (المادة 574/ 656 6 6/ 696 مرافعات) ولا يستفيد من الزيادة (المادة 612/ 702 مرافعات) والبيع الثاني يفسخ الأول ونرى ضرورة تسجيل حكم مرسي المزاد الثاني (الأموال صـ 832).
3/ في العقود المؤيدة:
بعد أن انتهينا من العقود والأحكام المنشئة نتكلم الآن على العقود المؤيدة ثم الأحكام المؤيدة.
1) في العقود المؤيدة:
يراد بالعقد المؤيد العقد الذي يؤكد حقًا عينيًا عقاريًا مقررًا من قبل بتعاقد شفوي أو بعقد كتابي.
حكم القانون المدني:
التعاقد الشفوي والكتابي ناقل للملكية بين الطرفين، ولا ينقل الملكية بالنسبة للغير إلا بالتسجيل، فإذا كان التعاقد ثابتًا بالكتابة سهل تسجيله، وأما إذا كان التعاقد شفويًا، فيجوز لصاحب الحق العيني العقاري رفع دعوى وأخذ حكم وتسجيل هذا الحكم ليكون التعاقد حجة على الغير من وقت تسجيله لا قبله، وإذا كان التعاقد ثابتًا بالكتابة، فإما أن يكون العقد مسجلاً أم لا، فإذا تسجل وصدر حكم مؤيد له فلا محل لتسجيله، وذلك أخذًا بما قرره قانون 23 مارس سنة 1855 الفرنسي (جرانمولان في التأمينات صـ 245 ن 859 - الأموال صـ 831 ن 573) وأما إذا لم يكن مسجلاً فلا بد من تسجيل الحكم حتى يكون نافذًا على الغير، والعقد الكتابي المؤيد لتعاقد شفوي لا بد من تسجيله ليكون حجة على الغير، وبوجه عام يفضل الغير الذي اكتسب حقًا عينيًا عقاريًا مسجلاً على من حكم له وسجل حكمه بعد تسجيل الغير، على شرط أن يكون هذا الغير حسن النية.
حكم قانون التسجيل:
قررت المادة (2) من قانون التسجيل الجديد ضرورة تسجيل العقد المؤيد ليكون حجة على الغير حسن النية، وعلى ذلك إذا كان الغير سيئ النية، أي يعلم علمًا أكيدًا بسبق تقرير حق عيني على العقار أو كان متواطئًا مع صاحب العقار، فلا ينفذ عقده وينفذ حتمًا العقد المؤيد، وتقول المذكرة الإيضاحية في ذلك (لا يمكن تجريد هذه العقود والأحكام (المؤيدة) من قيمتها الجوهرية وهو الإقرار الصرحي بحق سابق الوجود) ولا يجوز أن تنصرف هذه القاعدة إلى القسمة فقط باعتبارها كاشفة، بل يجب أن تتمشى في نظرنا أيضًا على جميع الحالات الخاصة بالعقود المؤيدة لحقوق سابقة.
2) ورقة الضد والتسجيل:
هي ورقة تحرر نفيًا لورقة محررة من قبل، وهي تقيد وجود عمليتين قانونيتين، العملية الأولى المقررة للحق، والعملية الثانية النافية له، فإذا اشترى المشتري بعقد ثم أخذت عليه ورقة بصورية عقد الشراء، اعتبر العقد الأول ظاهرًا والثاني خفيًا، والأول حجة على الغير وأما الثاني فلا، نظرًا لخفائه، وما القول فيما إذا تسجل الثاني، فهل يزول عنه الخفاء فيصبح حجة على الغير؟ أو بعبارة أخرى هل تسجيل ورقة الضد يعتبر حجة على الغير؟
أجاب القضاء الفرنسي بالإيجاب (النقض في 18 مايو سنة 1897 د، 97، 1، 505 ومقال دي لوان 0 - س، 98، 1، 225 ومقال تيسييه) وأيده القضاء المصري (استئناف م 13 مايو سنة 1909م ت ق، 21، 384 ونشر مبدأ الحكم بهذه المجلة دون أسبابه وهذا موضع أسف لنا) وأيده فيه (دي لوان) بمقال معروف، وحجته أن الملكية لا تعود إلى البائع إلا بتسجيل ورقة الضد لأنه (كما انتقلت الملكية بالنسبة للغير بتسجيل العقد الصوري، يجب أيضًا أن تنقل صوريًا إلى المالك الأصلي بتسجيل ورقة الضد) (انظر كتابنا في إثبات الالتزامات ج 1 صـ 334 وما بعدها) وخالفه (تيسييه) بمقال مشهور رد به عليه، وقال بأن ورقة الضد ورقة مشوبة بالغش، وليس من شأن التسجيل أن يرفع عنها هذه الشائبة، ولأن التسجيل لم يشرع لتسجيل العقود المستترة (صـ 342 من كتابنا المذكور أخيرًا) وأيده في ذلك (بارد) بمجموعة بودري المطول (بارد في الالتزامات ج 4 صـ 123 في نصفها ن 2412).
وإنا نؤيد تيسييه وبارد ونرى نحن أن المسألة ترجع إلى المسألة الآتية: هل تنقل ورقة الضد حقًا عينيًا عقاريًا، وهي على ذلك تعد من الأوراق الخاضعة للتسجيل، أم هي ليست كذلك؟ الذي نراه أنها لا تنقل حقًا عينيًا عقاريًا، وإذا كان عقد الشراء الصوري المشفوع بورقة الضد لا يمكن معه أن يقال بأن الملكية قد انتقلت إلى المشتري ما دام التبايع صوريًا، حينئذٍ لا يمكن أن يقال بأن الملكية ردت إلى البائع بورقة الضد، ما دام أن حق الملكية لم يتأثر لدى المالك الأصلي، وعلى ذلك لا تعتبر ورقة الضد لا ناقلة لحق عيني عقاري، ولا نافية لهذا الحق، ولا مؤيدة للحق تحت يد صاحبه، ما دام أن التعامل صوري، أي أنه لم يقع شيء ما.
وبما أن التسجيل خاص بالأوراق المؤثرة على الحقوق العينية العقارية، فلا تخضع حينئذٍ ورقة الضد للتسجيل، وإذا تسجلت فلا يلزم الغير بضرورة التعرف عليها، إلا إذا ثبت العلم بها من أي مصدر، سواء كان مصدر التسجيل أو غيره، لأن الغير يعتبر في هذه الحالة سيئ النية.
ولكن محل الصعوبة العملية في كيفية وصول صاحب ورقة الضد إلى رد الملكية إليه بالنسبة للغير فيقول (دي لوان) بأنه لا بد من التسجيل لأنه يراد به فقط رد الملكية إلى البائع وذلك بالنسبة للغير فقط (لأن ورقة الضد حجة على طرفيها دون تسجيل، في عهد القانون القديم) وهو ذلك الغير الذي يمكن أن يكون مثلاً مشتريًا من المشتري الصوري وهو لا يعلم بوجود ورقة الضد تحت يد البائع.
قانون التسجيل وورقة الضد:
هل زال هذا النزاع بعد صدور قانون التسجيل؟ نظن لا، لأن الخلاف لا زال قائمًا بشأن ما إذا كانت ورقة الضد ناقلة لحق عيني عقاري أم لا، وما دام أنّا نقول بأنها لا تؤثر مطلقًا على الحق العيني العقاري وهو تحت يد صاحبه الأصلي، فهي لا تعتبر حينئذٍ خاضعة للتسجيل.
3) الأحكام المؤيدة:
يتنازع الطرفان في الحق العيني العقاري الذي قرره أحدهما للآخر على عقار مملوك للمقرر فيلتجئ المشتري مثلاً إلى القضاء يطلب إقراره على حقه، والحكم الذي يصدر يعتبر مؤيدًا لحقه من قبل، ولا يعتبر هذا الحكم نافذًا على الغير إلا من وقت تسجيله، على شرط أن يكون الغير حسن النية.
وما قلناه في حالة العقود المؤيدة يسري هنا بشأن القانون المدني وقانون التسجيل، إلا أنه لا بد من بيان أثر سوء النية وحسن النية في الأحكام، والعقود أيضًا، وبيان أثر ذلك في التسجيل الجديد.
4) النية والتسجيل:
( أ ) النية والتسجيل في القانون المدني:
لا ينفذ عقد المشتري على الغير إذا تسجل عقد المشتري، وكان الغير مسجلاً قبله وحسن النية، فإذا ثبت سوء نيته نفذ عقد المشتري عليه، ولو أن عقد المشتري مسجل بعد عقد الغير (المادة 270/ 341 مدني) وهذه القاعدة المقررة بالقانون المدني مأخوذة عن القضاء والفقه الفرنسيين (كولين وكابتان ج 1 صـ 959 الطبعة الأولى 1914 – وصـ 969 من الطبعة الثانية سنة 1919 - النقض الفرنسي في 14 مارس سنة 59، د 59 1، 500 0 - س، 59، 1، 0833 - كتابنا في إثبات الالتزامات ج 2 صـ 0302 - البيع للهلالي بك صـ 282 ن 452 وما بعدهما).
في تقدير سوء النية:
هناك آراء ثلاثة:
رأي يقول بأن مجرد العلم بسبق حصول الشراء يجعل الغير سيئ النية، ولا نقر هذا الرأي، بل نشترط أن يكون العلم أكيدًا لا شك فيه، لا مجرد العلم البسيط، ورأي يقول بأنه لا بد من حصول تواطؤ بين البائع والمشتري الثاني، ونقر هذا الرأي، لأن العلم الأكيد قريب جدًا من التواطؤ (راجع تفصيل ذلك والأدوار التي مر بها القضاء المصري المختلط على الأخص، والأهلي، كتابنا في إثبات الالتزامات ج 2 صـ 298 - 322 - واستئناف م 10 فبراير سنة 1925 الجازيت المجلد 15 صـ 250 رقم 377).
(ب) النية والتسجيل في قانون التسجيل الجديد:
تقرر المادة (2) من قانون التسجيل الجديد أن الحكم المؤيد (أو العقد المؤيد) لا يكون حجة على الغير إلا إذا تسجل، ويشترط في الغير أن يكون حسن النية، وأوردت ذلك بالصيغة الآتية: (فإذا لم تسجل هذه الأحكام والسندات فلا تكون حجة على الغير، كما أنها لا تكون حجة كذلك ولو كانت مسجلة إذا داخلها التدليس (eutachés de fraude)) ويظن أن الشارع يريد الأخذ بمذهب التواطؤ التدليسي، ولكن لا بد أيضًا من الأخذ بالعلم الأكيد لدى الغير، لأن صاحب الحكم المؤيد المسجل (أو صاحب العقد المؤيد المسجل) لا يهمه فيما إذا كان هناك تواطؤ بين الغير والبائع له، أو أن الغير يعلم علمًا أكيدًا لا شبهة فيه بسبق التصرف.
ومما مر ومما ورد بالمذكرة الإيضاحية وطبقًا للقواعد العامة نرى الإدلاء بالبيان الآتي:
إذا حصل تعاقد شفوي ثم حصل نزاع فيه ورُفعت الدعوى من المشتري وصدر حكم لمصلحة المشتري، وجب تسجيل الحكم ليكون حجة على الغير، وليكون ناقلاً للملكية بين الطرفين.
وإذا حصل التعاقد كتابةً وحصل نزاع بشأنه فإما أن يكون العقد مسجلاً وإما لا، فإن كان غير مسجل، وجب الأخذ هنا بحالة التعاقد الشفوي، أي لا بد من التسجيل لأجل نقل الملكية بين الطرفين، وبالنسبة للغير، وإن كان مسجلاً فإنا لا نرى محلاً لتسجيل الحكم المؤيد، وذلك طبقًا لما قررناه بشأن القانون المدني، وعلى الأخص إذا كان النزاع في العقد المسجل نزاعًا لم يشر إلى مصدره بالعقد، ولا يقبل العقل ولا القانون أن الحكم المؤيد لعقد مسجل لا يكون حجة على الغير إلا من وقت تسجيله، مع أن العقد مسجل ولم تشبه شائبة، والحكم صدر بالتأييد، وإلا إذ قيل العكس لترتب على ذلك أن البائع يعمل على خلق إشكال لا محل له ثم يرفع الدعوى، أو يترك المشتري يرفعها ثم يتصرف البائع في العقار لمشترٍ حسن النية ويسجل هذا المشتري الثاني عقده بعد تسجيل عقد المشتري الأول وقبل تسجيل الحكم المؤيد، ثم يأتي هذا المشتري الثاني ويدعي أفضليته على المشتري الأول: مثل ذلك لا يقبله العقل ولا القانون (ومع ملاحظة أنه يجوز للمشتري الأول الاستناد إلى أسبقية تسجيل عقده أيضًا) ولكن ما القول فيما إذا اشترى المشتري الأول بعقد كتابي لم يتسجل ثم جاء الغير واشترى العقار من نفس البائع، وكان يعلم علمًا أكيدًا بحصول البيع الأول، أو جاء وتواطأ مع البائع إضرارًا بالمشتري الأول وسجل المشتري الثاني عقده قبل تسجيل عقد المشتري، فهل ينفذ عقد المشتري الثاني على عقد المشتري الأول؟
هناك رأي يقول بأنه ما دام أن الملكية لم تنقل إلى المشتري الأول بسبب عدم تسجيله لعقده، يجب تفضيل عقد المشتري الثاني المسجل ولو أنه سيئ النية.
لأن الملكية لا تنتقل إلى المشتري الأول ما دام لم يسجل عقده، ولأنها انتقلت إلى المشتري الثاني بالتسجيل، ولأن قانون التسجيل قاطع في أن الملكية لا تنتقل بين الطرفين إلا بالتسجيل (المادة الأولى من قانون التسجيل الجديد - الهلالي بك في البيع صـ 297 ن 469 - العقوبات لأحمد بك أمين صـ 739 الطبعة الثانية).
ويقول أصحاب هذا الرأي بأنه يجوز مع ذلك للمشتري الأول أن يرفع دعوى بطلان تصرفات المدين ضد البائع والمشتري الثاني وإنّا لا نستطيع أن نقر هذا الرأي ويجب الأخذ بعكسه للأسباب الآتية:
1 - قلنا في شرحنا للمادة (2) من قانون التسجيل بأن الحكم المؤيد لعقد غير مسجل لا ينفذ على الغير إلا إذا كان مسجلاً، وعلى شرط أن يكون الغير حسن النية، وقلنا بأنه إذا كان الغير سيئ النية أي يعلم علمًا أكيدًا، أو متواطئًا مع البائع، فإن عقده المسجل قبل تسجيل الحكم، لا ينفذ على الحكم المسجل بعده: كل ذلك لأن الغير سيئ النية، أي يعلم بسبق تصرف البائع في العقار، والمذكرة الإيضاحية تشير إلى أن العقد غير المسجل يقرر مع ذلك حقًا للمشتري، والمادة الأولى من قانون التسجيل تقول بالالتزامات الشخصية عند عدم تسجيل العقد، وقلنا بأن الالتزامات هذه تنصرف إلى الحقوق التي تنشأ عن طبيعة العقد.
إذا عرف ذلك كله فكيف يمكن القول بأن المشتري الثاني سيئ النية، وهو من تواطأ تواطؤ تدليسيًا مع البائع، يفضل على المشتري الأول؟ هل هناك فرق محسوس بين حماية الشارع للمشتري الأول الذي لم يسجل عقده والذي رفع دعوى وصدر له حكم وسجله بعد المشتري الثاني سيئ النية، هل هناك فرق بين هذا المشتري، وبين المشتري الأول الذي لم يسجل عقده ولم يرفع دعوى وجاء المشتري الثاني واشترى بعد الأول وبسوء نية؟ أليس هذا المشتري جديرًا بنفس هذه الحماية التي تقررت للمشتري الذي أخذ حكمًا؟ وهل هناك حكمة من التمييز بين المشتري الذي أخذ حكمًا، وبين الذي لم يرفع دعوى؟
2 - إن للمشتري الأول غير المسجل حقوقًا قبل البائع منصبة على العقار، فله حق المطالبة بتسليم العقار، وكيف يتحقق هذا الحق إزاء المشتري الثاني سيئ النية وهو المسجل عقده؟ إن قيل بأن للمشتري الأول حق رفع دعوى بطلان التصرفات، فإن هذه الدعوى لا تصح إلا إذا ثبت إعسار المدين، وهذا ليس بالسهل، وقيل بأنه عند الفشل في تلك الدعوى فيطالب بتعويض، ولكن كيف يحرم المشتري، وهو دائن بحق استلام العقار ضد البائع، من حقه في المطالبة بالتسليم، بينما العقار موجود، وهو في حل من المطالبة بالتنفيذ بأصل الالتزام (وهو ما يسمونه بالتنفيذ العيني) ويلزم بالمطالبة بتعويض؟ إن المشتري في هذه الحالة دائن بالاستلام، فهو لا يلجأ إلا إليه إذا أمكن تحققه، وعند عدم تحققه يرجع للتعويض، لأن الاختيار له وليس للمدين، وما دام أن المشتري الثاني سيئ النية فهو معتمد على حق المشتري الأول، ويستحيل أن الاعتداء على الحق يصبح في مناعة القانون وحصانته لأن القانون لا يحمي سوء النية بأي وجه ما.
3 - قد يقال بأن المذكرة الإيضاحية أوردت ما يفيد إلى أن الغرض من وضع المادة الأولى عدم العودة لإشكالات سوء النية في عهد القانون المدني، ولكن كيف يقال ذلك مع أن الشارع قرر العودة إليها بالمادة (2) من قانون التسجيل؟
4 - إن الفقه بمصر يؤيد هذا الرأي حتى قبل صدور قانون التسجيل، وعلى الأخص برناردي واضع مشروع قانون التسجيل (مجلة مصر الحديثة سنة 1918 صـ 522 من مقال الأستاذ كاديمنوس المحامي، ونفس المجلة سنة 1922 صـ 201 من مقال للمستشار برناردي).
5 - وإذا حصل عقد بيع وقام المشتري بإجراء عملية المصادقة الرسمية على إمضائه طبقًا للمادة (6) من قانون التسجيل، ولما طالب البائع بالحضور أمام الموظف الحكومي المعين للمصادقة أبى الحضور، وتعطل التسجيل على المشتري، فهل من القانون أنه إذا سارع هذا المشتري في رفع دعوى إثبات صحة الإمضاء طبقًا لقانون المرافعات (المواد (251) وما بعدها) وصدر له الحكم بصحة الإمضاء وسجل العقد والحكم مرفق به، فلا ينفذ عقده على من اشترى بسوء نية من هذا البائع، وعلى الأخص إذا حصل تواطؤ بينهما إضرارًا به؟ نظن لا، وعلى الأخص إذا لاحظنا بأن المادة لم تقل بضرورة تسجيل عريضة الدعوى في هذه الحالة حتى يكون تسجيلها حجة على الغير من تاريخ التسجيل.

أحكام القسمة

حكم القسمة (أو عقد القسمة) لا ينفذ على الغير إلا إذا كان مسجلاً، فإذا لم يتسجل ولم يكن هناك غير نفذ على أصحابه.

حكم الصلح

حكم الصلح أو عقد الصلح كلاهما مؤيد للملكية الثابتة من قبل لمن حصل الصلح له من العقار المتنازع فيه، وإن كانت ورقة الصلح عقدًا كانت أو حكمًا نافذة على الطرفين بلا تسجيل إلا أنها لا تسري على الغير حسن النية إلا بالتسجيل (المادة (2) من قانون التسجيل) وإذا تناول الصلح عقارًا آخر خلاف العقار محل النزاع فلا تنتقل الملكية فيه بالعقد أو الحكم إلا بالتسجيل سواء بالنسبة للطرفين أو بالنسبة للغير.

حكم الشفعة

تقضي المادة (18) من قانون الشفعة الصادر في 23 مارس سنة 1901 بأن (الحكم الذي يصدر نهائيًا بثبوت الشفعة يعتبر سندًا لملكية الشفيع وعلى المحكمة تسجيله من تلقاء نفسها) والحكم هنا في نظرنا إنما هو مؤيد لحق الشفعة لا منشئ له، لأن حق الشفعة تقرر للشفيع من وقت وصول إنذاره إلى المشتري، إذ بوصول هذا الإنذار يجب أن يتحقق العقد، فإذا أبى المشتري إقرار الشفيع في حقه، فلا يخرج الحكم الذي يصدر فيما بعد عن كونه كاشفًا للحق، أي مؤيدًا له، وربما ينصرف نص المادة (18) المذكورة إلى اعتبار الحكم بمثابة العقد الكتابي الذي كان يجب أن يحصل بمجرد وصول الإنذار إلى المشتري (انظر كتابنا في الأموال صـ 735 ن 525 وما بعدهما - والقضاء المصري على خلاف هذا الرأي).
هذا هو حكم القانون المدني، وأما في عهد قانون التسجيل فإنا نرى أيضًا أن الحكم بالشفعة حكم مؤيد لحق الشفعة، وعلى ذلك يصبح خاضعًا لحكم المادة (2) من قانون التسجيل، لا للمادة الأولى منه.
4/ في الأحكام المعدلة أو الملغية أو المبطلة لعقود سابقة:
الدعاوى التي تُرفع بإبطال عقد Annulation أو فسخه Résolution أو إلغائه R voction أو الرجوع فيه Rescision، أو دعوى الاستحقاق Revendication، يجب تسجيل عريضة الدعوى فيها ليكون الحكم حجة على الغير من تاريخ تسجيل العريضة إذا كان العقد المطعون فيه غير مسجل، أو من وقت التأشير بها على هامش العقد إن كان مسجلاً (المادة (7) من قانون التسجيل) ورود بالمذكرة الإيضاحية أن دعوى بطلان التصرفات ودعوى الصورية، وهما اللتان لم تذكرهما المادة (7) المذكورة، خاضعتان لأحكام القضاء المقررة من قبل، ونرى أن في ذلك نقصًا تشريعيًا وعلى الأخص إذا قيل بأن المادة وردت على سبيل الاستثناء وأن الدعاوى المعينة بها وردت على سبيل الحصر. ووجه الخطر في دعوى إبطال تصرفات المدين، إذا لم تسجل عريضة الدعوى فيها، أن المشتري يبيع العقار أثناء قيام الدعوى إلى مشترٍ حسن النية فينفذ عقده المسجل على الحكم الذي يصدر فيما بعد بإبطال العقد، إذ لا يمكن عدم حماية المشتري حسن النية من المشتري الأول ما دام أنه لم يجد تسجيلات ضد البائع، وكذلك الحال أيضًا في دعوى الصورية (كتابنا في الأموال صـ 934 ن 640 وما بعدها) وكذلك في دعوى إثبات صحة الإمضاء عند عدم رضاء البائع بالحضور أمام الموظف الحكومي لأجل المصادقة على الإمضاء حتى يمكن تسجيل العقد - وكذلك أيضًا دعوى شطب الرهن الرسمي طبقًا للمواد (570) مدني وما بعدها.

في التملك المضاف إلى ما بعد الموت
المشتري من المورث والمشتري من الوارث

اشترى مشترٍ من المورث ولم يسجل عقده، واشترى مشترٍ آخر من الوارث وسجل عقده، فأي العقدين نافذ على الآخر؟ وأي المشتريين أجدر بحماية القانون له؟
هناك رأيان: رأي يقول بصحة عقد المورث دون عقد الوارث، ورأي يقول العكس.
الرأي الأول: تفضيل عقد المورث على عقد الوارث:
وحجته أن العقار المبيع من المورث خرج من التركة بالبيع، والوارث لا يرث في العقار لخروجه عن التركة، وهذا هو حكم الشريعة الإسلامية إذا كان المتوفى مسلمًا، أخذًا بالمادة 54/ 77 مدني التي جعلت مسائل المواريث خاضعة لشريعة المتوفى، وعلى ذلك فتصرف الوارث في هذا العقار يعتبر حاصلاً فيما لا يملكه (إسكندرية بهيئة استئنافية في 27 يوليو سنة 1918م ر 1، 19 صـ 132 رقم 92).
الرأي الثاني: تفضيل عقد الوارث المسجل على عقد المورث غير المسجل وأدلته:
1 - يرجع في التفاضل في العقود إلى نظرية التسجيل التي قررها الشارع الحاضر على خلاف الأصول المنطقية البحتة المعروفة من قبل وضع نظام التسجيل.
2 - الوارث يملك عن المورث بحكم القانون (المادة 610/ 736) وتملكه ليس خاضعًا للتسجيل، بل يملك قبل الغير بمجرد تحقق شروط الإرث فيه، وهي موت المورث وحياة الوارث بعد موت المورث وثبوت جهة الإرث، فإذا تحققت هذه الشروط لدى المشتري من الوارث اشترى هذا المشتري العقار وهو مطمئن، لأنه لم يسبق تسجيل عقد المشتري من المورث.
3 - وما دام أن الإشكال خاضع لأحكام التسجيل، يكون عقد المورث غير المسجل معتبرًا أنه غير موجود بالنسبة لمن تملك نفس العقار بعقد مسجل (المادة 615/ 742 مدني).
4 - من أحكام التسجيل أن المشتري من المورث بعقد ثابت التاريخ مفضل على الموصى له بوصية لاحقة لهذا العقد ولو تسجل العقد قبل تسجيل الموصى إليه (المادة 617/ 744 مدني) ولكن المشتري من الموصى إليه بعقد مسجل، بعد تسجيل عقد البيع الصادر من المورث، والثابت التاريخ قبل الوصية، وقبل تسجيل عقد المشتري من الموصى إليه، هذا المشتري من الموصى إليه مفضل على ذلك المشتري من الموصي، بمعنى أنه إذا تنازع المشتري من المورث والمشتري من الموصى له وجب تفضيل الأسبق في التسجيل، وإذا كان الأمر كذلك أليس يكون من باب أولى إذا تنازع المشتري من المورث هذه المرة مع المشتري من الوارث بدلاً من المشتري من الموصى له، ونعلم أن الوارث أقوى من الموصى له؟ (راجع مقالاً للأستاذ لامبير بمجلة مصر الحديثة المجلد 4 صـ 207 - 212 - انظر إثبات المداينات لنا ج 2 صـ 296 والحاشية الأولى - انظر البيع للهلالي بك صـ 223 ن 381 وما بعدها وصـ 288 ن 459 وما بعدها - زكي بك العرابي صـ 37 - 44 من رسالته في (مركز الوارث في الشريعة ونتائجه في القانون) وتأيد هذا الرأي بالقضاء المصري استئناف م 2 مارس سنة 1916م ت ق، 28، 0186 - استئناف 10 مايو سنة 1921م ر 1، 24 رقم 17) وبالقضاء الفرنسي (النقض: س، 903، 1، 0180 - د، 904، 1، 5).
وإذا نظرنا إلى هذه النظرية لأمكن الفصل فيها بالأخذ بمبدأ التفاضل بين المتنازعين، ووجه التفاضل أنه يجب تفضيل من لم يكن الخطأ من جانبه، فالمشتري من الوارث تأكد من صحة وراثة البائع له ومن صحة تملك المورث له فاشترى وهو مطمئن، وأما المشتري من المورث فإنه أخطأ في عدم المحافظة على عقده من طريق تسجيله، فالخطأ من جانبه ولا محالة.

النظرية وقانون التسجيل الجديد

نظن أن الملكية ما دامت لا تخرج من مال المورث إلا بالتسجيل ولم يتسجل العقد، فالبيع الحاصل من الوارث نافذ حتمًا، وهذا على شرط، في نظرنا، أن يكون المشتري من الوارث غير متواطئ مع الوارث (الأموال ص 937 ن 641 وما بعدها، مع ملاحظة أن قانون التسجيل ألغى المادتين (617) و(618) مدني).

القسم الثاني: قانون المرافعات والتسجيل الجديد
الدعوى الشخصية والدعوى العينية العقارية

إن النزاع الذي يقوم بين طرفي العقد الخاص بحق عيني عقاري، إما أن ينصرف إلى عقد مسجل وإما لا، ففي حالة العقد المسجل ترفع الدعوى بتثبيت الملكية، وفي هذه الحالة ترفع أمام محكمة محل وجود العقار، وإذا كان العقد غير مسجل لأي سبب من الأسباب، أو كان التعاقد شفويًا، أو كان هناك مبدأ دليل بالكتابة، فلا يجوز رفع الدعوى بتثبيت الملكية بل تُرفع ضد المدعى عليه شخصيًا باعتبارها متعلقة بحق شخصي، ويطلب فيها الحكم بصحة التعاقد وتسليم العقار، أي ترفع أمام محل إقامة المدعى عليه، ذلك لأن المحكمة لا تستطيع الحكم بتثبيت الملكية، لأن الملكية لا تنتقل إلا بالتسجيل، والتسجيل وضع من الأوضاع الشكلية المقررة في القانون بقيود خاصة لا يملك القاضي فيها أن يجعل حكمه يحل محلها، فكما أن القاضي لا يملك الحكم في تثبيت الملكية عن عقد هبة عرفي، أو تقرير الرهن الرسمي عن تعاقد عرفي به، فهو كذلك لا يملك الحكم بأن يحل حكمه محل التسجيل، أي لا يقضي بتثبيت الملكية.

القسم الثالث: قانون العقوبات والتسجيل
التصرف في العقار مرتي

يرى القضاء الجنائي المصري والفقه المصري أيضًا أخذًا بظاهر نص المادة الأولى من قانون التسجيل الجديد، أنه إذا باع المالك العقار مرتين ولم يسجل المشتري الأول، انتقلت الملكية للمشتري الثاني فقط، باعتبار أن الملكية آلت إليه من البائع الذي يظل مالكًا ما دام أن المشتري الأول لم يسجل عقده (منفلوط الجزئية في 5 مارس سنة 1925 المحاماة 5 صـ 553 رقم 452 - شرح قانون العقوبات، القسم الخاص لأحمد بك أمين الطبعة الثانية صـ 739) ويقول أصحاب هذا الرأي بأنه لا عبرة بحسن أو سوء نية المشتري الثاني.
وإنا لا نقر هذا الرأي، ونرى محلاً للمؤاخذة الجنائية واعتبار البيع الثاني نصبًا معاقبًا عليه بالمادة (293) عقوبات فيما إذا كان هناك تواطؤ بين البائع والمشتري الثاني للأسباب الآتية:
1 - قلنا بأن المشتري الأول ولو أنه لم يسجل إلا أن له حقًا قبل البائع انصب على العقار، سواء كان حقًا عينيًا عقاريًا أو حقًا خاصًا sui generis وقلنا بأنه إذا تواطأ البائع مع مشترٍ ثانٍ تواطؤ تدليسيًا concert frauduleux إضرارًا بالمشتري الأول غير المسجل، فإنه يجوز لهذا المشتري الأول طلب الحكم بإبطال عقد المشتري الثاني المسجل، لأن في التعاقد الثاني افتياتًا على حق مقرر للمشتري الأول. (نقول هنا بالتواطؤ التدليسي، ولم نشأ القول بحسن النية أو سوئها ما دام أنه ظاهر من المذكرة الإيضاحية أن الشارع أراد بقاعدة التسجيل المقررة بالمادة الأولى الإجهاز على نظرية حسن النية وسوئها وما قام حولها من الخلاف، وعدم الأخذ بها، إلا أن المحضرين لقانون التسجيل صرحوا بأن التواطؤ التدليسي لا يدخل ضمن حسن النية وسوئها، بل تعتبر هذه الأعمال باطلة، كما قرر ذلك موسيو برناردي بمجلة مصر الحديثة سنة 1922 المجلد 13 صـ 201 وكما رأيناه وبمكانه).
وعلى ذلك نرى أن في البيع الثاني اعتداءً مشوبًا بالتدليس والتواطؤ على الحق المقرر للمشتري الأول، وما دام أن العقد باطل مدنيًا فلا بد أن يكون العقد مؤاخذًا عليه جنائيًا، لأن البائع تصرف في العقار وهو محمل بحق المشتري الأول، تصرفًا أراد به النيل من المشتري الأول والإضرار به.
2 - إن الغرض من معاقبة فعل التصرف في ملك الغير بالبيع أو الرهن أو غير ذلك إنما هو (كما ورد بنصه بمحضر جلسة مجلس شورى القوانين) مطاردة (أولئك المحتالين الذين يبيعون عقارهم إلى شخص ثم قبل أن يسجل العقد أو بعده يبيعون أو يرهنون إلى شخص آخر ويأكلون بذلك ما يأخذونه ثمنًا أو دينًا، فإذا أراد أحد المتعاقدين معهم أن يرجع عليهم بما دفع لا يجد في أيديهم شيئًا ويضيع عليه ما دفع، فهؤلاء من أشهر النصابين نصبًا الذين تجب عقوبتهم) (التعليقات الجديدة على قانون العقوبات الأهلي الطبعة الثانية لعبد الهادي بك الجندي صـ 384 - 385).
ألا نلمس هنا من حكمة التشريع في معاقبة التصرف في ملك الغير stellionat أن هذه الحكمة لا زالت قائمة أيضًا في عهد القانون الجديد؟ أليس النصب هو هو في الحالتين، حالة القانون المدني وحالة قانون التسجيل؟ إن قيل بأن الملكية لم تنتقل إلى المشتري الأول بسبب عدم تسجيله للعقد، فليس معنى ذلك أن هذا المشتري الأول قد أصبح أجنبيًا عن العقار لا حق له فيه، ألم نرَ أنه له حق المطالبة بتسليمه، وحق رفع دعوى بصحة التعاقد للحصول على حكم وتسجيله؟ وألم نرَ أيضًا بالمذكرة الإيضاحية بأنه يجب على البائع تمكين المشتري من التسجيل؟ فكيف يتفق ذلك مع القول بأن للبائع التصرف ثانيًا إضرارًا بالمشتري الأول والافتيات على حقوقه المقررة على العقار؟ وكيف يتفق القول بعدم العقوبة مع الإباحة للبائع حق مطالبة المشتري بالثمن ولو أن عقد المشتري غير مسجل؟
هذه الحقوق المتبادلة بين المشتري غير المسجل والبائع لا يمكن معها القول بأن للبائع حق التواطؤ مع المشتري الثاني تواطؤ تدليسيًا على الإضرار بالمشتري الأول غير المسجل.

خاتمة

رأينا كيف أثار قانون التسجيل الجديد ثائرة المبادئ القانونية المعروفة في عهد القانون المدني وكيف ولَّد في مجالات العمل إشكالات ضاعفت من اضطراب المبادئ القانونية السابقة وجعل الناس قد يسيرون في طريق يتعارض مع الغرض الذي ينشده الشارع، ولعل الإحصائيات المنشورة حديثًا في الصحف السيارة تؤكد هذا الظن، إذ يحجم عدد غير قليل من الناس عن القيام بعملية التسجيل، كما يدل على ذلك العدد العظيم من العقود التي لم تُسجل، وربما يتخذ الشارع قريبًا احتياطًا خاصًا في تقرير جزاء معين لمن لم يسارع إلى القيام بعملية التسجيل، ولكن الذي نراه أن الشارع، وقد قصد بهذا القانون الجديد أن يكون نواة لنظام السجلات العقارية، لم يحط بالإشكالات المحتملة كل الإحاطة ولم يتخذ من الوسائل ذات الأثر الظاهر ما يكون له عدة نافعة في تأييد الآثار المرجوة من هذا القانون.
ونرى فوق ما تقدم أن الشارع قد أورد بعض النصوص بما يترك هناك محلاً للأخذ والرد، وبما يدعو الأفراد إلى التشكك والاضطراب في تقرير القواعد القانونية الجديدة، الأمر الذي نمَّ عليه قضاء المحاكم في كثير من أحكامه، ولقد رأينا كيف تضطرب المعاملات فيما يتعلق بالشفعة، من جراء تعارض الأحكام بين أحكام القضاء الأهلي من جانب، وبين الأحكام الأهلية والأحكام المختلطة، من جانب آخر.
هذا ونلاحظ أيضًا أن المذكرة الإيضاحية لم تكن من البيان والإيضاح بالقدر اللازم في تنوير الأفراد وإرشاد أهل القانون بما يرفع عن قانون التسجيل ما يشوبه من نقص ويعيبه من غموض.
وإذا كان الناس لم يطمئنوا إلى هذا القانون، وهو نواة السجلات العقارية المقبلة، فكيف يكون اطمئنانهم إذا ما وُضع قانون السجلات العقارية ونُفذ في معاملاتهم، وهو ذلك القانون الذي سيكون له من الأثر القانون أمرًا لم يألفه الأفراد من قبل؟
لذا ننصح إما بالمسارعة أو وضع قانون السجلات العقارية وضعًا محكمًا قاطعًا لكل إشكال ومؤيدًا بجزاءات مختلفة تضمن له نفاذه وبقاءه، وإما إعادة النظر في قانون التسجيل الحاضر ووضعه بحيث ترتفع عنه شوائب الغموض والنقص، حتى يطمئن الأفراد في معاملاتهم وحتى يضمن الشارع نفاذ قانون السجلات العقارية فيما بعد بطريقة بعيدة عن الشكوك والمخاوف في المعاملات.
ملاحظة: هذا ولما كان لقانون التسجيل ذلك الشأن الظاهر والأثر البين في المساس بالأصول القانونية المقررة بالقانون المدني، وكان قانون التسجيل في ذاته أمارة من الأمارات الدالة على رغبة الشارع هنا وهناك في اعتبار التسجيل وحده دون غيره أداة العلانية ووسيلة الإشهار، وكانت هذه الصحف القليلة لا تتسع في الإدلاء بالأدلة بإسهاب وفي الإفاضة بما يؤكد الإقناع ويثبته، رأينا أن نفرد رسالة على حدة تظهر في أوائل يونيو القادم سنة 1926 نعالج فيها ما شذ من هذا القانون، ومبلغ الصلة القائمة بين أصوله وأحكامه وبين المبادئ القانونية المقررة من قبل، ونبغي فيها على الأخص التعرف على حقيقة التيار التشريعي العالمي الآن لنظرية التسجيل وما تنشره الشرائع الحاضرة من التسجيل باعتباره وحده أداة الإشهار والعلانية، وهنا نحاسب القائمين بالفقه وسدنة القانون على ما حققوه وأثبتوه بشأن حماية الغير في عهد التسجيل القديم، وهل يتفق ما قرروه فيه مع النزعة التشريعية الحاضرة بشأن التسجيل الجديد أم لا يتفق، وسنبين كيف غلب عليهم المنطق البحت وأفسد عليهم وعلى القانون وعلى الأفراد، المبادئ الصحيحة القويمة، التي يجب أن يرجع في تقريرها، وأن لا يرجع في تقريرهما، إلا إلى الاعتبارات العملية، وهي المنبت الحي للقانون الحي. والله الموفق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق