الصفحات

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2021

ملاحظات واقتراحات على بعض نصوص قانون التوفيق والتحكيم في منازعات العمل يحيى محمد مسعود

مجلة المحاماة - العدد الثالث
السنة الرابعة والثلاثون

ملاحظات واقتراحات على بعض نصوص قانون التوفيق والتحكيم في منازعات العمل
لحضرة الأستاذ يحيى محمد مسعود رئيس محكمة استئناف أسيوط

في 8 ديسمبر سنة 1952 صدرت المراسيم الثلاثة بالقوانين (317) و(318) و(319) لسنة 1952 منظمة لشؤون العمال، وفي إبريل سنة 1953 صدر القانون رقم (165) لسنة 1953 معدلاً لأحكام المادة (29) من المرسوم بقانون رقم (317) لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي، وقد دل العمل على أن هذه القوانين وإن سدت ثغرة في التشريع السابق على صدورها إلا أن هناك ملاحظات على كفاية بعض أحكامها لتحقيق الأغراض التي وضعت لتحقيقها وأهمها إنماء العلاقات الحسنة بين العمال وصاحب العمل وحصر النزاع بينهما في أضيق الدوائر توخيًا لصالح الصناعة، وقد دل التطبيق على وجوب تعديل بعض النصوص أو الإضافة إليها خصوصًا في قانون التوفيق والتحكيم وفيما يلي ما نراه من ملاحظات وما نقترحه من تعديل في هذه النصوص:
1 - نصت المادتان (15) و(16) من المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 على اختصاص هيئة التحكيم والإجراءات التي تتبعها عند نظر النزاع المعروض عليها والذي يبدو أن هذه الهيئة بحكم تكوينها المنصوص عليه في المادة (11) من ذلك المرسوم بقانون تعتبر من بين الهيئات ذات الاختصاص القضائي الإداري وأن قراراتها مما يجوز الطعن فيها أمام محكمة القضاء الإداري على الرغم مما نص عليه في المادة (16) من المرسوم بقانون من أن القرار الذي تصدره الهيئة نهائي وله قوة الأحكام النهائية بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه وكان مقتضى ذلك أن تكون الهيئة التي تختص بالنظر في الطعن في قرار الهيئة من ناحية القانون هي محكمة النقض، وأن يكون القرار غير قابل للطعن فيما عدا ذلك على أنه يتعين تحقيقًا للغرض المطلوب من تجنب إطالة أمد النزاع تحديد مواعيد قصيرة لتقديم مثل هذا الطعن والنص على طرق سريعة للإعلان وهذا هو ما أخذ به في النظام الفرنسي للتحكيم.
2 - نص في المواد (13) و(15) و(16) من المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 على الإجراءات التي تتبع عند نظر النزاع أمام هيئة التحكيم ويلاحظ أن هذه الإجراءات مما ينطبق على بعض القواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية بالنسبة للتحقيق وإجراءات الإثبات، ولما كان غرض المشرع سرعة الفصل في النزاع إذ حدد لهذا الفصل في سرعة التحكيم للمواعيد المقررة المنصوص عليها في المادتين (13) و(15) فإن من المتعين لضمان عدم تعطيل الفصل في النزاع أن تطبق هيئة التحكيم إلى جان بذلك أحكامًا أخرى واردة في قانون المرافعات وذلك فيما يختص بحق القاضي في الحكم بالجزاءات التي نص عليها القانون عند تخلف أحد الطرفين عن إيداع المستندات والمذكرات أو عند تخلف الشاهد عن الحضور أمام المحكمة ولا يغني عن ذلك بالنسبة لهذه الحالة الأخيرة ما ورد في الفقرة الأخيرة من المادة (15) من المرسوم بقانون عن تطبيق أحكام قانون العقوبات والإجراءات الجنائية المقررة لأن لإجراءات هيئة التحكيم وقراراتها صبغة مدنية لا شك فيها، ومن ثم فإن من المتعين أن يُضاف إلى المادة (15) من المرسوم بقانون النص على جواز توقيع الجزاءات المقررة في قانون المرافعات في الأحوال الواردة فيه.
3 - دل العمل عند السير في نظر النزاع أمام هيئة التحكيم على أن ميعاد الشهر الذي حدده المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 في المادة (15) منه للفصل في النزاع لا يكفي لذلك إذا ما كان النزاع جسيمًا ومتشعب الأطراف كما هو الحال في أكثر النزاعات التي عرضت أمام هيئات التحكيم أو إذا ما احتاج الأمر في النزاع إلى سماع الشهود أو ندب أهل الخبرة أو المعاينة فضلاً عن كثرة عدد النزاعات التي عرضت والتي بلغت أمام هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة نحو المائتين في الأشهر الستة الأولى من عام 1953 على أنه مما يلاحظ أن هذا الميعاد الذي حتمه القانون كثيرًا ما ينقص منه غياب أحد الطرفين عن الجلسة الأولى التي تحدد لنظر النزاع أو عدم ورود ما يدل على استلامه الكتاب الموصى عليه الذي يخطر فيه بتاريخ هذه الجلسة، وقد ينقص من الميعاد المذكور طلب الطرفين أو أحدهما التأجيل لتقديم مستنداتهما أو إعداد دفاعهما، ومما ترتب على ذلك أن هيئات التحكيم لم تستطع التزام الميعاد الذي حدده القانون في غير النزاعات التي خلت من مثل هذه العوائق وإزاء ما تبين من ذلك جميعه لا شك أن الأمر أصبح يدعو إلى تعديل نص المادة (15) بجعل مدة الفصل في النزاع لا تتجاوز ثلاثة أشهر من بدء نظره بدلاً من شهر واحد.
ولما كان النزاع لا يحال إلى هيئة التحكيم من لجنة التوفيق أو من مكتب العمل إلا عند تعذر تسويته وديًا، وذلك طبقًا لما نص عليه قانون التوفيق والتحكيم فإن من المستطاع أن ينص في القانون على وجوب أن تقوم هاتان الجهتان عند إصدار قرار بإحالة أوراق الموضوع إلى هيئة التحكيم بتكليف الطرفين بإيداع مستنداتهما ومذكرات بدفاعهما في قلم كتاب هذه الهيئة في مدة لا تتجاوز أسبوعين، وذلك حتى ولو لم يكونا قد تسلما بعد كتاب إخطارهما بالجلسة التي تحدد لنظر النزاع أمام هيئة التحكيم وأن يثبت هذا التكليف في قرار الإحالة إلى هذه الهيئة، وهذا الإجراء هو مما يؤدي في معظم الأحوال إلى عدم الانتقاص من المدة التي ينص على عدم تجاوزها للفصل في النزاع من بدء نظره.
4 - لم تنص المادة (15) من المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 على اتباع أحكام قانون المرافعات إلا فيما رأت تطبيقه من هذه الأحكام ولما كانت القرارات التي تصدرها هيئة التحكيم قد يقع في منطوقها غموض أو إبهام مما يحتاج إلى تفسير شأنها في ذلك شأن الأحكام التي تصدر من المحاكم العادية فإن قواعد تصحيح الأحكام وتفسيرها التي نظمها قانون المرافعات لا تسري على قرارات هيئة التحكيم إلا إذا نص على ذلك، وهذه القرارات تصدر بعد المداولة وحسب الأوضاع المنصوص عليها في المادة (16) من المرسوم بقانون سالف الذكر ولها قوة الأحكام النهائية بعد وضع الصيغة التنفيذية عليها غير أنه لما كان طلب التفسير طبقًا للمادة (366) من قانون المرافعات يرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم وذلك بالأوضاع المعتادة لرفع الدعاوى فإن هذه القاعدة ليست مما يتسنى تطبيقه على قرار تصدره هيئة التحكيم إذ أن هذا يقتضي أن يعلن الطرفان أمام هذه الهيئة التي حدد القانون ولايتها بأن جعل اختصاصها قاصرًا على نظر النزاع الذي يحال إليها من هيئة التوفيق عند تعذر تسوية هذا النزاع وديًا أو من مكتب العمل مباشرةً إذا اتفق الطرفان على ذلك (المادتان (9) و(10) من المرسوم بقانون)، وطبقًا لما نص عليه القانون في هذا الشأن لا تستطيع هيئة التحكيم أن تفصل إلا في نزاع يحال عليها موضوعه من إحدى هاتين الجهتين بعد أن تحدد لنظره جلسة في الميعاد المنصوص عليه ولا يستطيع الطرف الذي يطلب التفسير أن يعلن خصمه مباشرةً بالحضور أمام الهيئة للنظر في طلبه لأن هذا الإعلان لا يمكن حصوله طبقًا للنص الذي ورد في قانون المرافعات بغير الطرق المعتادة لرفع الدعاوى وهذه الطرق لم يرد ذكرها في المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 ولا يمكن اتباعها أمام هذه الهيئة بغير نص، ولذا فإنه لا مفر في هذه الحالة من أن يعتبر طلب التفسير موضوع النزاع جديد يجب تقديمه إلى مكتب العمل ابتداء شأنه شأن أي نزاع خاص بالعمل مما تسري عليه أحكام هذا المرسوم بقانون، وفي واقع الأمر أن مثل هذا النزاع يصبح في حقيقته نزاعًا متعلقًا بالتنفيذ لأن مؤداه اختلاف الطرفين على تنفيذ قرار الهيئة وهو بهذه المثابة لا يعدو أن يكون نزاعًا ذا موضوع جديد فلا مانع إذا من السعي أولاً في حسمه بالطرق الودية قبل عرضه على هيئة التحكيم لتفصل فيه عند تعذر تسويته وديًا.
وإذا كان منحى المشرع الإسراع في فض أي نزاع يقع بين العمال وصاحب العمل فإن هذا الغرض مما يتحقق بصورة أوفى لو أن هيئة التحكيم كان لها من الاختصاص بتفسير ما تصدره من قرارات ما للمحاكم في تفسير أحكامها وهذا مما يدعو إلى أن يشتمل نص المادة (15) من المرسوم بقانون سالف الذكر مضمون الحكم الوارد في المواد (366 - 368) من قانون المرافعات مع تعيين طريقة تقديم طلب التفسير وتحديد الجلسة التي ينظر فيها وإعلان الطرفين بالحضور حتى يمتنع بذلك كل لبس في جواز طلب التفسير وفي طريقة رفعه لعدم ورود نص في القانون متعلق بهذا الشأن ولأن مواد قانون المرافعات لا تنطلي وحدها في هذا المقام.
5 - ومما يتصل بالمسألة السابق ذكرها ما يقوم من إشكالات في تنفيذ قرارات هيئة التحكيم بعد صدورها فقد نصت المادة (17) من المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 على عقاب من يمتنع عن تنفيذ قرار التحكيم وهذا النص في إطلاقه يحول دون وقف التنفيذ في أحوال من قبيل ما يعرض في تنفيذ الأحكام مما يستدعي وقف هذا التنفيذ مؤقتًا حتى يفصل في النزاع المتعلق به، ومما يبين أن هذا الإجراء قد تستلزمه الضرورة لدفع ما يؤدي إليه إتمام التنفيذ الخاطئ من نتائج وفضلاً عن تحمل العقاب الذي أورده القانون ولذا فإنه يتعين أن يشتمل نص المادة (17) السالف ذكرها ما يجيز لمن يدعي قيام عقبة مانعة من تنفيذ قرار التحكيم أن يطلب وقف هذا التنفيذ مؤقتًا وفي هذه الحالة ينبغي أن يكون طلبه من رئيس الهيئة التي أصدرت القرار فيأمر بوقف التنفيذ إن رأى لذلك وجهًا مع تكليف الطالب برفع النزاع المتعلق به في ميعاد يحدده رئيس الهيئة وإلا وجب التنفيذ فورًا.
وهنا يتعين بيان أنه حسب الوضع الحالي لنصوص المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 يرفع مثل هذا النزاع كأي نزاع آخر خاص بالعمل فيقدم إلى مكتب العمل ولا يعرض على هيئة التحكيم إلا عند إخفاق السعي في تسويته وديًا، ولما كان هذا مما يغري بالرغبة في إطالة أمد النزاع لتعطيل تنفيذ قرار أصدرته الهيئة في موضوع النزاع الأصلي فقد وجب أن يعرض النزاع المتعلق بمسألة التنفيذ مباشرةً على هيئة التحكيم التي أصدرت ذلك القرار لتفصل فيه دون حاجة إلى تقديمه أولاً إلى مكتب العمل خصوصًا أن إمكان التسوية الودية هو فرض بعيد التحقيق غالبًا في هذه الحالة وأن الهيئة التي سبق أن نظرت النزاع الأصلي قد خبرت مسالكه فهي أسرع إلى فض النزاع القائم على تنفيذه بحيث لا حاجة مطلقًا إلى الرجوع إلى المراحل الأولى التي يجب أن يمر بها كل نزاع خاص بالعمل طبقًا للنصوص في حالتها الحاضرة، ولذا فإنه يتعين أن ينص أيضًا في المادة (17) على أن النزاع في تنفيذ قرار التحكيم يجب أن يرفع مباشرةً إلى هيئة التحكيم ويفضل أن يكون ذلك بإعلان الطالب أوجه منازعته للطرف الآخر مع دعوته للحضور أمام هيئة التحكيم في الجلسة التي يجب تحديدها في ميعاد لا يتجاوز الأسبوعين من تاريخ انتهاء الميعاد المحدد لرفع النزاع وظاهر أن الإجراء على هذا الوجه إنما يقصد به ضمان جدية النزاع وعدم تعطيل الفصل فيه.
6 - إن من المسائل التي تعرض أحيانًا عند نظر النزاع أمام هيئة التحكيم ما إذا كان من الجائز قبول إدخال الغير أو قبول تدخله سواء في مرحلة التوفيق أم في مرحلة التحكيم وهو ما كان يتعين النص على جوازه لأنه لا يمكن القول بأن فيه تعطيلاً للفصل في النزاع في كل الأحوال إذ في الواقع قد يكون في مثول كل من يتصل صالحه بالنزاع أو قد يضار من قيامه أو من الفصل فيه ما يؤدي إلى تحديد الأوضاع على وجهها الصحيح ومن ثم قطع لدابر النزاع، وغني عن البيان أنه ما دام المرجع في قبول طلب الإدخال أو التدخل إلى الهيئة تقدره في ضوء الظروف المحيطة بالنزاع المعروض عليها فإن في ذلك الضمان الكافي لعدم تعطيل الفصل فيه.
7 - صدر القانون رقم (165) لسنة 1953 معدلاً لبعض نصوص المرسوم بقانون رقم (317) لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي بأن حفظ للعامل حقه في حالة فسخ صاحب العمل للعقد بغير مبرر، ومما يلاحظ أن الظروف التي دعت إلى هذا التشريع هي في الواقع أقرب إلى ما يمس الصالح الجماعي للعمال لأن الفصل لا يقع عادةً في حالات فردية بل أصبح مما يوقعه صاحب العمل على عماله أو فريق منهم وقد يلجأ إلى ذلك عن طريق وقف العمل كليًا أو جزئيًا، ومن ثم كان متعينًا أن يشمل هذا التشريع تنظيم وسيلة المحافظة على حقوق العمال من الناحية الجماعية التي يتناولها المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952، وذلك بالنسبة للفصل الذي يوقعه صاحب العمل على جميع عماله أو فريق منهم بالمخالفة لنص المادة (21) من هذا المرسوم بقانون إذ أنه طبقًا للنص الحالي لا يكون لهذه المخالفة من أثر سوى توقيع العقاب المقر في نص المادة (22)، وذلك دون استطاعة هيئة التحكيم إلزام صاحب العمل بالامتناع عن فصل عماله فصلاً تعسفيًا أثناء نظر النزاع إذا لم يكن قد حصل على موافقة وزير الشؤون الاجتماعية على وقف العمل كليًا أو جزئيًا ولو أن هيئة التحكيم خولت بمقتضى التشريع المعدل لقانون عقد العمل بعض ما قرره هذا التشريع لقاضي الأمور المستعجلة من سلطة لأمكن أن تتلافى هذه الهيئة بعض النتائج التي تلحق بجماعة العمال من جراء التصرف التعسفي الذي قد يصدر من جانب صاحب العمل وذلك بأن يجعل لهذه الهيئة سلطة في الحكم عليه بالغرامة إذا ما خالف أمر الهيئة الذي تصدره إليه بالامتناع عن فصل عماله حتى يتم الفصل في النزاع، ولا شك أن الهيئة وهي تقوم بفحص النزاع أقدر على تلمس السبب الحقيقي لتصرف صاحب العمل ومن ثم تستطيع أن تتلافى نتائجه قبل تماديه في تصرفه ولا يكون ذلك إلا لضمان احترام قرارات الهيئة دون انتظار الفصل في النزاع حتى يندفع الضرر الذي ينشأ عن إهمال تنفيذها، وقد يكون طريق الغرامة التهديدية (Astreintes) الذي يملكه القاضي كوسيلة لتنفيذ قراراته أبلغ أثرًا في هذا المقام على أنه ينبغي النص عليه صراحةً لكي يمتنع كل لبس في اختصاص هيئة التحكيم بالحكم بالغرامة المذكورة مع عدم اشتمال القانون مثل هذا النص.
8 - نص المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 على أن يكون تفسير النزاع أمام هيئة التحكيم بلا مصروفات أو رسوم الأمر الذي قد يغري على رفع النزاع لأجل الكيد أو لغير الجد، وإذا كان الداعي إلى هذا الإعفاء ملاحظة فقر العمال نسبيًا فإن واقع الأمر أن معظم النزاعات التي عرضت على هيئات التحكيم قد رفعت من نقابات مكونة بمقتضى القانون ولها موارد تكفي لتولي فض النزاع الذي يرفع باسمها وبواسطة محامٍ يوكل عنها، ومن المتعين لأجل الحد من المنازعة في غير موجب أن تفرض رسوم على نظر النزاع في التحكيم أسوة بما يفرض في أحوال التقاضي، كما ينبغي أيضًا أن تكون لهيئة التحكيم سلطة الحكم بالغرامة على الطرف الذي تقدم بالنزاع إذا ما تبين للهيئة أنه لم يلجأ قبل تقديمه إلى عرض مطلبه على الطرف الآخر محاولاً الحصول على تحقيق ما يطلبه عن طريق التفاهم وإنه كان ميسرًا له حصوله عليه عن هذا الطريق ولكنه لم يفعل وذلك لأنه غني عن البيان أن أساس العلاقة بين العمال وبين رب العمل هي أصلاً وفي الأحوال الجارية علاقة تفاهم على تحقيق المصالح المشتركة وهذا ما يقرره ضمنًا نص المادة (2) من المرسوم بقانون (318) لسنة 1952 عند افتراضه أن تقديم الطلب المتعلق بالنزاع الذي بلغ إلى مكتب العمل لا يكون إلا إذا لم يوفق الطرفان فيما بينهما إلى تسوية النزاع، ويتبين من هذا أن اللجوء بالطلب إلى الهيئات الرسمية التي عينها القانون إذا ما كان لجوؤه إليها في غير موجب أمر يستدعي الجزاء كما يقرر القانون في بعض الأحوال المماثلة، وعلى هذا فإذا ما تحقق للهيئة أن من قدم الطلب قد أثاره قبل أن يطرق باب التفاهم مباشرةً مع الطرف الآخر أو أن الطلب لم يكن جديًا كان للهيئة أن تقرن رفضها للطلب بالحكم على من قدمه شططًا بالغرامة الرادعة كما أنه إذا ما تبينت الهيئة أن هناك لددًا في خصومة الطرف الآخر فإن لها أن تلزمه هذه الغرامة عند تقرير الحق قبله لأن المعنى في الحالتين واحد.
والخلاصة فيما تقدم أن هناك مجالاً لتعديل قانون التوفيق والتحكيم في بعض نصوصه التي سلف ذكرها بما يؤدي إلى تحقيق سرعة الفصل في النزاعات التي تعرض على التحكيم مع جعل هذا الفصل حاسمًا ومنتجًا في التنفيذ، هذا كله مع توخي الإبقاء على العلاقات الحسنة التي يجب أن تسود دائمًا بين صاحب العمل وعماله حتى مع قيام النزاع فلا يتأثر الصالح الاقتصادي بعوامل عارضة يجب حصر أثرها في أضيق الحدود.
وأن مما يعين على تحقيق سرعة إنهاء النزاع النظر فيما أسفر عنه تطبيق النصوص الحالية فيما يختص بالمواعيد التي قررها القانون والتي تبين تعذر مراعاتها في معظم الأحوال خصوصًا عندما تعترض العطلة القضائية السنوية سير العمل العادي في محاكم الاستئناف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق