الصفحات

السبت، 25 ديسمبر 2021

الطعن 534 لسنة 25 ق جلسة 30 / 3 / 1961 مكتب فني 12 ج 1 ق 42 ص 294

جلسة 30 من مارس سنة 1961

برياسة السيد محمود عياد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: صبحي الصباغ، ومحمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف، وفرج يوسف المستشارين.

-------------

(42)
الطعن رقم 534 لسنة 25 القضائية

التزام "مصادر الالتزام" "الإرادة المنفردة" "الوعد بجائزة".
عدم إيراد التقنين المدني الملغى نصاً يحكم الوعد بالجائزة باعتباره صورة من صور الالتزام الناشئ عن الإرادة المنفردة. رد الوعد إلى أحكام العقد التي توجب تلاقي القبول مع الإيجاب السابق عليه. لا خطأ.

----------
إذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن الوعد بالجائزة قد صدر من المطعون عليها بعد إدلاء الطاعن بمعلوماته وأن هذا الوعد يخضع في تكييفه للقانون المدني القديم الذي لا يعترف بالإرادة المنفردة باعتبارها منشئة للالتزام وأن ذلك يقتضي الرجوع إلى القواعد العامة لأحكام العقد التي توجب أن يتلاقى الإيجاب والقبول، لما كان ذلك وكان التقنين المدني الملغي لم يورد نصاً يحكم الوعد بالجائزة باعتباره صورة من صور الالتزام الناشئ عن الإرادة المنفردة ولم يكن من الممكن رد الوعد بالجائزة إلا إلى أحكام العقد التي توجب أن يتلاقى القبول مع الإيجاب السابق عليه، فإن الحكم المطعون فيه يكون صحيحاً إذ التزم هذا النظر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون عليها الدعوى رقم 139 سنة 1949 كلي القاهرة قال فيها إنه على إثر اغتيال المرحوم "أمين عثمان باشا" في مساء يوم 5 يناير سنة 1946 أعلن وزير الداخلية عن مكافأة قدرها خمسة آلاف جنيه لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى معرفة الجاني وشركائه في الجريمة وقد بادر هو إلى الإدلاء بشهادته التي أدت إلى القبض على الفاعل وهو "حسين توفيق أحمد" وكانت شهادته كما نوه الحكم الصادر من محكمة الجنايات - مفتاح القضية. ولذا طلب الحكم بإلزام المطعون عليها بأن تدفع له مبلغ خمسة آلاف جنيه قيمة المكافأة مع الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة والنفاذ. وبتاريخ 14 فبراير سنة 1952 قضت المحكمة للطاعن بطلباته مع قصر النفاذ على مبلغ ألف جنيه واستأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالقضية رقم 250 سنة 69 ق لدى محكمة استئناف القاهرة طالبة إلغاءه ورفض دعوى المستأنف عليه - الطاعن - فيما زاد على مبلغ ألف جنيه وإلزامه المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وبتاريخ 4 أبريل سنة 1953 قضت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم المستأنف إلى مبلغ ألف جنيه بدلاً من الخمسة آلاف جنيه المحكوم بها ابتدائياً مع المصروفات المناسبة والمقاصة في أتعاب المحاماة. وأسست حكمها على أن الطاعن لا يستحق أصلاً المكافأة المعلن عنها لأنه أدلى بمعلوماته قبل صدور الوعد بالمكافأة ولم يكن قد علم بهذا الوعد ومن ثم لا ينعقد التزام الواعد قبله بالمكافأة لأن القبول لم يكن معاصراً أو لاحقاً للإيجاب تطبيقاً لأحكام القانون المدني القديم الذي نشأت في ظله واقعة الدعوى - ما المادة 162 من القانون المدني الجديد التي تقضي باستحقاق المكافأة التي يعلن عنها لكل من يدلي بالمعلومات الصادر بشأنها الوعد ولو لم يكن يعلم من أمر الوعد شيئاً فإنها لا تنطبق على واقعة الخصومة التي حصلت قبل التشريع المدني الجديد. هذا فضلاً عن أن استحقاق المكافأة بموجب النص المستحدث لا يتحقق إلا إذا كانت المعلومات التي تقدم بها الطاعن تؤدي بذاتها إلى الكشف عن الجاني أو كانت متضافرة مع معلومات غيره ممن تجمعه بهم رابطة الاتفاق والتعاون على تقديم المعلومات المؤدية إلى الغرض المطلوب. أما معلومات الطاعن فإنها لا تعدو أن تكون اشتباهاً في شخص الجاني الذي لولا تعرف شهود الحادث عليه لما ثبتت التهمة ولا علاقة بين الطاعن وبين هؤلاء الشهود. وما ذكرته المطعون عليها أمام المحكمة الابتدائية من أقوال عن أحقية الطاعن لجزء من المكافأة لا يعد إقراراً قضائياً بالمعنى المقصود قانوناً وبالرغم من ذلك فإن المطعون عليها حين استأنفت الحكم الابتدائي قصرت استئنافها على ما زاد عن مبلغ 1000 جنيه فيتعين الحكم بهذا المبلغ للطاعن. وبتاريخ 10 أكتوبر سنة 1955 قرر الطاعن بالطعن بالنقض في هذا الحكم طالباً نقضه وإحالة القضية إلى محكمة استئناف القاهرة مع إلزام المطعون عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقدمت النيابة العامة مذكرة انتهت فيها إلى طلب رفض الطعن وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 13 أبريل سنة 1960 وفيها صدر القرار بإحالته إلى دائرة المواد المدنية والتجارية وبتاريخ 2 مايو سنة 1960 أودع وكيل الطاعن صورة من تقرير الطعن مؤشراً عليها بقرار الإحالة ومعلنة للمطعون عليها في 27 أبريل سنة 1960 كما أودع مذكرة شارحة لأسباب الطعن وبتاريخ 18 مايو سنة 1960 أودع وكيل المطعون عليها مذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة ثم أودعت النيابة مذكرة صممت فيها على رأيها وأخيراً نظر الطعن أمام هذه الدائرة بجلسة 2 مارس سنة 1961.
ومن حيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب يتحصل أولها في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وفي تحصيل فهم الواقع في الدعوى ذلك أنه ركن إلى أن الإرادة المنفردة بإعلان الجائزة ليست مصدراً من مصادر الالتزام في ظل التقنين المدني القديم وأن الوعد بالجائزة يخضع للأحكام العامة المقررة للعقد ولا ينتج أثره إلا إذا صادف الإيجاب القبول في حين أن القضاء في ظل القانون المدني القديم قد أخذ بالإرادة المنفردة كمصدر للالتزام وأقر الوعد بالجائزة لاعتباره أمراً ملزماً وأن القانون المدني الجديد إنما قنن ما استقر عليه القضاء في ظل القانون القديم هذا فضلاً عن أنه قد ثبت من واقعة الدعوى أن الطاعن ظل يدلي بأقواله أمام النيابة إلى الساعة الخامسة من صباح يوم 6 يناير سنة 1946 أي إلى ما بعد ظهور الصحف التي نشرت الوعد بالجائزة مما يتعين معه اعتبار العقد إذا لزم هذا القول منعقداً وفد سلم الحكم نفسه بهذه الوقائع ولكنه أهدر مدلول الثابت بالأوراق بما قرره من أن القبول كان سابقاً على الإيجاب.
ومن حيث إن هذا النعي مردود - أولاً - بأن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أنه ثبت من دفاع طرفي الخصومة ومن أوراق الدعوى ومستنداتها أن الوعد بالجائزة صدر بعد أن أدلى الطاعن بمعلوماته وكان ذلك محمولاً على ما استخلصه من مذكرات الطاعن ومن تحقيقات النيابة وأوراق الدعوى ولما كان الطاعن لم يقدم صوراً رسمية من الأوراق التي ينعى على الحكم مخالفة الثابت فيها فإن النعي يكون عارياً عن الدليل. ومردود - ثانياً - بأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على ما يخلص في أن الوعد بالجائزة قد صدر من المطعون عليها بعد إدلاء الطاعن بمعلوماته وأن هذا الوعد يخضع في تكييفه للقانون المدني القديم الذي لا يعترف بالإرادة المنفردة باعتبارها منشئة للالتزام وأن ذلك يقتضى الرجوع إلى القواعد العامة لأحكام العقد التي توجب أن يتلاقى الإيجاب والقبول. ولما كان التقنين المدني الملغى لم يورد نصاً يحكم الوعد بالجائزة باعتباره صورة من صور التزام ناشئ عن الإرادة المنفردة ولم يكن من الممكن رد الوعد بالجائزة إلا إلى أحكام العقد التي توجب أن يتلاقى القبول مع الإيجاب السابق عليه وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه يكون صحيحاً.
ومن حيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه أخطأ فهم الواقع وقضى على خلاف الثابت بالأوراق فيما قرره من أن أقوال الطاعن كانت مجرد شبهة لا تكفي وحدها في إدانة الجاني دون حاجة إلى أن تساندها باقي الأدلة في حين أن الثابت في التحقيقات وفي حكم محكمة الجنايات أن الطاعن هو أول من أدلى باسم المتهم الذي أعلنت الجائزة لمن يرشد عنه وهو الذي قال عنه هذا الحكم إنه كان مفتاح القضية وأن باقي الشهود لم يعينوا الجاني إلا بوصفه وأن هذا الوصف ينطبق على كثيرين فلم تكن أقوالهم لتؤدي إلى الاهتداء إليه.
ومن حيث إن النعي في هذا السبب غير منتج لما سبق بيانه في الرد على السبب الأول.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه خالف مبدأ حياد القاضي إذ وصف دفاع المطعون عليها أمام المحكمة الابتدائية بأنه دفاع مضطرب مشوش وتجاهل تسليمها للطاعن بخمس المكافأة بمقولة إنها بهذا التسليم أخطأت التكييف القانوني في حين أن ما صدر منها هو إقرار قضائي ملزم ويتعين على المحكمة الأخذ به ما دام أن المقر لم يعدل عن إقراره لأي خطأ يدعيه وقد أدى خروج الحكم عن حياد القاضي إلى الخطأ في فهم الواقع كما أخطأ فيما قرره من أن الظروف المحيطة لم تكن تسمح للطاعن بالتعرف على ما يجرى خارج التحقيق خاصاً بصدور الوعد بالجائزة في حين أن الحكم لم يستند في ذلك إلى دليل من أوراق الدعوى.
ومن حيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بأنه لما كان الحكم المطعون فيه قد كيف الدعوى على وجهها الصحيح بما يقتضي عدم أحقية الطاعن في الجائزة وكانت المطعون عليها قد أقرت باستعدادها لأن تعطي الطاعن ألف جنيه وكان الحكم المطعون فيه قد أولى هذا الإقرار اعتباره واعتد به وجعله دعامة ما قضى به فإنه لا يكون للطاعن جدوى فيما ينعاه في هذا الخصوص ومردود في شقه الثاني بما رد به السبب الأول.
ومن حيث إن الطاعن ينعى في السبب الرابع على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون لأنه ألغى الحكم الابتدائي فيما قضى به من فوائد بمقولة إن الحق المقضى به محل نزاع في حين أن المبلغ محل الالتزام كان محدداً بالوعد بالجائزة فكان يتعين الحكم بالفوائد عنه من تاريخ المطالبة الرسمية على الأقل لأن الالتزام يقوم على مبلغ من النقود محدد المقدار ومستحق الأداء والقضاء به يعتبر مقرراً للحق لا منشئاً له.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأن المادة 124 من القانون المدني القديم نصت على أنه "إذا كان المتعهد به عبارة عن مبلغ من الدراهم فتكون فوائده مستحقة من يوم المطالبة الرسمية فقط..." ومؤدى ذلك أنه يشترط لسريان الفوائد أن يكون المبلغ المطالب به محل التزام. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه على أن المطعون عليها غير ملزمة قبل الطاعن بوعدها بالجائزة وكان هذا الذي انتهى إليه الحكم يؤدي إلى رفض الدعوى وأنه قد حال دون رفضها أن المطعون عليها قد قصرت استئنافها على ما زاد عن مبلغ ألف جنيه مما يخرج المبلغ المقضى به عن نطاق المادة 124 من القانون المدني القديم فإنه لا يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إن الطاعن ينعى في السبب الخامس على الحكم المطعون فيه أنه شرط لاستحقاق الجائزة أن يكون العمل المطلوب قد بلغ مرحلة الإتمام ومؤدياً في ذاته إلى النتيجة التي رمى إليها الواعد دون أن يبين ما يعنيه من هذا الإتمام حتى يكون الحكم على عمل الطاعن مؤسساً على قاعدة ثابتة خصوصاً وأن الطاعن قد أرشد عن الجاني وكانت أقواله في هذا الخصوص لا تحتاج من الأدلة ما يساندها وقد كانت بالغة مرحلة الإتمام طبقاً لصيغة الإعلان الصادر بالجائزة ومفادها "منح الجائزة لكل من يدلى بمعلومات تؤدي إلى معرفة الجاني" وقد كانت أقواله وافية بالغرض المطلوب إذ أدت إلى القبض على الجاني فوراً مما يجعل الحكم على غير مقتضى الواقع ومبنياً على استدلال غير سليم ومشوباً بالقصور فضلاً عن تناقضه في قضائه بالمبلغ المحكوم به رغم قوله بعدم التقيد بإقرار الحكومة بهذا المبلغ.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأن ما قرره الحكم في هذا الشأن تزيد استطرد عليه في مقام اقتراض أن القانون المدني الجديد هو الواجب التطبيق وهذا التزيد لا يعيب الحكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق