الصفحات

السبت، 25 ديسمبر 2021

الطعن 363 لسنة 26 ق جلسة 30 / 3 / 1961 مكتب فني 12 ج 1 ق 40 ص 280

جلسة 26 من إبريل سنة 1962

برياسة السيد المستشار محمد متولى عتلم، وبحضور السادة المستشارين: محمود القاضي، ومحمود توفيق إسماعيل، وأحمد شمس الدين، ومحمد عبد اللطيف مرسى.

-----------------

(79)
الطعن رقم 363 لسنة 26 القضائية

نقل. "نقل الأشخاص". "الالتزام بسلامة الراكب". التزام "الخطأ العقدي" "الالتزام بتحقيق غاية". إثبات. مسئولية.
(أ، ب) عقد نقل الأشخاص يلقى على عاتق الناقل التزاما بضمان سلامة الراكب. التزام بتحقيق غاية. يكفى الراكب إثبات إصابته أثناء تنفيذ العقد ويعتبر هذا إثباتا لإخلال الناقل لالتزامه وقيام مسئوليته عن الضرر الناشئ عن الإصابة بغير حاجة إلى إثبات وقوع خطأ من جانبه. لا ترتفع هذه المسئولية إلا بالقوة القاهرة أو خطأ المضرور أو خطأ من الغير لم يكن في مقدور الناقل توقعه أو تفاديه، متى كان هذا الخطأ وحده هو سبب الضرر الحادث للراكب.

--------------
1 - إن عقد نقل الأشخاص يلقى على عاتق الناقل التزاما بضمان سلامة الراكب، بمعنى أن يكون ملتزما بتوصيله إلى الجهة المتفق عليها سليما، وهو التزام بتحقيق غاية بحيث إذا أصيب الراكب فانه يكفى أن يثبت أنه أصيب أثناء تنفيذ عقد النقل ويعتبر هذا منه إثباتا لعدم قيام الناقل بالتزامه، ومن ثم تقوم مسئولية الناقل عن هذا الضرر بغير حاجة إلى إثبات وقوع خطأ من جانبه.
2 - لا ترتفع مسئولية الناقل عن سلامة الراكب إلا إذا أثبت هو - أى الناقل - أن الضرر (الحاصل للراكب) قد نشأ عن قوة قاهرة أو عن خطأ من المضرور أو عن خطأ من الغير، على أنه يشترط في خطأ الغير الذى يعفى الناقل من المسئولية إعفاء كاملا ألا يكون في مقدور الناقل توقعه أو تفاديه وأن يكون هذا الخطأ وحده هو سبب الضرر. فاذا كانت الوقائع التي أوردها الحكم لا يبين منها أن مصلحة السكك الحديدية لم يكن في مقدورها توقع خطأ الغير (محاولة تهريب مواد متفجرة في القطارات وإلقائها) الذى سبب إصابة الراكب، أو منع هذا الخطأ، بل كان من الممكن توقعه وتفاديه باتخاذها الاحتياطات الكفيلة بمنع نقل المواد المتفجرة ومنع إلقائها، فان هذا الخطأ من الغير لا يعفى الناقل (مصلحة السكك الحديدية) من المسئولية إعفاء كليا.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن - تتحصل في انه في 21 من أغسطس سنة 1950 حدث انفجار بقطار الركاب رقم 265 القادم من مرسى مطروح إلى الإسكندرية نتيجة إلقاء أحد الركاب بستة أجولة بها مواد متفجرة (جلجنيت) من القطار أثناء سيره فسقط أحدها تحت العجلات ومرت عليه فحدث الانفجار الذى أودى بحياة بنت المطعون عليهما التي كانت من بين ركاب ذلك القطار - فأقام المطعون عليهما الدعوى رقم 1036 سنة 1951 كلي الإسكندرية ضد الطاعنين وطلبا إلزامهما بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه تعويضا لهما عما أصابهما من أضرار نتيجة لخطأ الطاعنين الذى يتمثل في إهمال رجال السكة الحديدية في الإشراف على سلامة الركاب وفى العمل على منع نقل المواد المتفجرة في القطارات ولاسيما قطارات الركاب القادمة من الصحراء الغريبة لسابقة تهريب المواد المتفجرة بها وحدوث انفجارات فيها وقالا إن مسئولية مصلحة السكة الحديدية في هذه الحالة مسئولية تعاقدية تترتب على عقد النقل - وبتاريخ 18 من فبراير سنة 1953 حكمت المحكمة الابتدائية بالزام الطاعنين بأن يدفعا للمطعون عليهما مبلغ ألفى جنيه والمصروفات المناسبة فاستأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم 189 الحكم بالاستئناف رقم 189 سنة 9 ق الإسكندرية وأسسا استئنافهما على ما كانا قد دفعا به أمام محكمة أول درجة من أنه لم يقع خطأ من جانبهما وأن الحادث وقع نتيجة خطأ من الغير وأن من شأن هذا الخطأ أن يرفع المسئولية عنهما سواء عرفت شخصية هذا الغير أو لم تعرف وبتاريخ 29 من فبراير سنة 1956 حكمت محكمة استئناف الإسكندرية بتأييد الحكم المستأنف فطعن الطاعنان في هذا الحكم الاستئنافي بطريق النقض وذلك بتقرير في قلم كتاب هذه المحكمة تاريخه 16 من يوليه سنة 1956 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 21 من ديسمبر سنة 1960 وفيها صممت النيابة على ما جاء بمذكرتها التي طلبت فيها نقض الحكم وقررت دائرة الفحص في تلك الجلسة إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبعد استيفاء الإجراءات حدد لنظره أخيرا جلسة 29/ 3/ 1962 وفيها أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه في سببين يتحصل أولهما في مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أنه قضى بمسئولية مصلحة السكة الحديدية عن الضرر رغم ما ثبت من أن هذا الضرر إنما ترتب على فعل الغير الذى ألقى بأجولة من المتفجرات من القطار وقد أسس الحكم قضاءه على أن المصلحة كان يمكنها تفادى الحادث لو أنها شددت الرقابة لمنع هذا الغير من إلقاء الأجولة ويقول الطاعنان إن المسئولية سواء كانت تعاقدية أو تقصيرية يجب أن يتوافر لقيامها ثلاثة أركان هي الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما وعلاقة السببية هذه تنتفى بوجود السبب الأجنبي وان الثابت هو أن مصرع ابنة المطعون عليهما قد نتج عن إلقاء أحد الركاب أجولة بها مادة متفجرة فانفجر أحدها وهذا هو السبب المباشر للحادث وهو خطأ من هذا الراكب الذى لم يعرف وليس من الضروري أن يكون الغير معروفا ما دام الدليل قد قام على أن الحادث كان من بين أسبابه خطأ صدر من شخص ثالث لم يعرف أما قول الحكم بأن المصلحة قد أخطأت فانه فضلا عن انه قول مرسل ملقى على عواهنه فانه بفرض حصول هذا الخطأ فليس هو السبب المباشر أو المنتج إذ لو أن المصلحة كانت قد عينت العديد من المفتشين كما قالت محكمة الموضوع فان ذلك لم يكن من المحتمل أن يمنع الحادث إذ ليس في وسع هؤلاء المفتشين ولا من سلطتهم تفتيش أمتعة الركاب لأن التفتيش لا يجوز إلا في الأحوال المعينة في القانون ولا يجوز الالتجاء إليه لاكتشاف الجرائم فالحكم المطعون فيه إذ قضى بالتعويض على أساس أن المصلحة لم تحاول منع الحادث ثم كيف هذا الامتناع بأنه خطأ مع أنه في الواقع ليس خطأ على الإطلاق ولو كان خطأ فانه خطأ عارض غير منتج تنتفي به علاقة السببية بين الخطأ والضرر - فان الحكم يكون قد خالف القانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أنه "لا خلاف في أن تصوير الحادث هو أن أحد الركاب ألقى من القطار ستة أجولة جاءت خمسة منها بعيدة عن عجلات القطار وسقط السادس تحت القطار فمرت عليه العجلات فحصل الانفجار الذى أودى بحياة بنت المستأنف عليهما (المطعون عليهما) وحيث إنه من جهة مسئولية الناقل إزاء الراكب أهي مسئولية عقوبة أم مسئولية تقصيرية فقد أصبح من المفروغ منه الآن أن هذه المسئولية هي مسئولية عقدية ترتب على الناقل أن يوصل الراكب سليما وكل ما على الراكب أن يثبته هو أن الحادث وقع أثناء السفر دون أن يكلف إثبات سبب الحادث ولا علاقته بالسفر... إذ يعتبر الناقل متعهدا بنقل المسافر سليما وإلا اعتبر مسئولا مسئولية لا يرفعها عنه إلا أن يثبت أن الحادث يرجع إلى خطأ غير متوقع من المسافر أو من الغير أو إلى قوة قاهرة لا تتصل بمهمات النقل. وحيث إن مصلحة السكة الحديدية تعتمد في دفع المسئولية عنها على أن أحد الركاب قد ألقى جوالا به مواد متفجرة تحت عجلات القطار فمر عليها فحدث الانفجار الذى سبب الحادث... وحيث إنه من المشروط في خطأ الغير المعفى من المسئولية أن يكون غير متوقع ومن غير الممكن تفاديه. وحيث إن الواضح هنا أن الفعل الذى تسب عنه الحادث مباشرة هو إلقاء جوال به مواد متفجرة سقط تحت عجلات القطار وهذا الفعل متوقع الحصول قد احتملته لوائح السكة الحديدية فمنعته مقدما وحرمت على الركاب إلقاء شيء من القطار. والفعل أيضا كان من الممكن تفاديه لو أن عمال السكة الحديدية حاولوا أن يوقفوا هذا الراكب عن إلقاء الأجولة وظاهر أن إلقاءها لم يكن دفعة واحدة لأن هذا غير متصور ماديا وظاهر أيضا انه قد القيت خمسة قبل إلقاء الجوال الأخير الذى سقط تحت العجلات فسبب الحادث فلو أن أحدا من عمال السكة الحديدية أوقف الراكب عن سوء فعلته لما كان تمادى في الإلقاء حتى ألقى الجوال الأخير ولكن الظاهر من الأوراق انه لم يتعرض له أحد من عمال القطار فتمادى حتى القى الجوال الأخير.. وقد أسبغت القرارات على عمال المصلحة صفة الضبطية القضائية تمكينا لهم من مراقبة تنفيذ القرارات الخاصة بنظم السكة الحديدية ولا تستطيع المصلحة ان تتحلل من شرط عدم إمكان التفادي لقصور عدد عمالها عن إمكان مراقبة حركات الركاب ومنعهم عن الإتيان بعمل مخالف لأن قلة عدد العمال لا يمكن أن يندرج تحت شرط عدم إمكان التفادي وفى ظروف القضية لا يظهر أنه استحال على عمال المصلحة منع هذا الراكب من عملية الإلقاء لأنه لم يثبت أن أحدا منهم لاحظ فعلته أو حاول منعه فاستعصى عليه ذلك بل الثابت أنه لم يكن هناك أحد من عمال المصلحة حين قام هذا الراكب بإلقاء الأجولة ومن ثم فإن فعل الراكب هذا لا يمكن أن يندرج تحت خطأ الغير بشرائطه المطلوبة للإعفاء من المسئولية تلك المسئولية المشددة على أمين النقل" - وهذا الذى قرره الحكم وأقام عليه قضاءه صحيح في القانون ذلك أن عقد نقل الأشخاص يلقى على عاتق الناقل التزاما بضمان سلامة الراكب بمعنى أن يكون ملزما بأن يوصله إلى الجهة المتفق عليها سليما وهذا الالتزام هو التزام بتحقيق غاية فإذا أصيب الراكب فإنه يكفى أن يثبت أنه أصيب أثناء تنفيذ عقد النقل ويعتبر هذا منه إثباتا لعدم قيام الناقل بالتزامه فتقوم مسئولية الناقل عن هذا الضرر بغير حاجة إلى إثبات وقوع خطأ من جانبه ولا ترتفع هذه المسئولية إلا إذا أثبت هو أن الحادث نشأ عن قوة قاهرة أو عن خطأ من الراكب المضرور أو خطأ من الغير ويشترط في خطأ الغير الذى يعفى الناقل من المسئولية إعفاء كاملا ألا يكون في مقدور الناقل توقعه أو تفاديه وأن يكون هذا الخطأ وحده هو الذى سبب الضرر للراكب ولما كانت الوقائع كما سجلتها محكمة الموضوع في حدود سلطتها الموضوعية لا يبين منها أن مصلحة السكة الحديدية لم يكن في مقدورها توقع خطأ الغير الذى سبب الانفجار ومنع هذا الخطأ بل إن محاولة تهريب المواد المتفجرة في القطار على النحو الذى فعله هذا الغير والذى أدى إلى الانفجار هو أمر كان في استطاعة المصلحة توقعه وبخاصة - كما قال الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه - في القطارات القادمة من الصحراء حيث يتسع مجال تهريب المواد المتفجرة - كما كان في مقدور المصلحة أيضا تفادى عواقب هذا الفعل لو أنها اتخذت الاحتياطات الكفيلة بمنع نقل المواد المتفجرة في القطار ومنع إلقائها منه أثناء سيره ولا يهم ما قد تكبدها هذه الاحتياطات من مشقة ومال إذ طالما كان في الإمكان تفادى عواقب خطأ الغير بأية وسيلة فإن هذا الخطأ لا يعفى الناقل من المسئولية إعفاء كليا.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه في السبب الثاني التخاذل في التسبيب والقصور ذلك أنه استخلص نتائج من أسباب يستحيل عقلا أن تؤدى إليها فقد أقام الحكم قضاءه بمسئولية المصلحة على أن اللوائح تمنع الركاب من إلقاء أي شيء من القطار وكان من الممكن للمصلحة أن تتفادى ذلك لو كان عمالها قد أوقفوا هذا الراكب عن إلقاء الأجولة حالة أن مخالفة الراكب لهذا الحظر لا تدل إلا على أنه قد ارتكب خطأ بهذه المخالفة ولا تؤدى إلى تحميل المصلحة المسئولية عن هذا الخطأ أما قول الحكم بأنه كان في إمكان المصلحة منع وقوع هذا الخطأ فإنه قول غير مستساغ إذ لا يمكن للمصلحة أن تمنع المخالفات مهما شددت الرقابة ووضعت جنديا مع كل راكب والأخذ بقول الحكم في هذا الشأن يؤدى إلى أن تكون الحكومة مسئولة عن جميع الجرائم التى يرتكبها الأفراد.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أن النتيجة التي انتهى إليها الحكم محمولة على أسباب قانونية وواقعية تؤدى إليها وليس في هذه الأسباب تخاذل أو قصود يعيبها.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق