الصفحات

الاثنين، 6 ديسمبر 2021

الطعن 2335 لسنة 80 ق جلسة 6 / 12 / 2017 مكتب فني 68 ق 121 ص 1139

جلسة 6 من ديسمبر سنة 2017 
 برئاسة السيد القاضي / أبو بكر البسيوني نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / مجدي عبد الرازق ، منتصر الصيرفي ، حسام مطر ومحمود عمر نواب رئيس المحكمة .
-----------

(121)

الطعن رقم 2335 لسنة 80 القضائية

حكم " حجيته " " تسبيبه . تسبيب معيب " . قصد جنائي . اشتراك . نقض " أسباب الطعن . ما يقبل منها " . 

الأحكام النهائية الصادرة بالبراءة . اعتبارها عنواناً للحقيقة للمتهمين المقضي ببراءتهم أو لسواهم . متى أقيمت على نفي الواقعة أو عدم العقاب عليها . علة ذلك ؟

احتجاج المتهم بسبق صدور حكم بالبراءة لمتهم آخر . شرطه : أن تكون الأسباب التي أقيمت عليها البراءة مؤدية بذاتها إلى براءة المتهم المطلوب محاكمته . مؤدى ذلك ؟

الأحكام الصادرة بالبراءة لانعدام القصد الجنائي لدى الفاعل . لا تصلح للاحتجاج بها بالنسبة للشريك . مخالفة الحكم هذا النظر . خطأ يوجب النقض والإعادة . أساس وعلة ذلك ؟

مثال .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لمَّا كان الحكم المطعون فيه - بعد أن بين واقعة الدعوى كما صورها الاتهام – أقام قضاءه ببراءة المطعون ضده على قوله " .... وحيث إن المحكمة لا تجد في الأدلة المقدمة من النيابة العامة السابق سردها في هذا الحكم ما يكفي لإقناعها بإدانة المتهم / .... لعدم توافر الجريمة موضوع التهمة المسندة إليه لما يلي .... أولاً : أنه من المقرر بنص المادتين 454 ، 455 من قانون الإجراءات الجنائية أن قوة الأمر المقضي للحكم الجنائي سواء أمام المحكمة الجنائية أو أمام المحاكم المدنية لا تكون إلا للأحكام النهائية بعد صيرورتها باتة ، وأن الحكم متى صار كذلك أصبح عنواناً للحقيقة ، فلا يصح النيل منه ولا مناقشة المراكز القانونية التي استقرت به ويضحى الحكم بذلك حجة على الكافة ، حجية متعلقة بالنظام العام بما يوجب على المحاكم إعمال مقتضى هذه الحجية ولو من تلقاء نفسها ، كما أنه من المقرر أنه متى صار الحكم ببراءة المساهمين في الجريمة على أسباب عينية أي موضوعية – كالتي بنيت على أسباب تتعلق بالواقعة ذاتها مثال عدم توافر أحد أركان الجريمة أو عدم ثبوت ارتكاب الفعل المكون للجريمة يجب قانوناً أن يستفيد منه كل من يتهمون في ذات الواقعة باعتبارهم فاعلين أصلين أو شركاء سواء قدموا للمحاكمة معاً أو قدموا على التعاقب بإجراءات مستقلة وذلك على أساس وحدة الواقعة الجنائية وارتباط الأفعال المنسوبة لكل من عزى إليه المساهمة فيها فاعلاً أصلياً أو شريكاً ارتباطاً لا يقبل بطبيعته أي تجزئة ويجعل بالضرورة صوالحهم المستمدة من العامل المشترك بينهم وهو الواقعة التي اتهموا فيها متحدة اتحاداً يقتضي أن يستفيد كل منهم من كل دفاع مشترك ، ولما كان ذلك ، وكان البين من حكم محكمة النقض البات في الطعن رقم .... المشار إليه – أن النيابة العامة رفعت الدعوى الجنائية على كل من المحكوم عليهما ( الخبيرتان بمكتب خبراء وزارة العدل بـ .... ) والمتهم الحالي بوصف أن المتهمين الأولى والثانية ارتكبا جرائم الحصول على ربح بدون وجه حق للمتهم الثالث ( المتهم الحالي ) والتزوير في محررين رسميين هما تقريري الخبرة المودعين من كل منهما في الدعويين المُشار إليهما واستعمالهما لهذين المحررين ، وكانت محكمة النقض قد استبعدت هذه التهم جميعاً قبل السابق الحكم عليهما المذكورتين على سند من افتقار الدعوى إلى الدليل المعتبر أو القرينة على أن المتهمتين عمدتا إلى الحصول على ربح للغير بدون وجه حق واستناداً على أن ما أثبتتاه هاتين المتهمتين بالتقريرين لم تقصدا به تغيير الحقيقية بقصد التزوير وانتهت محكمة النقض إلى أن الاتهام قبلهما على غير سند من الواقع والقانون وأعطت محكمة النقض التكييف القانوني والوصف الصحيح للواقعة وهي جريمة جنحة الإضرار بإهمال المؤثمة بالمادة 116 مكرر أ من قانون العقوبات وأدانتهما بذلك القيد والوصف ، وإذ كان ذلك ، وكان حق المتهم بوصفه شريكاً بالاتفاق والمساعدة في تلك الجرائم المسندة للسابق الحكم عليهما مرتبط بمركز السابق الحكم عليهما سالفتي الذكر بالحكم البات الذي حاز قوة الأمر المقضي على التفصيل السابق الذي قطع بعدم ثبوت تلك الجرائم - أي انتفاء تلك الجرائم في الواقعة ومن باب أولى عدم وجود اتفاق بين المتهم والسابق الحكم عليهما على اقتراف تلك الجرائم وإلى أن الواقعة لا تعدو أن تشكل جريمة جنحة الإهمال – الأمر الذي ينهار معه الأساس الواقعي والقانوني لتهمة الاشتراك المنسوبة للمتهم ، ولما كان ذلك ، وكان الاشتراك في الجرائم لا يقوم ولا يتحقق إلا في الجرائم العمدية ولا يتصور في جرائم الخطأ والإهمال بما لازمه عدم قصور نسبة الاشتراك بإهمال في حق المتهم ، ومن ثم فالمحكمة لا يسعها والحال كذلك إلا أن تقضي ببراءة المتهم مما أسند إليه عملاً بالمادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية . ثانياً : أنه لا ينال من ذلك الاستخلاص الذي انتهت إليه المحكمة – ما طلبته النيابة العامة من تعديل وصف الاتهام – ضد المتهم بمذكرتها المقدمة لهذه المحكمة بجلسة .... – إلى اشتراك المتهم مع الخبيرتين السابق الحكم عليهما في الحصول على ربح وتزويرهم تقريري الخبرة المودعين في الدعويين المدنيتين واستعمال هذين التقريرين على النحو الوارد بهذه المذكرة والتي حصلها الحكم في أسبابه – ذلك أن هذا الوصف الجديد – لم يضف جديداً إلى الاتهام الذي رفعت به الدعوى سلفاً بأمر الإحالة – بعد أن استبعدت محكمة النقض في حكمها البات جرائم التربح والتزوير ومن باب أولى استعمال المحررات المزورة – بل قطعت بانحسار صفة التزوير عن هذين التقريرين وقالت أن تغيير البيانات في هذين التقريرين لا يعدو أن يكون من قبيل الإهمال الجسيم ، الأمر الذي يدفع المحكمة إلى إثبات إلى أن هذا الوصف الجديد وارداً على غير محل له من وقائع بأوراق الدعوى فتطرحه المحكمة ولا تلتفت إليه سيما وأن ما جاء بالوصف الجديد المشار إليه بمذكرة النيابة العامة من تقديم المتهم لصورة العقد المسجل رقم .... أمام الخبيرتين بحسبانه مزوراً ، فإن ذلك من النيابة العامة فإنه فضلاً عن أن ذلك العقد المسجل لا ينسلخ من المستندات والأوراق التي يتكون منها هذين التقريرين في الدعويين المدنيتين قد قطع الحكم الجنائي البات سالف البيان بعدم تزويرهما ، فإن العقد يكون غير مزوراً ولا يقدح في ذلك شطبه أو استحالة تطبيقه على الطبيعة إذ لا ينهض ذلك دليلاً على تزويره خاصة وأن طلبات الشركة التي يمثلها المتهم في الدعويين المقدم فيهما صورة هذا العقد المسجل لا زالتا مرددتان بين الخصوم فيهما والتي قضت محكمة النقض المدنية في الدعوى رقم .... في الطعن رقم .... الصادر بجلسة .... بنقض الحكم المطعون فيه وإعادتها من جديد لبحث طلبات الشركة التي يمثلها المتهم والتي تدور حول مدى توافر شروط التملك بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية للمساحات موضوع الدعويين .... ، .... بحسبان أن تقديم صورة هذا العقد المسجل كان لا يعدو أن يكون قرينة على تاريخ وضع يد البائعين لتلك المساحات للشركة التي يمثلها المتهم بوصفها مشتريه للأرض موضوع التداعي " ، لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه إذا كانت الأحكام الجنائية الصادرة بالبراءة بناءً على أن الواقعة المرفوعة بها الدعوى العمومية لم تقع أصلاً أو أنها في ذاتها ليست من الأفعال التي يعاقب القانون عليها تعتبر عنواناً للحقيقة سواء بالنسبة للمتهمين الذين قضى لهم بالبراءة فيها أو لسواهم ممن ينسب إليهم ، ولو في إجراءات لاحقة المساهمة في تلك الواقعة عينها فاعلين أو شركاء ، إذا كانت هذه الأحكام تعتبر كذلك فالعلة إنما هي وحدة الواقعة الجنائية وارتباط الأفعال المنسوبة لكل متهم ارتباطاً غير قابل بطبيعته لأية تجزئة ومقتضياً انتفاء كل تفرقة بين هؤلاء المتهمين في صوالحهم المستمدة من ذلك العامل المشترك بينهم ، وهو الواقعة المتهمون هم فيها ، بل مقتضياً حتماً أن تكون تلك الصوالح مستمدة اتحاداً يستوجب أن يستفيد كل متهم من أي دفاع مشترك وهذه العلة أساسها   ما تمليه المصلحة العامة من وجوب تجنب ما تتأذى به الجماعة من قيام أي تناقض في الأحكام الجنائية المتعلقة بالأرواح والحريات ، الأمر الذي يقتضي اعتبار تلك الأحكام وهذا شأنها ، حجة في حق الناس كافة ما دام ذلك لا يكون فيه مساس بما هو مقرر لكل متهم عند محاكمته من كامل الحق في الدفاع ، وهذا هو الذي حدا بالشارع إلى أن يسن للمحاكم التي تصدر هذه الأحكام نظاماً خاصاً يغاير ما وضعه للمحاكم المدنية إذ يسر لها السبيل لأن تتحرى الحقائق مجردة بغض النظر عن أشخاص الخصوم الماثلين أمامها دون تقيد بأقوالهم أو طلباتهم التي يدلون إليها ، وإذن فلا يصح عند محاكمة أي متهم عن واقعة أن يحتج بسبق صدور حكم بالبراءة لمتهم آخر بذات الواقعة بصفته فاعلاً معه أو شريكاً له فيها إلا إذا كانت الأسباب التي أقيمت عليها البراءة مؤدية بذاتها إلى براءة المتهم المطلوب محاكمته أيضاً بحيث لو أن محاكمة المتهمين الاثنين كانت قد حصلت في دعوى واحدة لرمى الحكم فيها بالتناقض البين إذا هو أدان أحدهما وبرأ الآخر ، وهذا هو الشأن في أحكام البراءة التي يكون أساسها عدم صحة الواقعة أو عدم العقاب عليها في حد ذاتها مهما كانت أشخاص المتهمين بها ، أما الأحوال الأخرى التي يمكن أن يتصور فيها قانوناً براءة متهم وإدانة آخر في ذات الواقعة ، فإنه لانعدام التناقض فيها يكون حكم البراءة مقصوراً أثره على من قضى له بها دون غيره ، ومن ذلك القبيل الأحكام الصادرة ببراءة الفاعل لانعدام القصد الجنائي لديه ، فهي لا تصلح لأن يحتج بها بالنسبة للشريك المقدم للمحاكمة على أساس توافر القصد الجنائي عنده ، إذ أن المادة 42 من قانون العقوبات قد نصت على أنه إذا كان الفاعل غير معاقب لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به فذلك لا يمنع من معاقبة الشريك ، وهذا صريح في أن القانون نفسه لا يعتبر الإدانة متعارضة مع البراءة في هذه الحالة ، وناطق بأن الشارع لا يجيز أن يتعدى أثر الحكم ببراءة الفاعل إلى الشريك ، إذ التعدية يلزم عنها حتماً تعطيل مقتضى ذلك النص بمنع النيابة العمومية بصفة مطلقة من تقديم الدليل على ثبوت نية الإجرام لدى الشريك في واقعة ارتكبها الفاعل دون أن يكون عنده القصد الجنائي كما يتطلبه القانون ، لما كان ما تقدم ، وكان الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ قضى في الدعوى بالبراءة دون أن يخوض في موضوعها ويناقش أدلتها لمجرد القول منه بأن الحكم الصادر من محكمة النقض في الطعن رقم .... والذي انتهى إلى استبعاد تهمة التزوير في حق الفاعلتين الأصليتين يجب أن يكون حجة قاطعة بالنسبة للمتهم بصفته شريكاً لهما ، إذ أن الحكم الصادر من محكمة النقض لم ينتهى إلى عدم صحة الواقعة ، كما قال الحكم المطعون فيه ، بل أسسها – كما هو ظاهر من مطالعته – على عدم توافر القصد الجنائي لدى المتهمتين الأولى والثانية بالجريمة التي رفعت بها الدعوى ، فإن ذلك لا يحول دون محاكمة الشريك في ارتكاب الفعل ، إذا كان القصد الجنائي في حقه هو ، ولذلك فإنه كان ينبغي على المحكمة أن تسمع الدعوى المرفوعة على المتهم بالاشتراك وتحقق أدلتها المقدمة فيها ثم تقضي في موضوعها على حسب ما تستظهره هي وفقاً لما تطمئن إليه عقيدتها ، أما وأنها لم تفعل بل اكتفت باعتبار الحكم الصادر من محكمة النقض قرينة قانونية ملزمة ودليلاً قاطعاً لا يقبل المناقشة والتفنيد على انعدام نية الإجرام ، لا في حق الفاعلتين المحكوم لهما بذلك وحدهما بل أيضاً في حق شريكهما الذي لم يدخل معهما في المحاكمة والذي تدعي النيابة العامة معاقبته بناءً على أدلة الثبوت التي قدمها للمحكمة ، أنه فيما وقع منه إنما كان بقصد ارتكاب فعل جنائي – أما وهي لم تفعل ، فإنها تكون قد أخطأت خطأ يعيب حكمها بما يستوجب نقضه والإعادة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائع

اتهمـت النيابة العامة المطعون ضده بأنه وآخرتين سبق الحكم عليهما :

المتهمتان الأولى والثانية : 1- بصفتهما موظفتان عامتان " خبيرتان في مصلحة خبراء وزارة العدل مكتب .... " حصلتا للمتهم الثالث ( المطعون ضده ) بدون وجه حق على منفعة من أعمال وظيفتهما بأن أعدتا تقريري خبرة متماثلين في البحث والنتيجة بما يؤيدا ادعائه في الدعويين رقمي .... ، .... بثبوت ملكيته لمساحتين قدرهما 11 س ، 9 ط ، 503 فدان من أملاك الدولة والمقدرة بمبلغ 56432783,37 جنيه " ستة وخمسين مليوناً وأربعمائة واثنين وثلاثين ألفاً وسبعمائة وثلاثة وثمانين جنيهاً وسبعة وثلاثين قرشاً " رغم عدم أحقيته فيها وبارتكاب جريمة التزوير الآتي ذكرها على النحو المبين بالتحقيقات .

2- بصفتهما الوظيفية آنفة البيان ارتكبتا تزويراً في محررين رسميين هما تقريري الخبرة موضوع التهمة الأولى بأن غيرتا بقصد التزوير موضوع كل منهما حال تحريرهما المختص بوظيفتهما وكان ذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهما بتزويرهما بأن أثبتت كل منهما في التقرير المحرر بمعرفتها خلافاً للحقيقة أن العقد المسجل رقم .... ينطبق على المساحة الموضحة بوصف التهمة الأولى رغم خلوه من البيانات والحدود اللازمة لتطبيقه وأن سلف المتهم الثالث هم واضعي اليد عليها رغم انتفاء ثمة مظاهر لوضع يدهم عليها وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .

3- استعملتا التقريرين المزورين سالفي البيان مع علمهما بتزويرهما بأن قامتا بإيداعهما لدى جهة عملهما للاحتجاج بصحة ما ورد بهما على النحو المبين بالتحقيقات .

المتهم الثالث ( المطعون ضده ) : اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهمتين الأولى والثانية في ارتكاب الجرائم المبينة بوصف التهم السابقة بأن اتفق معهما على ارتكابها وساعدهما على ذلك بأن أمدهما بالبيانات والمستندات اللازمة ثم استند للتقريرين المودعين في الدعويين السابق بيانهما بوصف التهمة الأولى للحصول على حكم بثبوت ملكيته للمسطح الوارد في كل منهما وعلى حكم بتعويض قدره ثلاثة وثلاثين مليون جنيه على المساحة الواردة بالدعوى الأولى والمطالبة بتعويض آخر قدره ثلاثة وعشرين مليون جنيه عن المساحة الواردة بالدعوى الثانية فتمت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق وتلك المساعدة .

وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

والمحكمة المذكورة قضت حضورياً – للمطعون ضده - ببراءته مما أُسند إليه .

فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمة

ومن حيث إن مما تنعاه النيابة العامة على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من جريمتي الاشتراك في تزوير محررين رسميين واستعمالهما قد شابه الخطأ في القانون والقصور في التسبيب ، ذلك أنه اعتبر الحكم الصادر من محكمة النقض في الطعن رقم .... والذي خلص إلى أن ما نسب إلى الفاعلتين الأصليتين – السابق الحكم عليهما – لا يشكل جرائم حصول الغير على منفعة بدون وجه حق والتزوير في محررين رسميين واستعمالهما – حجة قاطعة بالنسبة للمطعون ضده كشريك في تلك الجرائم وقضى ببراءته بمقولة أن أسباب ذلك أن الحكم تعلق بعدم ثبوت الجرائم وانتفاءها بالرغم من أن أسباب حكم محكمة النقض أُقيمت على عدم توافر القصد الجنائي لدى الفاعلتين الأصليتين لا على عدم صحة الواقعة ، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .

وحيث إن الحكم المطعون فيه - بعد أن بين واقعة الدعوى كما صورها الاتهام – أقام قضاءه ببراءة المطعون ضده على قوله " ... وحيث إن المحكمة لا تجد في الأدلة المقدمة من النيابة العامة السابق سردها في هذا الحكم ما يكفي لإقناعها بإدانة المتهم / .... لعدم توافر الجريمة موضوع التهمة المسندة إليه لما يلي ... أولاً : أنه من المقرر بنص المادتين 454 ، 455 من قانون الإجراءات الجنائية أن قوة الأمر المقضي للحكم الجنائي سواء أمام المحكمة الجنائية أو أمام المحاكم المدنية لا تكون إلا للأحكام النهائية بعد صيرورتها باتة ، وأن الحكم متى صار كذلك أصبح عنواناً للحقيقة ، فلا يصح النيل منه ولا مناقشة المراكز القانونية التي استقرت به ويضحى الحكم بذلك حجة على الكافة ، حجية متعلقة بالنظام العام بما يوجب على المحاكم إعمال مقتضى هذه الحجية ولو من تلقاء نفسها ، كما أنه من المقرر أنه متى صار الحكم ببراءة المساهمين في الجريمة على أسباب عينية أي موضوعية كالتي بنيت على أسباب تتعلق بالواقعة ذاتها مثال عدم توافر أحد أركان الجريمة أو عدم ثبوت ارتكاب الفعل المكون للجريمة يجب قانوناً أن يستفيد منه كل من يتهمون في ذات الواقعة باعتبارهم فاعلين أصلين أو شركاء سواء قدموا للمحاكمة معاً أو قدموا على التعاقب بإجراءات مستقلة وذلك على أساس وحدة الواقعة الجنائية وارتباط الأفعال المنسوبة لكل من عزى إليه المساهمة فيها فاعلاً أصلياً أو شريكاً ارتباطاً لا يقبل بطبيعته أي تجزئة ويجعل بالضرورة صوالحهم المستمدة من العامل المشترك بينهم وهو الواقعة التي اتهموا فيها متحدة اتحاداً يقتضي أن يستفيد كل منهم من كل دفاع مشترك ، ولما كان ذلك ، وكان البين من حكم محكمة النقض البات في الطعن رقم .... المشار إليه أن النيابة العامة رفعت الدعوى الجنائية على كل من المحكوم عليهما ( الخبيرتان بمكتب خبراء وزارة العدل بـ .... ) والمتهم الحالي بوصف أن المتهمين الأولى والثانية ارتكبا جرائم الحصول على ربح بدون وجه حق للمتهم الثالث ( المتهم الحالي ) والتزوير في محررين رسميين هما تقريري الخبرة المودعين من كل منهما في الدعويين المُشار إليهما واستعمالهما لهذين المحررين ، وكانت محكمة النقض قد استبعدت هذه التهم جميعاً قبل السابق الحكم عليهما المذكورتين على سند من افتقار الدعوى إلى الدليل المعتبر أو القرينة على أن المتهمتين عمدتا إلى الحصول على ربح للغير بدون وجه حق واستناداً على أن ما أثبتتاه هاتين المتهمتين بالتقريرين لم تقصدا به تغيير الحقيقية بقصد التزوير وانتهت محكمة النقض إلى أن الاتهام قبلهما على غير سند من الواقع والقانون وأعطت محكمة النقض التكييف القانوني والوصف الصحيح للواقعة وهي جريمة جنحة الإضرار بإهمال المؤثمة بالمادة 116 مكرر أ من قانون العقوبات وأدانتهما بذلك القيد والوصف ، وإذ كان ذلك ، وكان حق المتهم بوصفه شريكاً بالاتفاق والمساعدة في تلك الجرائم المسندة للسابق الحكم عليهما مرتبط بمركز السابق الحكم عليهما سالفتي الذكر بالحكم البات الذي حاز قوة الأمر المقضي على التفصيل السابق الذي قطع بعدم ثبوت تلك الجرائم- أي انتفاء تلك الجرائم في الواقعة ومن باب أولى عدم وجود اتفاق بين المتهم والسابق الحكم عليهما على اقتراف تلك الجرائم وإلى أن الواقعة لا تعدو أن تشكل جريمة جنحة الإهمال – الأمر الذي ينهار معه الأساس الواقعي والقانوني لتهمة الاشتراك المنسوبة للمتهم ، ولما كان ذلك ، وكان الاشتراك في الجرائم لا يقوم ولا يتحقق إلا في الجرائم العمدية ولا يتصور في جرائم الخطأ والإهمال بما لازمه عدم قصور نسبة الاشتراك بإهمال في حق المتهم ، ومن ثم فالمحكمة لا يسعها والحال كذلك إلا أن تقضي ببراءة المتهم مما أسند إليه عملاً بالمادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية . ثانياً : أنه لا ينال من ذلك الاستخلاص الذي انتهت إليه المحكمة – ما طلبته النيابة العامة من تعديل وصف الاتهام – ضد المتهم بمذكرتها المقدمة لهذه المحكمة بجلسة .... – إلى اشتراك المتهم مع الخبيرتين السابق الحكم عليهما في الحصول على ربح وتزويرهم تقريري الخبرة المودعين في الدعويين المدنيتين واستعمال هذين التقريرين على النحو الوارد بهذه المذكرة والتي حصلها الحكم في أسبابه – ذلك أن هذا الوصف الجديد – لم يضف جديداً إلى الاتهام الذي رفعت به الدعوى سلفاً بأمر الإحالة – بعد أن استبعدت محكمة النقض في حكمها البات جرائم التربح والتزوير ومن باب أولى استعمال المحررات المزورة – بل قطعت بانحسار صفة التزوير عن هذين التقريرين وقالت أن تغيير البيانات في هذين التقريرين لا يعدو أن يكون من قبيل الإهمال الجسيم ، الأمر الذي يدفع المحكمة إلى إثبات إلى أن هذا الوصف الجديد وارداً على غير محل له من وقائع بأوراق الدعوى فتطرحه المحكمة ولا تلتفت إليه سيما وأن ما جاء بالوصف الجديد المشار إليه بمذكرة النيابة العامة من تقديم المتهم لصورة العقد المسجل رقم .... أمام الخبيرتين بحسبانه مزوراً ، فإن ذلك من النيابة العامة فإنه فضلاً عن أن ذلك العقد المسجل لا ينسلخ من المستندات والأوراق التي يتكون منها هذين التقريرين في الدعويين المدنيتين قد قطع الحكم الجنائي البات سالف البيان بعدم تزويرهما ، فإن العقد يكون غير مزوراً ولا يقدح في ذلك شطبه أو استحالة تطبيقه على الطبيعة إذ لا ينهض ذلك دليلاً على تزويره خاصة وأن طلبات الشركة التي يمثلها المتهم في الدعويين المقدم فيهما صورة هذا العقد المسجل لا زالتا مرددتان بين الخصوم فيهما والتي قضت محكمة النقض المدنية في الدعوى رقم .... في الطعن رقم .... الصادر بجلسة .... بنقض الحكم المطعون فيه وإعادتها من جديد لبحث طلبات الشركة التي يمثلها المتهم والتي تدور حول مدى توافر شروط التملك بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية للمساحات موضوع الدعويين .... ، .... بحسبان أن تقديم صورة هذا العقد المسجل كان لا يعدو أن يكون قرينة على تاريخ وضع يد البائعين لتلك المساحات للشركة التي يمثلها المتهم بوصفها مشتريه للأرض موضوع التداعي " ، لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه إذا كانت الأحكام الجنائية الصادرة بالبراءة بناءً على أن الواقعة المرفوعة بها الدعوى العمومية لم تقع أصلاً أو أنها في ذاتها ليست من الأفعال التي يعاقب القانون عليها تعتبر عنواناً للحقيقة سواء بالنسبة للمتهمين الذين قضى لهم بالبراءة فيها أو لسواهم ممن ينسب إليهم ، ولو في إجراءات لاحقة المساهمة في تلك الواقعة عينها فاعلين أو شركاء ، إذا كانت هذه الأحكام تعتبر كذلك فالعلة إنما هي وحدة الواقعة الجنائية وارتباط الأفعال المنسوبة لكل متهم ارتباطاً غير قابل بطبيعته لأية تجزئة ومقتضياً انتفاء كل تفرقة بين هؤلاء المتهمين في صوالحهم المستمدة من ذلك العامل المشترك بينهم ، وهو الواقعة المتهمون هم فيها ، بل مقتضياً حتماً أن تكون تلك الصوالح مستمدة اتحاداً يستوجب أن يستفيد كل متهم من أي دفاع مشترك وهذه العلة أساسها   ما تمليه المصلحة العامة من وجوب تجنب ما تتأذى به الجماعة من قيام أي تناقض في الأحكام الجنائية المتعلقة بالأرواح والحريات ، الأمر الذي يقتضي اعتبار تلك الأحكام وهذا شأنها ، حجة في حق الناس كافة ما دام ذلك لا يكون فيه مساس بما هو مقرر لكل متهم عند محاكمته من كامل الحق في الدفاع ، وهذا هو الذي حدا بالشارع إلى أن يسن للمحاكم التي تصدر هذه الأحكام نظاماً خاصاً يغاير ما وضعه للمحاكم المدنية إذ يسر لها السبيل لأن تتحرى الحقائق مجردة بغض النظر عن أشخاص الخصوم الماثلين أمامها دون تقيد بأقوالهم أو طلباتهم التي يدلون إليها ، وإذن فلا يصح عند محاكمة أي متهم عن واقعة أن يحتج بسبق صدور حكم بالبراءة لمتهم آخر بذات الواقعة بصفته فاعلاً معه أو شريكاً له فيها إلا إذا كانت الأسباب التي أقيمت عليها البراءة مؤدية بذاتها إلى براءة المتهم المطلوب محاكمته أيضاً بحيث لو أن محاكمة المتهمين الاثنين كانت قد حصلت في دعوى واحدة لرمى الحكم فيها بالتناقض البين إذا هو أدان أحدهما وبرأ الآخر ، وهذا هو الشأن في أحكام البراءة التي يكون أساسها عدم صحة الواقعة أو عدم العقاب عليها في حد ذاتها مهما كانت أشخاص المتهمين بها ، أما الأحوال الأخرى التي يمكن أن يتصور فيها قانوناً براءة متهم وإدانة آخر في ذات الواقعة ، فإنه لانعدام التناقض فيها يكون حكم البراءة مقصوراً أثره على من قضى له بها دون غيره ، ومن ذلك القبيل الأحكام الصادرة ببراءة الفاعل لانعدام القصد الجنائي لديه ، فهي لا تصلح لأن يحتج بها بالنسبة للشريك المقدم للمحاكمة على أساس توافر القصد الجنائي عنده ، إذ أن المادة 42 من قانون العقوبات قد نصت على أنه إذا كان الفاعل غير معاقب لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به فذلك لا يمنع من معاقبة الشريك ، وهذا صريح في أن القانون نفسه لا يعتبر الإدانة متعارضة مع البراءة في هذه الحالة ، وناطق بأن الشارع لا يجيز أن يتعدى أثر الحكم ببراءة الفاعل إلى الشريك ، إذ التعدية يلزم عنها حتماً تعطيل مقتضى ذلك النص بمنع النيابة العمومية بصفة مطلقة من تقديم الدليل على ثبوت نية الإجرام لدى الشريك في واقعة ارتكبها الفاعل دون أن يكون عنده القصد الجنائي كما يتطلبه القانون ، لما كان ما تقدم ، وكان الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ قضى في الدعوى بالبراءة دون أن يخوض في موضوعها ويناقش أدلتها لمجرد القول منه بأن الحكم الصادر من محكمة النقض في الطعن رقم .... والذي انتهى إلى استبعاد تهمة التزوير في حق الفاعلتين الأصليتين يجب أن يكون حجة قاطعة بالنسبة للمتهم بصفته شريكاً لهما ، إذ أن الحكم الصادر من محكمة النقض لم ينتهى إلى عدم صحة الواقعة ، كما قال الحكم المطعون فيه ، بل أسسها – كما هو ظاهر من مطالعته – على عدم توافر القصد الجنائي لدى المتهمتين الأولى والثانية بالجريمة التي رفعت بها الدعوى ، فإن ذلك لا يحول دون محاكمة الشريك في ارتكاب الفعل ، إذا كان القصد الجنائي في حقه هو ، ولذلك فإنه كان ينبغي على المحكمة أن تسمع الدعوى المرفوعة على المتهم بالاشتراك وتحقق أدلتها المقدمة فيها ثم تقضي في موضوعها على حسب ما تستظهره هي وفقاً لما تطمئن إليه عقيدتها ، أما وأنها لم تفعل بل اكتفت باعتبار الحكم الصادر من محكمة النقض قرينة قانونية ملزمة ودليلاً قاطعاً لا يقبل المناقشة والتفنيد على انعدام نية الإجرام ، لا في حق الفاعلتين المحكوم لهما بذلك وحدهما بل أيضاً في حق شريكهما الذي لم يدخل معهما في المحاكمة والذي تدعي النيابة العامة معاقبته بناءً على أدلة الثبوت التي قدمها للمحكمة ، أنه فيما وقع منه إنما كان بقصد ارتكاب فعل جنائي ، أما وهي لم تفعل ، فإنها تكون قد أخطأت خطأ يعيب حكمها بما يستوجب نقضه والإعادة .

                     ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق