الصفحات

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2021

الطعن 139 لسنة 37 ق دستورية عليا جلسة 4 / 12 / 2021

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من ديسمبر سنة 2021م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1443 ه.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقى والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 139 لسنة 37 قضائية "دستورية"، المحالة من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية، بحكمها الصادر بجلسة 9/ 3/ 2015، في الدعويين رقمي 25872، 25873 لسنة 61 قضائية.

المقامة أولاهما من
علاء زهدي زكي فرّاج، بصفته أمين عام نقابة المهندسين بالبحيرة
ضد
1- وزير العدل 2- مساعد وزير العدل لشئون الشهر العقاري 3- وزير الأشغال العامة والموارد المائية 4- أمين عام مصلحة الشهر العقاري 5- رئيس مكتب توثيق دمنهور
والمقامة ثانيتهما من
سعيد عبد القادر عبد المالك قريطم، بصفته رئيس لجنة تسيير أمور نقابة المهندسين بالبحيرة
ضد
1- وزير العدل 2- رئيس محكمة دمنهور الابتدائية 3- رئيس قلم كتاب محكمة دمنهور الابتدائية

-------------------
" الإجراءات "
بتاريخ الثاني من سبتمبر سنة 2015، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعويين رقمي 25872، 25873 لسنة 61 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بجلسة 9/ 3/ 2015، بوقف الدعويين، وإحالة أوراقهما إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة رقم (51) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين، فيما نصت عليه من إعفاء النقابة من كافة الضرائب والرسوم التي تفرضها الحكومة أو أية سلطة عامة أخرى مهما كان نوعها أو تسميتها، وكذا إعفاء أموال النقابة العامة والنقابات الفرعية، الثابتة منها والمنقولة، وجميع أموال صندوق المعاشات والإعانات، والإيرادات الاستثمارية من جميع الضرائب والرسوم التي تفرضها الحكومة أو أية سلطة عامة أيًّا كان نوعها أو تسميتها. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها. ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

------------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أنه بمناسبة فرض الحراسة القضائية على نقابة المهندسين والنقابات الفرعية، تقدم أمين عام النقابة الفرعية بالبحيرة - المُدّعي في الدعوى الموضوعية الأولى - إلى مكتب توثيق دمنهور النموذجي، طالبًا عمل إقرار بالتخالص عن مديونية عدد من أعضاء النقابة، وقدم لإثبات صفته التوكيل العام رقم 2416 ب لسنة 1999، ورفض المكتب التصديق على الإقرارات؛ على سند من أن وكالة المدعى لا تبيح له التوقيع على المخالصات أمام الشهر العقاري، وعدم اعتماد محضر نقابة المهندسين من الوزارة المختصة، فضلًا عن عدم حصوله على توكيل في القضايا من الحارس القضائي المعين لإدارة النقابة من قبل المحكمة، فأقام الدعوى رقم 25872 لسنة 61 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، طالبًا الحكم بوقف تنفيذ قرار مكتب توثيق دمنهور السلبى، بالامتناع عن إجابته لطلبه المشار إليه؛ على سند من أن حكم الحراسة القضائية على نقابة المهندسين قاصر على النواحي المالية دون الإدارية والمهنية.
ومن جانب آخر، أقام المُدّعي في الدعوى الموضوعية الثانية دعواه الرقيمة 25873 لسنة 61 قضائية، أمام المحكمة ذاتها، طالبًا القضاء بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن إعفاء النقابة الفرعية بدمنهور، من جميع الضرائب والرسوم التي تفرضها الحكومة أو أي سلطة عامة أخرى، وما يترتب على ذلك من آثار. وتساند في هذه الدعوى إلى أن النقابة، كانت قد وجهت إنذارات قضائية إلى مهندسين من أعضائها، بسداد مبالغ نقدية مستحقة لها، فقام قلم المحضرين بفرض رسوم على تلك الإنذارات، حال أن النقابة معفية من الرسوم بموجب نص المادة (51) من قانونها رقم 66 لسنة 1974.
وبعد أن قررت المحكمة ضم الدعويين، ليصدر فيهما حكم واحد، قضت فيهما بجلسة 9/ 3/ 2015، بوقف الدعويين، وإحالة أوراقهما إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية النص المشار إليه، على سند من أن المشرع لم يُبين علة إعفاء النقابة من كافة الضرائب والرسوم، ولم يمنح هذا الإعفاء لأى من أشخاص القانون الخاص، أو لغيرها من أشخاص القانون العام، المحملة بالأعباء ذاتها التي تتحملها النقابة، بما يخل بمبدأ المساواة.
وحيث إن المادة (51) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين تنص على أن" تعفى نقابة المهندسين والنقابات الفرعية من جميع الضرائب والرسوم التي تفرضها الحكومة أو أية سلطة عامة أخرى مهما كان نوعها أو تسميتها. وتعفى أموال النقابة والنقابات الفرعية، الثابتة منها أو المنقولة، وجميع أموال صندوق المعاشات والإعانات، والإيرادات الاستثمارية من جميع الضرائب والرسوم التي تفرضها الحكومة أو أية سلطة عامة أيًّا كان نوعها أو تسميتها".
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى، لعدم توافر المصلحة، فإنه مردود بأن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. وقوام هذه المصلحة أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكانت طلبات المدعي في الدعوى الموضوعية رقم 25873 لسنة 61 قضائية، تتحدد في إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن إعفاء النقابة الفرعية بدمنهور، من رسوم الإنذارات القضائية، فإن الفصل في دستورية الفقرة الأولى من المادة (51) من قانون نقابة المهندسين المشار إليه، فيما نص عليه من إعفاء النقابة من جميع الرسوم، يرتب انعكاسًا أكيدًا وأثرًا مباشرًا على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، مما يتوافر معه شرط المصلحة في الدعوى المعروضة، ويتحدد نطاقها فيما نصت عليه تلك الفقرة من إعفاء نقابة المهندسين والنقابات الفرعية، من سداد جميع الرسوم، أيًّا كان نوعها أو تسميتها، دون غيرها من باقي أحكام نصى فقرتي تلك المادة.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن النصوص القانونية التي ينظم بها المشرع موضوعًا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.
وحيث إن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافةً؛ باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ - في جوهره - وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يَرْتَئِيه محققا للصالح العام. وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، وذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4، 53) من الدستور، بما مؤداه: أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص التشريعي - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إن إنشاء النقابات على أساس ديمقراطي حقٌّ يكفله القانون، بما لها من شخصية اعتبارية تمارس من خلالها نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم. والأمر ذاته بالنسبة للنقابات المهنية، فينظم القانون إنشاءها وإدارتها على أساس ديمقراطى يكفل استقلالها ويحدد مواردها، وفقًا لنصى المادتين (76، 77) من الدستور، بما يشمله ذلك من ضرورة توفير الرعاية الاجتماعية لأعضائها وتقرير المعاشات التى تؤمن حياتهم في حاضرها ومستقبلها.
وحيث إن تنظيم المهن الحرة، ومنها مهنة الهندسة، باعتبارها مرافق عامة، مما يدخل في صميم اختصاص الدولة، بوصفها قوامة على المصالح والمرافق العامة، فإذا رأت الدولة أن تتخلى عن هذا الأمر، لأعضاء المهنة أنفسهم - من خلال النقابات التى ينتسبون إليها - لكونهم الأقدر عليه، وتخويلهم نصيبًا من السلطة العامة يستعينون به على تأدية رسالتهم، مع الاحتفاظ بحقها في الإشراف والرقابة تحقيقًا للصالح العام، فإن مؤدى ذلك أن تقوم الهيئات التمثيلية لهذه المهن بما تلتزم به الدولة تجاه أصحابها.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مؤدى النص في عجز الفقرة الرابعة من المادة (38) من الدستور من أن" يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب، والرسوم، وأى متحصلات سيادية أخرى، وما يودع منها في الخزانة العامة للدولة "، أن الدستور وإن كان قد أوجب أصلاً عامًا يقتضى أن تصب حصيلة الضرائب العامة وغيرها من الإيرادات العامة للدولة في الخزانة العامة للدولة، لتتولى تحديد مصارفها تحت رقابة المؤسسة التشريعية، بقصد تحقيق الصالح العام، على ما نصت عليه المادة (124) من الدستور، فإن ما يستفاد من هذا النص بدلالة المخالفة - على ما أفصحت عنه مناقشات لجنة الخمسين التى أعدت مشروع الدستور - أن الدستور قد أجاز للمشرع، على سبيل الاستثناء، وفى أضيق الحدود، أن يحدد ما لا يودع من حصيلة الموارد المالية في الخزانة العامة، ليكون إعمال هذه الرخصة - بحسبانها استثناءً من الأصل العام - أداته القانون، وفى حدود تنضبط بضوابط الدستور، فلا يصح هذا التخصيص إلا إذا كان الدستور ذاته قد نص في صلبه على تكليف تشريعى صريح ذى طبيعة مالية، قدَّر لزوم وفاء المشرع به، وأن يتصل هذا التكليف بمصلحة جوهرية أولاها الدستور عناية خاصة، وجعل منها أحد أهدافه، وأن يقدر استنادًا إلى أسباب جدية، صعوبة تخصيص هذا المورد من الموازنة العامة في ظل أعبائها. فمتى استقام الأمر على هذا النحو، جاز للمشرع تخصيص أحد الموارد العامة إلى هذا المصرف تدبيرًا له، إعمالاً لأحكام الدستور، وتفعيلاً لمراميه، سواء كان ذلك التخصيص بطريق مباشر لهذا المصرف، أو بطريق غير مباشر، من خلال إعفائه من أداء أحد الموارد العامة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن الرسم مبلغ من النقود تحصله الدولة جبرًا من شخص معين، مقابل خدمة يؤديها له أحد مرافقها، ومن ذلك مرفق القضاء، ومناط استحقاق الرسم قانونًا أن يكون مقابل خدمة محددة بذلها الشخص العام لمن طلبها كمقابل لتكلفتها وإن لم يكن بمقدارها، عوضًا عما تتكبده الدولة من نفقات لأداء الخدمة التي تتولاها في سبيل تسيير مرفق العدالة.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها. ويتمثل جوهر هذه السلطة في المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها غير الحلول التى يقدر مناسبتها أكثر من غيرها لتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وكلما كان التنظيم التشريعى مرتبطًا منطقيًّا بهذه الأغراض - وبافتراض مشروعيتها - كان هذا التنظيم موافقًا للدستور.
وحيث كان ذلك، وكانت المادة (2) من القانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن نقابة المهندسين، قد بينت أهداف النقابة، ومن بينها الارتقاء بالمستوى العلمى والمهنى للمهندسين، والمحافظة على كرامة المهنة، ووضع وتطبيق الأسس الكفيلة بتنظيم ممارستها وأداء أعضائها لواجبهم في خدمة البلاد، وتعبئة قوى أعضاء النقابة وتنظيم جهودهم في خدمة المجتمع لتحقيق الأهداف القومية وأهداف التنمية الاقتصادية ومواجهة مشكلات التطبيق واقتراح الحلول المناسبة لها، والاشتراك الإيجابى في العمل الوطنى، والعمل على رفع مستوى الأعضاء من النواحى الهندسية والاجتماعية والمادية وتأمين حياتهم، ورعاية أسرهم اجتماعيًّا واقتصاديًّا وصحيًّا وثقافيًّا، والإسهام في دراسة خطط التنمية الاقتصادية والمشروعات الصناعية والهندسية، والعمل على ربط البحوث العلمية والهندسية بمواقع الإنتاج، وذلك بدراسة أساليب الإنتاج ووسائل تحسينه وزيادته وخفض تكاليفه، والعمل على نشر الوعى الهندسى.
وحيث إنه تمكينًا لنقابة المهندسين من تحقيق الأهداف المتقدمة، فقد أعفاها المشرع - بموجب النص التشريعى المحال - من جميع الرسوم التى تفرضها الحكومة أو أية سلطة عامة أخرى، مهما كان نوعها أو تسميتها، وذلك في إطار استعماله لسلطته التقديرية في تنظيم الأعباء المالية العامة، والمحمل بأدائها، وحالات الإعفاء منها، على نحو يحقق المصلحة العامة، ويُمكّن تلك النقابة من تحقيق الأغراض التي حددها لها على الوجه الأكمل، من خلال مواردها المالية الذاتية، دون أن يقتطع منها جزءًا لتخصيصه للوفاء بالرسوم التي أعفاها منها، ذلك أن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق هو إطلاقها، باعتبار أن جوهرها تلك المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم التشريعى، موازنًا بينها، مرجحًا ما يراه أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وأكفلها لأكثر المصالح ثُقلاً في مجال إنفاذها.
متى كان ذلك، وكان المشرع في مجال سلطته في الاختيار بين البدائل المتاحة أمامه، عند إقراره أحكام النص المطعون فيه، قد فاضل بين وجهين من أوجه المصلحة العامة، أولهما: يتمثل في استيفاء الدولة لهذه الرسوم باعتبارها موارد سيادية، الأمر الذي يصب بشكل مباشر في المصلحة العامة، وينعكس إيجابًا على إيرادات الخزانة العامة، وقدرتها على الوفاء بما هو موكول إليها. وثانيهما: المصلحة العامة المتعينة في تمكين نقابة المهندسين من الارتقاء بالمستوى العلمي والمهني للمهندسين، والمحافظة على كرامة المهنة، وتعبئة قوى أعضائها، وتنظيم جهودهم في خدمة المجتمع لتحقيق لأهداف القومية، وأهداف التنمية الاقتصادية، وغيرها من الأهداف التي من أجلها قامت النقابة، ويتعذر تحقيقها إلا بالحفاظ على مواردها المالية وتدعيمها. الأمر الذي قدّر معه المشرع أولوية الوفاء بالهدف الأخير، لكونه الأقرب لتحقيق الصالح العام، من خلال إعفاء النقابة من جميع الرسوم التي تفرضها الحكومة أو أية سلطة عامة أخرى مهما كان نوعها أو تسميتها. ومن جانب آخر، فقد توافرت في هذا الإعفاء كافة الضوابط الدستورية المقررة لتخصيص أحد الموارد العامة لهذه النقابة من خلال الإعفاء من أدائه، إذ تقرر بموجب قانون، ولتحقيق مصلحة جوهرية أولاها الدستور عناية خاصة، متوخيًا من ذلك عدم الانتقاص من الموارد المالية للنقابة، بمقدار الرسوم محل الإعفاء، حتى تتمكن من القيام بالمهام الملقاة على عاتقها، وتقديم الخدمات المنوطة بها، التى تُعد كفالتها واجبًا والتزامًا على الدولة، غايته تحقيق مصلحة جوهرية أولاها الدستور اهتمامه وعنايته. ومن ثم يكون هذا التخصيص - عن طريق الإعفاء المشار إليه - قد وافق الغايات الصريحة للدستور.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم قالة مخالفة النص التشريعى المحال لمبدأ المساواة المقرر بالمادة (53) من الدستور، ذلك أن النقابة تتمتع ببعض امتيازات السلطة العامة، ومنحت قسطًا من السلطة العامة بالقدر الذي يمكنها من أداء رسالتها، ومن ثم فإنها تُعد من الأشخاص الاعتبارية العامة. ويتباين مركزها القانونى عن مركز آحاد الناس من المواطنين، ومن ثم، يجوز للسلطة التشريعية أن تغاير، وفقًا لمقاييس منطقية، بين ما تقرره من أحكام لتلك المراكز التي لا تتحد معطياتها، وتتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها. ولا يغير من ذلك أن الإعفاء من الرسوم خص به المشرع نقابة المهندسين، دون غيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، المحملة بأعباء تماثل تلك التى تقوم عليها نقابة المهندسين، فذلك مردود بأن المساواه تقوم عند اتحاد المراكز القانونية في مجمل عناصرها، أما في حالة اختلاف المراكز القانونية أو عنصر من عناصرها، فلا مجال لإعمال قاعدة المساواة، إذ يرتبط الإعفاء من كل أو بعض الرسوم بالملاءة المالية للشخص الاعتبارى العام، وطبيعة الأهداف التى أنشئ لتحقيقها. فضلا عن أن المشرع، ساوى في هذا الإعفاء بين سائر النقابات المهنية.
وحيث كان ما تقدم، وكان الإعفاء من جميع الرسوم، الوارد بالنص التشريعى المحال، قد تقرر في حدود السلطة التقديرية التى يملكها المشرع، منضبطًا بالأداة الدستورية الصحيحة، متوخيًا تحقيق أهداف تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى سعى لتحقيقها من وراء هذا الإعفاء، دون أن ينطوى ذلك على إخلال بمبدأ المساواة بين أصحاب المراكز القانونية المتكافئة، أو بأى من أحكام الدستور الأخرى، الأمر الذى تقضى معه المحكمة برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق